ملفات خاصة

 
 
 

زياد كان واحداً من أولاد حارتنا

ماهر راعي

الموهوب والعبقري الثائر

زياد الرحباني

   
 
 
 
 
 
 

أختي المنشغلة بهاتفها عن أحاديثنا المملة، ذلك الخليط المضج من جدالات الدين والسياسة، فجأة تضع أصابعها على فمها وتشهق، تبّتر بشهقتها تلك صخبنا الممل، تذهب عيوننا نحوها بقلق لنتحرى الخبر، فليس أسهل الآن من أخبار القتل والموت والذل والكوارث! وبصوت محبّ وحزين كأنها تقول اسم ابن الجيران: “مات زياد الرحباني!” صمتنا جميعا لنبتلع ذلك الخبر الصادم – غريب أمر السوري هل ثمة مكانا لأخبار صادمة؟! – ثم دارت الأحاديث والذكريات التي يمر اسم زياد فيها، ماذا قال، وماذا فعل، متى لحن أغنية “دلال” أو “بلا ولا شي”، كيف أقنع فيروز أن تغني “كيفك أنت” وكيف أنه أرفق بروفات الأغنية في الكاسيت، ضحكنا إذ كان يومها بيننا من يظن أن زياد خرّب أمه. وواصلنا حديثنا عن متى قدّم عمله المسرحي أو أوقف عرض عمل ما، ليقطع كلامنا وذكرياتنا مراهق من أولاد العائلة بسؤال طبيعي فيه شيء من الاستغراب والاستفهام الحقيقي: “خالو أنتو كنتو بتعرفوه بشكل شخصي يعني؟ ليش؟ ولا مرة شفتو؟

بدت أسئلة محقة تماماً، إذ بدونا نتحدث عن اسم نعرفه شخصياً، صديق للعائلة أو أحد الأقرباء الذين انقطعت أخبارهم لسبب ما، أو ربما ظن أنه جار قديم ترك الحارة!

نعم كان زياد صديقاً قديماً.

ليس من المجدي أن أكتب هنا عن عبقرية زياد الموسيقية فلست ابن هذا الكار والتخصص، مع أنني سمعت مرة من صديق متخصص – مع أنه ليس من شلة المهوسين بزياد- لكنه قال يومها بكل موضوعية “زياد خلاصة الموسيقى العربية في آخر مائة عام”، كما سأترك هنا الكلام عن مسرحه فارغاً لنفس السبب، لكن أستطيع القول إننا، أي جيل السبعينيات والثمانينيات، كنا نحفظ مسرحياته عن ظهر قلب، ونقتني “كاسيتاتتها” بفرح من يملك كنزاً ساحراً ، كذلك لابد أن أقول أنني لطالما رفضت  من موقعي الأكاديمي المتخصص كباحث في علم الاجتماع كل أنواع المقولات التي تقزّم أو تكثّف أو تختصر بعض النظريات والمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لكنني فشلت أمام بعض مقولات زياد التي مرّرها في مسرحه أو حتى في لقاءاته التلفزيونية وبرامجه الإذاعية، وليس رأيه في الفقر بحوار مع ثريّا في “نزل السرور” إلا مثالاً من أمثلة عدة، عبقرية حقيقية استطاع ببساطة أن يمسك مشاكلنا بيد واحدة من سعر الخسة إلى فهم المواطنة والوطن، وكما يحصل في جميع ميادين الإبداع ثمة أصوات يصبح أسلوبها ماركة مسجلة تطغى على كل من يحاول بعدها، فيصبح الفكاك من الأسلوب وخلق الصوت الخاص يتطلب جهداً كبيراً. لقد طغى زياد على أسلوب التنكيت وخلق النكتة سواء لجهة تركيبها وحتى نغمة الصوت وصولاً إلى السكتات والقفلات، إذ وجدنا جيشاً من الأشباه الذين ينتحلون باللاوعي حتى صوته في قول النكتة وصناعة الموقف أو التعليق الطريف.

ليست مبالغة إذ قلنا أن ظاهرة زياد بكل تنوعاتها وغناها تحتاج لدراسات أكاديمية متخصصة، ويمكن إنجاز مئات الأطروحات الجامعية عن فنه وعبقريته وحتى حياته، لكنني سأعتبر وإلى حين أن ما قالته فيروز صديقتنا الأجمل عن ابنها في واحدة من لقاءاتها كان أجمل ما سمعته من أم ومن مثقفة ومن مبدعة تصف فيها زياد ابنها وشريكها في الفن والإبداع، ويفرحني أن أفرّغ كلام الفيديو هنا في هذه المساحة، لأنني أعتقد أن هذا الكلام لا يكفي أن نسمعه مرة واحدة، بل يجب أو أدوّنه – مجبرا على التضحية بصوتها الساحر – على شيء من حفظه في المقام الأول:

زياد متل آلة تصوير بتلقط الصور يلي ما بيقدر يشوفها حدا..الصور الموجودة بالعتمة، أو يلي حطوها بالعتمة، وعندو قدرة على مراقبة الأشياء بدقة غريبة، متل ما عندو تأمل طويل لعلاقة الاشيا ببعضها، كل شي بالحياة إلو وجهو الساخر، وعظمة زياد إنه قدران يلقط ويصور هالوجه الساخر، لأنو عميق كتير بمعرفة الوجه المأساوي لهالشي، ما كنت بالأول قدرانة شيل الأم، ولا كان عاصي قدران يشيل البي، من خلال نظرتنا لزياد، بس زياد شال الأم والبي على جنب، وحط فيروز الفنانة وعاصي الفنان، ولهالسبب كان في ضرورة إنو زياد يختار بحرية الإتجاه المناسب لفنه، سلاح زياد بالفن نظرتو للإنسان وللوجود، سلاحو الشك العميق يلي بيخلق جمالية الفن والقسوة الصعبة يلي بتخلق الإشيا يلي عم تنما قدام الإشيا يلي عم تختير”.

*****

خاص بأوكسجين

 

####

 

وينك يا أبو علي

شادي خرماشو

كأبٍ لم يصفعني

وأمٍ لم تهجرني

كامرأةٍ لم أحبها

من طرف واحد

كأخٍ لم يحمّلني

وزر أخوّته

ورفيقٍ لم يغيّره الزمن

من أذِن لك

أن تسبقنا إلى الموت؟

أن تجبر أمك على السعي إليه

لتعود إليك؟

أن تترك واقعنا بلا حقيقة

ومخيّلتنا بلا خيال

وأيامنا بلا ضحك وإدراك وبكاء؟

أن تتركنا وحدَنا

مع كل الأنذال؟

هل أتى مثلك قبلك

لننتظر معجزة بعدك؟

كيف لك أن تذهب بلا وريث

بلا خليفة

أو مُريد؟

أي موسيقى

سترافق الآن مشهد رحيلك؟

كيف نضحك على ما قُلته

في غيابك؟

كيف نفهم الآن مجازك؟

كيف نحزن

كيف نتأمّل

ونأمل؟

كذبتَ
عندما قلت

أنا مش كافر

رحلتَ

فكفرت

وبصراحة

لطالما أحببتُ وقاحتك

إلى أن تماديتَ فيها

ومتّ

غبتَ

فأرجعتني طفلاً يقول

ما بدي

ركلتني إلى شيخوخة مبكرة

صيّرتني عجوزاً يقول

ما فيني

كعاشق أرعن

أقول لك

لن أسامحك

*****

خاص بأوكسجين

 

####

 

زياد الذي أحببناه … زياد الذي خذلنا

بهيج وردة

على جدار شقتنا الصغيرة بالشارقة، تتصدر ثلاث إطارات لصور تجمعنا مع مبدعين نحبهم أنا ونادين زوجتي. كنت موجوداً في صورتين، وغبت عن الثالثة بكل إصرار وحماقة، لا بل كنت أنا من التقط الصورة وقتها، ورفضت أن أكون ضمن الإطار. الأولى مع الراحل د. سماح إدريس وشقيقته د. رنا عند توقيع عقد رواية نادين الأولى في “دار الآداب”، والثانية جمعتنا مع شربل روحانا في حفل أصدقاء جامعة القدس في أبوظبي، والثالثة ضمّت نادين وزياد خلال معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 2014.

كان ذلك زياد الذي لا أحبه. أذكر كم انزعجت بعد مقابلته مع غسان بن جدو، وخيبة الأمل التي أصابتني من مواقفه تجاه النظام الأسدي، وتأييده للحل الروسي، وانتقاده الشديد للثورة والفصائل المعارضة، وأجسامها السياسية مثل المجلس الوطني. طلب مني وقتها صديقي أن أعطيه فرصة ثانية “ولو هذا أبو الزوز!”، وعدته بذلك، لكن ما تلاها من تصريحات لم تكن أفضل حالاً. في العام 2013 قاطع عدد من طلاب الجامعة الأميركية في بيروت جلسة حوارية معه. وبقي على موقفه كما في كثير من المقابلات التي أجراها طيلة عمر الثورة السورية. لم تكن هذه المقابلات مكاناً أود أن يتعرف من خلالها الناس إلى أبو الزوز. من أراد أن يتعرف إلى زياد متحدثاً بالسياسة فإن واحداً من الخيارات المفضلة كانت حوار العمر مع جيزيل خوري مثلاً. الحوار الذي تداولناه في سوريا على أقراص سي دي في وقت كان التقاط البث التلفزيوني لقناة ال بي سي محدوداً في مدن الساحل وحمص. هوجم زياد كثيراً، وكنت من أولئك الذين انتقدوه وقتها، ولم أقبل أن يكون كلامه جزءاً من الشخص الذي أحببت، وربما كنت متطرفًا بالرأي هنا.

لم أخف مرارتي من موقف هذا الشخص الذي أحب، وأتحدث كمتحيّز لإنتاجه الموسيقي والمعرفي، وهو الأمر الذي ترك أثره فيّ حين التقيته في بيروت 2014، ورفضت أن أتصوّر إلى جانبه خلال توقيع ديوان نزيه أبو عفش “مضى الربيع كله”. حضر زياد ليلتقي صديقه، وصادف وقتها توقيع اثنين من كتب نادين في اليوم نفسه فالتقينا. أجل، أنا نادم. ولا أكتب لأنعي خسارتي لصورة، إلا أنني أنعي مبدعاً أبدأ نهاري بفيروزه، وأمرر الوقت الصعب مع البوسانوفا التي قدمها، وعندما أحتاج إلى موسيقا للمتعة، أو للتركيز، أو كموسيقى تصويرية لطريق القيادة الطويل، كان خياري التلقائي. وأحاول دوماً أن أبذل مجهوداً لأتخلص من إرث هذه الموسيقى التي اكتشف أني أغرق فيها في لا شعوري، فأقرر أن أخرج منها إلا أني سرعان ما أعود، كما يفعل عقلي في حالات الأرق، عندما يختار الأسهل. وزياد كان خياري الأسهل، والمضمون.

وهنا أؤكد انحيازي لفيروز زياد، وحزني من اختطاف ريما لها في ألبومها “ببالي”، إذ كان الأمل أن يجمع تعاون فيروز بزياد، إلا أن ريما كان لها رأي آخر. لا بأس إن غضبت ريما من هذا الرأي. بالتأكيد هي أكثرنا حزناً على رحيل شقيقها، وأتمنى أن تغضب كفاية لتُفرج عن شيء جمع فيروز بزياد إن كان هناك شيء ما في الأدراج، فبعض الغضب حين يُترجم إلى حبّ، قد يُنقذ ما تبقى من صور غير مُلتقطة.

وفي التداعي تستدعي الذاكرة أحلى اللقطات التي كان منها حفلات زياد في احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008، المرة الأولى التي يزور فيها أبو الزوز الشام. من أصل خمس حفلات، حضرتُ ثلاثاً منها، ورغم أنها كانت على مدار خمسة أيام متتالية، إلا أني نجحت في اختراع حجج كافية لأتهرب من العمل وأكون هناك. صورنا حلقة عن الليلة الأولى ضمن برنامج ثقافي على تلفزيون خاص عملت فيه، واختلفتُ أنا وصديقي نجيب مظلوم من سيحضر بقية الحفلات، إلا أن كلا منّا نجح بحضور ثلاث منها، وتركنا الموقع الإلكتروني وحيدا في واحدة من تلك الأمسيات. وفي الليلة الختامية والتي صارت ألبوما  (Live at Damascus Citadel 2008) در عن الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية، مازحنا أبو الزوز، وتحدث كيف فوجئ بمعرفة الجمهور لأغنياته كلها. وأشار إلى أنه عند التحضيرات لم يكن الأمر صعباً إذ كلما سأل عن أغنية يكون الجواب إن الجمهور يحفظها عن ظهر قلب. وقتها قال: “إن اجتمعتم في مكان ما للغناء أخبرونا، وسنطلب من الأمانة تذاكر ونأتي لنحضر معكم”. ولحسن الحظ عاد في 2009 إلى القلعة وقدم حفلة حملت عنوان “منيحة”، لكنه لم يعد إلى دمشق بعدها، ولا كثير ممن حضروه بقي فيها.

إلا أن اللقاء التالي لم يكن بعيداً، وفي العام 2011 حضرته في أبوظبي، في فندق وان تو وان، حيث كان يعزف، لكنه بالتأكيد لم يكن بحرارة اللقاء في قلعة دمشق. وقتها حاولت مع الأصدقاء أن نلتقط الصور معه، لكنه اعتذر بأدب، ولم أمانع اعتذاره. وكثيرون لم يمانعوا. كانوا يريدون حضور زياد، لا مجرد صورة معه. لكن لا شيء مميز في البرنامج. زياد الرحباني مع فرقته يعزف لزبائن مطعم لم يكن مزدحماً كفاية حتى، ليكون الموسيقى التصويرية لجلستهم. يومها لم نتحدث، جئنا فقط لنستمتع مع حضور زياد وموسيقاه.

كان التعرف إلى مسرحياته الحدث التأسيسي الأبرز في حياتي الذي عرفني إلى زياد. كانت مسرحياته التي وصلت إليها بصعوبة في وقت كان نسخ الأشرطة هو الحل الوحيد ليصل إلينا. بدأت مع “سهرية” (1973)، و”نزل السرور” (1974)، و”فيلم أميركي طويل”(1980)، وكانت الأخيرة التي توقفت عندها طويلاً، وخصوصا في تناولها الحوارات داخل المصح النفسي الذي تبين أننا لا زلنا نعيشه منذ زمن تقديمها في زمن الحرب الأهلية اللبنانية 1980، وقد يبدو من المفيد استعادة هذه المسرحية في وقتٍ تعود فيه الانقسامات الطائفية لتُرخي بسُدولها على مناطق كثيرة في العالم، وتسقطها على البلد الذي تشاء، لترى هذا النقد ممكناً. إلا أن ما فاجئني وقتها كمراهق يبحث عن لغته وانتماءاته هو زمن هذه المسرحيات وطزاجتها فيما أنا أستمع إليها في التسعينات. لتكرّ السبحة من بعدها، وأتوقف في أواخر التسعينات عند “شي فاشل” (1983)، والتي مثلت بالنسبة لي مانشيت الانفصال عن الجيل الكلاسيكي، وترسيخ الموروث، وتناوله بطريقة فيها من المغالطات ما يُبقيه حبيس الأدراج، وذلك من خلال الانتقاد الذي يُقدّمه على لسان أبو الزلف في تقريعه لـنور. وإذا عدت إلى المقطع الذي يمرّ ببالك سريعا، والذي يبدو أقرب إلى مرافعة من أبو الزلف في وجه نور (الكاتب والمخرج المسرحي)، الذي يقدم مسرحيّة “جبال المجد” عن لبنان المثالي، وقرية يملؤها الحبّ والوئام، فإنك ستغرق في نوبة من الضحك والأسى في آن معاً لما تراه في عالمنا المعاصر، والقاع التي علقنا فيها، فيما تناولها أبوالزوز منذ ما يقارب الثلاثين عاماً!

لكن الانتقاد الأبرز الذي قدّمه، والذي عزّز من صورته لدى السوريين، وربّما شكّل نوعا ما سبباً لخيبتهم من مواقفه السياسية مؤخراً، وهنا أحاول أن أبحث في داخلي عن أسباب الغضب كما عرفته على مدار سنواته وتجربته، لا بمنظار من تناوله بالانتقاد بعد مواقفه السياسية التي تلت العام 2011. هو برنامج “العقل زينة” على أثير إذاعة صوت الشعب التابعة للحزب الشيوعي اللبناني، الذي انتقد فيه النظام السوري. أمّا التهمة الأكبر فكانت حيازة كاسيت “بعدنا طيّبين… قول الله”، الذي تمّ تداوله كمنشور سري في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي، على أشرطة كاسيت، وكان بمثابة تهمة جاهزة لدى أجهزة الأمن السورية للقبض على أي شخص، وفيه انتقد النظام السوري بشكل حاد. بالطبع لم تكن الأجهزة تحتاج إلى تهمة، لكن حيازة هذا الكاسيت كانت خطيرة كفاية، وقد احتاجت مني شخصياً، ومن العديد من الأصدقاء، المرور عبر دوائر متعدّدة من “الثقات” كي يصلنا في بدايات زمن السي دي والنهم إلى معلومات كان تداولها خطيرا وصعبا. للأسف كان علينا الانتظار أكثر من عقد ونصف للاستماع إلى هذا المنشور السري.

أكتب الآن وفي ذهني أولئك القساة من منتقدي زياد، دون أن أعد نفسي واحداً منهم. أكتب لأفهم موقفي وأراجع شيئاً من قسوتي عليه، تلك القسوة التي ما كانت يوما إلا عتب محب. وربما لا مفر من الاعتراف بأنّ الموقف من زياد الرحباني ليس تصريحاً يلخص كل شيء، بل موقف معقد، تتداخل فيه المشاعر بالفكر، ويتطلب بعض التروي في بعض مطارحه. لكني أؤكد لنفسي أولًا أن كل ما كان يدور داخلي من التباس سياسي أو خيبة بقي خارج دائرة الموسيقى. لم أمس الأغنيات أو المقطوعات الموسيقية التي رافقت حياتي، والتي كانت اختياري الحر والوحيد في أحيان كثيرة. هل يحبسه هذا في كيتش التراث؟ لا أتوقع.

وهنا يحسن التوقف عند محطةٍ أراها مفصلية في توثيق تجربته، حين أصدر الراحل سماح إدريس في العام 2010، عدداً خاصاً عن زياد في مجلّة “الآداب”. ملف لافت ومتوفر إلكترونيا حتى يومنا هذا، أعدّه أكرم الريّس، بعيدا عن صخب الصحافة اليومية، وأرى رغم وفرة التحليلات التي تناولت أعمال زياد، أنّ هذا العدد جمع نخبة من المحبّين والنقّاد والدارسين، فكان المرجع الأمتن والأصدق لما قدّمه هذا الفنان.

والآن بعد رحيله لن يبقى إلا زياد الذي أحببناه، فلا يمكن اختزاله في موقف، بل في كلّ المساحة التي تركها في عقول أجيال عاصرها، وصاغ ذاكرتها، وتحدث عنها حين كانت تبحث عن صوتٍ يشبهها.

*****

خاص بأوكسجين

 

####

 

من: صديقي الله

زياد الرحباني

نشر هذا الكتاب لزياد الرحباني في 31 آب/أغسطس 1971، ويرد في التعريف به أنه ولد في انطلياس عام 1956 وأنه يتابع دروسه في مدرسة “سيدة الجمهور”، وقد سجلت هذه الكتابات بين عامي 1967 و1968، ومن كتب ذلك ليس إلا عاصي الرحباني، وفي ما يلي مقتطفات منه:

 

1

أﻧﺎﺻﻐﻴﺮ

وﻟﺴﺎدس ﻣﺮة أﻃﻔﺊ اﻟﺸﻤﻮع

إﻃﻔﺎءة ﺷﻤﻮع ﺳﺎدﺳﺔ

ﻣﺎ أﺣﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة ﻋﻨﺪ ﻣﺎ أﻋﺮف؟

ﻻ أﻋﺮف ﺷﻴﺌﺎً

ﻻ أﻋﺮف إﻻ أنّ ﻟﻲ ﺑﻴﺘﺎً ﺑﺠﺪران ﺳﺮﻳﺮاً وﺻﻮرﺗﻴﻦ

ﺧﺒﺰاً وﻣﺎء ﻻ ﻏﻴﺮ

وأﺻﺒﺤﺖ دﻧﻴﺎي ﺑﻴﺘﺎً ﺑﺠﺪران ﺳﺮﻳﺮاً وﺻﻮرﺗﻴﻦ

ﺧﺒﺰاً وﻣﺎء ﻻ ﻏﻴﺮ .

 

2

وﻗﺎﻟﻮا ﻳﻮﻣﺎً: إن االله ﺻﺪﻳﻘﻲ ورﺣﺖ أﻓﺘﺶ ﻋﻦ ﺻﺪﻳﻘﻲ

ﻓﻲ اﻷﺣﺮاج، ﺑﻴﻦ الزهور

ﻓﻲ اﻷﺷﺠﺎر اﻟﻤﻮرﻗﺔ، وراء اﻟﺼﺨﻮر

وﺧﺎﻓﺖﻣﻨﻲ اﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮ وهربت

ﺗﺮى ﺻﺪﻳﻘﻲ كالعصافير ﺧﺎف ﻣﻨﻲ وهرب؟

وﺳﺄﻟﺘﻬﻢ: ﺻﺪﻳﻘﻲ هل ﻳﺨﺎف؟

ﻗﺎﻟﻮا: ﻳﺨﺎف أﻻ ﺗﺤﺒﻪ.

وﻗﻠﺖ: أﻳﻦ هو؟

وﻗﺎﻟﻮا: ﻓﻲ كل ﻣﻜﺎن .

 

3

إذا ﺟﺌﺖ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ

فنذهب إلى الأحراج

نذهب إﻟﻴﻬﺎ ﻧﺴﺮﻗﻬﺎ

ﻧﻘﻮل إﻧﻬﺎ ﻟﻨﺎ

لي ولك، ﻻ أﺣﺪ ﻳﺴﻤﻌﻨﺎ

إذا أردت أن ﺗﺄﺗﻲ ﻓﺘﻌﺎل ﻗﺒﻞ اﻟﺸﺘﺎء

ﻓﻲ اﻟﺸﺘﺎء ﻃُﺮُق اﻟﻤﺠﻲء ﻣﺴﻜﺮة

وﻃﺮق اﻟﺴﻔﺮ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ أُﻧﺎس كثيرون،

ﻻﻳﺒﻜﻮن ، ﻻ ﻳﻀﺤﻜﻮن

إﻧﻬﻢﻣﺴﺎﻓﺮون

وﻋﺼﺎﻓﻴﺮﺗﻨﺘﻈﺮ موكب اﻟﺮﻳﺢ

هل ﻳﺼﻞ ﺻﻮﺗﻲ إﻟﻴﻚ ﻋﺒﺮ كل هذه اﻷوراق اﻟﻤﺘﺴﺎﻗﻄﺔ؟

 

4

وكان اﻟﻤﺴﺎء ﻓﺴﺄَﻟﺘﻬﻢ: كيف ﺗُﻈﻠﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ

وﺻﺪﻳﻘﻲﻣﺎ زال ﻳﻠﻌﺐ ﻓﻲ اﻷﺣﺮاج وﻟﻢ ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ؟

ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺑﻴﺖ

كل اﻟﺒﻴﻮت ﺑﻴﻮﺗﻪ وﻻ ﻳﺴﻜﻨﻬﺎ

كل اﻷﻋﺸﺎش أَﻋﺸﺎﺷﻪ وﻻ ﻳﺴﻜﻨﻬﺎ

وﺳﺄَﻟﺖ: أﻳﻦ ﻳﺴﻜﻦ

ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻳﺴﻜﻦ اﻟﻨﻔﺲ

وﻋﺮﻓﺖ أن ﺻﺪﻳﻘﻲ _ وردة ﻻ ﺗﻄﺎل

أﻋﻠﻰ اﻟﻮرود وأﺟﻤﻠﻬﺎ.

 

5

أَﻓﻘﺖ هذا اﻟﺼﺒﺎح ﻋﻠﻰ ﺻﻮت ﺁﺧﺮ اﻟﺒﻼﺑﻞ

ﻓﺎﻟﺸﺘﺎء أﺗﻰ اﻟﻴﻮم

ﻳﻮم ﻋﻠﻤﺖ إنه ﻻ ﻳﻄﺎل

ﻟﻤﺎذا أﺧﺒﺮﺗﻤﻮﻧﻲ إنه ﺑﻌﻴﺪ!

ﻟﻴﺘﻜﻢ كذبتم ﻋﻠﻲ

أﻧﻈﺮﻣﻦ شباكي ﻓﺄَرى اﻷرض ﺗﺪﻓﻦ اﻷﻟﻘﺎب اﻟﺤﻠﻮة _

ﻓﻤﺎﺑﻌﺪ ﻣﻮﻋﺪﻧﺎ وﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺣﺒﻴﺒﻲ

أﻧﻈﺮﻣﻦ شباكي

ﻓﺎﻷﺷﺠﺎر ﺗﻮد كل واﺣﺪة ﻟﻮ ﺗﻨﺎم ﻋﻠﻰ اﻷﺧﺮى

وﺗﻨﺎدﻳﻬﺎﻳﺎ أُﻣﻲ

أﺗﻰﻓﺼﻞ اﻟﺘﺸﺮد واﻟﺒﻌﺪ .

 

6

أﺧﺮج ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺘﻲ وأﺧﺘﻲ ﻣﺎ ﺗﺰال ﻧﺎﺋﻤﺔ

هي ﻣﺮﺗﺎﺣﺔ اﻟﺒﺎل

أصدقاؤها كلهم هنا ﻓﻲ اﻟﺤﻲ

ﻳﻠﻌﺒﻮن كل  ﻳﻮم، كل ﺳﺎﻋﺔ

ﻳﻌﻤﺮون اﻟﻮﻗﺖ كالبيوت الرملية

وﻣﺘﻰ هدموه، ﻏﺎﺑﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻮق اﻟﺒﺤﺮ

ﺳﺄَﻋﻮد إﻟﻴﻬﻢ

ﻧﻠﻌﺐﻓﻲ اﻟﺰوارﻳﺐ ﺑﻴﻦ اﻟﺒﻴﻮت.

 

7

أﺳﺄَل أُﻣﻲ:

إﻟﻰ أﻳﻦ ﻳﺄﺧﺬكِ هذا اﻟﺸﺎل اﻷﺑﻴﺾ؟

وﺗﻘﻮل أُﻣﻲ: إﻟﻰ اﻟﻜﺮوم

وأﻋﻮد أﺳﺄﻟﻬﺎ:

أُﻣﻲ هل أذهب ﻣﻌﻚِ؟

وﺗﻘﻮل ﻟﻲ:

سنذهب ﻣﻌﺎً، ﺧﺬ اﻟﺴﻠﺔ

وأﻧﺎﻻ ﻓﺮﺣﺔ ﻟﻲ أكبر ﻣﻦ أن أﺣﻤﻞ اﻟﺴﻠﺔ

وأﺧﺬت اﻟﺴﻠﺔ وﻣﺸﻴﻨﺎ

اﻟﺴﻤﺎء ﺳﻜﺮتْ ﻣﻦ ﻟﻮﻧﻬﺎ اﻷزرق ،

وﻟﺒﺴﺖﻟﻮﻧﺎً رﻣﺎدﻳﺎً وﺳﺄﻟﺖ أُﻣﻲ: أﻳﻦ اﻟﻜﺮوم

ﻗﺎﻟﺖ: هناك

وكل ﻣﺎ ﻟﻴﺲ هنا ، ﻳﻜﻮن هناك.

وﻧﻘﻂ اﻟﻤﻄﺮ ﺗﻐﻨﻲ ﻓﻮق اﻟﺤﺠﺎرة

وﺣﻤﻠﺘﻨﻲ أُﻣﻲ وأﻧﺎ أﺣﻤﻞ اﻟﺴﻠﺔ

ﺻﺮﻧﺎ كسفينة ذاهبة إﻟﻰ اﻟﻜﺮوم

ووﺻﻠﻨﺎ وكنا ﺁﺧﺮ اﻵﺧﺮﻳﻦ

وﻧﺰﻟﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺠﻼﻟﻲ ﻋﻠّﻨﺎ ﻧﺠﺪ ﻋﻨﺒﺎً

ووﺟﺪﻧﺎﻋﻨﻘﻮداً واﺣﺪاً واﻟﺮﻳﺢ ﺗﺴﻘﻂ ﺣﺒﻮﺑﻪ،

واﺣﺪة ﺑﻌﺪ واﺣﺪة

ﻓﻘﻠﺖﻷﻣﻲ: ﻧﺄﺧﺬﻩ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﺘﻬﻲ

وﻗﺎﻟﺖ: ﻟﻢ ﻳﻌﺪ هناك ﻏﻴﺮﻩ

نتركه ﻓﻼ ﺗﺴﺘﻮﺣﺶ اﻟﻜﺮوم ﺑﺪون ﻋﻨﺎﻗﻴﺪ

وﻇﻠﻠﻨﺎﻧﻤﺸﻲ

ﻻ أﻋﺮف ﻟﻤﺎذا

ﻟﻜﻨﻨﺎﻟﻢ ﻧﻀﺠﺮ.

 

8

ﻣﺘﻰﻋﺪت إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻲ ﻓﺄﻣﻄﺮي ﻳﺎ ﺳﻤﺎء

ﻟﻦﻳﺘﺒﻠﻞ ﺛﻮﺑﻲ اﻷﺣﻤﺮ

ﻣﺘﻰﻋﺪت إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻲ

ﻓﺎﻏﻀﺒﻲﻳﺎ رﻋﻮد

ﻣﺘﻰﺳﻜّﺮت اﻟﺒﺎب

وﻗﻔﻠﺘﻪﻣﺮﺗﻴﻦ

ﻓﺼﺮّﺧﻲﻳﺎ رﻳﺢ أﻣﺎم اﻷﺑﻮاب

ﻟﻦﺗﻔﺘﺢ

ﻣﺘﻰ أوﻗﺪت اﻟﻨﺎر ﻓﻲ اﻟﻤﻮﻗﺪ

ﻓﺴﻞﻳﺎ ﺛﻠﺞ ﻋﻦ وﻟﺪ

كان هنا ﻣﻜﺎﻧﻚ ﻳﻠﻌﺐ

ﻣﺘﻰﻏﻔﻮت ﻓﻲ اﻟﺴﺮﻳﺮ

ﻻﻋﻨﺪﻣﺎ أكذب ﻋﻠﻰ أُﻣﻲ

ﺑﻞﻋﻨﺪﻣﺎ أﻏﻔﻮ ﺣﻘﺎً

ﻓﺎﻧﺰﻟﻲﺣﻘﺎً ﻳﺎ ﺻﻮاﻋﻖ

أﻧﺎﻓﻲ اﻟﺪاﺧﻞ

واﻟﺒﺎب ﻣﻮﺻﺪ

واﻟﻨﺎر ﻣﺸﺘﻌﻠة

ﻓﻴﺎﺷﺘﺎء أقبل.

 

9

ﻗﻠﺖﻟﻬﻢ :

أﻻﺗﺴﻜﺮون اﻷﺑﻮاب

اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ هنا ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻔﺮق

وﻗﺎﻟﻮا:

ﻋﻠﻰﻣﺮ اﻷﻳﺎم ﺗﻌﻮدت اﻷﺑﻮاب

وﺳﻮف ﺗﺘﺴﻜﺮ وحدها ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮى اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ

ﻗﻠﺖ: أﻻ ﺗﺴﻜﺮوﻧﻬﺎ أﻧﺘﻢ ﺑﺄﻳﺪﻳﻜﻢ اﻟﻘﻮﻳﺔ

ﻗﺎﻟﻮا: ﻣﻠﻠﻨﺎ اﻟﺤﻴﺎة

اﻣﺘﻸت اﻷرض ﺑﺎﻟﺸﺘﺎﺋﻢ واﻟﺤﻘﺪ

زرﻋﻮا ﺧﻨﺎﺟﺮ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﻜﻼم

صاروا يعدون ذكياً من يكفر أحسنهم بالله

ذكياً الذي كلامه أكثر الكلام سفالة

ﺁﻩﻟﻮ كان اﻟﻜﻼم كالخبز يشرى

ﻓﻼﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﺣﺪ أن ﻳﺘﻜﻠﻢ

إﻻ إذا اﺷﺘﺮى كلاماً.

وﻗﻠﺖﻟﻬﻢ

أﻻﺗﺴﻜﺮون اﻷﺑﻮاب

ﻓﻘﺎﻟﻮا:

ﻟﻴﺖ كل همومنا أﺑﻮاب ﻟﻠﺘﺴﻜﻴﺮ.

 

10

ﺟﻠﺴﺖ أُﻣﻲ أﻣﺎم اﻟﻤﻮﻗﺪ ﺗﺨﺒﺮﻧﻲ ﻗﺼﺔ

ﻗﺎﻟﺖ: كان رﺟﻞ ﻳﻌﻤﺮ ﺑﻴﺘﺎ

كان ﻓﻘﻴﺮاً وﺟﻤّﻊ اﻷﺣﺠﺎر ﺣﺠﺮاً ﺣﺠﺮاً

أﺗﻰﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﺮاج واﻟﻐﺎﺑﺎت

وأﺗﻌﺒﻪ اﻟﻌﻤﻞ ﻟﻜﻨﻪ أكمل ﻗﺎﺋﻼً ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ :

أﻋﻤﺮﺑﻴﺘﺎً أﺳﻜﻨﻪ ﻟﺒﺎﻗﻲ اﻟﻌﻤﺮ.

وﻇﻞﻳﻌﻤﺮ ﻃﻮل ﻋﻤﺮﻩ

وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﻬﻰ اﻟﺒﻴﺖ، اﻧﺘﻬﻰ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﻴﺖ

وﻗﻠﺖﻷُﻣﻲ:

هل اﻧﺘﻬﺖ اﻟﻘﺼﺔ؟

ﻓﻘﺎﻟﺖ أُﻣﻲ:

ﻧﻌﻢ.

 

11

ﻳﺄﺗﻲﻳﻮم اﻟﻌﻴﺪ واﻷﺟﺮاس ﺗﺼﻠﻲ

ﺗﺼﺮخ إﻟﻰ الله ﻣﻦ كل ﻣﻜﺎن

واﻟﻨﺎس ﻳﻠﺒﺴﻮن ﺛﻴﺎب اﻷﺣﻼم

وﻳﺪﺧﻠﻮن اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ

واﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﺼﻠﻲ إﻟﻰ الله

فالله اﻟﻨﺎسِ واﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮِ واﺣﺪ

والراهب اﻷﺳﻮد ﻳﺮﺗﻞ ﻣﺎ ﺣﻔﻈﻪ ﻣﻦ ﺳﻨﻴﻦ

ﻣﻨﺬ كان ﻃﻴﺮاً أﺑﻴﺾ ﻳﻤﺮ ﺑﺎﻟﻜﻨﺎﺋﺲ

وﻳﻀﻊﻓﻲ كل واﺣﺪة ﻣﻨﻬﺎ رﻳﺸﺔ ﻣﻦ ﺟﻨﺎﺣﻪ .

 

12

ﻋﻨﺪﻣﺎ أرﺳﻠﻮﻧﻲ ﻳﻮﻣﺎً إﻟﻰ اﻟﻤﺪرﺳﺔ

وكنت أﻧﺘﻈﺮ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﺮﺟﻮع

ﻋﻠﻤﻮﻧﻲ هناك أن أﺣﻜﻲ ﻣﻊ اﷲ، ﺻﺪﻳﻘﻲ،

ﻋﻠﻤﻮﻧﻲ أن أُﺻﻠﻲ .

ﻣﺎ كانت ﺗﻘﻮﻟﻪ ﻟﻲ أُﻣﻲ ﻗﺒﻞ أن أﻏﻔﻮ ﻓﻲ اﻟﺴﺮﻳﺮ

واﻟﺮﻳﺢﻓﻲ اﻟﺨﺎرج ﺗﺨﺮب اﻟﻌﺎﻟﻢ

ﻣﺎ كانت تقوله كان أﺣﻠﻰ .

 

13

أﺣﺒﺒﺘﻚ أكثر ﻣﻤﺎ ﻋﻠﻤﻮﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺼﻼة

أنا ألف ﻣﺮة ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻲ

أن أﻧﺎدﻳﻚ ﺑﺼﻮت ﺑﺴﻴﻂ:

أﻳﻦ أﻧﺖ ﻳﺎ رﺑﻲ؟

أﻧﺎﻟﻢ أﻋﺮﻓﻚ ﺗﺤﻤﻞ ﺻﻠﺒﺎﻧﺎً، وﺗﻤﻮت ﻣﻦ أﺟﻠﻲ

أﻧﺎﻋﺮﻓﺘﻚ وﻟﺪاً ﻻ ﻳﻘﺪر أن ﻳﺤﻤﻞ اﻟﺼﻠﻴﺐ

أﻧﺎﻋﺮﻓﺘﻚ وﻟﺪاً ﻳﻄﻴﺮ كالفراش ﻓﻮق الزهر ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح

ﻓﺴﻜﻨﺘْﻪ اﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮ

أﻧﺎﻟﻢ أﻋﺮﻓﻚ ﺗﺘﻌﺬب

أﻧﺎﻋﺮﻓﺘﻚ وﻟﺪاً ، ﻟﻮ تركوه ﻳﻠﻌﺐ

وﻧﺴﻮا أن ﻳﻘﻮﻟﻮا ﻟﻪ:

»ﻣﻀﺖ أﻳﺎم وأﻧﺖ ﺗﻠﻌﺐ«

ﻟﻈﻞﻳﻠﻌﺐ ﻃﻮل ﺣﻴﺎﺗﻪ وﻻ ﻳﻀﺠﺮ .

 

14

ﻻ أرﻳﺪ أن أﺻﻠﻲ إﻻ ﻣﺎ أﻓﻬﻤﻪ

ﻻ أرﻳﺪ أن أﺻﻠﻲ

دﻋﻮﻧﻲ أﺻﺮخ

ﻓﻮق اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺼﺨﺮﻳﺔ

ﻓﻲ اﻟﻮدﻳﺎن اﻟﺴﺎكتة

ﻓﺘﺼﺮخ ﻣﻌﻲ

أﻳﻦ أﻧﺖ؟

دﻋﻮﻧﻲ أﺧﺒﺮ اﻟﺸﺠﺮ ﻗﺼﺔ ﺻﺪﻳﻘﻲ

هذه هي ﺻﻼﺗﻲ.

 

ملف خاص في مجلة "أكسجين" في

04.08.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004