زياد الرحباني (1 يناير 1956 - 26 يوليو 2025)
هو فنان وملحن ومسرحي وكاتب لبناني اشتهر بموسيقاه الحديثة وتمثيلياته
السياسية الناقدة التي تصف الواقع اللبناني الحزين بفكاهة عالية الدقة.
تميز أسلوب زياد الرحباني بالسخرية والعمق في معالجة الموضوع، كما أنه
يعتبر طليعيا شيوعياً وصاحب مدرسة في الموسيقى العربية والمسرح العربي
المعاصر.
نشأته
وُلد زياد عاصي الرحباني في 1 يناير 1956 في بلدة أنطلياس، قضاء المتن، في
محافظة جبل لبنان. هو الابن البكر للموسيقار عاصي الرحباني (1923–1986)
والمطربة نهاد حداد (المعروفة باسم فيروز، مواليد 1935). كان والده جزءًا
من ثنائي "الأخوين رحباني" (عاصي ومنصور الرحباني) الذين شكّلوا ظاهرة في
المسرح الغنائي اللبناني منذ خمسينيات القرن العشرين، بالتعاون مع إذاعة
"صوت لبنان" ثم "الإذاعة اللبنانية الرسمية"، وبرزوا في المهرجانات الكبرى
كـ"بعلبك" و"بيت الدين".
نشأ زياد في منزل عُرف بكثافة الإنتاج الفني والعمل الإذاعي والمسرحي
اليومي، وكان محاطًا بكُتّاب وموسيقيين وممثلين منذ سنواته الأولى. تلقّى
تعليمه الابتدائي في مدرسة "جبل أنطلياس" الكاثوليكية، ثم انتقل إلى مدرسة
"اليسوعية" في بيروت. لاحقًا، درس الموسيقى الكلاسيكية والجاز على البيانو
بشكل غير أكاديمي، وتعلّم التأليف الموسيقي بمجهود ذاتي معتمدًا على ما
شاهده من عمل والده وعمه، فضلًا عن تأثره بموسيقى الجاز الأميركية.
لدى زياد شقيقان: "هالي" الذي يعاني من إعاقة ذهنية منذ الطفولة، و"ليال"
(توفيت عام 1988) التي لم تتجه إلى الفن، وأُضيف على كاهله، بصفته الابن
الأكبر، مسؤوليات خاصة داخل العائلة بعد مرض والده في أواخر السبعينيات.
المسيرة الفنية
لم تكن بداية زياد الرحباني الفنية في مجال الموسيقى، بل جاءت من بوابة
الأدب؛ إذ كتب في سن مبكرة نصوصًا شعرية بعنوان "صديقي الله"، أنجزها بين
عامي 1967 و1968، وقد لفتت هذه النصوص الانتباه إلى موهبة أدبية واعدة،
كانت تُبشر بولادة شاعر متمكّن، لولا أن اختار لاحقًا تكريس طاقته بالكامل
للموسيقى والتأليف المسرحي.
في عام 1971، وضع زياد أول ألحانه الغنائية بعنوان "ضلك حبيني يا لوزية"،
والتي شكّلت مدخله الفعلي إلى عالم التلحين. ثم جاءت اللحظة المفصلية في
عام 1973، حين كان لا يزال في السابعة عشرة من عمره، حين لحن أغنية لوالدته
فيروز، وذلك في ظل دخول والده عاصي الرحباني إلى المستشفى وتغيبه عن العمل
الفني. كانت فيروز حينها تستعد لبطولة مسرحية "المحطة" من تأليف الأخوين
رحباني، فكتب منصور الرحباني كلمات أغنية تعكس الغياب المفاجئ لعاصي، وأسند
مهمة التلحين إلى زياد.
جاءت النتيجة على شكل الأغنية الشهيرة "سألوني الناس"، التي أدّتها فيروز
ضمن المسرحية، وأحدثت صدى واسعًا فور صدورها، إذ مثّلت أول ظهور حقيقي
لزياد كملحن ضمن أعمال العائلة الرحبانية. وقد شكّلت هذه الأغنية بداية
مرحلة جديدة في مسيرته، وأظهرت ملامح أسلوبه الخاص، المختلف عن نهج والده
وعمه، وفتحت أمامه باب التعاون الموسيقي مع فيروز الذي امتد لعقود لاحقة.
لاقت تلك الأغنية نجاحاً كبيراً، ودهش الجمهور للرصانة الموسيقية لابن
السابعة عشرة ذاك، وقدرته على إخراج لحن يضاهي ألحان والده، ولو أنه قريب
من المدرسة الرحبانية في التأليف الموسيقي.
شارك زياد الرحباني في أول ظهور له على خشبة المسرح في مسرحية "المحطة"،
مجسدًا دور الشرطي، وهو الدور ذاته الذي كرره لاحقًا في مسرحية "ميس
الريم"، حيث قدّم مشهدًا حواريًا موسيقيًا مع فيروز، سائلًا إياها عن اسمها
وبلدتها في قالب ملحّن. إلا أن مشاركته لم تقتصر على التمثيل، فقد قام
أيضًا بتأليف موسيقى مقدمة "ميس الريم"، والتي أثارت إعجاب الجمهور لما
حملته من تجديد في الإيقاع والأسلوب، كاشفة عن لمساته الشابة المختلفة عن
أعمال والده وعمه.
لاحقًا، طلبت منه فرقة مسرحية لبنانية – كانت تعيد تقديم مسرحيات الأخوين
رحباني، وتضم المغنية مادونا التي كانت تؤدي دور فيروز – أن يكتب مسرحية
أصلية جديدة من تأليفه وتلحينه، فاستجاب لذلك وكتب أول أعماله المسرحية:
"سهرية". وقد احتفظت هذه المسرحية بشكل المسرح الرحباني الكلاسيكي، إلا
أنها كانت أقرب إلى ما وصفه زياد بـ**"حفلة غنائية"**، حيث كانت الأغاني هي
العنصر الأبرز، وتدور الأحداث فقط لتخدم تقديم المقطوعات الموسيقية، في
تقليد واعٍ للمسرح الرحباني.
مع مرور الوقت، أحدث زياد تحولًا كبيرًا في شكل المسرح اللبناني؛ إذ ابتعد
عن النمط المثالي والخيالي الذي تميز به مسرح الأخوين رحباني، واتجه إلى
مسرح سياسي واقعي يعكس حياة الناس اليومية، خصوصًا في ظل أجواء الحرب
الأهلية اللبنانية. فكانت أعماله تعبيرًا مباشرًا عن هموم المجتمع
اللبناني، بلغة نقدية لاذعة وسخرية ذكية. وفي دراسة بعنوان "حصاد الشوك:
المسرح السياسي الكوميدي في سورية ولبنان"، أشار الباحث أكثم اليوسف إلى أن
زياد فرض نفسه خلال تلك الفترة كـكاتب ومخرج ومؤلف موسيقي وممثل بارز،
معتبرًا أن مسرحه أصبح منبرًا يُعبر عن جيل ضائع تتقاذفه أهوال الحرب
والضياع، ويشكل صوتًا نقديًا بارزًا في المشهد الثقافي اللبناني.
وفاته
توفي زياد الرحباني في 26 يوليو 2025 في بيروت عن عمر 69 عامًا، بعد معاناة
طويلة مع مرض تليف الكبد، الذي تدهورت حالته الصحية بسببه خلال الأشهر
الأخيرة من حياته. نُقل إلى المستشفى في يونيو 2025 إثر مضاعفات صحية
متكررة، وأفادت مصادر طبية بأنه خضع لعلاج طويل الأمد لم يكن جسده قادرًا
على الاستجابة له في المراحل الأخيرة.
أعلنت وزارة الثقافة اللبنانية وفاته رسميًا صباح ذلك اليوم، ونُقل جثمانه
إلى مستشفى الجامعة الأميركية، ثم أقيم له حفل وداع رسمي في مسرح المدينة
في بيروت، وهو المكان الذي شهد العديد من عروضه المسرحية. شارك في التشييع
عدد كبير من الفنانين والمثقفين والسياسيين، وكان من بينهم ممثلون عن
الرئاسة اللبنانية ووزارة الثقافة ونقابة الفنانين.
نعاه عدد من الشخصيات السياسية في لبنان، بينهم الرئيس جوزيف عون ورئيس
الحكومة نواف سلام، إضافة إلى فنانين عرب من مختلف الدول، مثل مارسيل
خليفة، ماجدة الرومي، وغادة شبير، الذين وصفوه بأنه "واحد من آخر الأصوات
الحرة التي مزجت بين الفن والموقف". كما انتشرت على وسائل التواصل
الاجتماعي مقاطع من أبرز مسرحياته، وتحوّلت صفحاته إلى أرشيف رقمي يحيي
إرثه.
أطلقت عدد من الجامعات اللبنانية مبادرات لتوثيق أعماله، كما أعلنت وزارة
الثقافة عن نيتها تحويل بعض نصوصه المسرحية إلى مواد دراسية تُدرّس ضمن
مناهج النقد المسرحي والموسيقى. |