ملفات خاصة

 
 
 

زياد الرحباني.. بالنسبة لبكرا شو؟

ناهد صلاح

الموهوب والعبقري الثائر

زياد الرحباني

   
 
 
 
 
 
 

هو، لا غيره، من نجا ولم يتلكأ في التحرر من فداحة واقعنا الصعب الذي كان يجيد قراءته ببراعة، هو الذي لم يستسلم يومًا لشهوة حياة عادية أو بديهية ولو خذلته براهينه ورهاناته، هو زياد الرحباني تحاصره الآن طقوس جنائزية تضعه في مصاف الأساطير وتتأرجح بكلمات لم ترفرف في باله وأظن أنه لم يتمناها، هو زياد الرحباني الذي ترجل خفيفًا كجملة موسيقية ورحل عن عالمنا البائس دون أن يوصد الأبواب. لست من الذين تخطفهم البلاغة في الكتابة، ولست من المحظوظين الذين رتبت لهم الصدفة لقاء مع زياد أستطيع أن أكتب عنه وأذكر تفاصيله بشاعرية أو بخفة الكلمات، لكني من هؤلاء الذين أرشدتهم تجربة زياد الفنية وسكنت في الوجدان الواعي واللاواعي بخفة لا تُبالي بالنتائج ولا تصغى للاستعارات اللغوية أو الكسولة في واقع معقد ورمادي.

يقولون الحب قوي كالموت، لا أعرف! لكن تستفزّني هذه النقطة التي تتساوى فيها الكتابة عن الأحباء أو المؤثرين الذين يرحلون، فجأة تعلو عاطفة الحب والفقد عند الجميع الذين هبوا هبّة رجل واحد، يكثر الحب ويتدفّق التذكر وتنهال الأُلفة. الموت يوّحد الكتابات، لا أريد أن أكون "نكدية" تُبالغ في مشاعرها وأنا المشتغلة في الصحافة، واحدة من الذين يضطرهم الموت لكتابة المرثيات السريعة، الكتابة الفورية والمرتجلة أحيانًا، لكنني لست بخير مثلكم جميعًا وسط ضجيج الأحداث المتلاحقة التي نعيشها برعب، بلا رحمة أو أمل في لحظة سكينة، كلامي لا يعني أن الحزن على زياد يعد طقسًا لا يخلو من فجع حقيقي، ومتألمين صادقين كتبوا بموضوعية عن رفيق كان بشكل أو أخر نورًا يتسلل إلى أسفلت الشوارع والبيوت المغلقة على خوفها.

نعم. غادرنا زياد والشيء الأكيد أنني أحببته وأحببت تجربته مثل هؤلاء الكثيرين بلا حصر الذين كتبوا عنه ومشوا في جنازته، بعضهم يصفق له ويدندن ألحانه، وبعضهم مطأطيء الرأس إحترامًا، لن يطل عليهم زياد ليودعهم أو يشكرهم، لكنهم بالفعل حزانى وأنا مثلهم، ففعليًا زياد جزء منا، من ذاكرتنا وأفراحنا وأوجاعنا، ترك أثرًا فينا: موسيقى، غناء، مسرح، تمرد وسخرية من حياة عبثية نعيشها ونصدقها. لن أزايد على حزن الناس المبعثر على الشاشات والمواقع الصحفية والسوشيال ميديا، لكني سأحاول أن أنجو كما فعل زياد في السابق كثيرًا من شرك الالتباس والمجاز الذي لا يعيد ترتيب الحياة، بما فيها من خيبات وخسارات وتدهور لا نعرف نهايته. سأحاول أن أراه كما أراد موسيقيًا وفنانًا له حسه المرهف، وليس نبيًا، وهذا تعبيره في إحدى لقاءاته التليفزيونية عندما إنتقد أسلوب الشاعر سعيد عقل في تصوير والده الموسيقار عاصي الرحباني بما يتجاوز أدميته وحضوره كموسيقي كبير. فإن زياد الذي يشبه نفسه، خصوصيته تثير الانتباه والتأمل، لكنها لا تنفي عنه إنسانيته ولم توقعه في فخاخ الأسئلة السهلة، كسؤال واحد من الإعلاميين المشهورين حين سأله: كيف تصف فيروز، بكلمة واحدة؟ صمت زياد لحظة على غير عادته في السخرية من أسئلة كهذه، ثمّ أجاب: "لا يمكن اختصار فيروز بكلمة"، وأردف: "ممتازة، رهيبة" وهو يحاول أن يشرح ما يقصده.

فيروز تودع إبنها ورفيق رحلتها في تابوت، شاهدوها شامخة وشاهدتها كأم ربما أرشدتها خطاها إلى المقعد الشاغر أمام التابوت، أو أرشدتها إلى فكرة ضياع الحقيقة على الخط الرفيع بين الوهم والواقع، تخيلتها وحدها بمفردها إنفصلت عن الجمع الغفير حولها، إنتظرت طويلًا وأنها ضجرت من الانتظار وتكاد تنفجر: لماذا تأخرت يا زياد؟ ثم تهز رأسها وهي تنظر إلى السقف أو إلى نقطة بعيدة دون مستقر: هل يشبه اليوم أمس؟ لعلها تذكرت عاصي في مشهد كهذا، لعلها تذكرت الطفل الذي كانت ترافقه وهو يتعلم العزف على البيانو، أو الصبي الذي لحن لها "سألوني الناس"، بينما كان عاصي في غيبوبته بالمستشفى، لو كان زياد يستطيع الآن لكان بالغ في سخريته من المشهد كله.

الجنازة معبرة عن حالة الفقد وتكاد توقظ أوجاعنا السابقة والحالية، ليس بسبب الموت، فهو قدر ومكتوب ولا مفر منه، إنما هناك شعور بهذا السهم الذي يخترق القلب، وقبل أن يصيب فإنه يدنو من خيباتنا في واقع ينهش فيه الكل بعضه بعضَا، بينما الجنازة جمعتهم "بلا ولا شيء"، وربما لسعهم السؤال:"بالنسبة لبكرا شو"، وكل واحد فيهم يختار من ذكرياته الحميمة ما يناسبه وما يجعل جزءًا من قلبه أخضر.. الجنازة أثبتت أن زياد الذي نأى بنفسه أن يكون فارسًا عاطفيًا، فإنه موزع على وطن عاش ولم يزل أزمنة عصيبة من الحرب والقتل والدمار وطوفان من الأحقاد. إبن عاصي وفيروز لم يعش في جلباب أبويه، بل تمرد وحطم التابو وأخذ والدته السيدة فيروز معه على أرضه وواقع ناسه، اتسع مشواره ليشمل ما هو أرحب، فكان هو الموسيقي والكاتب والمسرحي والإذاعي وأحيانًا المغني، إنحاز للمجروحين والموجوعين والجائعين والفقراء، إكترث لناسه بوعي الغاضب الذي يحمل بلاده في قلبه، فتتناغم قضيته بين الكلمة واللحن، كان إثنان بل ثلاثة وأربعة وخمسة وأكثر في واحد يواجه خيبات قديم قبل أن تولد الجديدة. لذا كان يناكف ويسعى من خلال مشروعه الفني لما هو أوسع من الأيدلوجيا لإنهاض الناس والشارع والمدينة والبلد من خراب وتوهان وتمزّق: " يا زمان الطائفية/ طائفيةِ وطائفيك/ خلي إيدك ع الهوية، وشد عليها قد ما فيك".

مشى زياد وتبعه الكثيرين كأنه بوصلة إلى حلم مؤجل، أو بالأحرى مُعطل، مع ذلك أثبت هذا المشهد المهيب أن الموت ليس كارثة، الكارثة أن يعيش الإنسان بلا لون أو طعم أو رائحة، أن يعيش على هامش الحياة لا يؤثر فيها ولا تؤثر فيه. الموت هو أن نقبل الموت ونستسلم له ونحن أحياء، والحياة أن تظل بما قدمت حياً ومؤثرًا وفاعلًا في الحياة حتى بعد الرحيل، وهذا ما صنعه زياد الرحباني ومعه لا نكف عن السؤال:"بالنسبة لبكرا شو؟!"

 

####

 

لماذا تحبون زياد الرحباني؟

سارة إسماعيل

أحيانًا، نحب أشخاصًا دون أن نعرف تمامًا لماذا. نحبّهم بصمت، بعُمق، دون تنظير أو تحليل. ثم يأتي رحيلهم، كأنّه يدقّ جرس السؤال المؤجل: ما الذي جعل لهذا الغائب كل هذا الأثر؟

مع زياد الرحباني، السؤال لا يُطرح فقط لأنه رحل، بل لأنه كان حاضرًا في تفاصيلنا، في قلقنا، في أسئلتنا، في موسيقانا اليومية.

وحان الوقت أن نجيب... لماذا أحبّ الناس زياد الرحباني؟

لأنه رحل كما عاش… بلا ضجيج

رحل زياد الرحباني كما عاش.. على طريقته.

لم يهادن المرض، كما لم يهادن يوماً السلطة أو المجاملة أو الركود.

رفض العلاج الطويل، كأنه يختصر الحياة، كما اختصر المعارك التي لم تعد تشبهه.

لم يركض خلف الأضواء، بل مشت خلفه.

أحبّه الناس… لأنه كان يُشبههم، ويُشبه همومهم، ويغنّيها بلسانهم.

انسحب بهدوء من هذا العالم، وكأنّه يعتذر عن حفلة لم يرغب يوماً في حضورها، ليُكمِل صمته الأبدي الذي بدأه في مسرحياته، وأغنياته، وحتى في عزلته.

لأن المجد لا يُورث… بل يُخلق

لم يكن زياد مجرّد امتداد لعاصي الرحباني، ولا حتى ظلًّا لصوت فيروز.

كان ظاهرة فنية وفكرية، تفرّدت بطعمها الخاص، بمزاجها المتقلب، بصراحتها التي تصفع، وبموسيقاه التي تشبه بيروت في تناقضاتها.

في عمر السابعة عشرة، لحّن لوالدته أغنية "سألوني الناس"، وكانت تلك أولى إشارات الجنون الجميل الذي يسكن هذا الفتى.

لكنه لم يتوقّف عند باب البيت، بل صنع مسيرته الخاصة، وتمرد على التقاليد، وسار عكس السائد، باحثاً عن نفسه لا عن تصفيق الجمهور.

لأنه غنّى لمن لا يُغنّى لهم.

غنى زياد للمتعَبين من السياسة، للحالمين بوطن، للغاضبين بلا صوت، وللعشاق الذين يعرفون أن الحب في بلاده نوعٌ من أنواع المقاومة.

غنّى عن القهر، عن الفقر، عن الطائفية، عن الكذب، عن التعب اليومي في شوارع بيروت، التي لا تنام على صوت ولا تستيقظ على أمل.

لأنه جعل الضحك فعلاً مقاوماً

في مسرحياته، لم يكن زياد يقدّم عرضاً فنياً، بل محاكمة يومية للواقع.

كان يضحكنا لنفكّر، ويبكينا لنفهم.

من "نزل السرور" إلى "فيلم أميركي طويل"، كان المسرح عنده أداة تفكيك، يهزّ بها البديهيات ويكسّر بها المسكوت عنه، ليصنع جمهوراً لا يصفّق فحسب، بل يواجه نفسه.

لأنه قال الحقيقة… دون أن يرتجف صوته

لم يلبس قناعاً، لم يقل ما يُراد سماعه، لم يسعَ إلى التجمّل.

قال ما كنا نخاف أن نقوله، وفكّر بصوت عالٍ حين كنا نكتفي بالصمت.

لم يخن فنه، ولم يخدع جمهوره، ولم يبع مواقفه في أسواق النجومية.

ظلّ وفياً لنفسه، ولبيروت، ولموسيقاه... حتى النهاية.

لأنه ترك لنا وجعه… وأغنيته

قد يغيب زياد عن هذا العالم، لكن صوته باقٍ في أذن كل من عرفه وأحبّه.

في لحظة غضب، نسمع "أنا مش كافر".

في لحظة يأس، نستعيد "الحالة تعبانة يا ليلى".

وفي لحظة وداع، تبكينا كلماته من "أغنية الوداع"، كأنه كتبها ليغادر دون ضجيج.

لأنه صمت… وانتصر

كان زياد، كما قال مرة:

"أنا ما عم جرّب أغيّر البلد، ولا عم جرّب أغيّر شي،

أنا عم جرّب بس ما خلّي هالبلد يغيّرني،

هايدي وحدا إذا بتزبط معي انتصار... انتصار لنفسي أولاً، وبعدين على شو ما بدّك."

وقد انتصرت، يا زياد.

انتصرت على التصنّع، على الزيف، على الرداءة.

غادرت في زمنٍ خذل فيه الفنّ والفكرة كثيرين، وبقيت وحدك صادقاً حتى النهاية.

سلام لروحك... وسلامٌ لموسيقى كانت تشبه الحقيقة.

وداعا زياد الرحبانى

 

اليوم السابع المصرية في

29.07.2025

 
 
 
 
 

آخ يا زياد

عصام سحمراني

المشهد الأول: صيف 1989. فتى في الثامنة، يعيش لحظة هدنة ما، بعد معارك عنيفة وصلت صواريخها إلى الشارع الذي يسكن فيه، وكادت تقتل أخاه. في تلك الهدنة، ينتظر عبر أثير إذاعة صوت الشعب برنامجه المفضل المخصص للأطفال: تنذره موسيقاه وكلمات مؤدّيه "نعمٌ نعمٌ نعمٌ نعمٌ أنا عدّول في خدمتكم". وفي الانتظار فقرة إخبارية ومن بعدها أغنية لزياد الرحباني مناسبة لكلّ ما يعيشه الفتى وأهله والشارع والمدينة والوطن كلّه: "أنا مش كافر بس البلد كافر". يحفظها الفتى ويرددها لأقرانه في الملعب، فيشعر للحظة أنّه أهمّ منهم، قبل أن يعاود لعب الكرة بعبوة الصودا الفارغة الصدئة معهم، فتدور المطاحشة وتختلط السيقان وتمتلئ بالكدمات والخدوش بالتساوي.

المشهد الثاني: أواخر شتاء 1997. كبر الفتى، وها هو يتهيأ لامتحانات الشهادة المتوسطة. ما زال يحفظ الأغنية، لكنّ مراهقاً آخر في الفصل يعرف عنها وعن صاحبها أكثر منه. يعرف أغاني عدة، ويحفظ بعض العبارات المسرحية، التي لطالما سمع بعضهم يقولها من دون أن يبالي كثيراً بها في حمّى غرقه بأخبار الرياضة وحدها مونديالاً وأولمبياداً وبطولات محلية وعالمية. لكنّ حدثاً عجائبياً وقع له، إذ صادف بسطة لبيع ما يبدو أنّها مسروقات بالية، وبين معروضاتها ثلاثة أشرطة كاسيت زرقاء شفافة، يحمل كلّ منها ورقة لاصقة خُطّ عليها: "نزل السرور 1"، "نزل السرور 2"، "نزل السرور 3". كان يعرف تلك المسرحية، أو على الأقل اسمها واقتباسات زميله منها. أنفق كلّ ما يملك في جيبه وظفر بتلك الغنيمة التي أنسته مشواره، إذ عاد إلى المنزل، وأمضى معظم ليلته مصادراً المسجلة، مستمعاً بنهم إلى كلّ كلمة ولحن. لم يعد الفتى كما كان قبلها. هو شعر بذلك، كما شعر كلّ رفاقه. لكنّ شعوره بأنّه أهمّ منهم هذه المرة صاحبته رغبة في أن يعلّمهم ما تعلّم، ربما نكاية بزميله ذاك، فمضى يعير كلّ واحد منهم الأشرطة الثلاثة يومياً، حتى استمع إلى "نزل السرور" عشرون فتى، وثلاث فتيات. هل شعروا بما شعر به؟ محتمل... لكنّه أضاف إلى شعوره الأول قدرته على التأثير فيهم مبشّراً بزياد.

المشهد الثالث: أواخر ربيع 2006. كان رائعاً أن يتمكن الصحافي من الحصول على آخر ثلاث بطاقات في حفل لمسرحية "شي فاشل" في مسرح قصر أونيسكو. هي إعادة إنتاج ناجحة للمسرحية التي يحفظها حرفاً حرفاً، وليست لصاحبها الأصلي علاقة مباشرة بها هذه المرة. ذهب مع شقيقيه ولعبت الصدفة الغريبة والسعيدة لعبتها في أن تكون مقاعدهم آخر ثلاثة في قاعة المسرح الكبير، عند الزاوية العليا يسار الخشبة. جلسوا في العتم، وكانت لحظة دهشة نادرة مع انتهاء العرض أنّ زياد شخصياً يجلس في أقصى الزاوية إلى جانبهم، وأنّهم أول من حيّاهم في تلك الليلة.

المشهد الرابع: صيف 2018. كانت الحياة أحلى، في الخاص والعام رغم كلّ المآسي التي تحيط بالوطن الصغير، وكثير من المنغصات. نعم كانت الحياة أحلى، وأحلى ما فيها حفل افتتاح موسيقي لمهرجانات بيت الدين، جهد مع أصدقائه للحصول على بطاقاته وتمكنوا منها. رحلة تختلط فيها مشاعرهم وأحلامهم وأذواقهم الموسيقية والفنية والاجتماعية حتى. كلّها يجمعها مدرج كبير يجلسون في مرتفعاته البعيدة ويصرخون الأغنيات صراخاً يضمهم إلى جوقة عظمى من مرددي ألحان زياد وهو جالس إلى البيانو، ومن حوله فرقته، ويبدو المسرح بهم جميعاً مثل شهاب يخترق أمواج الظلمة ويلوّن السماء. كانت سحراً لا يُنسى تلك الليلة بكلّ من فيها وما فيها.

المشهد الخامس: صيف 2021الأزمة الاقتصادية في أقسى مستوياتها. الوقوف اليومي في طوابير لا تنتهي بات واقعاً لا مفرّ منه، كما انقطاع الكهرباء وتسلق السلالم. حرّ يترافق مع كوفيد-19 وتبعات انفجار المرفأ... بيروت لم تعد كما كانت. على الشاطئ الصخري ينتقل صديقه البحري من سرد معاناة ثقيلة إلى واحدة أثقل، فيبدي استغرابه لكلّ هذه القصص ويصرخ مستنكراً: "شو هيدا ولو". يبتسم الصديق ويخبره أنّ ما صرخ به هو مطلع أغنية لم تسجل بعد لزياد، وهو الذي يدّعي دائماً أنّه عارف بكثير من أخبار جاره. ورغم عدم تيقّنه من ذلك تماماً، يُسرّ باحتمال أن تتناغم صرخته العفوية مع أغنية سيستمع إليها بشغف يوماً ما.
المشهد السادس: 26 يوليو/تموز 2025: انتهى كلّ شيء. يتألم وهو يعدّ الخبر لغلاف الصفحة الأولى. مات زياد الرحباني. مات الصديق والأخ... آخ يا زياد
.

 

####

 

زياد الرحباني… وجع الغياب القاسي في قلب فيروز الأم والقيثارة

كمال القاضي

الأكثر ألماً في رحيل الفنان زياد الرحباني، ليس فراقه فحسب، لكنه وجع في قلب قيثارة الشرق فيروز سيظل يسكنه، فما أقسى أن يرحل فلذة الأكباد قبل والديهم، إنها المحنه الحقيقية والاختبار الصعب لمن ربى وحمل ابنه على كتفيه سنوات، وغنى له حتى كبر وصار صديقاً ورفيقاً ومؤنساً في الليالي الحالكة والزمان الموحش. إنها قصة فيروز، تلك المطربة العربية الكبيرة، التي جاء ختامها مأساوياً وحزيناً وهي تعيش شيخوختها وتتكئ على ذراع ابنها في المرحلة الأخيرة من عمرها. كان زياد السند والرفيق والصديق وبوصلة الأم في عالمها الغنائي، الذي اتسع أفقه وفُتحت سماواته للصوت الفريد، الذي ترددت أصداؤه في أرجاء الأمة وباتت موسيقاه تُطرب الآذان وتُثلج الصدور وتُبهج القلوب وتمحو الهموم. كان زياد الرحباني شريكاً أصيلاً في مسيرة أمة الغنائية الطويلة، فقد غنى معها ألحانه في لحظات الإعداد والتحضير، وعاش إحساسها وقت الشدو على المسرح، وصفق لها قبل أن يُصفق الجمهور، فما أجمل العناوين التي حملت ألحان الابن للأم المُبدعة، وخفقت لها قلوب الملايين في ربوع الوطن الكبير، «حنين»، «عندي ثقة فيك»، «البوستة» و «عودك رنان»، تلك هي الرسائل الغنائية اللحنية التي تبادلاها معاً كأنهما يتحدثان عن نفسيهما وعن سر التواصل بينهما، ليس ككيانين متصلين بالروح والدم فقط، وإنما كطائرين يُحلقان في فضاء واسع ممتد ويصدحان بأروع ما جادت به موهبتيهما. إنها العلاقة الفطرية الربانية بين فيروز الأم والفنانة، وزياد الابن المُبدع الفيلسوف المُفكر السياسي، روابط قلما وجدت بين اثنين بهذا الوضوح، وإن اختلفت وجهات النظر أحياناً، فالاتفاق على وجهة الفن الراقي كانت كفيلة بتبديد الغيوم العابرة بين الموهبتين الكبيرتين.

لا شيء يعكر الصفو غير الموت وحده، جاء ليُسجل أول حالة من حالات الفراق الدائم بين الحبيبين ويقطع الحبل الإبداعي الواصل بين القامتين الكبيرتين، فتسكت الأغاني وتكف الآلات الموسيقية عن العزف بعد سنوات الحضور والزهو والأصداء القوية لرنين الصوت والأناشيد. ونعود لعناوين الأغاني الموحية في مسيرة التعاون الطويلة بين فيروز وزياد لنتأمل المعاني في ما جادت به القريحة كتابة ولحناً وغناءً، فها هي العناوين تتحدث عن نفسها.. «مش قصة هاي»، «بعتلك»، «قديش كان فيه ناس»، «سلملي عليه»، «نظرونا»، «سألوني الناس».

كل هذه العناوين كانت دلالات على التفاهم والانسجام الفني بين الطرفين المُبدعين، غير أنها انطوت على تفاصيل عاشوها معاً، بين فرحة بالنجاح وخوف من الإخفاق، وحرص شديد على رضا الجمهور، واكتمال الصورة الذهنية لدى جموع الملايين عن الآهات والآلام وما خفي من الهموم السياسية والشخصية، بين سطور الكلمات وكوبليهات الأغاني والوصلات الموسيقية والسكتات اللحنية، حيث كل شيء يوحي بشيء ويرمز إلى ما يؤرق الفنانين الكبيرين.

كان زياد الرحباني فناناً مشغولاً بالسياسة وقضايا بلاده ووطنه، لذا نضج إحساسه النقدي وزاد حماسه تجاه الإبداع البناء الذي يحمل وجهة نظر، فما أدل على نقده الجريء من عناوينه الجريئة أيضاً في موسيقاه التصويرية لبعض الأعمال المسرحية والأفلام، «أمرك سيدنا»، «أبطال وحرامية»، «نهلة»، «وقائع العام المُقبل»، «بيروت»، «ظلال الصمت»، «طيارة من ورق»، «ميس الريم» وغيرها من التنويعات الدالة على وعيه وثقافته واختلافه وأهميته كإنسان وفنان لا يكتفي بالطرح، وإنما يُعززه بالرؤية النقدية الحادة والشجاعة.

قدم الفنان الراحل زياد الرحباني لإذاعة صوت العرب من لبنان بعض البرامج الخاصة والمهمة، من بينها برنامج «بعدنا طيبين» و»قول الله» و»نص الألف خمسمئة» و»يا ما أحلامكم». غير أنه شارك في مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز في عام 2010 وترك انطباعاً إيجابياً قوياً لدى الجمهور المصري، الذي استقبل موسيقاه بترحاب واستيعاب ولم يغترب مع فنه وإبداعه الجديدين حينئذ.

الآن وفي لحظة الإحساس المرير بالفقد ينتبه الجمهور المصري والعربي إلى قيمة الفنان الراحل، ودوره في تأكيد هوية الموسيقى العربية بتاريخها العريق وطابعها المتميز وإسهامها القوي في تنمية الوعي وإدراك الخصوصية العربية بأبعادها الفنية والحضارية والسياسية والإنسانية، كحصانة ودرع ومظلة لكل الشعوب الحرة المُناضلة شريطة التمسك بها والمُحافظة عليها.

 

القدس العربي اللندنية في

29.07.2025

 
 
 
 
 

كل الأحبّة كانوا في الجنازة (والآخرون أيضاً):

زياد الرحباني... تشييع شعبي من الحمرا إلى بكفيا

غادة حداد

سار الموكب بين الناس، وساروا هم خلفه تصفيقاً وغناءً وبكاءً، ورمَوا الورود والأرُز للحبيب المسجّى في النعش. لقد كانت تلك لحظة توّجت زياد الرحباني ملك الساحة ع بياض

كلهم أتوا. بكل تناقضاتهم، من الحمرا إلى بكفيا. أتوا من خلف آلاتهم، من مسرحهم، من صحفهم، ومن حياتهم اليومية، طلاباً وموظفين، وأناساً عاديين أحبّوا زياد الرحباني حتى الدمع الأخير.

لم يثنِهم أنّ يوم الإثنين، ظلّ يوم عملٍ عاديّاً ولم يُعلن يوم حداد رسميّاً كما طالبوا على منصات التواصل. ورغم بقاء السير قائماً في الحمرا، استطاع زياد أن يقفل السير مرةً أخرى في الشارع. اجتمع محبّوه والسمة المشتركة: الوجوم حدّ الاختناق.

وردة وتحية

بدأ التجمّع أمام «مستشفى خوري» في الحمرا قرابة الساعة السابعة صباحاً، بعدما قرّر رفاق زياد الالتقاء لإلقاء التحية عليه قبل انطلاق الموكب إلى «كنيسة رقاد السيدة» في المحيدثة في بكفيا. منهم مَن قام بترديد أغانيه، والأغلبية بكت لسماع مقطع من أغانيه.

تشقّ الأسيرة المحرّرة سهى بشارة طريقها بين الحشود أمام «مستشفى خوري» في الحمرا، حاملةً باقة من الورد الأحمر، وتوزّعها على الحضور. أتى طارق تميم أيضاً، وربيع الزهر، وأحمد قعبور، وزياد سحاب، وندى أبو فرحات، وطبعاً رفيق دربه أحمد مدلج.

بعد قرابة الساعة ونصف الساعة، علا التصفيق والبكاء، فقد خرج الحبيب في النعش، ليودّع محبّيه. لم يتمكّن ابن عمّه غدي الرحباني من حبس دموعه وهو جالس في السيارة الأمامية التي تنقل النعش.

وبعد تحية لزياد أمام المستشفى، سار الموكب بين الناس، وسار الناس خلفه تصفيقاً وغناءً وبكاءً، ورمَوا الورود عليه، قبل أن يتّجه بعيداً، نحو بكفيا. أثناء المسار، توقّف لدقائق في ساحة انطلياس حيث تُليت الصلاة لروحه، وأكمل طريقه صعوداً.

لافتات وداعيّة على طول الطريق

من انطلياس إلى مزرعة يشوع وبكفيا، رُفعت لافتات حملت صور زياد كُتب عليها «بلا ولا شي» و«أنا صار لازم ودّعكم». وصعوداً نحو المحيدثة، قطعت القوى الأمنية الطريق باتجاه الكنيسة، والمسار الباقي سيراً على الأقدام. عند قرابة الساعة الحادية عشرة والنصف، وصل موكب غامض، تقدّمته سيارة يقودها النائب إلياس بوصعب. تترجّل منها الفنانة جوليا بطرس، ثم يحاول بوصعب ركن السيارة عند مدخل باب الكنيسة، ليلتمّ الناس حولها، كأنّ حدسهم قادهم إلى فيروز.

فجأة يصدح صوت

«ممنوع التصوير، السّت

فيروز ما بدها تصوير»

وفجأة، يصدح صوت «ممنوع التصوير، السّت فيروز ما بدها تصوير»، وكأنّ قرار المنع أشبه بنداء لمن لا يعرف أنّ سيدتنا قد وصلت. احتشدت الكاميرات، ورُفعت الهواتف عالياً لالتقاط مشهد لأم زياد.

ترجّلت ريما ثم فيروز وتوجّهتا إلى داخل الكنيسة حيث وُضع نعش زياد. جلست فيروز أمام بكرها لتبكيه بصمت، ثم عادت ودخلت صالة العزاء، وجلست في الزاوية صامتةً وهادئة لساعات، لتواسي وتُواسى بزياد.

ومن قلب سكونها وحزنها، بدأت استعراضات المزايدين في حبّ زياد، وسط تعجّب واستغراب الحاضرين. جلست ريما على يمين والدتها، وجنبها جلست هدى حداد، وزوجة رئيس مجلس النواب رندة بري على يمينها، وتوسّط أبناء منصور صفّ العائلة، فيما جلس غسان الرحباني قرب ريما.

في آخر الصف، جلس أمين عام «الحزب الشيوعي اللبناني» حنا غريب، ومعه عدد من قدامى الحزب. وحضر أيضاً عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب إبراهيم الموسوي.

التناقض في حب زياد

بدأ توافد المعزّين من كل تناقضاتهم نجوماً وفنانين وممثّلين ومخرجين ومبدعين: وصل مرسيل خليفة وشقيقه أنطوان وشربل روحانا، ثم وصل الشاعر الكبير طلال حيدر، ورافقه خليفة إلى صالة العزاء.

وأتى خالد الهبر ونجله ريان، والفنان المصري حازم شاهين، ولينا خوري وكارول سماحة، وجورج شلهوب وجوزف عازار ونجله كارلوس، والليدي مادونا، ومايا دياب، وهيفا وهبي، وراغب علامة، وعاصي الحلاني، ومحمد إسكندر، ونجوى كرم، ومحمد الدايخ وشقيقه حسين، وحسين قاووق، ونادر الأتات، وريتا حايك، ونزار فرنسيس، وجورج نعمة، وماجدة الرومي، ورندة كعدي وغيرهم.

كما حضر سياسيون، من السيدة الأولى نعمت عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ووزير الإعلام بول مرقص والثقافة غسان سلامة، ورئيس حزب «الكتائب» السابق أمين الجميّل، ورئيس «حركة الشعب» نجاح واكيم، ورئيس حزب الوطنيين الأحرار كميل شمعون.

في وقت تنافس فيه النجوم للحديث عن زياد، اكتفى أصدقاؤه بتعزية بعضهم، ورفضوا الحديث علناً. وكانت كارمن لبس، وصلت بهدوء، اقتربت من النعش وقدّمت القبلة الأخيرة لحبيب العمر، وعادت لتجلس بهدوء وحزن. أما الأخت مارانا سعد، فقد طلبت من الربّ أن يكافئه على كلّ ما قدّمه لهذا الوطن، وللفن والمدرسة اللبنانية.

جمع زياد هذه التناقضات في مشهد يعكس الإجماع حوله. لكن لو كان زياد بيننا وشاهد مراسم وداعه لقال «شو هالعجقة هي» على حدّ تعبير صديقته الصحافية ضحى شمس التي وصفت زياد بأنّه كان مرجعاً في أي عمل تقوم به. وقالت إنهما كانا صديقي لعب، فهو كان يحب اللعب معهم وفيهم، لتتحول أي لحظة جدّية إلى نكتة وضحكة. والعمل معه كان صعباً وجميلاً، لأنه يحبّ الكمال ولا يحبّ الإهمال، ويغضب إن لم يقدّم أحدهم أفضل ما لديه.

أتى خبر موت زياد كالصاعقة على الممثّلة رندة كعدي، التي وصفته بضمير الوطن. ورغم أنها شاهدت كل أعماله، فهو أيضاً شاهد كل مسرحياتها، لكنهما لم يجتمعا في عملٍ واحد، وانهمرت بالبكاء متمنّيةً «يا ريتك تضل».

وفجأة يظهر بين الحضور عاصي زياد الرحباني، الذي أتى خصّيصاً من دبي. ربما يشكّل حضوره مفاجأة، لكن ما كُتب في الإعلام عن مشاكل البيوت، لا يعكس حقيقة أعمق، بين أبٍ وابنه، ولو فقدا رابط الدم. وكان عاصي قد نعى زياد على صفحته على فايسبوك أمس بمقولة لجبران خليل جبران: «المحبّة لا تعطي إلا ذاتها، ولا تأخذ إلا من ذاتها. لا تملك شيئاً، ولا تريد أن يملكها أحد، لأنّ المحبة مكتفية بالمحبة».

سأدفن ابني لوحدي

يجمع الحضور على حبّ زياد وعلى عتبهم على غيابه. والكل يلتفت ليسأل عن فيروز. وصفها بعضهم بالـ«قديسة».

دفنت بالأمس ثاني أولادها، بعدما دفنت ليال في العام 1988. يومها رتّلت «أنا الأم الحزينة»، لكن بالأمس لم تهمس بكلمة.

زياد ليس بكرها فقط، بل هو امتداد والده الراحل عاصي الرحباني، هو الذي صنع صورة فيروز الفنّية الجديدة. هو الذي جعلها تضحك على المسرح وتغنّي للبوسطة، وجعلها تقول «بس هو هي».

تشقّ الأسيرة المحرّرة

سهى بشارة طريقها بين

الحشود حاملةً باقة من الورد

عند الساعة الرابعة عصراً، بدأت صلاة الجنازة، وعند قرابة الخامسة والنصف، خرج نعش زياد، ليُلقي محبّوه التحية الأخيرة عليه. ورقص الزياد بين أيديهم، وصفّقوا له، ودخل إلى سيارة نقلته، وحيداً، إلى مثواه الأخير. إذ إنّ قرار فيروز كان واضحاً: «سأدفن زياد لوحدي» حيث المقبرة التي بنتها قرب منزلها في شويّا في قضاء المتن.

المثوى الأخير

في بكفيا، وُلد عاصي الرحباني عام 1923، وتلاه شقيقه منصور عام 1925. عمل والدهما شرطياً في البلدة، وتلقّى الأخوان دراستهما الأولى في مدارس البلدة، وتكوّنا ثقافياً ضمن مناخٍ محافظ إلى حدّ ما، يجمع بين القيم المسيحية والعائلية والروحية.

لم تكن بكفيا مجرّد مكان للنشأة، بل بيئة اجتماعية وثقافية أثّرت بعمق في المخزون البصري واللغوي والموسيقي لدى الأخوين. العديد من الصور التي حضرت لاحقاً في مسرحيات الرحابنة، مثل الجبال، الساحة، المختار، الفتاة القروية، الغابة، الكنيسة، الجنازات، الأعراس، كلّها تعود في أساسها إلى المشاهد اليومية في بكفيا.

تمرّد زياد الرحباني على هذا المخزون، وقرّر انتماءه وحياته، بمعظم تفاصيلها خارج سياج الرحابنة، وانطلق في الدنيا، وخاض تجارب جعلته «أسطورتنا».

ورغم أنّ إرث العائلة بقي في بكفيا، في أعالي المتن، حتى بعد وفاة عاصي عام 1986، خصوصاً كمقرّ عائلي، إلا أنّ زياد اليساري ما كان له هذا الارتباط، بل بنى قطيعة مع الطابع اليميني الذي طغى على المنطقة. لكن بعد رحيله، خسر سلطته على نفسه، وقرّرت العائلة أنّ هذا اليوم لها، ليعود زياد إلى عائلته وجذورها، وتتحوّل بكفيا أمس إلى مثوى زياد الأخير.

 

####

 

«معجزة» زياد الرحباني

الشيخ ماهر حمود

ما لم يذكره أحد، مفارقة كبيرة، وهو أنّ الجميع من دون استثناء يلومونه لوماً شديداً على الجانب الشخصي من حياته، وليس شخصياً لواحد مثله، لقد دخل كل العقول وسكن كل وجدان، وأحدث تغييراً في كل الأفكار. فهل تكون حياته الشخصية خاصة به؟ من أجل ذلك الجميع يلومه بحرقة، بسبب ذلك الجانب الذي يعرفه الجميع، حُرمنا من إنتاجه مدّة طويلة من عمره، كما حُرمنا والعائلة من نسلٍ من صلبه يتمّم المسيرة بشكل أو بآخر... ما أضاعه من عمره، هو من عمر الوطن، من عمر ثقافتنا و«جهادنا» في وجه الظلم والفساد والانحراف.

ومع أنّ الجميع يلوم بل يستنكر هذا الجانب المؤلم، إلا أنّ أحداً لا يذكر ذلك علناً، ولا يتحدّث أحد عن ذلك، لماذا؟ لأنّ حجم السرور الذي أدخله إلى النفوس في حجم الوعي السياسي الذي نشره، وهذه الجرأة التي لا تعرف حدوداً، وتلك الكلمات اللطيفة الهادئة التي تختصر المشهد السياسي والحضاري في أمّتنا بشكل عام... إنّ هذا الحجم من التأثير جعل الجميع يعرضون عن ذكر السلبيات التي لو فعلها غيره لأدين ولخسر محبة جمهوره، ولعله أصبح رمزاً للنقد الجارح.

ولكنه زياد، الذي لخّص الوضع السياسي والاجتماعي، خاصة في مسرحياته الثلاث: «نزل السرور»، «بالنسبة لبكرا شو؟» و«فيلم أمريكي طويل»، وتلك المقابلات المتعدّدة التي كانت «فشة خلق» استثنائية للجميع.

لم يحظَ غيره بهذا الإجماع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وما بينهما من ألوان وانتماءات، والكل يغضّون النظر عمّا لا يعجبهم، لأنّ الجانب الذي يعجبهم يكفي ليغطّي الجانب الآخر.

يكفينا فخراً ذلك الحبّ والإعجاب الذي كان يكنّه لسماحة الراحل الكبير السيد حسن نصر الله، حيث قال: العيش دون السيد جحيم مدسوس فيه العسل.

هذا آخر ما قاله...

فليهنأْ لبنان بهذا الإجماع حول شخص استثنائي أضحك الجميع، وأدهش الجميع، وانتقد الجميع، بالتأكيد لن يتكرّر، ويكفي ما قدّمه للوطن... وليسامحه الجميع بالجانب الذي لا يوافقه عليه.

فلننعم جميعاً بالجزء الذي نحبّه ونحترمه، والذي سيبقى ما بقي لبنان، وما بقيت أحوالنا كما هي.

 

####

 

عزاء زياد الرحباني: ماذا لو شاهد وداعه؟

زكية الديراني

انقسم المشهد في «كنيسة رقاد السيدة» في المحيدثة في بكفيا. أقيمت التعازي بحضور السيدة فيروز وابنتها ريما، بين من تأثروا فعلاً، وآخرين بدت تصرفاتهم متكلّفة.

كان وداع زياد الرحباني شعبياً في «مستشفى خوري» في الحمرا. الدموع التي ذرفها أصدقاؤه كانت حقيقية وعفوية، تعكس مشاعر صادقة شكّلت قاسماً مشتركاً بين الجميع. في المقابل، انقسم المشهد في «كنيسة رقاد السيدة» في المحيدثة في بكفيا. أقيمت التعازي بحضور السيدة فيروز وابنتها ريما، بين من تأثروا فعلاً، وآخرين بدت تصرفاتهم متكلّفة. التعليقات على مواقع التواصل أجمعت على سؤال واحد «ماذا لو كان زياد الرحباني يشاهد هذا المشهد؟». ليجيب أحدهم «لكان أطلق نكاته الساخرة ولم يوفر أي نجمة من سهامه».

ماجدة الرومي تثير الجدل في عزاء زياد الرحباني

حضرت ماجدة الرومي لتقديم التعازي، متشحة بالسواد. وعند وصولها إلى السيدة فيروز، ركعت أمامها محاوِلةً تقبيل يديها. نظرات فيروز بدت مستغربة، وكأنها تسأل: من هذه التي تحاول تقبيلي بالقوة؟ حاولت ريما التدخل بلطف، وتمّ انتشال الرومي من المشهد المحرج. ماجدة، المعروفة بمواقفها السياسية والفنية المبالغ فيها، كانت عرضة للانتقاد والسخرية من قبل الحضور.

«دموع» ديما صادق

لم تكن ماجدة وحدها، إذ نافستها ديما صادق في المشهد الدرامي. فقد انهارت بالبكاء أمام جثمان زياد، رغم أن علاقتها بأفكاره ومواقفه لم تكن قريبة. الأمر دفع البعض للتشكيك في صدق مشاعرها، معتبرين تصرفها منافسة غير مباشرة على لقب «الأكثر تصنّعاً».

هيفا وهبي: لياقة وأناقة بدون مبالغة

على عكس تلك المواقف، تألّقت هيفا وهبي بسلوك راقٍ. حضرت بفستان أسود قصير، وشال على رأسها، وانحنت بانسيابية أمام السيدة فيروز بدون مبالغة. تصرف هيفا عكس تصالحها مع ذاتها وفهمها العميق لأصول الظهور في المناسبات العامة.

 

الأخبار اللبنانية في

29.07.2025

 
 
 
 
 

د. محمد مصطفى الخياط يكتب:

زياد الرحباني.. حبيب ماما

المصري اليوم

أى زياد نرثي؟

هل زياد عفريت الألحان.. الصبى الذى استكمل مسيرة أبيه، الـمُحاصر على فراش المرض؟
مَنْ أكد أن سلسال الفنان الكامل لم ينقطع، شعرًا، ولحنًا، ومسرحًا! وأن عطاء الرحبانية كالمطر، لا ينقطع، أم زياد الثائر ضد تشظى لبنان على قارعة الهويات والأوهام الحزبية، أم زياد المشحون بالتمرد ضد الظلم والطغيان والاستبداد؟!.

.......
لا هذا ولا ذاك.. إننى أرثى زياد ابن «أم زياد». لم تحب فيروز لقبًا كما أحبت «أم زياد».. زياد أولى ثمار الحب فى أرض الرحبانية.. كانت أول كلمة «ماما» من زياد وأول كلمة «حبيبى» المنقوعة بتتبيلات الأمومة والحنية والرقة، قالتها لزياد.. أول قدم صغيرة دبت على أرضية البيت، كانت لزياد.. وأول زغرودة نجاح فى المدرسة، كانت لزياد.. كان أول فرح دائمًا من نصيب زياد.

.......
وحتى حين رحلت الابنة «ليال»، ظلت فيروز تختزن الوجع الأعمق لزياد.. ماذا يعنى سن زياد لفيروز؟ لا شىء!.. خمسين، ستين، سبعين، سيظل زياد حبيب ماما.

الرضيع الذى حملته بين ذراعيها ونام على قلبها.. الطفل الذى تعلم المشى وصار يترك خلفه الفوضى فى كل مكان.. الصبى المشاكس دائمًا.. لم يكبر زياد، ظل كما كتب ولحن أبوه وعمه، «عشرين مرة إجا وراح التلج/ وأنا صرت إكبر وشادى بعده صغير/ عم يلعب ع التلج».. نعم.. «زياد» بعده صغير فى عينى فيروز.. «وعم يلعب ع التلج».

.......
راح «زياد»، لكنه ما بيروح من قلب أمه، ولا من عيون أمه.. ظل دائمًا الولد الشقى الذى لا يستطيع أن يبعد عن أمه، وكذلك هى.. «سلّملى عليه.. وقلّو إنّى بسلّم عليه وبوّسلى عينيه.. وقلّو إنّى ببوّس عينيه».

.......
وعندما غضبت منه لزواجه من دون إرادتها، لم يتحمل حزنها، وعاد من سفره وقبّل رأسها ودار بينهما حوار مشحون بالعتاب والود، انتهى بأن صالحها بأغنية صاغ كلماتها من عتابها له: «كيفك إنت؟»..
«كيفك؟ قال عم بيقولوا صار عندك ولاد أنا والله كنت مفكّرتك برّات البلاد».

.......

وفى الأخير، ربما عندما تقدم أحدهم بخطوات ثقيلة وأخبرها برحيل زياد، دندنت- كعادتها كلما سمعت اسمه- بأول ألحانه لها.. كان لايزال صبيًا، لكنه ليس كأى صبى، هذا صبى أبوه عاصى الرحبانى، وعمه منصور، وأمه جارة القمر، ربته ليكون جاهزًا ليتقدم الصفوف فى أى وقت، فتقدم ولحن وهو ابن سبعة عشر عامًا، «سألونى الناس»، وعندما رحل، تقدم كعادته الصفوف، بينما يردد الفراغ صوت فيروز متسائلاً:

«سألونى الناس عنك سألونى.. قلتلهن راجع اوعى تلومونى..

غمضت عيونى خوفى للناس.. يشوفوك مخبا بعيونى..

وهب الهوا.. وبكانى الهوى.. لأول مرة ما منكون ســوا».

الأمومة لا تتقاعد!.

من قلبى سلامٌ «لفيروز».

 

####

 

بعد وفاة زياد الرحباني..

إليسا تُعيد تقديم «سألوني الناس» في حفل غنائي (فيديو)

كتب: منى صقر

أحيت الفنانة إليسا حفلًا غنائيًا ضمن فعاليات أعياد بيروت، وحضر حفلتها تعدد كبير من الفنانين المُحبين له ولأغانيها.

وفي لقطة إنسانية بين الحفل، قررت إليسا الغناء إحدى أغاني الفنان اللبناني الشهير، إذ قدمت الفنانة جزءً من «سألوني الناس» وسط تفاعل الجمهور بشكل واضح.

انتهت رحلة زياد الرحباني أو «العبئري» كما أحبت أن تصفه والدته فيروز في شبابه، بلكنتها اللبنانية المميزة. انتهت بعد نحو 7 عقود من التمرد والفن والثورة والاتساق مع الذات.

رحل زياد الرحباني فنثر جمهوره على منصات التواصل الاجتماعي، مقولاته الأثيرة: «ما حدا مبسوط... ونيّالك يا ما حدا»، «ما تقلّي طوّل بالك هيك أطول شي»، «في ناس مش بس بيمثلوا علينا، بيمثلوا علينا وبيصدقوا حالن».

الرثاء، التأبين وكلمات الحزن وصور خرجت خلسة من أرشيف الذكريات بالأبيض وأسود من مشاهير رافقوا زياد، وأخرى التقطت بكاميرات هواتف بداية الألفية الضبابية من جمهوره، من عملوا معه، من قابلوه دون سبب يذكر، لم تكف المساحة الزمنية التي تُعرض فيها منشورات المستخدمين عبر المنصات، إذ استدعى أحدهم بيت الشاعر السوري الراحل رياض الصالح حسين لوصف المشهد بـ«كان يُخبّئ الأشجار في عينيهِ.. وعندما مات لم نستطع كلّنا أن ندفن غابة».

 

####

 

راغب علامة يودّع زياد الرحباني بكلمات مؤثرة:

«كأن الزمن أطفأ آخر شمعة»

كتب: علوي أبو العلا

نَعَى النجم اللبناني راغب علامة الموسيقي الراحل زياد الرحباني بكلمات حزينة ومؤثرة، عبّر من خلالها عن حجم الخسارة الفنية والثقافية التي مُني بها لبنان برحيل أحد أبرز رموز الإبداع.

وكتب راغب عبر حسابه الرسمي على «إنستجرام»: «بغياب زياد خسرنا نبض بيروت، وكأن الزمن أطفأ آخر شمعة في مسرح الذاكرة».

ويأتي هذا التعليق بعد ساعات من تشييع جثمان زياد الرحباني في مشهد مهيب، شهد حضورًا شعبيًا ورسميًا، وظهورًا نادرًا لوالدته، السيدة فيروز، التي ودّعت ابنها في لحظة مؤثرة.

زياد، الذي حمل مشعل التجديد في الموسيقى والمسرح، سيظل حاضرًا في ذاكرة بيروت، كما قال راغب، «كمسرح لا تُطفأ أنواره».

 

####

 

هبة عبدالغني تنعى زياد الرحباني بكلمات موجعة:

«افرح يا زياد.. تعبك وقع بمحله»

كتب: علوي أبو العلا

عبرت الفنانة هبة عبدالغني عن حزنها العميق لرحيل الموسيقي والمفكر اللبناني زياد الرحباني، وكتبت عبر حسابها الرسمي على «فيسبوك» نعيًا مؤثرًا، اختارت فيه كلماتٍ بسيطة لكنها تحمل دلالات إنسانية عميقة.

وجاء في منشورها: «افرح يا زياد، اجتمعوا على توديعك، عالقليلة صاروا من وراك عم يشتركوا بشي واحد بساعة واحدة.. تعبك وقع بمحله».

كلمات هبة عكست التأثير الكبير الذي تركه زياد في نفوس محبيه، ليس فقط من خلال فنه، بل أيضًا من خلال مواقفه التي جمعت حوله مختلف الأطياف، حتى في لحظة وداعه.

يُذكر أن جنازة زياد الرحباني شهدت حضورًا كثيفًا من فنانين وشخصيات عامة، إلى جانب ظهور نادر ومؤثر لوالدته السيدة فيروز، ما جعل وداعه لحظة وطنية وفنية بامتياز.

 

####

 

لطيفة تكشف آخر رسالة من زياد الرحباني قبل رحيله:

«أنا بتحسن وفي انتظارك»

كتب: أنس علام

بعد مشاركتها في احتفالات عيد الجمهورية التونسية بحفل غنائي كامل العدد على مسرح قرطاج، غادرت الفنانة لطيفة تونس متجهة إلى بيروت، للمشاركة في وداع الموسيقار الراحل زياد الرحباني، الذي توفي مؤخرًا بعد أزمة صحية.

ورغم انشغالها الفني، قررت لطيفة قطع رحلتها والسفر إلى لبنان، لإلقاء نظرة الوداع على زياد، الذي جمعتها به علاقة فنية وإنسانية طويلة، وعبّرت عبر حساباتها الرسمية عن حزنها لوفاته، مستذكرة آخر رسالة بينهما، وقالت:«آخر رسالة بيننا قلتلي: أنا بتحسن وفي انتظارك أنا جيتك يا حبيبي بس إنت رحت ما أصعب فراقك يا زياد يا رب صبّرنا، بس اللي مثلك ما بيموت بحبك لتخلص الدنيا».

وكان زياد الرحباني قد انتهى مؤخرًا من إعداد ألبوم غنائي كامل للفنانة لطيفة، يضم 7 أغنيات، من بينها اثنتان من كلمات الشاعر الراحل عبدالوهاب محمد، وقد تم تسجيل الألبوم بالفعل.

لطيفة كانت قد أحيت حفلًا غنائيًا مؤخرًا على مسرح قرطاج في تونس أمام جمهور كبير تجاوز 20 ألف متفرج، ضمن احتفالات عيد الجمهورية، وقدمته على الهواء مباشرة عبر القنوات التونسية. وغنت خلاله عددًا من أغانيها القديمة والجديدة، إلى جانب عروض استعراضية شاركت فيها فرقتها الموسيقية، بالتعاون مع مخرج إيطالي وفريق تقني فرنسي.

 

####

 

بعد رحيله.. منى الشاذلي تستعيد ذكرياتها مع زياد الرحباني (تفاصيل)

كتب: محمد هيثم

تستعيد الإعلامية منى الشاذلي ذكرياتها مع الموسيقار اللبناني الراحل زياد الرحباني في حلقة يوم غد الأربعاء من برنامجها «معكم» على قناة «ON».

وخلال الحلقة تعرض الشاذلي مقتطفات سابقة من لقاء لها مع الرحباني وحكاياته عن الفن والسياسة وعلاقته بوالدته الفنانة فيروز، وأهم الأعمال التي قدمها طوال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء.

وفى الحلقة فقرة مع عالمة المصريات الدكتورة مونيكا حنا مؤلفة كتاب مستقبل علم المصريات الذي يتضمن استعراضًا لماضي علم المصريات واستشرافًا لمستقبله.

وخلال الحلقة تتحدث مونيكا عن الوثائق المحفوظة في دار الوثائق المصرية التي استعانت بها لتفكيك السردية التاريخية لعلم المصريات عبر التاريخ لإلقاء الضوء على نقاط كانت مهمشة لعقود طويلة.

وتطرقت مونيكا إلى ألاعيب الغرب في الاستيلاء على الآثار المصرية، ومنها تغطية الآثار المكتشفة بالتبن لإخفائها عن العيون بعد اكتشافها حتى تسنح الفرصة لتهريبها خارج مصر.

 

####

 

قبل وفاة زياد الرحباني..

4 مرات نادرة ظهرت فيها فيروز (صور وفيديو)

كتب: آية كمال

في وداع ابنها الموسيقار زياد الرحباني، ظهرت السيدة فيروز للمرة الأولى، منذ سنوات طويلة، خلال مراسم التشييع التي أُقيمت في كنيسة رقاد السيدة ببلدة المحيدثة – بكفيا شمال شرق بيروت.

وجلست «جارة القمر» تتلقى العزاء إلى جانب ابنتها ريما الرحباني، في مشهد نادر التقطته عدسات الكاميرا، وسط أجواء حزينة ومؤثرة.

هذا الظهور هو الأحدث لها بعد غياب طويل عن الظهور العلني. وفيما يلي يرصد «المصري لايت» أبرز 4 مناسبات أعادت فيروز للظهور من جديد.

وبالتزامن مع تفشي جائحة كورونا في مارس 2020، فاجأت الفنانة فيروز جمهورها بظهور نادر ومؤثر من داخل منزلها، إذ جلست بهدوء على كنبة حمراء تتلو مزامير من الكتاب المقدس، في مشهد روحي مؤثر..

للمتابعة وقراءة الموضوع كاملا اضغــــــط هنـــــا.

 

####

 

رشّحه لغناء أعماله..

20 معلومة عن المصري الوحيد في جنازة زياد الرحباني

كتب: أحمد مصطفى

تصدر الفنان حازم شاهين تريند منصات التواصل الاجتماعي، عقب ظهوره اللافت في جنازة الموسيقار الراحل زياد الرحباني.

ويُعد «شاهين» الفنان المصري الوحيد الذي شارك في مراسم التشييع، والتي أُقيمت في كنيسة رقاد السيدة ببيروت، لبنان، أمس الإثنين.

وكتب «شاهين» ناعيًا «الرحباني»، عبر إنستجرام: «الأستاذ زياد.. أخي الأكبر الذي لم تلده أمي، إنسان لدرجة الموت، وفنان لدرجة الخلود، حتفضل محفور في وجداني وقلبي ومزيكتي لحد ما نتقابل، إلى الخلود يا صديقي».

وتفاعل المستخدمون مع ظهور شاهين، فيما تساءل آخرون عن هويته، باعتباره المصري الوحيد الذي حضر جنازة الرحباني.. فمن هو؟

للمتابعة وقراءة الموضوع كاملًا اضغـــــط هنـــــا.

 

المصري اليوم في

29.07.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004