ملفات خاصة

 
 
 

لبنان حزين على زياد... قلق على مستقبله

عبدالوهاب بدرخان - المصدرالنهار

الموهوب والعبقري الثائر

زياد الرحباني

   
 
 
 
 
 
 

الحزن على رحيل زياد يختلط بالقلق من تقلّبات ومخاطر تحيق بحاضر البلد ومستقبله. فالوسيط الأميركي، كما قادة "حزب إيران/ حزب الله"، باتوا يشيرون إلى احتمال "زوال لبنان" ولو انطلاقاً من عقليتَين سقيمتين.

على كل المستويات، أشاع رحيل زياد الرحباني حزناً شخصياً وجماعياً، وشعوراً بفقدٍ مفاجئٍ لشخص شاركنا أفراداً وجماعات الحُلو والمرّ، واختصرنا طوال نصف القرن المنصرم معبّراً بما نقوله أو نحجم عن قوله. أجيالٌ عدة تأثرت بما قدّمه فنياً وقبلت ما أنجزه وخرق به التابوات، وفي الوقت نفسه تعلّمت منه وعلى طريقته الأريحية ألا توافقه على بعض آرائه عندما يتوغل في زواريب السياسة وتهتزّ بوصلته. وما تكشّف عن مرضه ووفاته أظهر زياد كأنه التجسيد الواقعي المباشر لـ"الكرامة والشعب العنيد"، ولعله شاء نهايته فصلاً في مسرحية أخيرة لم يكتبها، بل كتبت نفسها عمّا يمكن أن تكون عليه نهاية أي مواطن عادي في بلد تزداد فيه ضائقة العيش "لولا فسحة الأمل"... لكلٍّ "زياده". لكن زياد السواد الأعظم كان ذلك القادر على ابتكار موقف واضح وبسيط من أكثر الأمور تعقيداً، كما هي اليوم في لبنان والمنطقة.

في مقاطع صوتية قديمة أعيد بثّها حديثاً، أعطى زياد وجهة نظر في "الانتصار" مختزلاً الجدل والنقاشات. كان جدياً وقاسياً بسخريته من "انتصارات" لا يرى لها أثراً في الواقع. لم يكن يتحدث عن "النصر" الذي أبدى تعاطفاً كبيراً مع "حزبه" مقدار ما كان يعبّر عن نقد عميق لانغلاق هذا "الحزب" على نفسه.

غاب زياد في لحظة شعر مريدوه جميعاً بالحاجة إلى كلمته الحرّة الصريحة النزيهة في هذا المأزق المركّب الذي يمرّ فيه البلد، ولا يتوقعون سماع تلك الكلمة من أحد آخر، فهو الوحيد المتموضع خارج المنظومة والاصطفافات. ماذا كان ليقول عن "حصرية السلاح" الذي بات نقمة على الناس- ناسه، عن "المقاومة" التي أظهرت ما عندها، فكان كارثياً وفاقم أزمة البلد؟ عن "الشيوعية" المحلية التي ألحقت نفسها بـ"حزب إيران" ولا تعرف الآن بما أو بمن تلتحق؟

وعن مبعوثين أميركيين تنحصر مهماتهم في تنفيذ شروط إسرائيل ويتظاهرون بأنهم "وسطاء" بين لبنانَين أو بين سوريتَين أو أكثر؟...

مع غياب زياد اتضح كم كان منزرعاً في الوجدان والضمائر، لأن حقيقته كانت في رفضه الحروب وسفك الدماء وفي تمثيله للمقهورين والمهمّشين، وليس في آراء عشوائية نثرها هنا وهناك عن النظام الأسدي في سوريا أو عن "حزب السلاح" في لبنان. هل كان ليتأسف على سقوط ذلك النظام؟ وهل كان ليدعو إلى "نزع" ذلك السلاح غير الشرعي و"حصره" في يد دولة لطالما أثخن نظامها الطائفي، أو أنه كان ليضبط مزاجه المتمرد على نبض الشارع الذي كان أحد مصادر وحيه؟

الحزن على رحيل زياد يختلط بالقلق من تقلّبات ومخاطر تحيق بحاضر البلد ومستقبله. فالوسيط الأميركي، كما قادة "حزب إيران/ حزب الله"، باتوا يشيرون إلى احتمال "زوال لبنان" ولو انطلاقاً من عقليتَين سقيمتين: إذا بقي السلاح تبقى إيران في لبنان، لذلك يمكن أن "يُلحق ببلاد الشام" وكأن استقرارها استتب، وإذا نُزع السلاح يصبح البلد "تحت رحمة إسرائيل" وكأن أميركا والعالم يستحسنان وحشيتها... مجرد طرح هذين الخيارين النقيضين يعني أن أميركا وإسرائيل لا تريدان للدولة اللبنانية أن تنهض. وهذا ما سعت إليه إيران من خلال "حزبها".

 

####

 

عندما يرحل السند... تقف فيروز كأرزة صامدة!

باميلا شاهين

ودّعت السيدة فيروز زيادها، لابسةً ثوب القوة وحاملةً في أعماقها أحزاناً لا تحصى ولا تعدّ

قبل أن يكون زياد الرحباني فناناً ومبدعاً وأسطورةً استثنائية جمعت كلّ اختلافات لبنان على محبّته، كان الولد البار المحب، ليترك اليوم والدته كالأم الحزينة، "بلا ولا شي". 

ففي الأمس، حيث اللقاء الأخير، ودّعت السيدة فيروز زيادها، لابسةً ثوب القوة وحاملةً في أعماقها أحزاناً لا تحصى ولا تعدّ، رافقته من بيروت، من شارع سبيرز، وحي الأشرفية، وصولاً إلى بلدة المحيدثة في بكفيا.

ووسط الحضور الشعبي الكثيف، وقرع الأجراس، وتناثر الورد والأرز على الموكب الجنائزي، كانت فيروز والناس "العاديين" وحدهم صامتين ومحزونين، في حالة هزيمة لرحيل هذه العبقرية، مشاركين في الصلاة على روح الفقيد، ومرافقين السيدة فيروز إلى كنيسة "رقاد السيدة" حيث دُفن زياد.

وكانت اللحظة الأكثر تأثراً في هذا اليوم، ظهور الفنانة الكبيرة فيروز بعد غياب طويل، إذ بدت متماسكة رغم الألم البالغ. ورغم وضعها نظارة شمسية، إلا أن الحزن كان أكبر من أن يحجب بعدسات سوداء، ليشعر كلّ لبنان بألمها وليصفها الكثيرون بالأرزة الصامدة

علاقة فيروز بزياد الرحباني، لم تكن مجرّد علاقة أم بابنها، بل تميّزت بطابع فني خاص، حيث كان زياد كاتبٌ لصوتها، وملحنٌ لمشاعرها، عكسا معاً هموم الناس وآمالهم وأحلامهم بفنٍ لا ينسى ولا يندثر.

أما اليوم، وبعد رحيله، فقد تغني فيروز "كيفك إنت" لزياد، و"سألوني الناس" لتتذكر زياد، و"إلى عاصي" لتترحّم على والد زياد وزياد، و"إيه في أمل" لتصمد في حزنها من دون زياد و"ولا كيف" لتتناسى آلام الفقدان والإشتياق لزياد.

فيروز التي أثار صمتها دهشة العالم في جنازة حبيبها، وسندها، فكيف لصوتها العظيم ألا يصمت حين يغيب من كان يكتب كلماته ويلحّن نبضه؟

 

####

 

منى واصف: فيروز أقوى من القوّة... والقدر سلبها الغالي والعزيز (فيديو)

"كنت قد أرسلتُ لها أمس رسالة أقول فيها: كوني قوية"

المصدر: "النهار"

وجّهت الفنانة القديرة منى واصف رسالة تعزية مؤثرة إلى السيدة فيروز، عقب رحيل نجلها المايسترو زياد الرحباني، معبّرة عن حزنها العميق، ومشيدة بصمود فيروز وثباتها رغم المصاب الجلل.

وقالت واصف، في حديث لموقع "فوشيا": "أصعب ما يمكن أن تمرّ به المرأة هو أن تواري أبناءها الثرى قبلها... هذا هو أقسى ما يمكن أن تعيشه".

واستذكرت واصف فقدان السيدة فيروز لابنتها ليال قبل سنوات، حين كانت لا تزال في الثامنة والعشرين من عمرها، مضيفة: "كنت أعرف ليال شخصياً، ثم رحل بعدها المبدع الكبير، حبيب هذا الجيل، زياد... عبقري، وهذه ليست كلمة تقال عابرة".

وتابعت قائلة: "زياد قيمة فنية كبرى، أعجز عن الإحاطة بحجم ما يمثّله... تاريخه يتحدث عنه، ومن المؤكد أن تأثيره سيستمر في الأجيال المقبلة، بما قدّمه من إرث فني خلال سنوات قليلة".

وأعربت واصف عن تأثّرها العميق بعد ظهور السيدة فيروز: "عندما رأيت فيروز ونظرت إليها، وجدتها شامخة... لا أعلم كيف، كنت قد أرسلت لها أمس رسالة أقول فيها: كوني قوية، لكنها كانت أقوى من القوة ذاتها".

وختمت منى واصف حديثها بالدعاء لفيروز، قائلة: "وهبها الله موهبة وشهرة خالدة، لكن في المقابل سلب منها القدر ما هو غالٍ وعزيز، إذ دفنت أبناءها قبلها... أسأل الله أن يحفظها، ويمنحها الصحة والقوة لتستمر، فهي لا تزال ترعى شخصاً يحتاج إليها، وهو ابنها هلي".

 

####

 

بالنسبة لبكرا شو؟...

المصدرالنهار - محمد عبد الله فضل الله

لاغرو أن أصحاب النبوغ الموسيقي أو الشعري أو المسرحي أو الفن عموماً باتوا بمنزلة الأنبياء عندما أتقنوا سر الكلمة والتبشير بها بمهارة تعزز المعنى وتعمق الشعور الإنساني وترتقي به.

كان يعود في الوقت المناسب تماماً لنفي الاستنتاج بأن زياد الرحباني لم يعد لديه ما يقوله

لاغرو أن أصحاب النبوغ الموسيقي أو الشعري أو المسرحي أو الفن عموماً باتوا بمنزلة الأنبياء عندما أتقنوا سر الكلمة والتبشير بها بمهارة تعزز المعنى وتعمق الشعور الإنساني وترتقي به.

زياد الرحباني هو من هؤلاء الذين تسلحوا بالموهبة الفذة وسيَّلوها قضية حملت خشبة خلاص وطن بأكمله، وهموم شعب يبحث عن صدقية موقف وعن صدق شعور وكلمة، أطلق صرخة مدوية علّها تهز الضمائر "بالنسبة لبكرا شو"؟ 

لاعناً الصمت والموات والتجمد عند حدود معينة والاستكانة للواقع المأزوم بل داعياً إلى الفعل المؤثر والتخطيط والعمل الجدي للغد.

لم تكن هذه الموهبة إلا تجليات انبعثت من صميم التحديات والعذابات التي تحتوش الكبار  ولم تكن تعيش في رفاهة وحياة ناعمة راضية، بل اندكت مع حاجات الناس اليومية والمصيرية في كرامتها وحريتها ورغيفها وأحلامها وآمالها .

بذل ما بوسعه فمنحه هذا الوسع تألقاً كنجمة تتكىء على أكتاف المقهورين، وكيف لا تتألق هذه النجمة وبريقها حر النفس والإرادة ينشد تغيير الحال ويرفض الواقع المتلون؟

الفرادة والإبداع والتميز ليست مكسباً شخصياً أراده زياد بل وسيلة تأثير وتغيير، وليس النقد الاجتماعي والسياسي عنده ترف بمقدار ما كان مبضعاً يشّرح فيه عقد المجتمع ويعري أمراضه، فاستطاع بتجربته الغنية أن يظهر تناقضات الواقع بأسلوب نقدي ساخر ملتصق بلغة البشر العاديين.

هو ليس كافراً ولكنه يكفر بسلوكيات أهل زمن يباعون ويشترون في سوق الأمم، فاضحاً سرّاق اللقمة والكرامة ليس على طريقة الوعاظ بل باللغة البسيطة المعبّرة الملامسة لجراحات الناس والتي لا تحتاج إلى تفكيك وكثير عناء لتلقيها.  

زياد سكن في ذاكرة أجيال كابدت هموم الحرب وعاشت آمال الخلاص وسيبقى ساكناً في وجدان الناس وأحلامهم بواقع جديد.

زياد صاحب الفكر الحائر والمتمرد وصاحب المشارب المعرفية والفنية المتنوعة لن تغيب دقة ملاحظته لواقعنا وستبقى صرخته "بالنسبة لبكرا شو؟" مدوية تستفزنا حتى ننعتق من الملوثات والمقيدات ونسافر عبر مواجيد متحررة وحرة تلعن كل صخب مادي يحاول سرقة كرامتنا ولقمتنا التي غناها زياد وعاش بها ولها...

 

####

 

قَلَقًا يَسيرُ وَحْدَه

المصدرالنهار - أحلام محسن زلزلة

أرادَ الموتُ أنْ يكونَ لهُ شأنٌ عظيمٌ، فاختارَكَ يا زياد... رَحلَ الوجَعُ المُقاوِمُ  بعدما أرخى ظِلالَهُ على البيانو الدّامع بآلامِ الوَطنِ، بعدما أشعلَ ثورةً عَلى خَشبة نَهَضَتْ بقلبِ الشّارعِ وجُروحِ البُسطاء. حَمَلْتَ عِبْءَ الإنْسانِ  ساخرًا حينَ غَصَّ باليأسِ،  ساخِطًا حينَ غاصَ بالحُزنِ.

أرادَ الموتُ أنْ يكونَ لهُ شأنٌ عظيمٌ، فاختارَكَ يا زياد... 

رَحلَ الوجَعُ المُقاوِمُ  

بعدما أرخى ظِلالَهُ على البيانو الدّامع بآلامِ الوَطنِ، 

بعدما أشعلَ ثورةً عَلى خَشبة نَهَضَتْ بقلبِ الشّارعِ وجُروحِ البُسطاء.

 حَمَلْتَ عِبْءَ الإنْسانِ  

ساخرًا حينَ غَصَّ باليأسِ،  

ساخِطًا حينَ غاصَ بالحُزنِ.

أسدلَ الموتُ السّتارَ على مَشْهَدِكَ الأخيرِ لكنّ المسرحيةَ ما زالتْ تجترُّ العُروضَ الهَزلية، في نَقلِ ابتسامةِ القَدَرِ بالمَرارةِ نفسِها.

هذهِ المرّة لم يكنِ الموتُ ذكيًّا كفايةً لِيُطفِئَ كوكبًا لامعًا  

في فَضاءِ العُقولِ وفي جُيوبِ الزَّمَنْ.  

لَقَدْ تَصالحْنا معَك في تَمَرُّدِكَ،  

وجُنونِكَ، ومرارتِكَ التي فجّرتْ ضِحكَنا…  

ومرارتَنا.  

لكنّ ما اختلَفْنا فيهِ معكَ  

توقيتُ الرّحيلِ المُبْكِرِ،  

وتَركُ مَسرحيّةٍ منَ الدّموعِ الحزينةِ  

بَطَلَتُها شَمْسُ الحُبِّ فيروز.

كيفَ نُودّعُك؟  

إنْ كُنتَ صوتَ وَجعِنا وَعَصْفَ قُلوبِنا؟  

ضحِكْنا طويلًا  

حينَ كُنتَ تَبكي بالكلامِ،  

وسنبكي طويلًا  

حينَ ستَضحكُ بِصَمْتٍ في عُمْقِ الإِبداعِ والعَبْقَرِيَّة.  

هَلْ هِيَ مَزْحَةٌ أنَّكَ أَصْبَحْتَ خارِجَ الحَياةِ  

أَمْ أنَّكَ تَخَلَّصْتَ مِنْ حَياةٍ أَتْعَبْتَها كَثيرًا، وَأَتْعَبَتْكَ كَثيرًا؟

كَمْ أَنْزَلْتَ مِنْ أَحْمالٍ عَنْ كَتِفَيْكَ،  

وَوَقَفْتَ في نِهايَةِ رِحْلَةِ العَذابِ،  

في زَمَنٍ ضائِعٍ، في مَهَبِّ الهَشاشَةِ وَالبَلادَة.

وَتَرَكْتَنا نُتابِعُ فِيلْمَ العَذابِ المُسْتَمِرِّ المَشْروطِ بِرَجْمِ الوَطَنِ،

 وَتَمْييعِ الَّذينَ يَحْمِلونَ في عُقولِهِم ثَمَرَةَ فَهْمٍ واحِدَة.

بِالكادِ اقْتَنَعْنا أَنَّ الفَهْمَ يَأتي مِنَ الرَّأْس، 

 بِالكادِ شَهِدْنا مَنْ ارْتَدى لِباسَ الكَرامَةِ  

فَتَمَنَّيْنا لَوْ لبسوا رَأْسَكَ ورداءك، أَو فَكَّروا بِسَرِقَتِهِا لِكَسْبِ جَوْلَةٍ جَدِّيَّةٍ في العَبْقَرِيَّة!

هَنيئًا لَكَ

ارْتَحْتَ مِنَ التّافِهينَ، المُتَسَلِّقينَ أَسْوارَ الحَماقَة

 مِنَ الدُّعاةِ الضّارّينَ بِأُمَمِهِم، الهالِكينَ في الانْحِدارِ بِرُؤوسِهِمْ إِلى الأَرْذَل.

أَمَّا اليَوْم، فَكْنتَ النِّهايَةُ!

لَنْ نَراكَ مَعَ النَّجْمِ،  

 لِأَنَّ النَّجْمَ  أَرادَ عُلُوًّا، فَجَعَلَكَ سَماءَه.

لَمْ نَرَكَ مُنْدَسًّا فِي الأَرْضِ،  

بَلِ الأَرْضُ أَرادَتْ طُهْرًا فَجَعَلَتْكَ جَسَدَها.

وَتَرَكْتَنا نَدورُ في التَّيّارِ الأَميرِكِيَّ الطَّويلَ الَّذِي عَرَفْتَ وَحْدَكَ نِهايَتَهُ (لا نِهايَةَ لَهُ)…  

وَأَمَّا لِـ "بُكْرَة"،  

لَنْ يَسْكُتَ الصَّوْتُ الَّذِي يُشْبِهُنا،  

وَالنَّغَمُ الَّذِي يُشْعِلُ وَجَعَنا.  

وَالمُقاتِلُ عَلى الخَشَبَةِ، لِأَجْلِنا.

وَداعًا، زِياد...  

ما زِلْتَ قَلَقًا يَسيرُ وَحْدَهُ في الطُّرُقاتِ يَبْحَثُ عَنِ الجَدْوى،  

وَغِيابًا يَجْعَلُ السُّؤالَ أَكْثَرَ حُضورًا مِنَ الجَوابَ.

 

####

 

زياد الرحباني... نبيّ الوجع الصامت

المصدرالنهار - الأب فادي سميا

ليس من السهل أن تكتب عن زياد الرحباني. فهو ليس "فنانًا" فقط، ولا مجرد ابن فيروز وعاصي. زياد حالة، وعي جارح، صرخة تسكنها سخرية، وسخرية يسكنها وجع، وصمتٌ يحكي أكثر من آلاف الخُطب.

ليس من السهل أن تكتب عن زياد الرحباني. فهو ليس "فنانًا" فقط، ولا مجرد ابن فيروز وعاصي. زياد حالة، وعي جارح، صرخة تسكنها سخرية، وسخرية يسكنها وجع، وصمتٌ يحكي أكثر من آلاف الخُطب.

وأنا أكتب عنه الآن، لا أبحث عن تصنيفه، بل أكتب لأنّي أشعر أنه واحد من الذين لم يُنصفهم شعبهم كما يجب. وكم من نبيّ رُجم لا لأنه كذب، بل لأنه صدق.

أنت يا زياد، الرؤيوي الذي رأى ما لم نكن نريد أن نراه. تنبّأت بانهيار وطن، لا من خلال نشرات الأخبار، بل من خلال تفاصيل الحياة اليومية: في التزوير، في الطائفية المقنّعة، في القهر المغلّف بالضحك. كنت تفضحنا ونحن نضحك. تجعلنا نواجه أنفسنا ونحن نصفّق لك. تشتمنا ونظنّك تمزح.

لكنك لم تكن تمزح. كنت تتألّم. ومن يعرف أن يتألّم، يعرف أن يرى.

لم تُهادن، لا السلطة ولا الدين.

قد يزعجك زياد إن كنتَ متديّنًا من الخارج فقط. يزعجك حين يسخر من الدين الطقوسي، من الإيمان المعلّب، من الصلوات التي تُتلى بلا محبة.

لكنه لم يكن يسخر من الله، بل كتب له اجمل الترانيم، بل كان يفتّش عنه وسط خراب المدينة.

يبحث عنه في المقهورين، في الحزانى، في الذين "ما بقى فيهم يِصدّقوا"، في الذين خذلتهم الوعود، وتاهوا بين منابر السياسة وأسرّة المستشفيات.

كثيرًا ما شعرنا أنه يقول ما لا يجرؤ كثيرون على قوله.  

كان صادقًا حدّ الوجع، ضعيفًا حدّ الإنسانية، عنيدًا كأنّه يحمل نبوءة لا مكان لها في هذا الزمن.

في زمن الكذب الجماعي، يصبح الصدق فعلاً انتحاريًا. وزياد اختار أن يكون صادقًا حتى الثمالة.

سكت زياد اليوم

لأنّ الصوت حين لا يُصغى له، يتحوّل إلى صمت.

والنبي حين يتعب من التحذير، يعود إلى الجبل، كما فعل إيليا، ليقول لله:

"خذني، لقد تعبت".

لكن حتى في صمته، زياد ما زال يُحاورنا. كلماته تنخر في وعينا، موسيقاه تسكن وجداننا، ومسرحياته تحفر في ذاكرتنا كأنها كُتبت البارحة.

زياد، إِعلم أن هناك من صدّقك.  

من رأى فيك مرآة، لا مسرحًا.  

من اعتبرك نبيًّا، لا مهرّجًا.  

من سمع صمتك، كما يسمع المؤمن أنين الروح.

قد لا نوافقك على بعض أفكارك و سياستك، وقد لا نتبنّى بعض نظرتك إلى الله أو إلى الإنسان أو إلى الإيمان كما طرحتها،  

لكننا لا نملك إلا أن نرفع القبّعة أمام عبقريّتك.

فأنت العبقري الذي لن تُعاد.  

وحدك كنت تجرؤ أن تقولها كما هي. بنقصها و كمالها... 

وهذا... لا يفعله إلا الكبار.

استرح بسلام

 

####

 

من منبرك الفني… إلى ذاكرة وطنك

المصدرالنهار - شذا حجازي

يرحلون، ويتركون وراءهم أثراً من فنٍ، حبٍ، وطنية، إخلاصٍ، وغير ذلك من الصفات العميقة التي تتحاكى وتتآلف في ما بينها.يا أيها اللبناني العظيم والقدير، لن ننساك، ولن ننسى ما قدّمت الى هذه البلاد. كيف حاربت، وكافحت، وصمدت من أجل لبنان.

يرحلون، ويتركون وراءهم أثراً من فنٍ، حبٍ، وطنية، إخلاصٍ، وغير ذلك من الصفات العميقة التي تتحاكى وتتآلف في ما بينها.

يا أيها اللبناني العظيم والقدير، لن ننساك، ولن ننسى ما قدّمت الى هذه البلاد. كيف حاربت، وكافحت، وصمدت من أجل لبنان.

"مني وجرّاً"، حقاً، يا صاحب العقل والفن العميق.

ننادي، يا منادٍ، يا من نادى ولم يُجب، ولم يُنصف.

أكملت مناداتك، وأثّرت فينا، حتى رحلت.

يا زياد، يا روح لبنان، لن ننساك.

وسننادي باسمك العظيم، لأنك عظيم.

لأنك من يستحق أن يُذكر اسمه من أصغر إنسان إلى أكبرهم على هذا الكوكب.

كنت عزيزاً على لبنان، ولهذا، سنُحيي عزاءك حتى آخر الأنفاس.

رحيلك يشبه فقدان أعزّ الأشخاص على القلوب، فكيف لا نُسلّط الضوء على هذا الفقد العظيم؟

روحك، التي كانت تُلهمنا أن نعيش ببساطة، وأن نكون على حق، وأن نتحلّى بالإنسانية، وبالفن الذي نحمله في داخلنا… لا تزال حاضرة.

نناديك، ولن نتوقف عن مناداتك.

فأمثالك، ممن يحتلّون مكانةً كهذه، يستحقون أن يُذكروا لأيام، ثم لأشهر، ثم لسنوات بلا عدد.

فنّك لن يُنسى، خصوصاً لمن يتقن الفن، والكتابة، والشعر، والأدب… بل حتى لمن لا يتقنها، فقد كانت أصغر تفاصيلك مصدر إلهام، فكيف بالكبير منها؟

أثّرت فينا في حضورك، وأثّرت فينا أكثر في غيابك.

فسننادي… إلى أبد الآبدين.

 

####

 

آخر حديث بين لطيفة وزياد الرحباني قبل الوداع

"يا حبيبي أنا جيتك... بس إنت رحت"

المصدرالنهار

كشفت الفنانة لطيفة التونسية عن آخر ما قاله لها زياد الرحباني قبل رحيله: "أنا باتحسّن وفي انتظارك"، لتودّعه بكلمات مؤثرة : "يا حبيبي أنا جيتك... بس إنت رحت. ما أصعب فراقك يا زياد... بس اللي متلك ما بيموت. بحبك لتخلص الدني".

وجاءت كلمات لطيفة بعد أيام من رحيل الرحباني، الذي توفي السبت الماضي، وشارك في وداعه عدد كبير من الفنانين اللبنانيين والعرب، حيث توافدوا إلى كنيسة رقاد السيدة في المحيدثة – بكفيا لتقديم العزاء للسيدة فيروز

وفي مداخلة تلفزيونية سابقة، أوضحت لطيفة أن الألبوم الذي جمعها بزياد كان من المقرر طرحه العام الماضي، إلا أن الظروف السياسية والاجتماعية أثّرت على قرارها. وقالت: "الألبوم قد أُنجز تسجيله منذ وقتٍ طويل، وقدّمتُ كل التنازلات اللازمة، لكنني لم أكن مستعدة نفسياً بسبب الظروف الراهنة. زياد قدم عملاً كبيراً جداً... وحلمي منذ أن كنت في الرابعة عشرة من عمري أن أغني من ألحانه، وكانت خسارته موجعة للغاية".
كما أطلقت لطيفة أولى أغنيات ألبومها الجديد "قلبي ارتاح"، مؤكدة أن باقي الأغاني ستُطرح تباعاً خلال الأيام المقبلة، فيما يبقى ألبومها المنتظر مع زياد الرحباني المشروع الأقرب إلى قلبها، والمُرتقب صدوره لاحقاً، محمّلًا بروح شراكة فنية نادرة، قد تكون آخر ما وقّعه الراحل الكبير
.

 

####

 

بحضور السيّدة فيروز...

وفود فنية وسياسية تُعزّي بالراحل زياد الرحباني لليوم الثاني في بكفيا (فيديو)

حضور استثنائي للسيّدة فيروز لليوم الثاني توالياً...

المصدرالنهار

بعد التشييع المهيب للفنان الراحل زياد الرحباني بالأمس، لا تزال العائلة وأهل الفن والسياسة يتقبّلون العزاء بالراحل، في حضور استثنائي للسيّدة فيروز لليوم الثاني توالياً.

وتتقاطر الوفود المعزّية منذ الصباح إلى كنيسة رقاد السيدة، في بلدة المحيدثة – بكفيا، للوقوف إلى جانب عائلة الرحباني والسيدة فيروز، وبينهم شخصيات سياسية رفيعة، كالرئيس السابق ميشال عون، والنائب جبران باسيل، والوزير السابق سليمان فرنجية، وغيرهم.

وقال باسيل عقب تقديم واجب العزاء: "زياد تحدّث بالحق ورفض الظلم، وكان مقاومًا لكل شيء خطأ ولا أحد يستطيع ألّا يُقدّر فنّه ومسرحه، وألّا يقبله كما هو ولبنان لا يزول".

كما حضر عدد من الفنانين للتعزية بالرحباني، وعبّروا عن حزنهم لوفاته، إذ قال الفنان جورج خباز: "نحن مش نقطة ببحر زياد، نحن تلاميذه... شكراً زياد على كل شي قدمته".

 

####

 

رامي كوسا يفشي السر: حب كارمن لبّس لزياد الرحباني لم ينتهِ

"الفضول كان ينهشني. أريد أن أعرف عنه... وعنهما".

المصدرالنهار

بمشهد صامت،  صادق، خطف الحزن ملامح كارمن لبّس في وداع زياد الرحباني. مشهد لم يحتَج إلى كلمات ليُفهم، لأن الدمع حين ينزل من قلبٍ أحبّ بصدق، يروي حكاية عمرٍ كامل.

كارمن، التي أحبّت زياد لخمسة عشر عاماً، لم تذكره يوماً إلا بعينين تلمعان بالإعجاب، وبصوتٍ يفيض دفئاً وامتناناً. لم يكن حبّاً عابراً في حياة فنانَين، بل كان قصة امتزج فيها الفن بالحب، والمسرح بالبيت. قصة ظلّت حاضرة في وجدان كارمن، رغم المسافات وتغيّر الزمن.

الكاتب رامي كوسا، كتب ما يشبه الاعتراف العاطفي، حين أفشى "سرّاً" يعرفه كل من اقترب من كارمن: أن زياد لم يكن مجرد ماضٍ في حياتها، بل ظلّ حياً فيها، بتفاصيله، بحركاته، بعباراته، حتى بغيابه.

كتب:"ما جلست مرّة مع كارمن، إلا وتعمّدت، بخفة الصديق، أن أجرّها للحديث عن زياد. الفضول كان ينهشني. أريد أن أعرف عنه... وعنهما". لكن ما وجده لم يكن مجرد إجابات، بل ملامح امرأة ما زالت تعتب عليه… والعتب كما يقول، "أوله زعل وآخره محبة".

هذا العتب المحب، كان أوضح من أي تصريح. فكارمن، رغم السنوات، لم تحمل في قلبها غضباً، ولا لوماً، فقط ذاك العتب الذي يشبه التوق، والذي لا يحمله إلا من أحبّ بصدق ولم يندم. وفي وداع زياد، كان حزن حزن مرآة لكل ما بقي في القلب: الامتنان، الذكرى، والوفاء.

وأكمل كوسا: "نحن ممتنون… لا فقط لفنّكِ الذي نشيد به على الدوام، بل لوجودكِ، كشريكة استثنائية كتب زياد لها، وبسببها، ولحن لأجلها، وغنى عنها، فورثناه نحن." إنه امتنان لحبٍّ لم يكن لنا، لكنه صار منّا، لأننا رأينا فيه كل ما نتمناه في الحب: الصدق، العمق، والدوام.

وها هي كارمن، في لحظة الوداع، تذكّرنا أن الحب لا يموت… وأن الأصل الطيب، كما قال كوسا، يدوم.

 

####

 

فيروز ولمسة حنانها على خد زياد؟ النهار تتحقق FactCheck

هالة حمصي - المصدرالنهار

فيروز تلمس بحنان خد ابنها زياد الرحباني. فيديو قيد التداول في وسائل التواصل الاجتماعي، ودقّقت "النّهار" فيه.  

المتداولفيديو يظهر، وفقاً للمزاعم، "السيدة فيروز وهي تتحسس بأصابعها خد ابنها الفنان اللبناني زياد الرحباني". 

الا أن هذا الادعاء غير صحيح.

الحقيقةهذه المشاهد ليست حقيقية، لكونها منشأة بالذكاء الاصطناعي. FactCheck#

"النّهار" دقّقت من أجلكم 

5 ثوان فقط. تظهر المشاهد السريعة السيدة فيروز وهي ترفع يدها اليمنى لتلمس بأصابعها بحنان خد ابنها الفنان اللبناني الراحل زياد الرحباني. وقد انتشر المقطع أخيرا في حسابات كتبت معه (من دون تدخل): "ومن سيمسح دموعك يا فيروز؟". 

حقيقة الفيديو 

الا ان الاعتقاد ان هذه المشاهد حقيقية، اعتقاد خاطئ، وقد تضمّنت مؤشرات الى انها مولدة بالذكاء الاصطناعي.

ركّزوا على اليد التي تظهر في الاسفل الى اليسار، في أول الفيديو. سترون كيف سيتغيّر اتجاهها بسرعة وفي شكل غير منطقي، لتتحوّل يداً تلمس خد زياد (الصورة 1).

واذا تمعنتم بعيني فيروز وراء النظارة السوداء، فستلاحظون انهما لم تكونا تنظران الى وجه زياد. وهذا أمر مستغرب (2).  

ونعثر على الدليل الحاسم، الصورة الاصلية التي استُخدمت في عملية التوليد، وهي مؤرشفة في موقع وكالة "غيتي ايماجيز"، مع شرح انها تظهر "المغنية اللبنانية فيروز (في الوسط) تتحدث الى ابنها الملحن زياد الرحباني (الى اليمين) وقائدة الأوركسترا الأرمينية كارين دورغاريان Karen Durgarian، خلال التدريبات قبل حفلتهما الموسيقية في دبي، في 23 كانون الثاني 2003".

تصوير: JORGE FERRARI جورجي فيراري

الصورة مؤرشفة في موقع وكالة غيتي ايماجيز في 23 ك2 2003

وكما ستلاحظون، فإن اليد الظاهرة في الصورة تعود الى قائدة الأوركسترا الأرمينية كارين دورغاريان الواقفة مع السيدة فيروز وزياد. وهي التي تم تحريكها في المقطع، بواسطة برنامج ذكاء اصطناعي، لتبدو انها تلمس يد زياد

وتدعم هذا الاستنتاج نتيجة فحص الفيديو في مواقع متخصصة بكشف الفيديوات الزائفة، مثل Hive Moderation وCantilux وvideo.attestiv، وجاءت انه منشأ على الارجح بالذكاء الاصطناعي بنسبة عالية وصلت الى 69.9%، وفقا للموقع الاول، و75% في الموقع الثاني، بينما حدّد الثالث تصنيف الاشتباه الفني بـ85، مما يعني أن أجزاء من الفيديو مشبوهة للغاية

وتحريك صورة اصلية بواسطة الذكاء الاصطناعي، في سياق خيالي لا علاقة له بالسياق الحقيقي، عملية مضلّلة  من شأنها ايقاع المشاهدين في فخ الصور الزائفة والسياقات الخاطئة. ومن الضروري ايضا ارفاق الفيديو المولد بالذكاء الاصطناعي بتعريف يبييّن حقيقته

في وداع زياد الرحباني

وودّع لبنان، أمس الاثنين، في مأتم مهيب الفنان زياد الرحباني، أحد أبرز المحدّثين في الموسيقى والمسرح في لبنان خلال العقود الماضية الذي توفي السبت عن 69 عاما، فيما كانت محط الأنظار رباطة جأش الفنانة فيروز خلال مشاركتها بوداع ابنها في كنيسة رقاد السيدة في المحيدثة ببكفيا شمال شرق بيروت، على ما أوردت وكالة "فرانس برس". 

وقبل أن يسلّم رئيس الحكومة نوّاف سلام العائلة في نهاية مراسم الدفن وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور الذي منحه رئيس الجمهورية جوزاف عون للراحل، أكد أن "لبنان كله شريك في هذا الحزن الكبير". وتوجه إلى الراحل قائلا: "زياد المبدع العبقري، كنتَ أيضا صرخة جيلنا الصادقة، الملتزمة قضايا الإنسان والوطن"، مضيفا "ستبقى يا زياد صوت الجمال والتمرد، صوت الحق والحقيقة حين يصير السكوت خيانة".

وجلست فيروز البالغة تسعين عاما من دون أن تظهر على وجهها أية انفعالات قرب النعش خلال القداس مغطية رأسها بوشاح أسود شفاف، وواضعة نظارتين سوداوين.

وبقيت فيروز ساعات قبل الدفن وبعده تشارك جلوسا وقربها ابنتها ريما في تلقّي التعازي وتحني رأسها شاكرة وفود المعزين الذين تقاطروا بأعداد كبيرة، بينهم مشاهير كثر من مجالات مختلفة، في قاعة الاستقبال التابعة لهذه الكنيسة البيزنطية الطراز المشيدة عام 1900 والتي تملأ الأيقونات الدينية القديمة جدرانها.

وامتلأت مقاعد الكنيسة بأكملها قبل أكثر من ساعة على بدء القداس الذي حضره عدد من كبار الشخصيات، فيما توزع الحاضرون في الباحة الخارجية وقوفا أو جلسوا تحت أشجار الزيتون.

تقييمنا النهائياذاً، السيدة فيروز لم تتحسس بأصابعها خد ابنها الفنان اللبناني زياد الرحباني، وفقاً لما يشاهد في الفيديو المتناقل. في الواقع، هذه المشاهد ليست حقيقية، لكونها منشأة بالذكاء الاصطناعي. وقد استخدمت في عملية التوليد صورة أصلية تظهر فيروز متحدثة الى ابنها زياد وقائدة الأوركسترا الأرمينية كارين دورغاريان، خلال التدريبات قبل حفلتهما الموسيقية في دبي، في 23 كانون الثاني 2003.

 

####

 

عباس النوري لـ"النهار": زياد الرحباني... كان له فاتيكانه الخاص

كم كنت حقيقياً، وكم دفعت لأجل ذلك!

المصدر: "النهار" - عباس النوري - سوريا

لم ألتقه لكنني منذ عرفته، لاذعاً ولاسعاً وحاملاً للسوط من دون ألم.

صار كأحد  تفاصيلي ويومياتي... يلسع في تفاصيلنا ويمتعنا بأوجاعنا التي لم ولن تنتهي

كنت أرى فيه نبوغ صعاليك جاهلية العرب كما أرى فيه جحا وأشعب وأبا نواس وحنظلة وأدونيس والماغوط ومحمود درويش والمعري وابن رشد وزرياب وسيد درويش وكل شيوخ الطرب في حلب

كان له فاتيكانه الخاص

يفتي لحياته حتى لتخاله شيخاً أزهرياً يعزف على هدير البوسطة الحاملة لتاريخ موجع دون خجل، ومستقبلاً يحرجه الحضور في حضرة التخلف.

لم تتسع له الحياة كما اتسعت للسعات إبداعه ولم يتمكن من خوض الحياة باستقرار الموروث كما غيره لأنه لا حدود له مع العيش الذي كان بيومه.

وكأنه ممثل لجيل نحلم به وننتظره ولا بد من وقت ما سيحضر فيه ليصرخ فينا (شفتوا كيف شكلو بكر!!).

تتبعته رافضاً لكل شيء ناقداً ومفحماً

هو المثقف الذي ينسى كل كتبه أمام ما يقرأه يومياً في الناس، وفي البيت والشارع، وفي كل مكان تطأه قدماه.

خريطة البلد كانت مكتبته التي ودعها ولم يكمل القراءة.

زياد... لأنك شبيه لما نرغب أن نكون عليه سنفتقدك فينا دائماً

كم كنت حقيقياً، وكم دفعت لأجل ذلك!

يكفيك كم تركت فينا من الحب.

 

####

 

فيروز بعد رحيل زياد: أرزةُ لبنانَ تفقدُ غُصنَها الأخيرَ

المصدرالنهار - فاروق غانم خداج

في صباحٍ كئيبٍ من صباحاتِ تموز، استيقظَ لبنانُ على خبرٍ يُثقلُ القلوبَ، لكن لا يُفاجئُ النفوسَ: رحيلُ زيادِ الرحباني. الرجلُ الذي كانَ لسانَ العقلِ الحزينِ، وصوتَ بيروتَ في شوارعِ مسرحِه، هو الذي أحبَّ لبنانَ، حتى في لحظاتِ الغضبِ والهجاءِ. لم يكنِ ابنَ فيروز وحده، بل كانَ خيطًا متينًا يُمثِّلُ عبقريةَ أبيه عاصي الرحباني، وفنَّ أمِّه فيروز، حصادَ تحالفٍ نادرٍ بين موهبتَين أسَّسَتا لنهضةِ الفنِّ اللبنانيِّ.

لكنْ اليوم… فيروز وحدَها.

المرأةُ التي غنَّت: "راجعين يا هوى" وهي تسيرُ نحوَ المدى، تقفُ اليومَ في صمتِ الأمِّ الذي يفوقُ الوصفَ، أمامَ نعشِ ابنِها، تُودِّعُه... كما ودَّعَتْ قبلَهُ زوجَها، رفيقَ دربِها، وملحِّنَ أنفاسِها، عاصي الرحباني، ثمَّ أخاه منصور، ثمَّ رفيقَ صوتِها نصري شمس الدين، ثم أمَّها، ثم أخيرًا زياد، الذي كانتْ صلتُه بها أعمقَ من كلماتٍ أو أزمانٍ، رغمَ ما قيلَ من ابتعادٍ أو اختلافٍ.

مَن يملكُ شجاعةَ أن يُعزِّي فيروز؟

مَن يملكُ الجرأةَ ليُواسيَ صوتًا كانَ يُواسي شعوبًا كاملةً في حروبِها وألمِها؟

اليومَ، لم تُفتح دورٌ للعزاء، ليس لأنَّ الحزنَ قليلٌ، بل لأنَّه أكبرُ من كلِّ القاعاتِ والورود. فيروز لم تتحدَّث، لم تخرج، فهي لم تكنْ يومًا من أصحابِ الكلماتِ السهلةِ، بل صوتُها كانَ لغةَ الألمِ والفرحِ معًا. وحينَ يصمتُ الصوتُ، يُصبحُ الوجعُ أبَدًا.

تخيَّلوا أمًّا تمشي خلفَ نعشِ ابنِها، أمًّا كانت تُنادَى على المسرح: "الأرزة"، ها هي اليومَ ترتجفُ كغُصنٍ هشٍّ أمامَ ريحِ الموتِ.

في مراهقتِه، كانَ زياد يتمرَّدُ على كلِّ القوالبِ والقداسةِ، حتى على "قدسيَّةِ فيروز" التي عشقَها الناسُ، لكنه كانَ يبني جمهوريتَه الفنيَّةَ على طريقتِه. عاش كما أراد: بسيطًا، ساخرًا، شفافًا، مريضًا، مقاومًا، عاشقًا... وإنْ بدا مختلفًا.

علاقتُه بأمِّه كانتْ أكثرَ من علاقةِ ابنٍ وأمٍّ؛ كانت فنًّا بصوتٍ، وموسيقى بنشيدٍ، وإرثًا في الأبديةِ. عادَ للتلحينِ لها بعد انقطاعٍ، وابتعدَ، واقتربَ، كأنَّها قصيدةٌ شعريةٌ تتأرجحُ بين القربِ والفقدِ، لكنْ بلا قطيعة.

فيروز، التي احتفظتْ بصمتِها طيلةَ السنواتِ الماضيةِ، لم تنسحبْ من قلوبِ الملايينِ، ولم تغِبْ من ذاكرةِ الوطنِ. كانتْ على الهامشِ، تحفظُ للبنانَ شيئًا، تقولُ له: "لا تخف، ما زلتُ هنا".

واليوم، بعدما ودَّعت زيادًا، هل يبقى شيءٌ لتقولَه؟

ربما تصمتُ طويلًا... لكنَّ صمتَها سيكونُ تراتيلَ تبكي شهيدًا.

يروي من رآها في وداعِ ابنِها أنَّ فيروز كانتْ تمشي ببطءٍ، كأنها تسيرُ عبرَ الأعوامِ لا الأمتارِ. وجهُها شاحبٌ، لكنَّه ثابتٌ، لم تصرخْ ولم تنهَرْ، كانتْ في طقسِ صلاةٍ خاصٍّ، لا يفهمُه إلا من ذاقَ الفقدَ الأقصى.

هي التي قالتْ في أغنيتها القديمة:

"أنا عندي حنين... ما بعرف لمين..."

الحنينُ اليومَ له وجهٌ: صوتُ عاصي، ابتسامةُ منصور، جنونُ زياد، وابنتُها ليال الرحباني، التي رحلتْ قبلَه، تاركةً في قلوبِ العاشقين فراغًا لا يملؤُه إلا صوتُ فيروز الأبدي.

فيروز لم تعدْ تُغنِّي على المسارحِ، لكنَّ صوتَها خالدٌ.

من غنَّى: "سألوني الناس"، و"كان الزمان"، و"كيفك إنت"، لا يموت.

اليومَ نسمعُ صوتَها من بعيدٍ، كصلاةٍ أو ترتيلةٍ، أو هَمسِ ملاكٍ يقولُ للبنانَ: اصبر.

لكننا نعلمُ، جميعُنا، أنَّ الصبرَ هذه المرَّة أقسى، لأنَّ زيادًا لم يكنْ كأيّ رحيلٍ، بل غيابُ وطنٍ في بيتٍ صغيرٍ اسمه فيروز.

لا نعرفُ إنْ كانتْ ستُغنِّي بعده، لكنْ إنْ فعلتْ، فسيبكي الصوتُ نفسه. وإنْ صمتتْ، فالصمتُ سيُغنِّي وحدَه، بنغمةِ الحزنِ التي لا تنتهي.

فيروز، أيقونةُ الأمومةِ، والفنِّ، والصبرِ، تبقى أرزةَ لبنانَ الصامدةَ، التي، بفقدانِ غُصنِها الأخيرِ، تُذكِّرُنا أنَّ الجذورَ هي ما يبقى مهما هبَّتِ الرياحُ.

كاتبٌ لبنانيٌّ وباحثٌ في الأدبِ والفكرِ الإنسانيّ

 

####

 

إلى السيّدة فيروز

عقل العويط - المصدر: "النهار"

وإنّي أنحني، كما لم ينحنِ لا عويطٌ، ولا عقلُ، وأكثر ممّا تنحني أرزةٌ وزيتونةٌ وسماءٌ لترابٍ وأرضٍ، وأكثر وأعمق ممّا جبلٌ أمام فجيعةٍ ودمعةٍ، وإنّي أبلسمكِ بالصمت، وبجبل لبنان، وبعرمون، وبالصنّين، وبالمكمل، وبالقرنة السوداء، وبالدهور الثلوج، وبالروح الذي يردم هاويةً، وبالذي يرفع جسرًا فوق هاويةٍ، وإنّي أعزّيكِ كنايةً عن ألعازر الرباعيّ الأيّام والعديمَي الفضّة وسفر أيّوب ورثاء إرميا والنشيج الأعظم والأحياء والموتى والمفقودين والمعذّبين والأرامل والثكالى والأجنّة والجياع والهاربين والعالقين بالأمل والعائدين بعد ضلالٍ وضياع، وإنّي أستنهضكِ، وأقوّيكِ، وأعزّزكِ بالأعمار الآتية، والبلابل، والأراضي الوعر، والسهول، والينابيع التي لم تكتشف أرحامها، والزنابق التي لم تولَد وتنبثق، وبالهامة التي لا ترتجف أمام شمس، وبالحبّ الذي لا يتوقّف عن الخفق والخفقان، وإنّي أدعو لكِ بطول العمر. آمين.

 

النهار اللبنانية في

29.07.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004