ملفات خاصة

 
 
 

زياد الرحبانى..

«دايما فى الآخر فى وقت فراق»

سيد محمود

الموهوب والعبقري الثائر

زياد الرحباني

   
 
 
 
 
 
 

عكس غياب الموسيقى اللبنانى زياد الرحبانى (69 عاما ) أول من أمس حالة فقد شاملة يندر تكرارها فى عالمنا العربى ، وكشفت تعليقات المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعى المكانة الاستثنائية التى احتلها لدى جمهوره ، كما بددت الاتهامات التى لاحقته طوال حياته كموسيقى نخبوى وثبت للجميع أنه كان شعبيا للدرجة التى لم يتصورها أشد الناس إيمانا بموهبته الأستثنائية.

بدا واضحا أن زياد ظل حاضرا فى الوجدان رغم انسحابه الإرادى من الساحة لأسباب ارتبطت دائما بشعوره بشيء من الخذلان العام بعد تدهور الأوضاع السياسية فى العالم العربى ،فقد حرص طوال مشواره على أن ينظر لمسرحياته وموسيقاه بوصفها مشروعات مناهضة لمختلف صور التردى ،كما لم ينكر فى أقصى محطات نجاحه نزعته اليسارية الرافضة الأمر الواقع والداعية إلى تغييره.

اختلطت فى وداع زياد الرحبانى إشارات عديدة من الحزن والأسى، وذهبت الإشارة الأولى إلى والدته السيدة فيروز التى تعانى (فقدا متأصلا) طال قبل زياد ابنتها ليال ،كما أن ابنها (هالي) الذى ولد معاقا وعاش سنوات حياته على مقعد متحرك يعانى البكم والإعاقة إذ لم يتبق لفيروز من نسلها المباشر سوى ابنتها (ريما) .

وعزز غياب زياد المباغت من الأسطورة المرتبطة بالعائلة الرحبانية التى على الرغم من النجاح الذى عاشته لا تزال مطاردة بلعنة تراجيدية على نحو ما.

من جهة أخرى سعت رؤى عديدة لتفسير غيابه خلال أعوامه الأخيرة إذ عاش منسحبا فى أجواء من الاكتئاب ولم تكن عزلته ،ثم مرضه سوى الرد الطبيعى على المآسى التى شهدها خلال العقد الأخير سواء فى لبنان أو سوريا أو فلسطين

وفى مواضع كثيرة أشار المحيطون به إلى أنه توقف إراديا عن تعاطى أدويته إذ عانى بخلاف الاكتئاب مشكلات فى الكبد وتردد فى إجراء بعض العمليات الجراحية بحسب إشارة وزير الثقافة اللبنانى غسان سلامة .

مصنع بخطوط إنتاج متعددة

وكما هى العادة كان الموت مناسبة لتسليط الضوء على مشروع زياد الذى عرف تحولات مختلفة تراكمت فوق موهبة استثنائية بدأت من سنوات مراهقته ووضعته فى خانة «العبقرية الموسيقية» وهى خانة لم يستسلم لها قط فظل مغامرا ومجربا طوال الوقت .

فى مراهقته أنجز الراحل تأليفا وموسيقى كتابة مسرحيته الأولى «سهرية» وهو بعمر الـ17، وفى العام نفسه وضع لحنه الأول «سألونى الناس» التى وضع كلماتها عمه منصور، وأدتها فيروز تحية لوالده عاصى الذى كان يعالج آنذاك فى المستشفى من جلطة دماغية .

وواصل اشتغاله القوى على العمل فى المسرح اللبنانى الذى شهد آنذاك طفرة جمالية عكستها تجارب روجيه عساف ونضال الأشقر وعصام محفوظ. وفى عام 1974 ظهرت مسرحيته الثانية «نزل السرور» التى أكدت هويته الذاتية بمعزل عن محيط العائلة ثم جاء التحول الجذرى فى موهبة زياد خلال سنوات الحرب الأهلية فى لبنان التى مثلت أفقا مثاليا لكسر التوقعات وتغيير المسار الهادئ الذى كان من المتوقع أن تمضى فيه موهبته كامتداد للعائلة الرحبانية .

فى تلك السنوات تحول زياد إلى مؤسسة متكاملة وإلى مصنع له خطوط إنتاج مختلفة تكاملت فيها أدوار المؤلف والشاعر والموسيقى والممثل والمخرج ورأى فى صوت جوزيف صقر فضاء تعبيريا حرا مكنه من بناء مشروع لشراكة استثنائية تحولت فيما بعد إلى أيقونات للتمرد امتد تأثيرها إلى خارج لبنان فى وقت كانت فيه ثورة صناعة الكاسيت تيسر من عمليات النسخ والتبادل تقاوم مختلف صور الحصار الرقابى الذى لم يعرفه لبنان إذ ظل فى ظل أجواء الحرب يتسم بالتعددية وحرية الإعلام .

لبنان التعددى

مكنته أجواء الحرب وصراعات الأيديولوجيات والفصائل السياسية من بناء صورة أخرى للفنان الملتزم وهى صورة سبقتها إليه تجارب الثنائى أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام ومن قبلهما سيد درويش الذى مثل مع زكريا أحمد وفيلمون وهبى مصادر إلهام استثنائية وانحاز زياد فى تلك التجارب لنبرتها التهكمية وطابعها الكاريكاتيرى الساخر الذى عمل على تطويره فيما بعد .

يشير الباحث الأمريكى كريستوفر ستون مؤلف كتاب (الثقافة الشعبية والوطنية فى لبنان) إلى أن زياد فى مسرحياته (نزل السرور، شى فاشل، فيلم أمريكى طويل) تمرد على الطابع المثالى الذى كانت تعبر عنه مسرحيات الأخوين رحبانى وفيروز لأنه كان مسرحا يعبر عن تصور فانتازى يوتوبى عن لبنان واحد وليس عن لبنان المتعدد لغويا وطائفيا، ومن ثم فإن حوارات مسرح زياد بنبرتها التهكمية حاولت استرداد التعددية الصوتية التى تسم لبنان الأكبر كما فى مسرحيته الشهيرة (نزل السرور).

ابتكر الرحبانى الصغير فى مسرحه ما تحتويه اللغة اليومية من انعكاس عميق فى النفوس والعقول ويجلب الإمتاع والعاطفة التى عبرت بشخصياتها القادمة من أصول متعددة عن صورة للبنان لابد من الحفاظ عليها ودعمها ،كما سخرت فى فقراتها المكتوبة بفصحى أقرب إلى كلاشيهات من نمط المثقف الحنجورى وهو ذاته الذى كان موضع نقد وسخرية أحمد فؤاد نجم «مزفلط محفلط ، عديم الممارسة، عدو الزحام».

صفقة مع فيروز

على الرغم من نجاحه فى المسرح فإن الجمهور المصرى لم يتواصل مع تجاربه ربما لأنها لم تكن متاحة إلا من خلال عمليات نسخ أشرطة الكاسيت وهى عملية اقتصرت على النخب ولم تمتد للجمهور العادى.

كما كانت تلك الأعمال تبث من إذاعة صوت الشعب فى بيروت ولم يكن من السهل التقاط موجاتها خلال السبعينيات والثمانينيات لكن معرفة الجمهور الواسع بإنتاج زياد جاءت من خلال أعماله الغنائية التى تواصلت مع فيروز منذ ألبوم «وحدن» ثم تواصلت فى «معرفتى فيك ـــ عودك رنان -شو بخاف» وظلت كلها تجارب مقبولة محافظة على المسار الرحبانى رغم تطعيمها بثيمات من الجاز بمختلف أنواعه وموسيقى البلوز والموسيقى الكردية ،إلا أن الانقسام الأكبر جاء مع ألبوم «كيفك أنت 1991» فقد انقسم جمهور فيروز إلى فئة مؤيدة لهذا الطابع المعاصر الذى قدمه زياد وفئة أخرى رافضة له تماما إلا أن فيروز ساندت التحول واستكملته فى أعماله التالية «تحية إلى عاصى» ثم «مش كاين هيك تكون» وأخيرا «إيه فى أمل» وظل رهانها صحيحا فقد تقبل جمهورها تلك التجارب وتآلف معها تماما .

رغم أن زياد كسر فيها الغلالة الشفافة التى رسمها أهله لصورة المرأة التى تمثلها فيروز واستبدل بها صورة امراة واقعية حقيقية راسخة فى المكان والزمان كما تشير إلى ذلك الناقدة السورية حنان قصاب حسن التى ترى أن هذه المرأة صارت أقرب إلى صورة العصر فأصبحت امرأة قادرة على وصف حالها وإعلان تمردها كما لم يعد الرجل عاشقا رومانسيا بل يمكن أن يكون غليظا وغارقا فى الحب.

تقول قصاب: «إن العالم الذى رسمه زياد ظل عالما واقعيا متعبا مثقلا بالمشكلات ويهيم عليه ضيق البيوت كما فى أغنيته «أوضة منسية فى الليل».

كانت تجربة زياد مع فيروز هى خطوتها الأهم فى اتجاه الخروج إلى الأجيال الجديدة انسجاما مع «الشعرية الجديدة» التى كانت تنمو فيما يسمى «شعرية التفاصيل الصغيرة».

بتعبير الناقدة اللبنانية خالدة سعيد فى كتابها «يوتوبيا المدينة المثقفة» فإن تجربة فيروز مع زياد كانت وصلا مع تراث الرحبانية ثم انقطاعا عن محتواه الرومانسى ، فقد استطاعت استقبال ابن غادر يوتوبيا الأب وقبض على العالم المتحول فى إيقاعه الجديد .

دخلت فيروز مختبر زياد فى صفقة واضحة المعالم نجح زياد فى إزالة الطبقة الأسطورية عن فيروز ودفعها فى اتجاه اللعب المجانى بينما نجحت هى فى خرق مشروعه وإلقاء الظلال الشعرية حوله والإسهام معه فى تعرية الحياة وإبراز شغب الواقع وصعوبته فى خلطة سحرية تضمنت التهكم والمحاكاة الساخرة والصورة الكاريكاتيرية لأن رهانها هو شعرية الراهن وهو ما يفسر الشعبية التى نالتها أغنيات زياد فى السنوات الأخيرة، إذ تحولت أغنيته (بلا ولا شى) إلى نشيد معبر عن عدمية اللحظة وتحول معها إلى أيقونة جيل محاصر بشتى صور الإحباط.

زياد ومصر

زار زياد الرحبانى مصر فى مناسبات فنية جاءت كلها فى صورة مبادرات لمهرجانات خاصة ومستقلة كان أبرزها دعوة مهرجان القاهرة الدولى لموسيقى الجاز التى جاءت بمبادرة من مدير المهرجان الفنان عمرو صلاح إذ عزف فى حفلات جماهيرية استثنائية فى ساقية الصاوى (2010) وحديقة الأزهر(2013) بمشاركة مجموعة من العازفين المصريين أبرزهم عازف العود حازم شاهين وعازف البيانو عمرو صلاح.

وخلال زيارته الأولى فى عام 2010، نظمت له مؤسسة الأهرام ندوة مفتوحة شهدت مشاركة من جمهور واسع، وطاف بعدها صالة التحرير وتعرف على تاريخ الأهرام وحصل على هدية تذكارية نسخة من العدد الأول للأهرام.

وخلال زيارته الثانية فى 2013 صور مجموعة من البرامج التليفزيونية وشاركته فى الغناء المطربة شيرين عبده فى حفلات أخرى خارج مصر.

هكذا كان زياد وهكذا كانت مسيرته، ولكن كما تغنت فيروز يوما: «دايما فى الآخر فى وقت فراق».

 

####

 

زياد الرحبانى.. صوت حر أسكته الموت

كتبت ــ بوسى عبدالجواد

فى وداع صامت يشبه صخبه الفنى، غاب عن عالمنا اليوم الموسيقار والمسرحى اللبنانى زياد الرحبانى، عن عمر ناهز 69 عاما، بعد مسيرة استثنائية حفلت بالأعمال الموسيقية والمسرحية التى شكلت علامة فارقة فى تاريخ الفن العربى المعاصر.

هو ابن فيروز وعاصى الرحبانى، لكنه لم يكن مجرد امتداد لعائلة موسيقية عظيمة، بل صاغ هويته الفنية الخاصة، ومشى عكس التيار، حاملا فى موسيقاه هموم الناس، وساخرا من السياسة والطائفية والحروب، وراسما لوحات لبنانية تعكس جرأته وحدسه الفنى.

ولد زياد عام 1956، وبدأ مشواره الفنى مبكرا، فأبدع فى التلحين والتأليف والكتابة المسرحية، وقدم أعمالا لافتة مثل «بالنسبة لبكرا شو؟» و»فيلم أميركى طويل» لم تخلُ من النقد السياسى والاجتماعى، ورسخته كصوت تمرد على الواقع معبرا عن وجع الناس.

فى الموسيقى، كان صاحب بصمة لا تشبه أحدا، إذ مزج الطرب الشرقى بالجاز والموسيقى الغربية، فغنى بصوته، ولحن لغيره، أبرزهم والدته السيدة فيروز.من أشهر أعماله: «كيفك إنت» و«عودك رنان» و«بلا ولا شى».

كما نعى د. أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، الفنان اللبنانى الكبير قائلا: «فقدنا اليوم أحد أبرز مبدعى العالم العربى، واسما كبيرا فى عالم الموسيقى والمسرح، امتد أثره من بيروت إلى كل بيت عربى، وكان امتدادا طبيعيا لقيمة الرحابنة وتاريخهم».

ونعت وزارة الثقافة اللبنانية الراحل فى بيان رسمى، مشيدة بدوره الريادى فى تجديد الخطاب الموسيقى والمسرحى العربى، وجرأته فى قول ما لا يُقال».

كما نعاه رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام قائلا: «رحل صوت حر.. زياد كان مرآة للوجع اللبنانى، وذاكرة ناطقة لناس الشارع».

ومن المقرر أن يشيع جثمانه عصر اليوم من كنيسة مار أنطونيوس فى أنطلياس، ليوارى الثرى فى مأتم رسمى وشعبى يليق بمقامه الفنى. وبرحيل زياد الرحبانى، يخسر الفن العربى أحد أبرز مجددى التعبير الفنى، لكن صوته سيبقى حيا، فى المسرح، وفى النوتة، وفى الذاكرة.

وقال الناقد طارق الشناوى: زياد الرحبانى أسطورة موسيقية منح حياتنا إبداعا وجمالا وشفافية ولن يخبو أبدا وميض إبداعه، سيظل يحمل ضوءا ووهجا ونقاء وشفافية فى قلوب كل العرب.. وداعا احد أهم عظماء الموسيقى العربية فى الأعوام الثلاثين الأخيرة».

 

الأهرام اليومي في

28.07.2025

 
 
 
 
 

«وداع الأسطورة»..

موكب مهيب يُشيّع زياد الرحباني في شوارع بيروت

سلمى خالد

شيّعت بيروت اليوم جنازة الفنان والموسيقار الراحل زياد الرحباني، الذي غادر الحياة تاركًا خلفه إرثًا فنيًا وثقافيًا لا يُنسى، في مشهد مهيب يختلط فيه الحزن بالفخر.

وقد انطلق موكب التشييع صباح اليوم الإثنين من مستشفى خوري في منطقة الحمراء، وسط حضور آلاف المحبين والمشيّعين الذين توافدوا منذ ساعات الفجر لتوديع قامة فنية استثنائية.

على جانبي شارع الحمراء، وقف المئات يصفقون ويهتفون لزياد، مرددين أغانيه، وملوحين بصوره التي علت الوجوه واللافتات، الورود والزهور نُثرت على الموكب، فيما علت الزغاريد والدموع في وداعٍ مؤثّر لرجل ترك بصمة نادرة في وجدان اللبنانيين.

وقد جرى نقل جثمان الراحل إلى كنيسة رقاد السيدة، حيث أُقيمت مراسم التشييع بحضور عدد كبير من الشخصيات الفنية والثقافية والسياسية. ومن المقرر أن تتقبل عائلته العزاء اليوم الإثنين وغدًا الثلاثاء.

زياد الرحباني... فنان سبق عصره

يُعد زياد الرحباني واحدًا من أبرز الفنانين في العالم العربي، حيث جمع بين الموسيقى والمسرح والسياسة في أعماله التي لطالما عبّرت عن الواقع اللبناني والعربي بجرأة وذكاء.

اشتهر بمسرحياته الساخرة التي نقدت الأوضاع الاجتماعية والسياسية، وبلحنه الموسيقي الذي دمج فيه الأنماط الغربية مثل الجاز مع الروح الشرقية الأصيلة، مقدمًا بذلك تجربة فنية فريدة من نوعها.

برحيله، تطوي بيروت صفحة من صفحات الإبداع، ويبقى إرث زياد الرحباني حاضرًا في كل مسرحية وأغنية ونغمة كتبها وعزفها من قلبه إلى قلوب الناس.

 

####

 

تشييع جثمان زياد الرحباني وسط تصفيق ودموع وورود | صور

سلمى خالد

في لحظة وداع امتزج فيها الحزن بالحب، شيّعت بيروت صباح اليوم الإثنين جثمان الموسيقار والمبدع اللبناني زياد الرحباني وسط حشود جماهيرية غفيرة ملأت شوارع منطقة الحمراء.

حيث وقف الآلاف منذ ساعات الفجر أمام مستشفى خوري، يرفعون صوره وينثرون الورود، ويصفقون طويلاً لرجل أحبوه بعمق وتربوا على موسيقاه وأفكاره.

انطلق موكب التشييع من أمام المستشفى مخترقًا شارع الحمراء، وسط تصفيق متواصل من جمهوره، وزغاريد ودّعته بحب، ودموع انهمرت على وجوه مشيّعين من مختلف الأعمار.

وقد رافق الموكب العشرات على جانبي الطريق، في مشهد مؤثر يعكس حجم التأثير الذي تركه زياد في وجدان اللبنانيين والعرب.

مراسم التشييع والعزاء

وقد جرى نقل جثمان الراحل إلى كنيسة رقاد السيدة، حيث أُقيمت الصلاة على روحه، في حضور فني وثقافي واسع. ومن المقرر أن تتقبل عائلة الرحباني العزاء اليوم الإثنين وغدًا الثلاثاء، وسط حالة من الحزن الشديد بين محبيه وزملائه في الوسط الفني.

 

####

 

زياد الرحباني يُدفن في حديقة فيروز.. وداع هادئ

سلمى خالد

في مشهد مهيب ومليء بالمشاعر المتضاربة، ودّعت بيروت اليوم الإثنين الموسيقار الراحل زياد الرحباني، وسط حضور جماهيري كثيف ملأ شوارع الحمراء، فيما فضّلت والدته، فيروز، أن تودّعه في هدوء، بعيدًا عن عدسات الكاميرات وضجيج الإعلام، داخل كنيسة رقاد السيدة في كفيا.

منذ ساعات الفجر، احتشد الآلاف من محبي زياد أمام مستشفى خوري في منطقة الحمراء، حاملين صوره، ومرشّين الورود على الطريق المؤدي إلى الكنيسة، في مشهد استثنائي اختلط فيه التصفيق الحار بالزغاريد والدموع، تعبيرًا عن الحب الكبير الذي يكنّه الناس لهذا الفنان الذي لم يشبه أحدًا.

وداع خاص من فيروز... ومدفن في الشوير

وبحسب ما أفادت به مصادر لبنانية، ستودّع فيروز نجلها زياد بعيدًا عن التغطية الإعلامية، داخل الكنيسة حيث وُضع النعش لبعض الوقت، ثم تتجه إلى صالون الكنيسة، في وداع خاص ومغلق، تقديرًا لوضعها الصحي وتأثرها الشديد بوفاته.

وأشارت المصادر إلى أن فيروز، المقيمة حاليًا في منزلها ببلدة الشوير، قد أعدّت مدفنًا خاصًا داخل حديقة المنزل، حيث من المقرر أن يُدفن زياد هناك، تنفيذًا لرغبتها، وليس إلى جوار والده الموسيقار الراحل عاصي الرحباني المدفون في أنطلياس.

تفاصيل مراسم التشييع

انطلق موكب التشييع من مستشفى خوري مخترقًا شارع الحمراء، وسط مظاهرة حب ووفاء، حيث رافقه المواطنون بالتصفيق الحار وترديد مقاطع من أغانيه ومسرحياته التي شكّلت وعي أجيال.

وقد نُقل الجثمان لاحقًا إلى كنيسة رقاد السيدة، حيث أُقيمت الصلاة على روحه بحضور عدد من الشخصيات الفنية والسياسية.

ومن المقرر أن تتقبل عائلة الرحباني العزاء اليوم الإثنين وغدًا الثلاثاء.

 

####

 

موعد ومكان عزاء زياد الرحباني...

الكنيسة تستقبل محبّيه ليوميْن | صور

سلمى خالد

شيعت بيروت اليوم جنازة أحد أبرز رموزها الفنية، الموسيقار الراحل زياد الرحباني، الذي غيّبه الموت صباح السبت بعد صراع طويل مع المرض.

وقد ألقت والدته، السيدة فيروز، النظرة الأخيرة على جثمانه داخل مستشفى الخوري، في لحظة مؤثرة سبقت مراسم التشييع المنتظرة بعد ظهر اليوم.

موكب الجنازة وقداس الوداع

وأنطلق نعش الراحل من مستشفى الخوري في منطقة الحمراء إلى بلدة بكفيا، حيث يُقام قداس الوداع في كنيسة رقاد السيدة بالمحيدثة، عند الساعة الرابعة من بعد ظهر اليوم الإثنين، وسط حضور رسمي وفني وشعبي كبير متوقّع، يُعبّر عن محبة الناس لفنان حفر اسمه في ذاكرة الفن اللبناني والعربي.

مكان وموعد العزاء

وأعلنت عائلة زياد الرحباني في بيان رسمي، أن مراسم العزاء ستُقام في صالون كنيسة رقاد السيدة، اليوم الإثنين من الساعة 11 صباحًا وحتى السادسة مساءً، وتُستأنف في اليوم التالي الثلاثاء ضمن التوقيت نفسه، لاستقبال محبّيه والمعزين.

سنوات من الصراع مع المرض

رحل زياد الرحباني عن عمر ناهز 69 عامًا، بعد تدهور حالته الصحية إثر معاناة طويلة مع أمراض الكلى. وقد نُقل إلى المستشفى قبل أيام في حالة حرجة، ليفارق الحياة فجر السبت، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا غنيًا ومتفرّدًا جمع بين الموسيقى والمسرح والنقد الاجتماعي والسياسي الحاد.

نقابة الموسيقيين تنعي الراحل

ونعت نقابة المهن الموسيقية في لبنان الراحل ببيان جاء فيه:

«لقد فقدنا برحيل زياد الرحباني قامة فنية استثنائية، ومبدعًا متجددًا أسهم في إثراء الموسيقى والمسرح العربي، وترك بصمة خالدة في الوجدان من خلال أعماله التي جمعت بين الأصالة والجرأة والتجديد

 

####

 

أول ظهور للفنانة فيروز في مراسم تشييع زياد الرحباني

سلمى خالد

ظهرت السيدة فيروز في وداع مليء بالهيبة والوجع، للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، لترافق نجلها الموسيقار الراحل زياد الرحباني إلى مثواه الأخير، في مشهد إنساني نادر جمع بين الصمت الموجع والحضور الطاغي للرموز.

وكانت كنيسة رقاد السيدة في بلدة المحيدثة – بكفيا، قد شهدت مراسم تشييع الراحل عصر الإثنين، بحضور السيدة فيروز إلى جانب ابنتها ريما الرحباني وعدد من أفراد العائلة والمقرّبين، وسط غياب متعمَّد للتغطية الإعلامية احترامًا لرغبة العائلة.

حزن بيروت وحب جمهورها

منذ ساعات الصباح، تجمهر الآلاف من محبّي زياد في شارع الحمراء أمام مستشفى خوري، رافعين صوره وملوّحين بالورود، في وداع عاطفي عفوي اختلطت فيه الزغاريد بالدموع والتصفيق، في مشهد نادر لعلاقة فنان بجمهور أحبّه بصدق.

 

وانطلق موكب الجنازة من الحمراء إلى بكفيا، مرورًا بشوارع امتلأت بالناس والهتافات، حيث بدا زياد وكأنه لا يزال يمشي بين جمهوره، على إيقاع موسيقاه وكلمات مسرحياته.

وداع خاص ومدفن في حديقة فيروز

وبحسب مصادر مقرّبة من العائلة، اختارت فيروز أن يكون وداعها لابنها بعيدًا عن كاميرات الإعلام، حيث جلست إلى جانب النعش داخل الكنيسة للحظات، قبل أن تنسحب إلى الصالون لاستقبال المقرّبين فقط.
وأكدت المصادر أن جثمان زياد لن يُدفن إلى جوار والده عاصي الرحباني في أنطلياس، بل في مدفن خاص داخل حديقة منزل السيدة فيروز في بلدة الشوير، تنفيذًا لوصيتها
.

تفاصيل العزاء

أعلنت عائلة الرحباني أن مراسم العزاء تُقام اليوم الإثنين من الساعة 11 صباحًا حتى السادسة مساءً في كنيسة رقاد السيدة ببكفيا، على أن يُستأنف استقبال المعزّين غدًا الثلاثاء في نفس التوقيت.

 

####

 

بيروت توّدع زياد الرحباني..

فيروز أمام الوداع الأخير لابنها | فيديو وصور

محمد طه

ودّع لبنان الاثنين، فنانه المسرحي والموسيقار زياد الرحباني الذي توفي السبت عن 69 عاماً، وتجمّعَت جماهير غفيرة من محبيه صباحاً أمام أحد مستشفيات في بيروت لمواكبة نقل جثمانه إلى منطقة جبلية شمالي شرقيّ بيروت تقام فيها مراسم دفنه بعد الظهر.

واقيمت مراسم تشييع زياد الرحباني بحضور والدته النجمة الكبيرة فيروز.

وظهرت السيدة فيروز، التي نادرا ما تطل أمام الكاميرات، إلى جانب ابنتها ريما الرحباني، خلال مراسم الوداع التي حضرها عدد من أفراد العائلة والأصدقاء المقربين.

وعلت أصوات الزغاريد، والتصفيق من محبي الفنّان الراحل الذين تجمعوا لوداعه عند مخرج الطوارئ من المستشفى، ونثروا الورود والأرز على السيارة التي أقلّت جثمانه، وشقت طريقها بصعوبة بين الجموع، بينما كانت تقرع أجراس الكنائس، وتسمع أصوات أغانيه عبر مكبّرات الصوت.

وتقام مراسم العزاء في كنيسة رقاد السيدة، بين الساعة 11 صباحا والسادسة مساء، على أن يستأنف استقبال المعزين يوم الثلاثاء في التوقيت نفسه.

زياد الرحباني المولود في الأول من يناير 1956، بدأ مسيرته الفنية مطلع سبعينات القرن العشرين مع مسرحية "سهرية"، ولم ينج من انتقاداته فن والديه التقليدي والفولكلوري.

وحصدت مسرحياته في السبعينات والثمانينات نجاحاً كبيراً، واختصر فيها مشاكل المجتمع اللبناني وطوائفه التي كانت تغذّي آنذاك نار الحرب الأهلية.

لحّن أغنيات كثيرة، قسم كبير منها لوالدته فيروز، ولغيرها من الفنانين الذين عملوا معه.

وشكّل رحيل زياد الرحباني أحد أكثر المواضيع تداولاً على منصات التواصل الاجتماعي في لبنان والعالم العربي في اليومين الماضيين، إذ نشر عشرات مشاهير الفن والثقافة والإعلام ومعهم آلاف المستخدمين الآخرين رسائل رثوا فيها الفنان "العبقري". كما جرى التداول على نطاق واسع بمقاطع فيديو من أعماله ومقابلاته.

 

####

 

ماجدة الرومي تنهار باكية أمام فيروز في وداع زياد الرحباني..

مشهد مؤثر في كنيسة بكفيا

سلمى خالد

التقت النجمة اللبنانية ماجدة الرومي بالسيدة فيروز داخل صالون كنيسة رقاد السيدة في بكفيا، لتقديم واجب العزاء في رحيل نجلها الموسيقار الكبير زياد الرحباني.

ولم تتمالك ماجدة دموعها عند رؤية فيروز، حيث انهارت بالبكاء وقبّلت يدها، في محاولة صامتة لتخفيف ألمها بعد فقدان ابنها الوحيد.

وداع حزين... لبنان يشيّع صوتًا استثنائيًا

لبنان كله خيّم عليه الحزن صباح الإثنين، مع انطلاق جنازة زياد الرحباني، أحد أعمدة الموسيقى والمسرح في العالم العربي. وتجمهر الآلاف منذ الصباح الباكر أمام مستشفى خوري في منطقة الحمراء، حاملين صوره، وملوّحين بالورود، مرددين أغنياته ومسرحياته التي شكّلت وجدان أجيال.

موكب استثنائي... والتصفيق لا ينقطع

تحرّك موكب التشييع من الحمراء مرورًا بشوارع بيروت، وسط زغاريد وتصفيق حار من محبيه الذين أحاطوا بالموكب حتى وصوله إلى كنيسة رقاد السيدة في بكفيا.

هناك، كانت السيدة فيروز في وداع ابنها الأخير، تجلس في صمت يملؤه الألم، وإلى جوارها ابنتها ريما، تودع شقيقها بنظرات حزينة.

لحظات الوداع الأخيرة

في الكنيسة، خيمت أجواء من الحزن العميق والرهبة، حيث جلست فيروز في المقاعد الأمامية، تنظر إلى النعش بنظرات حزينة، يملؤها الوجع. لم تتحدث، لكنها قالت كل شيء بعينيها. وبدت ريما الرحباني متأثرة بشدة، ملازمة والدتها في هذه اللحظات الصعبة.

رحيل قامة فنية استثنائية

كان زياد الرحباني قد رحل عن عالمنا يوم السبت الماضي عن عمر ناهز 69 عامًا، بعد مسيرة فنية غنية ومليئة بالتجديد والتجريب. قدم خلالها موسيقى ومسرحًا استثنائيًا، ولم يتردد في انتقاد الواقع والبحث عن الحقيقة بفنه، تاركًا إرثًا سيظل حاضرًا في الوجدان العربي.

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

28.07.2025

 
 
 
 
 

زياد الرحباني.. الفن يناضل من أجل الحرية

نجلاء محفوظ

الانحياز للحرية وللفقراء وحقهم في العيش بكرامة وعزة اختيار يمتع صاحبه دومًا بالحياة الحقيقة ويمنحه حياة تستمر ما بقيت الحياة بعد موت جسده..

نجح زياد الرحباني في اختياره الغناء للوطن ولمقاومة كل من الاحتلال الإسرائيلي وللغزو الثقافي واعتزازه بهويته العربية ورفع صوته عاليًا ضد الفساد في وطنه، وتعرية التناقضات لبعض السياسيين بسخرية لاذعة وبكلمات لا تخرج عن التهذيب؛ وإن كانت كالسهام التي كان يجيد تصويبها ليس في كلمات أغانيه ومسرحياته، فقط، بل أيضًا في مقابلاته التليفزيونية القليلة..

سأله مذيع: ما شعورك ونحن البلد الذي بلا رأس؟

رد كيف لدينا الكثير من “الرقص” ثم سأل المذيع: انس أننا في بث مباشر وقل هل لاحظت أي فارق؟ وأكد أن الحكومة الانتقالية تجتمع وتعمل تصدر قرارات أكثر من الحكومات العادية..

سألوه يومًا: هل السيدة فيروز مع المقاومة.

رد على الفور: لو لم تكن معها لم أكن أستطيع التلحين لها، هي تعرف ذلك.

كان مبدعًا بدرجة إنسان؛ قال: حاول أن تبتسم للناس؛ هذا لن يكلفك كهرباء أو بطارية ولا بنزين أو مازوت، لن تزيد شيئًا على مصاريفك.

أحلام ومخاوف

كان مسرحه ينبض بالحياة وامتزج بهموم اللبنانيين ونقل أحاسيسهم وأحلامهم ومخاوفهم واعتراضاتهم على كثير من الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان، وبرع في استخدام الكلمات العادية التي يقولها الناس في أغانيه ومسرحياته.

ومن يستمع إليها يشعر بأنه أضاف إليها الجديد بعد أن منحها الحيوية ومزجها بصدق وواقعية وهو القائل: الإنسان متى عرف الحقائق سقط عن سرير الأحلام، وهذا لا يعني الدعوة للانهزامية فهو القائل أيضا:

قلت لهم

ألا تسكرون الأبواب

العاصفة هنا عند المفرق

وقالوا:

على مر الأيام تعودت الأبواب

وسوف تتسكر وحدها عندما ترى العاصفة

قلت: ألا تسكرونها أنتم بأيديكم القوية

يستنهض زياد الهمم فيقول في وعي عميق بالنفس البشرية وكيف تصنع هزائمها بأيديها:

لا يعود شيء يخيف

إن صرناه

رفض الخداع

برع زياد في المسرح السياسي وقدم الكوميديا السوداء

وأدان بشدة خداع الناس باسم الدين ودعوتهم لقبول حياة بائسة فقال:

أنا مش كافر بس الجوع كافر

أنا مش كافر بس المرض كافر

أنا مش كافر بس الفقر كافر

والذل كافر

أنا مش كافر

لكن شو بعملك إذا اجتمعوا فيّي

كل الإشيا الكافرين

أنا مش كافر بس البلد كافر

أنا مقبور ببيتي ومش قادر هاجر

وعم تاكل لي اللقمة بتمي

وأكلك قدامك يا عمي

وإذا بكفر بتقل لي كافر

بوتيك” الطائفية

في المسرح السياسي يعد زياد امتدادًا لمسرح الأخوين رحباني وليس تقليدًا لهما فلديه بصمته الخاصة ويذكرنا بمسرحية “الشخص” للأخوين رحباني عام 1968 فيها يسأل الشخص وهو مسؤول مهم هل الرحمة أفضل أم العدل؟

يرد عليه أحد الأتباع: الرحمة لأن العدل سيقول لك ليش جيوبك منفوخين.

رفض زياد الرحباني مثل كل الوطنيين في كل زمان ومكان الطائفية وحذر من توابعها الكارثية، وندد بها في جرأة وألح على فضح صورها وتأجيجها للخلافات بين مكونات الوطن لتحقيق الزعامات والمكاسب المادية.

قال زياد:

يا زمان الطائفية

طائفية وطائفيك

خلي ايدك ع الهوية وشد عليها قد ما فيك

شوف الليرة ما أحلاها

بتقطع من هون ل هونيك

ويا زمان الطائفية

كل واحد فاتح بوتيك

الغد الجميل

كان عبقريًا؛ فكتب قصيدة وهو في الثانية عشرة من العمر ولحن لأمه السيدة فيروز وهو في السابعة عشرة، وامتلك الوعي السياسي والحس الوطني.

حذر زياد من “الحيلة” التي يلجأ إليها سياسيون بزرع الأحلام الوردية في غد أفضل “وتخدير” الناس، وجعلهم ينتظرونه وغالبا لا يأتي هذا الغد الجميل، جسد في مسرحيته “بالنسبة لبكره شو؟ هذا المعنى حيث عانى اللبنانيون من الإنهاك بعد الحرب الأهلية اللبنانية.

وعبر عن أوجاع الصابرين المنهكين وهتف: يقولون غدًا سيكون أفضل؛ فماذا عن اليوم.

جسد زياد المثقف والمبدع الذي يُخلص للناس ولا يسعى للفوز بالمكاسب المادية أو المناصب على حساب الشعب

جاي مع الشعب المسكين

جاي تعرف أرضي لمين

لمين عم بموتوا ولادي بأرض بلادي جوعانين

ويقول

سنين بقينا بلا نوم

قررنا نوعا اليوم

يا بلادي لا تلومينا

صرنا برات اللوم

من أجمل ما كتبه زياد الرحباني

كيف أْفهِمك

يا عصفور قفصنا

إنني أنا غير أهلي

لا أحب أن أقتني

لا أقفاصًا ولا عصافير

شتائم وحقد

غاص زياد الرحباني بفكره في الواقع السياسي والاجتماعي ولم ينعزل في برج عاجي مثل بعض المبدعين، ولم يغلق أبواب إبداعه على القليل وانفتح وقرأ كل الواقع بامتياز.

كتب:

قالوا: مللنا الحياة

امتلأت الأرض بالشتائم والحقد

زرعوا خناجر في قلب الكلام

صاروا يعدون ذكيًا من يكفر أحسنهم بالله

ذكيًا الذي كلامه أكثر الكلام سفالة

آه لو كان الكلام كالخبز يُشرى

فلا يستطيع أحد أن يتكلم

إلا إذا اشترى كلاما

الخصوم يتباكون

احترم زياد موهبته ولم يقدم أغاني ولا مسرحيات تغذي الابتذال في العالم العربي كغالبية من “يطلقون” على أنفسهم لقب الفنانين، ولم يشارك في تغييب الوعي وساهم في زيادة الوعي بالقضايا العربية ومنها قضية فلسطين، وأبدى اعجابه بالصمود المذهل لغزة وأكد أنهم سينتصرون حتما.

جسد طموحات الكثيرين في لبنان والعالم العربي والمثير للسخرية تنافس كثير ممن انتقدهم في مسرحياته ومن خصومه من مسؤولين وسياسيين في وطنه وخارجه في رثائه والتباكي عليه وهم أبعد ما يكونون عن نهجه واختياراته التي جدد تمسكه بها حتى أخر عمره، وهو القائل: لن تتمكن من بناء بلد وإسرائيل على الباب، لن تستطيع صنع عدالة وحرية وهم يطالبونك بالاختيار بين أمنك وكرامتك.

المصدرالجزيرة مباشر

كاتبة وخبيرة في التنمية البشرية

 

الجزيرة مباشر القطرية في

28.07.2025

 
 
 
 
 

زياد الرحباني… حين يصبح الفنان جزءاً من ذاكرتنا

يولا خضره

هل غاب زياد بموته؟ هل خفت صدى كلماته؟ بالتأكيد لا. هو فقط انسحب أو ربما تعب وشعر بالملل أو سكت ليجعلنا نشتاق أكثر.

حين وصلني خبر وفاة زياد الرحباني صباح نهار السبت 26 تموز/ يوليو الجاري، اجتاحني حزنٌ غامِر، شعرت كأن جزءًا من ذاكرتي قد تلاشى مع تلاشي أنامله الموسيقية وكلماته الحادة، الساخرة غالباً، وروحه التي غادرت من دون إنذار.

لم يكن زياد مجرد فنانٍ عابر في حياة الكثيرين من اللبنانيين، وأنا منهم، بل كان صدىً حيًّا لنبض لبنان، لخيبات شعبه المتتالية، لمآسيه المتكررة منذ سنين طويلة، لا في الأغاني فقط، بل في التفاصيل الصغيرة التي تعيش في أعماقنا. الرحيل غير المتوقع الذي لم أتقبله، حمل معه إحساسًا بالفراغ والخيبة، وكأن العمالقة يرحلون بصمت ليحركوا داخلنا غضباً عميقاً نتغاضى عنه في ظل ظروف حياتنا الصاخبة دائماً.

 لكنّ ذكرى زياد الرحباني، بصوته المتمرّد وكلماته التي تخترق العقول والقلوب، ستبقى خالدةً، جزءًا لا يُمحى من ذاكرتنا الشخصية والجمعية على حدّ سواء.

ليسوا كثيرين الفنانون الذين تحوّلوا إلى جزء من الذاكرة الفردية كما الذاكرة الجمعية. لكن زياد الرحباني لم يكن مجرد فنان عبقري فقط، بل ذاكرة تمشي بيننا، محفورة في تفاصيل نشأتنا، في شريط الأغاني الذي حفظناه من دون أن نقصد، في صوت فيروز الذي يرافق صباحاتنا غير الهانئة في كثير من الأحيان، في سخريته التي تعبر عن مرارة عميقة نشعر بها كل يوم، في الحوارات المسرحية التي تشبهنا إلى حدّ مُخجل، في صوته الأجش الذي يصدح بأفيهات تلخّص مسار حياتنا المتعرج، المتقلب وفق الأحداث والظروف.

 مع رحيله المفاجئ، لن يعود زياد الرحباني ليقول ما يشبه “بالنسبة لبكرا شو؟”،  لكنه علّمنا أن نسأل هذا السؤال كل يوم، حتى لو لم نجد له جواباً.

كبرنا ونحن نضحك من سخرية “نزل السرور”، ونتهجى مآسي الحرب اللبنانية في “فيلم أميركي طويل”، ونُدهش من وضوحه الوقح في “بالنسبة لبكرا شو؟”. كبرنا وهو يعلّمنا أن الكوميديا يمكن أن تكون طعنة في قلب السلطة، وأن الموسيقى ليست دومًا للغرام، بل للغضب أيضًا، وأن الفنان لا يجب أن يكون محايداً بل صوتاً صارخاً تسمع صداه الأجيال.

 زياد الرحباني الذي لم أقابله يوماً، والذي لم أره سوى مرة واحدة كطيف خفيف يجول في شوارع الأشرفية، من دون مرافقين ومن دون ضجيج كالذي يرافق فناني هذا العصر، أشعر أنه مرّ من صالون بيتي في زمن ما، جلس على الكنبة، وسخر من كل ما يحدث خارج النافذة.

كان يشبهنا، ويشبه ما كنّا نطمح أن نكونه: أحراراً، ساخرين، غير منتمين بالكامل، ولكن منغمسين بصدق في التفاصيل اللبنانية حتى الثمالة.  من قال إن الحنين يجب أن يكون جميلاً دائمًا؟ نحن نشتاق إلى زياد الرحباني حتى في مرارته، لأن مرارته تشبهنا. نعود إلى أغانيه لا لنرتاح، بل لنتذكّر كم كنا غاضبين، وكم كانت تلك الغضبة أنيقة بصوته.

هل غاب زياد بموته؟ هل خفت صدى كلماته؟ بالتأكيد لا. هو فقط انسحب أو ربما تعب وشعر بالملل أو سكت ليجعلنا نشتاق أكثر.  لكنه سيبقى خالداً، تستحضره ذاكرتنا في كل مرة نستمع فيها الى “شو ها الأيام اللي وصلنالا”، “بما إنو”، “عودك رنان”، “إي في أمل”، “كان غير شكل الزيتونة”… وفي كل مقطع من مسرحياته التي ترعرعت كلماتها في بيوتنا، ورافقت أجيالاً وأجيالاً.

غاب زياد الرحباني من دون صخب ووداع، لم يخبرنا “بالنسبة لبكرا شو”، ولم يقل لنا شيئاً “بخصوص الكرامة والشعب العنيد”. ترك وراءه شعباً مخذولاً، طحنته الأزمات، وبلداً منهاراً، يعيث فيه الفاسدون، ويُترك مبدعوه وعمالقته لقدرهم، فلا يكرِّمهم إلا بعد مماتهم.

 زياد الرحباني ليس أيقونة، فالأيقونات لا تتغير. وزياد تغيّر، وتقلّب، وصدم، وخاب أملنا فيه أحيانًا، وأحببناه أكثر لأنه لم يكن ملاكًا. كانا فوضوياً، عاطفياً، مزاجياً، شفافاً حتى الإحراج.

 مع رحيله المفاجئ، لن يعود زياد الرحباني ليقول ما يشبه “بالنسبة لبكرا شو؟”،  لكنه علّمنا أن نسأل هذا السؤال كل يوم، حتى لو لم نجد له جواباً.

 

موقع "دراج" في

28.07.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004