ملفات خاصة

 
 
 

زياد الرحباني الفنان العبقري المتعدد يغادر فجأة

مدرسة فريدة في الموسيقى والتلحين والمسرح وأجيال تأثرت به وحملت اسمه

عبده وازن

الموهوب والعبقري الثائر

زياد الرحباني

   
 
 
 
 
 
 

ملخص

كانت الأخبار الواردة من البيت الفيروزي الرحباني تفيد بأن هالي، شقيق زياد وريما، ابن فيروز وعاصي، يعاني حالا من التراجع الصحي الفادح، هو الذي ولد معاقا وقضى 67 سنة مقعدا على الكرسي المتحرك، أبكم ومشلولا... لكن الخبر الصادم الذي حل مثل وقع الصاعقة أفاد بوفاة زياد عن 69 عاما.

كان زياد الرحباني يعيش في الأعوام الأخيرة حالاً من الاكتئاب أسهم في إذكاء ناره الانهيار المأسوي العام الذي عرفه وما برح يعرفه لبنان، مما أثر عميقا في صحته النفسية والجسدية وكذلك في إبداعه، فغرق في نوع من العزلة القسرية، متنقلاً بين بيته الصغير والاستوديو في شارع الحمراء، وبيت العائلة في الرابية.

كان زياد قد عكف تحت وطأة الاكتئاب الذي ازداد في الأسابيع الأخيرة، عن التأليف الموسيقي والتلحيني والنصي أو الشعري، وانقطع تقريبا عن أصدقائه القليلين أصلاً، ويبدو بحسب ما تردد أنه قرر قبل أيام التوقف عن الأدوية التي كان يتناولها فازدادت وطأة الاكتئاب والألم النفسي.

 زياد الرحباني ظاهرة فريدة ومتفردة بنفسها، سواء في التأليف الموسيقي أو التلحين أو المسرح أو كتابة النصوص والحوارات، لا يمكن أن تحدها مواصفات أو آراء ومعايير. فنان خارج تخوم التصنيف، يقال عنه عبقري من دون تردد، في الموسيقى كما في الكتابة الغنائية والمسرحية، كما في التلحين والعزف.

بدأ زياد الرحباني حياته الفنية محترفاً وليس هاوياً، ولم ينتظر كثيراً كي تتبلور موهبته الكبيرة، فهو كان في الـ17 من عمره حين أنجز مسرحيته الأولى "سهرية"، وقد كتبها بنفسه ولحنها وأخرجها ومثل فيها. وفي العام نفسه وضع لحناً بديعاً تحول إلى أغنية "سألوني الناس" التي وضع كلماتها الفنان منصور، وأدتها فيروز بمثابة تحية إلى عاصي الذي كان يعالج في المستشفى بعدما أصيب بجلطة في الدماغ. راجت الأغنية وعرفت نجاحاً كبيراً، وعام 1974 أنجز زياد مسرحيته الثانية "نزل السرور" التي كانت حدثاً مسرحياً وغنائياً جديداً، استطاع زياد عبره أن يؤسس هويته المسرحية والفنية الخاصة جداً.

منذ ذاك التاريخ (1973) لم يتوقف زياد الرحباني عن العمل بل انصرف كلياً إلى المسرح والتلحين والتأليف الموسيقي، ومن شدة نجاحه في كل الحقول التي عمل فيها أصبح من الصعب الفصل بين زياد الكاتب والمخرج والممثل والملحن والمؤلف الموسيقي، فهو واحد في كل ما أعطى وأبدع، وهو واحد في ثورته المسرحية وثورته الموسيقية.

هموم الناس

ولئن استطاع في مسرحه وحواراته الجميلة أن يقترب من هموم الناس وشجونهم فإنه في موسيقاه نجح كل النجاح في خلق هوية جديدة للموسيقى اللبنانية. ونجح أيضاً في الدمج بين الألوان الشرقية والألوان الغربية ليستخلص نسيجاً موسيقياً باهراً لم يكن مألوفاً من قبل. ومثلما كان طليعياً في موسيقاه الحديثة كان أيضاً أصيلاً كل الأصالة في ارتكازه إلى الموسيقى الشرقية والجاز وموسيقى الشعوب.

وأهم ما يميز هذا الفنان الكبير عدم اعتماده على تراث الرحبانيين، عاصي ومنصور، على رغم كونه سليل هذا التراث. وقد جعله الإرث الرحباني العظيم أمام تحد كبير: إما أن يغرق فيه ويقلده وإما أن يتخطاه ويؤسس عالمه الخاص. ونجح زياد الرحباني في رهانه وحقق معجزته الشخصية وأسس عالمه ولغته وموسيقاه حتى أصبح ظاهرة  يصعب أن تتكرر وباتت أصداء ثورته تتردد في حياتنا.

كان زياد مثار خلاف، بين جمهور يؤيده وجمهور يرفض مواقفه السياسية، لكن جميع هؤلاء لا ينكرون نزاهته السياسية ونظافة يده والقلب، وإن أخذوا عليه حماسته المتهورة في أحيان وعناده الفكري وثباته في عصر دائم التقلب والاضطراب.

الجميع يحبه فناناً بعيداً من السياسة، وينتظرون إطلالاته بحرارة وشوق، أياً تكن هذه الإطلالات. ولعل خير دليل على هذا الوفاء للرحباني الابن، النجاح الهائل الذي شهدته حفلاته، كل حفلاته، التي كان يضطر إلى تمديدها ونقلها إلى أماكن أخرى، بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية، نزولاً عند رغبة الجمهور الذي كان يتدفق ليشاهد زياد ويستمع إلى أعماله الموسيقية والغنائية. والجمهور هذا لم يتأثر بانتقال الفنان من مكان إلى مكان، وكأن المكان بذاته لا دلالة له ما دام زياد هو الذي اختاره.

بين بيروت وزياد

كثيراً ما بدت بيروت المدينة أو ما تبقى منها، منذ مطلع الثمانينيات، تحتاج إلى زياد الرحباني، وستظل في حاجة إليه، فهي لا يمكنها أن تقوم من دونه، من دون أمسياته الموسيقية والمسرحية وإطلالاته الفريدة ومقولاته و"قفشاته" الطريفة والساخرة، الجريئة في سخريتها واللاذعة في نقدها والعبثية في مضمونها.

بيروت بلا زياد مدينة ناقصة. هذا ما يشعر به جمهور زياد، الذي يؤيد مواقفه والذي يعارضها، على اختلاف المشارب والانتماءات. فمن يعارض زياد يعارضه بحق ويسعى إلى مناقشته، ومن يؤيده إنما عن قناعة، لكن الجهتين تستميتان في متابعته فنياً وموسيقياً ومسرحياً بعدما تضعان السياسة على حدة. ومعروف أن جمهور زياد في المنطقة الشرقية طوال أعوام الحرب كان كبيراً جداً وشديد الحماسة له على رغم الكراهية التي عممتها الحرب الاهلية.

يصعب تصور بيروت بلا زياد الرحباني. هذا آخر العنقود الرحباني الحقيقي. فنان هو سليل المدرسة الرحبانية التي انقلب عليها وأعلن ثورته البيضاء على تراثها العظيم ولكن من داخل هذا التراث. فهو لم يسع يوماً إلى إلغاء علاقته بالمدرسة الرحبانية حتى وإن افترق عنها باكراً ليبني عالمه وموسيقاه، متخلصاً من أثرها المباشر الذي يصعب التخلص منه بسهولة، ومبتعداً من تقليد هذه المدرسة واستغلالها والاتكاء عليها واجترارها، كما فعل الجيل الرحباني الآخر الذي لم يحقق ربع ما حقق زياد.

أما "مزحات" زياد الرحباني فما كانت لتثمن. أحد أسرار نجاح مسرحه وحواراته هو في قدرته الفائقة على اجتراح النكات والنهفات، بخفة تامة وعفوية ذكية وغير بريئة. تلمع له جمل وعبارات من شدة ما تحمل من مزاح، لكنه مزاح على حافة المأساة. وتخفي بعض ألاعيبه وتراكيبه اللفظية الساخرة والفريدة كثيراً من الألم الجارح.

"إيه في أمل"

كانت "إيه في أمل" آخر أسطوانة ينجزها الفنان زياد الرحباني مع المطربة فيروز، وبدت من الثمار الأخيرة التي توجت تجربته الفريدة مع فيروز. ودرج اسم الأسطوانة هذه على ألسنة الناس في دلالة أن ثمة املا ينتظر لبنان. هذه الأسطوانة كانت من المفاجآت الجميلة التي اعتادها الجمهور الفيروزي - الزيادي، وقد توجت هذا التعاون الذي أسس مدرسة فيروزية جديدة، في ما حملت من خصائص غنائية وموسيقية مدموغة بـ"النفس" الذي تميز به زياد وبأسلوبه، كما بأداء فيروز المتجدد دوماً، والناهض دوماً برقة وسحر من أصالة هذه الحنجرة البديعة والمحفوفة بالأسرار.

يمضي زياد في مساره، تلحيناً وموسيقى أو تلحيناً موسيقياً بالأحرى، مرتقياً بمهمة التلحين إلى مصاف التأليف الذي يتجلى خصوصاً في "مهمة" التوزيع التي يعد زياد من كبار محترفيه. فالأغاني الجديدة تجدد مرة أخرى فرصة اللقاء بين فيروز وزياد وترسخ المدرسة الفيروزية "الما بعد" رحبانية التي أسسها زياد انطلاقاً من فرادة هذا الصوت وخصاله النادرة.

أغنيات تكمل هذه "الرحلة" التي انطلق بها والتي كانت محفوفة بـ"الأخطار" نظراً إلى طابع المغامرة التي خاضها زياد بجرأة ومراس ووعي فني تام، والتي جعلت فيروز تطل على جمهورها الرحباني إطلالة جديدة وحديثة. أغنيات تراوح كما عودنا الاثنان - فيروز وزياد - بين الجو الشرقي والجو الغربي، بين الطرب والجاز، بين الفلكلور الحديث أو المحدث والغناء المتفرد بذاته. ووسط هذه الأجواء المتعددة والثرية لا بد من أن يتحاور الصوت مع الموسيقى، يأخذ منها ويعطيها، تعطيه وتأخذ منه.

وهذا التحاور يكمله تحاور آخر، بين الكلام والموسيقى والأداء، كما بين الآلات الموسيقية نفسها، الشرقية والغربية، وبين الجمل الموسيقية والآلات... هذا مناخ من التحاور البهي، المتعدد الوجهات والأدوات، يصهره الصوت كما الموسيقى، ويبلوره البعد "الغنائي" (أو الليريكي) الصافي الضارب في صميم الوجدان والذاكرة. والجديد في هذه الأسطوانة - وهو أصلاً جديد هذا اللقاء - يشمل أيضاً "أحوال" الحب التي تعيشها المطربة - كمؤدية - والتي ينصهر فيها "الكلام" أو "الشعر" في نار الإحساس الداخلي المرهف.

تؤدي فيروز هذه الأغنيات كما لو أنها في قلب مشهد درامي يصنعه الكلام والموسيقى مثلما يصنعه الأسلوب، أسلوب الغناء والتعبير. وإذا أغمض المستمع عينيه وأصغى يمكنه أن "يرى" الأغنية وكأنها لوحة مرسومة بالصوت والموسيقى. هذا ما استطاع زياد أن يصنعه بفرادة: لقد منح الأغنية شكلاً بصرياً خفياً لا يمكن التماسه إلا عبر الإصغاء. إنها أغنيات حب إذاً، حب درامي ومأسوي ولكنه مشوب بالطرافة والفانتازيا. هذا الحب القائم دوماً على التخوم، تخوم الفراق أو الوصل، الهجر أو اللقاء، الوفاء أو الخيانة أو الغدر... وتضاف إلى هذه "الشجون" حال الحيرة والتردد والخوف واليأس والأمل... ولم يكن عنوان أغنية "إيه في أمل" غريباً عن جو الأسطوانة بأغانيها كلها. هناك أمل وإن طلع من حال "الملل" كما تقول فيروز، وهذا الأمل لا بد له من أن يتخطى العلاقة العاطفية ليصبح أملاً وجدانياً شاملاً وربما إنسانياً، مع أن الأغنية هي أغنية حب أولاً وآخراً. إنها قدرة زياد على "مقاربة" المعاني والدلالات. أحياناً يحار المستمع إن كان فرحاً أو حزيناً، يشعر بأنه حزين وفرح في آن واحد. وعندما تردد فيروز "حبيبي حبيبي" بصوتها الخفيض المشرق والبارق، يشعر المستمع بحال من الوجد الذي تمتزج فيه الروحانية بالحسية. إنها معجزة هذا الصوت، الذي كلما أمعن في البراعة أمعن في الإحساس، وكلما واجه لعبة الزمن استعاد وهج ربيعه. إنه فعلاً سر هذا الصوت، بظلاله الوسيعة و"أمواجه" التي لا حصر لها.

لم تخلُ الأسطوانة من مقطوعات موسيقية جميلة نسجها زياد تأليفاً وتوزيعاً، وفيها تتمثل أحوال ملتبسة بجمالها، بحزنها وحبورها، تتهادى حيناً بعذوبة فائقة وإحساس جارح، وتتردد حيناً بإيقاعاتها المتعددة وأصدائها. مقطوعة "تل الزعتر" عمل موسيقي بذاته وكذلك "ديار بكر"، وكل مقطوعة تختلف عن الأخرى وتلتقي بها عبر هذا التحاور "الفريد" موسيقى وعزفاً. أما أطرف ما ضمت الأسطوانة فهي التحية التي وجهها زياد إلى الأخوين عاصي ومنصور انطلاقاً من أغنية "بكتب اسمك يا حبيبي" التي أعاد كتابتها وتوزيعها ذاكراً الأخوين وساحة "انطلياس" البلدة التي انطلقا منها إلى العالم. ولعل هذه التحية هي خير رد أيضاً على الحملة التي قام بها بعض "المغرضين" للفصل بين عاصي ومنصور. ترى أليست هكذا تكون التحية إلى هذين الكبيرين؟

سيرة مختصرة

زياد الرحباني، فنان لبناني شامل، ولد في بيروت عام 1956، وهو ابن السيدة فيروز والموسيقار عاصي الرحباني، الذي شكل مع شقيقه منصور علامة فارقة في تاريخ الموسيقى والمسرح العربيين. منذ ولادته، نشأ زياد في بيئة فنية محاطة بالموسيقى والكلمة، مما جعله ينغمس في عالم الإبداع مبكراً. بدأت ملامح موهبته تتجلى في سن مبكرة، فبدأ يعزف على البيانو ويرافق والدته في بعض الأعمال الموسيقية، لكنه سرعان ما انفصل بأسلوبه عن نمط الرحابنة الكلاسيكي، ليشق لنفسه خطاً خاصاً يجمع بين التمرد السياسي والنقد الاجتماعي واللغة المحكية التي تقرب الجمهور من العمل الفني.

أول ظهور علني لزياد كمؤلف موسيقي كان في عمر الـ17، حين لحن أغنية "سألوني الناس" التي غنتها فيروز عام 1973، في غياب عاصي عن العمل إثر أزمة صحية. هذا العمل شكل منعطفاً في مسيرة زياد، إذ أثبت قدرته على تقديم ألحان متكاملة النضج والعمق. انطلق زياد من ثم ليؤسس مسرحه المختلف، من خلال أعماله المسرحية التي لاقت رواجاً كبيراً في لبنان والعالم العربي. من أبرز هذه الأعمال: "بالنسبة لبكرا شو؟" و"فيلم أميركي طويل" و"نزل السرور" و"شي فاشل" و"لولا فسحة الأمل". في هذه المسرحيات دمج بين السياسة والسخرية واللغة الشعبية والموسيقى الحية. سياسياً، اتخذ زياد مواقف واضحة وصريحة، وكان ناقداً للسلطة والطبقة السياسية اللبنانية، وعبر عن ذلك في مسرحياته ومقالاته وحتى في مقابلاته الصحافية. مال في فترة من حياته نحو الفكر اليساري، وعبر عن انحيازه للفقراء والمهمشين، مما جعله قريباً من الجمهور الواسع.

إلى جانب المسرح، قدم زياد أسطوانات موسيقية رائدة مزج فيها بين الجاز والموسيقى الشرقية والكلمة الساخرة. كتب ولحن أغاني لفيروز مثل "عودك رنان" و"كيفك إنت" و"شو بخاف"، وتميزت هذه الأعمال بحس تجريبي مغاير ومعاصر. وتمكن من أن يؤسس مع فيروز مدرسة غنائية جديدة تختلف عن المدرسة السابقة التي رسخها عاصي ومنصور مع فيروز. زياد الرحباني معروف بمهارته في التوزيع الموسيقي، واستخدامه آلات غير تقليدية في تقديم الموسيقى العربية المعاصرة، منها الساكسوفون والغيتار الكهربائي والكيبورد.

عرف زياد أيضاً ككاتب وصحافي، ونشر مقالات سياسية واجتماعية في الصحف اللبنانية، تميزت بنفس نقدي لاذع، ولغة هجينة تجمع الفصحى بالعامية، وقدم برامج إذاعية كانت منبراً إضافياً لصوته المختلف. حياته الشخصية كانت أيضاً مادة للجدل، بسبب مواقفه الجريئة، وخياراته الحياتية غير التقليدية، التي جعلته في صدام دائم مع التيارات المحافظة. وعلى رغم ذلك بقي فنه محل إجماع لدى معظم الأطياف السياسية والاجتماعية في لبنان. خاض زياد أيضاً تجارب في التمثيل، وشارك في عدد من الأفلام القصيرة والتسجيلات المصورة، مما أضاف بعداً آخر لحضوره الفني. وتعاون مع عدد من الفنانين اللبنانيين مثل جوزيف صقر الذي ارتبط اسمه بكثير من أغاني زياد.

زياد الرحباني ليس مجرد فنان، بل ظاهرة ثقافية عربية فريدة. استطاع أن يعبر عن هموم جيله، وأن يمنح الصوت للمهمشين، عبر فن صادق وذكي وجريء. وإلى اليوم لا تزال أعماله تعرض وتستعاد، وتلهم أجيالاً جديدة من الفنانين والمبدعين في لبنان وخارجه.

 

الـ The Independent  في

26.07.2025

 
 
 
 
 

زياد الرحباني مع فيروز... صوت الحزن اليومي والخسارات

هيثم أبوزيد

من بين التحولات الفنية التي عرفها العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، لا يبرز تعاون فني أكثر إثارةً للسجالات واستحقاقاً للتحليل من الشراكة الإبداعية بين زياد الرحباني الذي غيبه الموت اليوم عن 69 عاماً، ووالدته فيروز التي كانت تمثل الأيقونة اللبنانية المثالية وصوت الحنين والسمو الروحي.

جاء زياد الرحباني من جيل السبعينيات الغاضب، حاملاً في يده اليمنى إرث الرحابنة، وفي اليسرى مطرقة التمرد الموسيقي والسياسي. وحين بدأ التعاون مع والدته في عقد السبعينيات، لم يكن الأمر انتقالاً سلساً داخل العائلة الفنية، بل بدا لكثيرين وكأنه كسر للتقاليد. فيروز، التي كانت تغني تحت إشراف الأخوين رحباني لعقود، غنّت الآن من ألحان شاب في العشرين من عمره، يكتب ألحاناً بلغة موسيقية غير معتادة، تحمل روح الجاز، والسوينغ، والمقامات الشرقية، في توليفة جديدة لم يألفها الجمهور بعد. بدأ الأمر بأغنية "سألوني الناس"، التي لحنها زياد الرحباني أثناء مرض والده عاصي، وتحوّلت إلى إعلان انطلاق غير مباشر لمرحلة جديدة في مسيرة فيروز. مرحلة فيها قدر أكبر من الانكسار والحميمية، وابتعاد عن الخطاب الوطني المعلن.

تميّزت ألحان زياد الرحباني لفيروز بشيء من الخصوصية النغمية والعاطفية. لم تكن الألحان مجرد وسيلة لإبراز جمال الصوت، بل كانت في ذاتها بنية درامية تتحدث عن هشاشة الإنسان، عن ضياعه، عن قلقه الوجودي. كانت تعبيرات حسية عن مشاعر كامنة، يقدِّمها صوت أيقوني أصبح أكثر إنسانية وهشاشة. لا يمكن الحديث عن ألحانه لفيروز من دون التوقف عند الجانب التجريبي فيها. تعامل زياد الرحباني مع الجملة الموسيقية باعتبارها مساحة مفتوحة للتشظي والتداخل، وليس بوصفها هيكلاً تقليدياً. في مقدمة مسرحية "ميس الريم"، ظهرت بوادر هذا التجريب، لكنه تبلور أكثر في أعمال لاحقة مثل "وحدن" وفيروز في بيت الدين، إذ بدا التوزيع الموسيقي أجرأ، والحوار بين الآلات أحدّ، وكأننا أمام أوركسترا تعبّر عن تناقضات المجتمع اللبناني كله.

لم يكن ممكناً لفنان مثل زياد الرحباني أن يكتفي في تعاونه مع فيروز بأغانٍ رومانسية فقط، ولكنه كذلك لم يكن ليقبل باستنساخ الأغنية الوطنية المباشرة. نقلت أغنيات زياد صوت فيروز إلى مناطق اشتباك سياسي ناعم. تحمل أغنية "بيتي صغير بكرا بيكبر" بُعداً استشرافياً لوطن مكسور. لم تكن هذه الأغاني شعارات سياسية، لكنها مواقف مشحونة بالمعنى، تقول الكثير من دون أن ترفع الصوت. يطاول ذلك أيضاً الأغاني ذات الطابع العاطفي التي تحمل في خلفيتها تأملاً اجتماعياً. أغنية "بكتب اسمك يا حبيبي" ليست مجرد نشيد حب، بل قصيدة عن الحب في ظل الخوف والمراقبة، في مجتمع ما بعد الحرب

يُحسب لزياد الرحباني أنه لم يسقط في استنساخ المدرسة الرحبانية الأولى، بل خلق مدرسته الخاصة وهو يعمل مع رمز تلك المدرسة. استطاع أن يستخلص من صوت فيروز أبعاداً جديدة، لم تبرز في أعمال الأخوين رحباني: صوت الحزن اليومي، صوت المرأة العادية، صوت الخسارة. كما أن هذا التعاون أخرج فيروز من جمود الأيقونة، وأعادها إلى الزمن، إلى التفاعل مع الواقع اللبناني والعربي الجديد، من خلال موسيقى تسير على الحافة، فيها خشونة المدينة، وغموض العلاقات، ومرارة السخرية. كانت ألحانه لوالدته تجربة قائمة بذاتها، فيها من الجرأة ما يكفي لتقسيم جمهورها، وفيها من الصدق ما يجعلها خالدة. كان زياد الرحباني يكتب ويلحن من ألم شخصي، ومن رؤية جمالية وفكرية، ونجح في أن يجعل فيروز تُغني من مكان أعمق، وأكثر التباساً وتعقيداً. وبهذا المعنى، فإن التعاون بينهما هو نموذج لفن لا يخاف من الزمن، ولا من التغيير، ولا من خيبات الجمهور. فن صادق، يطرح الأسئلة بدل أن يكرّس الأجوبة، ويمنح الصوت البشري كل هشاشته، وكل عظمته.

من السمات اللافتة في ألحان زياد الرحباني لفيروز هي علاقته غير التقليدية بالزمن الموسيقي. لم يكن مشغولاً بضبط الإيقاع وفق نماذج الطرب الكلاسيكي، بل ترك للزمن مرونة تسمح بتفاوت الإيقاع، وبالانتقال من لحظة نغمية إلى أخرى كما لو كان يكتب نصاً داخلياً لا يحتاج إلى نهاية مغلقة. كذلك، لا يسعى زياد الرحباني إلى إبراز الأداء الصوتي على أنه غاية مستقلة، بل يعامله بوصفه أداة تعبير صادقة، تتساوى في أهميتها مع الآلات والتوزيع. في أعماله، لا يتعامل مع الآلات بوصفها خلفية صوتية، بل باعتبارها كائنات حية تدخل في حوار مع النص والصوت. هو لا يسعى إلى تكثيف الجمال أو لإنتاج حالة طربية، بل يعيد صياغة البيئة السمعية بطريقة تتيح للمستمع أن يشعر بتوتر النص، أو سخرية الموقف، أو هشاشة العاطفة. وقد يكون التوزيع عنده في لحظات معيّنة أقرب إلى بيان سياسي أو موقف اجتماعي، إذ يصبح الصمت الموزون، أو الاحتكاك بين الآلات، أو كسر الإيقاع، أدوات دلالية لا تقل أهمية عن الكلمة. كما أن التوزيع في أعماله لا يهدف إلى إرضاء الأذن، بل إلى إثارة الوعي الصوتي لدى المتلقي. إنه توزيع يعلّم المستمع أن يصغي لا أن ينفعل فقط، وأن يلاحق التفاصيل، لا أن يندمج في موجة واحدة. وربما كانت هذه التقنية من أبرز ما ميّز أعماله مع صوت فيروز، إذ حرّكها من وسطها الأيقوني إلى تخوم جديدة، فيها الصوت جزء من منظومة كاملة، وليس مطلقاً منفرداً.

من خلال صوت فيروز، أعاد زياد الرحباني صياغة صورة المرأة في الأغنية العربية. لم تعد المرأة بطلة أسطورية، ولا حبيبة مثالية، بل إنسانة تعاني وتشك وتفتقد، وتشكو الجرح والخذلان، لكن الجملة الموسيقية لا تضخم الألم، بل تمنحه شكله الإنساني البسيط. هذه النظرة، التي تختلف عن تمجيد المرأة الحالم عند الأخوين رحباني، منحت صوت فيروز صدقاً واقعياً يتجاوز المثاليات. كانت ألحان زياد الرحباني لفيروز تأملات متوترة، غالباً ما تنتهي بلا حسم. لم يكن الاغتراب فيها يمثل موقفاً سياسياً فقط، بل كان فلسفة حياة، تجعل من الموسيقى ملاذاً هشّاً في مواجهة التفاهة والخراب.

 

####

 

زياد الرحباني... سيرةٌ خطّتها الأغاني والمسرحيات

ميار مهنا

مضى عامان إلا 74 يوماً على حرب الإبادة في قطاع غزة، استُشهد من الأرواح ما لا تحتمله لغة الأرقام، واشتد الجوع حتى شحبَت وجوه الملايين وخوت أمعاؤهم. في لبنان، مضى عام إلا شهرين على الحرب الأخيرة: اجتياح في الجنوب، واغتيالات في بيروت، وغارات على الضاحية الجنوبية. وفي سورية، تتواصل المجازر، منذ أكثر من 14 عاماً، وجيش الاحتلال يتوغل بالأراضي السورية ويتراجع حينما يشاء. في هذا المناخ الكئيب، إذ يصوغ الاحتلال الإسرائيلي ومعه الولايات المتحدة مصائر الشرق الأوسط، ورد خبران بدوَا منفصلين في الظاهر، لكنهما هزّا الوجدان العربي في العمق: الأول، إطلاق سراح المناضل جورج عبد الله أمس الجمعة بعد أربعة عقود قضاها في السجون الفرنسية، ليغدو بذلك أقدم سجين سياسي في فرنسا؛ والثاني، رحيل زياد الرحباني اليوم السبت، بعد أن ظننّا أن اعتكافه مؤقت، فإذا بالغياب يأتي مدوّياً ومؤلماً، لا يشبه أي موت على هذه الجغرافيا التي اعتادت الموت.

يمثّل زياد الرحباني واحدة من أبرز الشخصيات الفنية المعاصرة في لبنان والعالم العربي، جامعاً بين الإبداع الموسيقي والطرح السياسي الجريء، ولد في 1 يناير/كانون الثاني 1956 في أنطلياس، وتجلّت موهبته مبكراً؛ فقد كان والده عاصي يشركه في تقييم الألحان وهو في السادسة من عمره، إذ أدرك موهبته حين استمع إلى لحنٍ دندنَه الصغير ظاناً أنه سمعه من قبل، ليجيبه زياد بأنه من وحي خياله.

نشأ زياد الرحباني وهو يحمل مزيجاً من تراث الرحابنة الفني ونزعة فطرية للتجريب والتمرد وفرادة الصوت. ورغم شهرة والديه وسمعتهما اللامعة، بدأ يشق طريقه الخاص مبكراً. في سنواته الأولى كان يبشر بولادة شاعر استثنائي، لولا أنه اختار التوجه نحو الموسيقى في ما بعد، ولم يهجر الشعر تماماً، إنما تحول إلى كلمات الأغنيات السهلة والبسيطة. عُرف منذ انطلاقته بموسيقاه الحديثة وتمثيلياته السياسية الناقدة التي تصف الواقع اللبناني المؤلم بأسلوب ساخر ودقيق، واكتسب أسلوبه عمقاً وتهكماً جعلاه حالة استثنائية في المشهد الثقافي العربي.

بزغت الموهبة الموسيقية لدى زياد الرحباني باكراً، في الرابعة عشرة من عمره لحّن أولى أغنياته بعنوان "ضلّك حبّيني يا لوزية" سنة 1971، التي أدتها المطربة هدى، شقيقة والدته فيروز، ثم جاءت فرصته الذهبية عام 1973 عندما عهد إليه والده بتلحين أغنية "سألوني الناس" لفيروز أثناء مرض عاصي ودخوله المستشفى. كانت الأغنية جزءاً من مسرحية "المحطة"، إذ كتب منصور الرحباني كلماتها لتعبر عن غياب عاصي. نجح زياد في هذه المهمة نجاحاً باهراً؛ فقد أثار إعجاب الجمهور برصانة اللحن الذي أبدعه وهو لم يزل في السابعة عشرة من عمره. لم تصدّق الأوساط الفنية أن هذا اللحن المؤثر وضعه شاب يافع، وقورِنَ إنتاجه آنذاك بألحان والده الكلاسيكية. ومن الطريف أن عاصي نفسه فوجئ بموهبة ابنه حين أدرك أن اللحن الجديد من صنع زياد الشاب. حينها، شكلت "سألوني الناس" انطلاقة التعاون الفني بين فيروز وابنها، وأسست لعلاقة فنية أعادت رسم ملامح مسيرة فيروز في مراحل لاحقة.

شهد العام نفسه (1973) أول ظهور مسرحي لزياد الرحباني، وذلك على في مسرحية "المحطّة"، فقدّم دور الشرطي. تابع التجربة في مسرحية "ميس الريم" (1975) بدور شرطي أيضاً وشارك في حوار غنائي مع فيروز على المسرح. الأهم أنه في "ميس الريم" لحّن المقدمة الموسيقية للمسرحية، وهي مقطوعة أدهشت الجمهور آنذاك لإدخالها إيقاعات وأساليب تلحين غير معتادة على عروض الرحابنة التقليدية، يريح فيها المستمع تارة ويعيده إلى الإيقاعات، موسيقى تارةً حزينة وتارةً أخرى متأملة وهادئة. كانت المقدمة إعلاناً عن أسلوب زياد الجديد والنقيض للمدرسة الرحبانية المحافظة.

بحلول منتصف السبعينيات، كان زياد الرحباني قد انتقل من مرحلة البدايات إلى رسم معالم مدرسته الفنية الفريدة. جاءت أولى أعماله المسرحية عام 1973 عبر "سهرية" التي كتب نصها وألحانها استجابة لطلب فرقة مسرحية كانت تعيد تقديم أعمال الأخوين رحباني. حملت "سهرية" طابعاً قريباً من مسرح الرحابنة من حيث الشكل، إذ وصفها زياد الرحباني نفسه بأنها كانت بمثابة "حفلة أغانٍ" أكثر منها مسرحية متكاملة الحبكة؛ فقد استخدمها لتمرير الألحان والأغنيات من دون تركيز كبير على القصة. لكن هذه كانت مجرد انطلاقة تجريبية سرعان ما تلتها انعطافة جذرية في أسلوبه.

مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، رفض أن يقدّم للجمهور عوالم خيالية بعيدة عن الواقع كما درجت عليه مسرحيات الجيل السابق، بل صمم على أن يعكس فنه هموم الناس اليومية وسط الفوضى والعنف. وهكذا قدّم سلسلة من الأعمال التي مزجت بين الكوميديا السوداء والنقد السياسي اللاذع، وجعل من خشبة المسرح مرآة صادقة للمجتمع اللبناني المنقسم والمجروح. كانت البداية مع "نزل السرور" (1974)، وهي مسرحية كوميدية-تراجيدية تناولت بجرأة التفاوت الطبقي والقهر الاجتماعي في لبنان ما قبل الحرب، من خلال قصة مجموعة من العمّال يسيطرون على مطعم شعبي ويطالبون بحقوقهم، لكنهم يواجهون بالتجاهل والخذلان من السلطة. تلاها العمل الأشهر "بالنسبة لبكرا شو؟" (1978)، وهي من علامات مسرحه، إذ صوّر حياة زوجين يديران مطعماً صغيراً وسط بيروت، ويكشف من خلال حواراتهما الساخرة هشاشة الأمل وعبثية الشعارات. وتحوّلت عنوان المسرحية إلى مثل دارج يشير إلى الشك بالمستقبل. في "فيلم أميركي طويل" (1980)، انتقل زياد إلى فضاء أشد عبثية وسوداوية، إذ تجري الأحداث في مستشفى للأمراض النفسية، وتظهر شخصيات المسرحية وكأنها انعكاس ساخر لمكونات المجتمع اللبناني برمّته، في ظل فوضى الحرب وانهيار المعايير. أما في "شي فاشل" (1983)، فقدّم تشريحاً لليأس والإحباط بعد سنوات من الاقتتال، إذ عبّر العنوان ذاته عن شعور جيل بكامله بالخيبة والفراغ. وفي مطلع التسعينيات، عاد زياد إلى المسرح بعد توقف، ليقدّم "بخصوص الكرامة والشعب العنيد" (1993)، وهي مراجعة ساخرة لما سُمّي بالسلم الأهلي في لبنان، موجّهاً نقداً لاذعاً إلى أمراء الحرب وطبقة السياسيين الذين تقاسموا الغنائم على حساب الناس. أتبَعها في العام التالي بمسرحية "لولا فسحة الأمل" (1994)، التي شكّلت ختاماً لهذا الخط المسرحي، وقدّمت شخصيات مرهقة لا تملك إلا التعلّق بأمل ضئيل، استمراراً لمزاج زياد المتشائم والواقعي.

هذه الأعمال مجتمعة شكّلت قطيعة مع المسرح الغنائي التقليدي، وأسست لمسرح سياسي نقدي يعبّر عن نبض الشارع وتناقضاته، وعن جيل ضائع في مرمى الحرب يبحث عن خلاص حقيقي، لا في الخطابات ولا في الوعود. شكلت هذه المسرحيات محطة مفصلية في تاريخ المسرح اللبناني والعربي، إذ كسر زياد الرحباني بها القوالب الكلاسيكية وقدّم مسرحاً سياسياً واقعياً يتناول الهوية والانقسامات والفساد والمقاومة بجرأة غير معهودة.

منذ أغنية "سألوني الناس" (1973) تتابعت أعماله مع فيروز. كتب لها "أنا عندي حنين"، و"عندي ثقة فيك"، و"بعتلك"، و"ضاق خلقي"، و"سلملي عليه"، وغيرها من الأغنيات التي خرجت عن المألوف اللحني والنصي. لحّن لها ألبومات كاملة مثل "وحدن" (1979)، الذي حمل طابعاً عاطفياً، وألبوم "معرفتي فيك" (1987)، الذي أدخل إيقاعات الجاز إلى عالم فيروز. اعتبر كثير من النقاد أن هذه المرحلة أدخلت فيروز في مناخ موسيقي أكثر نضجاً وأقل براءة وأشد ارتباطاً باللحظة التاريخية. ورغم اعتراض بعض المحافظين على إدخال الجاز والبلوز والفانك إلى الطرب العربي، إلا أن هذه الجرأة كانت ما منح زياد فرادته ووسع من أفق الأغنية العربية.

إلى جانب ذلك، أصدر زياد أعمالاً موسيقية خاصة به نالت إعجاب شريحة واسعة من الجمهور، خاصة الشباب. من أبرزها مقطوعة "أبو علي" (1978) التي تمزج بين الفانك والتجريب السياسي، وألبوم "هدوء نسبي" (1985) الذي قدّم فيه توزيعاً موسيقياً يمزج الجاز بالموسيقى الشرقية، إضافة إلى ألبوم "مونودوز" (2006) الذي تضمّن أغاني بصوته وأصوات أخرى، عكست تجارب ذاتية ومزاجاً وجودياً سوداوياً.

بين عامي 1976 و1977، قدّم برنامجاً إذاعياً سياسياً ساخراً بعنوان "بعدنا طيبين، قولوا الله"، بالشراكة مع الصحافي جوزيف سماحة (1949 ــ 2007) والمخرج جان شمعون (1944 ــ 2017). شكّل البرنامج منصة هجومية ضد زعماء المليشيات اليمينية، فاتّهمهم زياد بقهر الفقراء والمتاجرة بمعاناتهم. لم يتردد في السخرية من الجميع، حتى في أشد لحظات الحرب، ما أظهر جرأته وقدرته على قول الحقيقة من دون مواربة.

كان انحياز زياد الرحباني الدائم إلى الفقراء والمظلومين بوصلة مواقفه كلها، ساند القضية الفلسطينية مبكراً، وأدان مجازر المخيمات، واعتبر مجزرة تل الزعتر عام 1976 نقطة تحوّل في مسيرته الفكرية، دفعته إلى ترك الانخراط المباشر في العمل الحزبي، من دون أن يتخلى عن قناعاته الشيوعية. في إحدى المناسبات، قال: "الشيوعي الحقيقي لا يترك الحزب إلا ليذهب إلى السجن أو إلى القبر"، تعبيراً عن مدى التزامه. وفي احتفال ذكرى الحزب الشيوعي اللبناني عام 2006، دعا إلى إعادة هيكلة الحزب والعودة إلى روحه الثورية الأولى. كان زياد الرحباني صوتاً وفكراً وذاكرة وموقفاً. كبر وهو يترك خلفه اليمين ويتجه نحو اليسار، يفتّش عن الجانب الأصدق في التاريخ. رأى في الشيوعية انحيازاً أخلاقياً للعدالة، وفي المقاومة ضد إسرائيل موقفاً صادقاً وليس شعاراً. كان في دعمه حقيقياً، وفي نقده لاذعاً.

 

####

 

وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني عن 69 عاماً

بيروت/ العربي الجديد

توفي الفنان الموسيقي والمسرحي اللبناني زياد الرحباني عن 69 عاماً اليوم السبت، بعد مسيرة فنية استثنائية امتدّت لنحو خمسة عقود، شكّل خلالها أحد أبرز الأصوات في الثقافة والموسيقى والمسرح العربي. زياد الرحباني، المولود في 1 يناير/كانون الثاني 1956، هو نجل المطربة فيروز والموسيقار الراحل عاصي الرحباني، لكنّه سلك خطاً فنياً وفكرياً خاصاً، تميّز بالنقد السياسي والاجتماعي اللاذع.

برز الرحباني في سنّ مبكرة، حين كتب مسرحية "سهرية" (1973) ولحّنها وهو في السابعة عشرة من عمره، قبل أن يُحقّق حضوراً جماهيرياً واسعاً من خلال أعمال مثل "نزل السرور" (1974)، و"بالنسبة لبكرا شو؟" (1978)، و"فيلم أميركي طويل" (1980)، و"شي فاشل" (1983)، و"بخصوص الكرامة والشعب العنيد" (1993)، و"لولا فسحة الأمل" (1994)، والتي حوّلت المسرح اللبناني إلى منبر سياسي واجتماعي يعكس واقع ما بعد الحرب الأهلية وتفكّك الدولة.

ولا يمكن الحديث عن الموسيقى العربية المعاصرة من دون التوقّف عند تجربة زياد الرحباني الذي شكّل، طوال أكثر من أربعة عقود، نبرةً متفرّدة. مزج ببراعة بين الموسيقى الشرقية وموسيقى الجاز والبلوز والفانك والموسيقى الكلاسيكية الغربية. كتب زياد الرحباني لوالدته فيروز ولحّن مجموعةً من الأغاني التي شكّلت تحوّلاً نوعياً في مسيرتها، وأدخلتها إلى فضاء جديد أكثر التصاقاً بالواقع والناس، بعيداً عن الصورة المثالية التي ارتبطت بها خلال فترة الأخوين رحباني. غنّت له فيروز: "كيفك إنت"، و"مش كاين هيك تكون"، و"عودك رنان"، و"قال قايل". ومن الأعمال الموسيقية الأخرى التي لحّنها لوالدته "أنا عندي حنين"، و"حبيتك تنسيت النوم"، و"سلّملي عليه"، و"سألوني الناس"، وغيرها من الأغاني التي طبعت مسيرة فيروز الغنائية.

تعاون أيضاً مع ماجدة الرومي ولطيفة، وشكلت ثنائيته مع جوزيف صقر (1942 ــ 1997) علامة فارقة. عام 2018، افتتح زياد الرحباني مهرجانات بيت الدين الدولية في استعراض موسيقي لأعمال له وللأخوين الرحباني تخللتها لقطات تمثيلية وتعليقات ساخرة. وقدّم على مدى نحو ساعتين نحو 26 مقطوعة موسيقية وأغنية مع فرقة كبيرة

تخطت شهرته لبنان إلى العالم العربي والعالم. كان إجمالاً، ولا سيما في شبابه، صاحب أفكار سياسية يسارية ومتمرداً، وكتب مقالات عدة في الصحافة المكتوبة.

تزوّج من دلال كرم، لكنّ زواجهما لم يدم. وجمعته قصة حب طويلة مع الممثلة اللبنانية كارمن لبس استمرت 15 عاماً، وانتهت بالفراق.

ونعى الرئيس اللبناني جوزاف عون الرحباني، قائلاً في بيان: "لم يكن زياد الرحباني مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافية متكاملة... كان ضميراً حيّاً، وصوتاً متمرّداً على الظلم، ومرآة صادقة للمعذبين والمهمّشين"، معتبراً أنه "كان يكتب وجع الناس، ويعزف على أوتار الحقيقة، من دون مواربة". وتوجّه بالتعزية إلى فيروز والعائلة الرحبانية "بهذه الخسارة الكبيرة".

وكتب رئيس الوزراء نواف سلام في منشور عبر منصة إكس: "بغياب زياد الرحباني، يفقد لبنان فناناً مبدعاً استثنائياً وصوتاً حرّاً ظل وفيّاً لقيم العدالة والكرامة". وأضاف أن زياد الرحباني قال "ما لم يجرؤ كثيرون على قوله بصراحة جارحة".

ونعاه وزير الثقافة في لبنان، غسان سلامة، على حسابه عبر منصة إكس حيث كتب: "كنا نخاف من هذا اليوم، لأننا كنا نعلم تفاقم حالته الصحية وتضاؤل رغبته في المعالجة. وتحوّلت الخطط لمداواته في لبنان أو في الخارج إلى مجرد أفكار بالية، لأن زياد لم يعد يجد القدرة على تصور العلاج والعمليات التي يقتضيها. رحم الله رحبانياً مبدعاً سنبكيه بينما نردّد أغنيات له لن تموت".

ولم تعرف بعد أسباب وفاته، لكن زياد الرحباني عانى خلال السنوات الأخيرة وعكات صحية عدّة أثّرت على نشاطه الفني.

 

العربي الجديد اللندنية في

26.07.2025

 
 
 
 
 

أسرار تصالح زياد الرحباني مع والدته فيروز.. وقصة تفكيره في الاعتزال

زياد الرحباني كشف أنه استخدم حيلة للتصالح تستخدمها والدته السيدة فيروز، حيث اتصل بها والتزم الصمت، وحين ردت أنهى القطيعة

القاهرة : أحمد الريدي

رحل زياد الرحباني، صباح اليوم السبت، مخلفًا حزنًا كبيرًا في الأوساط الفنية العربية، وذلك عن عمر يناهز 69 عامًا، وترك خلفه أعمالًا فنية خالدة. ولكن تظل أسرار علاقته بوالدته السيدة فيروز هي الجانب الأكثر إثارة في حياته، وخاصة القطيعة التي استمرت عامين بينهما وانتهت بالتصالح.

قضى زياد الرحباني في المستشفى بعد صراع مع المرض، وكانت حياته الفنية الطويلة حافلة بصراعات كبرى، تغلب على معظمها، فيما تغلبت عليه أخرى في بعض الأحيان.

روى الرحباني في لقاءات سابقة تفاصيل تلك المحطات، بداية من تلحينه لوالدته السيدة فيروز وعمره 14 عاما.

وكشف الرحباني أنه انتهى من وضع اللحن خصيصا لمروان محفوظ، وكانت هناك كلمات أخرى لهذا اللحن، قبل أن يستمع عمه منصور الرحباني إلى اللحن، ويصدر قرارًا مفاجئًا للجميع.

أخبره عمه أنه يريد اللحن من أجل السيدة فيروز، ليضع عليه كلمات أغنية "سألوني الناس"، لتبدو السيدة فيروز وكأنها تغنيها للراحل عاصي الرحباني، إذ تغني في ختام المقطع الأول: "لأول مرة ما بنكون سوا".

وحققت الأغنية نجاحًا كبيرًا للغاية بصوت السيدة فيروز، وكتب كلماتها منصور الرحباني، ووزعها إلياس الرحباني، ولحنها زياد، الذي أظهر قدرات غير عادية منذ بداياته المبكرة.

من بين اللحظات المؤلمة التي عانى منها زياد الرحباني، القطيعة التي وقعت بينه وبين والدته السيدة فيروز، واستمرت عامين، على خلفية المواقف السياسية المتباينة بينهما.

وكشف زياد الرحباني قبل 7 سنوات في لقاء تلفزيوني عن تصالحه مع والدته السيدة فيروز، موضحا أنها لم تكن السبب في الخصومة، وموضحا أن المصدر جاء من القائمين على إدارة أعمالها وقتذاك.

وأكد زياد الرحباني أنه استخدم حيلة للتصالح تستخدمها والدته، حينما ترغب في أن يجيب على اتصالاتها، إذ تتصل وتصمت من دون أن تتحدث، انتظارًا لحديثه هو.

قام زياد الرحباني بهذه الحيلة مع والدته، واتصل بها وصمت، وحينما بادرت السيدة فيروز بالحديث، أجابها بصيغة لبنانية تعني "وأخيرًا""، مُنهيًا عامين من القطيعة، مشيرًا إلى أن والدته عاتبته على القطيعة حينما التقى بها لاحقا.

وكشف أنه قرر أن ينهي الخلاف حينما استمع إلى الألبوم الأخير الذي طرحته والدته في ذلك الوقت، ثم بادر بالاتصال بها.

وخلال مشواره الفني، دخل زياد الرحباني في عزلة لمدة عامين، وقرر ألا يعمل مرة أخرى، وأصيب بالاكتئاب وفكر في الاعتزال، لكن الأمر انتهى لاحقًا.

وذكر الموسيقار الراحل أن ظروف العمل التي أحاطت به دفعته للتفكير في الاعتزال، بسبب الحياة المهنية الصعبة.

وانتهت تلك المرحلة في حياته، حينما وقع على عقد مع مهرجانات بيت الدين، التي تقام في لبنان في الصيف، ليخرج من حالة الحزن والاكتئاب.

وذكر زياد الرحباني أنه إنسان منظم على عكس ما يعتقده البعض، كما أن لديه هوسًا بالوقت، لذلك يحتفظ في كل غرفة من غرف بيته بساعة أو اثنتين من أجل ضبط الوقت.

وكان الراحل يعتبر أن الحرب الأهلية اللبنانية أضاعت الكثير من الوقت على الشعب، لذلك كان يحاول استغلال كل دقيقة على النحو الأمثل.

 

####

 

أبرز أعمال ومحطات زياد الرحباني الفنية

الفنان اللبناني تنوعت أعماله بين التأليف الموسيقي والعزف والكتابة المسرحية والتمثيل وأبرز المجددين في الأغنية اللبنانية والمسرح السياسي الساخر

مصر - القاهرة - أسماء عبد المجيد

توفي الفنان والملحن والمسرحي اللبناني زياد الرحباني عن عمر يناهز 69 عاما، في أحد مستشفيات بيروت، اليوم السبت، بعد معاناة مع المرض، بعد مسيرة فنية تركت بصمة عميقة في الموسيقى والمسرح.

زياد الرحباني هو نجل الفنانة فيروز، والمؤلف الموسيقي والمسرحي والشاعر الراحل عاصي الرحباني. ولد عام 1956 وبدأ مشواره في سن الـ17، لكنه اختار لنفسه طريقًا فنيًا مستقلًا وناقدًا، أقرب إلى نبض الشارع وهموم المواطنين اللبنانيين.

تنوعت أعماله بين التأليف الموسيقي والعزف والكتابة المسرحية والتمثيل وتعاون مع عدد كبير من الفنانين من بينهم والدته فيروز.

واشتهر زياد الرحباني بموسيقاه ومسرحياته السياسية والاجتماعية الناقدة. وتميزت مسرحياته بلغتها العامية الساخرة، وبطرحها المباشر لقضايا الحرب، والطائفية، والطبقية، والفساد.

كان زياد الرحباني كاتبا وملحنا وموسيقيا ومسرحيا عاشقا للفن. أضحك الجمهور كثيرا بنقد ساخر، لكنه حاكى به الواقع اللبناني المرير الذي يعاني من الانقسامات الطائفية والعصبيات والتقاليد.. ولم ينجُ من انتقاداته، لا سيما في سنوات تألقه الأولى، حتى فن والديه التقليدي والفولكلوري.

ويعد زياد الرحباني أحد أبرز المجددين في الأغنية اللبنانية والمسرح السياسي الساخر. مزج زياد بين الجاز والموسيقى الشرقية، وقدم أعمالا مختلفة من حيث التوزيع والأسلوب.

اكتُشفت موهبة زياد الموسيقية في طفولته، إذ كان والده يستشيره في الألحان منذ أن كان في السادسة من عمره. ومع مرور الوقت، بات يؤلف ألحانه الخاصة، حتى قدم أول لحن لوالدته فيروز وهو في الـ17 من عمره، وكانت الأغنية الشهيرة «سألوني الناس»، التي جاءت تعبيرًا عن غياب والده عاصي خلال فترة مرضه.

بدأ زياد مسيرته الفنية مطلع السبعينيات، حين قدم أولى مسرحياته الشهيرة "سهرية". في العام 1980، حصدت مسرحية "فيلم أميركي طويل" التي كانت وقائعها تجري في مستشفى للأمراض العقلية نجاحا منقطع النظير، وقد اختصر فيها مشاكل المجتمع اللبناني وطوائفه التي كانت تغذّي آنذاك نار الحرب الأهلية.

كتب زياد الرحباني ولحن لاحقا لوالدته الفنانة فيروز العديد من الأعمال. أبرزها "كيفك إنت"، و"ولا كيف"، و"عودك رنان". كما لحن أيضا لغيرها من الفنانين الذين عملوا معه. كما ألّف العديد من المقاطع الموسيقية.

ومن أبرز أغنيات زياد التي أداها بصوته: الحالة تعبانة، ودلّوني عالعينين السّود، وبلا ولا شي، وعايشه وحده بلاك، واسمع يا رضا، والبوسطة، وبصراحة.

في العام 2018، افتتح زياد الرحباني مهرجانات بيت الدين الدولية في استعراض موسيقي لأعمال له وللأخوين الرحباني تخللتها لقطات تمثيلية وتعليقات ساخرة. وقدّم على مدى نحو ساعتين حوالي 26 مقطوعة موسيقية وأغنية مع فرقة كبيرة.

انطلق زياد الرحباني مغردا في فضاء الإبداع، في التأليف والتلحين والإخراج، عبر عشرات الأعمال الموسيقية والمسرحية التي تميزت بجرأتها وقوة تأثيرها وتميزها الفني، سواء على مستوى الكتابة التي مزجت بين النقد السياسي والسخرية الاجتماعية بعمق وفكاهة، أم التلحين الموسيقي المتميز.

ورغم العزلة الفنية نسبياً في السنوات الأخيرة، فقد ظل محتفظًا بمكانة فنية رفيعة لدى فئة واسعة من الجمهور، ويبقى رحيل زياد الرحباني خسارة كبرى للثقافة اللبنانية والعربية.

 

####

 

وفاة الفنان زياد الرحباني عن عمر 69 عامًا

زياد الرحباني هو نجل الفنانة الكبيرة فيروز والراحل عاصي الرحباني ويُعد أحد أبرز المجددين في الأغنية اللبنانية والمسرح السياسي الساخر

لبنان - العربية.نت ووكالات

غيّب الموت، السبت، الفنان اللبناني زياد الرحباني عن عمر ناهز 69 عاما، بعد معاناة مع المرض في أحد مستشفيات بيروت، عقب مسيرة فنية تركت بصمة عميقة في الموسيقى والمسرح، على ما أفادت "الوكالة الوطنية للإعلام".

وزياد الرحباني هو نجل السيدة فيروز والراحل عاصي الرحباني ويُعد أحد أبرز المجددين في الأغنية اللبنانية والمسرح السياسي الساخر. بدأ مسيرته الفنية مطلع السبعينيات، حين قدم أولى مسرحياته الشهيرة "سهرية"، وكتب ولحن لاحقًا لوالدته فيروز.

تميزت أعماله المسرحية بالكثير من النقد السياسي والاجتماعي المصاحب للفكاهة وخفة الظل.

اشتهر زياد بمسرحياته التي عكست الواقع اللبناني بأسلوب ساخر وذكي، حيث تميّزت أعماله بالجرأة والتحليل العميق للمجتمع، إلى جانب موسيقاه الحديثة التي أدخلت عناصر الجاز والأنماط الغربية إلى النغمة الشرقية بأسلوب طليعي.

كما عُرف بمواقفه السياسية الواضحة، وجعل من أعماله منبرًا يعكس قضايا الإنسان العربي في ظل الحرب، والقمع، والتناقضات الاجتماعية.

زياد الرحباني الذي ولد في 1 يناير (كانون الثاني) عام 1956 لحن ووزع العديد من الأغاني لوالدته السيدة فيروز، شكلت مرحلة جديدة ومختلفة في مسيرتها الفنية، إضافة إلى تعاونه مع عدد من الفنانين.

وقد نعاه الرئيس اللبناني جوزيف عون في تدوينة على منصة إكس قائلا "زياد الرحباني لم يكن مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافية متكاملة، وأكثر.. كان ضميرا حيا، وصوتا متمردا على الظلم، ومرآة صادقة".

وكتب رئيس الوزراء نواف سلام "بغياب زياد الرحباني، يفقد لبنان فنانا مبدعا استثنائيا وصوتا حرا ظل وفيا لقيم العدالة والكرامة. زياد جسد التزاما عميقا بقضايا الإنسان والوطن".

وأضاف "من على خشبة المسرح، وفي الموسيقى والكلمة، قال زياد ما لم يجرؤ كثيرون على قوله، ولامس آمال اللبنانيين وآلامهم على مدى عقود".

كما رثاه وزير الثقافة غسان سلامة قائلا "كنا نخاف من هذا اليوم لأننا كنا نعلم تفاقم حالته الصحية وتضاؤل رغبته في المعالجة. وتحولت الخطط لمداواته في لبنان أو في الخارج إلى مجرد أفكار بالية لأن زياد لم يعد يجد القدرة على تصور العلاج والعمليات التي يقتضيها. رحم الله رحبانيا مبدعا سنبكيه بينما نردد أغنيات له لن تموت".

 

العربية نت السعودية في

26.07.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004