أريد حلاً

إنتاج عام 1975

 
 
 

نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 14 أبريل 1993

 
 
 
 

بطاقة الفيلم

 

فاتن حمامة + رشدي أباظة + ليلى طاهر + رجاء حسين + أمينة رزق

سيناريو: سعيد مرزوق ـ حوار: سعد الدين وهبة ـ قصة: حسن شاه ـ تصوير: مصطفى إمام ـ مناظر: ماهر عبد النور ـ موسيقى: جمال سلامة ـ مونتاج: سعيد الشيخ ـ إنتاج: أفلام صلاح ذو الفقار

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

أريد حلاً

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

يعد فيلم (أريد حلاً)، الذي أنتج عام 1975، واحداً من العلامات البارزة، ليس في مشوار الفنانة فاتن حمامة.. بل هو يعد من أنجح أفلام مخرجه الراحل سعيد مرزوق..!!

ويأتي فيلم (أريد حلاً - 1975) ليضع سعيد مرزوق أمام تحد مباشر وخطير، لما يسمى بالمعادلة الصعبة.. أي الفيلم الجماهيري الجاد.. وهي قضية تشغل العديد من مخرجي السينما المصرية.

يقول سعيد مرزوق: (...أستطيع أن أقول أنني مع "أريد حلاً" قد اخترت صيغة صعبة، تسمى بالمعادلة الصعبة، وهي عبارة عن تقديم مواضيع جادة، إنما تهم كل الناس، وأسلوب شكلي محترم، إنما لا يتضايق منه أحد، وتحقيق ذلك هو الصعوبة بالتحديد، فالخيط بين العمل الجاد وبين تحوله عن جديته رغم وضوحه، يظل خيطاً رفيعاُ، وعلى المخرج دوماً أن يعرف كيف يحفظه!!...).(5)

وربما نتفق مع سعيد مرزوق قليلاً فيما قاله.. ولكنه عندما قدم الفيلم الجماهيري، قد وضع نفسه في تحد كبير ومباشر، واختار أن يقدم الفيلم الجماهيري، متخلياً بذلك عن الكثير من لغته السينمائية.. علماً بأنه في هذا الفيلم قد ناقش - بشكل جاد - مشاكل المرأة العربية وحقوقها، مع محاولته إبراز الظروف القمعية التي تعيشها في ظل القوانين الوضعية.

إن فيلم (أريد حلاً) يعتبر أول حوار وجدل بين السينما وقانون الأحوال الشخصية، فهو يفجر قضية اجتماعية بالغة الخطورة وهي الطلاق. وتكمن الخطورة في أن مرزوق قد ناقش حق المرأة في طلب الطلاق، بل وقف بجانبها في المطالبة بان تعامل كانسان مكتمل له الحرية الكاملة في تقرير مصيره. كما انه حاول الكشف عن الثغرات التي يحتويها قانون الأحوال الشخصية.

قصة الفيلم كتبتها الصحفية حُسن شاه باتفاق مع الفنانة فاتن حمامة، التي بدورها رشحت سعيد مرزوق لإخراجها. وبعد مشاورات طويلة مع المخرج وافق بشرط أن يعيد الصياغة عند كتابته للسيناريو. وقد اعتمد في ذلك على ملفات وكتب قانونية وزيارات متكررة قام بها طوال ثلاثة أشهر لقاعات المحاكم، كان خلالها يحضر الجلسات ليدرس ويراقب ما يدور فيها.

ويتحدث سعيد مرزوق عن الفيلم، فيقول: (...أردت من العمل أن يكون حقيقياً، بمعنى أن علي أن أكون واقعياً وصادقاً. وأدركت أن أي خطأ قانوني، قد يعرض العمل إلى الضياع، والظهور بمظهر الملفق، المهتم بالحدوته الميلودرامية البعيدة عن الحقيقة. هذا يعني أنني أخذت بعين الاعتبار، التحضير للعمل بتؤدة قبل المباشرة به. وقد اعتمدت على الكتب القانونية، التي صففتها أمامي، مطالعاً كل ما يتعلق بشئون الأحوال الشخصية والمذاهب المتعلقة بها، ووجدت أن الإسلام قد حدد أموراً واضحة فيما يتعلق بموضوعي، إنما تطبيقها أمر آخر!!...).(5)

كل هذا - بالطبع - يحسب لصالح سعيد مرزوق كمخرج ملتزم وواع بدور السينما الاجتماعي وتأثيرها الجماهيري، لكننا إذا نظرنا إلى السيناريو الذي قدمه فسنجد انه قد افتقر إلى رسم دقيق لأعماق شخصياته. فالفيلم يطرح قضيته من خلال ثلاث نماذج نسائية.. الأولى وهي صاحبة القصة الرئيسية (فاتن حمامة)، والتي ترفع قضية طلاق ضد زوجها (رشدي أباظة) الرافض لطلبها هذا. فتبدأ رحلتها الشاقة في سبيل انتزاع حقها في نيل حريتها، مستنجدة في ذلك بقانون الأحوال الشخصية. لكنها تخسر القضية أمام قانون جامد وضعه الرجل نفسه ليعطيه الحق في النيل من حرية المرأة وكرامتها.

وبالرغم من إن هذه القصة هي الرئيسية في الفيلم، إلا أن السيناريو قد اهتم بصاحبتها اهتماما شكلياً فقط، بل ومبالغاً أحياناً في تجسيد معاناتها وانفعالاتها. كما انه لم يستطع تقديم صورة واضحة لشخصية الزوج، وتعامل معها بشكل سطحي غير مقنع، بل لم يحاول الدخول في أعماق تلك الشخصية وتجسيد الجوانب التي تجعلها شخصية منبوذة من قبل شخصية الزوجة ومن المتفرج أيضا، يبرر للبطلة الاستماتة في طلب الطلاق بهذا الشكل الصارخ. واكتفى فقط بالإشارة إلى أن الزوج رجل شرير، أناني، شهواني وزير نساء، يتردد على أماكن اللهو مع عشيقاته.. فهل هذا يكفي لخلق شخصية مكروهة من المتفرج العربي للرجل العربي؟ هذا إضافة إلى أن السيناريو قد وقع في منزلق مدمر، عندما فاجأنا بعلاقة حب غير مبررة بين بطلته وصديق أخيها، الأمر الذي أدى إلى تقليل تعاطف المتفرج مع البطلة، والتي تخوض معركة مصيرية. علماً بان شخصية البديل هذا جاءت شخصية باهتة وسطحية أيضا، حيث من المفترض أن تتميز تميزاً حقيقياً عن شخصية الزوج، ولكنها بدت شخصية تفتقد إلى الكثير من العمق والحيوية.

أما النموذجان النسائيان الآخران، فقد تعرفنا عليهما في المحكمة من خلال تواجد بطلة القصة الأولى هناك. فنحن منذ الدخول الأول للمحكمة نجدها مكاناً بائساً ومزدحماً، يكتظ بنماذج نسائية منهكة تبدو على وجوهها علامات القهر والظلم. حيث تتحرك الكاميرا بسرعة خاطفة لتنقل لنا عشرات الوجوه لنساء فقيرات ومتشحات بالسواد، الأمر الذي جعل بطلة الفيلم الأنيقة تبدو كجسم غريب وسط طوفان المعدمات البائسات. ومن بين قاعات وزوايا المحكمة يختار سعيد مرزوق وجهين من هذه الوجوه.

الأول لمطلقة شابة (سعاد حسين) تحاول الحصول على نفقة لتربية طفليها من زوج لا يبين الفيلم لماذا طلقها. وأمام التأجيل المتواصل لقضيتها لا تستطيع الصمود أمام مغريات القواد (سيد زيان) الذي يطاردها فتنحرف بدوافع الجوع والخوف من المستقبل وتستسلم له في النهاية.

أما الوجه الثاني فهو مأساة واقعية لسيدة كبيرة في السن (أمينة رزق) طلقها زوجها بعد عشرة دامت ثلاثون عاماً ليتزوج بفتاة صغيرة. ترفع هذه السيدة قضية نفقة عندما تجد نفسها عرضة للجوع والتسول بعد أن أنفقت مؤخر الصداق، إلا أنها تخسر القضية بعد تأجيلات عديدة مع مطالبة المحكمة لها بدفع المصاريف كاملة. ورغم ذلك ترفع قضية جديدة لكن الموت لا يمهلها لتسمع حكم القاضي فيها. وقد جاء موتها هذا ليكون من أصدق وأقوى الطعنات الموجهة إلى قانون الأحوال الشخصية.

يقول سعيد مرزوق: (...شخصية أمينة رزق هي إحدى الشخصيات التي اكتشفتها أثناء تردادي للمحكمة، مشكلتها كانت تماماً نفس المشكلة المعروضة في الفيلم، وكذلك شخصية القواد...).(5)

من الملاحظ هنا، في فيلم (أريد حلاً)، بان القصة الرئيسية والتي أخذت الحيز الأكبر من الوقت قدمت بشكل سطحي غير مدروس، بينما كانت القصتان الثانويتان أكثر عمقاً ومصداقية، وان صدقهما هذا قد أدى إلى كشف زيف وإدعاء القصة الرئيسية.

بالنسبة للإخراج فانه من المؤسف حقاً أن نقول بان سعيد مرزوق في فيلمه هذا لم يوظف إمكانياته الفنية والتقنية للارتقاء بالمستوى الإبداعي الفني للفيلم. إلا انه من الجدير الإشارة إلى أن المشاهد التي قدمها داخل المحكمة، والتي تعد من أفضل وأصدق مشاهد الفيلم على الإطلاق، حيث قدم لنا محكمة حقيقية وخرج بكاميرته من سجن الأستوديو وتحرر من زيفه وضعف إمكانياته في تجسيد الصدق والواقعية. كما يتضح منذ الوهلة الأولى نشاط الكاميرا الملحوظ في حركتها بين صاحبات قضية المرأة الحقيقيات بصدق وحرارة، تذكرنا بحركتها في بناية سعيد مرزوق في فيلمه (الخوف). بينما تبدو الكاميرا عاجزة في تصويرها لقصة فاتن حمامة الرئيسية، لدرجة إنها تنقل ما يدور أمامها من ثرثرة وانفعالات من خلال كادر واحد وثابت طويل وممل وكأنه مشهد مسرحي. مما ساهم في بطء السرد الدرامي وافتقاد الفيلم لعنصر التشويق، والشعور بالملل في أحيان كثيرة.

يبقى أن نقول بان سعيد مرزوق لم يظهر بمستواه السابق لتقديم رؤية إبداعية جديدة في هذا الفيلم، وإنما اعتمد على نمط الإنتاج السينمائي التقليدي التجاري، وساعده على نجاح الفيلم تجارياً قوة الموضوع وجرأته، وقيام الفنانة الكبيرة فاتن حمامة بالبطولة، حيث استمر عرضه خمسة عشر أسبوعاً.

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004