كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"مسافرو الحرب"..

ماتريوشكا الحرب السورية

أحمد شوقي

أيام قرطاج السينمائية

التاسعة والعشرون

   
 
 
 
 

من هم "مسافرو الحرب"؟ سؤال يبدو للوهلة الأولى بديهيًا لا يستحق التوقف عندما يتعلق الأمر بفيلم المخرج جود سعيد الجديد، والذي تستضيف أيام قرطاج السينمائية التاسعة والعشرين عرضه العالمي الأول ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة. فيلم بهذا العنوان يحمل ملصقه الرسمي صورة بطل الفيلم يحمل حقائبه ويقول ملخصه أن الحكاية تتابع "بهاء" الذي يتقاعد ويقرر الرحيل عن حلب الممزقة بالحرب. تبدو هذه أمور كافية للإجابة عن السؤال، إلا أن مشاهدة الفيلم نفسه تمنحنا رأيًا مختلفًا، وأفقًا أوسع، ونظرة مغايرة لهوية المقصود بمسافري الحرب.

الحرب تجربة بشعة، بالغة التعقد، يصعب حصرها في وجه واحد أو حتى عدة أوجه. من تضطره الظروف لترك بيته والبحث عن ملاذ آمن هو بالتأكيد مسافر، لكن كل من يتعرض للحرب هو بشكل أو بآخر أحد مسافريها وإن لم يغادر مكانه. وبينما تأتينا دائمًا الأخبار حاملة أرقام ضخمة، صماء، تُلخص حياة إنسان في كونه رقمًا ضمن القتلى أو النازحين، وتُصنف البشر في صفوف ومعسكرات بالأبيض والأسود، تبدو الحقيقة أكثر تعقيدًا، فالحكاية الكبرى تتفتت قصصًا أصغر وأصغر، والحيوات تتقاطع، والنفوس تتغير وتتلون في خبرة عسيرة يظهر خلالها، وفي الوقت عينه، أنبل وأحط ما في نفوس البشر.

قصة الحرب إذن، ووفقًا لفيلم جود سعيد، أشبه بالماتريوشكا، الدمى الروسية التي تحمل كل منها نسخة أصغر فأصغر. لا حكاية تتم بمعزل عن الإخرى، وإن كان الدافع الدائم هو نجاة الإنسان بنفسه أولًا وبمن يحب ثانيًا من الجحيم المحيط. لذا فإن صانع الفيلم يُدرك ـ ببراعة في شكل السرد ومحتواه ـ أن بطله بهاء (أيمن زيدان بأداء يستحق التحية) هو كل شيء ولا شيء، هو مجرد واحد بين الملايين من "مسافري الحرب"، وهو حياة إنسانية تستحق أن يدافع عنها صاحبها حتى الرمق الأخير، هو دمية ماتريوشكا تمثل في إحدى الرؤية القصصية بطلًا أوحد في حياة من حوله، وفي الأخرى شخصية رئيسية من بين شخصيات عديدة، وفي رؤية ثالثة مجرد أحد العوام المجهولين، الذين نقرأ عن موتهم بالجملة، دون تفاصيل أو أسماء.

هذا الفهم يجعل من "مسافرو الحرب" أحد أكثر الأفلام الروائية التي تناولت الشأن السوري نضجًا، ليس فقط لأن صاحبها لا يشغل نفسه كثيرًا بالاستقطاب السياسي والتقسيمات وإلقاء اللوم على هذا الجانب أو ذاك، لكن لأنه أيضًا استفاد من خبرة السنوات المؤلمة لصياغة حكاية هي ـ بخلاف خفة ظلها وإحكام عناصرها البصرية ـ يصعب الاختلاف حولها

ما يجمع أكثر مما يُفرق

في الأرض الخراب، ولحظات الكوارث وما بعدها، تفقد الإنسانية تراثها الحضاري وتعود لحالة أولية، يكافح كل من فيها مستخدمًا ما يملك من قدرات ودهاء من أجل البقاء، وكلٌ يسير وفق بوصلته الأخلاقية فيولد من بين المسافرين المسيح ويهوذا، البطل والخائن، الإنسان والضبع. ينفك العقد الاجتماعي ويُعاد تأسيسه وفقًا لحسابات القوى التي يجيد جود سعيد تقديمها من خلال القرية التي يلوذ بها المسافرون ليؤسسوا مجتمعهم الجديد؛ لتكون حكاية هذه المجموعة من البشر هي قراءة ذكية وعميقة على خفوتها، لما وقع في سوريا، وتنبؤ بما قد نراه في السنوات المقبلة.

البلطجي الذي يجد غياب السلطة فرصة لاستغلال حاجات البشر في تحقيق المزيد من المكاسب، ضعاف النفوس المستعدين للإتجار حتى بعرضهم من أجل الصعود، والبشر الحقيقيون، المخلصون، المستعدون للتضحية من أجل الغير، والتنازل حتى عما دفعوا ثمنه من أجل تصورهم الأولي ـ والصادق ـ عن الشرف والأخلاق التي يجب أن يضعها المحك في الصدارة، لا يؤخر ترتيبها لحساب المكاسب الفردية الرخيصة.

يخبرنا "مسافرو الحرب" دون خطابة أو صوتٍ عالٍ أن الخير داخلنا وإن توارى تحت ركام البيوت المهدمة والمخاوف المتصاعدة، يخبرنا أنه حتى في أحلك اللحظات يظل الإنسان ـ وليس السوري فقط ـ قادرًا على الحب، على "أن يرى العالم بطريقة مختلفة عما سواه"، كما يقولها البطل بهاء لرفيقه الشاب الذي لا يفوق طيبته البالغة حد السذاجة سوى خفة ظله وقدرته على غزو القلوب، بالحب.

لوحات وأصوات

المخرج جود سعيد يأخذ خطوات للأمام على مستوى الصنعة، سواء باختيار هذا النوع من النصوص تحديدًا (السيناريو لأيمن زيدان وسماح القتال وجود سعيد)، أو بصياغة الموضوع المهم في حكاية مشوقة خفيفة الظل متقنة العناصر، ومن بينها يستحق الديكور والتصوير تنويهًا خاصًا، التصوير لما يحققه من غرض مقصود بأن تكون كل لقطة في الفيلم أشبه باللوحة في تكوينها وصياغتها اللونية، والديكور لدوره السردي الذي يتضح أكثر في نهاية الفيلم عندما نفهم حقيقة حكاية الضيعة التي تُسيطر على نصف زمن الفيلم تقريبًا

كذلك يُتقن المخرج ـ للمرة الأولى ربما بهذا القدر من النجاح ـ التعامل مع شريط الصوت، وهو أحد المشكلات الكبرى في السينما الروائية السورية المعاصرة التي لا تزال تتعامل مع الموسيقى التصويرية بطريقة آتية من الستينيات كأداة لتوكيد بل وتحريك المشاعر وإن لم يحمل المشهد ما يوازي ملحمية موسيقاه. في "مسافرو الحرب" موسيقى سمير كويفاتي في محلها أغلب الوقت، دون إسهاب أو استجداء، وبناء المؤثرات والأصوات عمومًا في شريط الصوت الذي صممته رنا عيد ـ وهي ربما الأفضل بالمجال في العالم العربي حاليًا ـ بتوازن يلائم روح الفانتازيا دون أن يسقط في فخ كاريكاتورية تفقد الحكاية حميميتها.

وبينما يبدو موضوع الفيلم ـ كأي عمل سوري في السنوات الأخيرة ـ كئيبًا محبطًا عند سماعه ملخصًا، فإن المواهب المساهمة في "مسافرو الحرب" جعلت من ناتجه النهائي واحدًا أكثر الأفلام السورية بهجة وتفاؤلًا وإن أظهر العكس. فمن يمكنه أن يحب في أحلك الظروف، لم ولن يموت وإن طالت المعاناة.

موقع "في الفن" في

09.11.2018

 
 

"أمل" والأحلام المعلَّقة

نديم جرجوره

اسمها أمل جمال. ببلوغها 16 عامًا، تنخرط في "ثورة 25 يناير" (2011) المصرية. يحدث هذا عام 2013. تريد أن تكون في الشارع، لأن الشارع مرآة التبدّل، وحكاية التغيير، وحيّز الثورة السلمية المدنية. الشاب محمد صيام يحمل الكاميرا كي يُرافقها في محطاتٍ مختلفة في سيرتها المتلازمة وسيرة الثورة المُجهَضة باكرًا. 16 عامًا عمرٌ مليء بالتوتر والغضب والتمرّد والرغبة في تغيير العالم سريعًا. عمرٌ مشحون بكمّ هائل من الأحلام والمثاليات، من دون ابتعاد مفرط عن واقع ونبضه. لكن صيام سيبقى مع أمل حتى بلوغها 19 عامًا، كي يكتشفا معًا تحوّلات وارتباكات شتّى في روح الثورة وجسدها، كما في روح أمل نفسها وأحلامها و"أمنياتها". 

يروي محمد صيام حكاية أمل جمال بين عامي 2013 و2016. يستعيد أشرطة "فيديو منزلي" عن حفلات عيد ميلاد أمل وأمّها، أو عن رحلة ونُزهات. يتابع انفعالاتها وتخبّطاتها ورغباتها ونضجها وارتباطها بأحلام وهواجس. يتابع تبدّلاتها أيضًا، فأمل تنتقل من حالة إلى أخرى، وبعض الحالات تتناقض في ما بينها، كأنها ـ بانتقالها هذا ـ تحاول اكتشاف مزيدٍ من خفايا ذاتها وروحها، أو كأنها تعكس بعض تقلّبات الثورة وانهياراتها. فهي، بانقلابها مع المنقلبين على نظام فاسد وقامع ووحشيّ، تذهب بعيدًا في المواجهة، وتمنع والدتها من أي كلام، فهي (أمل) "تتهمها" بأنها غير منخرطة في الثورة، والأم تقول عكس ذلك، في نقاشٍ يتناول الثورة وحراكها، والنظام وطغيان حضوره، والانتخابات الرئاسية الأولى "تفرض" على المصريين اختيار نموذجٍ يُمكن أن يكون تغييريًا لكنه لن يُلائم الجميع، أو استمرار "الفلول". 

لكن والد أمل، المتوفّى قبل اندلاع الثورة بأعوام قليلة، شرطيٌّ سابق. يظهر سريعًا في لقطاتٍ من الوثائقي "أمل" (2017، إنتاج ميريام ساسين من "أبّوط للإنتاج" ومحمد صيام من ArtKhana، بدعم تمويلي من "مؤسّسة الدوحة للأفلام" و"الصندوق العربي للثقافة والفنون ـ آفاق" و"مؤسّسة الشاشة في بيروت" وغيرها) لمحمد صيام، الذي يفتتح الدورة الـ30 (15 ـ 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017) لـ"مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية"، والمُشارك حاليًا في مسابقة الأفلام الوثائقية في الدورة الـ29 (4 ـ 10 نوفمبر 2018) لـ"أيام قرطاج السينمائية" (تونس). الأب حاضرٌ بصوته في أفلام "الفيديو المنزلي"، لكنه صوتٌ هادئ وحنون رغم ضخامته. أمل تنقضّ على المؤسّسة الأمنية وتواجه أفرادًا منها في الشارع لحظة الثورة، لكنها لاحقًا ستُخبر صديقة لها عن رغبةٍ في الانتساب إلى جهاز الشرطة، فـ"أن تكوني داخل الشرطة غير أن تكوني خارجها"، كما تقول أمل، فتُفاجأ الصديقة وتسأل عما ستفعله أمل إنْ تجد نفسها كشرطية في مواجهة من يُشبهها الآن: "سأكون في المكتب أصلاً. الشرطيات لن ينزلن إلى الشارع". 

تبدّلات متناقضة تعيشها أمل: الشابّة المتحرّرة والمتمرّدة على الأهل والنظام والبلد، والمنتفضة على رفاقٍ يطلبون منها العودة إلى منزلها قبل منتصف الليل لأنها فتاة، والصاخبة في تحدّي رجال الشرطة، والعاشقة رياضة الركض، والمصدومة بمقتل أول حبيبٍ لها أثناء أحد الصدامات اللاحقة للـ"18 يومًا" الأولى. الشابّة هذه "تخضع" لاحقًا لشابٍ تُحبّه، فترتدي الحجاب (خصوصًا بعد مرحلة الصدامات العنيفة ضد "الإخوان المسلمين")، وتقنع بعيشٍ تقليدي وهي في عامها الـ18. تبدّلات متناقضة لن تحول دون تمسّكها بشيء من عفوية وصدق وقناعة. فهي تزور أهل والدها، وتزور قبر والدها، وتُفكِّر بكيفية ترميم المقبرة، وتدرس، وتجلس في مقهى مع صديقة. تبدّلات متناقضة، كأنها هي نفسها تبدّلات ثورة ستُجْهَض، وسيتمّ الانقلاب عليها، وستُصَادَر، وستُمنع من إكمال خطّها العفوي المدني السلميّ. 

تقول أمل "إنّ الناس خائفين"، وإنهم معرّضون للخيانة (إنْضَحَك عليهم). هذا قول يعكس مرارة وألمًا. يبوح بشيء من حسرةٍ تُفسِّر معنى التبدّلات التي تمرّ بها أمل جمال في 4 أعوام فقط، هي أيضًا أعوام حراك ثوريّ مُحبَط ومسروق. صخبها في مواجهة والدتها يتحوّل إلى قبولٍ بزواج تقليدي لتأسيسٍ عاديّ لعائلة عادية. فرح الطفولة مع الوالدين يُصبح نوعًا من قهرٍ ووجع ليس بسبب غياب أبٍ أو انكسار حلم، بل ربما لأن حجم الانقلاب على الانقلاب أكبر من أن يُستوعَب بالنسبة إلى أمل تحديدًا، رغم امتلاكها وعيًّا حيويًا في عمرٍ صغير، وبالنسبة إلى كثيرين. ارتداء الحجاب (18 عامًا) ثم خلعه (19 عامًا) انعكاسٌ لارتباكٍ إزاء تحوّلات تحصل في الاجتماع والشارع وبين الناس. مشاركتها في "ثورة" سلمية تواجِه أجهزة قمع وتسلّط (في السياسة والأمن والاقتصاد)، ثم إعلان رغبة في الانخراط في جهاز الشرطة لأسبابٍ غير مُعلنة بوضوح بل بمواربة (حماية، حصانة، سلطة، وظيفة تؤمن عيشًا أفضل؟)، انعكاسٌ للارتباك نفسه. 

تقول أمل ذات لحظة إن حلمًا يُراودها دائمًا يتمثّل بعودة والدها إليها للاحتفال معها بعيد ميلادها. تحلم به حاملاً الكاميرا ومُصوِّرًا وقائع الحفلة المنزلية المتواضعة. تسمعه يسألها أمنية، فتتسمّر في مكانها عاجزة عن ذلك، لأنها غير عارفة ما الذي تتمنّاه. تريد، فقط، أن تحتفظ بالذكرى. تقول أمل هذا كلّه أمام كاميرا لن تنظر إليها ولن تتفوّه أمام عدستها بشيء، فالصوت صوتها وهو آتٍ من مكان آخر. والصورة صورتها وإنْ تبقى صامتةً أمام العدسة. تنتقل الكاميرا معها إلى الملعب، فالبداية منطلقة من الملعب نفسه. وفي النهاية، ستُظهِر أمل ابتسامةً تبقى غامضة، أو كأنها توحي بغموضٍ ما. وهو إيحاء بهيّ. 

مع محمد صيام، ترسم أمل جمال لوحاتٍ جميلة وقاسية وملوّنة وغامقة عن أعوام قليلة من عمرها، وعن أحوال "ثورة" مُغيَّبة، وعن انفعالات عمرٍ متبدِّل.

####

قاسم عبد: "السينما قدري ومعشوقتي التي لا ترحم"

حاوره علاء المفرجي

للمخرج والمنتج البريطاني، العراقي الأصل، قاسم عبد حضور متميّز منذ عام 2003. خرّيج "معهد الفنون الجميلة" في بغداد، حصل على شهادة ماجيستر من "معهد التصوير السينمائي" في موسكو. عام 1982، انتقل إلى لندن حيث يعيش ويعمل كمخرج. شارك في تأسيس "الكلية المستقلّة للسينما والتلفزيون" غير الربحية في بغداد. عضو لجان تحكيم في مهرجانات سينمائية عديدة، وحائز على جوائز مختلفة، أهمّها جائزة أفضل فيلم في "مهرجان ميونيخ الدولي للأفلام الوثائقية" عن "حياة ما بعد السقوط". له مجموعة من الأفلام الوثائقية، كـ"وسط حقول الذرة الغريبة" و"ناجي العلي، فنان ذو رؤيا" و"حاجز سورد" و"همس المدن".

في حواره مع "العربي الجديد"، يتناول عبد أحوال العراق والسينما فيه، ومعاني الوطن والغربة والمنافي والاشتغالات.

·        (*) ما هو موضوع فيلمك الأخير "مرايا الشتات"؟ 

ـ إنه فيلم وثائقي طويل، مدّته 88 دقيقة، وهو يتناول مواضيع المنفى والوطن والهوية والذاكرة والديكتاتورية والحرب، من خلال حياة وقصص وتجارب وإبداع 7 فنانين عراقيين يعيشون خارج بلدهم منذ نحو نصف قرن. يتطرّق لتحدّيات وصعوبات يواجهها هؤلاء منذ أن كانوا طلابًا يدرسون الفن في المعاهد الإيطالية، ويرسمون في ساحات المدن الإيطالية "بورتريهات" و"كاريكاتورات"، إلى أن أصبحوا معروفين في المجال الفني. 

سؤالان جوهريان يطرحهما الفيلم: ماذا يعني أن تقضي معظم حياتك في المنفى؟ ماذا يعني الوطن، بعد أعوام البُعد والشتات هذه كلّها؟ في الفترة الراهنة التي نعيشها، هناك كل يوم قصّة مأساوية للمهاجرين الجدد تتناولها وسائل الإعلام. "مرايا الشتات" يساهم في فهم قضية الهجرة (إحدى أهمّ قضايا عالمنا المعاصر) وعالم الشتات والتأرجح العاطفي بين المكان الجديد الذي يعيشون فيه (بلاد المهجر) ومكان الذكريات والأهل والأصدقاء (أوطانهم). كما أنّه يُسلّط الضوء على أهمية الفن والثقافة في تعويض ما فُقِد في الغربة. 

·        (*) يبدو أنه تكريس لحالة المنفى، بمعنى الاعتياد على المنفى كوطن جديد؟ 

ـ ربما الأفضل القول: "البحث عن الأوطان البديلة"، كما قالت الفنان المقيمة في إيطاليا رسمي الخفاجي، إحدى شخصيات الفيلم. إذا كان هناك ما يستحق الذكر، فإنّ عراق اليوم بلدٌ مختلف بالنسبة إليّ شخصيًا، كما بالنسبة إلى أصدقائي فنانّي المنفى العراقي، الذين ظهروا في الفيلم: جبر علوان وعفيفة العيبي وعلي عساف ورسمي الخفاجي وفؤاد عزيز وكاظم الداخل وبهاء الدين أحمد. 

أعرف الفنانين جيّدًا. درسنا معًا في "معهد الفنون الجميلة" في بغداد، وتركنا العراق منتصف سبعينيات القرن الـ20 لاستكمال الدراسة. السينما كانت هدفي وحلمي، أما أصدقائي فكانت الفنون التشكيلية والرسم هدفهم، وهم نجحوا في ذلك، وأنتجوا أعمالاً فنية كثيرة في الرسم والنحت والـ"فيديو آرت" والفوتوغرافيا والغرافيك والخط العربي والملصقات الجدارية وغيرها. كنا خلال الأعوام كلّها على تواصل، ونعرف تفاصيل حياة بعضنا البعض. بالنسبة إلينا، يعكس العمل الفني بوضوح من نحن ومن أين أتينا، كما يعكس ملامح هويتنا الثقافية والإنسانية. 

خلال فترة الديكتاتورية، لم نعد إلى العراق لأسباب مختلفة. بعد سقوطها، دفعتنا فكرة العودة وحبّ العراق إلى التفكير بالرجوع. فبعد التغيير الحاصل عام 2003، طُرحت إمكانية البقاء في الوطن. لكن، للأسف، لا أحد منّا استطاع التأقلم مع الواقع الاجتماعي ـ السياسي الجديد، لأن طريقة تفكير الناس والواقع المذكور ورؤيتهم الأشياء المحيطة بهم تختلف كلّها عن طرق تفكير ورؤية العراقيين الذين عاشوا معظم حياتهم في المهجر. كنا ببساطة نصنَّف ضمن مجموعة الغرباء الذين جاؤوا العراق للكسب المادي، ثم الرحيل بعد ذلك. 

أنا أحد الفنانين الذين عادوا إلى الوطن ووجدوا أنفسهم في اللاوطن. بعد 10 أعوام من تدريب شباب عراقيين على صناعة الأفلام في "كلية السينما والتلفزيون المستقلّة" التي تم تأسيسها مع زميلتي ميسون باججي، وجدت نفسي غريبًا وغير قادر على التأقلم والبقاء أكثر. 

رغم أنّ الطلبة الذين تمّ تدريبهم في الكلية عملوا بمسؤولية عالية، وأنتجوا أفلامًا حصل بعضها على جوائز، إلاّ أنّ الثقافة الرسمية ومؤسّسة التعليم الموجودة في البلد بمعناها الواسع تبدو غير مهتمّة بما نقوم به من تدريب وتأهيل. لم يكن أمامي من خيارات سوى العودة مجدّدًا إلى المنفى الأوروبي، وترك البلد. 

هذه التجربة المرّة أثارت عندي أسئلة عديدة وخيبة أمل عشتها بعد إغلاق المدرسة. 

ثم بدأت أفكّر وأسأل نفسي: من أنا؟ عراقي يعيش في بريطانيا، أم بريطاني مولود في بلد اسمه العراق؟ لماذا لا أستطيع أن أنسى العراق رغم أنّي لم أعش فيه سوى ثلث عمري؟ لماذا لا أستطيع الاستقرار فأنا لا هنا ولا هناك، بل أعيش بين عالمين، أحدهما يجلب لي يوميًا ذكرى وحنينًا وقصصًا طافحة بالألم والكوابيس، والآخر يمنحني الحرية والعمل، ومنزلاً أُقيم فيه؟ إلى أي وطن أنتمي الآن: القديم أم الجديد؟ أي أرض أشعر بها كوطن؟ ما معنى الوطن: أهو المكان الذي تولد فيه، أم ذاك الذي تشعر فيه بأمان وتعيش فيه بكرامة؟ 

هذه الأسئلة وغيرها تُقلقني. كنتُ أودّ طرحها على أصدقائي الفنانين الـ7 في "مرايا الشتات"، وأُوثّق ردود أفعالهم وتجاربهم في العودة إلى العراق، وكيف ينظرون إلى وطنهم القديم الآن بعد أن عاشوا أكثر من 4 عقود خارجه. 

·        (*) لكنك في الجزء الأول من الفيلم ركّزت على معاناة المنفى. 

ـ في الفيلم الأول، "وسط حقول الذرة الغريبة" الذي حقّقته للتلفزيون البريطاني (القناة 4) عام 1990، حاولتُ توثيق حياة هؤلاء الفنانين الـ7 أنفسهم، وأعمالهم. تحدّثوا عن الظروف التي دفعتهم إلى مغادرة العراق، وعن نضالهم اليومي للبقاء ـ ماديًا وروحيًا ـ في المنفى، وعن الحرب وآثارها المدمِّرة على الشعب العراقي. أسلوب الفيلم تقريريّ وثائقيّ يطغى عليه الخطاب السياسي. هو يُشبه صرخة احتجاج وإدانة للنظام الديكتاتوري بمفاصله كلّها. 

"مرايا الشتات" ذو أسلوب سردي، يروي قصصًا تتراوح بين الحاضر والماضي، والخاص والعام، والخارج والداخل، والذاكرة والنسيان، والوطن والمنفى، والهوية والانتماء، والغياب والحضور، إلخ. لكنّ السؤال الأهم الذي يتمحور حوله الفيلم: ماذا يعني أن تكون في المنفى، معظم حياتك؟ هذا يفتح بابًا للحوار مع الذين اضطروا إلى الابتعاد عن جذورهم الأصلية لأسباب خارجة عن إرادتهم، في حكايات وتجارب تمسّ روح المُشاهد ووجدانه. 

في الفيلم الأول، كان لنا حلم العودة بعد زوال النظام. في الفيلم الثاني، تلاشى هذا الحلم، وبدأنا مرحلة توطين حياتنا في البلدان البعيدة التي نعيش فيها. 

·        (*) هناك 25 عامًا تفصل بين الفيلمين. هل تحدّثنا عن هذه التجربة؟ 

ـ لا يوجد فيلم في الكون تمّ إنتاجه من دون مشاكل. أنا كفنان مستقلّ أنتمي إلى اتجاه "سينما المؤلّف"، أو "سينما فريق العمل بشخص واحد". هذا ما أعمله في معظم أفلامي. فأنا غالبًا ما أكون المنتج والمخرج والمصوّر في آن واحد. في "همس المدن" و"مرايا الشتات"، كنت المونتير أيضًا. لهذا، تحمل أفلامي بصمةً خاصة بي، أي أنها تُشبهني في تفرّدي كفنانٍ سينمائي. المشاكل التي تواجهني مادية غالبًا. صعوبة الحصول على تمويل لأفلامي الوثائقية ناتجةٌ من المنافسة الشديدة اليوم. تأقلمت مع هذا الوضع، فبدل انتظار أعوامٍ عديدة للحصول على تمويل، أبدأ مغامرة فيلمية بالاعتماد على نفسي، وبثقتي بإنجاز الفيلم الذي أريد، بيدي اليمنى كاميرتي وباليد اليسرى حقيبة السفر، أتنقل بين المدن، وأنام عند أصدقاء وآكل معهم بدلاً من الفنادق والمطاعم. في النهاية، يولد الفيلم بشكل غامض وواضح في آن واحد، ويجد طريقه إلى المُشاهدين. 

هذا ما حدث مع فيلمي الأخير. أما المشاكل التي تدخل في إطار العملية الإبداعية، فلا يتّسع الوقت للحديث عنها الآن. 

ما أريد قوله كسينمائي هو أنْ لا شيء يمكنه منعي من صنع فيلمي ما دام لديّ شغف السينما واهتمام بالعالم والناس المحيطين بي. ببساطة، أشعر أن السينما قدري ومعشوقتي التي لا تعرف الرحمة، كما قال المخرج والمنظّر آيزنشتاين.

العربي الجديد اللندنية في

09.11.2018

 
 

أيام قرطاج السينمائية تنأى بنفسها عن الاصطفاف السياسي

لمى طيارة

أيمن زيدان والمخرج جود سعيد يخوضان رحلة سينمائية خارج واقع الحرب، وفيلم "مسافرو الحرب" فرد مساحة أكبر للتحليق ما بين الواقع والحلم.

مازالت الحرب الدائرة في سوريا منذ ما يقارب السبع سنوات، تشغل بال السينمائيين السوريين على صعيد روائي، وخاصة من بقي منهم في الداخل أمثال المخرج باسل الخطيب والمخرج جود سعيد، أما على صعيد وثائقي فإنها الشغل الشاغل للسينمائيين السوريين في الخارج، ربما يكون الطرح بالطريقة التسجيلية هو الأسلم على اعتبار أن الكاميرا تسجل ما تراه، طبعا في حال كان التسجيل عفويا وليس مؤدلجا، ولكن من المؤكد أن القضية السورية مازالت تحتاج للكثير من الوقت قبل أن تنضج وتصبح جاهزة لفيلم روائي.

تونسرغم وجود العديد من الأفلام السينمائية السورية التي تنتجها المؤسسة العامة للسينما سواء بمفردها أو بشراكة، لا تلقى هذه الأفلام الاستجابة الكافية لعرضها في مهرجانات سينمائية سواء كانت عربية أو أجنبية، بحجة أنها أفلام ذات طابع سياسي، تمول من قبل الحكومة السورية، إلا أن مهرجان قرطاج السينمائي وللعام الثاني على التوالي يستقطب تلك الأفلام، وهو وإن يفعل ذلك فمن منطلق سينمائي بحت بعيدا عن السياسة والانحياز لفريق ضد آخر، وخير دليل على ذلك، أن المهرجان  في دورته الحالية استقطب فيلمين سوريين للمشاركة في المسابقة الرسمية، الأول فيلم لجود سعيد بعنوان “مسافرو الحرب” والفيلم الآخر وثائقي طويل بعنوان “عن الآباء والأبناء” للمخرج  طلال ديركي.

مسافرو الحرب

تدور أحداث فيلم “مسافرو الحرب” الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما مع شركة “الأمير للإنتاج الفني”، في باكورة أعمالها، حول بهاء الذي يلعب دوره أيمن زيدان بكل جدارة واقتدار، في رحلة انتقاله من مدينة حلب إلى محافظة أخرى، ولكن هذه الرحلة التي يحاول أن ينقلها لابنته المقيمة في ألمانيا عبر الإنترنت، والتي ستنتهي مجازا بانتهاء الحرب، ما هي إلا أحلام مؤجلة قام بسردها من خيالاته.

حاول المخرج جود سعيد برفقة كل من أيمن زيدان والكاتبة سماح قتال، تطوير فكرة الرحيل هذه، والتي تشبه إلى حد كبير القصص العالمية التي تحكي عن مجموعة أشخاص غرقت سفينتهم أو تاهوا في أرض الله، فاختاروا مكانا صالحا للعيش وبدأوا يمارسون حياتهم فيه، وبطبيعة الحال لا بد من وجود زعيم لهم، كما تفرض الطبيعة البشرية، وهي تيمة قديمة جديدة، حاول الفيلم إضافة بعض المواقف الكوميدية لها، والكثير من الألفاظ الخارجة ولا أعرف السبب، لكن الرحلة في النهاية، أغلقت دائرتها بطريقة أكثر واقعية، حين جعلت كل ما سبق مجرد أوهام أو أحلام مشتهاة.

الأزمنة الصعبة تخلق فنا مختلفا، فالتحديات التي يعيشها الإنسان في الأزمات تستدعي منه استنفار كل طاقاته وإمكانياته

يقول أيمن زيدان بطل الفيلم والمشارك في كتابته “بدأت الفكرة بحوار إنساني عن الحياة، ما الذي يمكن أن نقوله أو نفعله، مؤكدا أن الأزمنة الصعبة تخلق فنا مختلفا، فالتحديات التي يعيشها الإنسان في الأزمات تستدعي منه استنفار كل طاقاته وإمكانياته، والحرب في سوريا أثارت تداعيات موجعة ومؤلمة على العاملين بالسينما، ولكن كل سينمائي تناولها من منظوره، فبعضهم تناولها بشكل مباشر وبعضهم الآخر تناول فقط ارتداداتها، بعضهم قدم أفلاما بشكل انفعالي، وبعضهم الآخر بشكل بحثي في محاولة الإجابة عن بعض الأسئلة، أما فيلم ‘مسافرو الحرب‘ فقد تناول انعكاسات الحرب وتجلياتها، ولكن الإتيان بصورة مكتملة عما حصل ويحصل في سوريا، لا يمكن تحقيقه إلا بعد مضي زمن”.

وعن دوره في الفيلم وتجربة العمل مع جود سعيد كممثل وكمخرج، وأيهما الأصعب بالنسبة إليه؛ أن يتواجد أمام أو خلف الكاميرا، يقول أيمن زيدان “بعد أن أصبحت بهذا العمر، لم يعد بإمكاني أن أشارك بأي عمل فني ما لم يكن ذا قيمه فنية، لأنه لم تعد لدي فسحة واسعة للتجريب والإخفاق، وهي ليست المرة الأولى التي أتعاون فيها مع جود، فقد سبق لي التعاون معه في فيلم ‘درب السماء‘، وهو فيلم تم إنجازه ولكن لم يعرض حتى الآن، بعد ذلك الفيلم شعرت أن لدينا الكثير من النقاط الإنسانية المشتركة، التي دفعتنا لاحقا للوصول إلى سيناريو فيلم مسافر الحرب مع الكاتبة سماح قتال”.

ويتابع زيدان “حين قررت أن أخرج فيلمي ‘أمينة’ الذي لعب جود سعيد فيه دورا رئيسيا، كان الأمر محض صدفة، فرضتها تركيبة عائلة بطلة الفيلم نادين خوري، فتركيبة العائلة ومواصفات الأم والأخت، وخاصة من حيث العيون، جعلت من جود خيارا مناسبا ليلعب الدور. وفي كلا الحالتين سواء كنت ألعب دور الممثل أو المخرج،  فأنا أحترم تقاليد العمل، ومجرد الموافقة على العمل مع مخرج ما، هذا يعني احترافيا أن نحترم طبيعة العلاقة، ولا مجال لإثبات الذات، وخاصة أننا أمام مشروع إنساني ثقافي معرفي، بطبيعة الحال هناك الكثير من الحوارات المطوّلة، لكن القرار الحاسم بعد المداولة يكون للمخرج ويجب احترام هذه القاعدة، وبعد انتهاء التجربة، يكون لديّ قرار آخر؛ هل أكرر التجربة أو لا أكررها”.

فيلم "مسافرو الحرب" تناول انعكاسات الحرب وتجلياتها من خلال قصة حول رحلة تقوم بها مجموعة من الأشخاص

ويرى زيدان أنه بالنهاية لكل مهنة صعوبتها الخاصة بها، ولا يمكن التقليل من مهنة على حساب الأخرى، والمقارنة غالبا ما تكون ظالمة، لكن هذا لا يمنع، في رأيه، أن المسؤولية وراء الكاميرا قد تكون أعقد، لأن المخرج مسؤول عن مشروع كامل، رغم أن مساحة الحرية أكبر، بدءا من اختيار الموضوع وطريقة معالجته، في حين يكون دور الممثل جزءا من المنظومة فقط.

بلا قمع ثقافي

أما جود سعيد مخرج الفيلم الذي منحته الأيام السينمائية في قرطاج فرصة التواجد للمرة الثانية على التوالي ضمن المسابقة الرسمية، في حين تحجبه المهرجانات الأخرى، فإنه يرى أن الأيام تقوم بفعل إنساني سياسي، بحيث تنأى بنفسها عن الاصطفاف السياسي، وممارسة القمع الثقافي في حجب فيلم ما، وتذهب إلى المنتج مباشرة، وتشاهده ثم تقرر إن كان صالحا للعرض على الجمهور في تونس، مضيفا “في أيام قرطاج يتاح لنا أن نشاهد كل وجهات النظر، وعلى الأشخاص الشجعان أن يشاهدوا ما لا يعجبهم أو ما لا يوافقون عليه، وها أنا بدوري أفعلها حين أشاهد الفيلم الوثائقي ‘عن الآباء والأبناء‘، ربما لا أتفق معه سياسيا، وربما أخرج من الفيلم وأنا أحمل انطباعا آخر، يجب أن تكون لدينا القدرة على اللقاء في تلك المساحة التي اسمها السينما، والتي تؤنسن من لديه أحقاد ومشكلات”.

ويختم سعيد “في رأيي إن الحرب في السماء، ورغم أنني تعرضت  لهذا الموضوع في أفلامي الأخرى، إلا أنني في فيلم ‘مسافرو الحرب‘ قد فردت المساحة الأكبر للتحليق ما بين الواقع والحلم، وأن تذهب إلى المشتهى في شخصياتك وخصوصا الشخصية الرئيسية التي سآخذ معها الآخرين في رحلة لا نعرف إلى أين ستصل بهم، في النهاية أتمنى لو نعود ثماني سنوات زمنيا للخلف، وألا يحصل ما حصل في سوريا، واليوم صراحة أي اصطفاف أصبح لا يساوي شيئا، والوحيد الكاسب هو من بقي من الأحياء”.

كاتبة سورية

العرب اللندنية في

09.11.2018

 
 

«الشرق الأوسط» في مهرجان قرطاج السينمائي (5):

فيلمان آخران من نوع {لا مع ولا ضد}

عن تداعيات الحرب السورية

تونس: محمد رُضـا

ما إن انطفأت الأضواء حتى نشب القتال.

كلمة من هنا وكلمة من هناك، وتصاعد الخلاف وساد الصراخ واشتعلت نار المواقف السياسية. حاول الجمهور إطفاءها بالتصفيق لعل المتخاصمَين يشعران ببعض الخجل، لكن هذا لم ينفع وتدخل الأمن وأخرج المتخاصمَين ثم بدأ العرض.

حدث هذا مع الفيلم اللبناني - السوري «مسافرو الحرب»، وشهدت مثيله عندما كنت صغيراً بصحبة والدَيّ وجدتي في صالة عرضت في بيروت فيلم يوسف شاهين «جميلة بوحريد»؛ إذ نشبت معركة (بالأيدي في تلك المرّة) بين من هتف للثورة الجزائرية ومن شتمها. عوض التصفيق آثر الكثير من الحضور الخروج من الصالة لئلا يكون المتشاجران مسلحين. هذا قبل أن يعود الجمهور ليتابع فيلماً لم يفهم منه هذا الناقد حينها شيئاً يذكر.

- حب وحرب

قبل عام، دخل المخرج جود سعيد المسابقة التونسية بفيلم آخر هو «مطر حمص» الذي كان أفضل من فيلمه الجديد في بعض أوجهه. حينها، وحسب مصادر مختلفة، وقفت عضوة في لجنة التحكيم ومنعت حصوله على أي من جوائز المهرجان. لم تغب المسألة عن بال المخرج، بل ذكرها خلال تقديمه في دورة هذا العام قائلاً إنه كان ينتظر الفرصة للعودة إلى هذا المهرجان بفيلم آخر وذلك «حباً بهذا الجمهور العظيم»، كما قال.

«مسافرو الحرب» آتٍ عن طريق شركة إنتاج لبنانية جديدة ترأسها نيكول كاماتو، لكنه في الواقع، ومن حيث النشأة والموضوع والجهد الفني داخل الفيلم ووراء الكاميرا، فيلم سوري كما كان حال أفلام سعيد السابقة وهي «بانتظار الخريف» و«مطر حمص» و«رجل وثلاثة أيام».

هذا الفيلم ليس أفضلها، لكنه مكمّـل لرغبة المخرج دخول عالم الحكايات المبنية على نحو رمزي وشعري ومركّـب من شخصيات متعددة من بينها شخصية محورية تتقدم وتتأخر في دورها «المحوري» ذاك حسبما يُشاء لها.

حول ذلك الإنسان البسيط بهاء الذي يتواصل مع ابنته في ألمانيا عبر الوسائط التقنية. يحكي لها حكايات ويستمع لبهجتها في بلد آمن فيسرّ قلبه. لكن معارك حلب الطاحنة تضطره إلى النزوح. يركب حافلة قديمة مع سواه وتنطلق هذه مارة في ريف متنازع عليه ليس بعيداً عن قلب المدينة الممزقة. لكن الحافلة لا تستطيع التقدم بعيداً بسبب القتال ويلجأ المسافرون إلى بلدة صغيرة مدمّرة يقوم متسلط نصب نفسه سيدها بتوزيعهم على البيوت المهجورة لقاء بدل إيجار. إنه شخصية شريرة النوايا وأنانية غالباً ما قصد بها المخرج الرمز إلى من يستغلون الحرب لمنافعهم ومصالحهم الخاصة.

لكن بهاء لا يتوقف للبكاء على الأطلال، بل يستخدم ثروته من المعرفة في سبيل استخراج ماء الشرب وتوليد الكهرباء. وما يلبث أن يصبح، وأحد رفاقه (شاب طيّـب) محط اهتمام وحب البعض؛ ما يتيح الفرصة أمام بعض الرومانسية التي تطل برأسها خجلاً.

ليس الفيلم مع النظام ولا ضد النظام، لكنه عمل لا يبدو مستقراً على نبرة واحدة: هو كوميدي بمعالجة درامية ودراما بمعالجة كوميدية. وحتى لو كان ذلك مقصوداً فإنه لا يتبلور فعلياً ككيان منضبط. كذلك الحال بالنسبة لشخصية أيمن زيدان فيه. هو الراوي والمحور الأساس، لكن الفيلم يتداوله في الكثير من الأحيان كشخصية يمكن لنا أن نجد أحداثاً تقع بمنأى عنها.

إلى ذلك، هناك مواقف مسرحية تسودها مواعظ إنسانية وتعريفات للحب وللحرب. الكلمتان تترددان عشرات المرّات، وفي كل مرّة تتركان تأثيراً أقل. ما ينقذ العمل جهد مخرجه لمواصلة منحاه الوجداني في طرح الجوانب الإنسانية في تداعيات الحرب الدائرة.

- إلى إسطنبول

سوريا، كلمة ترد أكثر من مرّة في الفيلم التونسي الجديد «ولدي» لمحمد بن عطية الذي يجوب أزمة رجل متزوج ولديه فتى في التاسعة عشرة من العمر، مصاب بصداع نصفي. الأب يعمل في المرفأ ويعيل العائلة الصغيرة ويتولى السهر على راحتها، لكن هذه العناية لا تقف حائلاً دون اختفاء الابن، بلا مقدّمات. أين اختفى ولماذا؟ يجيب الفيلم عن السؤال الأول؛ فالشاب لجأ عبر بعض المجموعات الجهادية إلى سوريا، أما السبب فلا يتضح ولا ينوي الفيلم الانشغال به.

ينطلق الأب في رحلة استرجاعه ويصل إلى مدينة إسطنبول ويحط في منزل صغير باحثاً عن طريقة لدخول سوريا. يجد، للمصادفة، أن أحد موظفي الفندق يعرف من سيقوده إلى بلدة حدودية ومنها إلى داخل سوريا لقاء 400 دولار. يوافق، ونجده قد حط الرحال في تلك البلدة، لكنه يقرر العودة إلى حيث أتى ويكذب على زوجته (كما يبدو؛ إذ إن المشهد لا يوضح تماماً إذا ما فعل أم لا)، ويقول لها إنه قابل ابنهما سامي فعلاً.

إذا ما كان فيلم «مسافرو حلب» يعاني من عدم ضبط طروحاته في معالجة موحدة الأسلوب والسياق، فإن «ولدي» للمخرج بن عطية، الذي سبق له أن حقق نجاحاً جيداً عبر فيلمه الأول «نحبك هادي»، يعاني من ثلاثة فصول لا تتلاءم زمنياً ومكانياً مع بعضها بعضاً. بالتالي، أثر ذلك على الدراما المتوالية أحداثها هنا سلبياً.

الفصل الأول هو التمهيدي الذي تقع أحداثه في تونس وتصوّر لنا وضع رب العائلة وزوجته وابنه. كل شيء يبدو هنا على ما يرام باستثناء ذلك الصداع النصفي الذي يغيب عن الذكر بعد ذلك؛ ما يدعو إلى التساؤل حول أهميته (كعنصر روائي) في المقام الأول.

الفصل الثاني هو الرحلة غير المكتملة إلى سوريا. بصرياً الفيلم هنا في أفضل حالاته. الرجل الذي كان أحيل للتقاعد قبل سفره وحيداً من دون عائلة أو أصدقاء أو رفاق عمل يسير ليلاً في تلك الشوارع المقفرة أو يلجأ إلى غرفته الباردة على الحدود بانتظار فجر اليوم التالي ليكمل مشواره.

أما الفصل الثالث فيقع مجدداً في تونس بعدما عاد وشق حياة «طبيعية» من جديد. هنا نشاهد، على شاشة الموبايل، ابنه وقد تزوّج ورزق طفلاً ولا يزال في سوريا. بعد قليل يأتي خبر موته.

الخلل هنا هو محاولة المخرج سرد كل جوانب حكاية كان يكفي لها بعض تلك الجوانب. فقط لو كان الأب يعيش وحيداً مع ابنه الذي يختفي فيجد الأب لزاماً عليه البحث عنه. وحدته في البيت التونسي تثير مخاوفه؛ إذ تجعله وحيداً وهو يسافر مصطحباً وحدته تلك ويعود معها. مع توسيع البؤرة لتحتوي على مفارقات ما بعد البحث يتعامل الفيلم مع مشاهد لا أهمية لها إلا من حيث إنها تطرح للمشاهد حكاية كاملة كما لو أن على الفيلم تلبية شروط في البال، علماً بأن الحكاية ذاتها (تقريباً) وردت في فيلم تونسي آخر قبل سنتين عنوانه «زهراء حلب» للمخرج رضا الباهي، حيث تنطلق الأم في سفرها الطويل لاسترجاع ابنها.

الشرق الأوسط في

10.11.2018

 
 

«أيام قرطاج السينمائية» تعلن أسماء الفائزين بالجوائز الموازية

«سينماتوغراف» ـ  مريم بن قارة

ضمن فعاليات ​مهرجان أيام قرطاج السينمائية​ 2018، تم تسليم الجوائز الموازية على الفائزين مساء أمس الجمعة، وجاءت قائمة الفائزين بالجوائز الموازية على الشكل التالي:

جائزة الفيدرالية الدولية للصحافة السينماتوغرافية: فيلم “مسافرو الحرب” لجود سعيد (سوريا).

جائزة الجامعة الإفريقية للنقد السينمائي: فيلم “صوفيا” لمريم بن مبارك.

جائزة الاتحاد العام التونسي للشغل: منحت لتقني تركيب فيلم “لقشة من الدنيا” أنس سعدي.

جائزة قرطاج للسينما الواعدة:

الجائزة الأولى بالمناصفة بين: “What a lovely life” لرامي علوي (الجزائر) و”Agonie” لغسان جريبي (تونس)

الجائزة الثانية: “Misfit” لكارنغا نيكوندو (كينيا)

الجائزة الثالثة: “Les Enfants Dar Bouidar” لايزابيل كريستيا غوراغو (بوركينافاسو)

تنويه خاص: “قضية هند” دينا ناجي (المملكة العربية السعودية).

سينماتوغراف في

10.11.2018

 
 

الليلة.. ختام الدورة الـ29 من "أيام قرطاج السينمائية"

كتب: نورهان نصرالله

تختتم اليوم الدورة الـ29 من مهرجان أيام قرطاج السينمائية، والتي استمرت فعالياتها على مدار أسبوع.

ويشهد حفل الختام إعلان لجان التحكيم عن جوائز مسابقات الأفلام بفئاتها الأربعة.

ويشارك في المهرجان 4 أفلام مصرية ففى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة يشارك "يوم الدين" للمخرج أبو بكر شوقي، بينما يشارك في مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة فيلمي "أمل" للمخرج محمد صيام، و"تأتون من بعيد" للمخرجة أمل رمسيس، أما مسابقة الأفلام الروائية القصيرة "بين صيف وشتا" إخراج شادي فؤاد.

####

"الأقصر الإفريقي" يتعاون مع "الوطني للسينما" على هامش "قرطاج"

كتب: نورهان نصرالله

يكرم مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في دورته الثامنة السينما التونسية خلال فعاليات مهرجان "أيام قرطاج" السينمائية في دورته التاسعة والعشرين التي حضرها السيناريست سيد فؤاد رئيس المهرجان والمخرجة عزة الحسين مديرته.

وعقد لقاء تنسيقي بين المهرجان والمركز الوطني للسينما بحضور مديرته الدكتورة شيراز العتيري للانتهاء من كافة التفاصيل وتوقيع بروتوكول تعاون بين المهرجان والمركز باعتباره الجهة القومية التي تمثل السينما التونسية أول الشهر القادم.

تفاصيل التكريم المبدئية تتلخص في خروج كتاب عن السينما التونسية في الألفية الثالثة من تأليف الدكتور طارق بن شعبان باللغة الفرنسية واللغة العربية كما سيشارك المركز الوطني للسينما والصورة بتونس بالدعم متمثلا في الدكتورة شيراز العتيري مديرة المركز الوطني للسينما والصورة وتخصيص معرضا يحتوي على 20 أفيش لأشهر وأهم الأفلام في السينما التونسية.

بالإضافة لعرض 5 أفلام تونسية بقسم خاص لتكريم السينما التونسية في الدورة الثامنة بمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية بحضور وفد كبير من السينمائيين التوانسة يشمل فريق عمل "أيام قرطاج" السينمائية منهم المنتج نجيب عياد المدير العام والدكتورة لمياء قيقة المدير الفني للمهرجان وأيضا مخرجي الأفلام الخمسة التي ستعرض في المهرجان بالتعاون مع المركز الوطني للسينما والصورة.

وستقام ندوة رئيسية عن الكتاب الخاص بالسينما التونسية بحضور مؤلفه الدكتور السيناريست طارق بن شعبان مستشار مهرجان "أيام قرطاج" السينمائية والذي سيكون أيضا عضو بلجنة تحكيم مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة بمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية.

وأكدت إدارة مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية أن اختيار السينما التونسية وتكريمها هو تكريم مستحق لسينما جادة وعريقة وكذلك لمهرجان مهم مثل أيام قرطاج السينمائية عميد المهرجانات التي تهتم بالسينما الإفريقية والعربية فهو مهرجان عريق وهو الأول في القارة الذي يهتم ويعتني بالسينما الإفريقية.

الوطن المصرية في

10.11.2018

 
 

بالصور- "الأقصر للسينما الإفريقية" يعلن تفاصيل احتفاء دورته الثامنة بالسينما التونسية

كتبت- منى الموجي:

أعلن مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، على هامش فعاليات أيام قرطاج السينمائية، عن تفاصيل تكريم السينما التونسية في دورته الثامنة مارس 2019 بحضور كل من السيناريست سيد فؤاد رئيس المهرجان والمخرجة عزة الحسيني مديرته، الدكتور طارق بن شعبان.

وتحدث السيناريست سيد فؤاد رئيس مهرجان الأقصر مرحبا بالحضور، قائلا "اختيار السينما التونسية وتكريمها هو تكريم مستحق لسينما جادة وعريقة وكذلك لمهرجان مهم مثل أيام قرطاج السينمائية" .

وكشف سيد فؤاد عن جانب من تفاصيل تكريم السينما التونسية، والتي تتلخص في خروج كتاب عن السينما التونسية في الألفية الثالثة من تأليف الدكتور طارق بن شعبان باللغة الفرنسية واللغة العربية، كما سيشارك المركز الوطني للسينما والصورة في ترشيح أهم الأفلام التي تمثل السينما التونسية على مدار تاريخها، إلى جانب إقامة معرض يحتوي على 20 أفيش لأشهر وأهم الأفلام في السينما التونسية، وعروض 5 أفلام بقسم خاص لتكريم السينما التونسية، بحضور وفد كبير من السينمائيين التوانسة، يشمل فريق عمل أيام قرطاج السينمائية، وعلى رأسهم المنتج نجيب عياد المدير العام لأيام قرطاج السينمائية، والدكتورة لمياء قيقة المدير الفني للمهرجان، وأيضا مخرجي الأفلام الخمسة التي ستُعرض.

وأضافت عزة الحسيني مديرة المهرجان: "سيُقام ندوة رئيسية عن السينما التونسية، وسيصدر المهرجان عددًا خاصا من نشرته عن صناعة السينما في تونس ودور المركز الوطني للسينما والصورة ومهرجان أيام قرطاج السينمائية في نهضة هذه الصناعة، بالإضافة لمشاركة الأفلام التونسية في كافة مسابقات المهرجان ودعوة صناعها للمشاركة بالفعاليات".

ومن جانبه قال الدكتور طارق بن شعبان عن تفاصيل الكتاب الذي سيصدره عن السينما التونسية، "السينما التونسية لا يستوعبها كتابا واحدا ولذلك سأركز على المراحل الأخيرة في تاريخ السينما التونسية"، وأشاد بمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية وبأهمية دوره وسط المهرجانات التي تهتم بالسينما الإفريقية .

كما طرح المخرج أشرف فايق تساؤلا حول أسباب عدم توزيع الفيلم التونسي بمصر، وطالب بترجمة الأفلام لأن اللهجة التونسية لا يستوعبها الكثير من المصريين، إلا أن السيناريست سيد فؤاد اعترض على هذا الأمر، وقال إن التعود على سماع اللهجة التونسية هو الحل لاستيعابها وفهمها، مشددًا على ضرورة توزيع الفيلم التونسي خارج تونس لأنه يستحق الانتشار أكثر من ذلك.

وكان قد تم لقاء مبدئي بين مهرجان "الأقصر للسينما الإفريقية " و"المركز الوطني للسينما والصورة" بحضور مديرته الدكتورة شيراز العتيري والدكتور طارق بن شعبان لمناقشة كافة تفاصيل هذا التكريم، ومن المنتظر أن يتم توقيع بروتوكول تعاون بين مهرجان الأقصر والمركز باعتباره الجهة القومية التي تمثل السينما التونسية، في الشهر المُقبل.

وتُقام الدورة الثامنة من مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، الذي تنظمه مؤسسة شباب الفنانين المستقلين في الفترة من 15 إلى 21 مارس 2019، تحت رعاية وزارتي الثقافة والخارجية وبدعم من وزارة السياحة والشباب والرياضة وdmc ، ونقابة المهن السينمائية والبنك الأهلي المصري وبالتعاون مع محافظة الأقصر.

####

عابد فهد يعلق على عرض أحدث أفلامه في أحد السجون بتونس

كتب- مصراوي:

نشر الفنان السوري عابد فهد صورة على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "انستجرام" ، من العرض الخاص لفيلمه الجديد "سامحني" في سجن الرومي بتونس، والذي شارك ضمن فاعليات أيام قرطاج السينمائي الذي يقام حاليًا .

وعلق "فهد" على الصورة قائلًا:كان عرض خاص وتجربة جديدة لفيلم "سامحني" بسجن الرومي بتونس".

يُذكر أن الفيلم يشهد التجربة الثانية لعابد فهد في السينما التونسية بعد فيلمه "مملكة النحل"، مع المخرج شوقي الماجري.

ويقوم الفنان عابد فهد هذه الأيام بتصوير مسلسل "دقيقة صمت"، والمُقرر عرضه في رمضان 2019.

موقع "مصراوي" في

10.11.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)