كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"آخر الرجال في حلب" لفراس فياض:

صُوَر الموت ولغة الحياة

نديم جرجوره

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 2018)

   
 
 
 
 

بين توثيقٍ تقليدي (قليل الحضور) واشتغالٍ بصري (يغلب على مناخ العمل)، ينسج السوريّ فراس فيّاض (1984) ـ في "آخر الرجال في حلب" (2017) ـ معالم حكايةٍ، تعكس أنماط عيشٍ في جحيم الخراب المتنوّع، الذي يُصيب أرواحًا ونفوسًا وأجسادًا، والذي يطاول أبنية وأزقّة ومساحاتٍ. توثيق تقليدي يرتكز على مرافقة متطوّعين في الدفاع المدني السوري، والتقاط أحوالهم المختلفة في يوميات عملٍ يواجه الموت، وفي حياةٍ مرتبكة وغير مكتملة، وفي انفعالاتٍ مكسورة. واشتغال بصري يصنع من أشكال القتل والتدمير صُوَرًا تتناسق جمالياتها مع إصرارٍ على عيشٍ يتفوّق على الجحيم، ويحيل البشاعة (المفروضة على المدينة وناسها) إلى متتاليات تروي وقائع، وتبوح بمكنوناتٍ ذاتية، وتوثّق معنى آخر للحياة.

التوثيق التقليدي غير منتقصٍ من مكانة السينما في "آخر الرجال في حلب"، المُرشَّح رسميًّا لجائزة "أوسكار" أفضل فيلم وثائقي طويل (تُعلن النتائج في 4 مارس/ آذار 2018). والمكانة واضحة: لقطات وحركة كاميرا وإضاءة وكادرات ومونتاج، فإذا بهذه اللغة، التي تبدو عادية (لوهلةٍ أولى)، تذهب إلى المدى الأوسع للصورة ومضمونها، فتحمي الأولى (الصورة) من كلِّ بهتانٍ أو تسطيحٍ أو لا معنى، وتجعل الثاني (المضمون) أقدر على البوح، بسلاسةٍ تكشف عمقًا في أسئلة الذات ومشاغلها، وتُعرّي روحًا في ارتباكاتها والتزاماتها وهواجسها.
فالمشاهد السينمائية، وإنْ تكن قليلة، تغلب قسوةَ الشقاء والفرح الجميل والمكبوت باقتناص لحظاتِ راحةٍ معطّلة، وتحيل القصص المتناثرة هنا وهناك ـ مع جثثٍ وأنقاضٍ وغبارٍ ودمٍ، مُضافة إليها أنوار شمسٍ تشي بنبضٍ مطلوبٍ، وضحكاتٍ تعلو فوق هدير طائرات حربية وصدى قصف مدفعي ـ إلى متتالياتٍ تسرد دقائق روتينٍ يوميّ في مدينةٍ، يُراد لها أن تُحاصَر بذلّ ومهانة، فتنتفض لكرامةٍ يُتقن فراس فيّاض التقاط نبضها في مفاصل عديدة من حكايته.

وحكاية السينمائيّ متكاملة وحكاية خالد ومحمود، المنخرِطَين (وزملاء عديدين لهما) في أعمالٍ يومية لإغاثٍة وإنقاذ، في فريق معروفٍ باسمٍ يتردّد في أنحاء مختلفة من العالم: "الخوذ البيضاء". الحكاية الأولى تُختزَل بمرافقة الحكاية الثانية، كما بسرد وقائعها واضطراباتها ومفاصلها ومناخاتها؛ وبسعيٍّ إلى تمتين نصّها الإنسانيّ في شهادة سينمائية، تمزج صُوَر الواقع بمتخيّل الابتكار الفني للقطات عديدة، وتروي فصول المواجهة المدنية لوحشية نظامٍ متحكّم بالناس ومصائرهم. والحكاية الثانية مفتوحةٌ على أسئلةٍ تتجاوز الإنسانيّ إلى الأبعد منه: فعل عيشٍ في دائرة موت. 

 

وهذا غير منفصل عن إشاعةِ مناخٍ آخر، وإنْ بمواربة واحتيال سينمائيين: إظهار وحشية نظامٍ، بمرافقة شباب"الخوذ البيضاء" في أعمال الإغاثة والإنقاذ، كما في رغباتهم البسيطة (تشييد حوض سمك صغير، رقص وغناء، حيّز للزراعة، ألعاب خاصّة بالأطفال في حديقة متواضعة، نزهة في ضوء شمسٍ لحظة هدنة مخيفة، إلخ)؛ وتبيانٌ غير مباشر لوقائع دمار وقتل وتهجير، وهذا كلّه يؤدّي إلى فضحٍ مبطّن لتغاضٍ دوليّ، وتفكّك قاسٍ لمعارضات مشتّتة، بعضها مُصابٌ بوحشية النظام نفسه.

حكايتان متكاملتان، إحداهما مع الأخرى، في مشهديات بصرية ملتَقَطة بكاميرا محمولة على الكتف (مدير التصوير: فادي الحلبي، تصوير: ثائر محمد ومجاهد أبو الجود)، تُلاحق أفراد "الخوذ البيضاء" في يومياتهم، وتكاد تختفي بهم ومعهم، فتُصبح مرايا وعيوناً في آن واحد: مرايا تعكس وقائع، وعيون تلتقط وتنقل وتُشارك في تلك المتاهة القائمة بين عيشٍ في سواد الموت، وعيشٍ على حافة الابتسامة، وعيشٍ على ضفاف المواجهة، وعيشٍ على أملِ خلاصٍ، وعيشٍ على صُوَر أشلاء وأنقاض ورغبات في خروجٍ آمنٍ، لكنه موؤود.

وإذْ تتقلّص مساحة الحكاية الأولى كي يُتاح للحكاية الثانية أن تتمدّد وتتّسع، فتختزل قولاً (سرد وقائع) وبوحاً (أسئلة المتطوّعين في السياسة والحرب والحرية والخلاص والقناعات والالتزام)؛ فإن الحكاية الثانية تنفلش في الاتجاهات المختلفة للنصّ الوثائقي، كي تتمكّن من إيجاد معادلات بصرية للحكاية الأولى. وهذا واضحٌ في اختيار فراس فيّاض الحكاية الثانية موضوعاً لفيلمه، وفي مقاربته السينمائية ذاك العالم المحيط به، كأنه ـ بسرده يوميات المتطوّعين المدنيين، وأمزجتهم وأهوائهم وكوابيسهم ومشاهداتهم وانفعالاتهم ورغباتهم ـ يقول شيئاً منه أيضاً.

واللغة سينمائية في مكامن مختلفة للنصّ البصريّ: إدخال لقطات لسوادِ ليلٍ محكومٍ بإضاءة قنابل تُحيل بعض الأمان إلى قلقٍ إضافيّ؛ ومزج أعمال الإغاثة والإنقاذ بلحظات استراحة مشوبة بارتباك السكون إلى نومٍ وهدوء قليلين؛ ثنائية الحسّ الإنساني، بين عملٍ تطوّعي يُصاب بخيبات (عجزٌ عن إنقاذ أرواح، استمرارٌ لا يُطاق لقصفٍ وحربٍ وقتلٍ وموتٍ وتدمير، تعطيلُ فرحٍ مطلوبٍ، إلخ.)، وعيشٍ عائليّ (خالد وابنتاه) يعاني انفصالاً بين أبٍ وأفراد عائلته. وهذا مصنوعٌ بتوليفٍ (ستين يوهانسن، المُشارك في الإخراج أيضاً، وميشال باور وفراس فيّاض) يُحدِّد سياق السرد وأطر الحكايات وجماليات الصورة المنبثقة من ألمٍ وتمزّق ودمعٍ.

####

"الميدان" وأسئلة الفنون والمُثُل العليا

نديم جرجوره

منذ حصوله على "السعفة الذهبية" لمهرجان "كانّ" السينمائيّ الدولي، في دورته الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017)، يُثير السويدي "الميدان" (إنتاج مشترك مع ألمانيا وفرنسا والدنمارك والولايات المتحدّة الأميركية) لروبن أوستلوند (1974) نقاشاتٍ مختلفة، تميل غالبيتها إلى الإيجابيّ فيه، على مستوى السينما والمعالجة والأسئلة المطروحة. مُشاركاته في جولات دولية عديدة تُزيد شغف الانتظار، واختياره لعرضٍ واحد فقط، في الدورة الـ 24 (24 يناير/ كانون الثاني ـ 4 فبراير/ شباط 2018) لـ "مهرجان السينما الأوروبية" في بيروت، دافعٌ لامتلاء صالتي "متروبوليس" (الأشرفية) بكاملهما، رغم أن كلاماً يتردّد منذ وقتٍ حول بدء عروضه التجارية اللبنانية بعد أسابيع قليلة. 

حكاية تمزج فنوناً بتساؤلاتٍ، وتطرح عناوين لجدلٍ غير منتهٍ، وتُقدِّم أداءً جميلاً في حبكة متماسكةٍ ومعالجة متينة الصُنعة السينمائية، وتدفع لجنة تحكيم "كانّ"، برئاسة الإسباني بيدرو ألمودوفار، إلى منحها الجائزة الأولى للمهرجان الدوليّ الأول. لكن الفنون، المتداخل بعضها بالبعض الآخر، لن تكون أساسيّة، بل منطلقاً لأقوالٍ تتناول وقائع العيش، وتتأمّل في أحوال الناس، وتروي فصولاً من ارتباطاتهم وهواجسهم وأفكارهم وانفعالاتهم ومخاوفهم. 

وهذا كلّه عبر شخصية كريستيان (كلاوس بانغ)، القيّم على متحفٍ للفن المعاصر، و"الداعم الدائم لقضايا نبيلة". لديه عرضٌ فنيّ، يحمل اسم "الميدان"، ويرتكز على دعوةٍ موجّهة إلى الزوّار، كي يتنبّهوا إلى الغير، ومذكّراً إياهم بدورهم كبشرٍ مسؤولين تجاه غيرهم من الناس. هذا، بحدّ ذاته، كافٍ لجعل النصّ (سيناريو روبن أوستلوند) نواة مفتوحة على كمٍّ من التساؤلات الحياتية والفكرية والروحية والإنسانية. لكن، في بعض الأحيان، يصعب على المرء أن يرتقي إلى مستوى مُثل عليا يرتضيها لنفسه، ما يؤدّي به إلى نوعٍ من تعرية فاضحة لمكنونات ذاته وخفاياها. فما إنْ يتعرّض كريستيان لسرقة هاتفه، حتى يقع ضحية مواقف مخزية، تكشف هشاشة إعلاناته وتأملاته. 

في موازاة ذلك، يُطلق المتحف حملة لـ "الميدان"، العمل الفني لكريستيان، لكن الاستجابة تأتي بشكلٍ غير متوقّع، ما يُدخل كريستيان والمتحف في "أزمة وجودية". 

الأزمة الوجودية، إنْ يصحّ استخدام التعبير هذا في معرض التعليق على فيلمٍ آخر، ستكون جوهر الفخّ الذي يقع فيه جورج، الناقد الموسيقي في صحيفة نمساوية في فيينا، منذ عقودٍ طويلة. ففي "الفأر البرّي" (مفردة "الفأر" بالإنكليزية تعني أيضاً "فأر الحاسوب") لجوزف هادر، يجد جورج نفسه، فجأة، من دون عمل، بعد أن يطرده رئيس التحرير بشكلٍ مفاجئ. لن تكون الأسباب مهمّة، فالأزمة الوجودية تتمثّل بانعدام قدرة جورج على التأقلم مع وضعه الجديد، خصوصاً أن وضعه المادي يسوء، وأنه يخفي الأمر عن زوجته جوانا، المعالِجَة النفسية المنشغلة، كثيراً، برغبتها في الحمل. لكن، وبمساعدة إيريك، صديقه من أيام الدراسة، يُخطِّط جورج للانتقام، وفي الوقت نفسه يُساعد إيريك على إصلاح القطار المعطَّل في "مدينة الملاهي"، في فيينا. 

العربي الجديد اللندنية في

05.02.2018

 
 

«تطبيع» في قلب القاهرة.. غضب بسبب عرض «القضية 23»

هاجر حمزة

حالة من الغضب تشهدها الأوساط الثقافية بعد عرض فيلم “القضية 23″، بسينما زاوية بوسط القاهرة، للمخرج اللبناني زياد دويري، المعروف بصلته العميقة بالكيان الصهيوني وتصويره أحد أفلامه السابقة بتل أبيب.

وانتقد البعض تأخر الحملة الشعبية لمقاطعة إسرائيل في اتخاذ موقف ضد الفيلم حتى الآن، خاصة أنه عرض في مهرجان الجونة السينمائي الدولي الذي أقيم منذ أشهر.

منسق الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة إسرائيل رامي شعث، قال: للأسف لم نتابع مهرجان الجونة الدولي آنذاك ولم يحظَ الأمر بتغطية إعلامية للفيلم مثلما حدث مع توقيت نزوله بزاوية، ولكن عرض الفيلم في سينمات مصر قصة مرفوضة تماما.

وأضاف شعث: رسالتنا مقاطعة أفلام لمخرج تطبيعي، ولا نعطي لأنفسنا الحق في الحكم على الفيلم، وحركتنا لا تقف ضد حرية الفكر والإبداع، نحن لا جهة قمع أو رقابة أو تقييم الفيلم، نفرق بوضوح بين حرية التعبير وحرية التطبيع.

واستطرد شعث: حركة مقاطعة إسرائيل تأسست عام 2005 كحركة مستقلة عن أية مؤسسات رسمية أو حكومية أو عالمية مشابهة، وتهدف إلى إعادة البوصلة باتجاه القضية المركزية وهي فلسطين ومقاومة التطبيع سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا.

وأشار شعث إلى أن المخرج زياد دويري عاش 11 شهرا في إسرائيل، وأنتج فيلمه السابق “الصدمة” بدعم من الكيان الصهيوني، وشارك في التمثيل والتصوير معه فريق عمل إسرائيلي، واستفاد من علاقته بالاحتلال ومستمر في تصريحاته التي تسفه من نضال الشعب الفلسطيني.

وأشار شعث إلى أصرار القائمين على سينما زاوية على عرض الفيلم، وقال: لم نلتق ماريان خوري مديرة السينما، ولكن عقدنا اجتماعات مع ابنها يوسف الشاذلي، وفشلنا في إثنائه عن وقف عرض الفيلم.

البديل المصرية في

05.02.2018

 
 

THE POST.. الصحافة تقود ولا تُقاد

كيف تضمن الفيلم إشارات إلى تعامل ترامب مع الإعلام؟

إيهاب التركى

كان السناتور الأمريكى المخضرم دانييل باتريك مونيهان يتناقش مع سناتور آخر أقل منه ثقافةً وحجةً، وثار الأخير، وأنهى المناقشة قائلًا: «حسنًا، يا سناتور مونيهان، هذا رأيك أنت فقط، وأنا لى رأى مختلف»، لكن مونيهان ردّ قائلًا: «سيدى، من حقك أن يكون لك رأيك الخاص، ولكن ليس من حقك أن تكون لك حقائقك الخاصة». الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما كان شاهد عيان على هذه الحكاية، ورواها للإعلامى الأمريكى ديفيد ليترمان فى برنامجه الجديد «My Next Guest Needs No Introduction» «ضيفى القادم لا يحتاج إلى تقديم»، وكان أوباما الذى ترك الحكم قبل عام يشير إلى تناقض الحقائق فى الإعلام الأمريكى الحالى، فى ظل قيادة خلفه دونالد ترامب.

هذا الأمر، مع الإحالة إلى حكاية من التاريخ القريب، هو جوهر ما يطرحه المخرج ستيفن سبيلبرج فى فيلمه الأخير «The Post» (ذا بوست)، والعنوان بشكل مباشر للغاية يشير إلى اسم الصحيفة الأمريكية الشهيرة، التى تمكنت من كشف أكاذيب دأبت عدة إدارات أمريكية متعاقبة على تقديمها للمواطن الأمريكى على أنها حقائق، ونشرت الصحيفة «أوراق البنتاجون»، وهو تقرير سرى للغاية، قام بتسريبه موظف مدنى يعمل بوزارة الدفاع الأمريكية للصحافة، يكشف فيه عن عدم جدوى حرب فيتنام، وهزيمة الجيش الأمريكى، وأن استمرار المعارك لسنوات كان مجرد مكابرة وعناد عسكرى وسياسى بلا طائل.
أزمة الصحافة فى كل زمان ومكان هى تعامل الأنظمة الملتبس مع الحقيقية، وفبركة حكايات بديلة لحقائق محرجة للحكومة، ثم الدفاع عن هذه الأكاذيب، ومعاقبة الصحافة حينما تكشف الحقيقة، وكلما كانت الحقيقة مُحرجة تعللت السلطة بحجة خرق الأمن القومى، وتعريض الدولة للخطر، وتلك الحجج تستخدمها السلطة غالبًا كغطاء لعقاب الصحيفة، وترهيب كل صحفى ينشر الحقيقية.

حكاية تسريبات البنتاجون فى السبعينيات لا تختلف كثيرًا عن تسريبات إدوارد سنودن فى الألفية الثالثة، لكن الحكاية فى «ذا بوست» تذهب إلى التاريخ القريب، وهذا يمنح الفكرة عمقًا أكثر، فما نعيشه حاليًّا لا يختلف عن وقائع تاريخية سابقة، لكن فى سياق تفاصيل وأجواء زمنية مختلفة، وأجواء التاريخ بتفاصيل الزمان والمكان والأزياء جزء من عالم ستيفن سبيلبرج الذى يهوى رواية كثير من حكاياته بالعودة إلى التاريخ، وهذا يتيح له إعادة خلق عالم انتهى، ولم يعاصره متفرج الألفية الثالثة، وهو المتفرج الذى عاصر تسريبات «ويكيليكس» وإدوارد سنودن، وهى تسريبات اعتمدت على وسائل ثورية للوصول إلى أكبر عدد ممكن فى وقت قياسى، ولهذا رواية الحكاية فى زمن الهاتف الأرضى، والجريدة المطبوعة، والكتابة على الآلة الكاتبة، يجعل السرد أكثر درامية، وما يمكن نشره الآن بالضغط على زر، كان يحتاج إلى أيام وأجهزة ومعدات، لكن محور الدراما الرئيسى، والأهم، هو الإنسان، وصراع القيم والمبادئ مع السلطة الغاشمة التى تفتك بمَن يعارضها بكل نفوذها.

رئيس تحرير الـ«واشنطون بوست» فى بداية السبعينيات بن برادلى «توم هانكس» يرى أن الطريقة الوحيدة لحماية حقوق النشر، هى النشر، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، خصوصًا حينما يضغط الرئيس الأمريكى الكاره للصحافة ريتشارد نيكسون، على الصحف لوقف النشر، أو الذهاب إلى القضاء.

الصحف ليست مجرد مبانٍ وصحفيين ومكاتب، بل هى كيانات حيَّة، تضم بشرًا لديهم مشاعر الخوف على المستقبل، والحرص على مصدر دخلهم، ولكن تأتى لحظات فى مهنة الصحافة يجد الصحفى والناشر نفسيهما على المحك، فالناشرة كاى جراهام (ميريل ستريب)، وريثة صحيفة الـ«واشنطون بوست» لديها إرث تحبه وتتباهى به، وترغب فى الحفاظ عليه، ومسؤوليات مادية وقانونية، وكذلك رئيس التحرير الجرىء بن برادلى، وكلاهما يصارع الضغوط بين المسؤولية المهنية والرغبة فى الحفاظ على كيان الصحيفة من الانهيار، ورغم تصوير سيناريو ليز هاما وجوش سينجر شخصية كاى جراهام كشخصية مترددة، خائفة من مواجهة البيت الأبيض، فإن حبها الأصيل للصحافة وإيمانها بدورها يجعلها تتجاوز ضعفها فى الأوقات الحاسمة.

الفيلم بطولة مجموعة من نجوم التمثيل، منهم ميريل ستريب، التى جسدت شخصية امرأة لم تتحمل يومًا مسؤولية كيان صحفى، وأدَّت ستريب هذه الشخصية بكل ضعفها وبكل حبها وإيمانها بالحقيقة، ومنحتها زاوية إنسانية خاصة، فهى ليست شخصية ثورية بعكس رئيس التحرير بن برادلى (توم هانكس)، لكنها تؤمن بقيمة الصحافة ودورها، ويجسد بوب أودينكيرك شخصية الصحفى الدؤوب بن باجديكيان، الذى يستطيع الحصول على الوثائق كاملة، وهو شخص أقرب إلى محقق بوليسى غامض.

أغلب أحداث الفيلم تتم فى صالة التحرير، فى مكاتب صاخبة، تضم عشرات من الآلات الكاتبة التى تعمل بلا توقف، الأجواء متوترة، والكل يتحرك بسرعة، التمثيل بلا شك هو أهم عناصر العمل، والجدل والنقاش هما مادة الكاميرا والماء الذى يتدفق ويصنع الدراما والإثارة، ولحظات الذروة تتعلق دائمًا بحكاية الصحافة والنشر، وليس التفاصيل داخل الأوراق، والفيلم بأكمله يقدم تحية للصحافة ودورها فى كشف الحقيقة، وشجاعة رجالها ونسائها، كما لا يغفل الإشارة إلى دور القضاء فى حماية الصحافة، وحقها فى نشر الحقائق للرأى العام، وحقها فى قيادة وتنوير الرأى العام.

لا يمكن إغفال الإشارات التى ضمنها سبيلبرج بالفيلم حول تعامل إدارة ترامب مع الإعلام، والتشابه بين أسلوب نيكسون وترامب فى التعامل بصفاقة مع الصحافة، ومنذ المشهد الأول بالفيلم نتابع رفض رئيس التحرير تغيير الصحفية المكلفة بتغطية حفل زفاف ابنة الرئيس بناء على طلب البيت الأبيض، لأن الصحفية هاجمت سياسات الرئيس فى مقالات سابقة، واختار سبيلبرج تقديم مشاهد نيكسون كظل بعيد من خلف نافذة البيت الأبيض، وصوت غاضب مشوش يتحدث فى الهاتف غالبًا، وكأنه شخص شرير فى حالة تآمر

المقال المصرية في

05.02.2018

 
 

أفلام واقعية وكوميدية مع قليل من الرعب

إيستوود ينقّب في حادثة القطار

لوس أنجليس: محمد رُضـا

في الأسبوع المقبل سيستعيد مشاهدو السينما في دبي وبيروت ولندن وباريس، علاوة على المدن الأميركية كلها، كيف استطاع ركاب القطار المتوجه من أمستردام قاصداً باريس، التغلب على رجل شهر سلاحه في وجه الركاب فيما وُصف بعملية إرهابية من ذئب منفرد ارتكبها مسلح مغربي باسم أيوب الخزّاني.

كان القطار انطلق بعد ظهر يوم الحادي والعشرين من أغسطس (آب) 2015 من أمستردام قاصداً محطة ليون في باريس. في نحو الساعة الثالثة والـ45 دقيقة، مباشرة بعد اجتياز القطار الحدود البلجيكية، دخل أيوب أحد حمامات القطار وخرج بعد دقائق قليلة منه عاري الصدر (على طريقة رامبو) معتمراً بندقية ومسدساً. اعترضه فرنسي بادئ الأمر ودارت بين الاثنين معركة أصيب فيها الفرنسي (تم التعريف عنه باسم داميان وإخفاء باقي الاسم) بجراح من مسدس أيوب، الذي استرد البندقية من داميان ودخل عربة الركاب، حيث حاول إطلاق النار عليهم. لم تشتغل البندقية؛ ما أتاح لثلاثة أميركيين الإمساك به والتغلب عليه وبطحه أرضاً بمساعدة شخص بريطاني. ثم ربط يديه إلى صعدت السلطات الفرنسية القطار وتسلمته. لاحقاً تم تكريم الركاب الذين قاموا بتقويض هذه العملية الإرهابية بمنحهم أعلى أوسمة الجمهورية الفرنسية. كتب عدة صدرت عن الحادثة، بينها كتابان من تأليف جفري ستيرن وآخر من تأليف دوروثي بليسكال قبل أن تلف الأيام الحادثة في طياتها.

بيوغرافي سابع

لكن المخرج والمنتج كلينت إيستوود يستعيد تلك الحادثة ويطبعها على شريط فيلمه السادس والثلاثين الجديد The 15:17 to Paris، طالباً من الجنود الأميركيين الثلاثة الذين شاركوا في التصدي لأيوب تمثيل أدوارهم من جديد. ليس أنه كان في سبيل تحقيق فيلم تسجيلي؛ بل لأنه اعتبر أنه ليس في حاجة إلى اختيار ممثلين ليقوموا بالدور ما دام أن هؤلاء الثلاثة متوفرون لإعادة تجسيد تلك اللحظات الحاسمة التي عاشوها.

هل يمكن لك أن تصدق أن يقوم مخرج من وزن إيستوود أو سكورسيزي بالطلب منك الظهور في فيلم استخلصه من حادثة مررت بها؟ إيستوود كان يبحث عن مشروع وكانت لديه خيارات أخرى غير هذا الفيلم، من بينها فيلمان كان أحدهما مقرراً له أن يأتي مباشرة بعد فيلمه الأخير «صولي» الذي أخرجه حول قائد الطائرة المدنية الذي جازف وحط بها فوق جليد نهر هدسون في حادثة حقيقية أخرى. لكن دخول هذا الفيلم على الخط وتأخر المشروعين الآخرين جعله يندفع في تنفيذ هذا العمل.

«قطار الثالثة و17 دقيقة إلى باريس» (كما يصح تسمية الفيلم بالعربية) هو سابع فيلم بيوغرافي ينجزه إيستوود على التوالي. أولها كان Invictus عن سنوات من حياة نيلسون مانديللا (2009) وبعد ذلك «للأبدية» (2010): «ج. إدغار هوڤر» (2011) و«فتيان جيرسي» (2014) و«قناص أميركي» (2014) ثم «صولي» (2016). بعضها ليس سيرة كاملة، لكنها جميعاً مستقاة من شخصيات وأحداث واقعة.

هذا الفيلم أبرز الأفلام المقبلة علينا هذا الأسبوع وفي الأسبوع المقبل، والوحيد بينها الذي يتحدث عن واقعة حقيقية. لكنه ليس الوحيد الذي يذكر بعبارة إيستوود الشهيرة «هل تشعر بأنك محظوظ يا سقيم؟» (Do You Feel Lucky، Punk?) الذي كان إيستوود رددها قبل 47 سنة في فيلمه Dirty Harry (إخراج دون سيغال) عندما كان إيستوود ما زال مطروحاً كممثل أولاً وقبل كل اعتبار آخر.

العبارة المذكورة ترد في فيلم كوميدي يجمع بين الرسوم المتحركة والصورة الحيّة بعنوان «وودي وودبَكر» (نقّار الخشب الذي عاش على شاشات السينما والتلفزيون بين أطفال تلك الفترة وما قبل) وقد يتوجه مباشرة إلى سوق الـDVD وحده داخل الولايات المتحدة على الأقل.

ليس بالفيلم الكوميدي الوحيد، بل هناك أيضاً فيلم «تشابك» (Entanglement) لجاسون جيمس حول ما يعترض بطله توماس ميدلتيتش من ظروف وتصرفات تذكر بتلك التي وردت في «جمال أميركي» (American Beauty).

مالك بن طلحة

إذا ما استبعدنا الفيلم الكرتوني «مونستر فاميلي»؛ كونه أنيميشن ومعظم هذه الأفلام باتت مصنعاً للضحكات، يبقى لدينا فيلم «إذن» (Permission) من بطولة مجموعة ممثلين، بينهم ربيكا هول ودان ستيفنز، ويدور حول فتاة شابة لا تريد الزواج قبل أن تتعرف على المزيد من الرجال.

النوع الغالب من الأفلام خلال هذه الفترة سيتألف من سيل الرعب. هناك على سبيل المثال الجزء العاشر من سلسلة Hellraiser، حيث يواصل صاحب الرأس المليء بالمسامير النافرة ترويعه للممثلين الآخرين في الوقت الذي يروّع فيه الفيلم المشاهدين بركاكته.

قبله بأيام يصدر الجزء الرابع من Hatchet 4، حيث يهرع الوحش الآدمي بفأسه لقتل المزيد من البشر، بينما - ولسبب غير مبرر - تقرر بطلة فيلم «ونشستر» العودة إلى منزل كان شهد أحداثاً مخيفة لتجد هيلين ميرين بانتظارها. هل نضبت الأدوار أمام الممثلة البريطانية الشهيرة لدرجة أنها ترضى اليوم بتمثيل هذه الأفلام، أم أن الأجر سيساعدها على اقتناء ذلك البيت الكبير في شمالي لندن الذي تفكر فيه؟

للسينما الفرنسية أفلامها السخيفة كذلك، ومنها «تاكسي» الذي يطل الجزء الخامس منه باستيحاء مصادر الترفيه الهوليوودية: سيارات سريعة، إحداها ترتفع عمودياً في السماء... وكل شيء هو لخلق نجاح يؤمه الشباب الراغب في متعة لحظوية.

أحد ممثليه هو مالك بن طلحة الذي زاد نصيبه من الأفلام خلال السنوات الأربع الماضية عبر اختيارات ماهرة، ولو أن غالب ما مثله من أفلام خلال هذه الفترة كان من النوع الكوميدي.

ولعل صالات بيروت هي الصالات العربية الوحيدة التي تعرض حالياً الفيلم الفرنسي - السنغالي «فليسيتيه» بعد نحو سنة على عرضه في مهرجان برلين المنصرم. فيلم لاقى رواجاً لا بأس به في فرنسا يدور حول معاناة تلك الأم السنغالية التي تعمل مغنية في حانة للسكارى لكي تعيل نفسها وابنها المقعد في دارها الصغيرة.

الشرق الأوسط في

07.02.2018

 
 

رئيس أكاديمية "أوسكار": هوليوود على مفترق طرق بعد #MeToo

(العربي الجديد)

أشاد رئيس "أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة" بصناعة السينما وتصديها لـ "أسوأ التجاوزات"، خلال خطاب في حفل غداء "أوسكار" السنوي، مشدداً على أهمية حركة #MeToo (أنا أيضاً)، ومعتبراً إياها "مفترق طرق" في هوليوود.

وقال رئيس الأكاديمية، جون بايلي، إن "الأساس المتحجر للتجاوزات الأسوأ قد بدأ بالانهيار"، وأضاف أن "ثراء العديد من الأفلام المرشحة لـ (أوسكار) هذا العام الدليل الأوضح على ذلك"، خلال كلمة أمام المرشحين لـ "أوسكار" في حفله الـ 90 المرتقب.

كما نوّه إلى التحسن في تمثيل النساء والأعراق والأديان في جوائز "أوسكار"، علماً بأن القائمين على الحفل تعهدوا بمضاعفة عدد النساء والأقليات في الأكاديمية بحلول عام 2020.

بايلي انتُخب رئيساً للأكاديمية في أغسطس/آب الماضي، قبل مزاعم التحرش والاعتداء الجنسي التي طاولت منتج هوليوود المخضرم، هارفي وينستين، مباشرة.

في المقابل، نظم صانعو الأفلام اللاتينيون و"الائتلاف الوطني للإعلام الإسباني" وقفة، خارج مكان إقامة حفل الغداء، وطالبوا بزيادة تمثيلهم في "أوسكار"، إذ على الرغم من ازدياد نسبة التنوع في المرشحين للجوائز هذا العام، إلا أن اللاتينيين لا يزالون لا يحظون بتمثيل ملائم، ويقتصر وجودهم على 3 في المائة من الشخصيات الناطقة في الأفلام المائة الأفضل عام 2016، وفقاً لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية.

العربي الجديد اللندنية في

07.02.2018

 
 

فيلم «Get Out»: العنصرية في ثوب الرعب النفسي

محمد حمدي هاشم

في أحد أشهر مشاهد فيلم «Django Unchained» للمخرج «كوانتين ترانيتو» يتحدث «كليفن كاندي» (أدي دوره «ليناردو ديكابريو») عن رؤيته لأسباب خضوع السود واحتلالهم مكانه أقل اجتماعيًا، وحاول تبرير ذلك علميًا من خلال تشريحه لجمجمة أحد الخدم السود، وعدد الفروقات في تصميم الجمجمة التي تجعل السود أقل ذكاءً وأكثر ميلًا للخضوع والذل عن الجنس الأبيض.

الفيلم رغم عدم التزامه بالدقة التاريخية كما اعتدنا من «تارنتينو»، لكنه يعبر عن لغة تحاول تبرير التمايز بين الأعراق، تلك اللغة التي ما زالت مستمرة بأوجه عديدة في بعض الدول الأكثر تخلفًا. لكن في الدول الحديثة كالولايات المتحدة يتغير الحال.

يقول «دين أرميتاج» في فيلم «Get Out» وهو رب الأسرة  المثقف، الثري، الأبيض، صاحب التوجهات الديموقراطية؛  إذا كان يستطيع، فإنه سيتوجه لانتخاب «بارك أوباما» للمرة الثالثة. ويقول «دين» هذه العبارة بقناعة تامة وإيمان كامل، إن أوباما رئيس استثنائي يستحق الانتخاب للمرة الثالثة.

ولكن هل «دين أرميتاج» يخلو من العنصرية؟ أم للعنصرية أشكال كثيرة منها الإيمان الشديد بقدرات السود والرغبة في تملك تلك الإمكانيات الاستثنائية؟

العنصرية في ثوب جديد

تدور أحداث فيلم «Get Out» عن المرة الأولى التي يزور فيها الفتى الأسمر «كريس» منزل عائلة حبيبته البيضاء «روز». يوجد هذا البيت منعزلاً وسط الغابات، وتبدأ الزيارة قبيل عطلة نهاية الأسبوع. يتوتر «كريس» بسبب ترقبه لرد فعل أسرة روز التي لا تعلم أنه أسود.

تخبره «روز» أن أسرته ليست عنصرية، وأنها لا يجب أن تعلمهم مسبقًا بالأمر. يذهب «كريس» معها ويقابل الأسرة التي بدت تصطنع الود. ويشعر أن هناك سرًا وراء تلك الأسرة حيث إن الخدم من السود وتصرفاتهم وحركتهم غريبة.

بالإضافة للأم الطبيبة النفسية التي تستخدم التنويم المغناطيسي للعلاج، وتعرض عليه مساعدته للإقلاع عن التدخين ويرفض. رغم كل الشكوك ولكنه يعود لحبيبته دائمًا لتطمئنه وتحتضنه.

يطرح «جوردن بيل»، في فيلمه الأول الذي يقوم بكتابته وإخراجه، فكرة الأشكال الجديدة للعنصرية، والتي ليست بالضرورة استعباد السود أو عدم الإيمان بقدراتهم، أو الضغط عليهم سياسيًا واجتماعيًا ليقوموا بالأعمال الأدنى وترك الأعمال ذات الشأن الاجتماعي، والسياسي للجنس الأبيض.

بل تأخذ شكلاً جديدًا وهي نظرة البيض لهم كمنافسين أقوياء في المجتمع، يمتلكون مقومات جسدية وعقلية يجب استغلالها. يظهر ذلك بكثرة في مشاهد هوس عائلة «روز» بجسد «كريس» وأعضائه، والسؤال عن قوته الجنسية، وإعجابهم بقوة عينيه ورؤيتها الفنية!.

ولكن رغم ذلك يرون السود أدنى منهم، شيء يشبه رؤية الجنس البشري للروبوتات في حالة تعديهم ذكاء الإنسان، فيجب استغلالهم لأنهم أدنى منا ومن صنع مبدعينا، وتلك هي رؤية عائلة «روز» التي تمثل المجتمع الأبيض لـ«كريس» والذي بدوره يمثل مجتمع السود.

الشعور بالدونية يسيطر على السود رغم معرفتهم بقدراتهم الجيدة. فمنذ بداية الفيلم و«كريس» مهزوم داخليًا. يخشى تلك الزيارة ومن عدم معرفة أسرة «روز» بلونه، وتلك ليست نظرة «كريس» وحده فصديقه الأسود «رود» يحذره  بأسلوبه الساخر من الذهاب.

ويؤكد «بيل» أن الانهزام الداخلي لكريس وصديقه ليس بسبب رواسب من الماضي السحيق فقط. بل بحوادث عنصرية تحدث كل يوم وإن كانت أقل حدة. مثل طلب ضابط البوليس لبطاقة هوية كريس بعد صدمهم للغزالة على الطريق. رغم أن الموقف لا يستحق أي تشكيك أو ريبة. ولكن كونه أسود مع فتاة بيضاء أثار ذلك حفيظة الضابط.

الرعب بين النفسي والاجتماعي

جمع «بيل» بين أفكاره السابق ذكرها عن العنصرية وأحد أشهر تيمات الرعب سواء في الأدب أو السينما، وهي الدعوة لزيارة مكان ما يبدو طبيعيًا، ولكن سمة أشياء مريبة تحدث إلى أن تتكشف في النهاية. وهذه التيمة لا ترغب في تصدير الرعب والفزع، ولكنها تصدر شعور عدم الارتياح. فالفزع التقليدي سيؤدي لهروب مساحات التأمل والاستشراف فيما يريده صانع الفيلم من عقل المشاهد.

بالفعل نجح «جوردن بيل» كمخرج في تصدير هذا الشعور بعدم الارتياح، نحن لسنا أمام فيلم رعب تقليدي، بل أمام فيلم غير مريح. منذ أول مشهد (long shot)  لمنزل الأسرة وهي تستقبل «كريس» وتظهر خلفية الخادم وهو ينظر إليهم من بعيد.

مشهد استشرافي بامتياز يترك فيه المشاهد يطرح تساؤلات من خلال تأمله في اللقطة. نجح أيضًا في نقل مشاعر عدم الارتياح في نظرات الخدم السود، والتي جمع فيها تقنيًا بين استخدام «التصوير البطيء – slow motion» مع لقطة «medium close up» على الوجه. فيبدو المشهد وكأنه جزء من كابوس حقيقي.

وكذلك مشهد جري الخادم الأسمر ليلاً نحو «كريس»، حيث استخدم لقطة «نقطة النظر – Pov» لكي يشعر المشاهد بما يشعر به «كريس». وكذلك مشاهد التنويم المغناطيسي والتي رغم بساطة الفكرة وتنفيذها ولكنها لا تخلو من ابتكار ربما لأول مرة يتم تنفيذه. خصوصًا في جزء غوص «كريس» داخل ذاته.

ولا يجب أن ننسى أن أداء «دانيال كالويا» هو الركيزة الأساسية لنجاح الفيلم، فدونه لم يكن ليظهر بهذه الجودة. وهو أحد العناصر القليلة المجمع على تميزها. ولذلك ربما تكون الميزة الأكبر من دخول «Get Out» في موسم الجوائز هو التقدير المستحق لأداء «كالويا». رغم تميز بقية الممثلين، ولكن طغي أداؤه على الجميع، ليثبت أنه ممثل واعد وسيكون أحد نجوم السينما الأمريكية إذا أعطيت له أدوار مميزة.

تناول جديد للعنصرية

وبعيدًا عن الاستحقاق من عدمه للترشح لجوائز الأوسكار الرئيسية (أفضل فيلم-أفضل إخراج- أفضل سيناريو أصلي- أفضل ممثل رئيسي)، ينتمي فيلم «Get Out» لفئة أصبحت بديلة للأفلام التقليدية التي كانت معتادة حتى وقت قريب عن أزمة العنصرية مثل «12 Years A Slave»، و«The Help»، والتي يهرب أغلبها من العنصرية المعاصرة ويذهب لعصر العبودية، حيث يحاول فرض التعاطف بالقوة وبالابتزاز الأخلاقي على المشاهد، فمن سيقبل العبودية؟

حتى ضابط الشرطة الذي يتعدى على المواطن الأسمر لن يقبل بذلك غالبًا. وهذه نقطة سطحية في الأفلام الماضية، فهي أفلام ابتزاز عاطفي، وهروب عن الواقع وينتهي المشهد السينمائي السنوي غالبًا بإحدى جوائز الأوسكار في يد أحدهم، مع بعض دموع الفرح في وجه الفنانين البيض لإبداء عدم عنصريتهم.

ولكن من العام الماضي أصبحت أفلامًا معاصرة مثل «Moonlight»، و«Get Out» بديلاً في موسم الجوائز. ولا شك أن هذه الأفلام بها مساحة أكبر من التجريب. فلأول مرة تقريبًا يتم تقديم فكرة العنصرية في إطار من الرعب النفسي. ولذلك تركيز موسم الجوائز على الأفلام المعاصرة التي تتحدث عن العنصرية لهو مؤشر إيجابي ويفتح للمبدعين من ذوي البشرة السمراء مجالًا أوسع للإبداع والتجريب حتي في قضايا العنصرية التي ظلت حبيسة الرؤية التقليدية حتى وقت قريب.

موقع "إضاءات" في

08.02.2018

 
 

عن ترشيح كريستوفر بلامر لـ"أوسكار" أفضل ممثل ثانٍ

محمد جابر

مع إطلاق العروض الدعائية الأولى لـAll The Money in the World لريدلي سكوت، قبل أشهرٍ، كان متوقّعًا أن ينال كيفن سبايسي ترشيحًا لجائزة "أوسكار" في فئة أفضل ممثل مساعد، نهاية عام 2017، عن تأديته دور شخصية حقيقية، هي ج. بول غيتي. وهو ظهر في مشاهد عديدة بشكلٍ مختلف، ومكياج متقن، وأداء جذاب.

لكن كلّ شيء تبدّل، مع انفجار حملة Me Too (أنا أيضاً)، واعتراف رجال ونساء عن تعرّضهم لتحرّشات من أشخاصٍ ذوي نفوذ داخل عالم صناعة الأفلام في هوليوود، بعد كشف فضيحة المنتج هارفي وينستين، التي سبّبت فضائحه ـ والكشف الجماعي عن تفاصيل كثيرة منها ـ إطلاق الحملة أساساً، علماً أن هناك ممثلين مُتّهمين بالتحرّش أيضًا، منهم كيفن سبيسي نفسه، الذي اتّهمه أكثر من ممثل بالتحرّش به في أعوامٍ مختلفة، ومنها أثناء تصوير مسلسله الناجح House of Cards

دعاوى الوصم والمقاطعة أدّت إلى نبذ متوّرطين داخل هوليوود. بسبب الحملة المكثّفة على سبايسي، بعد إصداره بيان اعتذار مرتبك، اعتبره كثيرون سببًا أكبر للنبذ، أعلنت المنصّة الأميركية "نيتفليكس" عن وقف الموسم السادس من House of Cards

في المقابل، وقعت شركة "سوني" والمخرج ريدلي سكوت في ورطة، إذْ انتهى تصوير All The Money in the World، وتحدّد موعد بدء عرضه التجاري، وأطلقت الأشرطة الدعائية، وبعضها متعلّق بكيفن سبيسي نفسه. فكان الحلّ ـ الذي أُعلن عنه في نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت ـ غريبًا وحادًّا ومفاجئًا: إعادة تصوير مشاهد سبايسي مع الممثل الكبير ـ سنًّا ومقامًا ـ كريستوفر بلامر، في أسبوعين اثنين فقط، لإنجاز المشروع كلّه قبل الموعد المحدّد لبدء عرض الفيلم، نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2017. 

قرار كهذا كلّف "سوني" 10 ملايين دولار أميركي، وجعل ريدلي سكوت وكريستوفر بلامر، مع أعضاء فريق العمل الخاص بالفيلم، يعملون من دون توقف، لإنهاء تصوير 22 مشهدًا في 13 يومًا. لكن، من وجهة نظر أخرى، فإن القرار أفاد الفيلم إعلاميًا ودعائيًا بشكل كبير، جاعلاً إياه أحد أبرز الأحداث السينمائية في عام 2017، قبل أن تُرشِّح "أكاديمية فنون الصورة المتحركة وعلومها" كريستوفر بلامر لجائزة "أوسكار" في الفئة نفسها، عن دوره هذا، فيصبح أكبر ممثل سنًّا يترشح للجائزة في تاريخها. 

أما السؤال المُلحّ، المطروح مباشرة بعد إعلان الترشيحات: هل لهذا الأمر علاقة بكواليس الفيلم، وتدعيم الاختيار "الأخلاقي" ظاهريًا (ذي الحسابات الاقتصادية والمالية، طبعًا) بنبذ كيفن سبايسي؟ أو أن المسألة مرتبطة بتقدير تجربة، تتمثّل في وجود فنانين اثنين يعملان معاً، وهما في الثمانينيات من العمر (سكوت في الـ81، وبلامر في الـ88)؟ خصوصًا أنهما عملا بجهدٍ كبيرٍ لأسبوعين متواصلين لإنجاز الفيلم بشكلٍ جيّد؟ 

كلّ تلك الأسباب والسياقات محتملة، ولها تأثير على المصوِّتين. لكن الأمر سيكون مجحفًا إنْ تمّ تجاوز مسألة أن كريستوفر بلامر نفسه قدّم أداءً رائعًا، وأن ترشيحه للجائزة ليس غريبًا.

العربي الجديد اللندنية في

09.02.2018

 
 

بعد عرض «القضية رقم 23» في مصر... جدل بين مؤيدين ومعارضين

جمال عبد القادر

ما الذي يحكم قرار مقاطعة فيلم ما، هل عدم توافق المحتوى الذي يُقدمه مع توجهنا القومي ومناهضة دولة الاحتلال، أم جنسية المخرج وانتماؤه؟ إذا كان المخرج إسرائيلي الجنسية وقدّم فيلماً ينتصر للقضية الفلسطينية ويهاجم الصهيونية، هل نشاهد عمله لأنه ينحاز إلينا أم نقاطعه لأنه ينتمي إلى دولة الاحتلال؟ هذه وغيرها من تساؤلات أثارتها حالة من الجدل والخلاف مع قرار المنتجين غابي وماريان خوري عرض فيلم «القضية رقم 23»، الذي بحسب البعض يتضمن تحاملاً على القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد اتهام المخرج بالتطبيع مع الكيان الصهيوني بعدما زار دولة إسرائيل وصوَّر أحد أفلامه في تل أبيب.

يؤكد المنتج د. محمد العدل أنه يستند في قراره مشاهدة فيلم ما من عدمها إلى المحتوى الذي يقدّمه العمل الفني وما يطرحه من أفكار لأنها الأبقى والأسهل في الوصول إلى المشاهد.

أما جنسية المخرج وانتماؤه، فلا تهم المشاهد عندما يبدأ العمل الفني، كما يقول العدل، مضيفاً أن الكاتب علي سالم أحد أكثر المتحمسين للتطبيع مع دولة الكيان الصهيوني وأعلن ذلك كثيراً، ومع ذلك لم يطالب أحد بمقاطعة مسرحية «مدرسة المشاغبين» ولا نغلق التلفزيون عندما تُعرض وننسى معها توجهه أو أفكاره. كذلك المخرج الراحل حسام الدين مصطفى أحد دُعاة التطبيع، وهو صرح أن لو كان في إسرائيل مهرجان فني ما تردد في المشاركة والذهاب إليه، ومع ذلك أفلامه الكبيرة «السمان والخريف، والطريق، والنظارة السوداء، والشيماء، والأخوة الأعداء، وآدهم الشرقاوي، وكلمة شرف» وغيرها التي صنِّف بعضها ضمن أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما موجودة ونشاهدها باستمرار ولم يطالب أحد بمنعها أو حذفها من تاريخ السينما بسبب أفكار وآراء المخرج.

في السياق نفسه، ترى الناقدة ماجدة خير الله أنها مع مشاهدة الأعمال الإسرائيلية من باب «اعرف عدوك»، فمن غير المنطقي أن أجهل إلى أين وصل المجتمع الإسرائيلي وكيف ينظر إلينا مع هذه العداوة التاريخية، فيما هو يتابع كل ما نقدمه.

وتضيف: «لا تعني هذه المتابعة تغير موقفنا تجاه إسرائيل، ولكنها فقط مشاهدة للتعرف إلى الأعمال وتوجيه النقد إليها التي قد تلتبس على غير المثقفين، لذا لا بد من أن تكون المتابعة من النُخبة والمثقفين فحسب، ومن خلال المشاهدة الفردية أو المراكز الثقافية من دون العرض التجاري أو المشاركة في المهرجانات التي تستضيفها مصر».

وتتابع خير الله أنها شاهدت أحد الأفلام الإسرائيلية «الفرقة الموسيقية» في مكتب الراحل أنيس منصور، ثم كتب عنه ووجّه النقد إليه وإلى أفكاره.

رفض قاطع

ترى الفنانة تيسير فهمي أنها ضد مشاهدة أي عمل فني يحمل جنسية دولة الاحتلال مهما كان توجهه أو حتى مع انحيازه التام إلينا وإلى القضية الفلسطينية.

وتشرح وجهة نظرها قائلة: «ربما يكون الانحياز بداية لمد جسور التواصل التي حاول العدو كثيراً وصلها بعد كامب ديفيد وفشل». وتضيف: «إذا شاهدنا أعمالهم سنعتاد مناقشتها ثم التفاعل معها وربما الانحياز إليها. ولكن لست ضد مشاهدة الأفلام الأميركية لمخرج أو منتج يهودي الديانة، فهي تختلف عن مشاهدة عمل فني لمخرج يحمل جنسية دولة الاحتلال».

فهمي ضد عرض فيلم «القضية 23» لأنه، في نظرها، ينحاز إلى الكيان الصهيوني بشكل غير مباشر من خلال التحامل على الشخص الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وهي ليست المرة الأولى التي يتناول مخرج العمل هذا الأمر، من ثم من حقي أن أعترض على المحتوى حتى مع جنسيته اللبنانية.

بيان مقاطعة

يرى الناقد نادر عدلي أن هذا الأمر حُسم منذ سنوات طويلة عندما أصدرت النقابات الفنية في أواخر السبعينيات، وفي أعقاب اتفاقية كامب ديفيد، بياناً بمقاطعة كل ما ينتمي إلى دولة الاحتلال ورفض أية صورة من صور التطبيع الفني والثقافي وهذا الأمر مستمر حتى الآن.

ويضيف عدلي: «في أواخر التسعينيات عُرض فيلم ينتمي وكل فريق عمله إلى دولة الاحتلال ولكنه ينتصر للقضية الفلسطينية، في أحد الفنادق الكُبرى وحضرته مجموعة من السينمائيين. حدث آنذاك انقسام بين هؤلاء وانتهى الأمر برفض الفيلم طبقاً للقرار الذي أصدرته النقابات الفنية رغم توجهه المختلف».

محتوى الفيلم، أي فيلم، بحسب عدلي، يخضع لوجهات نظر من حق المخرج طرحها ومن حقنا الاختلاف والرفض والنقد، مؤكداً أن ثمة أموراً أخرى تتعلق بالمقاطعة تحتاج إلى إعادة مراجعة من النقابات الفنية.

يتابع: «مثلاً تدعو السلطة الفلسطينية الفنانين المصريين والعرب إلى زيارة فلسطين ونقل مُعاناة الشعب الفلسطيني، ولكن يحول دون ذلك رفض الجميع الدخول عن طريق سلطات الاحتلال، وهنا لا بد من مناقشة الأمر، هل نتجاوز الشكليات وندعمهم أم نستمر في الموقف نفسه، أي المقاطعة بالشكل ذاته؟».

الجريدة الكويتية في

09.02.2018

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)