تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

«حياة الآخرين».. الحائز على جائزة الأوسكار

صلاح حسن - أمستردام

تخطو السينما الألمانية يوما بعد يوم خطوات واسعة باتجاه صناعة أفلام حديثة ومختلفة تتجاوز حدودها الأوروبية إلى كل مكان في العالم على أيدي مخرجين وكتاب سيناريو جدد ابهروا العالم  بأفلامهم في السنوات الثلاث الأخيرة، فقد شاهد العالم قبل سنة من ألان فيلم العطر المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه «شاهده في أوربا وحدها أكثر من خمسة ملايين مشاهد» وقبل سنة من ألان أيضا اطل علينا المخرج الألماني فلوريان دونرسمارك بفيلمه الباهر «حياة الآخرين» الذي مازال يعرض حتى هذه اللحظة بعد إن نال الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي في العام الماضي .

يصور الفيلم قصة مستلهمة من ألمانيا الشرقية قبل سقوط جدار برلين بسنوات قليلة ويتحدث عن حياة كاتب يوضع تحت المراقبة من قبل المخابرات، غير إن الضابط المكلف بمراقبة هذا الكاتب يتأثر بطريقة حياة الكاتب كما لو انه يكتشف حياته من جديد وفي النهاية يقرر إن يقدم تقارير كاذبة إلى مدرائه من اجل حماية الكاتب وحماية صديقته التي يقوم بابتزازها وزير الثقافة ويجبرها على ممارسة الجنس معه.. القصة واقعية وربما مأخوذة من أرشيف دائرة المخابرات في ألمانيا الشرقية لان سيناريو الفيلم البديع خلا من اصغر الثغرات وكان محسوبا بدقة متناهية مثل أي عملية مخابراتية.

يبدو رجل المخابرات المكلف بمراقبة الكاتب، الممثل الكبير «اورلش موهي» وحشا في صرامته الوظيفية وآلة مبرمجة في أداء واجبه ولا يعرف من الحياة سوى العمل والبيت الخالي من أي شيء يذكر بوجود إنسان يعيش في هذا المحيط، لكن هذا الوحش كما هو حال انكيدو في ملحمة كلكامش يروض من خلال البغي التي تعيد له إنسانيته المدفونة تحت طبقات عميقة في اللاوعي.

فبعد إن يتابع رجل المخابرات هذا أثناء مراقبته لحظات حميمة بين الكاتب وصديقته الممثلة المسرحية «مارتينا غديك» يكتشف انه لم يعرف امرأة طيلة حياته، لكن حين يمارس الجنس مع العاهرة لأول مرة تبدأ حياته تتخذ مسارا مغايرا تماما، ثم يقوم بتناول الكحول ويكتشف في تلك اللحظات إن في داخله إنسانا حيا وجيدا فوق ذلك، إما الانقلاب الحقيقي فيحدث عندما يستمع إلى قطعة موسيقية رائعة موقعة على آلة البيانو فتنحدر دموعه بصمت كما لو انه نادم على سني حياته التي قضاها في تدمير حياة الآخرين.. هنا تحدث الانعطافة الأولى في الفيلم من دون إن يخرج عن مساره.

يرينا الفيلم بطبيعة الحال الطريقة التي تعمل بها أجهزة المخابرات في العالم، لكن في هذا الفيلم نرى جهاز مخابرات من نوع خاص لأنه جهاز لدولة فاشية قائمة على ايديلوجيا متعصبة وتابعة لحزب واحد أوحد، بحيث تتحول هذه الايديلوجيا من فكر إلى دين ينبغي على الجميع عبادة الأخ الأكبر فيه من دون سؤال أو نقاش، هذا من جانب، إما الجانب الأخر فالفيلم يرينا كيف يتحول المواطن في هذا البلد إلى متهم ينبغي إن يثبت براءته كل يوم، إما السخرية المبطنة التي نجح كاتب السيناريو في إبرازها فسوف نجدها في اللغة التي يستخدمها المحققون مع المشتبه بهم، اذ غالبا ما يبدأون حوارهم بكلمة «حضرتك أو أيها السيد» لكن ما يحدث بعد ذلك شيء آخر تماماً.

الممثل القدير سباستيان كوك الذي رأيناه في فيلم «كتاب اسود» للمخرج الهولندي فرهاخن يقوم بدور الكاتب في هذا الفيلم بعفويته التي تعد سمة ثابتة في أدائه المتميز، يعيش هذا المثقف مثل غيره من مثقفي الشطر الشرقي من ألمانيا حالة من الإحباط والخوف لأنه معرض في كل عمل أدبي يقدمه إلى المساءلة من قبل الأجهزة الأمنية التي منعت احد أصدقائه من الكتابة والنشر ما دفعه إلى الانتحار، هذا الحدث المؤلم يدفعه إلى البحث عن آلة طابعة من اجل كتابة مقال عن الوضع الرهيب في البلد وتهريبه إلى الشطر الغربي من ألمانيا لينشر في صحفها حيث سيحدث المقال ضجة كبيرة.

الانعطافة الثانية في الفيلم والتي ستزيد من توتر القصة تبدأ من شك المدراء بطبيعة التقارير التي يقدمها الضابط المكلف بالمراقبة، وعلى ضوء هذا الشك يجري اعتقال صديقة الكاتب وتهديدها من اجل الاعتراف حول كاتب المقالة ومكان الآلة الطابعة، الأكثر من ذلك إن على الضابط الذي يراقب الكاتب إن يقوم باستجواب المرأة لحنكته الشديدة في هذا المجال وعليه في هذه الحالة إن يضرب عصفورين بحجر، العصفور الأول إن عليه أن ينقذ نفسه باستخدام صرامة كافية في التحقيق لكي يثبت للمدراء انه مازال يعمل معهم، والأخر أن يقنع المرأة وعن طريق اللغة أيضا بعدم الاعتراف.

ولان المرأة تنهار وتعترف يغادر مكتبه بسرعة ودون علم احد ويذهب إلى بيت الكاتب ويخفي الآلة الطابعة في سيارته قبل مجيء الدورية وبذلك ينقذ الكاتب، لكن صديقة الكاتب تنتحر تحت وطأة الشعور بالذنب وهذه وسيلة فنية وتقنية استخدمها المخرج ليدلل للمشاهد على إن هذه الأعمال ينبغي إن ينتج عنها ضحايا في النهاية.

بعد سقوط جدار برلين تفتح دائرة مخابرات ألمانيا الشرقية أمام الزوار ويذهب الكاتب لرؤية الملف الضخم الذي جمعه الضابط الذي كان يراقبه فيجد مادة دسمة لكتابة رواية، بل يجد رواية جاهزة فيقوم بطبعها ونشرها ويكون الإهداء: إلى رجل جيد وهو هنا ضابط المخابرات، المفارقة الأخيرة
حين يشاهد ضابط المخابرات السابق والذي بدأ يعمل موزعا للإعلانات، ملصقا عن الرواية فيذهب لشرائها.

وحين يقلبها يجد أنها مهداة إلى رجل جيد وقد وضع الكود السري الذي كان يعمل تحته، يسأله البائع فيما إذا كان يريد إن يغلفها له كأنها هدية لكنه يقول له : أنها من اجلي.

استغرق عرض الفيلم أكثر من ساعتين ولكن الملل لم يتسرب إلى نفوس المشاهدين بسبب الإيقاع المشدود والتوترات التي انطوت عليها القصة والأداء المتفوق للممثلين، خصوصا الضابط الذي قدم شخصية مركبة واشتغل على المشاعر الداخلية واظهر براعة كبيرة في التعبير عنها، أما سباستيان كوك فاستطاع من خلال حركاته القليلة المنسابة إن يظهر ذلك الخوف والذهول المتوقع.

نجح الفيلم بشكل كامل لان أدواته كانت مكتملة ابتداء من السيناريو المتقن إلى حد كبير والكاميرا الجذابة التي صورت مشاهد في غاية الخصوصية، إضافة إلى الرؤية الإخراجية التي كانت محيطة بأدق التفاصيل، حاز الفيلم على جائزة الجمهور في استفتاء أجرته جريدة الفولكس كرانت الهولندية وعد أفضل فيلم لسنة 2007.

المدى العراقية في

17/03/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)