تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

استضافته قناة «كُرد سات» عبر برنامج «في أوروبا»...

سليم بركات محجوباً أمام عدسة خائبة!

دمشق - إبراهيم حاج عبدي

لا يوازي ظهور الروائي والشاعر الكُردي السوري سليم بركات على الفضائيات، تميزه في مجال الشعر والرواية، فقد أطل هذا الكاتب مرتين فقط عبر الشاشة، في حين تجاوز عدد كتبه الثلاثين كتاباً موزعة، بين شعر ورواية، فضلاً عن كتابين في السيرة الذاتية كتبهما، على عكس أقرانه، في مطلع تجربته الإبداعية. وهو يبرر الأمر قائلاً: «ربما أدركتُ، مبكراً، بإلهامٍ من خيال الخسارة فيَّ، أن عليَّ الذهاب إلى سيرتي في مشهدها العاري. لم أخطط للأمر. حصل عفواً»، ويضيف: «كلما كبرنا كبرتْ نزعة التنقيح. قرأتُ سِيَراً «منقَّحة» بممحاة التاريخ الشخصي لكتَّابها: نزوع إلى «تطهير» ما».

المرة الأولى التي ظهر فيها بركات كانت، قبل سنوات، عندما استضافته قناة «الجزيرة» في برنامج «موعد في المهجر»، والمرة الثانية كانت، قبل أيام، عندما أطل عبر قناة «كُرد سات» من خلال برنامج «في أوروبا». كان من الصعب على مقدمي البرنامج أن يقدموا صورة لسليم بركات تعادل تلك التي ترتسم في مخيلتنا حينما نقرأ لغته الوعرة، المتقنة، الشاردة في حقول البلاغة، والاستعارة، والرمز، والمجاز... فبدا الكاتب محجوباً خلف قناع خفي صنعته العدسة الخائبة.

اكتفى البرنامج بتسليط العدسة على بركات وهو يتحدث بعامية جمعت بين اللهجة الجزراوية والشامية واللبنانية، ومع أن مفارقة حادة تظهر لدى عقد مقارنة بين تلك اللغة العالية التي يكتب بها بركات، وبين هذه اللغة العامية الشفاهية، السهلة التي يتحدث بها الآن أمام الشاشة، إلا انه نجح في نقل بعض هواجس الكتابة، وهموم الحياة، والمنافي، ورائحة القلق التي تطل مع كل صباح جديد. قال بركات ان «الكتابة لا تحقق أحلام الكاتب مطلقاً، بل هي، ربما، تحقق أحلام القارئ»، وهو أكد أنه اعتاد، منذ البدء، ألا يتعامل مع قارئ أبله»، وتحدث كذلك عن هواياته الغريبة في جمع السكاكين، وعن هوايته في الصيد، والطبخ، وحبه للأشجار والعصافير. وتحدث عن والدته التي التقى بها، آخر مرة، في نهاية سبعينات القرن العشرين في بيروت التي كتب عن حربها الأهلية القذرة في روايته «أرواح هندسية».

كانت الكاميرا، خلال ذلك الحديث، تنتقل بين مطبخ منزله في غابة سكوغوس في السويد، وبين مكتبته الصغيرة، وأشجار حديقته المثقلة بالثلوج. والواقع أن خيار الأبيض والأسود لم يكن موفقاً، إذ يستعان بهذا الخيار الجمالي لأسباب وأغراض فنية بحتة، أما في برنامج تلفزيوني يستهدف نقل الصورة الواقعية ليوميات الكاتب، فكان الأجدى أن تكون الصورة ملونة، خصوصاً أن الكاميرا كانت تتجول في منزل يعج بالإكسسوارات والأيقونات واللوحات والمقتنيات الشخصية.

من مدينة القامشلي في أقصى شمال شرقي سورية حيث ولد الكاتب عام 1951، مروراً بدمشق، وبيروت، وقبرص التي بنى فيها الكاتب منزلاً في المنطقة الخضراء الفاصلة بين الأتراك واليونانيين، وصولاً إلى السويد حيث يقيم الآن، يمتد مشوار طويل، وشاق لم يتمكن الكاتب من اختزاله، ومن ترتيب محطاته على نحو يلائم حديثاً تلفزيونياً عابراً. ولم يبذل معدو البرنامج جهداً كي تظهر مسيرة بركات على النحو الذي تعكسه تجربته الإبداعية الاستثنائية. صحيح أن مفردات عالمه لا تتجاوز سوى «قلم، وورقة، وكهف صغير يحجب غربته المضنية المزمنة»، غير أن هذا العالم البسيط أنتج عوالم رحبة، آسرة ونقية، تغفو بين دفتي كتب عدة، حاول كثر النسج على منوالها لكنهم لم يفلحوا، مثلما لم تفلح الحلقة في الاهتداء إلى توضيح الكثير من الملابسات والأسئلة التي رافقت حكاية بركات منذ قصيدته الأولى «دينوكا بريفا: تعالي إلى طعنة هادئة»، وصولاً إلى «شعب الثالثة فجراً من الخميس الثالث»، عنوان ديوانه الأخير.

لا يمكن التشكيك في النيات الطيبة التي دفعت القائمين على قناة «كُرد سات» المقربة من الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال طالباني، لإنجاز هذه الحلقة التي دامت نحو أربعين دقيقة عن هذا الكاتب الكردي الذي يعد «أفضل من كتب بالعربية»، وفق توصيف الشاعر الكبير الراحل محمود درويش، لكن النية الطيبة وحدها لا تكفي لتحقيق حلقة مكتملة الشروط، ذلك أن محاورة بركات تحتاج إلى إعلامي محنك، يدرك خفايا ذلك السرد الخاص الذي يميز كتابة بركات، والى مصور خبير؛ مدرك لقيمة المادة والوثيقة البصرية. فالكاميرا التي جالت منزل الكاتب، ونقلت المشاهد ذاتها مراراً، كانت بخيلة في مرافقته نحو الأماكن والأسواق والمقاهي التي يرتادها.

الكاميرا التي ذهبت إلى أقاصي الأرض حيث يعيش الكاتب كان عليها أن تخرج من المنزل الضيق، وأن تنقل صورة عن الشوارع والأحياء والمعالم التي تحيط بمنزله، كما كان عليها أن تستعين بأرشيف صوره، وأن تعود إلى مسقط رأسه، ومواطن طفولته، كما يفعل، مثلاً، أحمد علي الزين في برنامج «روافد» على شاشة «العربية»... وما يسجل للقناة أنها أخرجت الكاتب من عزلته، فكانت صاحبة الإطلالة الثانية لكاتب مقل في الوقوف أمام الكاميرا، لكنه يتمتع بمكانة خاصة لدى القارئ الحصيف. يقول عنه درويش: «منذُ غزا سليم بركات المشهدَ الشعريَّ العربيَّ، في أوائل السبعينات، بشّرَنا بشعرٍ جديدٍ مختلف. لم يشبهْ أحداً، وسرعان ما صارَ هذا الفتى الكرديُّ الخجولُ أباً شعرياً لأكثرَ من شاعر عربيّ فتَنتهم صورُه الغريبة، ولغته الطازجة، وإيقاعه الشلال».

الحياة اللندنية

03/02/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)