تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

المخرج الفلسطيني اسامة قشوع:

بدأت التصوير بكاميرا مليئة بالحجارة

حسين عبد اللطيف/ دبي

بدأ المخرج الفلسطيني أسامة قشوع التصوير بكاميرا مليئة بالحجارة بدلاً من الأشرطة، وجدها في مكب لنفايات إحدى المستوطنات الإسرائيلية أثناء محاولته الالتفاف على حاجز إسرائيلي. أسس مع مجموعة من الطلاب الأجانب في جامعة النجاح 'حركة التضامن الدولية' التي عملت على الكثير من المراقبين المتطوعين وكانت إحدى أعضائها الشهيدة راشيل كوري. إلتقته 'القدس العربي' في دبي وأجرت معه هذا الحوار:

·         عملت في بدايتك العملية مذيعاً في الراديو الفلسطيني، لماذا اخترت هذه المهنة تحديدا؟

* التحدي الكبير في فلسطين كان كيف ننظر إلى أنفسنا في المرآة ونعرف بالضبط أين نقاط ضعفنا وقوتنا. كنا قد حرمنا من رؤية أنفسنا بأنفسنا بسبب ما يسمى بالإدارة المدنية الإسرائيلية، وبسبب عدم وجود تغطية إعلامية فلسطينية لما يجري. كان الخارج دوما هو مصدر معلوماتنا عن انفسنا.

كنا نعيش في قرية صغيرة حيث لا كهرباء وحياتنا محدودة تهتم فقط بالأكل والشرب والذهاب إلى المدرسة تحت ظل الاحتلال. حصولنا على المعلومات كان مقننا ومحدودا. عندما وصلنا إلى سن المراهقة، أردنا أن نعرف أكثر وبدأنا نتساءل من نحن ومن هم الإسرائيليون. هذه الحياة كانت محكومة من قبل ما يسمى بالإدارة المدنية التي كانت تسيطر على المعلومات التي ندرسها بسبب سيطرتها على المناهج وعلى المدرسة، حيث المكان الوحيد الذي تأخذ منه المعلومات. فقررت أن أتعلم اللغة الانكليزية عبر الراديو، ومنذ ذلك الوقت بدأ عندي حب الراديو وقررت أن أعمل به. بدأت العمل بعمر السابعة عشر، وكانت طفرة بالنسبة لي. كنا نحاول أن نطرح قضايا المجتمع، ونتعرف على مجتمع أكبر من القرية. بدأنا نتعرف على المجتمع العربي والإسلامي ثم الدولي من خلال الموسيقى والفن الذي كنا نقدم.

كان هدفنا في بداية عملنا وهو طرح القضايا التي لا يمسها أحد. برنامجي الأول كان للأطفال مع زميل لي، عام 1998. كان بسيطاً يدعى 'عدكاني بلا شيكل'، يتكلم عن الأطفال المحرومين الذين لا يملكون مالا. كنا نطرح قضاياهم ونجمع لهم التبرعات. ثم بدأنا ببرنامج آخر اسمه 'لمين إحنا' يطرح قضايا اجتماعية، كان يتأسس على التحدي لأننا كنا نتكلم عن أشياء لا يحب الكبار التحدث فيها، لأنها بالنسبة لهم خطوط حمراء. كانت بالنسبة لي بداية ثورة شخصية ضد العادات والتقاليد العامة التي لا دخل لها بالدين ولا بالمجتمع، كحرمان البنات من الإرث والتي كانت عادة منتشرة في القرى، وقضية الزواج المبكر. كنا نطرح هذه المواضيع، التي كانت مغلقة وممنوع المس بها، متحدين الهيمنة. أردنا أن نخرج من إطار السياسة، لأن راديو 'صوت فلسطين' كان مليئا بالبرامج السياسية؛ لهذا السبب، كان يلجأ معظم الشباب الفلسطيني للإذاعة الإسرائيلية.

·         أي أن حاجتكم للترفيه ولإثبات الهوية كانت السبب في إطلاق هذا البرنامج؟

* نعم، فالناس هربت من إذاعة 'صوت فلسطين' لافتقادها للبرامج الترفيهية. فأحببنا أن نستقطب جمهوراً شبابياً بطريقة سلسة ومرحة وترفيهية. كنا نقدم ما يريدونه، لكن بصراحة أنا لم أفكر بهذه الطريقة في ذلك الوقت، فأنا كنت عبارة عن شاب مراهق يريد أن يتخاطب مع جيله بطريقته. كان برنامجي 'لمين احنا' مشهورا بعد الثانية 12 ليلاً.

·         من هي الشخصية الرئيسية التي تقدمها في هذا البرنامج؟

* بكيزة، وهي امرأة عجوز لا يعجبها العجب وتنكت على الشباب.

·         هل تخبرنا قصة طريفة من قصص بكيزة؟

* هناك قصة الشباب الذين يركبون التاكسي ويتظاهرون بقراءة الجرائد وذلك للمس الفتيات أثناء فتح الجريدة أو ثنيها، كما كانت تنتقد الناس الذين يزوّجون بناتهم وأولادهم وهم صغار. كانت تنتقد أيضاً المختار الذي يتزوج عشر نساء، وتنتقد ضرب الأولاد وكانت تطالب الأهل بقتلهم بدل ضربهم ليستريحوا منهم نهائياً. كانت تطرح قضايا موجودة بالمجتمع لكن لا يتم الحديث عنها لأنها قضايا شائكة، مثل قضية الفتاة التي اُغتُصِبت وقتلها أهلها ولا ذنب لها.

·         ما كان الدافع لطرح هذه القضايا؟

* الدافع هو أن هذه القضايا كانت تكبر وكان يُمارسْ عليها التعتيم، فأردنا أن نظهرها ونسلط عليها الضوء.

·         هناك قصة المرأة الحامل التي اتصلت بكم لكي تلد، هل يمكن أن تخبرنا عنها؟

* في الحقيقة، منذ بداية الاجتياح عام 2003، فوجئنا بغرابة الاتصالات التي بدأت تردنا، فالناس لم تعد تشكو من الأشياء الصغيرة كمشكلة الرخصة من البلدية أو ترميم الطرق وغيرها. في إحدى المرات، خلال منع التجول، اتصلت بنا امرأة على وشك الولادة لا تستطيع الوصول إلى المستشفى ولا تعرف أحدا، لأنها كانت قد انتقلت جديداً من غزة إلى قلقيلية، غمرتنا المفاجأة وصعقنا ولم نعرف ماذا نفعل لأننا لم نكن مدربين على أشياء طارئة كهذه. لكننا استطعنا أن نتصل بطبيب قام بمساعدتها على الولادة عبر الراديو. أحسسنا عندها أننا نعيش في مرحلة زمنية مختلفة، انتقلنا من مستوى شابين همهما الوحيد تقديم الترفيه والموسيقى وطرح المشاكل الداخلية، إلى مستوى ثان أصبحنا فيه كغرفة طوارئ، حيث يتصل بنا الناس ليتواصلوا في ظل الحصار، أو يشكون من أشياء كانت أكبر من طاقتنا. كانت هذه طفرة بالإعلام الفلسطيني في فترة 2002- 2003 لأنه ولأول مرة كنا نلمس هويتنا بأيدينا؛ كان كل شيء نفعله فلسطينياً وليس تقليداً لإذاعات أخرى. ما فعلناه في ذلك الوقت، لا أعتقد أنه حدث في أي مكان آخر؛ فخلال منع التجوال استخدمنا الراديو لإعطاء المحاضرات للطلاب في بيوتهم، كنا نتصل بالمعلمين ليعطوا الدروس على الهواء. كان استخدامنا للراديو مختلفا تماماً عن الاستخدام السابق. تعلمنا كيف نتكيف مع المشاكل لاستخراج الحلول لها. فأصبحت الهوية الإعلامية بالنسبة لنا هي أن تخاطب الجمهور بما فيه وبما يريده وليس التقليد الأعمى للآخر.

·         ما طبيعة دراستك الجامعية، وما هي قصتكم مع حركة التضامن الدولية؟

* كنت أريد أن أدرس الطب أو الهندسة، أما الإعلام بالنسبة لي فكان هواية. لكن بعد عام 2001 وبعد استشهاد عدد من أصدقائي أمام عيني، تغيرت حياتي عندما أحسست أنه لا قيمة لحياة الإنسان. كانت لدينا قناعة أن وجود المراقبين الدوليين ووجود كاميرات يمكن أن يمنع ما يحدث على الحواجز. كنا في ذلك الوقت ندرس في جامعة 'النجاح الوطنية' فحاولنا الاتصال بالأمم المتحدة لإرسال مراقبين دوليين لكنها لم تتجاوب معنا. كان هناك أكثر من 400 حاجز في الضفة الغربية، حيث يهان الإنسان الفلسطيني بشكل يومي ومستمر. قررنا أن نصنع مراقبين دوليين، فأتتنا فكرة ألاستعانة ببعض الطالبات الأجنبيات اللواتي كن يدرسن معنا في الجامعة. هؤلاء الفتيات كن يملكن مواصفات المراقب الدولي التي هي أن تضحك، ويكون لون بشرتك أبيض، ولديك جواز سفر أجنبي، وتضع لصقه مكتوب عليها 'مراقب دولي'، أنا أيضاً أدعيت أنني ايطالي. هكذا بدأنا عملنا، وعندما وصلنا إلى أول حاجز بدأ الجنود الإسرائيليون يضحكون مع الناس. استمرينا في ذلك إلى أن أسسنا حركة كبيرة هي حركة التضامن الدوليةISM في العام 2001 وكانت إحدى أعضائها الشهيدة راشيل كوري.

·         هل كنت تعرف راشيل؟

* أنا من دربها في الكلية.

·         كيف كانت شخصيتها؟

* كانت إنسانة رائعة، ذكية و لديها حماس غير طبيعي للتعامل مع الأطفال. كانت هادئة جداًَ، وتفكر كثيراً، قليلة الكلام، كنا نشعر أنها تحمل هماً كبيراً. نحن ننظر إليها بسمو كونها ضحت بحياتها من أجل رفع الظلم عن الفلسطينيين وهي ليست عربية أو فلسطينية؛ لكنها اليوم تحولت الى شهيدة فلسطينية بكل معنى الكلمة.

·         كيف بدأت علاقتك بالكاميرا؟

* بسبب عدم وجود عدد كاف من المراقبين، كنا نضطر إلى التنقل عبر الجبال وفي بعض الأحيان عبر مكب النفايات للمستعمرات الإسرائيلية. في إحدى المرات دخلت في مزبلة يهود محاولاً الالتفاف على أحد الحواجز فوجدت جسم كاميرا مرميا، فأخذته معي إلى المنزل، نظفته ووضعت فيه حجارة وكتبت عليه Pre TV وأسميت نفسي Rolanzo Italiano وكتبته على الجاكيت التي أرتديها، ثم ذهبت إلى أحد الحواجز وادعيت أنني أصور، عندما رآني الجنود فتحوا لي الحاجز وبدأوا يبتسمون. كان هذا اكتشافا بالنسبة لي وعرفت من تلك اللحظة أن للكاميرا تأثير قوي، بالرغم من أنها كانت مجرد جسم فارغ فيه حجارة. بعدها صارت وظيفتي اليومية هي التنقل من حاجز إلى آخر مدعياً التصوير، وكل حاجز كنت أصله كان يُفتَحْ لي. كان الناس يتجمعون حول الكاميرا ليتكلموا عن همومهم، وكثيراً ما تمنيت أن تتحول الحجارة إلى أفلام حقيقية لأسجل القصص الفريدة التي كانوا يقولونها وهم يجهلون أنني أفهم العربية لأنهم كانوا يعتقدون أنني إيطالي. إستمريت بتصوير الأفلام الوهمية إلى يوم كنت على أحد الحواجز حيث ضُرِبَ رجل ياباني أمامي. فأتاني راجياً أن أعطيه الشريط فرفضت. ثم بدأ يغريني بالمال وأعطاني ثلاثة ألاف دولار لأعطيه نسخة عن الشريط، لكني رفضت، بعدها بدأ يرفع من قيمة المبلغ حتى انه طلب مني أن أحدد المبلغ الذي أريده لكني استمريت بالرفض. وأمام إلحاحه فتحت له الكاميرا، فرأى الحجارة. بقي صامتاً لخمسة دقائق، ثم سألني من أين أنا فأجبته 'ليس شغلك' وبدأ يطرح على الأسئلة. وكنت دائماً أجيبه 'ليس شغلك'، فقد أغضبني كثيراً لأنه كان أول شخص يعرف سري. وقبل أن يذهب أعطاني كاميرته كنوع من التقدير لما أقوم به، فكانت تلك أول كاميرا حقيقة أمتلكها، وبدأت من وقتها التصوير.

·         عملت أيضاً كمترجم للصحافيين، مما جعلك على مقربة منهم، هل كنت تشعر أن هناك تعاطفا منهم مع القضية أم كانوا يحاولون فقط أن يظهروا موضوعيتهم ازاء الأحداث؟

* لا يوجد صحافي يأتي إلى غزة أو الضفة الغربية بلا تعاطف مع القضية. لكن المشكلة ليست في الصحافيين الذين يأتون إلينا، بل في المحررين في الخارج، لأن لديهم أجندة معينة يسيرون وفقاً لها. على سبيل المثال، الصحافيون الذين يكتبون بشكل جيد عن فلسطين، لا توجه لهم أي كلمة شكر منا، في المقابل يحصلون على ألف شتيمة من الإسرائيليين.

·         هل هناك أي مشروع لفيلم في المستقبل؟

* هناك مشروع لفيلم 'راديو غرفة الطوارئ' الذي يطرح قصة شابين يعملان في راديو كموزعين للموسيقى (دي جي)، كانا يحلمان بأن يصبحا مذيعين مشهورين، لكن حياتهما تتغير نتيجة للظروف الصعبة التي يمران بها خلال الانتفاضة. وهي قصتي مع صديقي الذي كان يعمل معي في الراديو.

القدس العربي في 8 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)