تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

سينمـا المبـادرة الفرديـة فـي لبنـان

جعلت الحرب المحرّمات السياسية والثقافية والدينية أكثر ضغطاً

نديم جرجورة

يُعتبر لبنان أكثر الدول العربية المشرقية انعكاساً للمعنى الإبداعي لمقولة »المبادرة الفردية«. في خلال ثمانين عاماً من عمر سينماه، ظلّت هذه المبادرة أساس العمل السينمائي، إنتاجاً وإخراجاً وتنفيذاً للتقنيات كلّها. حتى الاستديوهات، التي أنشئت في أربعينيات القرن الفائت وخمسينياته، والتي فرضت نفسها سريعاً في المشهد السينمائي اللبناني والعربي والأجنبي، انطلقت من المبادرة الفردية. هناك أيضاً شركات التوزيع، وتشييد الصالات السينمائية، وتأسيس الجمعيات الثقافية والفنية المعنيّة مباشرة (أو غير مباشرة) بالهمّ السينمائي، كلّها نتجت من الحرص الفردي على الاشتغال في المجال السينمائي. هذه المبادرة أفضت إلى تاريخ مرتبك ومتبدّل من النتاج المحليّ الخاصّ بالأفلام، وإن برزت أفلام عدّة في حقبات تاريخية متفرّقة شكّلت حضوراً لافتاً للانتباه، وميزة واضحة للإبداع اللبناني.

»إعمار« سينمائي

مع النهاية المزعومة للحرب الأهلية اللبنانية مطلع التسعينيات الفائتة، شهدت بيروت عودة سينمائيين لبنانيين مخضرمين وشباب من مهاجرهم أو منافيهم الطوعية، وبدأت ورشة جديدة من »الإعمار« السينمائي، المتنوّع الأشكال والأنماط والأهداف والمضامين. ومع بداية الألفية الثالثة، تكاثرت الجمعيات والشركات الإنتاجية المعنية بالفن السابع، على الرغم من أنها لا تلعب دور المنتج الفعلي، بقدر ما تمارس وظائف إنتاجية متفرّقة: إنتاج تنفيذي، بحث عن تمويل أو إنتاج غربي، تأمين خدمات إنتاجية (تسجيل الصوت، آلات تصوير وتوليف وإضاءة، تحضير الملفات، الحصول على أذونات رسمية للتصوير، إلخ.). بهذا المعنى، عرفت بيروت حركة ناشطة، مع أن مفهوم الاستديوهات لم يستعد حضوره، كما كان الأمر عليه سابقاً: استديو بعلبك، التابع لـ»شركة بنك أنترا« لا يزال مقفلاً. استديو الأرز غائب عن الأنظار. استديو هارون فُرِّغ من المعدّات الأولى التي صنعها ميشال هارون بنفسه، وتحوّل إلى مكتب لترجمة الأفلام الأجنبية. اليوم، يحتاج لبنان إلى استديوهات كهذه، مع أن الشركات الإنتاجية تُقدّم خدمات سينمائية، فيما غالبيتها الساحقة توزّع نشاطها على إنتاج أشرطة الـ»فيديو كليب« والإعلانات، و»تُغامر« أحياناً قليلة في تأمين أدوات تقنية لمشاريع سينمائية.

الصالات وشركات التوزيع لا تزال تعمل، مع أن تبدّلاً نوعياً طرأ على شكل الصالات وطريقة التعامل مع الشركات الإنتاجية والتوزيعية الغربية والعربية. الصالات المفردة، كبيرة الحجم، انتهى زمنها، وما بقي منها تحوّل إلى صالات صغيرة في داخل مجمع تجاري ما، أو بات مستودعاً ضخماً. هناك صالات عدّة أقفلت أبوابها، أو أصبحت أطلالاً مليئة بذكريات عصر ذهبيّ مضى، أو تمّ تأجيرها لمحال ألبسة. فيما شركات التوزيع غلب على نشاطها استيراد الأفلام الأميركية وبعض الفرنسية والإيطالية والمصرية، فيما المنحى الاستهلاكي أو التلفزيوني لأفلام لبنانية عدّة يُشجّع الموزّع/ صاحب الصالة على عرضها، في مقابل إحجام شبه مطلق عن أفلام لبنانية غير استهلاكية أو تلفزيونية. علماً بأن معظم شركات التوزيع اللبنانية عريقة جداً، أي إن بعضها بدأ عمله منذ سنين طويلة، تعود أحياناً إلى أكثر من سبعين عاماً.

يتردّد دائماً أن لبنان لا يزال أكثر الدول العربية امتلاكاً للحريات العامّة. هذا صحيح إلى حدّ ما فقط، لأن المحرّمات (الاجتماعية والسياسية والحياتية والثقافية والدينية) ضاغطة بقوّة، خصوصاً في المرحلة اللاحقة للنهاية المزعومة للحرب الأهلية اللبنانية. في تلك الفترة، أبدت الرقابة اللبنانية تشدّداً ملحوظاً، قبل أن تتراجع حدّتها في علاقتها بالأفلام المستوردة والمنتجة محلياً، وإن لأعوام قليلة، وفي مواضع أقلّ: الإخلال بأمن الدولة، الإساءة للديانات السماوية، إثارة الفتن الطائفية والمذهبية، الحرب الأهلية، الجنس، الشتائم، التحريض على الخلاعة، العنف، الترويج لإسرائيل، الدعاية لليهود/ اليهودية والصهاينة/ الصهيونية، التعرّض للدول الشقيقة والصديقة. ألا يشعر قارئ هذه الممنوعات أنه في بلد ديكتاتوري؟ غير أن المأزق الفعلي، كامنٌ في أن هذا كلّه موجودٌ في لبنان، ومحصّن بدوافع قبائلية/ مذهبية تسعى إلى حماية التركيبة الطائفية المتحكّمة بالبلد ومجتمعه وناسه. غير أن الحريات الفردية والعامّة لا تصنع وحدها إبداعاً، خصوصاً إذا احتاج الإبداع إلى ميزانيات مالية، إلى جانب العقل والوحي والمخيّلة. وهذا ما تحتاج إليه غالبية الأفلام اللبنانية المُنتجة في الأعوام القليلة الفائتة. وهذا ما يُفترض به أن يترافق وانفتاح حقيقي للصالات المحلية أمام الفيلم اللبناني تحديداً.

صالات

لكن، في ظلّ الوضع الأمني والسياسي المأسوي، الذي عاشه لبنان منذ اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط ،٢٠٠٥ لم تعد الصالات اللبنانية العاملة (٣٣ صالة تابعة لمجمع »أمبير«، ٢٣ صالة تابعة لمجمّع »بلانيت«، ١٩ صالة تابعة لمجمع »غراند سينما«، ١٠ صالات مستقلّة) تستقطب المشاهدين، باستثناء حالات عابرة، كبعض الأفلام اللبنانية (أبرزها جماهيرياً: »البوسطة« لفيليب عرقتنجي الذي حقّق نحو ١٤٠ ألف مشاهد، و»سكّر بنات« لنادين لبكي الذي بلغ عدد مشاهديه نحو ٢٥٠ ألف، و»غنّوجة بيا« لفيليب أ. حبيب الذي شاهده ما لا يقلّ عن ٣٠٠ ألف مشاهد)، على الرغم من أن غالبيتها مجهّزة بأحدث التقنيات الخاصّة بالصوت والصورة، كما بالمقاعد والشاشات والخدمات. في تقرير صحافي نشرته الصحيفة اللبنانية »النهار« في الخامس عشر من كانون الثاني ،٢٠٠٨ جاء أن قطاع الصالات اللبنانية كان دائماً »عرضة للتبدّلات الجغرافية والاقتصادية«: مرحلة الحرب الأهلية التي هُدِّمت خلالها صالات ساحة الشهداء في وسط المدينة، العصر الذهبي لشارع الحمراء منذ منتصف الستينيات المنصرمة، إنشاء صالات خارج بيروت، ولادة ما يُعرف بالمجمعات السينمائية الكبيرة (يضمّ المجمع عشرات الشاشات، ويصل بعضها إلى ثلاثين أو أربعين شاشة في الصالات الغربية) بعد النهاية العسكرية للحرب. أضاف التقرير أن القطاع نفسه سيدخل زمناً جديداً في الأشهر المقبلة، »لأن الصالات ستعود إلى الوسط التجاري في بيروت، بعد نحو ثلاثة عقود على خروجها القسري منه«، إذ إن هناك أربع عشرة صالة سينمائية قيد الإنشاء في أحد شوارع المنطقة، ستكون تابعة لسلسلة »أمبير« التي »ستُدمج مع شركة »برايم« مرّة ثانية، بعد تجربتهما المشتركة في »سينما سيتي«، التي يبدو أنها كانت مثمرة«. هناك أيضاً ثماني صالات في إطار مشروع »لاند مارك« في المنطقة الجغرافية نفسها، عائدة لسليم رميا، مستثمر صالات »أ ب ث« حالياً.

في التقرير نفسه، الذي أعدّه الزميل هوفيك حبشيان، جاء أن هناك ٢٥٠ موظّفاً يعملون في قطاع الصالات، لا يتجاوز المدخول الشهري لكل واحد منهم ٧٠٠ ألف ليرة لبنانية (أقلّ من ٥٠٠ دولار أميركي بقليل، إذ إن الدولار الأميركي الواحد يساوي ١٥٠٠ ليرة لبنانية)، وهذا ما يُبرّر الثمن المرتفع لبطاقة الدخول إلى الصالة (٩ آلاف ليرة لبنانية المعدّل العام للسعر، أي ٦ دولارات أميركية)، الذي يبقى منه لمستثمر الصالة الثلث أو النصف. في مقابل هذه الأرقام، ذكر التقرير أن »مجموع الإيرادات يتقاسمه عموماً كل من مستثمر الصالة وموزّع الفيلم على النحو التالي: ٤٠ بالمئة لمستثمر الصالة و٦٠ بالمئة للموزّع، علماً بأن هذه النسبة تقلّ ٥ بالمئة أسبوعياً لمصلحة الصالات، إلى أن تصبح النسبتان متعادلتين بين الطرفين«. وانتهى التقرير إلى القول إنه »فيما كثيرون يرون أن لبنان لم يعد في حاجة إلى صالات بل إلى أفلام لا تجد طريقها عادة إلى صالاتنا، يرى بعض مستثمري الصالات عكس ذلك، ويعتبرون أن المزيد من الصالات يمنح الأفلام فرصة أن تبقى وتستمر لفترة أطول«.

من جهته، تحدّث ماريو حداد (»شركة أبناء جورج حداد« وصاحب مجمع »أمبير«، أضخم المجمعات السينمائية اللبنانية) إلى الزميل حبشيان (المصدر نفسه) قائلاً إن »وضع السينما في لبنان يزداد تدهوراً. لكن الضربة القاضية جاءت مع حرب تموز (صيف العام ٢٠٠٦)، التي أجبرتنا على الإقفال الكامل لمدّة شهر«، مضيفاً أنه »بعد التحسّن النسبي للوضع الأمني، لاحظنا أن الأفلام سبقتنا، لأن الآلة التي تخرج منها الأفلام إلى السوق أصبحت اليوم أوتوماتيكية. لم نعد، كما في الماضي، »نُصمِّد« الأفلام للمواسم المناسبة لها. اليوم، ينبغي أن »تُنزِّل« الفيلم إلى السوق أوتوماتيكياً. الكلّ بات يلحق الكل. على الفيلم أن يتصدّر الشاشات في الوقت نفسه في أمكنة متفرّقة، وإلاّ، إذا تأخّرت شهراً واحداً، فسيلحقك إما الـ»دي في دي«، المقرصن والأصلي، وإما التلفزيون«.

ليس ماريو حدّاد وحيداً في مجال التوزيع وملكية الصالات، أو استئجارها بالأحرى. هناك عدد من الموزّعين، يملك/ يستأجر بعضهم صالات سينمائية، ويكتفي بعضهم الآخر باستيراد الأفلام من الخارج. إلى »شركة أبناء جورج حداد«، هناك »إيطاليا فيلم« (جوزف فينشينتي) و»جاغوار فيلم« (سامي خوري) و»فور ستارز« (أنتيباس) و»كريستال فيلم« (ديما الجندي)، وهذه الأخيرة حاولت توزيع أفلام عربية غير مصرية وغربية غير أميركية، قبل أن تغادر المشهد اللبناني، بسبب سوء حاله. من ناحية أخرى، لعب صادق الصبّاح، ولا يزال يلعب دوراً مهمّاً، من خلال »شركة صبّاح«، في توزيع الأفلام وأشرطة »دي في دي«، بالإضافة إلى دخوله منذ فترة قصيرة في مجال الإنتاج اللبناني، بالاتفاق سلفاً مع المخرج السينمائي اللبناني بامتلاكه حقوق التوزيع الداخلي والعربي مثلاً، لقاء مبلغ يدخل مباشرة في الإنتاج. بالنسبة إلى آل فتح الله، فإنهم يملكون صالة قديمة لا تزال تعمل في شارع الحمراء، اسمها »مونتريال«، وثانية في منطقة الصنايع في بيروت اسمها »أريسكو بالاس«، وهما تعرضان أفلاماً مصرية غالباً، يتولّون استيرادها هم، فيما عدنان دبوق لم يعد يعمل كما في السابق، وآل العيتاني (أصحاب عدد من أهمّ الصالات السينمائية في الحمراء قبل اندلاع الحرب وخلالها) أغلقوا صالاتهم السينمائية والمسرحية، باستثناء صالة »سارولا« التي تحوّلت إلى »مسرح المدينة«.

السفير اللبنانية في 5 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)