زياد الخزاعي

 
سيرة كتابة
 
 
 

كتابة

 

مهرجان كانّ السينمائي الـ72

(تظاهرة نظرة ما الـ 41):

حشد البواكير السينمائية

بقلم: زياد الخزاعي

 

 

من بين الـ18 فيلماً، مُحَصَّلة البرنامج النهائي لتظاهرة "نظرة ما" الـ41، التي تبدأ عروضها بدءاً من يوم 15 مايو (أيار) 2019، هناك سبعة منها عمل أول. هذه غلَّة معتبرة لأصوات مُحْدَثة، تجد تثمين مواهبها يترقبها عند عتبات قاعة عرض "ديبوسيه"، وفوق شاشتها الواسعة، في إنتظار أن تتمتع بتكبير إعلامي ودعائي، حال إعلان المخرجة السينمائية اللبنانية نادين لبكي رئيسة لجنة التحكيم، أسماء الفائزين مساء يوم الرابع والعشرين من مايو(أيار) 2019.

"نظرة ما" خانة إستثنائية، وصنو لا يقل في أهميته عن المسابقة الرسمية لمهرجان كانّ السينمائي، بل وفي أحايين كثيرة تبزّها بإكتشافاتها الشبابية، كما هي حالة الإيراني السويدي علي عباسي وفيلمه الأخاذ "حدود"(2018)، وقبله مواطنه محمد رسول أف وعمله السجالي "رجل نزيه"(2017)، والفنلندي يوهو كوسمانين وحكاية كائنه العنيد في "أسعد يوم في حياة أولي ماكي"(2016)، والآيسلندي غريمر هاوكنارسون وكوميدياه الصاخبة حول عداء مزمن بين شقيقين مغفلين في "أكباش"(2015). عناوين لم تخترق قناعات لجنة الإختيارات، أو وقعت ضحية حسابات معقدة، جعلت من عملية إنتخابها ضمن قائمة التنافس على السعفة الذهب أمراً ملتبساً في أحايين، وفي أخرى كثيرة مدعاة للتشكيك، بيد ان وجودها في البرنامج العام، يعني وبشكل حاسم نصراً مبيناً للقائمين على إنتاجها. أما قضية خطف جائزة التظاهرة، فهو المجد بعينه الذي سينوس فوق رؤوس الجميع حتى أخر يوم. حينذاك ستشَرَع الأسواق أبوابها للظافرين، ويصبح تواجد أعمالهم الجديدة في دورات كانّ المقبلة شبه مضمون. لبكي مثال متألّق على موالاة المهرجان لموهوبيه، فبعد أن عرضت باكورتها "كراميل" في "إسبوعي المخرجين"(2007)، إستضافت "نظرة ما" شريطها الثاني "وهلأ لوين"(2011)، قبل ان يتكرس أسمها كبيراً وساطعاً  في الدورة الـ71، بفوزها بجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن "كفرناحوم"(2018). وهاهي اليوم تقود فريقا مكوناً من المخرج البلجيكي لوكاس دونت، الذي حاز شريطه المُحكم "فتاة"على جائزة "الكاميرا الذهبية" العام الماضي، والممثلة الفرنسية مارينا فويس(لها "بوليس"، 2012)، والمنتجة التركية الألمانية نورهان شكرجي بورست، المتعاونة على الدوام مع مواطنها فاتح أكين، وأنتجت له "القطع"(2014) و"في التلاشي"(2017)، وصاحب العمل الباهر "خاوخا"(2014) المخرج الأرجنتيني ليساندرو ألونسو، ليشاهدوا أغلب العروض مع جمهور كانيّ شديد الحماسة والتعاطف، وغالباً ما يصبح تصفيقه المبالغ فيه أحياناً، إشارة لميل شعبي يستظرف عنواناً، حتى وإن بدت حظوظه عاثرة في نيل تكريم ما في نهاية المطاف. إذا كانت السعفة الذهب جائزة المقامات المقدسة سينمائياً، فإن نظيرتها في "نظرة ما" ليست سوى الرحم الخصب الذي يولَّد لنا بواكير مباركة.

من بين هذه البواكير، هناك ثلاثة أفلام من توقيع ثلاث مخرجات عربيات. الأولى، الممثلة والمؤلفة والمخرجة المغربية مريم توزاني، المعروفة بتمثيلها الشخصية الرئيسة في شريط زوجها المخرج  نبيل عيوش "غزيّة"(2017)، الذي أشرف على إنتاج عملها الروائي الأول "أدم"(100 د)، حول أرملة تكدح من أجل تأمين حياة مستقرة، ومستقبل أفضل لها ولإبنتها الصغيرة(10 أعوام). حينما تقرر عبلة أخذ زمام المبادرة إثر وفاة زوجها، وإفتتاح متجر لبيع المعجنات المغربية الشهيرة، تجد نفسها منغمرة في حياة مفصومة عن العالم، حيث "أُفرغت كينونتها من الإحساس بالسعادة، فيما يتحول العمل الى مهرب لها من كل شيء، لتبدو أكبر من عمرها، وتخسر قدرتها على إظهار مشاعر الحب تجاه إبنها، مستبدلة الحنان بلا مبالاة وكأبة. ذات يوم تنقلب حياتها تماماً، حينما تطرق شابة إسمها سامية باب منزلها باحثةً عمن يأويها، وقد أعياها طفل تحمله بين أحشائها، ويتملكّها خوف إنجاب طفل بلا أب" حسب ملخص الشريط. أما الجزائرية مونيا مدور، فتشارك بـ"بابيشا"(106 د)، الذي وصفته بإنه وقائع يوميات قهر وعنف وبطالة وحصار إجتماعي شهدته بلادها خلال تسعينات القرن الماضي. حكاية الشابة نجمة البالغة من العمر 18 عاماً، والمتحمسة الى إنجاز تصميمات موضة، ترى إنها موهوبة في مجالها. بيد ان الأحداث المأساوية التي صاحبت تصاعد الحرب الأهلية، تمنعها من العيش حياة طبيعية، أوالخروج ليلاً مع صديقتها وسيلة، كون المناخ الإجتماعي يصبح أكثر محافظة وخطورة وقسوة. ترفض البطلة المفعمة بالحيوية، والتي تعيش قصة حب جارفة مع الشاب مهدي، الحظر الجديد الذي حدده المتطرفون، وتقرر الكفاح من أجل حريتها وإستقلالها عبر تنظيم عرض للأزياء. فيما ضَمَنت الممثلة الكندية التونسية مونيا شكري، مكاناً لنصّها "حب أخويّ"(117 د) عن محنة طالبة الدكتوراه الشابة صوفيا التي تحافظ على علاقة تكافلية مع شقيقها كريم، قبل ان تنقلب الأمور مع دخول حبيب جديد في حياتها.

على طرف أخر من القائمة، ومن إنتاج المعلّم الأميركي مارتن سكورسيزي، تعرض الكاتبة والفنانة البصرية دانييل ليزوفيتز باكورتها "هيئة الميناء"(94 د) حول اليافع بول الذي يقع في غرام واي، التي يلتقيها عرضاً أمام المحطة المركزية(ميناء) للحافلات في نيويورك، وبصحبتها أشقائها. يمد لها يد العون، فيما تُعرّفه على عالمها السري، ليكتشف إنها خنثى متحوَّلة.  بينما، تقارب مواطنتها آني سيلفرستين في "ثور"(105 د) علاقة متألقة بين مراهقة ضالة وسيدة عجوز متقاعدة، كانت ذات يوم إحدى أشهر مصارعات الثيران في ساحات هيوستن. من أوكرانيا، يتنافس شريط "العودة الى الوطن"(92 د) للمخرج ناريمن ألييف بقصته العائلية المفعمة بالعواطف والأسى. بطلها مصطفى، وهو أب فقد إبنه البكر في الحرب بين روسيا وأوكرانيا. يقرر، وبرفقته الشقيق الأصغر، نقل الجثة من كييف ودفنها عند قبور أجداده من تتار القرم. تتفاعل العلاقة بين الإثنين بعمق خلال الرحلة الطويلة. ومن الصين، يتبارى الممثل والمخرج الصيني فينك زو بعمله الأول "صيف شينغشا"(120 د) الذي لم تتوافر حوله معلومات، بينما إختار المخرج من مانيمار والمقيم في تايوان ميدي زي في "نينا وو"(102 د) حكاية ممثلة سينمائية تتعرض الى تجاوزات أخلاقية خلال عملها. والعمل إسقاط فني أسيوي على قضية المضايقات والإعتداءات الجنسية المنسوبة إلى المنتج والمخرج السينمائي الأميركي هارفي واينستين.

أما على صعيد المكرسين. هناك جديد مخرج "الإنسانية"(1999) الفرنسي برونو دمون الذي يستكمل المقطع الثاني من عمله حول الفلاحة/القديسة الشهيرة "جان دارك"(124 د)، مُكلّفاً هذه المرّة، ممثلة صبية عمرها 10 سنوات، لتجسيد قياماتها العسكرية، بعد إعتقادها إن الله إختارها لقيادة جيوش ملك فرنسا، من أجل إلحاق الهزيمة بإنكلترا، قبل أن تُتهم بالهرطقة، وتُحرق حية. يُذكر إن المقطع السابق الذي عُرض في خانة "أسبوعا المخرجين" قبل عامين، مصنوع بنفس غنائي وإستعراضي شديد الإختلاف في تجربة هذا المخرج المميز.

إضافة الى دومون، هناك 4 مخرجين فرنسيين أخرين يسعون الى جائزة التظاهرة المرموقة، وهم كريستوف أونوريه وفيلمه "الغرفة 212"(86 د)، من بطولة كيارا ماستروياني وفنسان لاكوست، حول خيانة زوجية ترتكبها كاثرين. حينما يقع زوجها ريتشارد فريسة اليأس حينما يكتشف الفضيحة. تغادر "الخائنة" الشقة، وتتحصّن في غرفة فندق، تحمل الرقم 212، تقع في مواجهة سكنها السابق. من نوافذ الغرفة، تطل المرأة على عش خرابها الذاتي، متسائلة عما قادها الى إرتكاب حماقتها، وما الذي كان ناقصاً في حياتهما المشتركة، التي بدأت وهما في سن العشرين، وكيف ستواجه الأخرين وظنونهم؟.

 تتشارك المخرجتان زابو بريتمان وإليا غوبيه مافليك في إخراج فيلم التحريك "سنونوات كابول"(80 د) من بطولة الفلسطينية هيام عباس، والمقتبس عن رواية الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا الصادرة عام 2002، التي تسرد إنقلاباً هائلاً في حياتيّ عائلتين، تعيشان في حيين متجاورين ومتناقضين في كابول تحت حكم حركة "طالبان". العائلة الأولى محافظة، فيما تعيش الأخرى حياة مفعمة بالإنفتاح والشبابية والأمل. حينما تشتعل أوار الحرب الأهلية، ويغلّ الجوع والعنف والعداوات بين الجميع، تتشابك حياة أفراد الأسرتين، وتُفرض عليهم حقيقة أن التضحية هي الثمن الذي يجب يدفعوه مقابل الحب، ومن أجل الحفاظ على قيمهما. وعلى ذكر رسوم التحريك، هناك شريط أخر في هذه الخانة للإيطالي لورنزو موتوتي وعنوانه "الإجتياح الشهير لدببة صقلية"(82 د)، والمأخوذ عن قصة للأطفال.

من ناحية أخرى، ستكون الفرصة لا تعوض بالنسبة للنقاد والإعلاميين لمشاهدة العمل الثاني لمخرج شريط "ميموزا" الفرنسي الإسباني والمقيم في المغرب أولييفر لاكس، الذي يحمل عنواناً ملّتبساً هو "ستشبّ النيران"(90 د)، حول أمادور كورو الذي أُطلق سراحه من السجن، إثر قضائه محكوميته بتهمة إشعال حريق. حينما يغادر معتقله، يجد ان لا أحد في إنتظاره. يعود إلى مسقط رأسه، وهي قرية صغيرة مخبوءة بين تضاريس جبال غاليسيا الحجرية، ليعيش مع والدته العجوز بنديكتا، ومعهما ثلاث أبقار. تستمر حياتهما بيسر وهدوء، كما هو إيقاع الطبيعة الخلاّبة من حولهما، لكن القدر يكون لهما بالمرصاد حينما يندلع حريق خلال الليل، يحيل كل شيء الى جهنم.  

 تتكَّرر تلك الفرصة مرّة ثانية، مع عرض جديد صاحب "حكاية موتي"(2013) و"موت لويس الرابع عشر"(2015) الإسباني الخلّاق ألبرتو سييرا "حريَّة"(120 د)، الذي يتابع فيه مجموعة ليبراليين طُرِدوا من بلاط لويس السادس عشر، قبيل الثورة الفرنسية بوقت قصير، وتحديداً في عام 1774. يلوذ هؤلاء الغرباء رجالاً ونساء، في مكان آمن بمنطقة بوتسدام في ضواحي العاصمة الألمانية برلين، متحصّنين بغابات بريّة من أجل هدف أسمى، يتمثل في تصدير "حريَّة"ـ هم وإفكارها المتفجّرة بجلسات مواقعات جنسية ومتع غريبة وألعاب شاذة.

وتتكَّرر الفرصة مرّة ثالثة، مع الشريط الروائي الثاني للقوقازي كانتمير بالاغوف "بينبول"(120 د) حكاية الشابتين إيا وماشا وعنادهما في بناء حياتيهما، وسط إنقاض مدينة لينينغراد، التي عانت أسوأ حصار في التاريخ البشري خلال الحرب العالمية الثانية. دراما تاريخية صادمة، من توقيع المخرج الشاب البالغ من العمر 25 عاماً، وأحد أبرز تلاميذ المعلّم الروسي ألكساندر سوكوروف، والفائز بجائزة النقاد عن نصّه الصدامي "ضيِّق"(كانّ  2017). من روسيا، يستضيف مهرجان كانّ للمرّة الأولى المخرجة الروسية لاريسا ساديلوفا وفيلمها السابع "مرّة في تروبشفيسك"(90 د)، عن وقائع حياة وحب وتكافل ودورة حياة وصراع يومي مع طبيعة متغيّرة في قرية نائية. في حين يقتبس المخرج السينمائي والفنان البصري البرازيلي كريم عينوز في "الحياة المخفيّة لأوريدسي غيسمو"(145 د) رواية الكاتب جيوفاني مارتنس، التي تدور أحداثها خلال أربعينات القرن الماضي، حول الشقيقتين أوريدسي وغويدا، ويوميات نضالهما من أجل حقوق المرأة، والمثليات على وجه الخصوص، ومواجهة صدود إجتماعي وإعتبارات قيمية عدائية، ترى فيهن عورات أخلاقية. على طرف أخر، يحوَّل الأميركي مايكل أنجيلو كوفينو في "الصعود"(94 د)، المعروض سابقاً في مهرجان "صاندانس" الأميركي، جولة رياضية جبلية على الدراجة الهوائية، تجري خلال عطلة نهاية الأسبوع، الى ما يشبه جلسة سينمائية إستشارية، سرعان ما تتهاوى، وتصبح كوميديا عارمة وصاخبة، تقع مفارقاتها بين بطلها كايل المصاب بالإكتئاب وصديقه الحميم مايك، الذي يخفي سراً جارحاً يخصّ رفيقه وعِفَّته.

سينماتك في ـ  15 مايو 2019

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004