ملفات خاصة

 
 
 

متمرد بروح ساخرة.. "الابن الأبدي" زياد الرحباني

القاهرة -عصام زكريا*

الموهوب والعبقري الثائر

زياد الرحباني

   
 
 
 
 
 
 

مع أنه كان يقترب من بلوغ السبعين، حين رحل زياد الرحباني، فجأة، ودون مقدمات، إلا أن الحزن الذي ضرب ملايين من محبيه في العالم العربي، كما يتبدى في معظم الأخبار والتدوينات والتعليقات، هو ذلك النوع من الحزن الممتزج بالصدمة من موت الأبناء وصغار السن. حزن لا يشبه غيره، لإنه موت مخالف لسنن الطبيعة ومنطقها، ويصعب أن يتقبله أو يستوعبه العقل.

زياد هو الابن الأبدي للموسيقى العربية، ليس فقط لكونه ابناً للسيدة فيروز، وكون اسمه وصورته قد ارتبطا دوماً باسمها ووجودها، ولكن أيضاً لإن طبيعته، وشخصيته، وأفكاره، وكلماته، وحركاته، وملابسه، وتصفيفة شعره ظلوا دوماً، وأبداً، مرتبطين بذلك الابن النابغة، الذي "دندن" بأول ألحانه في سن السادسة، وكتب واحدة من أجمل أغاني الرحبانية، وهو في السادسة عشر.

واكتسبت صورة زياد الرحباني في أذهان الناس ملامحاً من صورة الموسيقار النمساوي أماديوس موتسارت، ذلك العبقري الذي أذهل العالم بموسيقاه منذ أن كان طفلاً، وحتى رحيله المفاجئ الصادم في منتصف الثلاثينيات من العمر. وعندما رحل بقي اسمه عالقاً إلى الأبد في صورة الولد الموهوب.

"الولد المتمرد"

سيبقى اسم زياد الرحباني، أيضاً، مرتبطاً بصورة "الولد المتمرد"، الأمير الذي ولد بمعلقة من ذهب في فمه، ولكنه ألقى بالملعقة على الأرض، وغادر القصر حافياً، ليعيش وسط الفقراء والصعاليك، ويغني باسمهم، ويدبج البيانات السياسية ضد سكان القصر!

قبل الموسيقى، أو معها، كان زياد الرحباني شاعراً، من أوائل أعماله ديوان بعنوان "صديقي الله"، صدر 1971، ولكن قصائده، كما يذكر في المقدمة، كتبت بين عامي 1967 و1968، يعني قبل أن يتجاوز الثانية عشر!

الديوان عبارة عن قصيدة واحدة طويلة، تتحدث على لسان طفل يحتفل بعيد ميلاده السادس، ويسأل تلك الأسئلة الوجودية التي ظلت تشغل زياد الرحباني لما بقى من عمره عن الخير والعدل والحرية، ورغم مفرداته وتركيباته اللغوية البسيطة إلا أنه يحمل مشاعراً وأفكاراً في غاية العمق.

ستظل البساطة في التعبير، مع العمق في التفكير، هما السمة المميزة لكل أعمال زياد الرحباني الموسيقية والمسرحية. هذه السمة التي جعلته واحداً من أكثر الموسيقيين العرب شعبية بين الأجيال المختلفة، وتحديداً بين الشباب من مختلف الأجيال. لقد عبر دوماً، وأبداً، عن هذه الروح الشابة المتمردة الحائرة والساخرة، منذ أن كان في السادسة، وحتى اقترابه من مشارف السبعين.

"الحرب الأهلية" لم تهزم زياد الرحباني

مع بداية "الحرب الأهلية" في لبنان تبلورت شخصية الولد المستقل الرافض لكل أشكال الطائفية والطبقية، وتجسد هذا الاستقلال في خروجه من بيت العائلة والإقامة بمفرده في منطقة لا ينتمي لها "طائفياً"، وانتماءه للحزب الشيوعي الذي وجد فيه كل أفكاره عن العدالة والمساواة.

كان زياد الرحباني مؤلفاً موسيقياً وشاعراً وكاتب دراما مسرحية وعازفا للبيانو وممثلاً، أحياناً، ولم يمنعه ذلك من نشاطه السياسي والإعلامي، وعلى عكس معظم الفنانين الذي يتجنبون الخوض في السياسة أو التعبير عن آرائهم السياسية (في حالة وجود موقف لديهم أصلاً)، فإن زياد على العكس اعتبر الفن نفسه وسيلة لايصال رسالته السياسية قبل أي شئ آخر.

ومن المدهش في هذا السياق أن أعمال زياد الرحباني، حتى أكثرها جدية واحتواءً على مضامين سياسية مثل مسرحياته :بالنسبة لبكرا شو؟"، "فيلم أميركي طويل"، و"شئ فاشل"، و"بخصص الكرامة والشعب العنيد"، تتسم ببساطة تعبيرها ومرحها وتلك الروح الشابة المتفائلة التي لا يمكن أن يكسرها شئ.

لكن أشياء كثيرة حاولت أن تكسر روح زياد الرحباني: الوضع العام في لبنان والعالم العربي الذي ينتقل من الأسوأ للأكثر سوءاً، حياته الشخصية التي منيت بصدمات وهزائم عدة، وعدم الاستقرار العائلي الذي أرهقه، رغم أنه تمسك به حتى النهاية.

في أعمال زياد الرحباني روحاً لا مثيل لها في الموسيقى العربية، ولا حتى في أعمال أبيه وعمه (عاصي ومنصور) أو بقية عائلة الرحبانية. في أعماله قوة إيقاع وغنائية راقصة تدخل إذن وقلب المستمع على الفور، وفيها أيضاً رصانة وجدية سرعان ما تتبدى بمرور الوقت وتعدد مرات الاستماع. وفيها شئ أشبه بالهلب، يعلق في القلب ليبقى هناك.

في منتصف التسعينيات ذهبت إلى بيروت لأول مرة، ومن هناك عدت بشرائط ألبومات كثيرة كان على رأسها مسرحيات زياد وموسيقاه. أحد الألبومات كان يحمل موسيقى أغنية "ع هدير البوسطة"، ولا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي استمتعت فيها إلى المقطوعة على التوالي وبلا انقطاع. الأمر نفسه تكرر مع الألبومات الأخيرة التي كتب كلمات أغانيها وموسيقاها لفيروز. حين تستمع إلى الأغنية مرة، فكأنها أصبحت جزءاً من وجدانك إلى الأبد.

هكذا، ودائماً، سيبقى زياد رحباني، ابناً أبدياً يجسد كل ما تتمناه البشرية من الأبناء: الرؤية والرغبة في تغيير العالم والطاقة والشغف والأمل الذي لا يخبو بمستقبل أفضل.

وسيبقى الإرث الذي تركه زياد في العقول والقلوب الشابة لأجيال كثيرة قادمة.

* ناقد فني

 

####

 

وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني عن 69 عاماً

دبي -الشرق

توفي الفنان اللبناني زياد الرحباني، السبت، عن عمر ناهز 69 عاماً، بعد صراع مع المرض، حسبما نقل التلفزيون الرسمي اللبناني.

ترك زياد الرحباني، وهو نجل المغنية اللبنانية الكبيرة فيروز، والملحن الراحل عاصي الرحباني، مسيرة فنية حافلة، إذ يُعد أحد أبرز المجددين في الأغنية اللبنانية والمسرح العربي السياسي الساخر.

وُلد زياد الرحباني في يناير 1956 في منطقة أنطلياس بلبنان، وعُرف منذ صغره بموهبته اللافتة في التأليف الموسيقي والكتابة المسرحية.

بدأ زياد مسيرته الفنية في مطلع سبعينيات القرن الماضي، حين قدم أولى مسرحياته الشهيرة "سهرية"، وكتب ولحن لاحقاً لوالدته فيروز في عمر 17 عاماً.

قدم زياد الرحباني، مجموعة من الأعمال المسرحية الشهيرة، منها "بالنسبة لبكرا شو"، و"فيلم أميركي طويل"، و"نزل السرور"، والتي تجمع بين الطابع السياسي المحملة بالنقد المصاحب للفكاهة وخفة الظل، والموسيقى التجريبية.

كما تعاون في تلحين وتوزيع العديد من الأغاني لوالدته فيروز، بما في ذلك ألبومات "كيفك إنت؟"، و"إيه في أمل"، وأغنيات فردية حققت شهرة واسعة، مثل "سلملي عليه" و"أنا عندي حنين" و"نطرونا كتير".

إعادة تشكيل الإرث الفني

يعد زياد الرحباني، من أهم الفنانين الذين أضافوا عمقاً إلى الموسيقى العربية الحديثة، ليس فقط في السياق اللبناني. لم يكتف بالإرث الفني من والديه، بل تمرد عليه أيضاً وأعاد تشكيله

بالإضافة إلى تقديم موسيقى جديدة، حلل وفكك الفنان اللبناني الراحل، النمط الرحباني التقليدي، وكشف رموزه الموسيقية والاجتماعية، عبر إعادة توزيع بعض مقطوعات الرحابنة (عاصي ومنصور) لتصبح أكثر قرباً من نبض الزمن الذي عاش فيه.

قدم شكلاً جديداً من أشكال الموسيقى، عبر دمج موسيقى الجاز التي نشأت في المجتمعات الإفريقية في الولايات المتحدة، مع التخت الشرقي، من خلال أغان مثل "أنا مش كافر" و"بما إنو" والتي تُظهر قدرة فريدة على ترجمة بُنى موسيقية معقدة لجمهور عربي لم يعتد هذا النوع من الموسيقى، مع الاحتفاظ بالهوية المحلية.

أدوات موسيقية للنقد السياسي

لم تنفصل موسيقى زياد الرحباني، عن الواقع السياسي والاجتماعي الذي عاش فيه، إذ كان صوتاً توافقياً بفترة الحرب الأهلية في لبنان (1975 - 1990)، كما أنه لم يكتف في موسيقاه باللحن والكلمات، بل كان يستخدم التوزيع والوقفات واللزمات كأدوات للنقد السياسي والاجتماعي، في مسرحيات غنائية مثل "نزل السرور" و"فيلم أميركي طويل"، التي قدم فيها الموسقى كشكل من أشكال التعليق النقدي الذكي المُشفر.

امتلك قدرة فريدة على تفكيك الأصوات وإعادة تركيبها بشكل يخدم النص المسرحي أو المشهد الدرامي، فكثير من توزيعاته تُدرس اليوم كمراجع في المدارس الموسيقية في لبنان، وهو من القلائل الذين فهموا التوزيع ليس فقط كأداة تجميل بل كعنصر تعبيري بحد ذاته.

يعد زياد الرحباني، أحد أبرز الفنانين العرب من أصحاب المشروع السياسي، إذ انتمى للتيار اليساري في لبنان، وأعلن دعم مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، لكنه لم يتوقف أبداً طوال مسيرته الفنية عن انتقاد الأوضاع الاجتماعية والنخب السياسية في بلاده.

 

####

 

لبنان ينعى زياد الرحباني.. "حالة فكرية وثقافية متكاملة"

دبي -الشرق

نعى الرئيس اللبناني جوزاف عون، إلى جانب عدد من الشخصيات السياسية والفنية، الموسيقار الراحل زياد الرحباني الذي توفي، السبت، عن عمر ناهز 69 عاماً بعد معاناة مع المرض.

وقال الرئيس اللبناني جوزاف عون في تدوينة على منصة "إكس" قائلاً: "زياد الرحباني لم يكن مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافية متكاملة، وأكثر.. كان ضميراً حياً، وصوتاً متمرداً على الظلم، ومرآة صادقة".

وكتب رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام: "بغياب زياد الرحباني، يفقد لبنان فناناً مبدعاً استثنائياً وصوتاً حراً ظل وفياً لقيم العدالة والكرامة.. زياد جسد التزاماً عميقاً بقضايا الإنسان والوطن".

وأضاف: "من على خشبة المسرح، وفي الموسيقى والكلمة، قال زياد ما لم يجرؤ كثيرون على قوله، ولامس آمال اللبنانيين وآلامهم على مدى عقود".

كما رثاه وزير الثقافة اللبناني غسان سلامة قائلاً: "كنا نخاف من هذا اليوم لأننا كنا نعلم تفاقم حالته الصحية وتضاؤل رغبته في المعالجة.. وتحولت الخطط لمداواته في لبنان أو في الخارج إلى مجرد أفكار بالية لأن زياد لم يعد يجد القدرة على تصور العلاج والعمليات التي يقتضيها.. رحم الله رحبانياً مبدعاً سنبكيه بينما نردد أغنيات له لن تموت".

ومن جانبه، قال وزير العدل اللبناني عادل نصار إن "زياد طبع أجيالاً بمفرداته ومصطلحاته وقدرته على النقد الذاتي، فخلق فناً خاصاً به، مبدعاً وساخراً.. واليوم، غادرنا الاستثنائي تاركاً على عاتقنا الجواب عن سؤالٍ مركزي: بالنسبة لبُكرا، شو؟".

وذكر رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري على "إكس": "برحيل زياد الرحباني، يخسر لبنان قيمة فنية وموسيقية عالمية.. أحر التعازي لعائلته، وبخاصة للسيدة والدته فيروز، أطال الله بعمرها".

وقال وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي: "العبقرية فقدت اليوم واحداً من أعمدتها.. زياد الرحباني رحل، وترك بصمةً مميزة في تاريخ الفن اللبناني المعاصر".

وتابع على منصة "إكس": "عزائي الشديد للسيدة العظيمة ووالدة هذا العبقري، السيدة فيروز ولجميع أفراد العائلة ولآل الرحباني الكرام ولأهل الفن في لبنان".

عبقرية موسيقية 

وحرص نجوم الغناء، على تقديم واجب العزاء لوالدته الفنانة فيروز، داعين لها بالصبر، على رحيل "أسطورة موسيقية"، أبرزهم الفنانة إليسا التي قالت: "‏ما كان فناناً عادياً، والأكيد أنه ما كان شخصاً عادياً، فعبقريته الموسيقية والفنية لن تتكرر".

وقال جورج وسوف: "رحل زياد العبقري.. رحل زياد المبدع.. أعمالك ستبقى خالدة وفنك العظيم بالقلب والفكر على مر الأجيال.. أحرّ التعازي للسيدة فيروز الأم ولعائلة الرحباني ولكل محبيك يا زياد".

ووصف الفنان راغب علامة، الفقيد، بقوله: "عبقري لبنان، رحل الفنان والإنسان الذي سكن قلوبنا بفنه الحر وكلماته الصادقة.. زياد لم يكن مجرد فنان، بل حالة استثنائية متمرّدة، تركت أثراً لا يُمحى في تاريخنا الثقافي.. أحرّ التعازي للسيدةفيروز، ولعائلة الرحباني، ولكل من أحبّه.. وداعاً يا زياد.. ستبقى خالداً في الوجدان، صوتاً لا يموت".

فيما أشار الفنان جورج خباز إلى حجم الأثر الذي تركه زياد الرحباني في وجدانه على مدار العقود القليلة الماضية، مؤكداً أنه سيظل حكاية وطن، حكاية شعب، حكاية إنسان، وقال "شكراً على كل الفن للي سابق عصور! بلا ولا شي منحبك".

كما لفت ناصيف زيتون، إلى الدور الكبير الذي لعبه زياد الرحباني طيلة حياته، وأثره الباقي في الأجيال المتعاقبة، قائلاً: "رحل اللي علّمنا نسمع غير، ونفكّر غير، ونغنّي غير.. يا ريت الكبار ما بيرحلوا.. الله يرحمك يا ابن عاصي وفيروز، الله يصبّر عيلته و كل محبينه، ويصبّر وطن تعب يودّع كباره".

فيما كتبت الفنانة ماجدة الرومي: "ويرحل عبقري من بلادي.. تحية إكبار لإبداعك.. وموسيقى السلام لروحك الثائرة"، أما شذى حسون، كتبت: "الأساطير لا تموت، بل تعيش للأبد.. أعزي الشعب اللبناني في وفاة أيقونة من أيقونات الفن اللبناني الكبير زياد الرحباني .. الله يرحمه يا رب".

أجيال جديدة 

الأجيال الجديدة من نجوم الأغنية العربية، كشفت عن حزنها الكبير لرحيل زياد الرحباني، رغم عدم تعاونهم معه من قبل، إلا أنهم أشاروا إلى حجم تأثرهم بمسيرته ورؤيته والحالة الموسيقية الخاصة به، منهم فايا يونان، التي قالت: "راح زياد، لو كانوا الإبداع والعبقرية بشخص.. غصة كبيرة، وحزن كبير رغم حتمية الرحيل". 

وتابعت: "شكراً على الموسيقى يلي ما إلها زمان ومكان.. شكراً على أغاني عايشة معنا بيومياتنا.. شكراً عالحقيقة بزمن التزييف.. عالنقاوة بزمن التلوث.. عالتفرد الكلي بزمن التقليد".

فيما قالت رحمة رياض: "بحبك بلا ولا شي.. يا عبقري الكلمة واللحن.. مدرسة فنية علّمتنا نغنّي الكلمة، ونحسّها من القلب.. رحيلك وجع كبير، وخسارة ما تتعوّض.. وداعاً".

رحلة فنية ثرية 

وُلد زياد الرحباني في يناير 1956 في منطقة أنطلياس بلبنان، وعُرف منذ صغره بموهبته اللافتة في التأليف الموسيقي والكتابة المسرحية.

بدأ زياد مسيرته الفنية في مطلع سبعينيات القرن الماضي، حين قدم أولى مسرحياته الشهيرة "سهرية"، وكتب ولحن لاحقاً لوالدته فيروز في عمر 17 عاماً.

قدم زياد الرحباني، مجموعة من الأعمال المسرحية الشهيرة، منها "بالنسبة لبكرا شو"، و"فيلم أميركي طويل"، و"نزل السرور"، والتي تجمع بين الطابع السياسي المحملة بالنقد المصاحب للفكاهة وخفة الظل، والموسيقى التجريبية.

كما تعاون في تلحين وتوزيع العديد من الأغاني لوالدته فيروز، بما في ذلك ألبومات "كيفك إنت؟"، و"إيه في أمل"، وأغنيات فردية حققت شهرة واسعة، مثل "سلملي عليه" و"أنا عندي حنين" و"نطرونا كتير".

أدوات موسيقية للنقد السياسي 

لم تنفصل موسيقى زياد الرحباني، عن الواقع السياسي والاجتماعي الذي عاش فيه، إذ كان صوتاً توافقياً بفترة الحرب الأهلية في لبنان (1975 - 1990)، كما أنه لم يكتف في موسيقاه باللحن والكلمات، بل كان يستخدم التوزيع والوقفات واللزمات كأدوات للنقد السياسي والاجتماعي، في مسرحيات غنائية مثل "نزل السرور" و"فيلم أميركي طويل"، التي قدم فيها الموسيقى كشكل من أشكال التعليق النقدي الذكي المُشفر.

امتلك قدرة فريدة على تفكيك الأصوات وإعادة تركيبها بشكل يخدم النص المسرحي أو المشهد الدرامي، فكثير من توزيعاته تُدرس اليوم كمراجع في المدارس الموسيقية في لبنان، وهو من القلائل الذين فهموا التوزيع ليس فقط كأداة تجميل بل كعنصر تعبيري بحد ذاته.

يعد زياد الرحباني، أحد أبرز الفنانين العرب من أصحاب المشروع السياسي، إذ انتمى للتيار اليساري في لبنان، وأعلن دعم مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، لكنه لم يتوقف أبداً طوال مسيرته الفنية عن انتقاد الأوضاع الاجتماعية والنخب السياسية في بلاده.

 

الشرق نيوز السعودية في

26.07.2025

 
 
 
 
 

فيروز وزياد الرحباني: شراكة فنية استثنائية وسرّ الصورة الأخيرة

الجمهور سيظلّ يستذكر زياد كلّما سمع فيروز تُغنّيه، و"دايماً بالآخر في وقت فراق".

شربل بكاسيني - المصدر: "النهار"

كان مفاجئاً أن تُغنّي فيروز موسيقى "الجاز". بروح المغامرة التي دفعت بها مع الأخوين رحباني نحو خطّ موسيقي حداثي في خمسينيّات القرن الماضي، خلافاً للنمط الفنّي السائد، دخلت فيروز غمار التجربة الجريئة مع ابنها زياد الرحباني.

نسمة خفيفة اجتمعت بثقل السؤال الوجودي حين تشتدّ صراعاته. لقاء بين صوتٍ يهمس للأفئدة وعقلٍ يسكنه التمرّد. هكذا ولدت الشراكة الفنّية بين الأمّ وابنها، هي التي قالت عنه ذات مقابلة إذاعية: "زياد عبقرية فنّية أخذت ملامحها من رأيه في الحياة الإنسان والوطن والشعب"، وترنّمت بأرجوزة لأعرابيّةٍ في وصفها ابنها:

"يا حبّذا ريحُ الولد

ريحُ الخزامى في البلد

أهكذا كلّ ولد؟

أم لم يلد قبلي أحد؟"

لم يكن التعاون الفني مجرّد امتداد طبيعي لتراث عاصي ومنصور وفيروز، بل كان زلزالاً إبداعياً أعاد رسم الحدود بين الخطّ التقليدي والتجديد المحفوف بالخطر وبين الشجن والحنين والوعي الطبقي، واستكمالاً لمسيرة بدأها زياد بلحن "سألوني الناس" في مسرحية "المحطة" (1973).

لمّا أمسك زياد الرحباني بزمام التأليف والتلحين لفيروز بعد انفصال فيروز عن الأخوين رحباني، خلع عباءة التلميذ المطيع في مدرسة أبيه. كان ابن الحالة الفنّية العنيفة والمُجدّدة، وابن لحظة ملتهبة، وفنّ عميق ببساطته يبحث عن هويته. أدخلها إلى المقاهي وحارات الناس المهمّشين، حيث يُغنّى الحرمان ويُقذف بالنفاق المجتمعي، فغنّت مثلاً "صبحي الجيز". وتوالت الأغنيات التي قيل يومها إنّها لا تُشبه فيروز المقدّسة في الذاكرة الجماعية؛ ولعلّ "كيفك إنت" كانت أشدّها غرابة، حتّى أنّ فيروز نفسها تردّدت قبل غنائها.

غيّر زياد من صورة فيروز النقية التي رسمها لها الأخوان، من دون أن يخدش النقاء والحياء. كان يعرف تماماً أين ينتهي السياج الذي نصبته السيّدة، وأين يمكن خرقه. وهي آمنت به وكانت تقول: "زياد تحوّل من ولد ملك أب اسمه عاصي وأمّ اسمها فيروز إلى فنان كبير. كلّ لحن لزياد مستعدّة أن أغنّيه لأنني أتعامل مع فنّان كبير. هو حدث مهم على صعيد الأغنية العربية".

في "معرفتي فيك"، "صباح ومسا"، "شو بخاف"، وغيرها، غنّت فيروز تلبّك الحبّ، والغضب والخذلان، وذلك الحب الناضج بنضج مآسيه. وزياد مارس بموسيقاه تفكيك الصورة النمطية لأمه ليكشف وجاً آخر لها، ويقول وإيّاها إنّ فيروز يمكنها غناء "الجاز" وتحدّي التقليدي.

لقاء زياد وفيروز سبّب صدمة لدى بعض جمهورها. من كان يتوقّع أن تغني "حاج تنفّخ دخنة بوجّي ولو بتدخّن لايت"، أو "كيف إنت؟ ملّا إنت!"، أو "حبّيت ما حبّيت ما شاورت حالي"، وقبلها جميعها "في واحد هو ومرته، ولو شو بشعة مرته!". من كان يتوقّع أن تُعيد تسجيل ترنيمتها الأيقونية "يا مريم البكر" على إيقاع "الجاز"، وتُهدي عاصي الرحباني باقة من أُغنياتها بحلّة متجدّدة في ألبوم "إلى عاصي"؟ لكن الصدمة كانت ضرورية لتشهد على تحوّل الفن من الملاذ الآمن. ولهذا السبب، فإنّ هذه المرحلة من مسيرة فيروز لا تزال تُناقش، بحُبّ وانتقاد.

ما فعله زياد الرحباني في ألبومات "وحدن" (1979) "معرفتي فيك" (1987)، "كيفك إنت" (1991)، "إلى عاصي" (1995)، "مش كاين هيك تكون" (1999)، "ولا كيف" (2001)، و"إيه في أمل" (2010) هو أنه نقل صوت فيروز من رومنسية الجبل إلى وحشيّة المدينة. لم يكسر صورتها، بل حرّرها من جمودها، وفتح باباً لتكون فنانةً لكلّ الأزمنة.

والجمهور سيظلّ يستذكر زياد كلّما سمع فيروز تُغنّيه. والذين أحبّوا الأم وابنها أفرحتهم صورة العائلة وقد لمّت شملها في قدّاس بذكرى الكبير عاصي قبل ثلاثة أعوام. وفي الصورة سرّ من أسرار حبّ الجمهور لهذا البيت، وفيها دفء وحبّ ومودّة. فيروز، ريما، وهلي... وزياد "ركب عربيّة الوقت" وسافر وحده للقاء عاصي وليال. و"دايماً بالآخر في آخر... في وقت فراق".

 

####

 

مسرح زياد الرحباني: نقمة وسخرية ومرآة لخيباتنا وأفراحنا

من منّا لا يستعمل في يوميّاته عبارات مثل "بالنسبة لبكرا شو؟"، "شي فاشل"، و"لولا فسحة الأمل"؟

المصدر: "النهار"

من يدخل عوالم زياد الرحباني المسرحية، يدخل دهاليز العقل اللبناني المتعب، والحالم، والساخر من خيبته. لطالما أغرقنا زياد في أكوامٍ من أسئلة ذكيّة، متمرّدة، حزينة، تُضحك من فرط الواقعية. وفي أعماله نقف أمام مزاج شعب، وهواجس طبقة، وسخرية وجود بأسره.

أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن زياد المسرحيّ، أسماء مسرحيات طبعت يومياتنا. من جيل الأسطوانات، إلى الكاتريدج والكاسيت، فالـ"سي دي" والرقمي، توارث اللبناني أقوال زياد وألحانه الممسرحة أباً عن جدّ.

ومن "سهرية" (1973) و"نزل السرور"، (1974) إلى "بالنسبة لبكرا شو؟" (1978)، فـ"شي فاشل" (1983)، مروراً بـ"فيلم أميركي طويل" (1980) ثم "بخصوص الكرامة والشعب العنيد" (1993) ولاحقاً "لولا فسحة الأمل" (1994)، انتهج زياد خطاً مستقلّاً عن مسرح الأخوين رحباني، وكرّس نفسه علامةً فارقة في المسرح اللبناني. لم يكن يكتب نصاً مسرحياً بقدر ما كان يفتح النار على كلّ شيء: السياسة، المجتمع، الطائفية، والحرب. شخصياته من الشارع، من الحانة، من طابور الخبز، تتكلّم بلهجة ساخرة، لا تتجمّل، لا تتفلسف. وموسيقاه جزء عضوي من السرد، تُعمّق المعنى وتبقى عالقة في الذهن.

بدايات زياد على المسرح كانت مع والدته وتحت إدارة والده. أول دور مسرحي لعبه كان شرطياً في "المحطة" (1973)، ثمّ في "ميس الريم" (1975) بالشخصية نفسها. والجميع يذكرون وقفته إلى جانب السيدة فيروز على المسرح ببذلته الزرقاء.

ومع استقلاله عن سلطة الأب العبقري، سار زياد وحيداً بين كلمة ونغم. مزج في مسرحه الكوميديا السوداء بالسخرية القاتمة، والدراما النفسية بالواقعية النقدية. لم يُقدّم خلاصاً ولا بطلًا مخلّصاً، خلافاً للأدوار التي فُصّلت على مقاس والدته، منقذة ومصلحة اجتماعية وسيّدة متسامية متحكّمة بأقدار الرعيّة، وإن زرعت الفوضى في فصول سابقة. بطله غالباً تائه، منهار، و"مْطفَّر"، ويُضحكنا لأنه يشبهنا.

مسرح زياد كُتب لكلّ زمان ولأجل كلّ إنسان وليُقدَّم تحت كلّ سماء. ميزته أنّه يتفاعل مع اللحظة الراهنة، وإن كُتب منذ عقود. لا يزال قادراً على إضحاكنا وإبكائنا، ودفعنا نحو التماهي مع فصوله وشخصياته، وما الدليل على أبديّته والأثر العميق للكلمة واللحن سوى عباراته التي لا تزال تُقتبس وتدخل موجات "الترند"، وتُرفع شعارات في الشوارع وعلى الجدران، وتُنمّق وتُزيّن وتُباع بآلاف "الديزاينات"، على فناجين القهوة والولّاعات والملابس والدفاتر وإكسسوارات الهواتف. ومسرحياته تُعرض على "يوتيوب"، ويتسابق الهواة في جمع نسخ أصلية وملصقات وصور من زمنها.

وبهذا المسرح الحقيقي، يظلّ زياد الرحباني علامة فارقة، مكرّساً المسرح بصفته مرآه للمجتمع ومُكبّراً لصوت الناس. كلّ الناس.

 

####

 

لبنان يودّع زياد الرحباني الصوت الحر والموسيقى المتمرّدة... شخصيات لبنانية تستذكره

زياد الرحباني لم يكن مجرد فنان، بل حالة فكرية وثقافية متكاملة.

المصدرالنهار

فقد لبنان اليوم أحد أبرز أعلامه الثقافية والفنية، بغياب الفنان الكبير زياد الرحباني، نجل السيدة فيروز والمبدع الراحل عاصي الرحباني، بعد مسيرة استثنائية حفرت عميقاً في الوجدان اللبناني والعربي.

عون 

وفي أبرز ردود الفعل الرسمية، نعى رئيس الجمهورية جوزف عون الراحل بكلمات مؤثرة جاء فيها: "زياد الرحباني لم يكن مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافية متكاملة. وأكثر، كان ضميرًا حيًّا، وصوتًا متمرّدًا على الظلم، ومرآةً صادقة للمعذبين والمهمّشين، حيث كان يكتب وجع الناس، ويعزف على أوتار الحقيقة، من دون مواربة. ومن خلال مسرحه الهادف وموسيقاه المتقدة بالإبداع المتناهي بين الكلاسيك والجاز والموسيقى الشرقية، قدّم رؤية فنية فريدة، وفتح نوافذ جديدة في التعبير الثقافي اللبناني بلغ العالمية وأبدع بها. لقد كان زياد امتدادًا طبيعيًا للعائلة الرحبانية التي أعطت لبنان الكثير من نذر الجمال والكرامة، وهو ابن المبدع عاصي الرحباني والسيدة فيروز، سفيرتنا إلى النجوم، التي نوجّه لها اليوم أصدق التعازي، وقلوبنا معها في هذا المصاب الجلل، تشاركها ألم فقدان من كان لها أكثر من سند. كما نعزي العائلة الرحبانية الكريمة بهذه الخسارة الكبيرة ".

وأضاف:"ان أعمال زياد الكثيرة والمميزة ستبقى حيّة في ذاكرة اللبنانيين والعرب، تلهم الأجيال القادمة وتذكّرهم بأن الفن يمكن أن يكون مقاومة، وأن الكلمة يمكن أن تكون موقفًا. فليرقد زياد الرحباني بسلام، ولتبقَ موسيقاه ومسرحياته النابضة بالذاكرة والحياة، نبراسًا للحرية ونداء للكرامة الإنسانية".

بري

ونعى رئيس مجلس النواب نبيه بري الفنان زياد الرحباني : "لبنان من دون "زياد" اللحن حزين.. والكلمات مكسورة الخاطر …والستارة السوداء تُسدل على فصل رحباني إنساني ثقافي فني ووطني لا يموت" .
وأضاف: "أحر التعازي للعظيمة “فيروز” لآل الرحباني وكل اللبنانيين برحيل الفنان المبدع زياد الرحباني الذي جسد لبنان “الحلو” كما أحبه فنظمه قصيدة وعزفه لحناً وأنشده أغنية وداعاً زياد
" .

سلام

من جهته، كتب رئيس الحكومة نواف سلام عبر منصة "إكس":

"بغياب زياد الرحباني، يفقد لبنان فنانًا مبدعاً استثنائيًّا وصوتًا حرًّا ظلّ وفيًّا لقيم العدالة والكرامة. زياد جسّد التزامًا عميقًا بقضايا الإنسان والوطن".

وأضاف: "من على خشبة المسرح، وفي الموسيقى والكلمة، قال زياد ما لم يجرؤ كثيرون على قوله، ولامس آمال اللبنانيين وآلامهم على مدى عقود. بصراحته الجارحة، زرع وعيًا جديدًا في وجدان الثقافة الوطنية.أتقدّم من القلب بأحرّ التعازي لعائلته، ولكل اللبنانيين الذين أحبّوه واعتبروه صوتهم".

سلامة

أما وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة، فكتب:"كنا نخاف من هذا اليوم لأننا كنا نعلم تفاقم حالته الصحية وتضاؤل رغبته في المعالجة. وتحولت الخطط لمداواته في لبنان او في الخارج الى مجرد افكار بالية لأن زياداً لم يعد يجد القدرة على تصور العلاج والعمليات التي يقتضيها. رحم الله رحبانياً مبدعا سنبكيه بينما نردد اغنيات له لن تموت".

حمادة

ونعى عضو اللقاء الديمقراطي النائب مروان حمادة الراحل زياد بكلمات مؤثرة: "لقد رحل أبرز رموز الزمن الجميل حيث كانت الثورة تعانق الإبداع اللبناني وتنعشه دون أن تشوهه أو تعطله".

وأضاف: "زواج جميل عريسه زياد الرحباني ، حيث دغدغ أحلام أجيال كاملة من فيلمه الأميركي الطويل الى العنوان الذي لا زال اليوم مطروحاً: " بالنسبة لبكرا شو".أخشى أن يكون وداع زياد جنازاً للجمال والحرية والإبداع المتعانقين في شخص وعائلة.أحرّ التعازي لفيروز وآل الرحباني جميعاً وللبنان...".

الحريري

نعى الرئيس سعد الحريري الفنان زياد الرحباني، وكتب عبر حسابه على منصة "اكس": "برحيل زياد الرحباني، يخسر لبنان قيمة فنية وموسيقية عالمية. احر التعازي لعائلته وبخاصة للسيدة والدته فيروز، اطال الله بعمرها".

وزارة السياحة

نعت وزارة السياحة اللبنانية الفنان الراحل زياد الرحباني عبر حسابها الرسمي على منصة "إكس"، مشيدة بإرثه الإبداعي والموسيقي الذي تجاوز الأطر الزمنية والجغرافية.

وجاء في النعي: "اختزل زياد الرحباني عالماً من الإبداع. مزج الإرث العائلي بثقافة فنية تخطّت كلّ الحدود والحقبات. تبقى أعماله ونغماته خالدة في الوجدان وفي الإرث الفني اللبناني والعربي والعالمي."

الجميّل

وكتب رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" النائب سامي الجميل : "وداعًا زياد الرحباني، العبقري الذي أعاد تشكيل الموسيقى والمسرح بكلمات وألحان لا تشبه إلا نفسها. رحل من ترك بصمته الفريدة في وجدان أجيال. أحرّ التعازي للسيدة فيروز ولعائلته وكل من أحب فنه الخالد".

مخزومي

وكتب النائب فؤاد مخزومي على "إكس": "رحيل الفنان المبدع زياد الرحباني خسارة كبيرة للبنان والعالم، إذ أننا برحيله فقدنا أحد أبرز صانعي الهوية الثقافية، وإرثًا موسيقيًا وأعمالًا لا تُنسى جسدت تراث الرحابنة وفن الأيقونة فيروز والتراث اللبناني الأصيل والإبداع والتجدد".

ميقاتي

وأبرق رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي الى السيدة فيروز معزيا بوفاة نجلها الفنان زياد الرحباني.

وقال في برقيته: في هذه الاوقات العصيبة التي تمرين بها وعائلتك الكريمة بوفاة نجلك، نعبّر عن تعاطفنا معك ومواساتنا، سائلين الله ان يمنحك الصبر والسلوان.

خلف

وكتب النائب ملحم خلف عبر حسابه على منصة "اكس": "مات زياد الرحباني. ذاك الذي إذا عزف، أحيا الروح، وإذا اعتلى الخشبة، دوّت الحقيقة، وإذا تكلّم، خاطب الضمير بلا مواربة. غاب من ناصر الفقير بالكلمة، ومن واجه المتسلّط بالسخرية، ومن خرق جدار الصمت، وتخطّى سجن الطائفية، وناضل بالفن، لا بالشعارات... بالبيانو والمسرح، لا بالمنابر. زياد... اسم لا يغيب. رحمه الله".

باسيل

وكتب رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل: " رحل زياد الرحباني العازف على أوتار وجعنا الوطني وراوي حكاياتنا بلغة صارت لهجةً على ألسنة الناس فانتقلت من المسرح إلى حياتنا اليومية.كتب وغنّى للمظلومين، فكان المبدع الفني والضمير الانساني. سلام لروحك يا ابن فيروز وعاصي، وستبقى ألحانك حية، ترفض الصمت كما كنت انت ترفض الركوع".

البستاني

وكتبت الوزيرة السابقة ندى البستاني: "توفّي زياد الرحباني اليوم...لكنّه لم يرحل وحده. رحل معه "الجوع الكافر"، و"هالبلد ماشي… بس لوين؟"، و"الحديث يلي ما حدا بدّو يسمعو".

رحل من "ما كان كافر، بس الكفر إجاه من شدّة الجوع"،

ومن "ما عرف طريق الهجرة... فظلّ يحكي. وداعًا يا زياد...

ما بقي إلنا غير نردّد، متلك:"بالنسبة لبكرا... شو؟" الله يرحمك، ويصبّر السيّدة فيروز وعائلة الرحباني".

السيد

وكتب النائب جميل السيد على حسابه عبر "إكس"، "كم من الصعب أن تكون إبناً لفيروز وأن تحفر لنفسك إسماً لامعاً ومستقلاً في دنيا لبنان والعرَب، زياد الرحباني إستطاع."

وتابع، "هُوَ الولد الثائر، المفتون بحُبّ لبنان، المجبول بنبوغٍ طبيعي وإحساسٍ مُرهف وتعبيرٍ عفوي وفكْرٍ متمرّد".
بدر

وكتب النائب نبيل بدر عبر حسابه على منصة "اكس": "رحل زياد، وسكتت الكلمة التي كانت تقول الحقيقة باللحن والضحكة..."

وختم، "كانت السنة الماضية بمآسيها على لبنان وفلسطين من أصعب ما مرّ عليه، أمثال زياد لا يموتون، بل يرحلون حُزناً على مصير وطنٍ وشعب وأُمّة".

حاصباني

وكتب نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب غسان حاصباني عبر حسابه على منصة X: 

"ببالغ الأسى نودع المبدع الكبير زياد الرحباني، الذي شكّل علامة فارقة في الموسيقى والمسرح. رحيله خسارة كبيرة للبنان والعالم العربي

نتقدم بأحرّ التعازي إلى السيدة فيروز، التي فقدت ابناً ورفيق درب لا يعوّض".

كلاس

ونعى الوزير السابق جورج كلاس الفنان زياد  الرحباني: "زياد الرحباني وزفَة الموت. لن يكفي كلام، و لا يُوَفّى حقَّه رثاء. فعازفَ ألحان الحياة لا تليق به عَزْفَةُ الموت. زياد الأجيال، وزياد القضية، وزياد الفكرة المبتكرة و الصورة المعبرة، قطع وتره، أسدل الستارة على إبداعاته، إستأذن الأوركسترا وغاب. العبقري المبدع و الساخر من الدنيا، جَمَّلَ لنا و على حسابه بشاعات هذه الدنيا، و جعل من التفاصيل البسيطة ماسات جمالية حببتنا ببعض ظروف العيش، على مرارتها. كان هو المسرح، و هو الموسيقى، و هو النَصُ وهو المؤثرات، و هو العازف و المعزوفة، و هو الكلمة و اللحن غير المسبوق. عظيم إبن عظمين، عاصي و فيروز، و سليل الدوحة الرحبانية التي كتبت لبنان بالموسيقى وإستدعاء التاريخ ليكون  هو المسرح و ليلعب دور البطولة على خشبة الحاضر الدامع. العزاء للسيدة فيروز ملكة الدمع و الوجد و المجد، وللعائلة الكريمة ولبنان".

بقرادونيان

وكتب الأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان على منصة "أكس"، ناعيا  الموسيقار الكبير زياد الرحباني: "العمالقة لا يموتون، بل تبقى أرواحهم بيننا. ستبقى روحك المقاومة والوطنية حيّة في شوارع لبنان...إلى ما لا نهاية".

السنيورة

بدوره، نعى رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة الفنان الراحل زياد الرحباني، قائلاً: "خسر لبنان والوطن العربي الفنان المبدع والعبقري زياد الرحباني تاركاً خلفه إرثاً فنياً وثقافياً غنياً وزاخراً بالإبداع والإنتاج الموسيقي والمسرحي قل نظيره على مر الأجيال".

نقابة محرري الصحافة اللبنانية

كما نعت نقابة محرري الصحافة اللبنانية الفنان زياد الرحباني "المبدع، المجدد، الذي يطوع اللحن لسلطان عبقريته، وابتكاره المفتوح على فضاءات الوحي يستنبت منه ما يضاف على عمارته لبنة".

وأشارت في بيان إلى أنَّ "زياد الذي انطلق متكئا إلى إرث عظيم تهادى اليه من عاصي وفيروز ومنصور والياس، حلق بعيداً واوجد مدرسة خاصة. جدد شباب الفن اللبناني وفتح آفاقا واعدة للمواهب الشابة في عالم المسرح والغناء والتأليف والتلحين والعزف، وتميز بفرادته متألقا، لاسيما عندما تداعب انامله البيانو في ترحال نحو فضاءات الروح المتوهجة والوثابة".

وختمت البيان بالقول: "زياد الرحباني الساخر حتى أعماق الوجع، الموجوع حتى ذرى السخرية، العبثي إلى أبعد مدى الالتزام الوطني والانساني، والملتزم حتى أقصى حدود العبثية، إرتحل لأنه لم يعد يرى في لبنان ما يغريه على الحياة فيه، فآثر المضي إلى عالم لم يحدد معالم هويته: أنها حال من لا يستقر على حال إذا ضاقت به دنياه وبرم بها. هو لم يغب. إنه باق فينا، بقاء الكلمة والنغم والصوت وهي اقانيم الديمومة التي لا تعرف الزوال".

حزب الله

وتقدّمت العلاقات الإعلامية في "حزب الله"، اليوم السبت، بـ"أحرّ التعازي إلى عائلة الفنان الكبير الراحل زياد الرحباني وإلى ‏جميع محبيه في لبنان والعالم العربي، برحيل هذه القامة الفنية الوطنية المقاومة بعد مسيرةٍ حافلةٍ ‏بالعطاءِ والحبِ والإبداع".

"الحزب الشيوعي اللبناني"

في السياق، قال "الحزب الشيوعي اللبناني" في وداع  زياد الرحباني: "غادرنا زياد اليوم وترك رحيله المبكر في قلوب عائلته ورفاقه ومحبًيه الكثر، جرحاً لا يندمل وغصة لا تنطفيء".

وأضاف: "هو الفنان المبدع الذي أدخل بوعيه الفكري والسياسي والثقافي الفرح الى قلوبهم. قدّم زياد فنّه المميّز بشجاعة وجرأة نقدية نادرة، وهو المعروف بوقوفه الواضح والصريح ضد الطائفية والمذهبية، وفي التزامه قضية وطنه وشعبه ومقاومته الوطنية. هو من كان رائدا في إنتاج ألوان مبدعة وغير مسبوقة من البرامج الاذاعية ومن الموسيقى والغناء. ألوان طورت عطاءات المدرسة الرحبانية وتفاعلت معها إلى حدود الاندماج أجيالاً متعاقبة من المواطنين اللبنانيين والعرب منذ اواسط الستينيات".

سمير جعجع

بدوره، كتب رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع عبر منصة "إكس": "برحيل زياد الرحباني خسر لبنان فناناً استثنائياً. كنا نتمنى لو استطاع إعطاء طاقته الاستثنائية كلها للفن في لبنان. أحرّ التعازي لعائلته الصغيرة، لآل الرحباني، والأسرة الفنية الكبيرة في لبنان، كما للشعب اللبناني الذي سيبقى يتذكّر أعمال زياد لفترات طويلة مقبلة".

بول مرقص

وأكد وزير الإعلام بول مرقص أنه "بوفاة الفنان زياد الرحباني، يخسر لبنان والعالم عموداً من أعمدة الفن اللبناني المبدع، الرائد والاستتثنائي".

وكتب عبر منصة "إكس": "يسقط عمود ولا يسقط هيكل الفن اللبناني الواسع الأصيل الزاخر بالطاقات المميزة، سواء الموجودة أو الصاعدة. وإن كان لبنان يزخر دائماً بهذه الطاقات الفنيّة، إلاّ أن خسارة زياد لا تعوّض".

برحيل زياد الرحباني، يغيب وجه من وجوه الحرية والجرأة الثقافية، ويبقى إرثه الموسيقي والمسرحي حيًا، يُلهم أجيالاً، ويذكّر بأن الفن في لبنان كان وسيبقى، مقاومة ونبض حياة.

 

####

 

كارمن لبس في وداع زياد الرحباني... صورة وأغنية وكلمات

كارمن لبس:  "ليش هيك؟ حاسّة كل شي راح، حاسّة فضي لبنان".

المصدر: "النهار"

لم يكن الفنان اللبناني الكبير زياد الرحباني مجرد معرفة عابرة في حياة الممثلة اللبنانية كارمن لبس، بل جمعهما في السابق ارتباط وجداني وصفته بأنه "زواج غير رسمي على ورقة".

ونعت لبس الرحباني بكلمات مؤثرة من خلال منشور بصورة سوداء عبر حسابها الرسمي على "إنستغرام"، قائلة: "ليش هيك؟ حاسّة كل شي راح، حاسّة فضي لبنان"، وذلك على أنغام أغنية "عندي ثقة فيك" للسيدة فيروز، من ألحان نجلها الراحل زياد.

وكانت لبس قد كشفت في مقابلة سابقة أنها التقت بالرحباني للمرة الأولى من خلال أحد الأشخاص بهدف التمثيل في مسرحيته الشهيرة "فيلم أميركي طويل".

وفي حديثها عن علاقتهما، صرّحت بأنها "تزوّجت زياد الرحباني على ورقة"، إلا أن الزواج لم يُسجَّل رسمياً بسبب ظروف خاصة بهما. وعن أسباب الانفصال، أوضحت أن المال كان من العوامل المؤثرة، إضافة إلى رفض بعض المحيطين به للعلاقة، فضلاً عن شعورها بأنها لم تكن ناضجة كفاية آنذاك للتعامل مع تعقيدات العلاقة.

 

####

 

زياد الرحباني... الأيام الأخيرة في ظلال الصمت

رولا عبدالله

لم يكن يهرب من المواجهة، لكنه رفض أن يحصر ألمه في غرفة عمليات أو عملية زراعة كبد لا تليق به.

في زاوية من مستشفى خوري في الحمراء، كان زياد الرحباني يتردد مرة في الأسبوع، بصمت يشبه صمته الطويل على المسرح... ذلك الصمت الذي يخفي وراءه وجعاً لا يرغب في مشاركته مع أحد.

لم يكن زياد يتحدث كثيرا عن مرضه، ولا يقدم تبريرات. كان يقول ببساطة مؤلمة:"لست مستعداً لكل هذا العذاب، ولا لهذه الكلفة، ولا لهذا التعب المنتظر".

لم يكن يهرب من المواجهة، لكنه رفض أن يحصر ألمه في غرفة عمليات أو عملية زراعة كبد لا تليق به.

يقول رفاقه: "كنا نحاول، نخطط، نجمع التكاليف، نمنحه فرصة للبقاء، لكنه كان قد اختار ألا ينجو... أو ربما شعر أن هذا الوطن لا ينجو، فلماذا ينجو هو؟".

قال مرة: "لا أحب المستشفيات، ولا العلاج، ليس لأني قوي... بل لأنني أرى كل شيء ينهار حولنا، فما الفائدة من الاستمرار؟".

كان تعبه أعظم من جسده. تعب الوطن في جسد رجل. تعب التاريخ، وخيبات الثورات، وموت الضحك الصادق، وغياب الأصدقاء... كلها تجمعت في كبده المتعب، وفي صوته المكسور حين قال:"أحيانًا لا يكون المرض موجعاً بقدر ما يكون خيانة من جسدي لي". 

 

####

 

في وداع زياد... "سلملي عليه"!

حسين شبكشي - المصدر: "النهار"

...ورحل عنا زياد الرحباني من دون ان يقول لمحبيه "انا صار لازم ودّعكن"، جملته الشهيرة، رحل زياد تاركاً إرثاً مهولاً من الإبداع والتميز . رحلة عمر ثرية حضر فيها زياد بموهبة فنية استثنائية هي أقرب للأسطورة في تنوعها. مؤلف موسيقي برزت موهبته الفذه في اولى سنين مراهقته، وابدع في تأليف الموسيقى وكلمات الاغاني في نقطة انطلاقه بمسرحية المحطه مطلقاً لحناً خالداً وكلمات بقيت مع الناس في "سألوني الناس".

وتوالت الإبداعات بلا توقف، تمرد زياد الرحباني على النمطيه وكتب وألف درراً من الإبداعات الرائعة. تأثر كثيرآ بموسيقى الجاز البرازيلي المعروفة بالبوسا نوفا وقدمها في مسرحياته الاسطورية مثل "بالنسبة لبكرا شو"، "نزل السرور"، "سهرية"، "فيلم أميركي طويل"، "أنا مش كافر" وغيرها. مسرحياته كانت فيها سخرية برنارد شو ونيل سايمون.

وموسيقى بسيطة وشعبية أشبه بأثر سيد درويش والشيخ إمام، جعلت زياد الرحباني قادراً على إعادة اكتشاف فيروز واطلاقها للعالم بشكل مختلف بدءاً من "ع هدير البوسطة". زياد الرحباني فنان عرف نبض الشارع وكتب اهازيج سهرياته فأصبحت "عايشة وحدا بلاك" النشيد الوطني للبسمة والبهجة، وصولاً إلى ألحان بقيت خالدة كمقدمة "ميس الريم" وأبو علي وضحكة ثريا وقمح. أضحك زياد الرحباني الناس من القلب وتعليقاته اللاذعة بقيت على لسان الناس "إبنك ذكي بس حمار يا ثريا"، حضوره الطاغي وغيابه البوهيمي كانا مصدر ألم وفرح وشوق لا يتوقف لمحبيه. رحل زياد ليلحق بمنصور وعاصي ورفيق مشواره جوزف صقر. مصدر الدعابة والضحكة والموسيقى والاغنية المختلفة، لأن جمهوره كان يردد له "عندي ثقة فيك",.. كان لبنانياً حتى النخاع، كارها للطائفية بلا جدال. كانت مواقفه السياسية المثيرة للجدل ترجمة لبوهيميته الابداعية. لأن ببساطة قصة زياد الرحباني... مش قصة هاي. زياد الرحباني راح نشتقلك وكتير. سيتفرغ النقاد ومؤرخو الفن لتقييم مسيرة زياد الرحباني غير اغلتقليدية وتحليل مسرحه وكتاباته وموسيقاه، هذا بحث يطول ويطول.

فراقك يا زياد مش ولا شي، اسمع يا رضا ،والحكي للكل، زياد ترك لكن تبقى ابداعاته الخالده ارثا لمحبيه. يا زياد سيبقى "عودك رنان"، محبينك كتار اجتمعوا على محبتك رغم انهم لا عرفنا اساميهم ولا عرفوا اسامينا. صار لي شي ميّة سنة عم ألّف عناوين مش معروفة لمين

وودّيلن أخبار.... دايماً بالآخر في وقت فراق... بكرت يا زياد...

 

####

 

زياد الرحباني: وداعاً لمُصلِحِ الخشبةِ والأغنيةِ

المصدرالنهار - فاروق غانم خداج:

أبطالُ مسرحياتِه كانوا من الناسِ العاديّين: موظفونَ بسطاءُ، حالمونَ معدمون، عشّاقٌ منهكون، متمردونَ ضائعون، و"حشاشون" يملكونَ من الحكمةِ ما لا يملكهُ الساسةُ والأكاديميون

في صبيحةِ السادسِ والعشرينَ من تموز، سقطَ خبرُ وفاةِ زياد الرحباني كصاعقةٍ على قلوبِ من واكبوا تجربتَه، وتربَّوا على صوتهِ وجرأتهِ وموقفِه. لم يكنْ زياد فنّانًا عابرًا في حياةِ اللبنانيين، بل كانَ ظاهرةً فنّيةً فكريّةً، بدأتْ منذ صغرهِ واستمرَّتْ في مواجهةِ الزيفِ والتزويرِ والفسادِ، حتى في أحلكِ الظروفِ وأكثرِ اللحظاتِ خيبةً وضياعًا.

هو ابنُ فيروز وعاصي الرحباني، وُلِدَ ليجدَ نفسهُ في بيتٍ مكتملِ النغمِ والثقافةِ والمواقفِ. لكنّه لم يكنْ ظلًّا لأحد. فسرعانَ ما تمرَّدَ على الصورةِ الكلاسيكيّةِ للغناءِ اللبنانيّ، وراحَ يشقُّ طريقًا خاصًّا به، متسلّحًا بالموسيقى، والمسرح، والسخريةِ السوداءِ، والنقدِ اللاسعِ، والعينِ الثاقبةِ التي ترى في الهامشِ ما لا يراهُ الناسُ في المتن.

في المسرحِ، قدَّمَ زياد الرحباني عددًا من الأعمالِ الخالدةِ التي تنقلتْ بين الكوميديا السوداءِ والتراجيديا اليوميةِ، مثل "نزل السرور"، و"فيلم أميركي طويل"، و"بالنسبة لبكرا شو"، و"بخصوص الكرامة والشعب العنيد"، وغيرها. مسرحياتٌ كانتْ أشبهَ بمنشوراتٍ سياسيّةٍ لاذعة، تنتقدُ الحربَ، والطائفيةَ، والسلطةَ، والفسادَ الإداريَّ والاجتماعيَّ، وتعيدُ تشكيلَ الوعيِ الشعبيّ من دونِ شعاراتٍ مباشرةٍ، بل عبرَ الحكايةِ والعبارةِ العاميّةِ والضحكةِ المريرةِ التي كثيرًا ما تُبكي أكثرَ ممّا تُضحك.

أبطالُ مسرحياتِه كانوا من الناسِ العاديّين: موظفونَ بسطاءُ، حالمونَ معدمون، عشّاقٌاً منهكون، متمردونَ ضائعون، و"حشاشون" يملكونَ من الحكمةِ ما لا يملكهُ الساسةُ والأكاديميون. اختارَ أن يتكلّمَ بلسانِهم، ويبوحَ من خلالِهم بما لا يُقال، فلامسَ وجدانَ الشارعِ وأعادَ للمسرحِ دورهُ التنويريُّ بعدما أوشكَ أن يتحوّلَ إلى رفاهيةٍ نخبويّة.

أما في الموسيقى، فقد كانَ زياد مجدّدًا حقيقيًّا. أدخلَ الجازَ إلى الأغنيةِ اللبنانيّةِ، وكسّرَ البنيةَ التقليديةَ للألحانِ، ورفضَ الغنائيةَ الفارغةَ التي لا تقولُ شيئًا. كان يؤمنُ بأنَّ اللحنَ حاملٌ للمعنى، وأنَّ الكلمةَ لا تقلُّ شأنًا عن الإيقاع. كتبَ ولحّنَ وغنّى أغانيَ أصبحتْ جزءًا من الذاكرةِ الجماعيّةِ، مثل "إيه في أمل"، و"عودك رنان"، و"شو عملتلي بالبيت"، و"مربى الدلال"، و"ورجعت الشتوية"، وغيرها. أغانيهُ حملتْ قضايا الناسِ ومشاعرهم، من الحبِّ إلى السياسةِ، ومن الوحدةِ إلى الغضبِ، ومن الأملِ إلى خيبةِ الانتظار.

ما يميّزُ زياد ليس فنّه فحسب، بل موقفُهُ الفكريُّ الواضحُ والجريء. لم يُسايرْ أحدًا، ولم يُجاملْ سلطةً، بل وقفَ في وجهِ السائدِ والفاسدِ والموروثِ، وعبّرَ عن انتمائهِ اليساريِّ من دونِ مواربة، مؤمنًا بحقِّ الإنسانِ في الكرامةِ والحرّيةِ والعدالةِ الاجتماعيّة. نقدَ المجتمعَ من داخلهِ، وسخرَ من الخطاباتِ الطائفيةِ، وحذّرَ من التبعيّةِ العمياءِ، وكانَ دائمًا صوتَ الضميرِ في زمنِ الأقنعة.

لم يكنْ سهلًا أنْ يكونَ زياد الرحباني "زياد الرحباني". دفعَ ثمنَ مواقفهِ عزلةً أحيانًا، وحروبًا إعلاميّةً، ومقاطعاتٍ، وحتّى تجريحًا شخصيًّا. لكنّه لم يتراجعْ، ولم يتنازلْ، بل ظلَّ ثابتًا على خطِّه، لا يعترفُ إلّا بالناسِ البسطاءِ الذين أحبّوه بصدق، ووجدوا فيه مرآةً لوجعِهم ونبضًا لخيبتِهم.

رحيلُ زياد ليس حدثًا فنيًّا فحسب، بل هو لحظةٌ وطنيّةٌ بامتياز. لأنّه كانَ يحضرُ دائمًا حين يغيبُ الجميع، يصرخُ حينَ يصمتون، ويضحكُ حينَ يبكون، ويقولُ الحقيقةَ حينَ ينشغلُ الآخرونَ في تزييفِها.

زياد لم يكنْ ابنَ فيروز فقط، بل ابنَ الوطنِ بأسرهِ. حملَ وجعَ الناسِ على خشبةِ المسرحِ، وغنّى لهمْ في ليالي البؤسِ، وعلَّمهمْ أنَّ الفنَّ موقفٌ لا مهنةٌ، وأنَّ المسرحَ منبرٌ لا مجرّدُ عرضٍ، وأنَّ الأغنيةَ وعيٌ لا طرباً فقط.

ككاتبٍ شهدَ على مشروعِ زياد الرحباني، أجدُ في تجربتِه ما يجعلُها جديرةً بأنْ تدخلَ في المناهجِ التعليميةِ، لا كمجموعةِ أعمالٍ فنيّةٍ فحسب، بل كموقفٍ إصلاحيٍّ متكاملٍ، يستخدمُ الفنَّ وسيلةً للتربيةِ والتنويرِ والتغيير. زياد ليس مادّةً فنيّةً فحسب، بل مادّةٌ ثقافيّةٌ وفكريّةٌ واجتماعيّة، تصلحُ لتكوينِ وعيٍ نقديٍّ عندَ الأجيالِ الجديدة، وتحثُّهم على التفكيرِ الحرِّ، والموقفِ الصادقِ، والانتماءِ إلى الإنسانِ لا إلى الطائفةِ أو الحزبِ أو الزعيم.

لن يغيبَ زياد، لأنّه لم يكنْ يومًا شخصًا فقط، بل كانَ مشروعًا، ورسالةً، وروحًا في كلِّ من قالَ "لا" في وجهِ الزيفِ، وكلِّ من ضحكَ ليخفي دمعًا، وكلِّ من آمنَ بأنَّ الفنَّ يمكنُ أنْ يغيّرَ العالمَ، ولو بمسرحيّةٍ قصيرةٍ أو أغنيةٍ صادقة.

وداعًا زياد. وداعًا أيّها العاشقُ الحزينُ، والفنّانُ العنيدُ، والمصلِحُ الذي لمْ يسكتْ. ستبقى في ضميرِنا، وفي مقاعدِ المسرحِ التي ستشتاقُ لضجيجِك، وفي الأوتارِ التي ستبحثُ عن نغمتِك، وفي ضحكاتِنا الموجوعةِ، وفي آهاتِنا الساخرةِ، وفي السؤالِ الذي لا يموت: "بالنسبة لبكرا... شو؟".

(**) كاتبٌ لبنانيّ وباحثٌ في الأدبِ والفكرِ الإنسانيّ

 

####

 

محطّات من حياة زياد الرحباني... صور تروي الحكاية

المصدر: "النهار"

أبرز محطات الرحباني، من طفولته إلى جانب السيدة فيروز، إلى أعماله المسرحية، مروراً بلقاءاته مع المشاهير.

قد تُغني الصور أحياناً عن الكثير من الكلام، وإن كانت لا تختصر المسيرة الاستثنائية التي صنعها الفنان اللبناني القدير زياد الرحباني، الذي رحل عن عالمنا عن عمر يناهز 69 عاماً. وعلى رغم أن حياته لم تحظَ بالتوثيق الكافي بعدسات الكاميرا، فإن هذه المجموعة المختارة من الصور قد تقدّم لمحة بسيطة، وإن لم تكن شاملة، عن مكانة هذا الفنان الكبير في المشهد الثقافي والفني العربي.

في ما يأتي، نستعرض أبرز محطات الرحباني، من طفولته إلى جانب السيدة فيروز، إلى أعماله المسرحية، مروراً بلقاءاته مع المشاهير.

زياد الرحباني في سنوات صباه

زياد الرحباني إلى جانب والدته السيدة فيروز

زياد الرحباني ووالدته السيدة فيروز (غوغل).

زياد الرحباني ووالدته السيدة فيروز (غوغل).

زياد الرحباني ووالدته السيدة فيروز (غوغل).

زياد الرحباني ووالدته السيدة فيروز (غوغل).

زياد الرحباني ووالدته السيدة فيروز (غوغل).

زياد الرحباني إلى جانب والده عاصي الرحباني

زياد الرحباني ووالدته السيدة فيروز ووالده الراحل عاصي الرحباني (غوغل).

زياد الرحباني برفقة شقيقته ريما الرحباني

زياد الرحباني وشقيقته ريما الرحباني (غوغل).

زياد الرحباني برفقة غسان الرحباني

زياد الرحباني وغسان الرحباني (غوغل).

لقطات من أعمال زياد الرحباني

زياد الرحباني في مسرحية بالنسبة لبكرا شو (غوغل).

زياد الرحباني وجوزيف صقر في فيلم أميركي طويل (غوغل).

زياد رحباني في مسرحية

زياد أبو عبسي مع زياد الرحباني (غوغل).

زياد الرحباني برفقة المشاهير

زياد الرحباني وجورج خباز (من إنستغرام).

زياد الرحباني والفنانة لطيفة (غوغل).

زياد الرحباني وجورج وسوف وجاد شويري (غوغل).

زياد الرحباني وكارول سماحة (غوغل).

الممثلة تقلا شمعون وزوجها المخرج طوني فرج الله مع الفنان الراحل زياد الرحباني (إنستغرام).

 

####

 

وإنّي أنعى زياد بن عاصي بن فيروز

وغيابك فادحٌ، يا زياد، وعودك رنّان!

عقل العويط - المصدر: "النهار"

وإنّي أنعى زياد بن عاصي، بن فيروز، وأنعى العبقريّة، والبيانو، والأوركسترا، والعود، وعودك رنّان، والعزف كلّه، وهدير البوسطة، والآلات الشرقيّة، والوتريّة، وآلات النفخ، والكمان، والناي، والبزق، والترومبون، والدفّ، والدرامز، والبلوز، والجاز، والدربكّة، والطبلة، والساكسوفون، وسائر المعنى، والمبنى، والشعر، والنثر، والجنون، والهذيان، وزهر البيلسان، والهجاء، والسخرية، والنقد، والنكتة، والقفشة، والعبث، والمرارة، والموهبة التي تجرح، والمسرح الذي يشاغب، وما ينزف في هذه اللحظة، وفي كلّ لحظة، وليس الصعق بأقلّ، ومفجعٌ أنْ يكون موتكَ هو الموضوع، هو النبأ، ولا يحتمل الروح وجعًا كهذا، ولا فقدًا كالفقد إيّاه، وليس الوقت هو الوقت المناسب، ويا حسرتي عليك يا زيادي

وإنّي أنعى قلبي، وأنعى أنا مش كافر بس الجوع كافر، وسهريّة، ونزل السرور، وبالنسبة لبكرا شو، وفيلم أميركي طويل، وشي فاشل، وبخصوص الكرامة والشعب العنيد، وكيفك إنتَ ملَّا إنت، وبما إنّو، ومربى الدلال، والشعب، والجمهوريّة، والعصفوريّة، وإنطاكيا وسائر المشرق، ويجب أنْ يتوقّف الهراء كلّه، هذا الموت كلّه، وفورًا، وجميعه، ومن لبنان إلى فلسطين وسوريا، ويجب دقيقة صمت، بل دهر من الرهبة والصمت، ومن الصمت جميعه، والحداد، ولا يكفي القول، ولا يجوز أيّ شيء، أيّ نشاذ، ولا حتّى التأوّه، ولا النشيج، ولا العواء، ولا الهديل، ولا الجعير، ولا الزئير، وإنّي أطأطئ، وإنّي أذرف وقلبي.

وإنّي بالباب، على المصطبة، وأدقّ أدقّ بيديّ هاتين، وأناديكِ يا فيروز، فلا تتزعزي، لأنّ صوتًا عظيمًا في السماء يقول لكِ تقوّي، وروح الله وملائكته ينشدون له، لزياد، الأناشيد، ويطيرون به إلى الجنّة، والجنينة، والخلود

وإنّي أخاطبكِ يا ساكن الأعالي، يا ساكن العالي، طلّ من العالي، عينك علينا، على أراضينا، رجِّع إخوتنا وأهالينا.

وعينك ع فيروز، يا ساكن العالي!

وغيابك فادحٌ، يا زياد، وعودك رنّان!

 

####

 

آه يا زياد!

طبعاً سيكتبون ويقولون إن الكبار لا يرحلون!

المصدرالنهار - المحامي كارول سابا

آه يا زياد! هل شعرت أنه لم يَعُد من شيء يستحق النقد المضحك المبكي في لبنان وفي هذا العالم العربي الذي يتدهور بثبات ويتعلّق بالقشور، في زمن التسطيح في الفن والمهرجانيات على أنواعها!

طبعاً سيكتبون ويقولون إن الكبار لا يرحلون! نحن أمسينا كباراً في ميامِر الرثاء! نودّع الكبار أكثر ما نستقبل الإبداع والريادة والاستقامة! يا ريتنا نعرف كيف نستفيق على نثرات فكر كبار مثلك! أنت لست فناناً مبدعاً فحسب بل ناقد اجتماعي سياسي قيل عنك إنك مطشي في حين أنك الأكثر وعياً وتمييزاً.

ربما أدركت يا زياد أيضاً أن الفيلم الأميركي الطويل لا يزال مستمراً  على حلقات، وأنه أضيفت إليه تراكمات مسلسلات أخرى إقليمية طويلة أيضاً! وأن النفق طويل ولا خلاص به ما دام لبنانيوك غائبين عن الوعي.

ذكرك مؤبداً! وتعازينا لفيروز الأم الوالدة التي لا تزال خالدة مثل أرز لبنان، ولكل محبيك، وأنا منهم ولكل الزياديين!

 

النهار اللبنانية في

26.07.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004