ملفات خاصة

 
 
 

ملفات فينيسيا (5):

“في يد دانتي

أمير العمري- فينيسيا

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

قبل نحو ثلاثة اسابيع من موعد افتتاح الدورة الـ82 من مهرجان فينيسيا السينمائي، تسربت نسخة من فيلم “في يد دانتي” للمخرج الأمريكي جوليان شنابل، وأصبحت متاحة للقرصنة على شبكة الإنترنت، وذلك قبل العرض العالمي الأول للفيلم الذي حدد له تاريخ 3 سبتمبر، في المهرجان السينمائي الكبير، وهو حدث غير مسبوق ليس له مثيل في الذاكرة خصوصا بما يتعلق بالعروض العالمية الأولى للأفلام في مهرجانات السينما الدولية الكبرى. هذا التسريب المتعمد لنسخة الفيلم لا شك انه أضر بالفيلم وبفرص الإقبال الجماهيري عليه، خصوصا وأنه لم يكن قد حظي حتى كتابة هذا المقال، بتعاقد مع إحدى شركات توزيع الأفلام.

إلى جانب هذه المشكلة، كان فيلم “في يد دانتي” In the Hands of Dante قد واجه بعض المشاكل والعقبات التي أخرت عرضه لأكثر من عام، فقد تعرض مخرجه جوليان شنابل، لضغوط من جانب أطراف الإنتاج (هناك 11 شركة مشاركة في إنتاجه) التي أرادت اختصار مدة عرضه، من ساعتين ونصف إلى ساعتين فقط. وبعد أن كان من المقرر أن يعرض الفيلم في العام الماضي، تأجل عرضه مرة ومرتين، بسبب الخلافات التي نشأت بين الطرفين خصوصا وأن شنابل كان قد تعاقد على إخراج الفيلم على أن يكون بالألوان وفي حدود الساعتين، إلا أنه صور أجزاء كبيرة منه، بالأبيض والأسود، وتجاوز نطاق الساعتين بنحو ثلاثين دقيقة كما أوضحت.

ولكن في نهاية الأمر استقر الرأي على اعتماد نسخة المخرج “الطويلة” للعرض في مهرجان فينيسيا، وربما تكون جهات الإنتاج قد رأت أن تعرض الفيلم في فينيسيا، على سبيل التجربة خاصة وأنها اشترطت على إدارة المهرجان عرضه (خارج المسابقة)، لاختبار ردود الفعل المتوقعة من جانب النقاد وخبراء الصناعة، فإن جاءت هذه الآراء سلبية فربما يتم اختصار النسخة، كما حدث من قبل مع أفلام شهيرة مثل “عصابات نيويورك” لسكورسيزي، و”ذات مرة في أمريكا” لسيرجيو ليوني، و”خط أحمر رفيع” لتيرانس ماليك، و”مملكة الجنة” لريدلي سكوت.

يستند سيناريو فيلم “في يد دانتي” على رواية صدرت عام 2002 بنفس العنوان للكاتب الأمريكي- الإيطالي الأصل،” نيك توشيس” Nick Tosches (1949- 2019)، كان الممثل جوني ديب قد أبدى اهتماما بإنتاجها في فيلم من خلال شركته الخاصة واشترى حقوق تحويلها للسينما في 2008، على أن يقوم ببطولة الفيلم، إلا أن شنابل استقر فيما بعد على إسناد الدور إلى الممثل “أوسكار أيزاك”، واستعان بعدد من الأسماء اللامعة التي أسند إليها أدوارا صغيرة أو ظهر بعضها في أدوار “شرفية” قصيرة مثل النجم الإيطالي المخضرم “فرانكو نيرو” أو “آل باتشينو”، كما أسند دورا صغيرا إلى المخرج الكبير مارتن سكورسيزي وهو دور معلم دانتي، وإلى الممثل الاسكتلندي جيراراد باتلر دورا رئيسيا، إلى جانب الممثلة الإسرائيلية المحدودة القدرات “جال جادوت” التي يبدو أن شنابل استعان بها- لا لموهبتها المشكوك فيها كثيرا- بل لاعتقاده بنجوميتها بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلمها “امرأة الأعاجيب”  Wonder Womanوتوابعه.

يصف الناقد الأدبي “ألكسندر كيلي” رواية “في يد دانتي” بقوله: “هذه الرواية تتحدى التصنيفات أو حتى الأوصاف.  نيك توشيس رجلٌ شجاعٌ وقويٌّ، مُلِمٌّ بالروايات القروسطية، علّم نفسه بنفسه. إنه مؤلف الرواية، وبطلها الرئيسي في العصر الحديث، ودانتي هو بطل الرواية في العصور الوسطى، ويروي نيك قصة حصوله على مخطوطة نادرة لا تُقدّر بثمن، أي مخطوطة “الكوميديا الإلهية”، بخط دانتي، بينما يروي دانتي كيف استطاع كتابتها”.

الأديب الأرجنتيني المرموق خورخي لويس بورخيس كان مفتونا بـ”الكوميديا الإلهية” واعتبرها من أعظم الأعمال الأدبية في تاريخ الإنسانية، إن لم تكن الأعظم، ولأنه ثنائية الزمن والخلود كان دائما محوريًا في تفكيره وأعماله فقد وجد في “الكوميديا الإلهية” تجسيدًا مدهشًا لهذين المفهومين، خصوصًا في البرزخ والجنة، وكتب في أحد مقالاته أن دانتي “وصف الأبدية وكأنها تجربة يمكن للإنسان أن يشعر بها.”

ومن الضروري أن أوضح للقاريء السبب الذي جعل دانتي يطلق على ملحمته الشعرية “كوميديا” Commedia، فهذه الكلمة باللغة الإيطالية، لم تكن تحمل في القرون الوسطى نفس ما لها من معنى في عصرنا الحديث، فهي لا تعني الإضحاك أو الفكاهة، بل كانت تشير إلى القصة التي تنتهي نهاية سعيدة (ورحلة دانتي في ملحمته تنتهي به إلى الجنة) أما “تراجيديا” فكانت تعني قصة تبدأ بداية طيبة لكنها تنتهي نهاية حزينة.

أما ما يقوله الناقد ألكسندر كيلي، فهو يلخص في بلاغة كبيرة موضوع الرواية والفيلم المقتبس عنها، فالفيلم ينتقل بين زمنين، الزمن القديم، في القرن الرابع عشر، حيث نرى الشاعر الإيطالي العظيم دانتي أليجييري (والد الأدب واللغة الإيطاليتين وشكسبير إيطاليا)، وكيف كان يعاني لكي يستكمل رائعته الخالدة “الكوميديا الإلهية”، ثم الزمن الحديث، في أوائل القرن الحادي والعشرين، وتحديدا 2001.

تصور المشاهد التي تدور في الماضي مع دانتي، علاقته بمعلمه الذي يقوم بدوره سكورسيزي، وكيف يتشرب منه “فلسفة الشعر” إن جاز التعبير، ويتعلم كيف يكون الشاعر صادقا مع نفسه وأفكاره ومشاعره ومعبرا عن عصره، وهو ما تميز به دانتي في مواقفه وحياته وشعره، هذه المشاهد مصورة بالألوان وباستخدام الشاشة الضيقة التي تحاكي طريقة التصوير القديمة أي تخضع لمحيط الصورة السينمائية التي تعرف بالأبعاد الأكاديمية (النسبة بين عرض الشاشة وارتفاعها وهو (1.37:1) قبل أن تصبح الصورة السائدة حاليا 16 إلى 9، أي “الشاشة العريضة”. أما مشاهد العصر الحديث، فمعظمها نراه بالأبيض والأسود، واختيار شنابل هنا يبدو عكس ما يلجأ إليه معظم المخرجين الذين يصورون الماضي عادة، بالأبيض والأسود والحاضر بالألوان. ورغم الجمالية الواضحة في مشاهد الأبيض والأسود بوجه خاص، لم أستطع أن أستوعب السبب الذي يخدم الفيلم دراميا وفنيا باستثناء الطابع الجمالي الذي يضفيه على الصورة وهو ما سبق أن جربه شنابل في أفلامه السابقة مثل “ميرال” و”بوابة الأبدية” (2018) وهو آخر أفلامه قبل أن يعود بفيلمه هذا. ولا شك أن استخدام الأبيض والأسود بالطريقة التي استخدمه بها هنا مع مدير تصوير الفيلم الروسي الأصل “رومان فاسيانوف”.

المخرج شنابل معروف بميله إلى البناء الشعري الذي يكسر منطق السرد التقليدي، ويقفز بين الأزمنة، ويستخدم الكاميرا  التي تتحرك كثيرا بين الشخصيات وتضاريس الأماكن، لتمنح تأثيرا عاطفيا أو شعوريا معينا، وهو يكتشف أماكن شديدة الجاذبية لروما، ويجوس فيها بالكاميرا، بحيث تبدو وكأنها منحوتات وجداريات وتماثيل ورسوم من إبداع الفنان، ليس فقط في مشاهد القرن الرابع عشر، حيث ينتقل دانتي إلى صقلية للبحث عن الإلهام، ويحدثنا كثيرا عن طفولته وكيف بدأ اهتمامه بالشعر مبكرا جدا، بل وحتى خلال سعي “نيك”- المعادل المعاصر لدانتي على صعيد مختلف، وهو يسعى للتأكد من أصالة المخطوطة التي حصل عليها بالسرقة. ولابد أن تكون تلك الانتقالات الكثيرة من خلال المونتاج، بين الماضي والحاضر، أو بين القديم والحديث، مقصودة للمقارنة بين مؤلف ومؤلف آخر، أديب وشاعر، إنسان كان يعيش في بدايات النهضة، أو بالأحرى كان أحد طلائعها المبكرة، وبين إنسان يعيش عصر التدهور والتدني والجريمة.

الأول هو دانتي العظيم، والثاني هو “نيك توشيس” وقد اختار له مؤلف الرواية اسمه الحقيقي نفسه ولكن باعتباره شخصية خيالية بالطبع، كما لو كان يريد أن يقول إن ما يرويه هنا هو نوع من الفضفضة والتعبير الذاتي. وقد اسند شنابل دوري دانتي ونيك إلى أوسكار أيزاك الذي سبق أسند إليه دور الفنان جوجان في فيلمه السابق مباشرة “بوابة الأبدية” (2018).

نيك توشيس” مؤلف وخبير في أعمال دانتي وكوميديته الإلهية، لكنه سوف يستدعى من قبل أحد زعماء المافيا النيويوركية المعاصرة ويدعى “جو بلاك” (يقوم بدوره ببراعة كبيرة جون مالكوفيتش) لكي يسند إليه مهمة التأكد من مصداقية النسخة الأصلية من “الكوميديا الإلهية” التي يسند أمر سرقتها إلى القاتل المحترف “لوي” (جيرالد باتلر) الذي لا يتورع عن قتل كل من يقف في طريقه، على أن يذهب الاثنان- نيك توشيس ولوي إلى إيطاليا لاقتناص مخطوطة دانتي الخالدة من بين أنياب “دون ليكو” رجل المافيا الذي تقدم به العمر الآن، الذي زرع مبكرا جدا عميلا له داخل الفاتيكان تمكن من الاستيلاء على المخطوطة ويريد طبعا بيعها مقابل ملايين الدولارات، لكنه سيلقى مصرعه هو ورجاله على يد “لوي” في حضور المؤلف “نيك توشيس” الذي لا يحب القتل كثيرا لكن ليس بوسعه سوى التغاضي عنه بالطبع.

هذا الانتقال بين العصرين، وبين الرجلين، دانتي وتوشيس، خصوصا أن من يقوم بالدورين هو نفس الممثل، يحاكي الانتقال- على صعيد رمزي- من جحيم دانتي إلى المطهر ثم إلى الفردوس حسب منطق “الكوميديا الإلهية”، كما يعكس مقارنة بين ما كان عليه ككاتب ومفكر وشاعر وأديب كبير مرموق مثل دانتي في الماضي، وما يمثله أو يرمز إليه “توشيس” ككاتب من عصرنا، لا يتردد شنابل في الكشف عن معتقداته وقيمه وأخلاقياته في أولى مشاهد الفيلم كما سنرى، بين قيمة الكلمة ومغزاها ومسؤوليتها أيضا، وكيف يمكن أن تبقى وتعيش عبر القرون، وبين الكتابة الاستهلاكية التي تمضي وتنتهي مع الزمن. خصوصا لو رأينا كيف يصبح الحاضر لا قيمة له أمام الماضي، ثم كيف يصبح طموح المؤلف المعاصر “توشيس” منحصرا في الانفراد بملكية المخطوطة النادرة لا لقيمتها التاريخية والأدبية النادرة، بل لما يمكن أن يدره بيع صفحاتها لحسابه من مكسب كبير يكفل له العيش في “الجنة” المنشودة، أو يحقق له الخلاص الشخصي وهو ما نراه في الفصل الأخير من الفيلم، في صورة ناعمة رومانسية، بعد أن ينتصر “توشيس” على المجرم الذي أراد استعادة المخطوطة لحساب الدون ليكو، وينقذ حبيبته “جوليتا” ويبتعد الاثنان وهما يحلمان بتحقيق السعادة الأبدية!

تلعب الإسرائيلية “جال جادوت” دورين مزدوجين أيضا هما “جوليتا” حبيبة نيك توشيس، و”جيما دوناتي” زوجة دانتي التي لا يذكرها أبدا في كتاباته ولا يتطرق إلى ذكرى أبنائه الثلاثة منها، ويقال إنه كان يرغب في أن يعزل حياته الخاصة عن عمله الإبداعي الموجه للعالم.

ومن الطريف أن الممثل جيرارد باتلر يقوم بدور القاتل المحترف السادي “لوي”، وفي الوقت نفسه بدور “البابا” بينيفاشيو”. ويبدأ الفيلم بداية تلقي ضوءا قويا على كل من شخصيتي دانتي و”نيك توشيس”. دانتي يصعد سلما حجريا قاسيا إلى أعلى ربوة جبلية تطل على البحر، وعلى شريط الصوت تتردد العبارة التالية: “لو لم تُثبطني تلك الكلمات اللعينة، لظننت أنني لن أعود إلى الأرض مرة أخرى”. أي كلمات لعينة؟

هل هي كلمات دانتي أم نيك، لا يهم.. فالنتيجة واحدة. والمشهد التالي مباشرة يدور داخل حانة معاصرة في نيويورك، حيث يجلس “المؤلف” نيك توشيس- في الفيلم طبعا- مع شخص قد يكون محررا أدبيا، يقول له “نيك” إن من المستحيل تعديل أو “تحرير” ما يكتبه من قلبه لكي يعكس ما يفكر فيه شخص آخر، وأن كتبه لا يمكن أن تخضع أبدا لعملية تحرير، ثم يستعين بما قاله فوكنر من أنه من الممكن أن يسكر ويفقد عقله ويسقط من فوق صهوة حصان، ولكن كتبه لا يجب أن تخضع للتحرير قط. ويستطرد بعد ذلك ليقول إن أفضل المحررين لا يحررون النصوص بل “يتآمرون مع المبدعين لتحقيق الحرية والمكسب”. ثم يتحدث عن قيمة المال وأهميته وكيف أن المبدعين لا يحصلون على أي رواتب أو ينالون مكافآت، بل أن ما يحدث أن أسلافهم هم الذين يجنون الثروة بعد موتهم.

 إنه حانق للغاية. وهنا نلمح بوضوح أنه لا يقيم وزنا سوى للمال، بل إنه سيمضي في حديثه إلى ذلك الشخص بعد ذلك، ليخبره أنه قضى عشر سنوات في ترجمة الكوميديا الإلهية لدانتي ووجد أنها “معيبة”، وأن دانتي نفسه “معيب”. هذا المحرر الأدبي هو نفسه الذي سيوصله إلى رجل المافيا “و بلاك” (جون مالكوفيتش) بعد أن لمس شغفه بالحصول على المال!

بعد ذلك مباشرة سنرى “نيك” وهو طفل في السادسة من عمره، يعترف لعمه “كارميني” (آل باتشينو) بأنه قتل ولدا كان يريد الاعتداء عليه (نرى مشهد القتل بتفاصيله المرعبة). ينصحه عمه الذي يتقبل الأمر ببساطة، وبألا يبوح بما فعله لأي إنسان، وأن الله يرى كل شيء ويتفهم ويغفر وأن لا حاجة له بالاعتراف (الكاثوليكي)ن لاأن. هذه القصة يرويها نيك الذي نراه مسترخيا على شاطيء البحر، يكتب روايته. ثم سنرى كيف يقتل شاب مراهق يدعى “ليكو” (لورينزو زونزورو) أباه وكل من يتصدون له ويصبح هو الأب الروحي للبلدة في صقلية بعد أن ينال احترام الجميع. وبعد أن يكبر يستخدم شابا تابعا له، تدرج في السلك الكنسي وأصبح قسا مرموقا، ويرسله لكي يخترق الفاتيكان ويصبح مقربا من البابا ثم يلتحق بالعمل في أرشيف الفاتيكان الضخم الملئء بكنوز المخطوطات، ومن بينها سيسرق مخطوطة دانتي الأصلية التي تذهب إلى يدي دون “ليكو”.

الأجزاء الأولى من الفيلم، حتى ما بعد منتصفه، ساحرة. يتدفق السرد في سلاسة من خلال المونتاج بين الماضي، والحاضر، مع الاقتصاد والتدقيق الكبير في استخدام أسلوب التعليق الصوتي من خارج الصورة، والموسيقى المثيرة التي وضعها البريطاني بنجامين كليمنتين، والتصوير بالأبيض والأسود مع بعض الغيوم التي تغلف الصورة وتضفي عليها طابعا سحريا خياليا.

هذا الطابع المرتبط بعالم المافيا مع بعض الطرافة في الحوار خصوصا في الجزء الأول من الفيلم، وبوجه خاص ما يتردد على لسان “لوي” (جيرارد باتلر، القاتل العدمي الذي لا يقيم وزنا لأي شيء)، يذكرنا بطرافة الحوارات في أفلام سكورسيزي، ثم تذكرنا الحوارات الغريبة التي تدور بين “لوي” و”نيك” اللذين يقطعان معا الرحلة الى إيطاليا (في طائرة خاصة) ثم يخوضان معا مغامرة انتشال المخطوطة، بطرافة الحوارات في فيلم تارانتينو “خيال رخيص” Pulp Fiction بين جون ترافولتا وصامويل ل جاكسون.

أما في الثلث الأخير من الفيلم، فيصبح السرد مرتبكا، والانتقالات غير واضحة، وتتكرر الفكرة كثيرا، ويعاني الإيقاع من الترهل والهبوط، وتزيد كثيرا جرعة المفارقات والمصادفات ولعبة الكر والفر، المطاردة والعنف والتعذيب بحيث يصبح كما لو كان الفيلم عن الصراعات العنيفة بين أفراد المافيا.

يفقد الفيلم في ثلثه الأخير، الصلة العضوية بين المشاهد بسبب خشونة الانتقالات بين الماضي والحاضر، أو بين الحاضر القريب والحاضر البعيد، ويزيد من هذا الاضطراب، الاستطراد كثيرا في تأملات وجودية وأدبية والإسهاب في استخدام التعبيرات الأدبية والشعرية والفلسفية التي تقتضي من المتفرج معرفة مسبقة بتراث دانتي، خصوصا مع كثرة الاقتباسات من “الكوميديا الإلهية”. هنا يكاد شنابل أن ينسى أنه يروي قصة قد لا تخلو من الدلالات الفلسفية، لكن ليس من المستساغ أن يطالب المتفرج بقراءة دانتي مسبقا أو الإطلاع على “الكوميديا الإلهية” وهنا تحديدا يكمن عيب الفيلم وخطورة ما يمكن أن يحدث عند عرضه في دور السينما؟

الملاحظات السابقة لا تنفي أن “في يد دانتي” عمل طموح، كبير، لا شك في قوته وقدرته على التأثير، وسوف يجد صدى له عند جمهور الأفلام الفنية، خصوصا وأن شنابل بذل جهدا كبيرا في ترجمة الرواية المعقدة إلى لغة الفيلم الحديث، من خلال أسلوبه المميز الذي يجعلك كثيرا ما تشعر بغرابة الصور التي تتعاقب أمامك على الشاشة، وكلما شعرت بأنك تشاهد صورا “واقعية” يعود ليشدك إلى الخيال، إلى خياله الشخصي عن دانتي وعن نيك توشيس أيضا، وعن العالم الذي هو عالمنا وليس كذلك أيضا.

ولعل سحر سينما جوليان شنابل عموما، يكمن في أسلوبه الذي يتميز بذلك التردد المستمر بين الواقع والخيال، وبين الشخصية كحقيقة، وبينها كتجسيد لما يراه المخرج- المؤلف، وما استقر عنها في خياله. ولعل مما يجعل الفيلم عملا مؤثرا رغم عيوبه، استعانة شنابل بطاقم تمثيل متميز ومتمرس وموهوب، استطاع تجسيد الشخصيات، والتعبير عما يكمن في داخلها من مشاعر وأفكار، خصوصا شخصية دانتي في تنافرها وتقاربها مع شخصية “نيك” المؤلف الحائر بين الحب والجشع، وبين المتعة والتدني، الباحث بمشقة عن خلاص الروح تماما كما كان يسعى دانتي، ولكنه يسقط في أدنى درجات الجريمة مدفوعا بالرغبة الشرسة في النجاة.

 

موقع "عين على السينما" في

02.09.2025

 
 
 
 
 

«الشرق الأوسط» في «مهرجان ڤينيسيا الدولي» (4)

فيلم جوليا روبرتس الجديد يوفر الريبة ويتفادى الحقيقة

أثار لغطاً حول موقفه من المرأة

ڤينيسيامحمد رُضا

حتى الآن تميّزت أفلام المخرج الإيطالي لوكا غوادانينو بإثارتها قضايا تحظى بالاهتمام أكثر مما تُعَدّ أعمالاً فنية خالدة.

ذاع اسمه عالمياً عندما قدَّم فيلمه «نادِني باسمك» (Call Me By Your Name) عام 2017، رغم أنه كان قد أخرج قبل ذلك أفلاماً عدّة، أولها سنة 1999 بعنوان «الأبطال» (The Protagonists).

بعد «نادِني باسمك»، جرّب غوادانينو العمل في سينما الرعب، فأنجز «سوسبيريا» (Suspiria) عام 2018، ثم «العظام والكل» (Bones and All) سنة 2022، وتبع ذلك دراما بعنوان «متحدون» (Challengers) وفيلم «Queer» في العام الماضي.

ليس من بين هذه الأعمال ما يُبرهن عن أن المخرج يتميّز بأكثر من قدر من الطموح ومقدار من الحنكة. «ما بعد الصيد» (After the Hunt) الذي قُدِّم خارج المسابقة هو دليل آخر على ذلك.

حصل أو لم يحصل

هذه المرّة هناك جوليا روبرتس في البطولة، تؤدي دور ألما، البروفسورة في جامعة ييل، إنها امرأة محترمة متزوّجة من رجل يُحبّها (مايكل ستولبارغ) أكثر مما تحبّه هي. وهناك زميلها هانك (أندرو غارفيلد) الذي ربما يطمح إلى علاقة معها، لكنها لا تبادله الرغبة.

كلمة «ربما» هذه هي جوهر الفيلم، إذ تلجأ طالبة اسمها ماغي (آيو إيدبَري) إلى ألما، طالبةً مساعدتها، وتخبرها بأن هانك تمادى معها على نحو غير لائق. المشكلة أن ماغي لا تستطيع تقديم أي دليل، ولا تفصح كثيراً، في حين يدافع هانك عن نفسه مؤكداً أن شيئاً لم يحدث. ألما تجد نفسها عاجزة، فتريد أن تقف إلى جانب الطالبة، لكنها تخشى أن تكذب الأخيرة. ولماذا تكذب، خصوصاً أن هانك يعترف بأنه دخل شقتها، لكن فقط لمناقشة نص عدّه مسروقاً، كما يقول؟

الفيلم لا يريد الإفصاح عن هذه النقطة، لأنه يبني موقف بطلته ألما عليها. غير أن هذا الغموض يبدو مصطنعاً، مثل أداء بعض الشخصيات ثقيلة الظل. يتحدّثون كثيراً ويفعلون قليلاً، حتى شخصية ألما أقرب إلى واجهة لامعة ينقصها تصميم فني أفضل.

رغبة الفيلم في تمويه ما حدث وطرحه للنقاش على أساس «وقع أو لم يقع»، تُطيح بما كان يمكن أن يصبح مصدر قوته الدرامية: تقديم الحقيقة بدلاً من تقليبها بين يديه.

جوليا روبرتس تبقى محور الفيلم، لكن الأداء الأبرز هو لإيدبَري، التي تبدو عالقة في نفق مظلم: ترفع دعوى ثم تتراجع عنها، لأسباب هلامية غير واضحة. في كل مرة يفتح الفيلم نافذة على زاوية جديدة من الموضوع، يسحب نفسه إلى الوراء، ولا يتيح للمُشاهد رؤية الصورة كاملة.

هكذا يظهر خيط من الريبة فيما يخص دعاة المساواة بين الجنسين، خيط يصعب على الحركات النسائية اليوم تقبّله لأنه، في جوهره، موجّه ضدها.

يبدأ الفيلم كما ينتهي، رافضاً تحديد الأشياء وتسميتها بوضوح: ألما تُعبّر عن موقف السيناريو والمخرج والفيلم، وهانك عن نفسه فقط، وماغي تبدو مُدانة أكثر منها ضحية.

 

الشرق الأوسط في

02.09.2025

 
 
 
 
 

بجائزة الإنجاز السينمائي الدولي

البندقية تكرم الرئيسة التنفيذية لمعهد الدوحة للأفلام

البلاد/ طارق البحار

تم تكريم فاطمة حسن الرميحي، الرئيسة التنفيذية لمعهد الدوحة للأفلام، بمنحها جائزة "فارايتي" للإنجاز في السينما الدولية لعام 2025. وجرى الحفل على السطح الشرفي لفندق ذا غريتي بالاس في البندقية، وسط حضور كبير من نجوم وصناع السينما.

في كلمتها خلال الحفل، شكرت الرميحي الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس أمناء المعهد، على إيمانها الثابت بقوة الإبداع والتبادل الثقافي، والذي ساهم في تحقيق مسيرة المعهد على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية. وأكدت أن هذا الإيمان جعل المعهد حجر الزاوية في صناعة السينما بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقالت الرميحي: "هذه الجائزة تعكس مهمة جماعية قادتنا على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية: تضخيم الأصوات العربية، ورعاية المواهب الإبداعية، ومشاركة القصص غير المروية مع العالم". وأضافت أن "الأمر لا يتعلق بما حققناه فقط، بل بما نطمح إليه".

وأشارت الرميحي إلى أن "أصوات منطقتنا أكثر حيوية من أي وقت مضى"، خاصة في زمن تسوده الانقسامات. واعتبرت أن الجائزة هي تذكير قوي بأهمية رسالتهم وتعزز من إصرارهم على تمكين المزيد من الأصوات المهمة.

يُذكر أن معهد الدوحة للأفلام يشارك بعدد قياسي من الأفلام في مهرجان البندقية، حيث يعرض 12 فيلمًا من إنتاجه. ومن بين هذه الأفلام فيلم المخرجة التونسية كوثر بن هنية "صوت هند رجب"، الذي يتناول قصة الطفلة الفلسطينية التي قُتلت في غزة عام 2024. وقد وصفه المدير الفني للمهرجان، ألبرتو باربيرا، بأنه فيلم مؤثر سيثير إعجاب الجمهور والنقاد.

حضر الحفل أيضًا عدد من المديرين التنفيذيين في المعهد، بالإضافة إلى مديرة مهرجان البحر الأحمر، شيفاني بانديا، وعدد من الشخصيات البارزة في صناعة السينما العالمية.

 

####

 

"Frankenstein" للمخرج غييرمو ديل تورو

يحصل على تصفيق حار في البندقية

البلاد/ طارق البحار

أخيراً، أبصر فيلم Frankenstein الذي طال انتظاره للمخرج غييرمو ديل تورو النور هذا الأسبوع في مهرجان البندقية السينمائي، وحظي بإشادة واسعة من الجمهور. حصل العرض العالمي الأول للفيلم الدرامي الذي تدعمه منصة نتفلكس بنجاح وبطولة أوسكار إيزاك بدور فيكتور فرانكنشتاين وجاكوب إيلوردي بدور "المخلوق"، على تصفيق حار لمدة 13 دقيقة يوم السبت، وهو أحد أكثر الاستجابات حماساً في الدورة الـ 82 للمهرجان.

وصف ديل تورو، الذي أمضى عقوداً وهو يحلم باقتباس رواية ماري شيلي الكلاسيكية، الفيلم بأنه المشروع الذي كان يستعد له طوال مسيرته المهنية. وقال: "إنه الفيلم الذي تدربت على إخراجه لمدة 30 عاماً".

واعترف المخرج الحائز على جائزة الأوسكار، وهو يتحدث في البندقية، بأنه يعاني نوعاً من "اكتئاب ما بعد الولادة" الآن بعد أن اكتمل الفيلم أخيراً، ووصفه بأنه "وليمة قوطية فاخرة" من حيث الديكور والأداء.

وكشف إيزاك أن ديل تورو حدد نبرة العمل في وقت مبكر، قائلاً: "قبل أن نبدأ في صنع Frankenstein، قال لي غييرمو: 'أنا أعد لك هذه المأدبة، عليك فقط أن تحضر وتأكل'".

وأضاف الممثل: "هذا الفيلم له طابع شخصي على نحو خاص. أعتقد أنه يتناول في النهاية موضوع الغرباء".

من جانبه، قال إيلوردي، الذي انضم إلى الإنتاج في مرحلة متأخرة، إنه انغمس في دور الوحش الطفولي. وأوضح: "إنه وعاء يمكنني أن أضع فيه كل جزء من نفسي... في كثير من النواحي، المخلوق الذي يظهر على الشاشة في هذا الفيلم هو أنقى شكل من أشكال نفسي، هو أنا أكثر مما أنا عليه الآن".

وخارج السجادة الحمراء، تجمع عدة مئات من المتظاهرين المناهضين للحرب سلمياً، على أمل لفت الانتباه إلى الحرب المستمرة في غزة.

كان آخر عرض لفيلم للمخرج ديل تورو في البندقية هو فيلمه The Shape of Water عام 2017، والذي فاز بالجائزة الكبرى للمهرجان قبل أن يحصل على جائزة أفضل فيلم في الأوسكار. وتراهن نتفلكس، التي لم تفز بعد بجائزة أفضل فيلم، بقوة على Frankenstein بعد أن حققت أول فوز لها بجائزة أفضل فيلم رسوم متحركة مع فيلم Pinocchio للمخرج ديل تورو.

على غرار فيلم The Shape of Water، ينافس Frankenstein على الجائزة الكبرى في البندقية، إلى جانب أفلام أخرى هي Bugonia للمخرج يورغوس لانثيموس، وA House of Dynamite للمخرجة كاثرين بيغلو، وNo Other Choice للمخرج بارك تشان ووك، وThe Voice of Hind Rajab للمخرجة كوثر بن هنية. وستعلن لجنة التحكيم برئاسة ألكسندر باين عن الفائزين في 6 سبتمبر.

ستطرح نتفلكس فيلم Frankenstein في دور السينما في 17 أكتوبر، قبل أن تبثه في جميع أنحاء العالم في 7 نوفمبر المقبل.

 

####

 

دواين جونسون مرشح للأوسكار!

"ذا سماشينج ماشين" يثير الجدل في مهرجان البندقية

البلاد/ طارق البحار

التقطت صور لدواين جونسون أثناء حضوره مهرجان البندقية السينمائي في نسخته الثانية والثمانين، حيث يقدم دوره الجاد في فيلم "The Smashing Machine" (آلة التحطيم) الذي يجسد فيه شخصية مقاتل الفنون القتالية المختلطة مارك كير.

قبل العرض العالمي الأول للفيلم، صرح جونسون قائلاً: "لطالما رغبت في هذا. لقد كنت متعطشًا حقًا لأداء دور يتطلب تحولاً. كنت محظوظًا بمسيرتي المهنية والأفلام التي صنعتها، لكن كان هناك صوت صغير في داخلي يقول: ماذا لو استطعت أن أفعل ما هو أكثر؟".

يثير الممثل، المعروف بأدواره في أفلام الحركة والكوميديا الضخمة، بالفعل ترشيحات محتملة لجائزة الأوسكار بفضل تحوله في هذا الفيلم من إخراج بيني سافدي. يذكر أن المهرجان كان نقطة انطلاق لعدة فائزين بجوائز الأوسكار لأفضل ممثل في السنوات الأخيرة، من برندان فريزر في "ذا وايل" (الحوت) إلى أدريان برودي في "ذا بروتاليست" (الوحشي). ومثل هذين الفيلمين، يتم توزيع "ذا سماشينج ماشين" من قبل شركة A24.

وأضاف جونسون: "شباك التذاكر في صناعتنا له تأثير كبير. يمكن أن يدفعك إلى فئة معينة وزاوية محددة: هذا هو مسارك، هذا ما تفعله، هذا ما يريده الناس، وهذا ما تريده هوليوود. لقد فهمت ذلك، وصنعت تلك الأفلام، وأنا أحبها وكانت ممتعة. بعضها كان جيدًا جدًا وحقق نجاحًا، وبعضها لم يكن كذلك".

ومع ذلك، شعر أن لديه المزيد ليقدمه، ليس لإثبات شيء لهوليوود، بل لنفسه. جاء هذا الدافع لمواجهة تحدٍ جديد جزئيًا من شريكته وصديقته إيميلي بلانت، التي عمل معها في "جولة الغابة" (Jungle Cruise)، وشجعته على استخلاص كل ما مر به في الحياة وتجسيده في عمله.

يقول جونسون: "عندما يتم تصنيفك في قالب معين، يكون من الصعب أن تعرف، هل يمكنني فعل ذلك؟" وأضاف: "أحيانًا يتطلب الأمر وجود أشخاص تعرفهم وتحبهم، مثل إيميلي وبيني، ليقولوا لك: يمكنك".

انضم إلى جونسون في البندقية كل من سافدي وبلانت، بالإضافة إلى الرجل الذي يجسد شخصيته في الفيلم، مارك كير. يعتبر كير بطلًا لبطولة UFC للوزن الثقيل مرتين، وهو مقاتل فنون قتالية مختلطة اعتزل في عام 2009. ويُعرف كير بلقب "ذا سماشينج ماشين"، كما عانى من إدمان مسكنات الألم والمواد الأفيونية، وتعرض لجرعتين زائدتين.

قبل أن يصبح جونسون معروفًا كنجم لسلاسل مثل "جومانجي" و"فاست آند فيوريوس"، ومنتجًا ورجل أعمال، صنع اسمه في عالم المصارعة. فبصفته مصارعًا من الجيل الثالث، فاز بثماني بطولات في اتحاد WWE.

يتذكر جونسون لقاءه بمارك كير في أواخر التسعينيات، مشيرًا إلى مدى إعجابه به. وقال إن هذا الفيلم يشكل لحظة اكتمال الدائرة بالنسبة له.

تدور أحداث "ذا سماشينج ماشين" بين عامي 1997 و2000، وهي فترة مضطربة في حياة كير المهنية والشخصية. كانت علاقته بصديقته آنذاك داون ستابلز متقلبة بشكل خاص.

من جانبها، تعرفت بلانت على داون ستابلز وقضت وقتًا معها. وقالت إنها كانت متحمسة لإظهار "نظام الطقس الكامل" للعلاقة.

وأضافت بلانت: "لقد كنت جزءًا من العديد من العلاقات التي يتم صياغتها بشكل أساسي لتناسب الفيلم، علاقة مُصوّرة. هذه العلاقة شعرت بأنها تمثل الطيف الكامل لما تبدو عليه العلاقة الحقيقية، لأن البشر يتغيرون في غضون ساعة. أعتقد أننا تمكنا من إظهار ذلك".

ووصفت بلانت رؤية جونسون وهو يختفي تمامًا في الدور بأنه أمر "استثنائي" و "غريب" بعض الشيء. وقد تم تصميم الأطراف الاصطناعية من قبل فنان الماكياج الماهر كازو هيرو، الذي ساعد برادلي كوبر على التحول إلى ليونارد بيرنستاين وجاري أولدمان إلى وينستون تشرشل.

صرح المدير الفني لمهرجان البندقية، ألبرتو باربيرا، الأسبوع الماضي بأنه لن يتفاجأ برؤية جونسون، الذي وصف أداءه في الفيلم بأنه "مذهل للغاية"، وبلانت، التي تلعب دور زوجة كير، من بين المرشحين لجوائز الأوسكار العام المقبل.

وقال جونسون: "كنت خائفًا من أن أتعمق وأكون مكثفًا وخامًا حتى الآن، حتى أتيحت لي هذه الفرصة".

وذكر كل من جونسون وسافدي أن كير قد غيّر حياتهما.

من جانبه، وصف سافدي الأمر بأنه "شيء جميل أن نسلط الضوء عليه ونتعلم من تجاربه".

يُذكر أن سافدي هو أيضًا ممثل، ظهر مؤخرًا في "أوبنهايمر" و"هابي جيلمور 2"، ومخرج شارك شقيقه جوش في إخراج فيلم "أونكات جيمز".

في بيان المخرج لفيلم "ذا سماشينج ماشين"، وصف سافدي العنوان بأنه "محاكاة صوتية مثالية لشيء بصري، يستحضر صورًا للسيطرة والدمار بسهولة".

يُعرض الفيلم في المسابقة الرئيسية، جنبًا إلى جنب مع أفلام مثل "فرانكنشتاين"، "بوجونيا"، "صوت هند رجب"، "لا غراتسيا"، و"لا خيار آخر"، التي تتنافس أيضًا على الجوائز الكبرى، بما في ذلك جوائز التمثيل والإخراج. سيتم الإعلان عن الفائزين في 6 سبتمبر.

سيُعرض فيلم "The Smashing Machine" في دور العرض بأميركا الشمالية في 3 أكتوبر

 

####

 

في مهرجان البندقية السينمائي

أماندا سيفريد تنهار باكية بعد تصفيق حار لفيلمها الجديد

البلاد/ طارق البحار

حصل فيلم "The Testament of Ann Lee" الذي تلعب بطولته النجمة أماندا سيفريد على تصفيق حار استمر لمدة 15 دقيقة في مهرجان البندقية السينمائي. لم تتمكن الممثلة من حبس دموعها وتأثرت بشدة بهذا الاستقبال الحافل.

فيلم "The Testament of Ann Lee" من إخراج مونا فاستفولد أضاء سماء المهرجان بتصفيق مدوٍ استمر لمدة 15 دقيقة، وهو الأطول حتى الآن في هذا الحدث السينمائي لهذا العام، وفقًا لمجلة "فارايتي". حتى أنه تفوق على التصفيق الذي ناله فيلم "فرانكنشتاين" والذي كان يحتل الصدارة في وقت سابق من الأسبوع.

استمر الحشد في التصفيق بينما كانت سيفريد، التي بدت متأثرة بوضوح، تلوح بقبضتيها وتحاول كبح دموعها. كان كاتب السيناريو المشارك برادي كوربيت يتجول في القاعة، في حين كانت فاستفولد، التي شاركت في كتابة فيلم "ذا بروتاليست" الفائز بجائزة "الأسد الفضي" العام الماضي، تتألق تحت الأضواء. وفي الدقيقة الثامنة من التصفيق، انحنت سيفريد وهمست: "ماذا يفترض بنا أن نفعل الآن؟"، بينما كان التصفيق مستمرًا بلا توقف.

غادر معظم الموجودين في قسم الأوركسترا بعد 10 دقائق، لكن الشرفة ظلت ممتلئة، حيث واصل المشترون وأعضاء الإنتاج إحداث الضجيج. وفي نهاية المطاف، غادر كوربيت وفاستفولد بهدوء قبل أن يبدأ التصفيق في الخفوت. وبينما كانت سيفريد تغادر المسرح، ما زالت مصدومة من رد الفعل، وقالت لمجلة "فارايتي": "أعتقد أن الناس أحبوا الفيلم كثيرًا".

"وصية آن لي" في مهرجان البندقية السينمائي

على الرغم من أن الفيلم ليس فيلمًا غنائيًا، إلا أنه يستخدم موسيقى دانييل بلومبرج، الذي ألف موسيقى "ذا بروتاليست". تؤدي سيفريد بنفسها عدة مقاطع موسيقية في الفيلم، ووصفت أدائها لمجلة "فارايتي" بأنه "نوع من اللا-غناء. لا يوجد شيء كهذا! هل هو تفكيك للغناء؟ أم مناهضة للغناء؟"

يعيد فيلم "The Testament of Ann Lee" تخيل حياة المرأة التي أسست حركة الشاكرز. ولدت "لي" في إنجلترا، ثم هاجرت إلى الولايات المتحدة وأسست جماعة عرفت بالحياة المشتركة، العزوبة، والطقوس الدينية الغامرة. اليوم، تقلص عدد أفراد هذه الطائفة إلى ثلاثة أعضاء فقط على قيد الحياة.

يصف "فارايتي" الفيلم بأنه "قصة خيالية ملحمية"، حيث تلعب سيفريد دور "آن لي"، وهي زعيمة دينية رائدة في القرن الثامن عشر. ويشاركها البطولة لويس بولمان الذي يلعب دور شقيقها "ويليام"، بالإضافة إلى مجموعة من الممثلين الداعمين منهم: توماسين ماكنزي، ستايسي مارتن، تيم بليك نيلسون، كريستوفر أبوت، وماثيو بيرد

 

البلاد البحرينية في

01.09.2025

 
 
 
 
 

«تحت الغيوم» لجيانفرانكو روزي…

الحياة اليومية في نابولي تحت بركان فيزوف

نسرين سيد أحمد

فينيسيا- «القدس العربي» : يعود المخرج الإيطالي جيانفرانكو روزي في فيلمه الوثائقي الجديد «تحت الغيوم»، المشارك في المسابقة الرسمية للدورة الثانية والثمانين من مهرجان البندقية السينمائي (27 أغسطس/آب – 7 سبتمبر/أيلول 2025)، إلى بلاده التي يعرفها عن قرب، ويعيد اكتشافها عبر عينه السينمائية المتفرّدة. بعد «ساكرو غرا» (2013) عن الحياة اليومية في روما، و»النار في البحر» (2016) الذي تناول أزمة المهاجرين في لامبيدوزا، يأتي هذا العمل ليتأمل فيه روزي الحياة في نابولي والمناطق المحيطة بها، التي تعيش في ظل بركان فيزوف الشهير، تلك المنطقة الثرية بطبقاتها التاريخية المتعددة.

تعيش نابولي دائماً على إيقاع بركان فيزوف، الذي يشكل جزءا كبيراً من ذاكرة المدينة وتاريخها وحاضرها. اسم البركان ذاته يحمل رنيناً أسطورياً، يذكّر بالعالم القديم وبدمار بومبي، التي أُبيدت بين ليلة وضحاها جراء ثورة البركان وتغطية حممه للمناطق المحيطة، لكنه في الوقت نفسه حاضر وملموس في حياة الناس اليوم. إنه ليس مجرد ماضٍ متحجر، بل واقع متقاطع مع المخاوف البيئية، والهموم المعيشية، بل حتى النزاعات البعيدة التي تُلقي ظلالها على مرفأ المدينة.

يستعير الفيلم عنوانه من مقولة لجان كوكتو يستهل بها روزي فيلمه: «فيزوف يصنع جميع غيوم العالم». ومع كل لقطة يقدّمها روزي بالأبيض والأسود، نشعر وكأن العبارة صحيحة تماماً. الغيوم الكثيفة تغطي سماء نابولي، تختلط بدخان الحرائق وأبخرة الفتحات البركانية، وتتماهى مع أدخنة بشرية يومية: حرائق الغابات، الأدخنة الصناعية في المرافئ، وحتى دخان الحرائق التي يهرع رجال الإطفاء لإخمادها. كل ذلك يخلق جواً يوحي بأن المدينة معلّقة دوماً تحت سحابة رماد محتملة. لا نرى في فيلم روزي، نابولي التي يعرفها السائح الذي يكتفي بلمحة عن المدينة دون تعمق في حاضرها أو ماضيها، بل يلقي روزي نظرة فاحصة متأملة على تفاصيل المدينة، كاشفاً عن ملامح إنسانية أو بيئية أو اجتماعية من دون تعليق مباشر. هذه المشاهد، المتراصة لا تعكس جمال الطبيعة بقدر ما تكشف عن توترها الدفين، وعن هشاشة الإنسان في مواجهة الزمن والكارثة.

كما في أفلامه السابقة، لا يقدّم روزي شخصياته بوصفهم أبطالاً أو ضحايا، بل كبشر عاديين يعيشون حياتهم تحت وطأة أسئلة أكبر منهم. في مركز الإطفاء في نابولي، يراقب المخرج المكالمات الهاتفية الواردة: اتصال من امرأة تتعرض للعنف المنزلي، نداء من طفل يطلب النجدة لقطٍ عالق، استفسار متكرر من رجل مسن يريد فقط معرفة الوقت. بين الطرافة والمأساة، يكشف هذا الخط الهاتفي صورة عن مجتمع يعيش على حافة التهديد المستمر: تهديد البركان، الزلازل، العنف الأسري، الحرائق. حين يضرب زلزال بقوة 4.2 درجة المنطقة، وهو الأكبر منذ أربعة عقود، تتضاعف المكالمات المذعورة على وحدة الإطفاء في المدينة. المشهد يوثق كيف يتأرجح الناس بين خوف أزلي من الطبيعة، وحاجة ماسة إلى صوت يطمئنهم عبر الهاتف. ولكن لنابولي طبقات تاريخية متعددة، ويتنقل الفيلم بين أروقة الماضي والحاضر. في الأنفاق السرية تحت نابولي، تكشف الكاميرا عن حفريات غير شرعية حفرها لصوص الآثار. جدران كاملة في قصور أثرية جُرّدت من جدارياتها، تاركة وراءها فراغاً مترباً مظلماً، بدلاً من الفن والجمال. وفي المتحف المحلي، نرى مشرفة أثرية تتجوّل بين مئات التماثيل والقطع الأثرية، التي لم تُعرض بعد وتبقى مخزنة في قبو المتحف. تمسح الغبار عنها كأنها تواسي أصدقاءها القدامى، تقول بابتسامة إن هذه التماثيل أصدقاؤها وصحبتها منذ ثلاثين عاماً. هكذا يكشف لنا روزي عن علاقة نابولي بتاريخها، فهناك نهب وتهريب من جهة، وهناك أيضاً من يحمي ويحافظ ويعشق.

المثير أنّ روزي يقارب الحاضر وكأنه أثر شاهد على التاريخ، يُكتشف بعد آلاف السنين. شخصياته، من رجال الإطفاء إلى الأطفال في المكتبة، من اللاجئ السوري في الميناء إلى العاملين في صوامع القمح المقبلة من أوكرانيا، تبدو كما لو أنّها تماثيل تُستخرج من تحت الرماد. الأبيض والأسود الذي اختاره المخرج يمنح الصور مسحة تاريخية أثرية: نابولي ليست مدينة مضيئة صاخبة، كما نعرفها، بل مدينة مغطاة بغبار رمادي، كما لو كانت تمثالا في قصر من القصور المهجورة يكسوه غبار الزمن.

حتى اللقطات السينمائية التي يدرجها روزي، مثل عرض فيلم روسيلليني «رحلة إلى إيطاليا» في قاعة سينما فارغة ذات مبنى عتيق تعزز هذا الانطباع. كأن السينما نفسها تصبح أثراً من الماضي، تُعرض كنوزها لجمهور لم يعد موجوداً. رغم أن الفيلم لا يرفع شعارات سياسية، إلا أن السياسة تتسرب من بين سطوره. شحنة قمح ضخمة تصل إلى ميناء نابولي، حاملة معها آثار الحرب البعيدة. لاجئ سوري يكدح بين الصوامع ليبني حياة جديدة فوق أنقاض أخرى، ويقول إنه خرج من سوريا ليجد بعض الأمان ليجد نفسه يعمل على سفينة شحن تسافر إلى مدن أوكرانية يجد فيها حرباً أخرى وقصفاً فر من بلاده لينجو منه. نابولي هنا ليست فقط مدينة إيطالية، بل مرفأ يتأثر بما يشهده العالم من حروب وأزمات.

وبينما تبدو المشاهد اليومية دافئة أحياناً، كما نشهده في دروس تعليمية في المكتبة المحلية للأطفال، إلا أن الإحساس الطاغي هو الخوف من مجهول أو معلوم ما، من حرب بعيدة، من زوج سكير معنف، من زلزال، من بركان، من لصوص ينهبون التاريخ. كأنّ روزي يريد أن يقول: نحن نعيش جميعاً في ظل بركان ما.

في «تحت الغيوم»، يقدّم جيانفرانكو روزي فيلماً شاعرياً ومقلقاً في آن، يقدم فيلما يلتقط تفاصيل الحياة اليومية بدفء وإنسانية، لكنه يضعها في إطار يذكّرنا دوماً بهشاشتها أمام الكارثة. الأبيض والأسود ليس مجرد اختيار جمالي، بل رؤية تجعل من نابولي مسرحاً للذاكرة.

 

القدس العربي اللندنية في

01.09.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004