ملفات خاصة

 
 
 

«فرانكنشتاين» نسخة ديل تورو:

طموحٌ جامحٌ لم يأتِ بجديد

محمد هاشم عبد السلام

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

بدأ المخرج المكسيكي غييرمو ديل تورو (مواليد 1964) مسيرته في تسعينيات القرن الماضي. وقد عُرف ببصمةٍ فريدةٍ ميَّزته عن غيره من المخرجين، حيث مزج الدراما العميقة بالخيال، والرعبَ بالرومانسية، وعوالمَ الأساطير والوحوش بالبعدِ المأساوي، وأحيانًا، قدَّم كل ذلك ضمن سياقٍ درامي معاصر وأحداثٍ تدور في العصر الحديث، وإن ظلَّت عوالمُ العصر القوطي هي الأثيرةَ لديه على الدوام. كما حرص كل الحرص على الاهتمام بجماليات الصورة في أفلامه. ومن هنا، يُلاحظ في أعماله مدى بهاء ورونق أغلب كادرات أفلامه التي تتميَّز بألوانها المبهرة، وديكوراتها الفخمة، وتوظيفها لمؤثراتٍ بصريةٍ فريدة وموسيقى رائعة. إجمالًا، يمكننا القول إن شغف واهتمام المخرج البالغ بأدق التفاصيل ينعكس بوضوحٍ في أغلب اللقطات، سواء تلك الموجودة في عمق الكادر أو على أطرافه.

الجدير بالذكر أن غييرمو ديل تورو نافسَ من قبل في "مهرجان البندقيّة السينمائي" عام 2017 بفيلمه البديع «شكل الماء» (The Shape of Water)، الذي نال عنه جائزة ”الأسد الذهبي“، ثم جائزة ”أوسكار أفضل مخرج“، إلى جانب جوائز أخرى مستحقة. وها هو يعود في دورة المهرجان لهذا العام للمنافسة على ”الأسد الذهبي“ للمرة الثانية بفيلم «فرانكنشتاين» (Frankenstein)، وهو من نوع أفلام الخيال العلمي القوطي الأثيرة لديه. الفيلمُ مستوحى من الرواية الشهيرة ”فرانكشتاين“ الصادرة عام 1818، للكاتبة البريطانية ماري شيلي، والتي تتناول قصة العالم فيكتور فرانكنشتاين الذي يصنع كائنًا من أجزاءَ بشريةٍ ميتة، ليواجه لاحقًا تداعيات مخلوقِه الذي يخرج عن السيطرة.

وكما هو معروف، فقد جرى اقتباس رواية "فرانكنشتاين" للكاتبة ماري شيلي إلى السينما عشرات المرات، وذلك منذ عصر السينما الصامتة. مما جعل الرواية واحدة من أكثر الأعمال الأدبية اقتباسًا في تاريخ السينما، إلى حدٍّ يكاد يجعلها مُستهلكةً تقريبًا. ومع ذلك، يبدو أن الرواية لا تزال مصدرَ إلهامٍ وإغواءٍ للكثير من المخرجين الواقعين تحت تأثيرها، وسحر شخصياتها، وأحداثها الفريدة، ويأتي ديل تورو آخر هؤلاء المخرجين، إذ ظلَّ هذا الفيلم حلمًا يراوده منذ سنواتٍ بعيدةٍ، ولم ييأس أو يتكاسل أو يهدأ حتى خرجت نسخته إلى النور. وقد جاء هذا الإصرار الكبير تأكيدًا على أن المخرج يملك فعلًا ما يود قوله والتعبير عنه فنيًا عبر فيلم «فرانكشتاين»، سواء عبر طرحٍ جديدٍ لم يتناوله في أفلامه الماضية، أو عبر تجسيدٍ مختلفٍ رأى فيه ما لم يُطرح من قبل في نُسخ «فرانكنشتاين» السابقة. وعلى غرار إخراجه لنسختِه من «بينوكيو» (Guillermo del Toro's Pinocchio)، التي نفذها كفيلمِ رسومٍ متحركةٍ في عام 2022، فقد أراد إخراج نسخةٍ خاصةٍ من هذا الفيلم، نسخةٍ يقدِّمُ عبرها فلسفته ورؤاه وفهمه الخاص لرواية البريطانية ماري شيلي.

مقارنةً بالرواية الأصلية، التي تناولت مواضيعَ عديدةً عن الإنسان والطبيعة والعلم والأخلاق، يمكنُ القول إن غييرمو ديل تورو بذلَ جهده في كتابة سيناريو يعالج هذه المواضيع جميعها. وكان في أغلب أحداث الفيلم شديدَ الأمانة والالتزام بالنص الأصلي. غير أننا لم نلمس، في النهاية، رؤيته السينمائية الخاصة التي كنا نأملها - مع الأسف الشديد - باستثناء خاتمة الفيلم التي حملت بعض التغيير، لخلقِ نهاية سعيدة، لكن، يا ليته لم يفعل، فلم يأت هذا التغيير بأي قيمة تذكر. مما يثير الكثير من التساؤلات حول هذا الهاجس أو الهوس بتنفيذ نسخةٍ مثل هذه، بالكاد تقدم جديدًا أو طرحًا مغايرًا، وحول سبب اختياره لهذه الرواية تحديدا.

تتناول الأحداثُ قصةَ العالم فيكتور فرانكنشتاين (أوسكار آيزاك)، العبقري المُبَالِغ في تقديره لنفسه، المُعتقدِ بأفضلِيته وأهميته، المُتجاهل لمشاعر الآخرين واحتياجاتهم، والمهووس فوق كل هذا بفكرة الخلق. بعد دراسته للتفاعلات الكيميائية، وعمليّة تحلّل الكائنات الحية، وغيرها من التجارب، يتوصّل إلى فهمٍ عميقٍ لكيفية تجميع أطرافٍ وأعضاءَ من جثث مختلفة ليصنع كائنًا حيًّا. لكن، بمجرد أن يُبصر مخلوقَه وقد دبَّت فيه الحياة حتى يشعر بالرعب منه، ويهجره، ثم يسعى للتخلص منه. من ناحية أخرى، نعاين ردة فعل هذا المخلوق، المنبوذ والمتروك وحيدًا، على هذا السلوك، ونرى كيف يثور على خالقه فيكتور، ويسعى إلى الانتقام منه لعدم استجابته لطلبه بخلق مخلوقٍ آخر مثله يُخفِّف عنه ما يكابده من شعورٍ أليم بالوحدة والعزلة والنبذ.

حبكة الفيلم والرواية، تستدعي إلى الذهن وبقوة أسطورة "بجماليون" المناقضةِ لها تمامًا، إذ تخبرنا الأسطورة بأننا متى أحببنا شيئًا من صميم قلوبنا فثمة قدرة على بث الحياة فيه وتحويله إلى شيء عظيم. صحيح أن فيكتور أوجد مخلوقَه، لكنه لم يبث فيه الحياة والروح، ولم يحوّله إلى شيء عظيم، ولم يصنعه أصلًا بدافع الحب. إذ لم ينظر فيكتور إلى ما هو أبعد من ذاته، وتحقيق انتصاره الخاص ومجده الشخصي.

من هنا، ربما جاء اهتمام المخرج بتنفيذ الفيلم في وقت تتزايد فيه الاهتمامات بقضايا الأخلاق في مجال العلم والمختبرات العلمية. لا سيما في ظل التطورات غير المسبوقة في مجالات الهندسة الوراثية والذكاء الاصطناعي. ومن ثم فإن إثارة التساؤلات العميقة حول حدود العلم ومسؤولية المبدع تجاه ما يبدعه أو يبتكره أو ”يخلقه“، تبدو جلية للغاية في الفيلم.

في سرده للأحداث، يُقسِّم المخرج الفيلمَ إلى قسمين يسردان الأحداث بطريقة استرجاعية، أو بتقنية الفلاش باك، انطلاقًا من الراهن، حيث تَعلَقُ سفينةٌ دانماركيةٌ وسط الجليد، ويصرُّ قائدها أندرسون (لارس ميكلسن) على حماية فيكتور من المخلوق، ومعرفة القصة الحقيقة. في الحكاية الأولى، بعنوان ”فيكتور“، التي يرويها فيكتور بصوته لقائد السفينة، نتعرَّفُ على طفولته وصباه، ثم نضجه، مرورًا بخلقه لمخلوقه العجيب، وانتهاءً بمحاولته التخلُّصَ منه. بعد ذلك، نتابع الحكاية الثانية، المعنونة ”المخلوق“، والتي نعاين فيها بصوت المخلوق أحداث قصته الخاصة منذ أن دبَّت فيه الحياة، وفراره من فيكتور، ثم تعقبه له ومحاولته الانتقام منه، حتى وصوله إلى ظهر السفينة، وسرده حكايته لقائدها، في حضرة فيكتور الراقد على فراش الموت.

ثمَّة إشاراتٌ جلية لا تترك أي مجال للّبس في أن ديل تورو يود الإحالة إلى أمور آنية تؤرقه شخصيًا. فالتأكيدُ على أن فيكتور أغفلَ وضع الروح في المخلوق الذي بثَّ فيه الحياة، إشارةٌ دالةٌ على أن الإنسان، مهما تقدم وارتقى وبلغ، فلن يستطيع أبدًا الإمساك بالروح البشرية ومعرفة هويتها ومكنوناتها وطبيعتها أصلا. من ناحية أخرى، وبعيدًا عن الكثير من الجُمل والتفاصيل الصغيرة، فإن المخرج من خلال السياق العام يُحذِّر بجلاء من الغباء البشري والأنانية ومن المصير المظلم الذي يمضي إليه الإنسان بتكبره وتعجرُفه. وكيف أن انتفاء الأخلاقيات في مجال العلم، الذي يبدو أنه على بعد خطوات من صناعة أو استنساخ مخلوقات هي في الحقيقة مجرَّد مسوخ، سيُؤدي، في النهاية، إلى انقلاب السحر على صانعه، وتدميره، وإفساد حياته، وكل ما أبدعه. وكيف أن هذه المخلوقات لن تكون رحيمة كما هو متوقع.

المثير للدهشة أن هذه الصرخة التحذيرية سرعان ما ينقضها المخرج بجعل المخلوق يسامحُ صانعه فيكتور فرانكنشتاين، ويرأف بحاله قبيل وفاته، بل ويجعله يهب لنجدة ومساعدة ”البشر“، الذين كانوا على سطح السفينة، وينجح في إنقاذهم من هلاك أكيد.

لا شك أن المخلوق في فيلم «فرانكنشتاين» يستدعي إلى الأذهان، وبقوة، الكائنَ الغريب في فيلم «شكل الماء»، الذي اتسم بالكثير من العنف والقسوة والحدَّة، ليتحول تدريجيًا على يدي “إلايزا” إلى مخلوقٍ مسالم جدًا. يتعلم منها شيئًا فشيئًا بعض الكلمات، عن طريق لغة الإشارة. وتنشأ بينهما علاقة تودد وصداقة، ويأنس أحدهما للآخر. علاقة تتكرر بحذافيرها، تقريبًا، في «فرانكنشتاين»، بين المخلوق وإليزابيث (ميا جوث)، خطيبة ويليام فرانكنشتاين شقيق فيكتور. ومن ثم، نجد أننا إزاء إصرارٍ واضحٍ من جانب المخرج على التأكيد أن الرحمة والمغفرة والحب، والتمسّك بإنسانيتنا، هو السبيل الوحيد لنا كي لا نتحوّل إلى وحوشٍ أو مسوخ. لكنها، مع الأسف، علاقةٌ لم يمض المخرج في تعميقها على نحو مقنعٍ ومؤثرٍ كما في «شكل الماء».

بعيدًا عن حبكة الفيلم، ثمة تساؤلاتٌ أخرى متعلقةٌ بالطرح السينمائي أو الجمالي الذي انطلقَ منه ديل تورو لتنفيذ فيلمه. أغلب الإجابات عن هذه التساؤلات لن تصب في صالح الفيلم، ولا المخرج. خاصة، مع تنفيذ جييرمو ديل تورو لبعض المشاهد الضعيفة أو حتى الركيكة، غير المعهودة في سينماه، رغم استعانته بأحدث تقنيات الجرافيك وخلافه. من بين ذلك مثلا مشاهدُ هجوم الذئاب على أغنام العائلة المقيمة في الجبال. ولاحقًا، مهاجمتها - الذئاب - للمخلوق نفسه، وقضائه عليها. صحيحٌ أن الفيلم لا يخلو من ملامح الأسلوب المبهر للمخرج، وتجلياته المتعددة، كما أن هناك سخاءً ملحوظًا للغاية في تنفيذ الفيلم، وديكوراته، إلى درجة تجعلُ الأمر يبدو زائدًا عن الحاجة أحيانًا. لكن ثمَّةَ شعور بالغ بالأسف لأن جمهور الفيلم لن يلامس جمال وسحر الكثير من مشاهده، إذ سيعرض على شبكة البث الشهيرة ”نيتفلكس“، ولأن نسخة الفيلم ستظل أسيرة الشاشات الصغير، ولن تعرض على الشاشات الكبيرة، الضروريةِ جدًا لفيلمٍ مثل فيلم ديل تورو.

وبطبيعة الحال، يصعبُ القول إن غييرمو ديل تورو قد جاء في فيلمه، الذي يمتد عرضه إلى 149 دقيقة، بأي جديدٍ مدهشٍ أو مُختلفٍ عن المعتاد، سواء على مستوى القصة وتطوّرها أو الشخصيات وتفاصيلها أو حتى جماليات الصورة، بما يُتيح لنا القولَ إنه قد أحدث قطيعةً أو نقلةً نوعية مقارنة بما سبقه من أفلام تناولت العلاقة بين البشر وغيرهم من المخلوقات والكائنات الخرافية، أو بما قدمته النسخ السابقة من فيلم «فرانكنشتاين» أو حتى قياسًا بأفلامه السابقة ذاتها.

بدعم من مبادرة سينماء، نُشرت هذه المقالة أيضًا في منصة ميم السينمائية.

 

موقع "سينماء" السعودي في

01.09.2025

 
 
 
 
 

مراجعة فيلم | «معلم التنس» لـ أندريا دي ستيفانو

صورة ساحرة ومؤثرة عن اكتشاف الذات

فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»

أندريا دي ستيفانو، الذي اشتهر بالفعل كممثل في وطنه إيطاليا وخارجها، من خلال أدواره في أفلام لماركو بيلوتشو وداريو أرجينتو وأنغ لي في فيلم ”حياة باي“، اكتسب شهرة دولية كمخرج من خلال فيلمه الأول ”إسكوبار: الجنة المفقودة“ عام 2014، من بطولة بينيشيو ديل تورو.

تبع ذلك بفيلم إثارة آخر باللغة الإنجليزية، ”المخبر“، في عام 2019 قبل أن يعود إلى إيطاليا لإنتاج فيلم الدراما البوليسية الأنيق ”ليلة الحب الأخيرة“، الذي تدور أحداثه في الزوايا المظلمة لمدينة ميلانو.

أرسى هذا التعاون مع النجم المحلي بييرفرانشيسكو فافينو الأساس لجمع شملهما مرة أخرى في فيلم ”معلم التنس، My Tennis Maestro “ الذي عرض خارج المسابقة ضمن الاختيارات الرسمية في مهرجان فينيسيا السينمائي الـ 82.

يمثل هذا الفيلم نقطة تحول لدي ستيفانو، حيث ابتعد عن أفلام العصابات والشرطة الفاسدة إلى عالم الرياضة. على الرغم من أنه لم يصل إلى مستوى البراعة الشكلية لفيلم ”تشالنجرز“ للمخرج لوكا غوادانينو في مشاهد المباريات، إلا أنه يقدم كوميديا درامية صادقة عن الترابط والمرونة في ساحة تنافسية ومليئة بالضغوط.

يلعب فافينو دور راؤول غاتي، لاعب تنس محترف سابق وبطل مزعوم، يعمل الآن في إعطاء دروس خاصة.

يتقاطع مساره مع فيليس البالغ من العمر 13 عامًا (تيزيانو مينيشيلي، الذي قدم أداءً مذهلاً في فيلم صيفي مع سمكة القرش ”My Summer with the Shark“ عام 2023)، الذي دربه والده باستخدام استراتيجية دفاعية بحتة مستوحاة من كتاب ”فن الحرب“ للكاتب صن تزو.

نجحت هذه الاستراتيجية في البطولات الإقليمية، ولكن مع اقتراب المنافسة الوطنية، يأخذ راؤول تلميذه فيليس في جولة عبر إيطاليا، بدءًا من ليغوريا.

العلاقة بينهما أبعد ما تكون عن السلاسة. فقد نشأ فيليس في بيئة تتسم بالانضباط الصارم والطاعة، بينما يعيش راؤول بحرية، ينغمس في ملذاته ويستمتع باهتمام النساء اللواتي ما زلن يجدنه لا يقاوم.

لكنه سرعان ما يدرك أن فيليس يحتاج إلى أكثر من دفاع صارم إذا كان يأمل في النجاح على مستوى أعلى.

تظهر إشارات إلى السيرة الذاتية في وقت مبكر، كما يتضح من العنوان الافتتاحي الجريء: ”أي تشابه مع أشخاص أو أحداث حقيقية هو محض صدفة. فهمت يا أبي؟“ يتم تحديد النغمة في المشهد الأول، عندما يضع جاتي إعلانًا شخصيًا ويغازل المرأة على الطرف الآخر من الهاتف دون خجل.

إنه عرض رائع لفافينو، الممثل المعروف بقوته، الذي يستمتع بفرصة ممارسة غرائزه الكوميدية بعد سلسلة من الأدوار الدرامية في مشاريع مثل ”إنزو“ و”كونت مونتي كريستو“.

غالبًا ما يكون الفيلم مضحكًا للغاية، وقد لا يفهمها الجمهور غير المطلع على الثقافة الشعبية الإيطالية.

في منتصف الفيلم تقريبًا، تأخذ القصة منعطفًا أكثر إثارة للمشاعر، حيث تكشف أن شخصية راؤول المرحة تخفي جروحًا أعمق.

ما يبدأ كرحلة بلوغ فيليس سن الرشد يتحول تدريجيًا إلى رحلة راؤول أيضًا، مما يمنح فافينو الفرصة لاستكشاف الضعف الكامن وراء سحره. في الوقت نفسه، يواصل مينيشيلي التألق بأداء يظهر نضجًا مذهلاً ومدى عاطفيًا لا يتناسب مع عمره.

تتكشف العلاقة بين البطلين بدقة مباراة تنس، حيث تكون معركتهما الحقيقية نفسية أكثر منها جسدية.

ويكتسب الإطار الزمني للثمانينيات، الذي يوحي به تفاصيل مثل الهواتف العمومية والإشارات إلى إيفان ليندل الذي تقاعد في عام 1994، طابعًا حلوًا ومرًا في آن واحد.

ومن أبرز الأحداث بالنسبة للجمهور الإيطالي ظهور إدويج فينيش، نجمة أفلام الكوميديا الإباحية في السبعينيات والثمانينيات، والتي عادت الآن لتؤدي أدوارًا أكثر جدية. فهي تضفي جاذبية غير متوقعة على لحظة محورية وكئيبة في القصة.

على مدار ساعتين من العرض، يتصاعد الفيلم وينخفض مثل مباراة احترافية، مع لحظات من التوتر الشديد والهدوء التأملي.

في النهاية، تبدو العلاقة بين راؤول وفليس حقيقية ومكتسبة، وتُتوجها اللقطة النهائية المثالية والمرحة لدي ستيفانو قبل ظهور قائمة أسماء طاقم العمل.

قد لا يُعيد فيلم "معلم التنس" اختراع هذا النوع من الأفلام، لكنه يثبت أنه صورة ساحرة ومؤثرة عن التوجيه والنمو والدروس غير المتوقعة التي نجدها في بعضنا البعض.

 

####

 

دواين جونسون في «فينيسيا السينمائي الـ 82»

يفند الانتقادات الموجهة إليه بسبب نمطية أدواره

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

بدأ دواين جونسون "ذا روك" مسيرته المهنية كمصارع محترف قبل أن يصبح أحد أشهر الممثلين والأعلى أجرًا في هوليوود.

وبعد سلسلة طويلة من الأفلام الناجحة، من المقرر أن ينتقل جونسون من الأفلام الناجحة إلى أدوار أكثر جدية.

فيلمه السيرة الذاتية القادم " آلة التحطيم ـ The Smashing Machine " على قناة A24، والذي يروي قصة مقاتل الفنون القتالية المختلطة الحقيقي مارك كير، سيُعرض لأول مرة عالميًا مساء اليوم في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانين.

وفي حديثه خلال مؤتمر صحفي في المهرجان نفسه قبل العرض الأول للفيلم، أكد جونسون على تصريحاته السابقة حول تنويع مسيرته المهنية، وسلط الضوء على "رغبته الجامحة" في تجربة شيء مختلف بعد أن صنفته هوليوود في أدوار نمطية.

وأوضح الممثل في المؤتمر، الذي حضره أيضًا المخرج بيني سافدي وزميلته في البطولة إميلي بلانت: "لطالما رغبت في هذا". لقد تحدثنا نحن الثلاثة مطولاً عن هوليوود - كما نعلم جميعاً - حيث أصبح الأمر يتعلق بشباك التذاكر. يسعى المرء وراء شباك التذاكر، وقد يكون صاخباً للغاية، وقد يصبح مدوياً للغاية، وقد يدفعه إلى فئة معينة أو إلى زاوية معينة. هذا هو مساره، وهذا ما يفعله، وهذا ما تريده هوليوود منه.

كان جونسون الممثل الأعلى أجراً لعدة سنوات متتالية. حصل على هذا اللقب من خلال الأفلام التالية: عام 2016 (موآنا، سنترال إنتليجنس)، 2019 (فاست آند فيوريوس بريزنتس: هوبس آند شو، جومانجي: ذا نكست ليفل)، و2020 (عن فيلم ريد نوتيس المرتقب، الذي عُرض لأول مرة على نتفليكس في عام 2021)، ومؤخراً في عام 2024، بفضل فيلمه الحركي الذي عُرض في عيد الميلاد (ريد وان). كان فيلم الحركة الخيالي، الذي شارك فيه أيضًا كريس إيفانز، فاشلاً تجاريًا وانتقده النقاد، لكنه تحول على الفور إلى نجاح كبير على منصات البث المباشر وحصل على تقييمات إيجابية من الجمهور.

لا ينكر الممثل عمله في الأفلام الناجحة، ويعترف قائلاً: "كانت ممتعة، بعضها كان جيدًا جدًا وحقق نجاحًا كبيرًا، وبعضها الآخر لم يكن كذلك". ومع ذلك، أكد على رغبته في تجربة شيء آخر.

"كانت لديّ رغبة عارمة وصوت يقول: 'ماذا لو كان هناك المزيد وماذا لو استطعت؟' أحيانًا يصعب علينا معرفة ما نحن قادرون عليه عندما نُصنّف في شيء ما."

يدرك ممثل فيلم "بلاك آدم" الانتقادات الموجهة إليه بسبب نمطيته، حيث تشترك العديد من الشخصيات التي لعبها في العديد من أوجه التشابه. من الصعب معرفة قدراتك، وأحيانًا يتطلب الأمر أشخاصًا تعرفهم وتحبهم، مثل إميلي وبيني، ليؤكدوا لك قدرتك. قبل بضع سنوات، نظرتُ حولي وبدأتُ أفكر: هل أعيش حلمي أم أعيش أحلام الآخرين؟ عندما تصل إلى هذا الإدراك، أعتقد أنه يمكنك إما الانصياع أو قول: أريد أن أعيش أحلامي الآن وأفعل ما أريد.. كنتُ أخشى التعمق والجرأة حتى أتيحت لي هذه الفرصة.

تعاون دواين جونسون مع A24 في فيلم السيرة الذاتية القادم الذي يتناول حياة مارك كير. يروي فيلم "آلة التحطيم" قصة المصارع الهاوي السابق ومقاتل فنون القتال المختلطة، الذي أصبح بطل بطولة UFC للوزن الثقيل مرتين، لكنه واجه صعوبات شخصية في ذروة مسيرته.

يُخرج بيني سافدي أول فيلم منفرد له بعد عمله في مشاريع مستقلة مختلفة مع شقيقه الأكبر جوش سافدي، بما في ذلك فيلمي "أحجار كريمة غير مقطوعة" و"وقت ممتع".

يشارك في بطولة فيلم "آلة التحطيم" أيضًا إميلي بلانت في دور شريكة مارك كير، داون ستابلز، وريان بادر، وباس روتن، وأولكسندر أوسيك، وسيُعرض الفيلم على نطاق واسع في 3 أكتوبر.

 

####

 

في المؤتمر الصحفي بـ فينيسيا لـ «وصية آن لي» ..

مخرجة الفيلم توضح سر اختيارها أماندا سيفريد

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

واجهت أماندا سيفريد مهمةً شاقةً بتجسيد شخصية آن لي، مؤسسة فرقة "الشاكرز"، ومعتقداتها الدينية الصارمة في فيلمها الجديد "وصية آن لي ـ The Testament of Ann Lee"، وهو ليس فيلمًا موسيقيًا ولا سيرة ذاتية مباشرة.

وقد أجابت كاتبة الفيلم والمخرجة المشاركة، مونا فاستفولد، على سؤالٍ بديهي خلال المؤتمر الصحفي لمهرجان فينيسيا السينمائي اليوم: لماذا أماندا؟.

أوضحت فاستفولد عن نجمتها الحائزة على جائزة إيمي والمُرشحة لجائزة الأوسكار: "تتمتع أماندا بقوة هائلة. إنها قوية حقًا. إنها أم رائعة. إنها مجنونة بعض الشيء".

وأضافت: "لذا، كنت أعلم أنها تستطيع الوصول إلى تلك الصفات، اللطف والرقة والحنان. ويمكنها أيضًا الوصول إلى هذه القوة وهذا الجنون".

في الفيلم، الذي وُصف بأنه "إعادة سرد تخيلية"، تؤدي سيفريد دور مؤسسة طائفة "الشاكرز" الدينية المتطرفة.

هذه الجماعة الشبيهة بالطائفة، والتي تشكلت كفرع من طائفة الكويكرز في مانشستر بإنجلترا عام 1747، اشتق اسمها من ممارسات العبادة التي شملت الارتعاش والرقص والتحدث بألسنة.

تبنت لي المساواة بين الجنسين والمساواة الاجتماعية معتقدةً أنها التجسيد الأنثوي للمسيح، ومارس أعضاء الجماعة العزوبة والعيش الجماعي.

انتهى الأمر بالشاكرز بالفرار إلى أمريكا هربًا من الاضطهاد، واستقروا في نهاية المطاف بالقرب من ألباني، نيويورك، لبناء مدينتهم الفاضلة.

بدون أي مراجع، ومع وجود مخرج داعم، قالت سيفريد إنها شعرت بالرغبة في الانطلاق بحرية تامة.

وقالت الممثلة في المؤتمر الصحفي: "شعرت أنها فرصة لا قيود عليها. ببساطة، أتبع مونا إلى النور، وكل شيء مباح، لأن هناك حرية واسعة، والتهديد الوحيد هو عدم استغلال هذه الحرية لصالحي كفنانة، لأذهب إلى أبعد مدى ممكن لأقدم أروع الأصوات. لم أُطلق العنان لنفسي هكذا من قبل".

مع ذلك، اعترفت سيفريد بأنها قالت لفاستفولد: "لست مضطرة لاختياري".

وأضافت سيفريد، التي سبق لها أداء أدوار صعبة مثل دور كوزيت في "البؤساء" وإليزابيث هولمز في "الانقطاع": "كنت أقول دائمًا: 'اختاروا شخصًا إنجليزيًا'، لأن اللهجة بدت صعبة للغاية. لم يكن هذا أصعب ما في الأمر. لكنني شعرتُ بالحب الذي تكنّه مونا. كان هذا طفلها، ولم أُرِد أن أُفسد الأمر. لكنها آمنت بي، فآمنتُ بنفسي، وها نحن ذا".

سأل صحفي آخر سيفريد كيف نجحت في أداء دور "مُكثّف وصعب جسديًا" يتطلب طاقة صوتية هائلة وأصواتًا فريدة.

قالت سيفريد قبل أن تُشيد بفاست فولد والمجتمع الذي كونته في موقع التصوير، والذي لم يكن مختلفًا عن تجربة فرقة "الشاكرز": "هناك الكثير مما يُمكنني قوله". السبب الذي مكّنني من مواجهة هذه التحديات كفنانة، والتي كانت كثيرة كما ذكرتِ، هو شعوري بالحماية التامة، والدعم، والإحاطة بفنانين محبين، وفي مكانٍ يعرف فيه الجميع قيمة هذا العمل، ويفهمون رؤية مخرجته إنه أمرٌ نادرٌ جدًا. لا بد لي من القول إنه كان نادرًا للغاية، وقد لا يتكرر أبدًا.

ضمت لجنة المؤتمر الصحفي كلاً من فاستفولد، وكوربيت، وسيفريد، وبلومبرغ، والمنتج أندرو موريسون، ومصمم الرقصات رولسون-هول.

وفي بيانها كمديرةٍ للمهرجان، أكدت فاستفولد أنها نشأت في أسرةٍ علمانية، إلا أن نبوءات لي، "مهما كانت غير معقولة"، قد أثّرت فيها بشدة. ليس لأنني أشاركها إيمانها، بل لأنني أُدرك فيها توقًا للعدالة والسمو والرحمة الجماعية. إن سعيها الدؤوب نحو يوتوبيا من صنعها يُجسّد الدافع الإبداعي الكامن في صميم كل جهد فني: الحاجة المُلحة لإعادة صياغة العالم.

وقالت فاستفولد في ختام المؤتمر الصحفي إن فيلمها يُقدّم تكريمًا لحلم لها.

يُعرض فيلم "وصية آن لي" لأول مرة عالميًا بعد ظهر اليوم الاثنين في قاعة غراندي بمهرجان فينيسيا السينمائي الـ 82.

 

####

 

«فينيسيا السينمائي 82»

يمنح كيم نوفاك جائزة الأسد الذهبي للإنجاز مدى الحياة

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

في القاعة الكبرى بقصر السينما، في ليدو بمهرجان فينيسيا السينمائي 82، مُنحت جائزة الأسد الذهبي للإنجاز مدى الحياة بعد ظهر اليوم الإثنين إلى الممثلة الأسطورية الأميركية كيم نوفاك.

وُلدت في شيكاغو يوم 13 فبراير 1933، وتُعتبر من أشهر ممثلات السينما في هوليوود من منتصف الخمسينيات إلى أواخر الستينيات.

أُسندت مهمة إلقاء كلمة التكريم إلى المخرج غييرمو ديل تورو، برفقة رئيس والمدير الفني لبينالي فينيسيا، بيترانجيلو بوتافوكو، و ألبرتو باربيرا.

تأخذ النجمة البالغة من العمر 92 عامًا المشاهدين في رحلة عاطفية من حياتها المضطربة، وتشاركهم أسرار الفيلم الوثائقي "فيرتيجو" الذي يعرض لأول مرة في المهرجان.

عبرت النجمة عن سعادتها الكبيرة بهذا التكريم قائلة: "أنا متأثرة جدًا بالحصول على الجائزة المرموقة، الأسد الذهبي، من مهرجان يحظى باحترام عالمي. أن يتم الاعتراف بمسيرتي كاملة في هذه المرحلة من حياتي، هو حلم تحقق. سأحتفظ في ذاكرتي بكل لحظة عشتها في فينيسيا، وسيملأ ذلك قلبي بالفرح".

أكد المدير الفني للمهرجان ألبرتو باربيرا، أن منح نوفاك الأسد الذهبي هو احتفاء بـ"نجمة حرة، متمردة "، قررت في النهاية أن تعتزل عالم السينما وتعيش في مزرعة بولاية أوريجون، حيث كرست وقتها للرسم ورعاية الخيول.

 

####

 

مراجعة فيلم | الوثائقي «فيرتيغو» لـ كيم نوفاك

عُرض لأول مرة ضمن فعاليات فينيسيا الـ 82

فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»

الوثائقي ”فيرتيغو“ لـ كيم نوفاك الذي عُرض لأول مرة في الدورة 82 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، والذي واكب حصول الممثلة البالغة من العمر 92 عامًا على جائزة الأسد الذهبي عن مجمل أعمالها، هو رحلة عاطفية، شاركت خلالها الجمهور أسرار أعظم فيلم في كل العصور، وباحت فيه كذلك عن منعطفات من حياتها المضطربة.

وُلدت كيم نوفاك من حمل غير مرغوب فيه. حاولت والدتها إجهاضها بإبر الحياكة، ثم حاولت خنقها بعد ولادتها، ونتيجةً لذلك، عانت من مشاكل تنفسية طوال حياتها.

تشعر الممثلة المتقاعدة، التي تجاوزت التسعين من عمرها الآن، بأنها على وشك الموت، وتخشى أن تلهث بشدة في أيامها الأخيرة.

يروي صوت نوفاك المرتجف هذه الأحداث، مُثيرًا على الفور مشاعر التعاطف لدى الجمهور. لا بد أن هذه السيدة العجوز الضعيفة تستحق شفقتنا.

ثم يتغير نبرة الفيلم الوثائقي تمامًا. فجأة نرى امرأة نابضة بالحياة، فصيحة، وجميلة جدًا بالفعل. المكياج الثقيل جنبًا إلى جنب مع الإضاءة الدقيقة وتصحيح الألوان يجعل كيم تبدو في نصف عمرها حرفيًا.

ثم تقضي حوالي 30 دقيقة تتحدث عن الأفلام التي شكلت حياتها، وعلاقتها الصعبة مع هوليوود (التي ”ابتلعت الممثلين بالكامل“، كما زعمت)، وإعجابها الكبير بغريتا غاربو، وشغفها بالرسم (مهنتها الوحيدة منذ أن توقفت عن التمثيل قبل عدة عقود).

كما تكشف أنها غادرت شيكاغو وهي ”مارلين“ (اسمها الحقيقي) مجهول تمامًا، وأن والدها لم يوافق على مسيرتها التمثيلية، وأنها لم تعتبر نفسها أبدًا ممثلة.

يتألف النصف الثاني من هذا الفيلم الموجز، الذي تبلغ مدته 77 دقيقة، في معظمه من ذكريات نوفاك عن فيلم " فيرتيغو" لهيتشكوك (1958)، الذي اختارته مجلة "سايت آند ساوند" كأعظم فيلم على الإطلاق عام 2012 (وهي جائزة لا يفخر بها هذا الفيلم الوثائقي).

تتذكر نوفاك تحذيرها من أن السيناريو "سيئ للغاية"، وأنها لم تشاهد فيلمًا لهيتشكوك من قبل.

كما تعترف بأن المخرج البريطاني كان "شخصًا صعب المراس"، قبل أن تعترف بأنها ربما كانت كذلك أيضًا.

بعد ذلك، تشارك نوفاك سيناريو الفيلم الأصلي مع المشاهدين، والذي نجا من ثلاثة حرائق منازل مدمرة.

تناقش المشاكل المتعلقة بالهوية التي واجهتها بعد تجسيدها لشخصيتي جودي ومادلين في فيلم هيتشكوك الذي شكل نقطة تحول في مسيرتها.

ويبدو أن نوفاك أيضًا عليها أن تعيش حياة متعددة. فهي تكشف أنها مصابة باضطراب ثنائي القطب، وهو أمر لم تكن على علم به في ذلك الوقت.

هناك أوجه تشابه واضحة مع مأزق نجم فيلم (سايكو، لهيتشكوك، 1960) أنتوني هوبكنز، الذي عانى أيضًا من مشاكل في الهوية بسبب شخصيته التي لا تُنسى نورمان بيتس، وتم تشخيصه لاحقًا بمتلازمة أسبرجر.

تروي نوفاك الفيلم بأكمله تقريبًا. فقط في حالات نادرة جدًا نسمع الحوارات من مقاطع الفيلم، وتدخلًا قصيرًا من المخرج.

حرص المصوران السينمائيان روبرت موراتوري وجيف بوينتر على تصوير نوفاك من زوايا جذابة للغاية، وأن يكون محيطها مليئًا بالشاعرية والجمال.

تأتي اللحظة الأبرز في نهاية الفيلم، عندما يُقدّم المخرج نوفاك الفستان الذي ارتدته في فيلم "فيرتيغو".

تذرف نوفاك الدموع وترتجف وهي تمسك بالفستان. تُعبّر عن امتنانها للفيلم الوثائقي، وتشعر بالسعادة لتقديرها في هذه المرحلة المتأخرة من حياتها.

 

####

 

مراجعة فيلم | «آلة التحطيم» لـ بيني سافدي

سيرة ذاتية لمقاتلٍ شرس يُبدع فيها دواين جونسون

فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»

فيلم ”آلة التحطيم ـ The Smashing Machine “ الجديد من إخراج بيني سافدي، والذي عُرض اليوم لأول مرة في مسابقة فينيسيا السينمائي 82، هو إضافة أخرى إلى الأفلام التي تتناول رياضات القتال.

قد يكون هناك بعض العيوب الجادة في السيناريو عندما يتعلق الأمر بتوصيف الشخصيات. ومع ذلك، فهو قصة مؤثرة ومنعشة حول التغلب على الشياطين الشخصية، مع أداء دواين جونسون الأفضل خلال مسيرته المهنية في دور البطولة.

يلعب جونسون دور مارك كير، بطل UFC الحقيقي. يركز الفيلم بشكل خاص على مسيرته المهنية من عام 1997 إلى عام 2000، وهي الفترة التي عانى فيها من إدمان مسكنات الألم.

لا يقتصر الأمر على معاناته من إدمان المواد الأفيونية، بل يجد نفسه في جدال دائم ويمر بمشاكل في علاقته مع حبيبته القديمة، داون (إميلي بلانت). يتتبع الفيلم كير وهو يحاول التغلب على هذه المشتتات والصعود إلى قمة عالم القتال الاحترافي.

في الحياة الواقعية، لطالما حرص جونسون على إرضاء جميع الحضور، ساعيًا لكسب ودهم ونيل إعجابهم قدر الإمكان. وبهذا المعنى، يتشابه جونسون وكير.

وكما هو مُصوَّر في الفيلم، فإن كير ودودٌ أيضًا، فلا يسمح لأحدٍ من الجمهور بتصويره وهو يمرّ بلحظةٍ سيئة.

حتى في روايته الافتتاحية، التي تُضاف إلى مشهدٍ له وهو يضرب خصمه حتى يُسفك دمه، يُشدد كير على عدم وجود أي عداوة تجاه من يُقاتلهم، حتى لو غلبته غريزة حيوانية وبدائيةٌ في الحلبة.

يصور جونسون كير بلطف ظاهري مناسب، وهو ما يثبت صحته فقط من خلال لقطات كير الحقيقي التي تختتم الفيلم.

هذه البهجة تجعل المشاهد التي يكون فيها كير تحت تأثير مُسكنات الألم المُنومة أكثر إثارةً للصدمة.

لا يبالغ جونسون في تصويره النمطي لإدمان المخدرات؛ إنه ببساطة ليس على طبيعته، وكأن حجابًا قد غطاه. تتلاشى الحياة من عينيه، وتتغير طاقته بطريقة مقلقة. يساعد أداء جونسون أيضًا العمل البارع والمقنع للخبير الأسطوري في المكياج الحائز على جائزة الأوسكار كازو هيرو.

أفضل لحظات الفيلم هي عندما يكون كير في المستشفى بعد تعاطي جرعة زائدة. يزوره صديقه المقرب، زميله المقاتل مارك كولمان (رايان بادر)، ويحاول طمأنته وتبديد مخاوفه.

لكن عندما يتدخل كولمان ويتوسل إليه ببساطة أن يتوقف عن تعاطي المخدرات، ينهار كير.

هناك بعض اللحظات التي يبكي فيها كير طوال الفيلم، ويتخذ جونسون قرارًا حكيمًا بإخفاء وجهه - وهو رد فعل طبيعي لرجل يحاول بوضوح تجاهل مخاوف الآخرين باستمرار.

إنه مشهد مؤثر للغاية، ويزداد تأثيره بفضل أداء جونسون المؤثر والقوي.

تبذل بلانت قصارى جهدها لتجسيد شخصية كُتبت دون رحمة أو شفقة. من وجهة نظر السيناريو، داون هي ببساطة شخصية إشكالية.

تتألف معظم مشاهد بلانت من مشاجرات بينها وبين جونسون، وغالبًا ما تتكرر نفس المشاجرة مرارًا وتكرارًا.

قد يكون هذا واقعيًا، ويمكن أن تكون العلاقات المضطربة الفعلية متكررة في صراعاتها، لكن هذا لا يجعل القصة مثيرة للاهتمام.

هذه الديناميكية تصبح أكثر تعقيدًا عند مشاهدتها بسبب الطريقة التي يتم بها تصوير كير بشكل متملق ومحبوب مقارنة بإعصار السخرية اللاذعة الذي تمثله داون.

تقدم بلانت أداءً جيدًا بقدر ما يمكن أن نأمل، بالنظر إلى ظروف شخصيتها. لهجتها الأمريكية محددة وممتازة، وتتمكن بشكل عجيب من إيجاد تنوع في شكاوى داون الرتيبة. إنه أداء نبيل من الممثلة المرموقة، التي تلعب دورًا يمكن أن يفسد الفيلم بالكامل بسهولة لو كان في أيدٍ أقل كفاءة.

العلاقة الأكثر تأثيرًا في الفيلم هي في الواقع صداقة الثنائي كير وكولمان. المشهد المذكور أعلاه في المستشفى مؤثر للغاية ليس فقط بفضل عمل جونسون، ولكن أيضًا بفضل أداء بادر الواقعي.

بادر هو مقاتل MMA حقيقي في الحياة الواقعية، وهذا هو أول ظهور له في التمثيل، مما يجعل طاقته طبيعية على الشاشة، خاصةً عندما يكون بجانب أحد أكبر نجوم السينما الأحياء، أكثر إثارة للإعجاب.

هذا أول ظهور تمثيلي لبادير، وهو مقاتل فنون قتالية مختلطة حقيقي، مما يزيد من روعة شخصيته على الشاشة، خاصةً عند وقوفه إلى جانب أحد أكبر نجوم السينما على قيد الحياة. الثنائي مارك وكولمان على مقربة دائمة من بعضهما البعض، ويتم تصوير صداقتهما بطريقة واقعية للغاية ومليئة بالحب.

على الرغم من أن هذا هو أول فيلم لبيني بدون شقيقه جوش، إلا أن الطاقة التي تميز أفلام سافدي لم تختفِ.

قد لا يكون الفيلم مثيرًا مثل”Uncut Gems“ على سبيل المثال، لكن مشاهد القتال تم تحريرها بشكل رائع، مع مؤثرات صوتية قوية وكاميرا تسبب الإحساس بالاختناق لتعزيز الطبيعة المؤلمة للمشاجرات.

وخارج الحلبة، يظل الفيلم سريع الوتيرة، حتى عندما يحدث نزاع لفظي بين مارك ودون.

فيلم "آلة التحطيم" هو تصوير مغري للغاية لمقاتل يظهر شرس في الحلبة ولكنه لطيف خارجها. حتى أنه يظهر وهو يقوم بأقصى درجات الإيثار العفوي: وضع عربة التسوق في مكانها بعد تحميلها في شاحنته.

جونسون، الذي يقدم أفضل أداء في مسيرته، إلى جانب الأداء الممتاز من بلانت وبادر، يجعلون السيناريو غير المتسق ليس فقط قابلاً للمشاهدة، بل وممتعاً ومؤثراً للغاية.

 

موقع "سينماتوغراف" في

01.09.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004