ملفات خاصة

 
 
 

«هجرة»:

نحو فيلمٍ شعريٍّ سعوديّ

مها سلطان

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

مثل ملاحٍ عارفٍ بالمياه التي يُبحر فيها، تمضي شهد أمين في رحلةٍ حافلةٍ تشقُ فيها طريقًا مضيئًا نحو سينما حقيقية وأصيلة. لا تكفُّ عن البحث والاكتشاف، مبتكرةً أسلوبًا سرديا خاصًا يميز أعمالها، ويعكس رؤية متفردةً قادتها إلى أعرق المهرجانات السينمائية العالمية.

لم تكن تُخرج أفلامًا بدافع الشغف فقط، بل أرادت أن تكون أفلامها حاملةً لصوتها، صوتٍ أصيلٍ ينطلق من رؤية عربية سعودية عريقة. أدركت شهد أن الثقافة المحلية هي رأسُ مالٍ كبير، وأن الاستثمار فيه هو المسلكُ الأوضح والأكثر إشراقًا نحو نجاحِ الأعمال السينمائية السعودية، تلك السينما التي تشق طريقها بخطى شجاعة، ودون مرجعياتٍ سينمائيةٍ كبرى قبلها.

بدأت شهد مسيرتها من لندن حيث صقلت رؤية فنية خاصة سرعان ما انعكست في أفلامها اللاحقة. فمنذ أعمالها القصيرة، التي شاركت بعدد منها في مهرجانات خليجية وعالمية مثل فيلم «حورية وعين»، وصولا إلى أفلامها الروائية الطويلة، أظهرت شهد قدرةً متميزةً على تحويل ما راكمتهُ من تجارب حياتية وفنية إلى لغةٍ بصريةٍ آسرة لا تخلو من بعد أسطوري وشعري. وقد استطاعت أن تجذب الأنظار منذ فيلمها الطويل الأول «سيدة البحر»، الذي عُرض لأول مرة على شاشات السينما الكبيرة في مهرجان البندقيّة 2019، حيث حصد جائزة «نادي فيرونا»، لتتوالى بعدها الجوائز العالمية، ويتوج لاحقا بترشيحه لتمثيل السعودية في الأوسكار.

في فيلم «سيدة البحر» استعانت شهد بالاستعارات التي استلهمتها من بيئة محلية سخية، لتجعل منها معينًا رمزيا وظّفته ببراعة في سردها العجائبي. ورغم أنها أعادتنا إلى حقبة سابقة للإسلام، حيث كانت الإناث يتعرضن للوأد دون غيرهن، فإن فيلمها بدا في رمزيته صالحًا لكل الأوقات والأزمان.

لم تكن الاستعارات بالنسبة لها عناصرَ سردية فحسب، بل كانت طريقة تنسج من خلالها شعرًا أساسه الصوتُ والصورةُ والبعدُ الأسطوري الذي رفع القصة إلى مستوى عالمي في الطرح. فانسابت الإسقاطات البليغة من أفلامها لتفتح بابًا للتأويل وتعزز من كثافة المعنى. فلم تعد القصص التي ترويها شهد قصصًا محليةً بل استحالت إلى مرآة يقرأ فيها العالم هواجسه ومخاوفه، وتعكسُ أسئلةَ الوجود الكبرى حول الحرية والمجتمع والمصير والتمرد. وقد تمحور السرد في أعمالها حول بطلاتٍ يُقدّمن صورةً غير معتادة عن الأنوثة في قوتها وتمكينها وقدرتها على صنع مصيرها بنفسها.

وهو ما نلمسه في فيلمها الجديد «هجرة»، حيث تعرض قصة ثلاث أجيال من النساء، كل واحدة منهن تخوض رحلتها الخاصة، أثناء ذهابهنّ في رحلة حج واحدة. خلال هذه الرحلة تتكشف لهن خبايا من الماضي وتتبدد حجب المستقبل عن ناظرهن. لقد كان «هجرة» واحدا من أفلام شهد الفائقة التي لا تصل إلى المحافل العالمية إلا عن جدارة واستحقاق، إذ حظي عملها بعرض عالمي أول في مهرجان البندقية السينمائي 2025، ورشح في قسم «سبوتلايت» من بين عدد من الأفلام اللافتة التي ميزت هذه الدورة.

في هذا اللقاء الشيق تغُوصُ شهد أمين في رحلتها السينمائية بوصفها واحدة من أبرز المخرجات السّعوديات، مسترجعة بداياتها الأولى المكللة بالنجاح في مجال السينما، منتقلة إلى ما واجهته من تحدّياتٍ وانتصاراتٍ في فيلمها «سيدةُ البحر» الذي حظي بإشادة نقديّة واسعة. وهو فيلم تميز بأسلوبه البصريّ الأحاديّ اللون وسرده الشِّعريّ، ونال اعترافًا عالميًّا. كما تتناول شهد فيلمها «هجرة»، المشارك في الدورة الثانية والثمانين من مهرجان البندقيّة وما حمله من رؤى وموضوعات.

تستكشف أعمال شهد موضوعات متنوعة مثل التقاليد والهوية والرحلة الوجودية التي يخوضها المرء. وقد ساهمت أعمالها في نقل السينما السعودية من الفضاء المحلي إلى الساحة السينمائية العالمية، لتَدخُلها من بوابة أعرق مهرجان، فمهّدت بذلك الطريقَ لغيرها من صانعات الأفلام في المملكة، فصارت منارة ومرجعا لكل من ستأتي بعدها. ومع استمرار نمو صناعة السينما السعودية، تأخذنا شهد في رحلة نرى فيها عن كثب الفرصَ والتحديات الراهنة، مقدّمةً إرشادات لصنّاع السينما المبتدئين، ومبرزة الدور المتنامي للدعم المؤسسي، مثل صندوق البحر الأحمر وفيلم العُلا، الساعي إلى تمكين جيل قادم من المواهب السعودية والعربية، يَعِدُ بمستقبلٍ مشرقٍ ومشرّف للسينما السعودية.

مها: تبدأ رحلة صانع الفيلم، في الغالب، قبل وصول أعماله إلى الشاشة الكبيرة بوقت طويل. فقبل عودة دُور السينما إلى المملكة العربية السعودية، بدأت مسيرتك على ساحة مختلفة، جاء من ضمنها مهرجان دبي السينمائي الدولي. كيف ساهمت تلك التجارب التأسيسية في بلورة رؤيتك الفنية، وتعزيز صلابتك كمخرجة أفلام سعودية؟

شهد: بصفتي صانعةَ أفلامٍ سعودية، كنتُ أُدرك تمام الإرداك انتمائي إلى بلدٍ لا يزال فنّ السينما فيه في مراحله الأولى. لكن هذا الإدراك لم يُثبّط عزيمتي، وإنما زادني إصرارًا. ففي حين طمحَ آخرون للعمل في هوليوود أو في السّينما الغربيّة، كانت طموحاتي متجذّرة في مكان آخر. لقد حلمتُ بصناعة أفلام عربية، أفلامٍ تنقل بصدقٍ تجربتي كمخرجة أفلام عربية، وتُجسّد غنى ثقافتي المحلية.

غياب دُورِ السينما في السعودية آنذاك لم يُثنِني عن صناعة الأفلام. بل على العكس تماما، فقد شكّل ذلك تحديًا عميقًا ودافعًا حقيقيا لخوض هذه الرحلة، وصارَ باعثا على الحماس. تلك الجهود المبكرة والمساعي الأولى، في دروب لم تطرق من قبل، هي التي مهدت الطريق وأسست لهذا المشهد السينمائي المشرق الذي نشهده اليوم: أفلامٌ سعوديةٌ أصيلة، تعرضُ في دور سينما سعودية، وتصل إلى الجمهور السعودي.

في تلك السنوات التأسيسية، أصبحت مهرجانات الأفلام في المنطقة أشبه بفضاء حيوي صُقلت فيه مواهبَنا. وشكّلت مجتمعًا متماسكًا من صانعي الأفلام، جمعهم حلمٌ مشتركٌ واحد: تحدّي الصور النمطية والاختزالية للعرب في الإعلام الدولي، والتعبير بصريًا عن تجاربنا في هذا العالم، كعرب يتمتعون بثراءٍ ثقافي كبير وقصص أصيلة.

اليوم، لم يعد ذلك الحلم طموحًا بعيد المنال. بل صار واقعا مشرقًا نراه يتحقق على مرأى من أنظارنا، ونشارك جميعنا في صنعه، حيث نسرد قصصنا ونُشاركها مع العالم أجمع، لتصل أصداؤها إلى ما يتجاوز الحدود الإقليمية.

مها: إنّ رحلة صناعة فيلمٍ يَحظى بصدى عالمي غالبًا ما تصحبُها مجموعةٌ من التحديات الخاصة. فيلمك «سيدةُ البحر» هو استكشافٌ شعريٌّ للتقاليد، قد حاز على تقدير دولي كبير. ما هي أبرز التحديات التي واجهتها لإحياء هذه القصة، وكيف تُقيّمين أثرها على الجماهير حول العالم؟

شهد: الفيلم الروائي الأول لصانع الفيلم يظل دائما فيلمًا مميزًا في مسيرة مخرجه، يتقلَّد مكانة خاصة لا يماثله فيها فيلم آخر. فهو العمل الذي تُقرّر فيه مشاركة جزءٍ من ذاتك مع العالم للمرة الأولى. وهذا ما جعل من كتابة «سيدة البحر» تحديًا عاطفيًا كبيرا، فيما شكَّل تمويلُه التحديَّ الأكبر. أما إخراجه فقد كان تجربةً مفعمةً بفرحٍ خالصٍ. فمشاهدةُ هذا الفيلم، الذي بذلنا فيه أنا وفريقي قصارى جهدنا، وهو يجد طريقه إلى الجمهور ويحقق النجاح، كان بمثابةِ حلمٍ جميلٍ قد تحقق.

لقد تحدَّثت كثيرًا عن الصعوبات العمليَّة للتصوير بالقرب من الماء، ولا سيما في منطقةٍ نائية كتلك التي صورنا فيها في سلطنة عمان. ومع ذلك، فإن هذا النوع من التحديات يشكل حافزا لصانع الفيلم ويطلق شرارة الإبداع لديه. قد تكون التحديات اللوجستية مرهقة، لكنها في الوقت نفسه هي ما يجعل هذه العملية مثيرة للحماس بالنسبة لي. بصفتي امرأة تعمل في مجال الفنون، أدرك أن النجاح في فيلم واحد لا يمثل ضمانًا للنجاح في الفيلم الذي يليه. فالتحدّي يكمن في السعي الدائم وراء أفكار جديدة، والتزام الصدق في القصص التي أختار سردها، وأخيرًا، التحلي بالأمل والطموح لتحقيق الأفضل.

مها: مع كل مشروعٍ جديدٍ، تُتاح لصانعاتِ الأفلام فرصةُ توسيع آفاقهنّ الإبداعية. وقد أثار مشروعك «هجرة» قدرًا كبيرًا من الترقب منذ لحظة الإعلان عنه. فهل يمكنك أن تقدمي لنا لمحةً عن محاوره الأساسية، وما الذي قد يتوقعه المشاهدون؟ وكيف يُسهم هذا المشروع في توسيع أسلوبك السينمائي وفتح آفاق إبداعية جديدة؟

شهد: تدور أحداث فيلم «هجرة» في السعودية المعاصرة، ما يمثل خروجًا عن الواقعية السحرية التي طبعت كثيرًا من أعمالي السابقة. لقد اخترت في هذا الفيلم أن تدور أحداث القصة خلال موسم الحج، وهو زمن يحمل أهمية روحية بالغة. وبصفتي من جدة، بوابة مكة، فقد كنت شاهدة على رحلة الحج السنوية وكيف ساهمت في تشكيل مجتمعنا. على مدى قرون، توافد الحجاج من شتى بقاع الأرض وحطوا الرحال في مدينتَيْ مكة والمدينة، ليختار عدد كبير منهم، بعد ذلك، الاستقرارَ في مدنٍ مثل جدة والمدينة ومكة والطائف. لقد حوّلت هذه الهجراتُ المدنَ إلى مراكزَ نابضةٍ بالحياة، متعددةِ الأعراق والثقافات، وهو الثراءُ الذي أسعى إلى نقله إلى الشاشة الدولية من خلال فيلم «هجرة».

يستكشف هذا الفيلم موضوع الهجرة إلى السعودية، مسلّطًا الضوء على جانبٍ أقل شهرة من تاريخ المملكة: دورها الممتد كمأوى للمسلمين الساعين لممارسة شعائرهم الدينية بحرية. في جوهره، يعد «هجرة» قصةً شخصيةً عميقةً تتناول رحلةَ فتاة صغيرة تواجه صراعات بين الأجيال. ومن خلال رحلتها لإيجاد صوتها الخاص، تسكتشفُ إرث النساء في أسرتها، مواجهةً التوترات والعلاقات المتشابكة بينهن.

يمتد النطاق البصري والعاطفي لفيلم «هجرة» إلى ما هو أبعد من شخصياته. إنها رحلة سينمائية تُعرّف الجمهور على جانبٍ من السعودية نادرًا ما يُصوَّر في السينما العالمية. ننتقل عبر الجغرافيا المتنوعة والتاريخ العريق للمملكة، من مناظر الطائف الخضراء إلى بقاع مكة المقدسة، مرورًا بالصحراء الشاسعة، وصولًا في النهاية إلى القمم الثلجية لجبال تبوك. وبقدر ما تتعلق هذه الرحلة الملحمية بعملية اكتشاف الذات، فإنها ترتبط أيضًا بالكشف عن إرثٍ ثقافي وتاريخي غني متعدد الطبقات. من خلال هذه القصة، آمل أن أقدّم صورة جديدة ومعمّقة عن السعودية، صورة تدعو العالم إلى رؤيتها من منظور مختلف.

مها: خلف كل فيلم يكمن مسارٌ فريدٌ يبعث الحياة في القصة. ويحمل كل عمل بين طياته رحلتَه الخاصة، من الفكرة إلى التنفيذ. ما الذي يمكنكِ الكشف عنه بشأن العملية الإبداعية واللوجستية خلف فيلم «هجرة»، ولا سيما التعقيدات والمكاسب المرتبطة بالتصوير في المواقع التي صورت فيها الأحداث؟

شهد: بالنسبة لي، فإن من أكثر الجوانب إثارة في صناعة الأفلام هو فرصةُ التصوير في مواقعَ لم تُكتشف بعد. ومع فيلم «هجرة» أصبح هذا الشغف جزءًا أساسيًا من العملية. استغرق مني ومن المنتج عامين لإنهاء السيناريو، وهي رحلةٌ تضمنت بحثًا واسعًا عن مواقع التصوير في أنحاء المملكة. وخلال ذلك الوقت أصبحَت القصة ومواقعُ تصويرها كلًّا واحدًا غير قابلٍ للفصل، إذ صار كلٌّ منهما يشكّل الآخر.

كانت العملية مرهقة بقدر ما كانت مثيرة. سافرنا إلى مناظر طبيعية نائية وآسرة، وعملنا على تقديم صياغة متفردة للسرد تعكس جوهر هذه الأماكن. وبحلول وقت بدء الإنتاج كان مشهدُ الممثلين والفريق وهم يجسدون القصة في المواقع ذاتها التي زرناها وتخيّلناها منذ وقتٍ طويل أشبهَ بالسحر. لقد كان ذلك تجسيدًا لأحلام امتدت لسنوات، وتذكيرًا قويًا لي بسبب وقوعي في حب صناعة الأفلام منذ البداية. بالطبع، فقدنا بعض المواقع على طول الطريق، وهي حقيقة لا تزال مؤلمة لنا. لكن في صناعة الأفلام، كما في الحياة، تكسب أحيانًا وتخسر أحيانًا أخرى.

مها: في ظل النمو الذي تشهده صناعة السينما في السعودية، يتوجه الانتباه إلى الأصوات التي تسعى إلى صياغة وبناء سردها الخاص. وبصفتكِ واحدة من أبرز المخرجات في المملكة، ما الذي تعتبرينه أعظم تحدٍّ تواجه صانعات الأفلام اليوم؟ وهل ترين أن هذه العقبات تتلاشى تدريجيًا مع تطور الصناعة؟

شهد: صناعةُ الأفلام ليست سهلةً أبدًا، بغض النظر عن جنس صانع الفيلم، فهي فنٌ يتطلب التزامًا هائلًا، ونتائجُه ليست مضمونة أبدًا. ومع ذلك، تشهد الساحة السعودية اليوم ظاهرة ملهمة، إذ يفوق عدد المخرجات اللواتي حققن إنجازات في هذا المجال نُظراءهن من الرجال. غير أن كونكِ مخرجةً يأتي مع مجموعة معينة من التحديات. فهناك لحظات قد يُشكَّكُ فيها في قدرتك على قيادة العملية الإخراجية لمجرد كونك امرأة. لذلك فإن تجاوزَ مثل هذه المواقف أمرٌ أساسي، كما أن إحاطةَ نفسكِ بالممثلين وأفراد الفريق المناسبين - أولئك الذين يؤمنون برؤيتك - يعدُّ أمرًا حاسمًا وخطوةً جوهرية للنجاح.

واليوم، يبدو المشهد أمام صانعي الأفلام في المملكة واعدًا وزاخرًا بالفرص. إنه بحق وقتٌ غير مسبوق لتشُقّي فيه الطريق نحو رواية قصتك برؤيتك الخاصة.

مها: غالبًا ما تلعب المبادرات المؤسسية دورًا حيويًا في نجاح صانعي الأفلام. فقد أصبحت مؤسسات مثل "صناديق الدعم" و"فيلْم العُلا" تلعب دورًا محوريًا في رعاية المواهب المحلية. كيف انعكس هذا الدعم على رحلتكِ الخاصة، وما الدور الذي ترينه أساسيًا لهذه الجهات في تمكين الجيل الجديد من صانعي الأفلام السعوديين؟

شهد: لقد حظي فيلم «هجرة» بتمويل كبير من عدة مؤسسات رئيسية، بما في ذلك برنامج "ضوء" التابع لهيئة الأفلام السعودية، ومهرجان البحر الأحمر السينمائي، و"فيلم العُلا"، و"نيوم"، و"إثراء". هذا الدعم الذي أحاطتنا به هذه المؤسسات لم يمكنّا فقط من مواجهة صعوبات صناعة الفيلم، وإنما منحنا الحرية لرواية قصص فريدة وأصيلة انطلاقا من رؤيتنا الخاصة، وهو ما يمثل تحولًا مهمًا لصانعي الأفلام السعوديين والعرب. فلم نعد نعتمد فقط على شركات الإنتاج الإعلامي، التي غالبًا ما تعطي الأولوية لنسب المشاهدة على حساب الجودة الفنية.

وأنا أثمن وأقدّر بشدة ما تقوم به هذه المؤسسات لصالح صانعي الأفلام المستقلين. فدعمها يتجاوز التمويل المالي بكثير، ليصبح سندًا معنويًا حقيقيًا يرافقنا طوال عملية صناعة الفيلم، ومساعدةً عمليةً ملموسةً تحدث فارقًا جوهريًا. وبصفتنا مخرجي أفلام، فنحن بحاجة إلى هذه المؤسسات بقدر حاجتها إلينا. وجنبا إلى جنب، نضع اللبنة الأساس ونغرس بذور النجاح لصناعة سينمائية ناشئة في السعودية تتخطى كل التوقعات.

*****

تُعد رحلة شهد أمين كمخرجة سينمائية شهادة على قوة الصمود والإبداع والارتباط العميق بالتراث الثقافي. انطلاقا من أعمالها المبكرة التي عُرضت في المهرجانات الدولية إلى غاية النجاح والاحتفاء النقدي الذي حظي به فيلم «سيدة البحر»، ومشاركة فيلمها الأخير «هجرة» في مهرجان البندقية السينمائي في قسم "سبوتلايت". مسيرتها المشرقة هي انعكاس لتطور السينما السعودية ونجاحها على الصعيد العالمي. وبأسلوبها السردي المميز، لم تدفع شهد حدود الإبداع فحسب، وإنما عزّزت من صوت صانع الفيلم السعودي في المحافل السينمائية العالمية.

بدعم من مبادرة سينماء، نُشرت هذه المقالة أيضًا في منصة ميم السينمائية.

 

موقع "سينماء" السعودي في

30.08.2025

 
 
 
 
 

فينيسيا السينمائي: مخلوق "فرانكنشتاين" ليس وحشا

سليم البيك

يقول الوحش يلوم خالقه بغضب إنه لا يستطيع الموت، وإنه كذلك لا يستطيع الحياة وحيداً. طالباً من الطبيب خلق رفيق له يمضي حياته الأبدية معه. في هذا السطر من الحوار يتبين أي الطرفين تصرف ويتصرف بوحشية.

منح الفيلم حق الرواية للوحش، لسرد نسخته من القصة، مما حصل، فكان ذلك مساحة لتغيير في المتكرّس حول تحديد الخيّر من الشرير. لتحضر رواية غير تلك الرسمية، المكتوبة، المألوفة، المسيطرة، التي للطبيب، فيحق للوحش الكلام فتُنفى عنه وحشيته وتُلقى على الطبيب.

عشرات الأفلام أُنجزت عن قصة فرانكنشتاين، الوحش الذي صنعه طبيب، مجنون بالعظَمة. في ذلك يتساءل أحدنا، ما الذي يمكن أن يضيفه فيلم جديد عن قصة مألوفة، ومتكررة، جداً، سينمائياً؟

التساؤل مشروع، لكن المتوقَّع كذلك هو استحداث فيلم جديد، بتقنيات جديدة، كل فترة، عن قصة بات نجاحها، الممتد على قرابة قرن سينمائياً، مضموناً. أضيف إلى ذلك أن يحق لكل مخرج استعادة القصة لسردها بأسلوبه، بصرياً تحديداً. هنا تتركز قيمة فيلم أمريكي للمكسيسي غييرمو ديل تورو، المعروف مسبقاً بعوالمه الخرافية و"بجنون" خيالي خاص في نقلها بصرياً سينمائياً.

لكن فيلم "فرانكنشتاين" (Frankenstein) المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي، لم يكتف بميزات بصرية لسرد قصة معروفة، بل أضاف إليها قيمة نزعت الوحشية عن المخلوق الذي صنعه الطبيب فيكتور فرانكنشتاين، وقلبت الأدوار ليكون الطبيبة وحشاً بغروره وجشعه وقسوته، ويكون الوحش، وهو بمعالم أكثر إنسانية مما تعودناه في أفلام هذه الخرافة، يكون بمشاعر وسلوك "إنساني" بمعنى الخيّر. يكون الإنسان الواقعي هنا هو الشرير، والوحش هو الطيّب، فقط لأن سلوك كل منهما يحكم عليه أخلاقياً، لا الطبيعة والتسمية.

يقدم الفيلم لهذا الطرح "الإنساني" للوحش، من خلال منحه حقه في الرواية، فينقسم الفيلم إلى فصلين: رواية الطبيب في خلق الوحش، ورواية الوحش منذ حاول الطبيب قتله حرقاً وتدمير قصر عليه. ثم تعرّف الوحش، بحاثاً عن خالقه/قاتله، إلى عائلة ريفية ودفاعه عنها مقابل الذئاب وإقامته علاقة صداقة معها، بعد علاقة أقرب إلى الحب، مع زوجة شقيق الطبيب. الوحشية هنا سمة إنسانية، سمة لإنسان هو الطبيب، والإنسانية بمعناها الشائع، هي سمة الوحش، بمعناه الشائع كذلك.

منح الفيلم حق الرواية للوحش، لسرد نسخته من القصة، مما حصل، فكان ذلك مساحة لتغيير في المتكرّس حول تحديد الخيّر من الشرير. لتحضر رواية غير تلك الرسمية، المكتوبة، المألوفة، المسيطرة، التي للطبيب، فيحق للوحش الكلام فتُنفى عنه وحشيته وتُلقى على الطبيب. فنسمعه يقول مستغرباً إن الذئاب تقتل الخراف لا لحاجة لها منها بل لما هي عليه، لكونها خراف. محيلاً إليه فيكون وحشاً مطارَداً، أسطورياً، لا لسبب سوى بما هو عليه، لكونه مخلوقاً خارج السيطرة وخارق القوة.

يقول الوحش يلوم خالقه بغضب إنه لا يستطيع الموت، وإنه كذلك لا يستطيع الحياة وحيداً. طالباً من الطبيب خلق رفيق له يمضي حياته الأبدية معه. في هذا السطر من الحوار يتبين أي الطرفين تصرف ويتصرف بوحشية.

الفيلم ممتع من دون أن يتخطى امتيازات أفلام أخرى، يبقى فيلماً معتمداً أساساً على التأثيرات البصرية، فيلماً لنتفلكس وجمهورها. هو مقاربة جديدة لأدب تحول إلى خرافة، أو حكاية أخلاقية، خرّافية، من تراث الإنسانية. هذا بحد ذاته يضمن نجاحاً بحدّه الأدنى لكل استعادة لها، يبقى أن لديل تورو بصمته شديدة الخرافية المبنية على عوالم احترفها في عموم أعماله، جاعلاً من القوطية، أجواء القصة الأصلية، منطقةَ تقاطع بين إمكانات التأثيرات البصرية تقنياً، وحرفته الفنية والابتكارية خيالياً.

محرر المجلة. روائي وناقد سينمائي فلسطيني

 

مجلة رمان الثقافية في

30.08.2025

 
 
 
 
 

الآلاف يتظاهرون تضامناً مع غزة في مهرجان فينيسيا السينمائي

(فرانس برس، العربي الجديد)

بدأت، بعد ظهر اليوم السبت، تظاهرة يشارك فيها الآلاف تضامناً مع الفلسطينيين في قطاع غزة على هامش مهرجان فينيسيا السينمائي. ورفعت خلال التظاهرة، التي دعت إليها منظمات يسارية في منطقة فينيسيا، لافتات تدعو إلى مقاطعة إسرائيل ووضع حد لحرب الإبادة الجماعية على الغزيين، وسط عدد كبير من الأعلام الفلسطينية.

أشكال من الاحتجاج في مهرجان فينيسيا

عبّر فنانون عدة عن دعمهم الفلسطينيين في مهرجان فينيسيا خلال الأيام الأخيرة، من بينهم المخرجة المغربية مريم التوزاني وزوجها المخرج نبيل عيوش اللذان رفعا لافتة سوداء كُتب عليها "أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة" على السجادة الحمراء مساء أمس الجمعة. وقبل ذلك الخميس، وضع المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس دبوساً بألوان العلم الفلسطيني خلال المؤتمر الصحافي لفيلمه الروائي الطويل "بوغونيا".

واتسم افتتاح مهرجان فينيسيا السينمائي برسالة مفتوحة تدين حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة وقّعها ألفا شخص، بينهم مشاهير من السينما العالمية، من كين لوتش إلى أودري ديوان مروراً بأبيل فيرارا. وكتبت الرسالة مجموعة "فينيسيا من أجل فلسطين" التي أسسها عشرة مخرجين إيطاليين مستقلين. وأكد أحد مؤسسي المجموعة، فابيوماسيمو لوزي، لوكالة فرانس برس، أن "الهدف من الرسالة كان وضع غزة وفلسطين في قلب الاهتمام العام في فينيسيا، وهذا ما حدث".

ودعت المجموعة في الرسالة المفتوحة المهرجان إلى ألا يكون "منصةً فارغة حزينة" بل أن "يتبنى موقفاً واضحاً لا لبس فيه" ضد ممارسات إسرائيل في غزة. من جانبه، صرّح المدير الفني لمهرجان فينيسيا ألبرتو باربيرا للوكالة بأن المهرجان "لا يتخذ مواقف سياسية مباشرة"، لكنه أكد تعاطفه مع الوضع المأساوي في غزة.

"صوت هند رجب"

من المقرر أن يعرض في المهرجان الأربعاء فيلم "صوت هند رجب" ضمن المسابقة الرسمية. وتتناول فيه المخرجة التونسية كوثر بن هنية قصة استشهاد طفلة فلسطينية في السادسة من العمر في 29 يناير/كانون الثاني 2024 في قطاع غزة مع عدد من أفراد عائلتها أثناء محاولتهم الفرار من القصف. وأثارت تسجيلات صوتية استخدمت في الفيلم للمكالمة بين هند رجب وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، قبل موتها، تأثراً في مختلف أنحاء العالم بعد بثها.

 

العربي الجديد اللندنية في

30.08.2025

 
 
 
 
 

فينيسيا السينمائي: مستشار بوتين "ساحر الكرملن"

سليم البيك

الفيلم تشويق كما هو سياسي، ممتع برغم قتامة قصة تحكي عن وصول بوتين إلى السلطة ورسوخه فيها. وهو، رغم ذلك، لا يتقصد إدانة بوتين ضمن جوقة دعائية غربية مملة. بل ينقل، بما بدا أمانة أدبية، جانباً أسود لا من شخصيته وحسب، بل من عموم الطبقة الحاكمة في روسا ما بعد الاتحاد السوفييتي.

وإن كان الفيلم عن فلاديمير بوتين من خلال مستشار له، أو، تحديداً، عن هذا المستشار من خلال تشابك قوى العلاقات التي يلعب في ساحاتها، كمستشار لبوتين، يبقى، الفيلم، مبنياً على شخصيات خيالية بظروف شخصياتية وتاريخية في روسيا هي واقعية تماماً. تدور حول صعود هذا المستشار المتخيَّل وأفوله، في ظل صعود بوتين من الأيام الأولى لانهيار الاتحاد السوفييتي.

فيلم الفرنسي أوليفييه أساياس، "ساحر الكرملن" (The Wizard of the Kremlin) مبني على رواية متخيلة عن مستشار، انتقل من هواية الإخراج المسرحي مع الانفجار الثقافي منتصف التسعينيات، ليصير مستشاراً وصانعاً أساسياً لسياسات الكرملن، بدهاء عالٍ.

لا ينقل الفيلم إذن شخصية واقعية إنما متخيَّلة في سياق واقعي، ماراً على أهم الأحداث التي عصفت بروسيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي إلى ما قبل غزو أوكرانيا، بدءاً من الحرب في الشيشان وانتهاءً بأولمبياد سوتشي. كاشفاً، الفيلم، بمزج الواقع بالخيال، عقلية بوتين وسلوكه، في الاستجابة لكل تلك المحطات.

لسنا هنا أمام وصف وسرد دقيقين، والفيلم في أوله يصرح بذلك. بل أقرب إلى مقاربة خيالية لتفسير واقع قائم. وصفٌ وسردٌ يمكّنان، بما يتيحه الخيال من حرية المقاربة، مقترباً من الحقائق ومبتعداً عنها، موغلاً ومحلّقاً، كما يفعل الأدب، يمكّنان من لامحدودية العناصر القصصية، ليكون العملُ استكشافياً بشكل لا تتيحه الحقائق المتوفرة. فالأدب والخيال أقدر، أحياناً، على سرد الواقع من الحقائق.

لا يلتزم أساياس بأسلوب سينمائي يميزه، بل يطير بين الأنواع والمواضيع. شاهدتُ فيلمه، "خارج الزمان"، العام الماضي في مهرجان برلين السينمائي، وكان في عالم مختلف تماماً عن فيلمه هذا المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي. وفي السنوات الأخيرة نوّع في مواضيعه بشكل لا يجرؤ الكثير من السينمائيين على فعله، من الشخصيات التاريخية إلى النجوم مروراً بأناس عاديين، من الأحداث المحورية في العالم إلى اليوميات الهامشية لأفراد.

الفيلم تشويق كما هو سياسي، ممتع برغم قتامة قصة تحكي عن وصول بوتين إلى السلطة ورسوخه فيها. وهو، رغم ذلك، لا يتقصد إدانة بوتين ضمن جوقة دعائية غربية مملة. بل ينقل، بما بدا أمانة أدبية، جانباً أسود لا من شخصيته وحسب، بل من عموم الطبقة الحاكمة في روسا ما بعد الاتحاد السوفييتي. ما يمكن، بسهولة، إسقاطه على عموم الطبقات المتحكمة بالمال والإعلام، بالابتزاز والترهيب، في كل العالم، شرقاً وغرباً.

محرر المجلة. روائي وناقد سينمائي فلسطيني

 

مجلة رمان الثقافية في

31.08.2025

 
 
 
 
 

ديل تورو يعيد إحياء فرانكشتاين بصورة إنسانية في مهرجان فينيسيا

(رويترز، العربي الجديد)

يعرض المخرج المكسيكي غييرمو ديل تورو في مهرجان فينيسيا السينمائي نسخة جديدة من رواية فرانكشتاين للكاتبة البريطانية ماري شيلي، إذ يقدّم فيها وحشاً مختلفاً عن الصورة الكلاسيكية في الأفلام السابقة. ويجسّد الفيلم مخلوقاً حزيناً ومرهفاً يتوق إلى المودة والمعرفة لكنّه يُواجَه بالرفض والكراهية، في تحوّل كبير عن النسخ السابقة التي كان يظهر فيها البطل في صورة وحش برأس مسطح وحذاء ثقيل.

فرانكشتاين بمسحة من الجمال

يروي الفيلم قصة فيكتور فرانكشتاين، العالِم المغرور الذي يجمع مخلوقاً من أجزاء بشرية ويعيده للحياة ليصبح عملاقاً لا يُقهر يتمتع باللطف. ويؤدي أوسكار إيزاك دور فرانكشتاين بينما يجسّد جاكوب إلوردي دور المخلوق. وقال ديل تورو للصحافيين، السبت قبل العرض الأول للفيلم في مهرجان فينيسيا السينمائي، إنّ "الكثير من التصورات البصرية للمخلوق تبدو وكأنها لضحايا حوادث. لقد أردتُ أن أُضفي عليه مسحة من الجمال".

ويُبرِز الفيلم مخاطر إساءة استخدام التقنيات الحديثة لكن ديل تورو قال إنّه لم يكن يفكر في الذكاء الاصطناعي عند كتابة النص، وأضاف "لست خائفاً من الذكاء الاصطناعي بل من الغباء الطبيعي لأنه أكثر انتشاراً بكثير... نعيش في زمن يسوده الخوف والترهيب بلا شك. والحل، الذي يمثل الفن جزءاً منه، هو الحب".

ويتنافس "فرانكشتاين" حالياً على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السينمائي أمام أعمال مثل لا خيار آخر" للمخرج بارك تشان ووك، بالإضافة إلى "صوت هند رجب" للمخرجة كوثر بن هنية، الذي يدور حول اللحظات الأخيرة من حياة الطفلة الفلسطينية هند رجب التي قتلها الاحتلال وعائلتها بقصف سيارة لجأوا إليها جنوب غرب مدينة غزة في 29 يناير/ كانون الثاني 2024.

 

العربي الجديد اللندنية في

31.08.2025

 
 
 
 
 

لمدة 13 دقيقة.. تصفيق حار لفيلم Frankenstein في مهرجان فينيسيا السينمائي

كتب آسر أحمد

حصل فيلم Frankenstein على تصفيق حار لمدة 13 دقيقة متواصلة اثناء عرضه في مهرجان فينيسيا السينمائي في دورته التي تستمر حتى 7 سبتمبر المقبل، حيث لم يستطع كل من أوسكار إسحاق وجاكوب إلوردي الذي يجسد شخصية الوحش، حبس دموعهما بينما استمر الجمهور في التصفيق.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة فاريتي، فإن فيلم " Frankenstein " لـ جييرمو ديل تورو، أضفى الحياة على مدينة البندقية مساء السبت، محققًا تصفيقًا حارًا استمر 13 دقيقة، وهي الأطول في المهرجان حتى الآن، وخلال التصفيق الطويل، لوّح ديل تورو للجمهور وتبادل العناق مرارًا مع إلوردي وإسحاق.

فيلم الخيال العلمي Frankenstein الذي يتنافس على جائزة الأسد الذهبي المرموقة في المهرجان - هو إعادة سرد لرواية الرعب الكلاسيكية لماري شيلي لعام 1818، ويحكي قصة عالم لامع يُحيي مخلوقًا وحشيًا، مما يؤدي في النهاية إلى هلاكهما، تبلغ مدة الفيلم الملحمي 149 دقيقة وبلغت تكلفته 120 مليون دولار، وقد يصبح منافسًا رئيسيًا على جوائز نتفليكس.

 

اليوم السابع المصرية في

31.08.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004