ملفات خاصة

 
 
 

«لا خيار آخر»…

أوراق ورجال وسماد عضوي

أندرو محسن

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

ربما كان فيلم “لا خيار آخر No Other Choice لبارك شان ووك هو أكثر الأفلام التي انتظرتها هذا العام. فبجانب كونه أحد أبرز مخرجي جيله، فإنه شارك في وضع سينما كوريا الجنوبية على خريطة السينما العالمية بعد رائعته “الولد القديم Oldboy” الحائز على جائزة افضل فيلم من لجنة التحكيم الكبرى من مهرجان كان عام 2004.

تمتاز سينما شان ووك، بالاهتمام بمفهوم الحكاية التي تحمل غالبًا كثيراً من الغموض والتشويق، وكماص غير قليل من العنف، والكثير من الطبقات لتحليلها وفهمهما. فأفلامه من النوع الذي لا تكفيه مشاهدة واحدة للإلمام بكل تفاصيله، بل يمكن زيارتها عدة مرات واكتشاف جديد يفاجئك في كل مرة. ولهذا سنحاول التطرق في هذا المقال لعدة أفكار من المطروحة في فيلمه الأحدث، المعروض حالياً في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في دورته الثانية والثمانين

في “لا خيار آخر”، يبتعد المخرج نسبيًا عن العوالم الجادة المعتادة في أفلامه ويتجه إلى الكوميديا. لكنها كوميديا سوداء، لا يتخلى فيها عن قالب التشويق المصاحب لأعماله السابقة.

تتابع الأحداث مان سو (لي بيونج هُن الذي شارك في لعبة الحبار) المدير في شركة لصناعة الأوراق، الذي يحيا حياة مرفهة سعيدة مع أسرته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلين. ولكن عندما تقرر الشركة الاستغناء عن خدماته نتيجة الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، تنقلب حياته ويقرر البحث عن عمل مشابه في شركة أوراق أخرى، ولكن أولًا عليه التخلص من منافسيه.

قراءة قصة الفيلم دون مشاهدته، توحي بأننا أمام فيلم مأساوي عن ضغوط الحياة على الإنسان المعاصر، ولكن بارك شان ووك يقرر أن يتناول هذه المأساة بشكل هزلي بامتياز يظهر مع المشهد الافتتاحي للفيلم: نتعرف على أسرة مان سو، وبيته الأنيق الذي يلعب دورًا مهمًا في الأحداث. تبدو هذه الأسرة مع كلبيها سعيدة بشكل مبالغ فيه، شكل أشبه بما نشاهده في الإعلانات التجارية التي تقدم الأُسر في التجمعات السكنية الحديثة باهظة الثمن. سعادة بلاستيكية هشة؛ حتى أن الحضن الجماعي للأسرة يدعو للضحك، إذ كأنهم يفعلون هذا لإرضاء مشاهدين غير موجودين. وتُنبئ تلك الحالة البلاستيكية المصطنعة باقتراب الكارثة.

بعد هذه المقدمة نبدأ في التعرف على الأسرة عن قرب، وخاصة العلاقة بين الزوج والزوجة مي ري (سون يي جن). رغم ما يتركه الفيلم في البداية من انطباع عنها بأنها الزوجة المرفهة التي لا يعنيها شيء من زوجها غير نقوده، فإننا سريعًا ما نشاهد أنه على عكس توقعاتنا تمامًا؛ مي ري تحاول جاهدة الحفاظ على تماسك الأسرة بشكل عملي وذكي، في حين أن الزوج الذي من المفترض أنه رب الأسرة لا يقدر إلا أن يستمر في أفكاره السوداء

لا توجد أية شخصية مثالية في هذا الفيلم، ولكن يمكن ملاحظة كيف تبدو شخصيات الرجال أكثر هشاشة، وليس هذا نتيجة الضغوط الخارجية كما هو متوقع، أو كما يحاول الرجال أن يقنعوا أنفسهم بذلك؛ ولكن نتيجة تمسكهم بأفكار وقناعات محددة لا يرغبون في التنازل عنها. فمان سو يتوقف تفكيره عند العودة للعمل تحديدًا في شركة ورق أخرى، حتى لو حاول نظريًا البحث عن عمل آخر في البداية، ولهذا يقرر أن يسلك مسارًا معقدًا ودمويًا بدلًا من البحث عن حلول بديلة.

أوراق وسماد عضوي

تخاذل الرجال هو جانب من الأزمة، ولكن هناك جانب آخر لأزمة هؤلاء الرجال، وهو الخضوع التام لمتطلبات العصر. منذ الثورة الصناعية والحديث عن استبدال الآلة بالإنسان لا يتوقف، وإن كان هذا الحديث ازداد مؤخرًا بعد انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي.

في فيلمه الشهير “الأزمنة الحديثة Modern Times” قدم تشارلي شابلن رؤية شديدة الطرافة والذكاء عن تحول الإنسان إلى مجرد ترس داخل الآلة الضخمة للمصانع، حتى ابتلعته هذه الآلة. في “لا خيار آخر” يختار المخرج لبطله العمل في صناعة الأوراق، وهي الصناعة التي ربما لا نعرف عنها إلا القليل من المعلومات، أبرزها دخول أخشاب الأشجار في صناعة الورق.

يبدو مان سو مهووسًا بصناعة الأوراق، حتى أننا لا نعلم له أية هواية أخرى، عكس بقية أفراد الأسرة. وكأنه أصبح هو نفسه جزءًا من مرحلة الصناعة. على عكس المشهد الخيالي الذي قدمه شابلن، يقدم شان ووك مشهدًا واقعيًا داخل الأحداث إذ يتحول أحد الأشخاص إلى سماد عضوي لتغذية إحدى الأشجار، فالآلة تبتلع الإنسان مرة أخرى في هذا الفيلم.

ثم تأتي معضلة أخلاقية تشكل عقدة الفيلم، فقد لا يختلف الكثيرون حول حقوق البشر في العمل وكسب الرزق وعدم الانجرار خلف التقنيات التي تلغي وجود العمالة البشرية، ولكن ماذا لو كان بإمكانك أن تحتفظ بمكانك داخل المنظومة في مقابل الاستغناء عن زملائك؟ في بداية الفيلم يحضّر مان سو خطبة عصماء لمديريه يؤكد فيها على أهمية عدم الاستغناء عن العمال، ولكن عندما يوضع لاحقًا في مواجهة حقيقية بين مصلحته وحقوق بقية العمال، فإن الأمر يختلف.

كوميديا سوداء

لا يتخلى بارك شان ووك عن عنصري التشويق والجريمة كما في أفلامه السابقة. في الحقيقة تتسع الجريمة هنا، ففي أغلب الأفلام السابقة كانت الدوافع مقبولة بشكل أكبر، ولكن في أحدث أفلامه يصبح الدافع نتيجة المنافسة، وأمام أشخاص لا يعرفهم بطل من قبل، وهو ما يجعل الجريمة أسوأ وأقسى، ويجعل من استخدام الكوميديا في هذا الفيلم تحديدًا خيارًا ذكيًا، إذ تخفف بعضًا من الأجواء القاتمة.

في هذا يذكرنا الفيلم بالرائعة الكورية الأخرى “طفيلي Parasite” خاصة ونحن نشاهد أفراد الأسرة يتورطون بشكل أو بآخر داخل الأحداث.

لا يعني هذا أن الفيلم يضع بطله في مكانة الشخصية الشريرة، ولكنه لا يبرئه أيضًا، بل يدفعنا للتفكير مطولًا، ليس في الظروف التي دفعت هذا الشخص إلى تلك الاختيارات، ولكن فيما يمكن أن يكون رد فعلنا كمشاهدين إن كنا في محله.

لا خيار آخر” إضافة أخرى مميزة لمسيرة بارك شان ووك، ويمكن وصفه بأحد أفضل أفلام السنة لا مهرجان فينيسيا فقط.

 

####

 

«آلة السحق» لبيني سفدي… تفكيك رجل وإعادة تركيبه

هوفيك حبشيان

في خروج جريء على الأدوار النمطية، يقدّم دواين جونسون، المعروف بلقب «ذا روك»، أداءً مغايرًا في «آلة السحق» للمخرج الأميركي بيني سفدي (أول فيلم له من دون شقيقه جوش؛ وقد تولّى الكتابة والإنتاج والإخراج)، المعروض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية السينمائي (27 أغسطس – 6 سبتمبر). يجد التمثيل امتداده في السيرة الذاتية، محوّلًا الفيلم إلى مسرح مفتوح لتفكيك الصورة التقليدية للرجل القوي والبطولة المصقولة بالعضلات والانتصارات.

يؤدّي جونسون دور المصارع الشهير مارك كير المُلقّب بـ«آلة السحق»، في سرديّة تتجاوز حدود السيرة لتصبح مرآة ذاتية للممثّل نفسه، في حوار داخلي يجمع ما بين التجربة الحياتية والخيال السينمائي. النتيجة: عمل مدهش في صدقه وجرأته، يضع الخمسيني جونسون في مواجهة صريحة مع تاريخه، ومع إرث طويل من أدوار القوة الخارقة.

هكذا صنع جيرار دوبارديو مجده أيضًا في بعض من أفلامه، وكأنّ الكاميرا لا تلاحق الشخصية فحسب، إنما تلاحقه هو، في نوبات ضعفه وقوّته، في هشاشته وتناقضاته. وهكذا أيضًا أطلّ علينا ميكي رورك في فيلم دارن أرونوفسكي، «المصارع»، الذي فاز بـ«الأسد» قبل سنوات، فكان الدور بمثابة انعكاس لحياة رورك الشخصية وتاريخه الحافل بالصعود والهبوط، حتى بدا الفيلم كأنه يروي سيرته الذاتية، لا سيرة مصارع مُتخيَّل.

المشهد الافتتاحي في «آلة السحق»، يقدّم كير على أنه رجل مُشبَّع بلذّة الانتصار: «أصارع لأنّ المصارعة تمنحني نشوة النصر»، يقول بصوته الجهوري. هذا المانيفستو لن يُعمّر كثيرًا. إذ إنّ المخرج سرعان ما سيكشف طبقات أعمق من الإنسان الذي يسكن الجسد المفتول. مارك كير في هذا العمل آلة فتك بقدر ما هو روح تتأرجح بين العنف والرهافة.

من هذا المدخل، تُرسَم أمامنا ملامح رجل جسده هو رأسماله الوحيد، تمامًا كما اعتادت السينما أن تُصوّر أبطال المصارعة والملاكمة: كائنات فولاذية، لا مكان فيها للهشاشة. إنها المفارقة المؤلمة التي ينسجها الفيلم: كيف يمكن لرجل أن يكون شفّافًا إلى هذا الحدّ، وعنيفًا إلى ذلك الحدّ في الوقت نفسه؟ وكيف يمكن البطولة أن تُبنَى فوق أنقاض الذات؟

هذا ليس مجرّد بورتريه آخر عن مصارع. الصراع هنا يدور على الجسد، الصورة، النموذج المتكرّر للرجل القوي الذي يصعد إلى الحلبة ليستعرض عضلاته. في لحظة ما، لا نعود نعرف: مَن هو «آلة السحق» حقًا؟ هل هو مارك كير، أم سفدي نفسه، وقد انقضّ على هذه البنية الصلبة ومزّقها من الداخل؟

نحن أمام رجل صنع بنفسه سجنه الجسدي، وها هو الآن يُحاول التملّص منه، أن يفلت من الصورة التي بناها لنفسه، كما لو كانت فخًّا مُحكمًا أغلق عليه منذ سنوات. نراه يبكي حين يواجه نفسه، لكنه لا يعرف كيف يطلب النجدة. عالق في جسده، في صراعه مع المال، مع الأبوّة، مع العقاقير، مع الخوف من أبسط الأشياء. كلّ هذه العناصر تتكثّف في لحظة مواجهة لا مفر منها، في عملية تفكيك صارمة لا تترك مجالًا للهرب، ولا تمنح فرصة للتأجيل. ولعلّ أكثر ما يُفجع في الأمر، أنّ العنف نفسه لم يعد يعنيه. ومع ذلك، يجد نفسه مضطرًا إليه. عن حاجة، لا عن قناعة.

يختار سفدي ألّا يقدّم بطله على أنه ضحية، ولا على أنه بطل خارق، فيقوده بحذر إلى مناطق هشّة، حيث يصبح الرجل الذي نشأ في حضن الرجولة التقليدية عالقًا بين ما كان يُفترض أن يكونه، وما هو عليه فعلًا. تكفي بضعة مَشاهد لتُفصح الصورة عن عمق المشاعر المتخفّية تحت الجلد السميك.

دور المخرج هنا هو المراقب والمفكّك، لا البنّاء. يراقب بهدوء تفكّك الأسطورة التي بُنيت بعناية عقودًا طويلة. حتى حين تتعالى في الخلفية أنغام أغنية «ماي واي»، لا يُفهَم حضور الأغنية كنوع من النوستالجيا الساذجة، إنما كذروة الفلسفة الرواقية التي تدعو إلى ترويض الانفعالات وإخضاع الألم للإرادة. فـ«آلة السحق» ليس فيلمًا عن الرياضة، بقدر ما هو عن الهوية. عن الذكورة التي تُترَك عارية أمام ذاتها.

كلّ شيء بسيط، وبساطته ليست نتيجة المصادفة، هي بساطة نتيجة تصميم واعٍ ومدروس. من الخطّ المُستخدَم في كتابة أسماء فريق العمل في شارة البداية، إلى التصوير بكاميرا محمولة تقترب من أسلوب الفيلم الوثائقي، بزوماته المفاجئة التي تمنح الإحساس بأننا نُتابع تقريرًا تلفزيونيًا. ورغم أنّ زمن الأحداث محدّد بدقّة (بين عامي 1997 و2000)، فالروح العامة توحي بأننا في السبعينات: تلك المرحلة التي كانت فيها الأفلام أكثر حريةً، وأكثر انغماسًا في الشخصيات من دون الحاجة إلى زخرفة بصرية.

هناك في «آلة السحق» مستويان: الأول ينتمي إلى سينما «الجانر»، إلى أفلام المصارعة بما تحمله من قواعد وصور نمطية. لكن سفدي لا يمكث هناك طويلًا. يعبُر فوقها بخفّة، كمَن يعرف الطريق لكنه لا يرغب في المضي فيه. لا بهرجة، ولا عضلات إخراجية مستعرضة. أما المستوى الثاني، فهو الفيلم الحميمي، الذي تجري أحداثه داخل بيت المصارع، وتتمركز حول علاقته بحبيبته (إيميلي بلانت). امرأة تدعمه بصمت، لكنها تتألّم في الظلّ، محكومة دومًا بحجمه الطاغي، بحضوره الذي لا يترك لأحد أن يتنفّس. وهنا بالضبط، في هذه العلاقة المختنقة، تبدأ الضغوط بالتراكم، حتى تنفجّر في أحد المَشاهد الأخيرة.

يأتي سفدي بتجربة بصرية قاحلة تؤثّر في المُشاهد تدريجًا وصعودًا. يستوحي أسلوب أفلام الدرجة الثانية في السبعينات، حيث القسوة تختلط بالرهافة، والفوضى تخفي تحتها ترتيبًا عاطفيًا بالغ التعقيد. لا أحداث مبالغ فيها، فقط كاميرا تراقب وتترك للممثّلين أن يصنعوا الفيلم بأكتافهم العارية.

 

####

 

«نجوم الأمل والألم»… كيف ينجو الحب من فك الانفجار؟

محمد طارق

بين أفلام عربية عدة، تعرض داخل مسابقات الدورة الثانية والثمانين لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي أو على هامشه، يقف فيلم “نجوم الألم والأمل” للمخرج اللبناني سيريل عريس في موضع خاص

فالفيلم المعروض في قسم “أيام فينيسيا” ضمن الفعاليات الموازية للمهرجان لا يلتفت على القضايا الكبرى كفيلم “صوت هند رجب” لكوثر بن هنية، أو “أبي والقذافي” لجيهان منصور. بل على النقيض منهما، يقدم “نجوم الأمل والألم” قصة هي أقرب فعلًا للحياة العادية في لبنان، البلد المليء بالألم والأمل مثل عنوان هذا الفيلم.

يبدأ الفيلم بمشهد ولادة يحدث بالتزامن مع انفجار مرفأ بيروت. بداية حياة جديدة في لحظة تحمل الموت للمدينة. ولكن ربما هو هذا حال لبنان بأسره، محاولات للحياة وسط كل التحديات. يلي هذا المشهد مشاهد كوميدية عبثية، فبطل الفيلم نينو يترك العمل ويذهب مبكرًا للقاء حبيبته، تسقط أوراق من شرفة بعد احتدام جدال بين عجوز وزوجته، تقع على الزجاج الأمامي لسيارة نينو، ما يفقده الرؤية ويجعله يدخل بكامل سيارته في واجهة زجاجية لمحل صغير، ويذهب إلى المستشفى ليصل إلى اتفاق مع أصحاب المحل أن يأتوا لزيارته في المطعم في اليوم التالي ليعوضهم عمَّا حدث وينقذ نفسه من تلك الورطة. في اليوم التالي تظهر بطلة الفيلم ياسمينا وهي من عائلة أصحاب المحل، وتبدو الأكثر لباقة وتعليمًا بينهم، وبعد عدة مناوشات ينشأ خلاف بين طباخ المطعم وبين العائلة، لكن في ذلك الوقت يكتشف نينو أن ياسمينا هي حبه الأول في المدرسة. تأثير فراشة مذهل يحكيه عريس في الجزء الأول من فيلمه ليحكي تداخلات وتأثيرات متشابكة تؤكد على فكرته المبدئية الخاصة بالولادة المتزامنة مع الانفجار

في وسط الصراع بين الطباخ والعائلة، نرى شجارًا كوميديًا، يتخلله حكي لماضي نينو اليتيم الذي فقد أبيه وأمه جراء رصاص عشوائي أثناء الحرب الأهلية. وياسمينا، التي تعيش خيارًا صعبًا وسط خلافات وشجارات أبيها وأمها المتكررة ما ينتهي بهما إلى الطلاق، ويتوجب على ياسمينا أن تترك والدها وتعيش مع أمها. نرى بشكل ما حكي لماضي لبنان كله من خلال تلك العلاقة بين طفلين بريئين وكيف أثرت الأحداث آنذاك على طفولتهما

ينطلق المخرج إذا من الشخصي إلى العام، دون أي تركيز مباشر أو مفرط على الجوانب السياسية. فقط حياة ناس عادية تتأثر بما يحدث حولها، ورغم كل الظروف، يستمرون في محاولاتهم لإيجاد سُبل للعيش في بلد غير مستقر.

ما يجعل الفيلم مقارب لواقع لبنان اليومي، هو طابع الكوميديا السوداء. كما أن الشخصيتين الرئيستين للفيلم نينو وياسمينا، مكتوبتان بشكل ربما يصور رديّ فعل لأوضاع معقدة؛ نجد نينو شخصية متفائلة بإفراط، يحاول عيش اليوم بيومه، لا يقلق من شيء ويتجاهل ما حوله من مشاكل آملا في أن ينصلح الحال في وقت من الأوقات، ويحتفظ بروحه المرحة الضاحكة التي تحول أي شيء إلى نكتة. على الجانب الآخر نرى ياسمينا، المنضبطة والناجحة في عملها، المخططة لكل شيء وذات القلق المرضي من العيش وسط كل هذه اللايقين دون خطة واضحة لكيف يمكن أن تنصلح الأحوال. وبين هذا وذاك، يكون التضاد الذي يخلق توازنًا في تلك العلاقة، وينجذب الاثنان إلى بعضهما البعض في علاقة لا تخلو من الحب والتردد أيضًا في المضي قدمًا في تلك العلاقة بسبب قلق ياسمينا

تتحرك أحداث الفيلم بين الماضي والحاضر، وحتى مستقبلهما، بشكل غير خطي. ما يجعل تلك العلاقة في جميع مراحلها متأثرة بما يحدث في لبنان والسياق الأوسع المحتضن لقصة الحب البديعة بين البطلين، وما يجعل الزمن يبدو سائلًا وسط عقبات تظهر مع كل حقبة، وكأن السياق دائمًا ما يكون هو البطل المضاد في الفيلم، لكن الشخصيات تأبى إلا أن تؤمن بالحب، فتكون علاقتهما هي البطل

على الرغم من أن الفيلم لا يستطيع في نهايته أن يقدم إجابة على سؤال “هل نترك الوطن الذي نحب من أجل حياة أفضل، أم نبقى به فنضحي بحياة طبيعية؟” إلا أنه بشكل ما يصور حالة التأرجح بين الخيارين، ومدى صعوبة مواجهة هذه المعضلة. كما يكتشف موهبة المخرجة اللبنانية منية عقل (ياسمينا) في التمثيل، إلى جانب الأداء التمثيلي الممتاز لحسن عقيل (نينو).

وأخيرًا فإنه وإن لم يستطع إيجاد إجابة لمعضلة لبنان المقيمة؛ فإنه ربما يمكن تلخيصه في أن الحياة في هذه البقعة من الأرض هي مزيج من كل الحلول، لكن يبقى الحب هو ربما الدافع والمحفز الأكبر على مواصلة الحياة

 

####

 

كوثر بن هنية: خشيت أن أخون «صوت هند رجب»

هيثم مفيد

«طفلة فلسطينية مُحاصرة داخل سيارة، قتلها الاحتلال بدمٍ بارد». هذا هو السطر المؤلم الذي استلهمت منه المخرجة التونسية كوثر بن هنية، قصة فيلمها الأحدث «صوت هند رجب»، المقرر عرضه غدًا الأربعاء، ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي. الفيلم الأكثر ترقبًا هذا العام، يمثل أحد أكثر الشهادات إزعاجًا ورمزية للحرب في غزة، كونه نداء يائس سُمع في جميع أنحاء العالم، وقوبل بالصمت فقط!

حظي المشروع بدعمٍ رفيع المستوى من شخصيات هوليوودية مرموقة، منها: «براد بيت، وخواكين فينيكس، وروني مارا، وألفونسو كوارون، وجوناثان جليزر» الذين انضموا جميعًا كمنتجين منفذين للفيلم، مما زاد الأمل في أن يُسهم «صوت هند» في تحقيق المزيد من النجاح. وقد اختارت تونس الفيلم ليكون مرشحها الرسمي لجوائز الأوسكار ضمن فئة أفضل فيلم روائي دولي.

مُنعت «بن هنية» من دخول غزة، لكنها صمّمت على الاستجابة، فاتصلت بالهلال الأحمر وعائلة «هند»، وحصلت في النهاية على التسجيل الكامل، ومدته 70 دقيقة. من هذه المادة الخام، بنت «هنية» قصةً هجينة، تُركّز على أصوات عمال الهلال الأحمر الذين حاولوا، رغم كل الصعاب، إنقاذ الطفلة. يؤدي ممثلون فلسطينيون دور المسعفين، لكن صوت «هند» الذي نسمعه هو صوتها، من التسجيل الأصلي لذلك اليوم.

إن الفيلم لا يواجه الصمت الذي لبى نداء «هند» فحسب، بل يواجه أيضًا التواطؤ الأوسع نطاقًا لأولئك – بمن فيهم وسائل الإعلام الدولية – الذين يشهدون معاناة غزة دون أن يكونوا قادرين أو راغبين في تقديم المساعدة للأصوات المنادية. بالنسبة للمخرجة، كان «صوت هند رجب» عملاً يتطلب مسؤوليات، حيث تقول في حوارها مع موقع «هوليوود ريبورتر» : «كنت خائفة من أن أفشل في إبراز صوتها، وأن لا يكرم فيلمي ذكرى هند».

في البداية، تأثرت «بن هنية» بصوت الطفلة الصغيرة «هند»، عندما نشر الهلال الأحمر مقطعًا من مكالمتها عبر الإنترنت. تقول المخرجة التونسية في حوارها مع «The Hollywood Reporter»: «ظلّ هذا الصوت عالقًا في ذهني».

عندما علمت «بن هنية» أن الهلال الأحمر لديه تسجيل كامل، اتصلت بهم، وعندما سمعت التسجيل: «لم يكن ما طاردني مجرد عنف ما حدث، بل الصمت بين الأصوات. كنتُ مُستعدة لفيلم آخر، لكن كان عليّ أن أتوقف عند كل شيء وأروي هذه القصة».

«شعرتُ أن دورَي كمخرج أفلام هو إيجاد أفضل طريقة سينمائية لنقل ما وصلتُ إليه»، قبل أن تُضيف أنها كتبت السيناريو وفقًا لجميع قواعد السرد، لكن الواقع تجاوز الخيال بكثير.

أثناء العمل على الفيلم، تحدثت «بن هنية» مع والدة «هند» وموظفي الهلال الأحمر الذين كانوا على الهاتف، وبمجرد أن تأكدت من رغبتهم في مشاركة هذه القصة مع العالم، لجأت إلى التسجيل، الذي كان بمثابة القلب النابض للفيلم.

تشدد «بن هنية» على أهمية هذا التسجيل؛ «لأنه عندما أسمع صوت هند، أعود على الفور إلى الشعور الذي شعرت به عندما سمعت صوتها لأول مرة: كل العجز والغضب والحزن. أردت مساعدتها». كان هذا الشعور هو ما تملَّك موظفي الهلال الأحمر أيضًا، كانت وجوههم «هي أفضل طريقة لترجمة ما شعرت به، لإظهار طلبها للمساعدة من خلالهم. كانت تطلب المساعدة من الجميع، وكل من يسمع هذا التسجيل يشعر وكأنها تطلب المساعدة منهم».

بدأت «بن هنية» بكتابة نصّ من المكالمات، وعندما قامت بتصوير تلك المشاهد، كان الممثلون يسمعون صوت «هند» الحقيقي عبر سماعات الرأس. وخلال مرحلة تصميم شريط الصوت، حافظت المخرجة على الصوت الأصلي في الفيلم، مع الحفاظ على أصالة الصوت مع كل التشويش المحيط: «لم نُنقّح الصوت، بل أبقيناه قريبًا من التسجيل. يتحدث الممثل بصوته الخاص، بينما ظلّ صوت هند كما هو».

تعتقد «بن هنية» أن التحدي الأكبر خلال العمل على الفيلم كان ثقل تكريم قصة هذه الطفلة. لقد كانت مسؤولية جسيمة «كنت أخشى أن أُخذل صوتها، وأن لا يُخلّد فيلمي ذكراها. هذا ما سبب لي أكبر قدر من القلق». ولهذا سُميَّ هذا الفيلمُ «صوت هند رجب»، لأن قصة هند رجب «بالنسبة لي، تُجسد هذا الإسكات. فالجميعُ كان يسمع صوتَها على الإنترنت، لكن لم يُقدِمْ أحدٌ على مساعدتها أو على مساعدة جميع الأطفال الذين قُتلوا بعدها. إنه أمر مُخزٍ».

ترى «بن هنية» أنه من المثير أن يبكي أحدهم طلبًا للمساعدة، ولا يُسمع صوته. هناك عنصريةٌ في الصوت الفلسطيني، حيث لا يُقدّره الكثيرون حتى كإنسان. لهذا السبب «أردتُ أن أروي قصتها من خلال عدسة السينما، لأن السينما قادرةٌ على إثارة هذا الشيء الثمين، وهو التعاطف. والتعاطف هو تحديدًا الشيء الثمين الذي غالبًا ما نغفل عنه عند الحديث عن غزة والفلسطينيين».

«عندما أصنع فيلمًا، في مرحلة ما، أبدأ بتصحيح الأخطاء، وفي نهاية مرحلة ما بعد الإنتاج، وبعد أن أشاهده مئة مرة، أفقد حساسيتي تجاهه وأركز فقط على التفاصيل التقنية. في هذا الفيلم، بكيت كلما سمعت صوت هند. كان هناك تأثير عاطفي كبير. شعرتُ بضرورة فعل شيء ما، حتى لا أكون متواطئة. ليس لديّ أي سلطة سياسية، ولستُ ناشطة. كل ما أملكه هو أداة واحدة أتقنتها قليلاً، وهي السينما». هكذا اختتمت «بن هنية» حديثها.

 

####

 

بعد عقود من العزلة… كيم نوفاك تتسلم الأسد الذهبي في فينيسيا

هيثم مفيد

منذ أن غادرت أضواء الشهرة قبل عقود طويلة، سجلت أسطورة هوليوود المنعزلة كيم نوفاك -البالغة من العمر 92 عامًا- ظهورها الأول منذ منتصف الستينيات على مسرح قصر السينما بجزيرة الليدو، لتسلم جائزة الأسد الذهبي للإنجاز مدى الحياة على هامش النسخة الثانية والثمانين لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي.

وقد استقبلت «نوفاك» بتصفيق حار مطول قبل أن يصعد المخرج المكسيكي غييرمو ديل تورو إلى المسرح لإلقاء تحية متوهجة لهذه الأسطورة الحية.

بعد سرد أفضل المخرجين الذين عملت معهم «نوفاك»، أشار «ديل تورو» إلى الجوانب التي أثّرت فيه أكثر في مسيرتها المهنية. فأكثر ما أثار إعجابه قدرتها على تجسيد الضعف والقوة والغموض. كانت تبدو: «آسرة، ديناميكية، أسطورية، وخارقة. ومع كل تلك الأفلام الرائعة الآسرة، حملت دائمًا لمسة من الدفء، وقليلاً من الحزن، وقليلاً من الغموض».

وأضاف ديل تورو: «مع مرور الوقت، ميّزت عروضها. ومن اللافت للنظر أنها اختارت أيضًا التباطؤ، وأخذ استراحة في ذروة عطائها، والسعي لتحقيق الذات من خلال تربية الخيول وكتابة الأغاني والرسم».

عبرت «نوفاك» عن تأثرها بالاستقبال الحافل من الحضور داخل المسرح، قبل أن تقول «ما أجمل هذا!» ثم أشارت بيدها إلى الجمهور، صائحة: «أنتم أنا!». كما وجهت الشكر إلى والدها لكونه بوصلتها الأخلاقية، وأضافت: «أشكر أمي أيضًا، كنت خجولة جدًا، وكانت تجعلني أنظر في المرآة وأقول: ‘أنتِ قائدة سفينتكِ!’ هذا ما أعتقد أننا جميعًا بحاجة إلى قوله. علينا جميعًا أن نسمع أصواتنا».

شعرت «نوفاك» أن أحد أسباب وجودها في فينيسيا هو إلهام أكبر عدد ممكن من الناس الذين يؤمنون بأهمية حريتهم، وحياتهم، وحقوقهم، والحقيقة. وأشارت: «يجب أن أقول إنه من أجل جميع الديمقراطيات في عالمنا، علينا أن نتكاتف ونعمل معًا ونكون مبدعين ونجد طرقًا لنفتح أعيننا ونرى ما يحدث، ونحاول بذل كل ما في وسعنا لإنقاذ ديمقراطياتنا. لقد ضحى الكثير من الرجال والجنود بحياتهم، ومات الكثيرون غيرهم وهم يحاولون فقط أن يكونوا صادقين وواقعيين. يجب ألا ندع هذا يحدث. لا ينبغي لي أن أحاول التأثير عليكم، لكن الأمر يهمني للغاية».

تحدثت «نوفاك» عن كيف ساعدها الرسم في التغلب على الاكتئاب الناجم عن تشخيصها باضطراب ثنائي القطب. قالت نوفاك: «لقد ساعدني الرسم كثيرًا، وأنصح به لكل من يعاني من هذه المشكلة، ليس بالضرورة أن يكونوا فنانين بارعين، بل عليهم فقط التعبير عن مشاعرهم بطرق متعددة».

في إطار التكريم، عرض فينيسيا الفيلم الوثائقي «Kim Novak’s Vertigo»، من إخراج وكتابة ألكسندر أو. فيليب. يمزج الفيلم الوثائقي لقطات أرشيفية نادرة مع تأملات شخصية لـ «نوفاك»، ويلقي نظرة خاطفة على حياتها المنعزلة على ضفاف نهر وايلد روج في أوريغون، متتبعًا «مسارها من أيقونة سينمائية من منتصف القرن العشرين إلى فنانة شديدة الانعزال».

أصبحت «نوفاك» صاحبة أعلى إيرادات في شباك التذاكر في العالم خلال أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات بفضل أفلام تعتبر الآن كلاسيكية مثل «Picnic» لجوشوا لوجان (1955)، و«The Man with the Golden Arm» لأوتو بريمينجر (1955)، و«Pal Joey» لجورج سيدني (1957)، وبالطبع فيلم «Vertigo» لألفريد هيتشكوك (1958)، والذي تلعب فيه شخصيتين مزدوجتين في واحد من أهم محطات مشوارها السينمائي. وفي عام 1966، انسحبت نجمة هوليوود من التمثيل وتقاعدت في مزرعتها في ولاية أوريغون لتكرس نفسها للرسم ولتربية الخيول.

 

####

 

شهد أمين: الحج في «هجرة» يمثل رحلتنا جميعًا في هذه الحياة

أحمد العياد

التقينا في «فاصلة» مع المخرجة السعودية شهد أمين على هامش الدورة الـ82 من مهرجان فينيسيا السينمائي، حيث يُعرض فيلمها الجديد «هِجرة» ضمن قسم Venice Spotlight.

الحوار تطرق إلى عدة محاور، من بينها: عودتها إلى فينيسيا بعد ست سنوات من فيلم «سيدة البحر»، وما الذي دفعها إلى الانتقال من الفانتازيا إلى الواقعية؟ كما تحدثت عن تجربة اختيار الممثلين، خصوصًا من فئة كبار السن النادرة في المشهد السعودي، وعن علاقتها الحساسة بموضوع الحج، وعدد المدن التي جرى فيها التصوير.

يحكي الفيلم قصة جدة تسافر مع حفيدتيها عام 2001 من الجنوب إلى مكة، لكن اختفاء الحفيدة الكبرى في ظروف غامضة، يدفع الجدة برفقة الحفيدة الصغرى إلى رحلة شمالية للبحث عنها، رحلة تمزج بين الألم والأمل، وتكشف على الطريق أسرارًا عائلية دفينة وحكايات منسية.

ويعد فيلم «هِجرة» المشاركة الثانية لشهد امين في مهرجان فينيسيا بعد 6 سنوات من تتويج فيلمها الأول «سيدة البحر»، بجائزة نادي فيرونا السينمائي للفيلم الأكثر إبداعًا، بعد عرضه في «أسبوع النقاد» بفينيسيا، ومثل المملكة في سباق الأوسكار، وحصد أكثر من 15 جائزة دولية.

https://www.youtube.com/watch?v=B_rseoazF2Y

 

####

 

«يلا نلعب عسكرة»

يحصد جائزة الجونة السينمائي في «فاينال كت فينيسيا»

فاصلة

أعلن مهرجان الجونة السينمائي عن فوز الفيلم الوثائقي «يلا نلعب عسكرة» للمخرجة اليمنية مريم الذبحاني بجائزته الخاصة في برنامج «فاينال كت فينيسيا»، ضمن فعاليات الدورة الـ82 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي. ويُعنى البرنامج بدعم مشروعات الأفلام العربية والإفريقية في مرحلة ما بعد الإنتاج.

تبلغ قيمة الجائزة 5000 دولار أمريكي، إضافة إلى دعوة فريق الفيلم للمشاركة في الدورة الثامنة من منصة «سيني جونة» لدعم الأفلام، التي تُقام على هامش مهرجان الجونة السينمائي خلال الفترة من 16 إلى 24 أكتوبر.

وعلّقت ماريان خوري، المديرة الفنية لمهرجان الجونة السينمائي، على الجائزة قائلة: «يسعدنا أن نمنح دعمنا لهذا الفيلم الوثائقي الإبداعي الأصيل القادم من اليمن. فهو يقدم قصة مؤثرة عن رحلة نضوج أربعة إخوة في زمن الحرب، ويجسد بجمال تفاصيل الحياة اليومية وما تحمله من صراعات وتناقضات وأمل».

منذ تأسيسه عام 2017، أصبحت منصة «سيني جونة» محطة محورية لدعم صناعة السينما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ تقدم دعماً مالياً واستشارات إبداعية لمشروعات الأفلام قيد التطوير أو في مرحلة ما بعد الإنتاج. وفي دورتها السابعة عام 2024، استقبلت المنصة أكثر من 240 مشروعاً، اختير منها 21 مشروعاً، ووزعت 41 جائزة بقيمة قاربت 400 ألف دولار أمريكي بدعم من مهرجان الجونة وشركائه.

أما برنامج «فاينال كت فينيسيا»، فيُعتبر من أبرز المبادرات الداعمة للأفلام المستقلة في إفريقيا والشرق الأوسط، إذ يهدف إلى تيسير إنتاج أفلام عالية الجودة قادرة على المنافسة في الأسواق الدولية، وتعزيز موقع مهرجان فينيسيا كجسر للتواصل بين السينمائيين في المنطقة والعالم.

 

####

 

دوين جونسون: شباك التذاكر يحاصر الممثل في زاوية ضيقة

فاصلة

فرحة عارمة لم يستطع دوين جونسون «ذا روك»، إخفائها خلال المؤتمر الصحفي لفيلم «The Smashing Machine» للمخرج الأمريكي بيني سافدي، حيث يقف جونسون لأول مرة على السجادة الحمراء لمهرجان فينيسيا، بدور يعد انتقالة نوعية كبيرة في مسيرته الفنية

«ذا روك» يجسد في الفيلم شخصية مارك كير، أحد أساطير الـ UFC في الوزن الثقيل، والذي عرف بلقب «The Smashing Machine»، بفضل قوته الضاربة وانتصاراته الساحقة في الحلبة. لكن الفيلم لا يقتصر على البريق الرياضي؛ إذ يتناول الجانب المظلم من حياة كير: إدمانه على المسكنات، صراعه مع الضغوط النفسية، وانهيار علاقته العاطفية مع زوجته السابقة داون ستيبلز التي تجسد شخصيتها في الفيلم إميلي بلانت.

جونسون أعرب عن سعادته الكبيرة بتجربة «آلة التحطيم» لأنها حررته من ضغوط «مطاردة شباك التذاكر» والتي كثيرًا ما تدفع الممثل إلى زاوية ضيقة حيث يُقال له «هذا هو مجالك» و«هذا ما يريده الجمهور منك». وأضاف: «صنعت تلك الأفلام واستمتعت بها، بعضها نجح كثيرًا وبعضها أقل… لكن أحيانًا يصعب علينا أن نعرف قدراتنا الحقيقية عندما نُحصر في قالب واحد. وأحيانًا تحتاج إلى أشخاص تحبهم وتحترمهم، مثل إيميلي وبيني، ليقولوا لك: يمكنك أن تفعل المزيد».

وأوضح أنه كثيرًا ما تساءل إن كان يعيش حلمه الخاص، أم أحلام الآخرين. وشرح أنه أعاد النظر في مسيرته قبل سنوات حين اكتشف أنه غير راضٍ عن مسارها، مضيفًا: «يمكنك أن تساير الوضع وتبقى في أمان، أو تقرر أن تحيا أحلامك أنت، حتى لو كان الطريق أصعب وأكثر خطورة».

وفي الوقت نفسه، شدّد على أنه لا يتنكر لماضيه في أفلام الأكشن الضخمة: «لقد صنعت تلك الأفلام، وأحببتها. بعضها نجح كثيرًا وبعضها لم يفعل. لكن هذا لا يقلل من قيمتها». بل أوضح أن الانتقال إلى «The Smashing Machine» ليس قطيعة، بل تطور طبيعي لمسيرة يريد لها أن تكون أكثر صدقًا مع ذاته.

كما تطرق جونسون أيضًا للحديث عن جذوره في المصارعة الاحترافية، مشيرًا إلى أن التجربة ساعدته في تجسيد شخصية كير، لكنها لم تكن كافية على حد تعبيره، حيث أوضح: «كنت خائفًا دائمًا من خوض تجربة الأدوار العميقة والعنيفة والمكشوفة. لكن هذا الفيلم أجبرني على مواجهة مخاوفي ووضع كل ما تجنّبته طوال سنوات أمام الكاميرا».

جونسون شدّد على أن الفيلم لا يغوص في مسيرة اللاعب الرياضية، معلقًا: «هو قصة حب بالأساس، بين مارك ودون، وبين مارك وشغفه برياضته». وأكد أن ما جذبه هو هذه المساحة الإنسانية الهشة، البعيدة عن صورة البطل الخارق أو رجل الأكشن الذي يسيطر على الشاشة.

أما إيميلي بلانت، التي تلعب دور شريكة كير العاطفية، فقدّمت قراءة عاطفية لطبيعة الفيلم، مؤكدة أنه ليس فيلم قتال بالمعنى التقليدي: «القصة ليست عن الرجل الذي يرفع قبضته عاليًا بعد الفوز، بل عن اللحظة التالية، عن التبعات والانكسارات، وعن صورة غير واقعية يُفرض على الرجال الحفاظ عليها».

العلاقة بين جونسون وبلانت لعبت دورًا محوريًا في هذا التحول. فقد كشف أنها كانت تشجعه دائمًا لاكتشاف أعمق لقدراته التمثيلية، منذ عملهما معًا في فيلم «Jungle Cruise» عام 2021، قائلًا: «إيميلي آمنت بي منذ البداية، وقالت لي: لديك مكان تضع فيه كل ما مررت به من تجارب شخصية. هذا التحول لم يكن ممكنًا دون وجودها إلى جانبي».

من جانبه فسافدي، الذي كتب وأخرج وأنتج الفيلم، أضاف أن جونسون لم يتردد في الدخول إلى الدور بجرأة نادرة، حتى أنه قبِل طلب المخرج بزيادة وزنه ليتناسب مع البنية الجسدية لمارك كير، وهو أمر اعترف سافدي بأنه بالكاد تجرأ على طلبه.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

02.09.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004