ملفات خاصة

 
 
 

ملفات فينيسيا (1):

سورينتينو يتأمل

أمير العمري- فينيسيا

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

فيلم الافتتاح للدورة الـ82 من أعرق مهرجانات السينما في العالم، كان أفضل كثيرا من كل أفلام الافتتاح التي شاهدناها في الدورات العشر الأخيرة على الأقل. هنا لدينا فيلم جديد لباولو سورينتينو، الذي يمكن اعتباره أفضل المخرجين العاملين في السينما الإيطالية اليوم مع زميله ماتيو جاروني. وكلاهما وريثا التراث العظيم لأنطونيوني وفيلليني وتافياني، وإن كنت أجد أن فيلم سورينتينو الجديد “لا غراتسيا” La Grazia أقرب في الحقيقة إلى سينما المخرج المرموق إيرمانو أولمي.

الشخصية الرئيسية في هذا الفيلم هي شخصية رئيس “متخيل بالطبع” للجمهورية الإيطالية في الزمن المضارع. يقوم بالدور الممثل المفضل لدى سورينتينو “توني سورفيللو” الذي يبدو هنا أكبر من سنه الحقيقي، فهو يقوم بدور الرئيس الثمانيني “ماريانو” الذي لم يتبق أمامه سوى ستة أشهر فقط قبل أن يترك منصبه بعد سبع سنوات. خلفيته الثقافية كرجل قانون محافظ، كاثوليكي، يمثل القيم الأصلية للحزب الديمقراطي المسيحي، وتشبثه بأفكار شديدة الجمود من دون أن تنحرف إلى اليمين المتطرف بل إننا نشاهد كيف يستقبل عند ظهوره في المناسبات العامة بصيحة تشير إلى أنه “خلص البلاد من رجل يميني متطرف”، وإن كنا لا تعرف بالضبط كيف؟ هل بعد أن تفوق عليه في الانتخابات، أم لسبب آخر.

المهم أن الرئيس الذي لا يعرف أنهم يصفونه في كواليس الحياة السياسية بل وحتى داخل القصر الجمهوري نفسه بأنه “عمود الخرسانة المعزز”، وعندما يسمع التسمية من ياوره الخاص، لا يعرف ما إذا كان هذا على سبيل التقدير أم التهكم. إنه يحتاج دائما إلى “التأمل” أي التفكير العميق، قبل أن يتوصل إلى أي قرار بأي شأن. وهو ما يتسق مع شخصية القاضي الذي يجب أن يتوخى الدقة وهو يصدر أحكامه.

إلا أن الزمن أصبح يسبقه الآن. وأمامه قانون تلح عليه ابنته “دوروتي” وهي مستشارة قانونية له، أن يوقعه لكنه يريد أن تمهله وقتا لكي “يتأمل”. هذا القانون يتعلق بإقرار “الموت الرحيم” في إيطاليا أو بالأحرى “القتل الرحيم”. أما صديق عمره “أوغو” فهو من جانبه يطالبه بالعفو عن سجينة تمت له بصلة قرابة، محكومة عليها بالسجن بعد إدانتها بقتل زوجها الذي يقال إن حالته الصحية كانت قدد بلغت حدا لا شفاء منه. ولكن المشكلة الآن أن أوغو هذا أعلنها صراحة له، أنه سيسعى إلى الترشح لكي يحل محله في مقعد رئاسة الدولة. ولكن هناك مشكلة أعقد كثيرا من هذا.

وهو على مشارف التقاعد، وبعد أن بلغ من العمر أرذله كما يقولون، أصبح يسترجع الماضي، ماضيه مع زوجته التي رحلت منذ ثماني سنوات، والتي أحبها وأغرم بها في شبابه من أول نظرة وظل حتى اليوم، يهيم بها حبا، وهو ما يتضح من خلال مشاهد الفلاش باك التي يشبعها سورينتينو ويرتد إليها من خلال كاميرا تصنع صورا ناعمة، رقيقة، بالحركة البطيئة، تفيض بالعذوبة والجمال.. من دون أن يجعلنا نرى وجه الزوجة الراحلة قط، بل نراها كشبح رقيق يتحرك في الأفق، وسط الطبيعة الساحرة، كأنها ملاك من الملائكة.

ورغم الحب الشديد الذي يجعل الحزن على رحيلها عن حياته لا يمكنه أن يفارقه لحظة واحدة، إلا أنه في الوقت نفسه، لا يستطيع قط أن ينسى أنها كما يعتقد “خانته” مع رجل آخر يشك هو في أن يكون هذا الرجل هو صديق عمره نفسه “أوغو”. وهو يضغط على صديقته وصديقة زوجته المقربة، “كوكو” يريدها أن تخبره باسم ذلك الرجل الآخر، لكن “كوكو” تتلاعب به وتقول إنها لن تبوح بالاسم قط. وعندما يبدو أنها ترغب في النهاية بعد ان يكون قد غادر منصبه فعلا، أن تريحه تقول إن الشخص الذي خانته معه زوجته هي كوكو نفسها، لكنه لا يصدقها.

شخصية الرئيس التي أداها بعبقرية توني سيورفيللو، ليست شخصية جامدة، متزمتة، بل هو رغم التزامه بالقيم التقليدية، وتفضيله مبدأ “الشك” الذي يرى أن كلمة “لا غراتسيا” تتضمنه، أي الشك الذي قد يفيد المتهم، إلا أنه في نفس الوقت، يمتلك القدرة على التعامل مع القريبين منه بكل أريحية وتواضع وبساطة.. هو هكذا مع الجميع. بل إنه يغني مع الجنود القدامى العجائز من فصيلة حماة الجبال، عندما يحضر احتفالهم الخاص، ويضع السماعات على أذنيه ويستمع لأغاني الراب تحديدا.

لديه ابن ناجح أصبح مؤلفا موسيقيا يقيم في كندا، ويتناول السجائر “المغموسة” التي يقدمها له ياوره الخاص، وينفتح كثيرا على قائد حرسه الخاص، العجوز الذي ينتمي إلى نفس جيله ربما. لكنه مع ذلك يظل حائرا. وعندنا يريد أن يستجيب لإلحاج ابنته بشأن قانون القتل الرحيم يذهب بنفسه الى السجن حيث يوجد الرجل الذي قتل زوجته التي كانت مريضة تتعذب، ويستمع إليه. وهو موقف من أهم واقوى مواقف الفيلم كله.

الرجل كان معلما ناجحا، وقد قتل زوجته ليخلصها كما يقول من مشاكلها المزمنة أي انطلاقا من حبه الشديد لها، وقد اعترف واقر بجريمته بل ورفض أن يلتمس العفو. ولكن الرئيس سيعفو عنه بعد أن أدرك أن دافعه كان الحب، كذلك سيمنح المرأة التي قتلت زوجها العفو بعد أن تكون ابنته قابلتها ولمست منها كيف أن قتلها لزوجها كان بسبب حبها الشديد لرجل آخر، وهذا الرجل نراه ينتظر أمام بوابة السجن كل يوم لعلها تخرج وتعود إليه. بل أن دوروتي الابنة تكتشف بعد لقائها المباشر مع تلك السيدة، كم أن حياتها هي  نفسها فارغة من دون الحب.

لا غراتسيا” فيلم يدعو للتأمل، يدفع إلى التفكير واستدعاء المكنون الكامن داخل النفس. إنه أشبه بلحن رقيق طويل، موسيقى الروج التي تدفع إلى التأمل. وهو أيضا فيلم عن الشيخوخة وعن الشعور القاسي بالوحدة، بعد رحلة الحياة الطويلة، وهل كان يجب أن يتخفف المرء من أثقالها مبكرا قبل أن يتأخر الوقت، ويصبح الحمل أكثر ثقلا؟

ماريانو يقابل البابا ويشكو له من عذابه الشخصي بسبب شكه في زوجته الراحلة، ويبدو البابا (الذي يجعله سورينتينو هنا رجلا أسود من أصول إفريقية يتجول في أرجاء الفاتيكان بواسطة دراجة نارية!) أكثر قدرة على التعامل مع الحالة بتفسير بسيط للغاية، فهو يخبره أن حياته أصبحت ثقيلة محملة بالكثير من الأحمال، في حين أنه يتطلع إلى “الخفة”. أي استحالة الجمع بين المتناقضات، ثم يتركه ويبتعد بدارجته النارية!

هذا فيلم عن الحب عندما يستبد بنا ولا نستطيع أن نجد له فكاكا، الحب في الحياة، وبعد الموت، وهو أيضا عن الذاكرة والماضي وعلاقته بالحاضر، وعن كيف يمكن أن يواجه المرء نفسه ويعيد تأمل مسار حياته وربما يتخذ القرار الذي عجز عن اتخاذه لسنين طويلة، فيسترد راحة القلب أو بعضا منها. لأن تركيبة الرئيس كما نشاهده، وكما يجسده سورينتينو وبطله سورفيللو، في هذا العمل البديع الذي لا يقلل منه سوى بعض الإسهاب والاستطرادات في المشاهد الأخيرة، هي تركيبة مركبة، ستظل باستمرار تطرح التساؤلات.

من الملفت أيضا أنه خلال حوار مع ابنته تقول له إنه ربما يخشى رد فعل البابا في حالة توقيعه على قانون القتل الرحيم فيقول لها إنه لا يأبه لذلك لأن البابا مسؤول أمام الله، أما أنا فمسؤوليتي هي العمل طبقا لدستور البلاد. وليت جميع الرؤساء يتعلمون احترام الدساتير التي وضعتها شعوبهم، ويتركون ما لله لله!

 

موقع "عين على السينما" في

29.08.2025

 
 
 
 
 

ملفات فينيسيا (2):

“بوغونيا” مغامرة لانثيموس الجديدة

أمير العمري- فينيسيا

يشارك فيلم “بوغونيا” Bugonia أحدث أفلام المخرج اليوناني يوغوس لانثيموس في مسابقة الدورة الـ82 لمهرجان فينيسيا، وهو مقتبس من الفيلم الكوري “إنقذوا العالم الأخضر” (2003)Save the Green Planet للمخرج يان يون هاون.

تشرح الموسوعة البريطانية معنى كلمة “بوغونيا” Bugonia فتقول إنها مشتقة من الكلمة اليونانية التي تعني “ولادة ثور”، وهي تشير إلى طقس أسطوري قديم يُعتقد فيه أن النحل يتولد تلقائيًا من جيفة ثور أو بقرة ميتة. أو الاعتقاد اليوناني القديم بأن نحل العسل ينشأ من جثث الحيوانات الميتة، وخاصة الثيران. ارتبط هذا المصطلح، المشتق من الكلمتين اليونانيتين “ثور” و”ذرية”، بأسطورة التوالد التلقائي للنحل من جثث الحيوانات.

 ويشير الفيلم إلى هذا المعنى كما يجعل بطله “تيدي” (جيسي بليمونز) يشرح لزميله أو ابن عمه الذي يسيطر هو عليه سيطرة تامة ويقوده وراء خططه الغريبة، كيف ينشأ النحل، خصوصا وانه يمتلك مزرعة للنحل تولد العسل، لكن النحل أصبح يموت ويتجه للفناء، وهنا ستكمن رمزية لانثيموس المعهودة التي يشير من خلالها الى مصير البشرية لو لم نسارع إلى إنقاذها من السقوط والتدهور والانهيار.

هذا أسهل أفلام لانثيموس وأكثرها تقليدية وابتعادا عن الغرائبية التي ميزت شخصيات أفلامه السابقة وصبغت عالمه، وهو بالتالي، أقربها إلى تحقيق المتعة والإثارة للمتفرج. ومع ذلك فقد يكون الفيلم أيضا أكثر أفلامه عنفا وقسوة، رغم أنه مصاغ في قالب الكوميديا السوداء. ففيه مشاهد للتعذيب وممارسة الإذلال بأشكال قد لا تخطر على البال. ورغم أن الفيلم مقتبس من الفيلم الكوري إلا أن لانثيموس وجد طريقه للتحرر من قيود الحبكة في الفيلم الكوري بل وعن فكرة أننا أمام فيلم من أفلام “الخيال العلمي” البعيدة عن عالمنا، فهو يقدم قصته كما لو كانت تحدث في واقع اليوم، ربما على صعيد ما يعرف- حسب بودريار- بـ “الواقعية الفائقة” hyperreality وهي غير الواقعية بالطبع، بل تدور “فوق الواقع”، لذلك فهي أيضا أقرب إلى السوريالية.

أول ملمح في الفيلم هو حياة العزلة التي يعيشها ذلك الشاب المهووس “تيدي” الذي يقيم الآن في منزل العائلة الواقع في منطقة معزولة من الريف الأمريكي في الزمن الحاضر. وهو مصاب بهاجس أصبح يسيطر تماما عن عقله، لكنه في الوقت نفسه، يبدو متماسكا، قوي الشكيمة، قابضا على عنق الأشياء، يعرف ويدرك جيدا مرماه رغم تطرفه وابتعاده عن عالمنا بل عن الحقيقة والصواب. إنه يعتقد بوجود مؤامرة كبرى من جانب كائنات قادمة من الفضاء، تلبست الكثير من البشر، وأصبحت تعمل من أجل تنفيذ خطة شريرة للقضاء على كوكبنا الأرضي، ومثلما يفنى النحل سنفنى نحن. وبعد أن تقع أمه ضحية إحدى شركات الأدوية ولابتكارات الطبية العلمية الحديثة، يسعى إلى الانتقام.

وسوف يكشف الفيلم في مرحلة متقدمة من السياق السردي، أن أمه  كانت تعاني من مرض غامض فعرضت عليها الشركة العملاقة، تجربة أنواع جديدة من العقاقير المتقدمة، مع ضمان تعوضيها في حالة الفشل، لكن الفشل يقع، وجاء التعويض محدودا وأصبحت أمه ترقد في غيبوبة تامة في المستشفى بين الحياة والموت.

ازدادت حدة شعور تيدي بالوحدة، فلم يجد سوى ابن عمه المراهق المتخلف الذي يعاني من اضطرابات في الشخصية “دونالد”، يسيطر عليه ويقوده للتعاون معه في اختطاف مديرة الشركة “ميشيل” (إيما ستون) التي يعتقد- بل هو على يقين- من أنها كائن فضائي من الذين يحيكون المؤامرة الكبرى لتدمير الكوكب، فقد درس وفحص جيدا عشرات الفيديوهات والبيانات والصور، ولابد أن يكون أيضا ضحية أفلام هوليوود الخرافية عن الكائنات الأخرى وفي الوقت نفسه ضحية ثقافة الإنترنت، حيث تنتشر نظريات المؤامرة وتسيطر على عقول الكثير من الشباب.

لكن فيلمنا يتجاوز نقد هوليوود، ونقد الانترنت، ويوجه اهتمامه أكثر بنقد مفهوم “الهيمنة” أو “السيطرة” والتلاعب بالعقول وجنى الأرباح الفلكية من وراء بيع الوهم مرورا بالاستهتار بحياة البشر في خضم السعي الشرس من أجل جني الأرباح مع إغفال الاهتمام بحياة الناس.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يحذر من فكرة تدمير الذات، أي تدمير الكوكب بتدمير الطبيعة والعبث بها. لكنه لا يقطع بالطبع بأن هواجس تيدي كلها ناجمة عن خلل عقلي، فربما يكون هناك فعلا مؤامرة ما تدبر من طرف لا نعرفه.

ما سيحدث لمدة تمتد نحو ساعتين، أن تيدي بمعاونة “دون”، سيختطفان ميشيل ويحتفظان بها في منزل تيدي، حيث يمارس عليها أنواعا مبتكرة من التعذيب الرهيبة، ثم يقوم بحلق  شعرها تماما للكشف عن الخلايا السرية المحتمل أن تكون مزروعة في رأسها، ودفعها، لا للاعتراف بأنها إحدى الكائنات القادمة من خارج كوكبنا، فهذا أمر محسوم لديه، بل لكي تقوده إلى مكان سفينة الفضاء الضخمة التي يوجد فيها “الإمبراطور” الغريب القادم من خارج كوكبنا، الذي يقود عملية تدمير الأرض والسيطرة عليها.

ميشيل” مديرة الشركة، قوية الشخصية جدا، مدربة جيدا على ممارسة الجودو، لكنها رغم مقاومتها الجسدية تفشل في مقاومة تيدي، وتصبح أسيرة عاجزة عن الخروج من المأزق إلا لو نجحت في اختراق عقل “تيدي” والنفاذ الى نقطة ضعفه واستعادة السيطرة في يدها من دون عنف، بالهدوء والمناقشة والصلابة أمام الموت. وهي تجرب أساليب عديدة، لكنها تفشل واحدة تلو الأخرى. ولكن لأن تيدي نفسه مهتز من الداخل، فلابد أنها ستتمكن من السيطرة عليه وقيادته وتدميره في نهاية الأمر، إلا أن هذا سيستغرق الكثير من المشاهد والمفارقات والحيل، وفي النصف ساعة الأخيرة يعاني الفيلم من هبوط الإيقاع، مع الميل إلى التكرار والاستطرادات، وابتكار الالتواءات، غير أن المتفرج يكون قد أصبح يدرك- رغم الالتواءات- كيف يمكن أن تنتهي القصة.

في الفيلم بعض المشاهد التي يثير المرح والضحك رغم ما يمتليء به من عنف صادم، وفيه أيضا بعض العناصر المركبة في تكوين شخصية تيدي تحديدا التي تجعله ضحية أكثر منه مجرما، ويمكن بالتالي أن نلتمس له بعض الأعذار دون تبرير أساليبه العنيفة. وكما أنه يعتقد انه الوحيد الذي يمكنه انقاذ العالم من الفناء، فعندما يوقن أنه لن يستطيع منع وقوع الكارثة يصبح راغبا بشدة في المغادرة مع الامبراطور والكائنات الغريبة.

في أحد اكثر المشاهد طرافة في الفيلم، يصل ضابط الشرطة البدين، وهو مأمور قسم الشرطة المحلي، الذي يعرف تيدي بل ويرتبط بنوع من الصداقة معه ومع عائلته، والضابط يبدو كما لو كان لا يقل بلاهة عن “دونالد”، وأنه ربما يكون مهتما أكثر بتناول قطعة من الحلوى الشهية التي أعدها تيدي، أو بمشاهدة النحل وخلايا العسل في منحل تيدي، أكثر من اهتمامه بمتابعة البحث عن السيدة المختفية “ميشيل” التي أوفد أصلا للبحث عنها. وهو كيف يظل يلف ويدور ويناور ويحاور بحيث لا نفهم هل هو يتعمد التظاهر بالسذاجة، وأنه جاء فقط لتوجيه بعض الأسئلة الاعتيادية، أم أنه جاء بناء على معلومات محددة؟

هنا يخلق لانثيموس حوارا طريفا ذكيا يذكرنا بطرافة الحوار في أفلام تارانتينو وسكورسيزي. وهو حوار يدور بين الضابط وتيدي، في خضم وضع شديد التوتر تماما، وبعد أن يكون قد وقع ما وقع من عنف ثم انتحار دونالد في لحظة يأس وضعف وفقدان الثقة في وجود من يحبه ويهتم به حقا. وربما يكون هذا أيضا راجعا الى غسيل المخ الذي مارسته ميشيل عليه في غياب تيدي. لكن عندما يوشك الضابط على اكتشاف الحقيقة، سيلقى مصيره.

ميشيل هي على نحو ما أيضا، ترمز للسلطة الاستغلالية، وهي تهدد تيدي بأن الدنيا ستقوم ولن تقعد وسيأتي رجال الشرطة ومكتب المباحث الفيدرالية والمخابرات للبحث عنها، وسينتهي تيدي إلى مصير أسود. كان التهديد بأذرع السلطة أحد أدواتها لاستعادة السيطرة، ثم لجأت لطريقة أخرى، هي الاعتراف بأنها من الكائنات الغريبة. وما سيحدث بعد ذلك، لن يكون سلسلا بل سيمر عبر التواءات كثيرة.

بوغونيا” ليس أفضل أفلامه مخرجه، وقد لا يكون أكثرها إتساقا مع رؤيته للعالم رغم وجود بعض الملامح من أفلامه السابقة مثل شخصية المرأة القوية التي تريد فرض سلطتها على الرجل. وقد يرجع ذلك أيضا إلى غياب الخيال الخاص الجامح، وكبح جماح السوريالية التي ميزت أسلوب لانثيموس في أفلامه السابقة بغرابتها وعصيانها عن التفسير البسيط، والتبرير الواضح، وأهمها دون شك فيلم “كائنات بائسة” Poor things الذي بلغ فيه ذروة النضج. فكثير من جوانب الحبكة في “بوغونيا” يبدو تقليديا conventional إلا أن ما يبقي على متعة المشاهدة، ذلك الأداء البديع أولا من جانب بطله “جيسي بليمونز” (في دور تيدي) الذي يتحكم في نبرات صوته ونظرات عينيه، يضبط حركات جسده ويديه، ويعبر عن شخص واثق تمام الثقة من صحة استنتاجاته، يعرف كل التفاصيل الخاصة بتلك الكائنات الافتراضية، ولكنه مشوش وضعيف من الداخل، وهذا التردد بين القوة والصرامة من ناحية، والضعف الداخلي من ناحية آخرى، هو ما يميز الأداء المذهل لهذا الممثل.

طبعا لا حاجة لنا بالإشادة بأداء الممثلة الكبيرة الراسخة إيما ستون (في دور ميشيل)، التي صبغت عددا من أفلام لانثيموس الأخيرة بصبغة خاصة: قوة الشخصية، وضعفها، جاذبية الأنوثة، وقسوتها، الرغبة في السيطرة والقيادة، والتمرد الشديد والجموح القاتل. إنها ممثلة متعددة الطبقات إن جاز التعبير، يمكنها أن تتلوى وتتلون وتتخذ أكثر من سمة في المشهد نفسه.

بوغونيا” قد يصبح أكثر وصولا إلى المشاهدين من أفلام لانثيموس النخبوية السابقة. وهو بلا شك، يستحق، ومن حقه، أن يتذوق طعم هذا النجاح. وهو نجاح يشير غليه الاستقبال الكبير الذي قوبل به في فينيسيا، وهو لا ينفي عن الفيلم – أفكاره الكبيرة عن عالمنا، وبؤس هذا العالم وما صنعناه بأنفسنا، وليس بأيدي الكائنات الأخرى. ولعل هذه الفكرة وحدها هي أهم سمات سينما لانثيموس.

 

موقع "عين على السينما" في

30.08.2025

 
 
 
 
 

بينالي سينما 2025 | تكريم المغرب في «جسر فينيسيا للإنتاج»

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

يُكرّم المغرب، لأول مرة في تاريخه، في "جسر فينيسيا للإنتاج"، الذي يُقام ضمن فعاليات الدورة الثانية والثمانين لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، المُقام من 27 أغسطس إلى 6 سبتمبر.

يعكس هذا التكريم، الذي يعكس تنامي الاعتراف الدولي بالسينما المغربية وانتشارها العالمي، مشاركة وفد مغربي هام من المؤسسات والمتخصصين في هذا المجال، بقيادة مدير المركز السينمائي المغربي، محمد رضا بنجلون.

إلى جانب المملكة المتحدة وتشيلي، يُؤكد تكريم المغرب على طموح جماعي لتعزيز الشراكات المهنية في الأسواق الدولية الرئيسية. كما يتماشى مع استراتيجية الترويج الدولي التي تقودها وزارة الشباب والثقافة والاتصال والمركز السينمائي المغربي.

في إطار هذه المشاركة الاستثنائية، ستُعرض السينما المغربية في أبرز فعاليات جسر الإنتاج في فينيسيا، المخصص للمشاريع التي تسعى للحصول على تمويل، ثلاثة أفلام مغربية روائية: "طرفاية" للمخرجة صوفيا العلوي، و"اللؤلؤة السوداء" للمخرج أيوب قنير، و"الجمل المفقود" للمخرج الشيخ ندياي.

بالإضافة إلى ذلك، خصص المركز الثقافي المغربي مساحة ترويجية ضمن سوق أفلام جسر الإنتاج في فينيسيا، ونظم أيضًا ثلاث جلسات نقاش حول مواضيع: "الحوافز والفرص - برنامج استرداد نقدي"، و"الإنتاج المشترك، عملية تدريجية"، و"عندما تُشكل الرسوم المتحركة المغربية الخيال العالمي".

 

####

 

مراجعة فيلم | «بعد الصيد» لـ لوكا غوادانيينو

أداء جوليا روبرتس يرشحها لأوسكار أفضل ممثلة

فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»

ينجح المخرج البارع لوكا غوادانيينو في جعل نص فيلمه «بعد الصيد، After the Hunt» المُثير للجدل سينمائيًا بامتياز.

حتى أسلوب شارة البداية يُلمّح بذكاء إلى أنواع النقاشات التي يُشكّلها الفيلم. إخراجه الرائع وأداء جوليا روبرتس المُتميّز، يجعلان من "بعد الصيد" رحلة آسرة عبر عالم من الشك وعدم الثقة، على الرغم من أن السيناريو يبدو كنسخة مُخفّفة من أفلام سابقة تُجسّد هذا الجانب من العمق.

تُجسّد روبرتس دور (ألما إيمهوف)، أستاذة الفلسفة في جامعة ييل المُرشّحة لمنصب دائم، وكذلك زميلها وصديقها هانك (أندرو غارفيلد).

ماغي (آيو إيديبيري)، الطالبة المتميزة في مدرسة ألما، ابنة أبوين ثريين مُحسنين، تعمل حاليًا على أطروحتها للدكتوراه.

يهتز عالمهم الجماعي عندما تتهم ماغي هانك بالاعتداء عليها بعد أن أوصلها إلى منزلها من حفلة في منزل ألما.

ومن هنا، يتتبع الفيلم ألما بشكل شبه كامل، وأفكارها تدور في رأسها وهي تخوض نقاشات مع هانك وماغي حول هذه الادعاءات، إلى جانب لمحات عن صراعاتها الشخصية.

وفي انعكاس لانهيار نظامها البيئي الموثوق، يبدأ جسدها بخيانتها، وفي الوقت نفسه، يعود ماضيها المضطرب ليطاردها.

تتجسد صدمتها المكبوتة في نوبات ألم متزايدة من المعدة. ومن غير المستغرب أن تقود روبرتس الفيلم بثقة مطلقة.

إنه بلا شك أداء يوازي ما قدمته في فيلمها "أغسطس: مقاطعة أوساج" في مكتبتها التمثيلية (وسيتفق محبو التمثيل الحقيقيون على أن هذا أحد أبرز إنجازات مسيرتها المهنية اللامعة، إن لم يكن أفضل أعمالها على الإطلاق).

إنها مركزة، فائقة الذكاء بشكل واضح، وواثقة من كل كلمة تخرج من شفتيها. حتى في مشهد صف دراسي مليء بالمواجهة، تقدم روبرتس كل مقطع من ثرثرة التحليل النفسي الأكاديمي بشراسة تُظهر أن ألما ستفوز في كل محادثة - حتى عندما لا تبدو هذه المحادثات تنافسية.

لكن الأمر لا يقتصر على التظاهر العنيف والمناظرات المنتصرة. عندما تواجه ألما لحظات الألم أو خيبة الأمل، يتغير وجه روبرتس ويتشكل بطريقة تبدو غير مريحة للمشاهدة، مثل رؤية شخص غريب يبكي بالقرب منها.

بهذا الأداء الذي يرشحها بلا شك لأوسكار أفضل ممثلة، تثبت روبرتس أنها واحدة من أفضل نجمات هوليوود. هي والكاميرا صديقتان قديمتان تعرفان بعضهما البعض منذ عقود، وروبرتس تعرف تمامًا كيف تتعامل معها بطريقة تنقل الحياة الداخلية لشخصيتها، حتى عندما لا ترغب ألما في أن يعرف أحد ما تفكر فيه أو تشعر به.

بالنسبة لروبرتس، يُعد هذا إنجازًا كبيرًا في مسيرتها الفنية الحافلة بالأعمال السينمائية الاستثنائية.

لكن كأي أستاذة جامعية، لا تُتقن روبرتس إلا ما يُميزها عن غيرها من الأقسام، وقد قدّم باقي أعضاء الفريق بعضًا من أفضل عروضهم.

يُجسّد مايكل ستولبارغ دور فريدريك، زوج ألما، بلمسة من الفخامة المترفة، وهو يتجول في شقتهما الفخمة كمهرج بلاط مثقف.

لكن الأمر لا يقتصر على التعليقات الجانبية وحركات اليد المضحكة. فكما هو الحال في فيلم "نادني باسمك" للمخرج غوادانيينو، يُقدّم ستولبارغ مشهدًا ختاميًا رائعًا مع روبرتس، حيث تُتاح له الفرصة مجددًا لتقديم درسٍ قيّم من خلال حوارٍ رقيق.

غارفيلد ساحرٌ ووقحٌ ومُهددٌ في بعض الأحيان. إنها شخصيةٌ معقدة، إذ يتطلب أداؤها أن تكون محبوبًا وتهديدًا حقيقيًا، وغارفيلد على قدر المسؤولية.

وفي دور صغير ولكنه جوهري كزميلة في فريق العمل وطبيبة نفسية في الحرم الجامعي، تُقدّم كلوي سيفيني أداءً فكاهيًا (إنها أقرب ما يكون إلى الكوميديا في الفيلم) دون أن تُخفي ذكاء شخصيتها الواضح.

أما إيديبيري، بدور ماجي - الشخصية المحورية في عاصفة الصراع في الفيلم - فهي شخصية مثيرة للتعاطف وهشة، لكن حضورها لا يُضاهي حضور النجوم الأكثر رسوخًا من حولها.

قد يكون هذا مقصودًا، نظرًا لضعف نفوذ شخصياتها مقارنةً بأقرانها الأكبر سنًا، لكن إيديبيري (وإلى حد ما، مخرجها، بتأطيره وتوجيهه) لا يُحوّل هذا التفاوت في الطاقة إلى خيار فعّال بما يكفي كممثلة.

يتألق غوادانيينو في ذوقه السينمائي غير المتوقع الذي يُضفيه على الفيلم.

هناك لقطات مقربة آسرة لممثليه وهم يحدقون مباشرة في كاميرا (جوناثان ديمي) في لحظات عاطفية متصاعدة.

وقد اختار خيارًا بصريًا موضوعيًا بالتركيز على أيدي الشخصيات أثناء إيماءاتها، مُبرزًا حوارهم المنطوق.

هذا يُسلط الضوء على فكرة الأيدي البشرية كامتداد للرعاية - إذ يُمكنها أن تُواسي أو تُداعب أو تُوفر اتصالًا مُطمئنًا - أو صراعًا - فالفيلم مليء بالصفعات والإمساكات والتواصل المُرفض عمدًا.

يُساعد هذا الاختيار الذكي على إبراز قصة الآثار الإيجابية والسلبية التي يُمكن أن تُخلفها تفاعلات الناس على بعضهم البعض.

يُمثل سيناريو نورا غاريت الأول تحديًا من جميع النواحي. فمن الواضح أنه يتناول موضوعًا شائكًا دون تقديم إجابات أو رسائل سهلة.

هذا قرارٌ مثيرٌ للإعجاب يُساعد الجمهور على فهم ألما وكيف تشعر بالتمزق بين شخصين تُكنّ لهما كل الحب، واللذين يجدان نفسيهما فجأةً على طرفي نقيض في صراع.

ومع ذلك، في الوقت نفسه، لا يبدو الأمر مُتعمقًا كما ينبغي، بل يتحول إلى نوعٍ من قصص "قال هو" و"قالت هي" التي رأيناها سابقًا، والتي ترغب الشخصيات نفسها في رفضها بشكلٍ ملحوظ.

الحوار المُفرط في التفكير، والمليء بالمصطلحات الفلسفية والمواضيع الحوارية المُثيرة، يُقدّم بحيوية سرد رحلة إلى متجر البقالة، مما يجعل الشخصيات تبدو وكأنها محاكاة ساخرة للأكاديمية المُتكبّرة بدلًا من تمثيلها.

إنه لأمرٌ مُريحٌ ومُضحكٌ تقريبًا عندما تقول ماجي لألما في منتصف المحادثة: "هل يُمكننا التوقف عن الذكاء للحظة؟".

يُكافح "بعد الصيد" لتحديد كيفية تناوله بدقة لمنهجية التعامل مع مزاعم اللا أخلاقية في مجتمع اليوم، لكن بفضل اختيارات غوادانيينو السينمائية القوية، والموسيقى التصويرية المُقلقة لترينت ريزنور وأتيكوس روس، والأداء المُذهل، الفيلم قادر بجدارة على جذب الجمهور إلى عالمه المُرعب وغير المُستقر.

 

####

 

مراجعة فيلم | «لا خيار آخر» لـ بارك تشان ووك

عندما يتحول اليأس إلي تجربة سينمائية مثيرة

فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»

تحية لبارك تشان ووك .. يَعلم عشاق السينما أنه سيد هذا النوع من الأفلام، ومع أحدث أعماله "لا خيار آخر"، نجح في الدفاع عن لقبه كأكثر مخرج سينمائي إبداعًا على قيد الحياة.

يمزج فيلم "لا خيار آخر" بين النغمات غير المتوافقة وسمات النوع السينمائي بطريقة نموذجية لبارك، ومع ذلك يبقى مُنعشًا، مما يُلقي نظرة خاطفة على ما يحدث عندما يدفع النظام شخصًا إلى حافة اليأس.

الشخص المعني هو يو مان سو (لي بيونغ هون)، رجل كوري جنوبي في منتصف العمر، تنقلب حياته السعيدة مع عائلته رأسًا على عقب عندما يُفصل فجأة من وظيفته في مصنع ورق، فبعد أن اشترته شركة أمريكية مؤخرًا، لم يُفلح تخفيض العمالة بنسبة 20% في صالح مان سو.

بعد أن تحولت فترة البطالة المتوقعة من ثلاثة أشهر إلى 13 شهرًا، اضطرت عائلته إلى تقديم تضحيات.

قررت زوجته ميري (سون يي جين) بيع إحدى سياراتهم، والتخلص من كلبيّ العائلة، وإلغاء جميع الخدمات والكماليات غير الضرورية، وطرح منزلهم للبيع.

في نهاية المطاف، يتوسل مان سو حرفيًا للحصول على وظيفة في مصنع ورق آخر، فيُرفض رفضًا مهينًا.

ولأنه لا يملك الكثير ليخسره، دبّر خطةً للقضاء على منافسيه على الوظيفة، أملًا في ألا يكون أمام صاحب العمل خيارٌ آخر سوى توظيفه.

على غرار فيلم "طفيلي" للمخرج بونغ جون هو، يستخدم فيلم "لا خيار آخر" حبكةً ضخمةً تكاد لا تُصدّق للتعليق على التفاوت الاقتصادي في كوريا الجنوبية.

لكن محنة بطله ستتردد صداها لدى مواطني العديد من الدول الرأسمالية التي يغذيها الجشع.

في الواقع، تبدو خطة مان سو الإجرامية بمثابة أقصى درجات التطرف في سوق حرة تنافسية.

في النهاية، هو في الأساس يُقصي المنافسة بنفس الطريقة التي تُقصي بها شركةٌ أخرى، ولكن بطريقةٍ حرفيةٍ ومتطرفة.

فقدان الوظيفة قد يُشبه تلقي تشخيصٍ نهائيٍّ - ظلمٌ وعجزٌ لا يُقهر.

من ذا الذي لا يبذل أي جهدٍ لإيجاد علاج؟ نسخة مان-سو من هذا أشبه بدواءٍ تجريبي محفوفٌ بالمخاطر وربما مميت، ولكنه يحمل في طياته إمكانيةَ إنقاذٍ معجزيٍّ من أعماق اليأس.

لسرد هذه القصة، يستخدم بارك كلَّ أداةٍ في صندوق أدوات الإخراج، ويذهب إلى متجر الأدوات لشراء المزيد، ومع ذلك لم يقتنع، فيبتكر بعضًا من أدواته الخاصة. ومثل تحفته الفنية الأخيرة "قرار الرحيل"، يُبدع بارك في استخدام كاميرته بشكلٍ فعالٍ ومبتكرٍ للغاية.

هناك العديد من الحالات التي يضع فيها الكاميرا في أماكن لم تُرَ من قبل في الأفلام.

وقد تم مونتاج الفيلم ببراعة، مُستخدمًا بشكلٍ مُذهلٍ تقنياتِ القصّ المُطابق والتعريض المزدوج لسرد قصته بأقصى قدرٍ من الإبداع البصري.

مع تصاعد أحداث "مان سو" في سفك الدماء والجنون، يزداد تصوير الفيلم ومونتاجه إبداعًا وغرابة، مما يجعل الجمهور يشعر بالتوتر والقلق تمامًا مثل الشخصية الرئيسية.

يتناغم الصوت مع هذه العناصر، مستخدمًا مؤثرات صوتية واضحة وممزوجة جيدًا لتسليط الضوء على أجواء الفيلم وزيادة حدتها.

باختصار، إنه عمل فني مصقول ببراعة، يستغل الفيلم بكامل إمكاناته.

"لا خيار آخر" هو أحد تلك الأفلام التي، لحسن الحظ، تتحسن مع مرور الوقت. هذا لا يعني أن الفيلم يبدأ بداية متعثرة، ولكنه يستغرق قرابة ساعة لينطلق بثقة تامة.

في الواقع، ليس من الواضح دائمًا ما هي خطة مان سو، مما يجعل جزءًا كبيرًا من الفيلم يبدو محيرًا وبعيد المنال، ولكن بمجرد أن تبدأ أحداث الفيلم، يصبح من المستحيل تجاهله.

بصفته بطلنا المحبوب، لي بيونغ هون، نجمٌ لامع. يتخذ خيارات غريبة لا تكشف حقيقة وجود شخصيته، بل تُظهر إدراكه التام لوصوله إلى نهاية حبل صبره.

من السهل على شخصيته أن تشعر بالإرهاق العاطفي مرارًا وتكرارًا، نظرًا لأنه يبدأ الفيلم في أسوأ لحظاته بالنسبة لمعظم الناس.

ومع ذلك، فإن فقدان وظيفته ليس سوى بداية رحلته، ويواصل (لي) إيجاد طرق لمفاجأة المشاهدين بأدائه.

بينما يحاول مان سو أن يشرح لمشرفيه الأمريكيين القساة، فإن المثل الكوري لقول "تم فصل الموظف" يعني "اقطع رأسك".

يكشف فيلم "لا خيار آخر" عما يحدث عندما تُبث هذه التعبيرات الاصطلاحية في الحياة، محولًا اليأس إلى تجربة سينمائية مثيرة وقوية.

لقد صنع بارك تشان ووك مرة أخرى فيلمًا مذهلاً وحيويًا وإبداعيًا لا حدود له، يبهج العقل والعينين.

 

####

 

مراجعة فيلم | «شارع مالقة» لـ مريم توزاني

استكشاف الحياة في سن الشيخوخة

فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»

كارمن مورا، بجاذبيتها الآسرة، تُجسّد دور جدة إسبانية مقيمة في طنجة، عازمة على الحفاظ على المنزل الذي قضت فيه معظم حياتها – هذا هو محور فيلم «شارع مالقة، Calle Malaga» للمخرجة المغربية مريم توزاني، الذي عُرض أمس في قسم «أضواء» بمهرجان فينيسيا السينمائي الـ 82، ويعرض بعد أيام في الدورة الـ 50 لمهرجان تورنتو.

تُعرف كارمن مورا، التي اشتهرت بتجسيدها لشخصية ألمودوفار الشهيرة في أفلام مثل "عادات مظلمة" (1983)، و"قانون الرغبة" (1987)، و"العودة" (2006)، بقوتها الفطرية في سن التاسعة والسبعين.

تُجسّد دور ماريا أنجيلا، المرأة الإسبانية، التي وُلدت وعاشت حياتها كلها في طنجة.

يُوضّح عنوان الفيلم في بداية القصة للمشاهدين أن مدينة شمال المغرب ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإسبانيا، إذ كانت في السابق جزءًا من الدولة الإيبيرية.

ولعل الأهم من ذلك، أنها رحبت بالمنفيين السياسيين الهاربين من نظام فرانكو القمعي، ويُفترض أن هذه هي الطريقة التي وصل بها أسلاف ماريا إلى المغرب العربي.

تعيش ماريا حياة سعيدة. تختلط جيدًا مع جيرانها العرب، في مجتمع دافئ يبدو فيه الجميع مُرحّبًا بالإسبان.

شقتها مُزينة بأثاث قديم جميل، وتُطل على شارع تجاري نابض بالحياة (شارع مالقة الذي يحمل اسم العائلة).

انتقلت ابنتها كلارا إلى إسبانيا مع أحفاد ماريا منذ زمن بعيد، ونادرًا ما تزور والدتها.

تسافر فجأة إلى المغرب لتُبلغهم خبرًا مُفجعًا: قررت بيع منزل والدتها، الذي تركه والدها باسمها لأسباب قانونية.

تُصاب ماريا بالذهول. ترفض التزحزح عن موقفها. لا تُصدّق أن ابنتها الوحيدة قادرة على طردها، وهي مُقتنعة بأن زوجها الراحل سيُغضب منها بشدة.

لتسريع عملية البيع، تُفرغ كلارا الشقة وتبيع أثاث ماريا العزيز - بما في ذلك ثريا فخمة ومُشغّل أسطوانات عتيق الطراز - لتاجر التحف المحلي.

تُعطي والدتها خيارين: الانتقال معها إلى مدريد، أو الانتقال إلى دار مسنين إسبانية في طنجة.

تختار ماريا الخيار الثاني على مضض، واعدةً إياها بالحرية والترفيه، بل وحتى بإجراءات تجميلية في مسكنها الجديد.

لكن غرفتها، ولخيبة أملها، كئيبة وبلا روح، والمحترفون الذين كانوا يهدفون إلى تحسين مزاجها، ينتهكون خصوصيتها.

لذا، تضع خطة ماكرة لاستعادة الشقة المعروضة للبيع، لتخوض بذلك مغامرة فريدة من نوعها.

تعيش ماريا مرحلة النضج في سن الشيخوخة. تسمح لنفسها باتخاذ قرارات مصيرية، والتواصل مع أصدقاء جدد، وكسب المال، وحتى استكشاف حياتها الجنسية (وهي مهمة مألوفة لمن شاهدوا فيلم "الطريق الأزرق" لغابرييل ماسكارو، الحائز على المركز الثاني في مهرجان برلين السينمائي لهذا العام).

تنقل مورا وعيناها الكبيرتان اللؤلؤيتان مجموعة واسعة من المشاعر، من الدفء اللطيف والسخط الصامت إلى الغضب والعاطفة المتفجرة.

ما بدأ كدراما مروعة وتأمل هادف في العلاقة بين كبار السن وأبنائهم البالغين يتحول تدريجيًا إلى فيلم أكثر مرحًا مع عناصر كوميدية صريحة.

قد يكون هذا مفاجئًا لمن شاهدوا فيلم توزاني السابق: القفطان الأزرق (2022) المؤثر والقاسي.

أثبتت المخرجة المغربية البالغة من العمر 44 عامًا أن مهاراتها الإخراجية وقدراتها الكتابية واسعة جدًا.

كتبت السيناريو مع نبيل عيوش، نفس الأيدي التي ساعدتها في فيلم "القفطان الأزرق"، وأيضًا في فيلمها المشهود له. آدم، أول فيلم روائي طويل لعام 2019.

من بين اللحظات المضحكة رفض ماريا قص شعرها، وهروبها من دار المسنين، وحواراتها غير المباشرة مع أختها جوزيفا، الراهبة المتدينة التي نذرت الصمت، والتي تستطيع التعبير عن مشاعرها الجياشة بوجهها ويديها.

يثير وصف ماريا لتجاربها الحميمية الأخيرة ردود فعل متطرفة لدى المرأة المتدينة. اللحظات الكوميدية مؤثرة لدرجة أن فيلم "شارع مالقة" - مع اقترابه من نهايته - يفشل في العودة إلى نبرته الأكثر جديةً التي رسمها في البداية.

لم تكن مواجهة الأم وابنتها في نهاية الفيلم مؤثرة بقدر تلك التي ظهرت في البداية، ولعل هذا هو العيب الوحيد الملحوظ في هذا العمل.

يُبرز التصوير السينمائي الغني لفيرجيني سورديج دقة التفاصيل اللازمة لتصوير امرأةٍ مُتمسكةٍ بممتلكاتها.

صُوِّرت كل تفاصيل منزل ماريا ببراعة، من ملاءات السرير المُزركشة إلى الأطباق المُلوّنة، كما تُضفي صور شوارع طنجة على القصة طابعًا إنسانيًا وبهجةً.

 

####

 

غييرمو ديل تورو في مؤتمر فينيسيا الصحفي لـ «فرانكنشتاين»:

لا أخشى الذكاء الاصطناعي بل الغباء الإنساني

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

أثار فيلم غييرمو ديل تورو المقتبس عن رواية فرانكشتاين لماري شيلي، وهي رواية قوطية عمرها قرون كُتبت عام 1818، مجموعة واسعة من الأسئلة في المؤتمر الصحفي لمهرجان فينيسيا السينمائي اليوم، حيث سُئل المخرج عن الذكاء الاصطناعي، واستراتيجية نتفليكس في عرض الأفلام في دور السينما، والوحوش الحقيقية في مجتمعنا المعاصر.

بدأ المخرج المخضرم جلسة ما بعد الظهر اليوم السبت بسؤال، عن سبب هوسه بصنع فيلم فرانكشتاين منذ أن كان في السابعة من عمره.

أوضح ديل تورو خلال المؤتمر الصحفي الذي انضم إليه طاقمه، بمن فيهم أوسكار إسحاق، وجاكوب إلوردي، وميا غوث، وكريستوف والتز، وفيليكس كاميرر، والملحن ألكسندر ديسبلات، قائلاً : "بصراحة، كان الأمر أشبه بحلم يتجاوز كل ذلك، لقد كان ديانة بالنسبة لي منذ صغري. نشأتُ على الكاثوليكية، ولم أفهم القديسين جيدًا. ثم عندما شاهدتُ بوريس كارلوف على الشاشة، فهمتُ شكل القديس أو المسيح".

وأضاف: "لطالما انتظرتُ أن يُنجز الفيلم في الظروف المناسبة، سواءً من الناحية الإبداعية من حيث تحقيق النطاق الذي احتاجه لأجعله مختلفًا، أو لإنجازه على نطاق يُمكّنني من إعادة بناء العالم أجمع. الآن أعاني من اكتئاب ما بعد الولادة."

أخرج ديل تورو الفيلم من سيناريو خاص به، وتدور أحداثه حول فيكتور فرانكنشتاين، الذي يؤدي دوره إسحاق، وهو عالم لامع ولكنه مغرور يُعيد الحياة إلى مخلوق (إلوردي) في تجربة وحشية تؤدي في النهاية إلى هلاك كل من الخالق وخلقه المأساوي.

يُعرض فيلم فرانكشتاين لأول مرة الليلة، 30 أغسطس، داخل قاعة "سالا غراندي"، يليه عرضٌ سينمائي محدود في 17 أكتوبر، واحتفالٌ عالميٌّ من نتفليكس في 7 نوفمبر. سأل صحفيٌّ ديل تورو عمّا إذا كان هناك اتفاقٌ قائمٌ مع نتفليكس بشأن عدد الأفلام التي سيُعرض فيها الفيلم، وما إذا كان راضيًا عن هذا الاتفاق أم لا.

قال ديل تورو مازحًا: "أعني، انظروا إلى حجمي. دائمًا ما أرغب في المزيد من كل شيء". قبل أن يُركز على الجدل الدائر حول العرض السينمائي مقابل البثّ. بالنسبة لي، المعركة التي سنخوضها في سرد القصص تدور على جبهتين. من الواضح أن حجم الشاشة هو العامل الحاسم، لكن حجم الأفكار بالغ الأهمية. إن حجم الطموح، وحجم التوق الفني الذي تجلبه السينما، يتعلقان بمسألة: هل يمكننا استعادة حجم الأفكار؟ هل يمكننا تحدي أنفسنا؟ إنه حوار، وهو حوار سلس للغاية.

مع ذلك، صرّح صانع الأفلام، الذي يتعاون بانتظام مع نتفليكس، بأنه سعيد بوصول منصة البث إلى أكثر من 300 مليون مشاهد حول العالم. "أنت تغتنم الفرصة والتحدي لصنع فيلم قادر على تحويل نفسه بشكل متنوع وجميل، ويستحضر تلك السينما، ثم توفر دور عرض لذلك في البداية، وهذا، بالنسبة لي، تجربة إبداعية للغاية."

وفيما يتعلق بكيفية انعكاس مواضيع الفيلم الوحشية على العصر الحالي، أكد ديل تورو أننا "نعيش في زمن الرعب والترهيب، بالتأكيد"، لكن الرد على ذلك "هو الحب". والرد على الذكاء الاصطناعي، قال ديل تورو بصراحة: "أنا لست خائفًا من الذكاء الاصطناعي. أنا خائف من الغباء الفطري للإنسان، وهو أكثر وفرة بكثير".

أكد ديل تورو أنه ليس ضد الرسوم المتحركة الحاسوبية أو غيرها من أدوات صناعة الأفلام - فهو يستخدم الكثير منها - ولكنه يُفضل استخدامها بالطريقة الصحيحة. "كمخرج، لا يوجد مورد سيء. هناك فقط موارد سيئة الاستخدام. لدينا مؤثرات رقمية، ولكنك لا تستخدمها إلا عندما يكون الحد الأقصى للأدوات المادية حلاً صعبًا. كلما زادت خبرتك في استخدام الأدوات، زادت معرفتك بكيفية إنجاز عمل أفضل بها".

 

####

 

كواليس البينالي | جوليا روبرتس في موعد غرامي نادر مع زوجها

بـ «فينيسيا السينمائي الـ 82»

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

ظهرت جوليا روبرتس لأول مرة في مهرجان فينيسيا السينمائي في العرض الأول لفيلمها الجديد "بعد الصيد" يوم أمس29 أغسطس، ورغم أنها سارت على السجادة الحمراء بمفردها، إلا أن زوجها، داني مودر، الذي دامت علاقتهما لأكثر من عقدين، انضم إليها في هذه المناسبة الخاصة.

ورغم أن زوجها لم ينضم إليها على السجادة، إلا أنه شوهد وهو يلتقط صورة سريعة لروبرتس من على هامش المهرجان، بالإضافة إلى بعض الصور لمحيطهما الساحر.

ربما لم تُصوَّر روبرتس مع مودر على السجادة الحمراء، لكنها شاركت صورة لطيفة للغاية من وراء الكواليس من موعدهما على إنستغرام، يظهر فيها الزوجان وهما يحتضنان بعضهما في قارب على قنوات فينيسيا من نفس الليلة.

يُفضّل روبرتس ومودر الحفاظ على خصوصية علاقتهما نسبيًا، فقد كان آخر ظهور علني لهما في ويمبلدون العام الماضي. ومع ذلك، في الشهر الماضي، نشرت روبرتس على إنستغرام تهنئةً نادرةً لزوجها بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لزواجهما.

 

####

 

مراجعة فيلم | «فرانكشتاين» لـ غييرمو ديل تورو

إحياء عمل كلاسيكي في ميلودراما رائعة بشكل وحشي

فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»

تدور أحداث فيلم «فرانكشتاين» للمخرج غييرمو ديل تورو، (الذي عُرض اليوم في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الـ 82)، عام 1857، أي بعد قرابة 40 عامًا من كتابة رواية فرانكشتاين؛ أو بروميثيوس الحديث لماري شيلي، وبعد ست سنوات من وفاة الروائية الإنجليزية.

يُشير اختيار القصة بعد قرابة أربعة عقود من كتابة القصة الأصلية إلى أن المخرج المكسيكي البالغ من العمر 65 عامًا، والذي كتب أيضًا سيناريو الفيلم، قد سمح لنفسه بحرية فنية واسعة، وهذا ليس صحيحًا تمامًا.

فيلم ديل تورو أكثر وفاءً لكتاب 1818 من سابقه الأشهر، فيلم فرانكشتاين للمخرج جيمس ويل (1931)، من بطولة بوريس كارلوف.

تبدأ القصة في أقصى الشمال، حيث يهاجم الوحش (جاكوب إلوردي) سفينة إسكندنافية عالقة في الجليد.

تؤوي هذه السفينة مبتكره فيكتور فرانكشتاين (أوسكار إسحاق).

يسعى المخلوق التعيس جاهدًا للوصول إلى «والده» على أمل الانتحار.

بالعودة إلى عقدين من الزمن، نرى فيكتور فرانكشتاين طفلاً مهووسًا بمهنة والده الطبية، عازمًا على إيجاد طريقة لخلود الجسد البشري.

ساهم الموت المفاجئ والمبكر لوالديه في تحفيز عزيمته. نشأ ليصبح عالمًا مجنونًا.

عرض الدكتور فرانكشتاين رأسًا بشريًا متحركًا وجزءًا من جذعه أمام حشد من العلماء الحائرين (أحد أكثر مشاهد الفيلم التي لا تُنسى)، ومن ثم حذروه من لعب دور الإله.

يجمع فرانكشتاين أجزاءً بشرية من المشنقة ويأخذها إلى قلعة نائية، حيث يبدأ بتجميعها لتكوين إنسان جديد تمامًا.

الصور مبهرة: أطراف وعضلات وأعضاء تُخاط معًا بحذر شديد، في تجربة سينمائية مبهرة.

يلصق فيكتور هيكلاً معدنيًا كبيرًا في أعلى القلعة لالتقاط الكهرباء من العاصفة الرعدية التالية، لإعادة الحياة إلى مخلوقه المجهول.

يُصرّ التاجر الثري هارلاندر (كريستوف والتز) على أن يُدخل الطبيب دماغه في المخلوق، لكن الرجل مُصاب بمرض الزهري، ويخشى فرانكشتاين أن تُصيب البكتيريا مُخلوقه العجيب.

يعود المخلوق أخيرًا إلى الحياة، وكان أقوى بكثير مما توقعه مُبدعه، لذا يُحبس مُخلوقه في القبو.

يزور ويليام (فيليكس كاميرر)، شقيق فيكتور الأصغر، وخطيبته الجميلة إليزابيث لافينزا (ميا جوث)، القلعة ويقابلان الوحش المسكين المُحبوس في القبو.

يبدو فيكتور مُغرمًا بإليزابيث، ويُعجب بها المخلوق أيضًا. تُثير هذه الديناميكيات المُتنافسة الثلاثية على الشخصية الأنثوية بعض الحيرة، وطبيعة العلاقة بين الأخوين غير واضحة تمامًا.

يتمتع المخلوق بقوة خارقة للطبيعة وقدرات لا تُفسر على تجديد الجسد. يبدو أنه خالد. يُقرر مُلاحقة مُبدعه. يُدرك فيكتور بصعوبة أن عقدة الإله لديه تأتي بثمن باهظ للغاية.

بعد ذلك، اضطر للتكفير عن نزواته الطبية. الأمر واضح: نحن مخلوقات الله، ويجب ألا نحاول أبدًا التفكير في الاستيلاء على عرش الخالق.

يكمن الفرق الأكبر بين فيلمي ديل تورو وويل في تصوير المخلوق. فبينما ظهر في فيلم عام 1931 بوريس كارلوف وهو يتمتم بجبين ضخم - صورة وحش فرانكشتاين التي اعتاد عليها معظمنا - اختار ديل تورو مخلوقًا شديد الذكاء والرجولة.

لم يكن اختيار إيلوردي عشوائيًا: فالممثل الأسترالي الوسيم البالغ من العمر 28 عامًا يُذكر بأدواره المثيرة في فيلمي بريسيلا للمخرجة صوفيا كوبولا، وسولتبيرن للمخرجة إيميرالد فينيل، وكلاهما من عامين.

يبرز وجه نجم هوليوود، وجسمه المنحوت، ورجولته المنتفخة بشكل بارز طوال الفيلم الذي تبلغ مدته ساعتين ونصف.

يبدأ أصلعًا، رمادي اللون، لا يرتدي سوى ملابسه الداخلية، في وضعية رياضية. يشبه إلى حد ما تمثال ديسكوبولوس (تمثال رامي القرص الشهير) لمايرون، باستثناء الندوب الكبيرة التي تغطي جسده.

ثم ينمو شعره، ويرتدي معطفًا فرويًا.

ينقسم فيلم فرانكشتاين إلى جزأين، (حكاية المنتصر) و(حكاية المخلوق)، ويسعى إلى تقويض ديناميكيات القوة بين المخلوق والخالق.

يطمح المخلوق إلى أن يصبح السيد، ولديه كل السبل لتحقيق ذلك. وبالتالي، فهو مستعد لتقطيع أجساد البشر إربًا عند الضرورة.

يحفل الفيلم بمشاهد عنف بالغة الوضوح: أطراف ملتوية، رؤوس محطمة، وجروح غائرة مكشوفة.

بالإضافة إلى مشاهده المروعة، يتميز فرانكشتاين أيضًا بلحظات جمالية آسرة، مثل المشهدين اللذين يسقط فيهما الوحش تحت الماء (فاز غييرمو ديل تورو بجائزة الأسد الذهبي قبل ثماني سنوات عن فيلمه "شكل الماء").

بشكل عام، يُعد هذا الفيلم عملًا سينمائيًا رائعًا، مفعمًا بالطموح الفني، وسيأسر قلوب المشاهدين حول العالم.

 

موقع "سينماتوغراف" في

30.08.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004