ملفات خاصة

 
 
 

كاميرا مهدي فليفل تأخذنا "إلى عالم مجهول"

فيلم روائي عن الشتات والتغريبة الفلسطينية ومعاناة اللاجئين بلغة واقعية

محمد غندور

عمّان السينمائي

الدورة السادسة

   
 
 
 
 
 
 

ملخص

لا يتوانى فليفل عن استعمال كل الأدوات الفلسطينية المتوافرة في عمله، إذ يبدأ الفيلم بجملة لإدوارد سعيد، وفي المنتصف يمرر قصيدة "مديح الظل العالي" لمحمود درويش، يريد لعمله أن يجمع كل فلسطين، من شتات وفكر وشعر.

يكمل المخرج الفلسطيني مهدي فليفل ما بدأه في أعمال سابقة. تلاحق كاميرته الشتات والتغريبة واللجوء والقهر واليأس وعدم الاستقرار. ثمة تيمة حول فلسطين، يريدها أن تبقى موجودة في أعماله، وبلورها في فيلمه الروائي الأول "إلى عالم مجهول".

عمل طويل لكنه ليس مملاً، يتتبع خلاله المخرج رحلة شابين هربا من مخيم في لبنان إلى أثينا ومنها صوب أوروبا.

القصة

شاتيلا (محمود بكري) ورضا (آرام صباح) قريبان فلسطينيان كانت ألمانيا هدفاً لهما، ولكن من دون مال أو جوازات سفر، وجدا نفسيهما في عالم موحش يعيشان من النصب والسرقات الصغيرة.

بالنسبة إلى شاتيلا، الذي اكتشف جانباً قاسياً في شخصيته، كل شيء مبرر - حتى لو كان ذلك نهب اللاجئين الآخرين - ولكن رضا كان يكره ما أصبح عليه، وهو عار يخفيه بالمخدرات، مضيعاً ما يملكان من مال قليل.

ومع ذلك تبدو الأمور أفضل عندما يلتقيان مالك، وهو صبي صغير يدعي أن عمته ستوفر له المال لتأخذه إلى إيطاليا.

المتابع لأعمال مهدي فليفل السابقة سيشعر أن "إلى عالم مجهول" امتداد لحكاية طويلة بدأها بفيلمه الجميل "عالم ليس لنا" (2012)، الذي رصد فيه محاولات بعض الشباب الفلسطينيين من أقاربه في مخيم الحلوة بلبنان للهجرة إلى اليونان أو أي بلد أوروبي آخر، وما تسفر عنه هذه المحاولات، وهي الرحلة التي تابع نتائجها في أربعة أفلام لاحقة هي "زينوس" (2014) و"عودة رجل" (2016) و"رجل يغرق" (2017)، ثم في "ثلاثة مخارج منطقية" (2020).

لا يتوانى فليفل عن استعمال كل الأدوات الفلسطينية المتوافرة في عمله، إذ يبدأ الفيلم بجملة لإدوارد سعيد، وفي المنتصف يمرر قصيدة "مديح الظل العالي" لمحمود درويش، يريد لعمله أن يجمع كل فلسطين، من شتات وفكر وشعر. ويتميز بقدرته على الانتقال بسلاسة من دراما اجتماعية إلى "إثارة نفسية عالية التوتر".

بيروت - أثينا

ثمة مفارقة غريبة لعب عليها المخرج. تدور كاميرته في أحياء أثينا القديمة والفقيرة، لا تخرج إلى أحياء راقية، ولا نرى أي مشاهد من المدينة، كأنه يريد للمكان أن يكون بيروت، أو المخيم الذي غادره الشابان، إذاً أراد فليفل لأثينا أن تكون بيروت، السجن الكبير للفلسطينيين.

على مدى ساعة و45 دقيقة، نشهد انكسارات كثيرة في الفيلم، يتحول شاتيلا إلى وحش كاسر، يستغل كل شيء وأي شيء، في سبيل العبور إلى أوروبا. بعد فشله في جمع المبلغ الكافي، يلجأ إلى النصب وهي المهنة التي يعيش منها. يحتال على مهاجرين سوريين، يريدون الهجرة أيضاً ويستغل ذلك لسرقة أموالهم.

يبدو هنا شاتيلا فاقداً البصيرة، التبدل الذي طرأ على شخصيته غير طباعه، لم يعد أباً حنوناً لطفل عمره سنتان، ولا زوجاً عطوفاً لفتاة حاربت عائلتها للارتباط به. بات شاتيلا صورة لشعب مهمش يريد العبور من الموت والقلق والاستبداد صوب أوروبا، صوب ألمانيا أو إيطاليا. والمفارقة هنا أن غالبية المهاجرين الذين يصلون إلى اليونان لا يستقرون فيها، بل تكون نقطة عبور فحسب، كأن طبيعتها الشرق أوسطية، تذكرهم بمعاناتهم التي هربوا منها.

الشخصية الثانية في الفيلم رضا، غير مستقرة، وتمثل كل الانكسارات النفسية للمهاجر أو اللاجئ. خائف دوماً من أي مكروه قد يحصل، لا يشعر بالانتماء إلى المكان ولا الأصدقاء، يلجأ إلى المخدرات، لإبعاد نفسه عن الواقع، هذا الواقع القاسي الذي هرب منه وما زال يلاحقه.

لا يوافق رضا على تصرفات شاتيلا، لكنه يتبعه لشعوره بالأمان معه، يشعر أن الأخير يحميه ويفكر عنه، وينتشله من ضياعه حين يتعاطى المخدرات.

أداء عفوي وبسيط من الشابين، بلا تكلف أو تصنع، نقتنع بما يقدمانه، مع كثير من العبارات النابية، التي تخدم المشهد، فهكذا يتكلم الشباب بكل هذه العفوية.

تلاحق كاميرا فليفل المجهول الذي يمشي صوبه الشابان، ويشارك المشاهد كل الأوجاع والمآسي التي يمران بها.

الفيلم عاطفي، لكنه مليء بالانكسارات والخيبات التي لا تنتهي. صوت الزوجة التي لا نراها، لكن نسمع صوتها عبر الهاتف وهي تتكلم مع شاتيلا، لا يوحي بالصبر، كلامها المنمق يقول إنها لم تعتد الحياة في المخيم، ولا تريد لابنها أن يكبر هنا، بطريقة ضمنية تشجع شاتيلا على النجاح والهرب من واقعه، تريده أن يأخذها إليه، أن ينتزعها من واقعها المرير.

شارك العمل في أكثر من 100 مهرجان حصل خلالها على ما يزيد على 20 جائزة، وفي أكثر من 40 عرضاً سينمائياً في مختلف أنحاء العالم.

 يعد "إلى عالم مجهول" أكثر من مجرد فيلم، فهو شهادة بصرية تكشف معاناة اللاجئين وتضيء على واقع النزوح القسري من زاوية إنسانية جريئة.

يريد مهدي فليفل أن يتكلم عن فلسطين والمعاناة، لكنه يستعمل لغة واقعية صادمة، مبتعداً عن كلاشيهات القضية، لا يريد أن يكون نمطياً ولا غير مباشر.

يهتم بتقديم أعمال عن اللاجئين وعرضها بطرق مختلفة، فهو نفسه لاجئ، ويروي من خلال أعماله قصصاً عاشها بنفسه وتحيط به طوال حياته.

وفي حديث سابق له يقول "يرتكز الفيلم على كثير من الشخصيات التي التقيتها خلال العقد الذي كنت أوثق فيه الأحداث، يحاول بعض الشباب من مخيمات لبنان الوصول إلى أوروبا. قدمت أفلاماً عدة كانت تلقي الضوء على رجال يحاولون الوصول إلى أوروبا. وكانت هناك مصادر إلهام عدة في الفيلم، مثل أشعار محمود درويش وإدوارد سعيد، وقد افتتحت الفيلم باقتباس للأخير". وأوضح أن "محمود بكري لم يكن في البداية مرشحاً لدور البطولة في الفيلم، وهو أصر على إرسال شريط تجريبي فأعدت النظر في قراري واخترته لدور شاتيلا، عندما شاهدت الشريط أدركت أنه هو الشخص المثالي لهذا الدور، وكان العمل معه فرحة، لقد كانت مساهمته في الفيلم فعالة أسهمت في نجاح الفيلم".

المخرج

ولد مهدي فليفل (1979) في دبي، لأبوين فلسطينيين من قرية صفورية المهجرة. نشأ في مخيم عين الحلوة في لبنان، وانتقل لاحقاً إلى الدنمارك، حيث أمضى جزءاً كبيراً من طفولته وشبابه.

تخرج في الجامعة الوطنية للأفلام والتلفزيون من المملكة المتحدة. عام ٢٠١٠ أصبح مؤسساً شريكاً لشركة "نكبة فيلم وركس" التي أنتجت فيلم سيرته الذاتية "عالم ليس لنا" الذي عرض في مهرجان تورونتو العالمي للأفلام وحاز أكثر من ٣٠ جائزة عالمية منها برلينال (ألمانيا) وإدنبرة وياماغاتا، وجائزة لجنة التحكيم- دوك: نيويورك.

في عام ٢٠١٦ حاز جائزة الدب الفضي بفيلمه "عودة رجل"، وشهد فيلمه "رجل غارق" العرض العالمي الأول بمهرجان "كان" السينمائي ٢٠١٧، وحاز جائزة أفضل فيلم قصير في الأكاديمية البريطانية لفنون الأفلام والتلفزيون BAFTA عام ٢٠١٨.

"لقد وقعت على عريضة" حاز جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير من مهرجان الأفلام التسجيلية في أمستردام IDFA​ لعام ٢٠١٨، وترشح أيضاً لجوائز الأفلام الأوروبية عام ٢٠١٨.

مدير المراسلين @ghandourmhamad

 

الـ The Independent  في

05.07.2025

 
 
 
 
 

"سمسم"... فيلم أردني يتمرد على الواقع وأشياء أخرى

العمل الروائي الأول للمخرجة سندس السميرات وعرض للمرة الأولى ضمن مهرجان عمان السينمائي الدولي

محمد غندور

ملخص

فيلم "سمسم" يروي حكاية امرأة عربية تتمرد على زواجٍ مفروض وتقاليد خانقة، ساعية للتحرر وتحقيق ذاتها في مجتمع لا يرحم من تخرج عن القوالب. رغم الانتكاسات، تختار سمسم الخلاص من الداخل، وتبدأ حياة جديدة ببنتها وحلمها الخاص، في مواجهة واقع لا يزال يجلد المرأة الحرة.

ماذا يعني لسيدة عربية، تعيش في مجتمع تقليدي محافظ، التمرد على واقعها ومواجهته؟ هل القوانين التي معظمها ذكورية منصفة بحقها؟ وإذا ابتعدنا قليلاً عن القوانين، هل هي قادرة على الخروج من الأنماط التي تربت وعاشت عليها، وهل المجتمع لن يلعنها مثلاً؟

هذه هي حال كثير من العربيات، يقتنعن بما أمرن بهن من أولياء أمورهن. يتزوجن برجال لا يعرفهن، فقط طاعة لأولياء أمورهن، ويعشن حياة رتيبة متواضعة بلا أحلام ولا طموحات.

القصة

سمسم واحدة من تلك النسوة، أجبرت على زواج طاعة لوالدها، وبعد وفاته قررت التمرد. غادرت منزلها وطلبت الطلاق من زوجها بائع الدجاج، قررت أن تبدأ حياة جديدة بأحلام جديدة وطموحات أكبر.

رفض الزوج الطلاق، فلجأت إلى المحكمة التي قررت بعد سنة أن تطلقها من بائع الدجاج، لكن الزوج استأنف الحكم، وعادت سمسم إلى دوامة جديدة.

هي تريد التحرر والسفر، تعمل في استوديو للتصوير الفوتوغرافي، تغازل فيه أي شاب وسيم ترى أنه قادر على انتشالها من وضعها، تستعمل أيضاً تطبيقاً للتعارف، تريد "اصطياد" فرصة خارجية للسفر بعيداً من واقعها.

تتصادم سمسم دوماً مع أمها بسبب العادات والتقاليد، التي لا تتقبلها على رغم أنها فتاة محافظة، لكن بأحلام كبيرة.

بعد مرحلة يأس، تجد أن أفضل فرصة للحصول على الطلاق هي إيجاد عروس لزوجها، تعجبه الفكرة ويوافق عليها، وتبدأ رحلة البحث عن عروس.

"سمسم" هو الفيلم الروائي الأول للمخرجة الأردنية سندس ذيب حسن السميرات، الذي عرض للمرة الأولى في مهرجان عمان السينمائي الدولي.

في أولى تجاربها تقرر سندس التطرق إلى قضية اجتماعية تعانيها كثيرات، وتطرح أسئلة كثيرة، "هل حقاً نحن أحرار، أم أننا نسير على ما رسمه لنا آباؤنا، ولماذا المجتمع دوماً غير منصف تجاه المرأة وحقوقها في الاختيار؟".

تبحث سمسم عن زوج يرافق أحلامها، يفهم ما تقوله، يعرف كيف يتصرف معها وكيف يعاملها بحنان، زوج له رائحة شهية، ولا تفوح منه دوماً رائحة دجاج، ولا أقصى طموحاته أن يوسع المحل ويضم إلى الدجاج بعض طيور الفري.

ما تقوله المخرجة هنا أن ثمة جيلاً لا يعرف أن يقول لا، ويبحث عمن يشبه أهله، وثمة فتيات يبحثن عن رجل يشبه والدهن، كدينا الفتاة التي تعمل في الاستوديو والتي أعجبت بزوج سمسم، ووافقت على الزواج منه في نهاية الفيلم، لأنه نسخة من والدها.

إذاً، لدينا نموذجان في العمل، سمسم الرافضة فكرة الارتباط بمن لا يشبهها ويحقق أحلامها، ويعاملها بصورة جيدة، ودينا الفتاة التي قبلت ورضيت بالقليل واقتنعت أن بائع الدجاج هو كل ما تتمناه.

نموذجان نقيضان لكنهما موجودان، لكن النموذج الذي يقرر رفض العادات والتقاليد سيصطدم بمجتمع لديه قوالب جاهزة عن المرأة المتحررة.

تطرح المخرجة الأردنية الشابة كل تلك الأفكار بصورة رمزية، لا تغوص في الفكرة بل تلمح إليها، وتعمد إلى إطالة بعض المشاهد التي لا تخدم الفكرة. واضح أن العمل هو التجربة الأولى لها، ولذلك نجد تفاوتاً كبيراً في معظم فتراته وثمة مشاهد لا داعي لها أصلاً.

إذاً لا يسير العمل بخط مستقيم، بل كتخطيط القلب، ثمة صعود وهبوط. ويلاحظ أن الحبكة الدرامية ضعيفة، ولا تخدم الفكرة الكبيرة التي يدور حولها الفيلم.

في المقابل، ثمة بعض المشاهد الجميلة في الفيلم، كالمشهد الذي تتفقد فيه سمسم خزان المياه، تشعر بالغرق كلما فتحت الخزان، وتشعر بقلق وتوتر كلما سألتها أمها عن الخزان. الغرق هنا هو اليأس الذي تشعر به سمسم، ثمة ما يشدها نحو القاع وهي تحاول المقاومة. فعل المقاومة لدى سمسم هو التمرد الذي تريده، التحرر الذي تطمح إليه. لا تريد أن تكون شبيهة لأحد، ولا تريد أن تقتنع بكلام أمها، أنها ليست أحسن من غيرها وأنها ليست الليدي ديانا.

سمسم الرافضة واقعها وزواجها ترفض الغرق وتخرج من الخزان، ولكن هل نجحت أم استسلمت في النهاية؟

تقطع سمسم واسمها الحقيقي ابتسام علاقتها بشاب كانت تعرفت إليه عبر تطبيق بعدما تأزمت قضية طلاقها، وتقرر أنها لا تريد أن تكون مع أحد، ولا تريد السفر أيضاً، ستبقى في بلدها لتربية ابنتها وتفتح مشروعها الخاص، استوديو للتصوير الفوتوغرافي خاصاً بها.

قد لا يكون الخلاص فقط من المجتمع، بل قد يكون أحياناً من أفكارنا التي قد تقتلنا وتبعدنا عن الواقع.

ويعود التفاوت بين مشهد وآخر في العمل، بسبب ضعف السيناريو، وهذه مشكلة تعانيها كثير من الأعمال الروائية العربية. وتظهر بوضوح في الدراما تحديداً، إذ يعمد بعض المخرجين إلى مشاهد طويلة تدور حول فكرة واحدة، فقط لإطالة مدة العرض، وهذا ما يحدث تحديداً خلال الموسم الرمضاني.

سيرة

سندس السميرات من مواليد مدينة إربد، تخرجت في جامعة اليرموك بمرتبة الشرف في تخصص الدراما وصناعة الفيلم عام 2022. تتلمذت على يد نخبة من أعضاء هيئة التدريس المحترفين المنتمين إلى نقابة الفنانين الأردنيين، وهي عضو في النقابة أيضاً. بدأت مسيرتها الفنية بإخراج وإنتاج الأفلام القصيرة، وقد حصدت معظم أعمالها جوائز في مهرجانات محلية ودولية، كذلك شاركت في كثير من الورش التدريبية التي نظمتها الهيئة الملكية الأردنية للأفلام.

مدير المراسلين @ghandourmhamad

 

الـ The Independent  في

06.07.2025

 
 
 
 
 

«سمسم» فيلم أردني صُنع بأيادٍ شابة... كي تحطّم المرأة الأقفاص

«مهرجان عمّان السينمائي الدولي» استضاف عرضه العالمي الأول في الهواء الطلق

عمّانكريستين حبيب

صمّمت «سمسم» على تحطيم القفص. ما عادت تريد أن تكون تلك العصفورة التي يأسرها زوجها خلف القضبان كما يفعل مع طيوره، فعزمت على الطلاق حتى وإن لم يرغب هو في ذلك. تمرّدت على كل شيء، إلى درجة إسقاط اسمها الحقيقي «ابتسام» واتخاذ «سمسم» بديلاً عنه.

سمسم انعكاسٌ على الشاشة الكبيرة لحكايات نساءٍ كثيرات يعشن أسيراتٍ على أرض الواقع. من خلال تلك الشخصية، أرادت مخرجة الفيلم الأردني سندس السميرات وكاتبته تمارا عويس، أن ترفعا صوت المرأة الأردنية على طريقتَيهما.

«سمسم» مشروعٌ سينمائيّ غير اعتياديّ، فهو نتاج ورشة عمل تبنّتها «الهيئة الملكيّة الأردنية للأفلام» دعماً للمواهب الناشئة في محافظة إربد شمالي العاصمة عمّان. أثمر عن تلك الورشة فريق عملٍ كامل من صنّاع الأفلام الشباب، الذين انطلقوا في مشروعهم بدعمٍ إنتاجيّ من الهيئة.

من الكتابة إلى المونتاج مروراً بالتصوير الذي استغرق نحو الشهر، ها هي المسيرة تُتوّج بالعرض العالمي والعربي الأول في بلد المنشأ، من ضمن فعاليات «مهرجان عمّان السينمائي الدولي»، الذي يُفرد مساحة خاصة لأولى الأفلام في مسيرة صنّاعها.

على توقيت غروب عمّان وفي الهواء الطلق، انطلق العرض في مقر الهيئة. لم يتأخر الحاضرون الذين ضاقت بهم المقاعد والأدراج، في التفاعل مع قصة سمسم التي أدّتها بتميّز الممثلة الصاعدة سجى كيلاني. ضحكوا كثيراً لمشاهد زوجها، الممثل مجد عيد، والذي قدّم أداءً مقنعاً وخفيف الظل. هو ليس الزوج المعنّف ولا المؤذي، غير أن سمسم ما عادت تريد ذاك الرجل الذي لا يشبهها في شيء والذي ارتبطت به بأمرٍ من والدها.

يلعب الفيلم على أوتار الرموز، فيسير على إيقاع صعود سمسم إلى سطح المنزل، حيث تعيش مع ابنتها ووالدتها، لمعاينة خزّان المياه. كلما ذهبت لتصليح العطل الذي فيه، رأينا وجهها يطفو على سطح مياه الخزّان، لتستيقظ بعد ذلك مذعورةً من كابوس.

في حوار مع «الشرق الأوسط»، تتحدث المخرجة سندس السميرات عن تلك الرمزية: «تعاني سمسم من الضيق والاختناق بسبب حياتها الضاغطة». تضيف الشابة المتخرّجة حديثاً، والتي تخوض أولى تجاربها ضمن فيلم روائي طويل، أنها محظوظة شخصياً بوالدَين فتحا أمامها نوافذ الحرية لتحقق طموحها المهني في الإخراج. «رغم التحديات المجتمعية وصرامة التقاليد في منطقتنا، ورغم كلام الناس، انطلقت إلى حيث أريد والآن حان دوري كي أطلق أصوات النساء الصامتات من خلال أعمالي».

الطيور رمزٌ ثانٍ في الفيلم يتأرجح بين مفهومَي الأسر والحرية، وهو يتلاقى مع قضية طلاق المرأة. فزوج سمسم مربّي طيور ودجاج، والحساسين و«الدواري» تملأ وقته وتفكيره. كما أن زميلتها في العمل ابنةُ رجل معروف في تربية الطيور. كذلك في استوديو التصوير الفوتوغرافي حيث تعمل، ببغاء يعيش خارج القفص، وهو بمثابة الابن المدلّل لمديرة المحلّ «صباح»، والتي تجسّد المرأة المستقلّة والمتحررة.

لا تجهد سمسم فقط من أجل تحطيم القفص الزوجيّ، بل تريد أن تفرد جناحَيها خارج البلاد. تتواصل مع رجلٍ مقيمٍ في أوروبا ويتفقان على الارتباط، في ظنٍ منها بأن هذا هو حبل الخلاص. غير أن تطوّر الأحداث سيأخذها في اتجاهاتٍ أخرى، وسيطوّر مفهوم الحرية لديها.

«سمسم» فيلمٌ اجتماعيّ ابنُ بيئته، وليس مستغرباً بالتالي أن يكون المرشّح الأوفر حظاً إلى جائزة الجمهور في مهرجان عمّان. صحيح أنّ الحبكة تفقد تماسُكَها في بعض الأحيان، مما يشتّت اهتمام المُشاهد، غير أنّ أداء الممثلين جميعاً يشكّل رافعةً للفيلم.

بالنسبة إلى تجربةٍ سينمائية أولى أنجزَها فريقٌ كامل من الخرّيجين الجدد والمواهب الأردنية الناشئة في مجال صناعة الأفلام، فالعمل يستحقّ التحية. لم يكتفِ ببَذل أقصى جهدٍ ممكن على مستوى الشكل تصويراً وإخراجاً وتمثيلاً، بل طرح قضيته بجرأة، وسط بيئةٍ لا تزال تقمع صوت المرأة التي تعاني في زواجها. تقول المخرجة سندس السميرات في هذا الإطار إن اختيار الموضوع لم يأتِ عبثاً، بل هو منبثقٌ من الواقع «لا سيّما عندنا في قرى إربد، حيث ما زال الطلاق يُعتبر عيباً بالنسبة للمرأة، كما أن القانون غالباً ما يقف في صف الرجل».

سنةً تلو أخرى، ومهرجاناً تلو آخر، تُرسّخ السينما الأردنية الشابة اهتمامها بقضايا المرأة، ومن الواضح أن المتلقّين يتجاوبون مع هذا المحتوى الهادف. فالفيلم الذي نال جائزة الجمهور خلال الدورة الماضية من المهرجان «إن شاء الله ولد»، تطرّق هو الآخر إلى القضية ذاتها. من الواضح إذن أن غالبية صنّاع الأفلام الشباب يرغبون في أن يكونوا أصواتاً لمجتمعهم وأن يستقوا حكاياتهم من صلب واقعها.

 

الشرق الأوسط في

06.07.2025

 
 
 
 
 

السينما الآيرلندية وكبير مخرجيها في ضيافة مهرجان عمّان السينمائي الدولي

جيم شيريدان التقى الجمهور وتحدّثَ عن طفولته وانعكاسها على أفلامه

عمّانكريستين حبيب

لا تفتح السينما باباً على الحلم فحسب، بل هي في حدّ ذاتها نافذةٌ على البعيد، على الآخَر الذي نظنّه غريباً، ليتّضح بعد أن نشاهد حكاياته أنه يشبهنا، وإن اختلفت الأماكن واللغات. تدخل هذه القناعة في صلب فعاليات مهرجان عمّان السينمائي الدولي، والذي يخصص مساحةً للأفلام غير العربية. أما جديد هذه السنة، فاختيار آيرلندا كبلد ضيف الشرف في الدورة السادسة من المهرجان.

هذه المبادرة هي باكورة تقليدٍ سيصبح سنوياً، وفق ما تؤكّد مديرة البرمجة في المهرجان المخرجة الفلسطينية عريب زعيتر في حديث مع «الشرق الأوسط». على أن يستضيف الحدث السينمائي الأردني في كلٍّ من دوراته المقبلة إحدى الدول كضيفة شرف، ويعرض أفلامها التي شكّلت علامة فارقة في عالم الفن السابع.

آيرلندا والعرب... تاريخٌ متشابه

لم يقع الاختيار على آيرلندا عبثاً، فإضافةً إلى ثراء تجربته السينمائية، يتلاقى البلد مع المشرق العربي في معاناتهما الإنسانية التي تسببت بها صراعات الإخوة وحروب الآخرين، فانبثق عنها فنٌّ يُحاكي الإنسانية. توضح زعيتر أن «ثمة قواسم مشتركة بين ماضي آيرلندا وحاضرنا، فهم واجهوا قمع الإنسان كما يحصل في منطقتنا، وبيننا تاريخ من الاستعمار المشترك». من هنا، تتلاقى التجربتان السينمائيتان الآيرلندية والعربية في طريقة معالجتهما المواضيع الإنسانية، خصوصاً تلك المعنيّة بقضايا الهوية والذاكرة.

يتيح المهرجان أمام ضيوفه وجمهوره العربي والمحلّي أن يقترب أكثر من السينما الآيرلندية، وذلك من خلال عرض 5 من أبرز أفلامها. في طليعتها، «My Left Foot» (قدَمي اليسرى)، و«In the Name of the Father» (باسم الأب) للمخرج الآيرلندي العالمي جيم شيريدان الذي يحلّ ضيف شرفٍ على المهرجان. ودائماً في إطار الإضاءة على السينما الآيرلندية، تُعرَض أفلام «مايكل كولينز» لنيل جوردن، و«الريح التي تهزّ الشعير» لكين لوتش، و«جنّيات إنيشيرين» لمارتن ماكدونا.

تقول زعيتر، التي أشرفت على انتقاء الأفلام، إن الخيار وقع على تلك الأعمال تحديداً لما «تصوّر من ظلمٍ يعكس واقعنا في هذه المنطقة. هي قصص منبثقة من واقع المجتمع القاسي، لكنها تحمل في الوقت ذاته اللمسة الإنسانية في وجه شراسة الواقع والسياسة». تشدّد زعيتر على أن «هذه المبادرة ثقافية قبل كل شيء، فالسينما فن يخاطب جميع الحواس، والهدف أن يلتقط المتلقّي العربي الإشارات ويكمل دوره مستلهماً من تجربة الآيرلنديين للوصول إلى مكان أفضل».

شيريدان يدير الممثّلين بالحبّ

بخبرته السينمائية الممتدة لأكثر من 36 عاماً والتي أثمرت أفلاماً دخلت التاريخ وترشحت إلى الأوسكار، حطّ المخرج الآيرلندي جيم شيريدان رحاله في عمّان. عبّر عن سروره بتنشّق الهواء العربي، هو المتزوّج من سيدة مغربية والراغب في تقريب ابنته من ثقافة المشرق.

حمل شيريدان إلى اللقاء الذي جمعه بجمهور المهرجان، موروثاته العائلية والثقافية والقوميّة. بعفويةٍ كبيرة وبصَدرٍ رحب، باح المخرج المخضرم بتفاصيل عن طفولته وعلاقته بأبوَيه وكيف انعكست على أعماله السينمائية. في الحوار الذي أداره المخرج المصري يسري نصر الله، ضمن قسم «الأول والأحدث» في المهرجان، استشهد شيريدان بكثيرٍ من الشعر وبمخزونه المسرحيّ. فهو لم يدخل عالم السينما سوى في سن الأربعين، بعد أن بدأ مسيرته مخرجاً على الخشبة.

على إيقاع مقتطفات من أبرز أفلامه، سار اللقاء الذي عُقد في «الهيئة الملكية الأردنية للأفلام». يلتقط الحضور أنفاسهم لذاك المشهد المستعاد من فيلم «My Left Foot» عام 1989، ممسكاً بالطبشورة بين أصابع قدمه اليسرى، وهي العضو الوحيد غير المعطّل في جسده، يكتب البطل «كريستي براون» أرضاً كلمة «أمّي».

«لعبت والدتي دوراً كبيراً في حياتي ومسيرتي»، يخبر شيريدان. لطالما شعر بالذنب تجاهها، هي التي ماتت والدتها في اللحظة التي أنجبتها: «ورثت شعورها بالذنب تجاه أمها منذ كنت في أحشائها، شعرت بذُعرها، وكان لا بدّ من أن أكرّمها وجدّتي من خلال أفلامي».

أطلعَ شيريدان الجمهور كذلك على الأثر الذي تركته وفاة شقيقه فرانكي المبكرة على عمله، وتحديداً على «My Left Foot». أما علاقته المعقّدة مع والده «المتسلّط» فتجلّت كذلك من خلال أعماله السينمائية، لا سيما عبر «In the Name of the Father».

لا غرابة إذن في أن تكون أفلام شيريدان بلغت ذاك المستوى المتقدّم من الإنسانية والحساسية، نظراً لما لديه من مخزونٍ نفسيّ وعاطفي ضاربٍ في الموروث العائلي وتاريخ بلده. واللافت في المخرج المشرف على ثمانينه، أنه لا يخجل من البُعد العاطفي الذي يُثري به أفلامه. حتى إدارة الممثلين بالنسبة إليه هي عملية نابعة من الحب. «لا تحتاج إلا إلى الحب لإدارة الممثلين. التقنيات شيء والحب شيء آخر». يوضح شيريدان: «إما أن يكون المخرج طاغية وإما أن يكون محباً، لا حل وسطاً، وأنا من الفئة الثانية».

مهرجان عمّان... نافذة على العالم

لا تُختصَر إطلالة مهرجان عمّان السينمائي على العالم باستضافة شيريدان وبالأفلام الآتية من آيرلندا. فقد استحدث المهرجان جائزة خاصة بالأفلام غير العربية، بعد أن كانت تلك الفئة خارج المنافسة خلال الدورات السابقة.

يخبر الناقد السينمائي اللبناني ومسؤول برمجة الأفلام غير العربية في المهرجان، شفيق طبارة، «الشرق الأوسط» أنّ «دخول الأفلام الأجنبية إطار المنافسة في مهرجان عربي كمهرجان عمّان أمر مهم جداً، لأن الجمهور العربي بحاجة إلى الاطلاع على الأفلام التي لا تُعرض عادةً في صالاته». تكمن الأهمية كذلك في تقريب المشاهدين العرب من قصص وقضايا قد تتلاقى ومشاغلَهم وحكاياتهم. يعلّق طبارة: «الانفتاح على ثقافة الآخر من الرسائل الأساسية للمهرجان».

أما في عمليه اختياره الأفلام، فقد أخذ في الاعتبار جهوزية الجمهور المتلقّي: «هي أفلام من المفترض أن تُخرجهم من منطقة الأمان من دون أن تتسبب لهم بالنفور».

تتنافس في المهرجان 7 أفلام روائية طويلة من حول العالم، هي: «Armand» من النرويج، و«Happyend» من اليابان، و«Dog on Trial» من سويسرا، و«Aisha’s Story» من كندا، و«All We Imagine as Light» من الهند، و«Familiar Touch» من الولايات المتحدة الأميركية، و«Tales from the Magic Garden» وهو إنتاج تشيكي - فرنسي مشترك.

 

الشرق الأوسط في

07.07.2025

 
 
 
 
 

البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو

فيلم مصري للمخرج خالد منصور يقدم القاهرة بغير صورتها النمطية

محمد غندور

ملخص

يريدنا المخرج أن نرى الجانب الكابوسي من المدينة، المكان الذي يضجُّ بالظلم والقهر والافتراء وعدم الأمان، ويبرز هنا انتقاد أيضاً لغياب الدولة، ووجودها فقط في القاهرة ذات الأحياء الراقية.

يقدم المخرج المصري خالد منصور القاهرة بصورة قاتمة وموحشة ومخيفة ومظلمة كأنه ينتقم منها، يعاتبها وينتقدها. وفي الوقت ذاته تبدو كادراته جميلة بصرياً وممتعة، وتشعر أن منصور يعود لحب المدينة، لكن على طريقته. ثمة التباس هنا في حب القاهرة، والتي لا تبدو القاهرة التي نعرفها بنيلها وأبنيتها وازدحامها.

يريدنا المخرج أن نرى الجانب الكابوسي من المدينة، المكان الذي يضجُّ بالظلم والقهر والافتراء وعدم الأمان، ويبرز هنا انتقاد أيضاً لغياب الدولة، ووجودها فقط في القاهرة ذات الأحياء الراقية.

يشعر المشاهد بالحب والانتقام، بعتاب وغرام خلال فترات الفيلم، ويدرك أن ثمة شعوراً خفياً على رغم كل تلك المآسي التي يعيشها منصور، لكنه لا يريد ترك المدينة، بل يحبها ويتصالح معها بطريقته الخاصة.

في فيلمه الروائي الأول "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" الذي عرض في مهرجان عمان السينمائي الدولي بدورته السادسة، يختار المخرج كلباً بلدياً ليتصدر البطولة إلى جانب الممثل عصام عمر. فكرة قد لا تكون مألوفة جداً في بلادنا، لكنها في السينما الغربية موجودة ومنتشرة.

القصة

تدور أحداث العمل حول حسن، شاب في الثلاثينيات من عمره يعيش حياة متواضعة في القاهرة مع كلبه رامبو، الذي يعده صديقه الوحيد. يتورط الاثنان في حادثة خطرة من دون ذنب منهما، عندما يهاجم رامبو كارم (أحمد بهاء)، جاره البلطجي الذي يملك العقار الذي يعيش فيه حسن.

يتوعد كارم بالانتقام من الكلب، مما يضع حسن أمام خيارين: إما التخلي عن رامبو للحفاظ على استقراره، وإما البحث عن مخرج آمن له وللكلب.

تأخذ الرحلة حسن عبر شوارع القاهرة، من شرقها إلى غربها، حيث يواجه مخاوفه، يعيد اكتشاف ماضيه، ويصطدم بواقع اجتماعي قاسٍ.

تبرز شخصيات ثانوية مثل أسماء (ركين سعد)، الفتاة التي تسعى إلى مستقبل أفضل، وسماء إبراهيم، والدة حسن المكافحة التي تحملت مسؤولية الأسرة بمفردها بعد هجرة الأب، مع ظهور عدد من ضيوف الشرف مثل يسرا اللوزي وبسمة.

تبرز في العمل موضوعات اجتماعية عميقة، مثل الفقر، والهشاشة الاجتماعية، والبحث عن الهوية في مجتمع طاحن.

عوالم خفية

يتميز الفيلم الروائي الأول للمخرج خالد منصور (1991)، والذي كتب السيناريو بالاشتراك مع محمد الحسيني، بعوالم خفية، وكثرة التأويلات التي فيه. فرامبو قد لا يكون كلباً فحسب، بل امتداد لحسن وأحلامه وطموحاته، أو تعويض عن الأب الذي "طفش" من مسؤولياته، أو صديق كثيراً ما أراده.

ثمة احتمالات كثيرة أرادها أن تبقى مفتوحة وغير محصورة، وبذلك إعطاء الفرصة لكل مشاهد أن يضع إسقاطاته على الفيلم.

قدم الممثل الشاب عصام عمر شخصية حسن بكثير من الواقعية والصدق، وعبر عن ذلك بانفعالات قوية ومؤثرة. حسن شاب بسيط بأحلام بسيطة، لا يحلم بسيارة فخمة ولا حياة فارهة، يريد أن يعيش مع أمه وكلبه بسلام وبلا مشكلات.

يتنقل من عمل إلى آخر، لا يبدو أنه يعرف كثيراً عن المهن، العمل بالنسبة إليه هو فقط للعيش.

فاشل في علاقته العاطفية بسبب انغلاقه على نفسه، على رغم أن الفتاة تحبه وتريده، لكن اختارت المستقبل الأفضل على الحب.

ركز المخرج على عقدة الأب في بناء شخصية حسن، هذا الفقد الذي عاناه، يرافقه في كل مراحل حياته. الأب الذي كان ميتاً لسنين، يستيقظ فجأة ويعود لحياة حسن، من خلال تسجيلات شريط كاسيت.

نسمع الأب يحتفل بميلاد حسن، ويغني أغاني محمد منير لابنه. تبدو العلاقة وثيقة بينهما. ثمة حياة عائلية كاملة، احتفال بعيد ميلاده الخامس وهدايا ومشاهدة فيلم رامبو على القهوة، ومن تلك الذكريات يبدو أن حسن اختار لكلبه الاسم.

إذاً، عودة صورة الأب إلى وعي حسن، تبدل شخصيته، فيتحول من انطوائي عاجز، إلى رجل لفظته المدينة وعانى وحشيتها. يتوجه إلى صاحب المنزل الذي طردهم من المكان الذي ولد ونشأ فيه، ليضرم النار في سيارته، ويضربه أيضاً رغم فارق البنية الجسدية بينهما.

يتغير هنا الخط الدرامي لشخصية حسن، من بسيط وهادئ، إلى متسلط، يشبه محيطة وينتمي إليه. حتى دور الأم الذي قدمته سما إبراهيم، جاء تجسيداً للأم المصرية البسيطة الطيبة التي كافحت وحيدة لإعالة ابنها الوحيد وتربيته.

الهجرة

رحلة البحث عن مكان آمن لرامبو مرت بعديد من المراحل، فكارم اعتبر أن موته هو الحل الوحيد، وحاول ذلك، لكن الكلب نجا. حاول حسن بكل الطرق أن إيجاد مكان يؤوي فيه كلبه في المدينة، لكنه فشل، إلى أن يخبره أحدهم أن ثمة أسرة تعيش في كندا، تريد أن تتبنى رامبو وتصطحبه معها إلى هناك، إلى البعيد.

مشهد مؤثر في بيئة صاخبة بين حسن والكلب لحظة الوداع. سيكون رامبو في مكان أفضل، وسيتناول طعاماً صحياً، وستكون هناك حدائق واسعة ليلعب فيها. كل هذه التأويلات يطرحها المخرج، هل الحل دائماً في الهجرة، في الابتعاد عن المدينة التي نحبها، حين لا أمان فيها ولا استقرار؟

يتطرق منصور الذي كتب وأخرج عدداً من الأفلام الوثائقية والإعلانات، لفكرة الهجرة بعبثية، يقدم نقداً هنا غير مباشر، يطرح تساؤلات تؤرقه بصورة فنية جميلة ومتقنة.

ويبقى السؤال هنا، هل هذا النوع من الأفلام الدرامية قادر على المنافسة في شباك التذاكر، بخاصة أن غالبية المشاهدين تنتظر أعمال الأكشن والكوميديا الرخيصة والضرب والفتيات المثيرات؟

لكن ماذا عن الأفلام التي تتكلم عنا وعن واقعنا، والقادرة على ملامسة واقعنا وتعبر عن واقع الملايين، هل لديها فرصة في النجاح والانتشار؟

حصل الفيلم على الجائزة الكبرى، وجائزة النقاد في الدورة الـ24 من مهرجان سينيميد في بلجيكا، وفاز بجائزة لجنة التحكيم بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، كما حصل على تنويه خاص من لجنة التحكيم بالدورة الـ35 لأيام قرطاج السينمائية في تونس.

مدير المراسلين @ghandourmhamad

 

الـ The Independent  في

07.07.2025

 
 
 
 
 

جيم شيريدان في ضيافة «عمّان السينمائي»

تحدّثَ عن طفولته وانعكاسها على أفلامه

عمّان ـ «سينماتوغراف»

في ندوة خاصة أقيمت ضمن فعاليات مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أول فيلم، استضافت الدورة السادسة المخرج الإيرلندي العالمي جيم شيريدان، الذي تحدّث أمام جمهور كبير عن مسيرته الفنية، وتجربته الإنسانية في السينما، ومفهومه العميق للإخراج والأداء والحرية الإبداعية.

وبخبرته السينمائية الممتدة لأكثر من 36 عاماً والتي أثمرت أفلاماً دخلت التاريخ وترشحت إلى الأوسكار، باح المخرج المخضرم بتفاصيل عن طفولته وعلاقته بأبوَيه وكيف انعكست على أعماله السينمائية.

وفي الحوار الذي أداره المخرج المصري يسري نصر الله، ضمن قسم «الأول والأحدث» في المهرجان، استشهد شيريدان بكثيرٍ من الشعر وبمخزونه المسرحيّ. فهو لم يدخل عالم السينما سوى في سن الأربعين، بعد أن بدأ مسيرته مخرجاً على خشبة المسرح.

وعلى إيقاع مقتطفات من أبرز أفلامه، سار اللقاء الذي عُقد في «الهيئة الملكية الأردنية للأفلام».

وقال شيريدان «والدتي لعبت دوراً كبيراً في حياتي ومسيرتي»، ولطالما شعر بالذنب تجاهها، هي التي ماتت والدتها في اللحظة التي أنجبتها: «ورثت شعورها بالذنب تجاه أمها منذ كنت في أحشائها، شعرت بذُعرها، وكان لا بدّ من أن أكرّمها وجدّتي من خلال أفلامي».

وأطلعَ شيريدان الجمهور كذلك على الأثر الذي تركته وفاة شقيقه فرانكي المبكرة على عمله، وتحديداً على «My Left Foot». أما علاقته المعقّدة مع والده «المتسلّط» فتجلّت كذلك من خلال أعماله السينمائية، لا سيما عبر «In the Name of the Father».

واللافت في المخرج المشرف على ثمانينه، أنه لا يخجل من البُعد العاطفي الذي يُثري به أفلامه. حتى إدارة الممثلين بالنسبة إليه هي عملية نابعة من الحب. «لا تحتاج إلا إلى الحب لإدارة الممثلين. التقنيات شيء والحب شيء آخر».

ويوضح شيريدان: «إما أن يكون المخرج طاغية وإما أن يكون محباً، لا حل وسطاً، وأنا من الفئة الثانية».

وأشار شيريدان إلى أسلوبه الخاص في التعامل مع الأطفال الممثلين، مشيراً إلى أنه لا يرغب في تخويفهم أو تحميلهم الخطأ، بل يتظاهر بأن الخطأ من عنده هو، لتشجيعهم على التعبير بحرية.

وعن رؤيته للإبداع، قال:"الإبداع هو أن تقدّم فكرتك وسط القيود المجتمعية، بطريقة لا تعيق رسالتك ولا تخرق تلك الحدود".

وأشاد شيريدان في الندوة التي أدارها المخرج الكبير يسري نصر الله بوعي الجمهور العربي وتفاعله، معربًا عن سعادته بوجوده في عمان ومشاركته في مهرجان يحتفي بالصوت الإنساني والفني معًا.

وفي ختام الجلسة، منحته الأميرة ريم علي، رئيسة المهرجان، درع "السوسنة السوداء"، تكريمًا لمسيرته المؤثرة وإسهاماته في السينما العالمية.

وتأتي استضافة شيريدان بعد اختيار إيرلندا ضيف شرف الدورة السادسة من المهرجان، احتفاءً بتقاطع السرديات الإنسانية بين السينما الإيرلندية والعربية، وتأكيدًا على الجسور الثقافية العابرة للحدود.

 

موقع "سينماتوغراف" في

07.07.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004