ملفات خاصة

 
 
 

أوسكار من جديد ولسه الأفلام ممكنة

كتب من واشنطن:

توماس جورجيسيان

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 97)

   
 
 
 
 
 
 

الليلة الكبيرة للسينما وعشاقها فى هوليوود جذبت اهتمام مئات الملايين من كل بقاع الأرض.حفل أوسكار هذا العام حدث يوم الأحد 2 مارس 2025.

الحدث كان مبهرا كعادته.وقبله ومعه   لم  يتوقف الحديث عن وجوه جديدة وأسماء موهوبة خطفت أنظار عشاق الأفلام  وأيضا عن حالة صناعة السينما وتحديات فرجة الأفلام وبالطبع ما زال فى البال الحرائق التى شهدتها ولاية كاليفورنيا خلال الماضى القريب.

فى هذه الليلة كان لفيلم «أنورا» نصيب الأسد من الجوائز (5 أوسكار). كما حصل فيلم من لاتفيا وفيلم آخر من البرازيل على أول أوسكار لهذين البلدين. وكان لافتا للأنظار حصول فيلم «لا أرض أخرى» على جائزة أفضل فيلم وثائقى. والفيلم يتناول جرائم الاحتلال الإسرائيلى ومعاناة الشعب الفلسطينى.ولم يتردد مخرجا الفيلم الفلسطينى باسل عدرا والإسرائيلى يوفال ابراهام فى الحديث عما حدث ويحدث وحق الفلسطينيين فى تقرير مصيرهم

ما شاهدناه من مشاهد فى الحفل وما سمعناه من كلمات عبر بها المبدعون عما يشعرون به وما عشناه من لحظات بهجة وخيال تؤكد أن الأفلام لسه ممكنة. وأن السينما لها إبهارها وسحرها أينما كان المشاهد لأفلامها. ولا شك أن الأفلام شكلت أحلامنا وذكرياتنا. ومعها رأى المشاهد والعاشق لها عالما جديدا مختلفا عما يعيشه وأحيانا حلق فى أجواء عالم آخر يريد أن يعيشه بعد أن يخرج من دار السينما.

«أنورا» الذى حصل على أوسكار أحسن فيلم. فيلم مستقل لم تنتجه شركة كبرى لديها أموال ضخمة. ميزانية إنتاجه ستة ملايين دولار فقط. وإيراداته حتى الآن تقدر بـ 40 مليون دولار. الفيلم يتناول حياة بائعة هوى من نيويورك تتزوج ابن ثرى روسى. مخرجه شان بيكر وقد حصل على أوسكار أحسن مخرج شدد على أهمية عودة عشاق السينما إلى صالات السينما. لأنها حسب تعبيره المكان الذى جمع بيننا وخلق بيننا صداقات ونقاشات حول السينما وحب الأفلام.

بطلة الفيلم مايكى ماديسون حصلت على جائزة أحسن ممثلة وسوف تحتفل بعيد ميلادها الـ26 يوم 25 مارس الجارى. وهى وجه جديد وموهبة متألقة خطفت الأنظار والأضواء.

أما الممثلة زوى سالدانا (46 سنة) فقد حازت على أوسكار أحسن ممثلة مساعدة عن دورها المتميز فى فيلم إميليا بيريز. وجاءت كلماتها المؤثرة بعد تسلمها الجائزة لتشد انتباه الحضور وهى تتكلم عن أسرتها المهاجرة وطموحها الفنى.

وأنا أتابع مشاهد أوسكار 2025 المبهرة تأتى فى بالى سطور كتبها الناقد السينمائى الكبير رءوف توفيق.. فى كتابه «سينما المشاعر الجميلة».. وهو من هؤلاء الذين علمونى عشق السينما.. 

نشتاق كثيرا لأن يفهمنا أحد

نشتاق للحنان والحب

نشتاق لمن يخفف عنا حدة الأيام وطول المسافات

وكأننا قطارات تسير على قضبان..نلهث ونتصارع ونتوجع.. دون أن تتوقف القطارات على محطات للراحة والتقاط الأنفاس.. ودون أن تلتقى الخطوط!

حالة اشتياق.. نمر بها جميعا.. وننتظر ما قد تلقى به الأقدار فى طريقنا وتجعل الخطوط تتلاقى... مع هذه الكلمات للأستاذ رءوف أشاهد الحفل ويتأكد لى سحر الأفلام وسرها فى أن نسرح بها .. ومعها.

وكان لا بد فى الليلة الكبيرة الاحتفاء بالممثل القدير جين هاكمان الذى غادر حياتنا مؤخرا وكان فى الـ95 من عمره. النهاية الدرامية لحياته والعثور على جثته وجثة زوجته فى بيتهما بسانتا فيه بولاية نيو مكسيكو.

هاكمان ترك بصماته التمثيلية المميزة فى ذاكرة مشاهدى أفلامه. مقالات عديدة كتبت عن حضوره التمثيلى وعن أدائه الخاص. ستة عقود من التمثيل و72 فيلما وقد حصل على جائزتي أوسكار. وجاء مورجان فريمان الممثل القدير ليقول فى حفل أوسكار هذا الأسبوع أهل السينما فقدوا عملاقا.. وأنا فقدت صديقا عزيزا.

من يتابع باهتمام أحوال السينما يعرف أن مع مرور السنين لم تعد الأفلام تصنع كما كانت تصنع أو تنتج من قبل. كما أننا نحن كمشاهدين لم نعد نشاهد الأفلام كما كنا نشاهدها من قبل. والبعض يتساءل هل هوليوود التى كانت فى وقت ما توصف بأنها مصنع الأحلام قادرة على صنع أحلام جديدة؟ وإذا كانت هوليوود تنتج سنويا ما بين 600 و800 فيلم فإن بوليوود سينما الهند فى المقابل تنتج سنويا ما بين 1500 و2000 فيلم.

وجدير بالذكر أنه فى نفس يوم حفل أوسكار هذا العام (2025) 2 مارس من 60 سنة فى عام 1965 عرض لأول مرة الفيلم العظيم والشهير Sound of Music (صوت الموسيقى) فى الولايات المتحدة. وكان من بطولة جولى أندروز وكريستوفر بلامر ومن إخراج روبرت وايز. ومن منا يمكن أن ينسى عظمة وإبهار هذا الفيلم العابر للأجيال. الفيلم حصل على خمس جوائز أوسكار من عشر جوائز كان صوت الموسيقى مرشحا لها. ومعروف أن الفيلم مدته 174 دقيقة (تقريبا ثلاث ساعات). وقد تكلف إنتاجه 802 مليون دولار. وإيراداته زادت على 285 مليون دولار

مشهد أخير

عفوا.. نحن كبشر فى حالة اشتياق للذهاب إلى مكان أجمل وزمان أحلى. وهذا بلا شك من حقنا طالما أحياء. أسمع هذه العبارة تتكرر حولى خاصة لدى عشاق السينما والأفلام بما فيها من جمال وخيال وسرحة وفسحة وراحة ورحرحة وانطلاق وتحليق فى آفاق لم نعرفها من قبل

علاقاتنا الحميمة مع الأفلام وممثليها ومشاهدها وموسيقاها تحتاج الى دراسات ونقاشات تبحث عن السر فى لهفة المشاهدة وعن الكيمياء فى التفاعل الوجدانى مع الفيلم وعالمه المبهر. وأكيد لسه الأفلام ممكنة.  

 

صباح الخير المصرية في

12.03.2025

 
 
 
 
 

باسل عدرا لـ"المجلة": أعتذر عن عدم ذكر غزة خلال حفل الأوسكار

اعتبر أن التعاطف الدولي مع معاناة القطاع أسهم في الفوز

حسام معروف

لم يكن يعلم حين حمل الكاميرا لأول مرة، أن ذلك سيوصله وقضيته وأرضه، إلى أحد مراكز السرد البصرية العالمية. ولم يكن يعرف، قبل سنوات، ما العنصر الذي سيتمكن من وضعه في فيلمه، ليحدث الأثر المطلوب، فكان التجريب والشغف، طريقه للدفاع عن أرضه، ونقل قصة أهله في قرى مَسافر يطا، جنوب مدينة الخليل، وسرد تعرضهم للتطهير العرقي والاعتداءات المستمرة من الاحتلال.

شهد تتويج الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى" الذي أنجزه عدرا مع ثلاثة نشطاء آخرين، أول حضور فلسطيني في تاريخ حفل الأوسكار، وذلك بعد فوزه في مهرجان برلين السينمائي الدولي.

ومنذ تلك اللحظة، أثار الفيلم جدلا بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب مشاركة المخرج والصحافي الإسرائيلي، يوفال أبراهام، في الفيلم، ومشاركته في لحظة التتويج، ليبدو الفيلم عملا فلسطينيا-إسرائيليا مشتركا.

"المجلة" حاورت المخرج الفلسطيني باسل عدرا حول ذلك كله.

بعد أن كان الغرب يتبنى الرواية الإسرائيلية كاملة، تمكنا للمرة الأولى من تقديم رواية فلسطينية، تتحدث عن قهرنا اليومي في مواجهة التطهير العرقي 

ما العنصر الذي جعل أكاديمية الأوسكار تمنح هذا التقدير لفيلم "لا أرض أخرى"؟

يبدو أن ما استطعنا فعله كفريق عمل، هو تقديم الرواية الحية، عبر الصوت والحركة والأنفاس الإنسانية. لقد نقلنا مشاهد التطهير العرقي، والإيذاء الممنهج بحق الفلسطينيين في مسافر يطا، من قبل المستوطنين والجنود الإسرائيليين. ويبدو أننا نجحنا في فتح أعين الغرب، وشهد مسرح الأوسكار لأول مرة مشاركة قصة فلسطينية قابلة للتداول. فبعد أن كان الغرب يتبنى الرواية الإسرائيلية كاملة، أستطيع القول إننا تمكنا للمرة الأولى من تقديم رواية فلسطينية، تتحدث عن قهرنا اليومي، ومعاناتنا المستمرة في مواجهة التطهير العرقي كفلسطينيين جميعا.

الحافز

ما الحافز الذي أوصلك للتتويج؟

حملت الكاميرا منذ سن المراهقة، وكان هاجسي تعريف الناس بمسافر يطا، في محافظة الخليل. كنت أعرف جيدا أن هنالك فلسطينيين أيضا لا يعرفون تلك المنطقة، لأن الإعلام لا يسلط الضوء على قهرنا اليومي. فهي تقع في المنطقة (ج)، حسب تصنيفات اتفاقية أوسلو الثانية، وتعد منطقة خاضعة أمنيا لسلطات الاحتلال، عبر حياة قاسية وملاحقات ومطاردات وتهديدات مستمرة بالتهجير.

كنت، وما زلت، أشعر بالظلم، جراء الاعتداء اليومي بالقوة والسلاح والعربدة، ذلك الاعتداء الذي نواجهه كعدد قليل من السكان في "المسافر". لم يكن بمقدورنا فعل شيء سوى التصدي والوقوف في وجه التخريب الإسرائيلي، وكان يساعدنا في ذلك ناشطون يساريون إسرائيليون، اقتنعوا بحقنا الوجودي على أرضنا، ووثقوا الظلم الذي نتعرض له، عبر تحقيقات صحافية عديدة. وأحسست بأنني بمقدوري توثيق ما أعيشه، ويعيشه أهلي، عبر الكاميرا.

ومع الوقت وجدت أنني أحمل عينا ثالثة، يمكنها أن تنقل مشاعري وأفكاري لمجتمع أوسع. كنت أرغب في مخاطبة الجميع على طريقتي. لربما هذا أيضا لفت انتباه الأكاديمية، لقد وصلتهم قصة حقيقية ملموسة، ومشاهد يمكن التفاعل معها.

تعرضت للضرب والاعتداء والاعتقال من قبل المستوطنين والجنود الإسرائيليين، وكنت مقتنعا بأن الطريق طويل، لكنه ليس مستحيلا

ما أبرز التحديات التي واجهتموها كفريق توثيقي، حتى لحظة النجاح؟

أول إشكالية كانت المكان. فكم هو مرهق ومقلق أن تعيش في مكان دائم التعرض للمداهمات والتفتيش، وإلى العبث والفوضى من قبل المستوطن الإسرائيلي والجندي. إنها خطة ممنهجة لطردنا من أرضنا. الأمر المرهق كان تمكننا من تخبئة الكاميرات عن عيون المخربين الإسرائيليين. وهذا في بعض الأوقات كان أمرا مستحيلا، وكثيرا ما تعرضت الكاميرات للإتلاف أو المصادرة.

البعض استغرب الوقت الطويل الذي استغرقناه للوصول للنهاية خلال التصوير. لكن الكثير من المشاهد فقدت وأعيد تصويرها، بسبب المداهمات الخبيثة للجنود والمستوطنين، وهو ما زاد من صعوبة المهمة.

مرات عدة، اضطررنا إلى التوقف عن المونتاج، من أجل الوقوف والتصدي للمستوطنين. لقد كنا وما زلنا نعمل في ظروف قهرية، ومعرضين لخطر الملاحقة في أية لحظة. وقد تعرضت للضرب والاعتداء من قبل المستوطنين والجنود الإسرائيليين، ومرات أخرى للاعتقال، خلال حملي للكاميرا، وأيضا خلال دفاعي عن قريتي. لم أضعف لحظة، وكنت مقتنعا بأن الطريق طويل، لكنه ليس مستحيلا.

أصوات الناس

كيف أسهمت التجارب الحقيقية خلال الفيلم، في إيصال القصة بأفضل صورة؟

حاولنا أن نجعل المشهد كأنه يحدث الآن، بكل مكوناته، في مسافر يطا. بأصوات الناس، وصرخات الأطفال والنساء، وزعيق الرجال، وأيضا أصوات الجنود والمستوطنين. كنا نريد أن تصل أصوات هدم البيوت، والمداهمات. كان لا بد أن تكون الصورة بكل مكوناتها مؤذية، كما هي في الواقع تماما.

ثم إن تعدد الكاميرات، خلال التصوير، كان يهدف لعدة رؤى، ليست رؤية الفلسطيني وحده لما يحدث، بل الإسرائيلي والألماني والأميركي، وغيرهم. نعم، بحثنا عن زوايا مختلفة، وعبر تعددية ثقافية، وتركنا المجال للجمهور من مختلف الانتماءات والأديان والأعراق لتحليل المشهد. كنت أريد تجريد القضية من كل الصبغات، والحديث للعالم عبر ذلك.

واجهنا في رحلتنا الكثير من المصطلحات، لكنها كانت معظمها تنظيرية، لا تتعمق في الواقع، ولا تعايش لحظة حقيقية على الأرض

هناك من انتقد مشاركة المخرج والصحافي الإسرائيلي يوفال أبراهام، بوصفها نوعا من أنواع التطبيع الثقافي، بماذا ترد؟

لا أستطيع منع أحد من قول رأيه، ولا أجد في الجدال الدائر أي شيء يزعجني. وللتوضيح، هنالك سياق تمضي فيه قصة أي فيلم، كما يتشكل الواقع تماما. قصة "لا أرض أخرى" تشكلت تدريجيا، من خلال مشاركة الناشطين الإسرائيليين يوفال أبراهام وراشيل تسور في الدفاع عن أهل مسافر يطا ومناطق أخرى. لقد واجها معنا أحداثا خطرة، خلال التصدي والمتابعة، وحماية مسافر يطا من المستوطنين والجنود.

نعم، كانا شريكين في العمل، فوجودهما كان مؤثرا في تقديم قصتنا، ويصعد بالرواية الفلسطينية المغمورة إلى السطح. لا أعرف هل سيكون ذلك الصعود مفيدا في تثبيت الرواية الذاتية والجمعية، لكنني أديت جزءا من رسالتي الفنية، وما يهمني في المقام الأول البقاء على أرضي. لقد واجهنا في رحلتنا الكثير من المصطلحات، لكنها كانت معظمها تنظيرية، لا تتعمق في الواقع، ولا تعايش لحظة حقيقية على الأرض. إنها التجربة التي تدفع نحو تحقيق الهدف، والآن أشعر بالفخر بأنني فلسطيني يخاطب العالم عن قضيته.

غزة

كانت لديك مساحة في لحظة التتويج للحديث إلى العالم أجمع، فلم تذكر سوى مسافر يطا، ولم تذكر ما يحدث من إبادة في غزة. ما تعليقك؟

أعتذر لغزة وأهلها، عن عدم طرح رسالة خاصة حول الإبادة لحظة تتويجي في الأوسكار. منحتنا اللجنة المشرفة أربعين ثانية فقط، دون توجيه أو إملاءات كما يُشاع. لكن كان عليّ قول شيء يلخص التجربة والنجاح، ولم يكن ذلك سهلا، وهي دوما إشكالية يقع فيها الفنان، إذ يحوله البعض لقائد سياسي يلقي خطابا، وهو أمر غير منطقي. أرى أن اختزال طرح مسألة التطهير العرقي الحادثة في مسافر يطا، هو تكثيف لحدث خطير يواجهه الكل الفلسطيني في يومياته. لا نستطيع سرد ما يقارب ثمانين عاما من المعاناة بوجود الاحتلال، خلال أربعين ثانية.

كنت مرتبكا وأشعر بتوتر كبير لحظة وقوفي على منصة التتويج، فهذه لحظة غير عادية، وحظيت بوقت محدود جدا، لم يسعفني لقول كل شيء.

أشعر بأن فوز "لا أرض أخرى" بجائزة الأوسكار، ارتبط بشكل أو بآخر بالتعاطف الدولي مع أهل غزة

ما أود الإشارة إليه هو أنني تحدثت عن غزة مرات عديدة خلال التتويجات السابقة والحوارات اللاحقة حول الفيلم، في ألمانيا، وبعد جائزة مهرجان برلين. وقلت بكل وضوح إن ما يحدث في غزة تطهير عرقي بحق الفلسطينيين.

وإنني أشعر بأن فوز "لا أرض أخرى" بجائزة الأوسكار، ارتبط بشكل أو بآخر بالتعاطف الدولي مع أهل غزة، بالإضافة إلى أهمية القضية إنسانيا.

ما الذي يمكن للفن قوله أمام إبادة جماعية بغزة والضفة الغربية، وتطهير عرقي في مسافر يطا وغيرها، من قبل إسرائيل؟

ثمة ما يمكن ذكره، حديث يوفال أبراهام على منصة التتويج، عن التمييز بيني وبينه في الأرض المحتلة. هذه رسالة قد تكون ناعمة، لكنها طريقة الفن في قول الأشياء. يبقى الفن حاجة إنسانية للفهم والتحليل وتطوير الآراء. وجمالية الفن أنه لا يمتلك أسلحة، ولا يقاتل بالصراخ والضجيج. هو موجود عبر التاريخ وسيبقى، دوما في ركنه البعيد، يخاطب العقول والمشاعر، ويوثق قصص الناس، التي تتآكل شفهيا مع الوقت.

الفن والسياسة

ما جدوى الفن في هكذا ظروف قاسية يعيشها الفلسطينيون؟

أعترف بأن الخطاب الفني، وكافة وسائل الوصول للجمهور، تبدو أقل تأثيرا من خطابات السياسة وآلاتها العسكرية. وها هي أُبيدت غزة وهُجّر أهلها، ولم يتغير الموقف العالمي أمام حمامات الدم. أذكر أنه في الوقت الذي كنت أحصل فيه على تتويجات من مهرجانات عدة، قبل عام تقريبا، كانت الحرب على غزة تشتد، والإبادة والتطهير العرقي يتواصلان. هذا أمر يدعو للإحباط في جانب الأثر، لكن لا مفر أمامنا سوى الاستمرار في طرق شوكة الفن الرنانة، وإحداث الصوت الممكن.

من المستهجن أن أجد، أثناء تتويجي، الرئيس الأميركي دونالد ترمب يدعو لترحيل شعبي في غزة إلى بلاد أخرى

بذلك يمكن تلخيص دور الفن في توسيع دائرة المعرفة لدى الناس، وتحريك المشاعر نحو هدف ما، فالسينما لا تحمل ذلك السلاح القاتل الذي يمتد نحونا كفلسطينيين منذ عقود. ومن المستهجن أن أجد، أثناء تتويجي، الرئيس الأميركي دونالد ترمب يدعو لترحيل شعبي في غزة إلى بلاد أخرى، إنها طريقة فجة من طرف أقوى دولة في العالم، في التطهير العرقي، وسلب حقوق الناس.

ماذا عن توجهاتك الفنية مستقبلا؟

لا أجد ما أقوله الآن. لقد غادرت منصة التتويج، اللحظة الأكثر حضورا في حياتي، لكنني الآن أواجه الواقع مجددا، وأعود لمواجهة المستوطنين والجنود، للدفاع عن أرضي. لا أدري أين سأكون فنيا في المستقبل. لقد نجحت في تجربة، وعليّ تعزيز هذا النجاح، هكذا يبدو، لكنني لم أفكر بعد في الخطوة المقبلة. لربما أبقى في السينما التوثيقية، ولربما عليّ تطوير ذاتي في مساحة سينمائية أخرى.

 

مجلة المجلة السعودية في

12.03.2025

 
 
 
 
 

"لا أرض أخرى" الفائز بالـ"أوسكار": الضحية فلسطيني والبطل إسرائيلي

المصدرالنهار - هوفيك حبشيان

هذه الصداقة بينهما التي تتطور في أسوأ الظروف، هي فرصة لنرى الزاوية التي ينظر كلّ منهما إلى الواقع وكيفية تعاطيهما معه.

بعد نيله "أوسكار" أفضل وثائقي، ها ان الناس يلتفتون إلى "لا أرض أخرى" للفلسطيني باسل عدرا والإسرائيلي يوفال أبراهام، المصنوع بجهد مشترك، رغم انه كان عُرض قبل عام في مهرجان برلين السينمائي حيث فاز بالجائزة نفسها، محدثاً جدالاً في حفل الختام. بعيداً من كلّ المهاترات حوله، يصح القول ان هذا الفيلم الوثائقي، لا يختلف شكلاً ومضموناً، عن غيره من الأعمال التي تضع داود أمام جالوت، سوى في حقيقة انه يعمل على تدويل حكاية قرية صغيرة اسمها مسافر يطا وينقل معاناتها إلى العالم ”الحر".

لا توجد في الفيلم صورة أو كلمة، لم توظّفها السينما الوثائقية الفلسطينية منذ تأسيسها، ولم تلكها الألسنة في نشرات الأخبار عند تناولها بقعة جغرافية ترزح تحت العنف منذ عقود. لكن، كما يُقال، فالشيطان يكمن في التفاصيل، وهنا شياطين كثر وتفاصيل أكثر؛ لقطة من هنا وأخرى من هناك، وها اننا أمام قراءة مغايرة للواقع كما يراه شاب يعيش تجربة المصوِّر والمصوَّر في الحين نفسه.

انها قصّة قرية، قصّة صداقة، قصّة "قوة"، كما يقول باسل عدرا الذي يمسك من أيدينا إلى عالم يحكمه منطق القوة ويميزه مبدأ الفصل، حيث الحقّ يؤخذ بالقوة، وما يصح على إنسان لا يصح على إنسان آخر. ينسحب ذلك حتى على الحركة داخل الكادر، فلا يتحرك الفلسطينيون كما يتحرك الإسرائيليون وهم لديهم كامل الحرية في التنقّل والانتشار، في حين أن تواتر الحياة عند أصحاب الأرض يجعل تلك الحياة مشلولة وحركتهم مقيدة، تخضع لعامل الانتظار والترقب.

باسل ويوفال أنجزا معاً هذا الفيلم الذي يتحدّث عن القرية التي تهدم إسرائيل بيوت سكّانها لإنشاء معسكرات تدريب. باسل من مسافر يطا، ويوفال من بئر السبع ويعمل صحافياً بعدما رفض الالتحاق بالخدمة العسكرية. يوفال يملك الخيار(ات)، باسل لا. ينتصر يوفال للضعيف والمظلوم انطلاقاً ممّا يمليه عليه ضميره، فيما باسل فتح عينيه على التصدّي إلى ما يعيشه هو وأهله. فهذا الشيء معشّش في داخله نوعاً ما، منذ الخامسة عندما رأى الجنود يعتقلون والده. صحيح ان القضية قضية باسل في الدرجة الأولى، لكن يوفال يحوّلها إلى قضية عامة ملك الجميع، ولذلك هو البطل الحقيقي للفيلم. أضف إلى انه كان يمكن ان يكون في صفّ الظالم (أو أقله في صفوف اللامبالين)، لكن قرر ان يكون الشاهد والمبادر، رغم معرفته المسبقة ان تأثيره محدود، اذ يقول في أحد المشاهد رداً على سؤال ان قلّة تهتم بتقاريره. حتى انه لا يفهم كيف ان باسل يفكّر في الهجرة. ويأتي ذلك من كونه مناضلاً لديه الترف ان يكون مناضلاً بدوام جزئي.

هذه الصداقة بينهما التي تتطور في أسوأ الظروف، هي فرصة لنرى الزاوية التي ينظر كلّ منهما إلى الواقع وكيفية تعاطيهما معه. نكتشف الفرق بين مَن يستطيع العودة إلى منزله بعد يوم نضال طويل، ومَن يعيش في النضال 24/24. ومع ذلك، يبقى المخيّر هو البطل الحقيقي. انه الذي سيُقال له "أنتم تدمّرون ما نبنيه"، في ربط بين الشخص والجماعة، ومع ذلك لن يحرك ساكناً. في المقابل، يستغرب باسل اندفاع يوفال، فهو كأي ناشط يعتقد ان حضوره سيحدث كلّ الفرق، وان صراع قابض على الأرواح منذ عقود سينتهي مع مشاركة بعض المقاطع على وسائط التواصل. لكن، دعنا لا نتوهّم. فيوفال يفعل ما يفعله لنفسه أولاً: "حرية الآخرين" يقول، "ستجعلني أكثر أماناً“.

يخرج باسل من عتمة الليل، مستحوذاً على أولى لقطات الفيلم. بصوت محتضر يروي الأحداث. وكأنه ميت مع وقف التنفيذ، كلّ ما سيلي بعد مشهد الافتتاحية يؤكّد ذلك. انه ابن عائلة من النشطاء، وعليه ان يحذو حذوهم. تشرّبه مع الحليب. مصيره مكتوب سلفاً. عالمه مكون من مواجهات مع الجيش الإسرائيلي؛ مصادرات واعتقال وهدم. لا شيء آخر. مسافر يطا قرية من دون جماليات بالمعنى المتعارف عليه. جدران البيوت غير مورّقة. عبارة عن كومة حجارة. قطعة أرض توحي بالبؤس والفراغ. لكنه المكان الذي كبر فيه وارتبط به. "20 قرية جنباً إلى جنب في جبال الضفّة الغربية"، هكذا يموضع نفسه داخل الجغرافيا. على مستوى الحضور على الشاشة، مشكلة باسل هي في ثقل ظلّه واستعراضيته. يضع نفسه في الصدارة، أما كلّ الآخرين فيتحلّقون حوله، دون ان يبدي أي اهتمام بالحفر في أعماقهم. إنهم أدوات تخدم سرديته.

لعبة قط وفأر بين الظالم والمظلوم، واصرار على الحياة من جهة، مع تعنّت على تدميرها من جهة أخرى، هذا هو "لا أرض أخرى". وكما في فيلم "خمس كاميرات محطّمة" (فيلم إخراج  فلسطيني - إسرائيلي آخر وصل إلى الـ"أوسكار")، كلّ شيء في الفيلم يتعلّق بالتصوير والتوثيق ووجهة النظر. آلة التسجيل تتماهى مع "أعين العالم الحر"، كأن لا حقيقة من دونها. فالكلام لا شيء، اذا لم يكن مدعوماً بالدليل البصري وموثّقاً بصراخ نساء وأطفال وشيوخ يحتجّون ويعترضون مراراً على إجراءات هدم البيوت واخلاء سكّانها. وكما في العديد من هذه الأفلام، الجرافة متأهّبة. تقتلع، تسحق، تجرف، تساوي الذكريات بالأرض، تجسّد البطش وفرط القوة.

أهمية "لا أرض أخرى"، أنه ليس فيلماً تبسيطياً يدلي بما هو متداول ومعروف في هذا الشأن، بل يرفع الخطاب إلى مستوى أعلى قليلاً. في أحد المَشاهد، نفهم من خلال التعليق الصوتي، ان أهل القرية قرروا قبل سنوات الوقوف مع أي جهة تنتصر لقضيتهم بصرف النظر عن هويتها. الأمر الذي لن يفهمه حراس القضية، من كتبة بيانات مكتب مقاطعة إسرائيل الذين لمّحوا أننا أمام حالة من حالات التطبيع. لن يفهموه لأنهم لم يُتركوا وحدهم في مواجهة البطش، كما هي حال أهل مسافر يطا.

جمالياً، مقابل المَشاهد واللقطات العشوائية المصوَّرة بكاميرا مهزوزة التي فرضتها ضرورات التوثيق وجمع الأدلّة، نجد سيلاً من المَشاهد المنمّقة التي تحسب حسابات الكادر والتكوين والعمق، وهذه مشكلة في ذاتها، لأنها تساهم في جعل الخيوط ظاهرة. لكن للانصاف، العديد من الأفلام الوثائقية خلال السنوات الأخيرة أصبحت تأتي على هذا الشكل، وهي في طور التحوّل إلى "مدرسة" جديدة. لكن مع باسل عدرا ويوفال أبراهام، نشعر بالمزيد من الافتعال، وهذا كله يضع المصداقية على المحك. فمثلاً، اللقاء الأول بينهما، يجري قبالة الكاميرا، وكأننا في مشهد ينتمي إلى السينما الروائية على مستوى الإخراج وتنظيم المساحة وحركة الكاميرا التي تنتظر ما سيحدث بدلاً من ان تبحث عنه. مَشاهد أخرى، كسيارة تركن عند المحطّة لتزوّد الوقود، لا تساهم الا في تعزيز الإحساس بالزيف. وهذا كله يأتي في سيرورة مونتاجية تفشل في صناعة وحدة إيقاعية، ذلك ان هناك على الدوام فيلماً ينتهي وآخر يبدأ.

تغيب عن الفيلم الأشعار والأدبيات النضالية الخاصة بالعديد من الأفلام الفلسطينية، فهو ينطلق من الشخصي إلى العام، وكلما أصبحت التجربة معيشة تراجع مستوى الكلام العام. فالأشياء هنا لها مسمّياتها الواضحة، لا تُلفَظ كلمة قضية ولو مرة واحدة. اذا تحدّث الفيلم عن شيء، أظهره أو أشير اليه بطريقة ما. لسنا في القبضات المرفوعة، وما تحمله عادةً ثقافة الإنشاء العربية على راحاتها.

لعل ما يلطّف الفيلم ويقربه من الواقع اليومي، هو تراكم اللحظات العادية، وإن جاءت من داخل كهف أو من تحت خيمة، فالناس تنصرف إلى شؤونها، لتعود وتكافح عندما تدق الساعة. والفيلم، لأنه يحمل توقيع شخص يعرف عمّا يتحدّث، فيكرر لحظات الفراغ تلك، حيث الجالسان يستمتعان بنرجيلة أو بكوب من الشاي، ممّا يحملنا إلى الحديث عن أريحية العلاقات، رغم كلّ شيء. وهذا لا يمدّ الفيلم بخفّة، بل يدعمه. اللقاءات المتكررة بين باسل ويوفال، على ما تحمل من افتعال، تؤسس لشيء أصبح أكثر إلحاحاً بعد 7 أكتوبر.

كالعادة في هذا النوع من الأفلام، ثمّة ضبابية، أغلب الظن انها ستتبدّد مع التجارب التالية للمخرجيَن. هذه الضبابية تشمل مسؤولية كلّ مخرج ومدى مساهمته في الفيلم، خصوصاً أننا في زمن نعلم كيف تُصنع فيه الوثائقيات ووفق أي آليات وأي سياسات، ولا سيما انها تأتي تحت رعاية جهات إنتاجية تحرص على الضبط والتحكّم بكل شاردة وواردة.

اذا أخذنا الفيلم بحذافيره التقنية، فقد يسقط في امتحان معاهد السينما. لكن لحسن الحظ ان لا مقاييس صارمة تتحكّم بالفنّ. فهناك الروحية والأجواء والقدرة على التقاط كلّ هذا بلغة الصورة… هذه أشياء يصعب أحياناً على كبار المخرجين الحصول عليها. فما بالك بتلك القدرة على ربط قصّتك الشخصية بقصص الآخرين حول العالم، وهذا ما تفشل فيه حتى أكبر الامكانات الهوليوودية في بعض الأحيان.

أغلب الظن ان الـ"أوسكار" التي نالها الفيلم هي تتويج لجهد ومعاناة وشجاعة، لا تكريماً لموهبة سينمائية هي في الأصل محدودة. ولا يمكن فصل هذا كله عن الأمل الذي يبثّه الفيلم رغم كلّ شيء، وهذا موضوع يجمع أكثر ممّا يفرّق. الأمل في ان يكون هناك في يوم من الأيام حل لقضية، وسيكون الحلّ عبر الحوار والتلاقي.
باسل عدرا دفع أحياناً بجسده النحيل ثمن اللقطة التي تدين ظالمه. ارتمى أرضاً تحت أقدام العسكر غير خائف من سلاحهم. وبجسده نال الجائزة الأميركية، فالعالم أكثر تطلّباً مع هؤلاء، والالتفات في اتجاههم له شروط أقسى تصل إلى حد ”مطالبتهم“ بالاستثمار في الذات. وان ينال الـ"أوسكار" التي حُرم منها سينمائيون عرب وغير عرب أرفع شأناً، فهذا يعني ان العالم يريد من هؤلاء خطوات أبعد من مجرد فيلم جيد
.

 

النهار اللبنانية في

12.03.2025

 
 
 
 
 

لماذا ركز حفل الأوسكار على بوند وترك لينش على الهامش

في حفل احتفى بالسينما المستقلة والابتكار الفردي، لم يحظ المخرج الرؤيوي صاحب فيلم "مخمل أزرق" سوى بإشارة عابرة بالكاد لامست ذكراه. وفي المقابل، نال جيمس بوند إشادة مذهلة امتدت لـ 10 دقائق كاملة. ترى، ما الذي يحدث هنا؟

كلاريس لاغراي 

ملخص

ركز حفل الأوسكار على تكريم جيمس بوند بإشادة مطولة، بينما لم يحظَ ديفيد لينش إلا بإشارة عابرة على رغم تأثيره العميق في السينما، ما يعكس هيمنة القيم التجارية على الجوائز، مقابل تقدير محدود للإبداع الفردي الذي يجسده مخرجون مستقلون.

سادت همسات محتارة عبر منصات التواصل الاجتماعي خلال حفل الأوسكار الأخير، بينما بدأت مارغريت كوالي تؤرجح ساقها عالياً على أنغام موسيقى أفلام جيمس بوند، قبل أن تظهر المغنيات ليزا ودوجا كات وراي ليؤدين أغنيات "عِش ودع غيرك يموت" و"الألماس يبقى إلى الأبد" و"سكايفول". هل مات جيمس بوند... نهائياً هذه المرة؟ 

الأنباء عن وقوع العميل 007 في قبضة شبكة أمازون لا تبشر بمستقبل مشرق للجاسوس الأسطوري، إلا إذا كنتم متحمسين لفكرة إنتاج مسلسل مستمد من سلسلة الأفلام عن شخصية "أم الشابة". لكن مديحاً يمتد لعشر دقائق كاملة بدا مبالغاً فيه بعض الشيء. 

يبدو أن حفلات الأوسكار تعاني من ارتباط مزمن بتكريم سلسلة أفلام بوند، فقد سبق "الاحتفاء" بها على خشبة المسرح خلال حفلي عامي 2013 و2022. لكن هذا العام، أكثر من أي وقت مضى، كانت هناك شخصيات أخرى تستحق أن تُمنح مزيداً من وقت الحفل الذي نشاهده على شاشاتنا.

كان حجم فقدان المواهب خلال العام الماضي مؤلماً بشكل خاص. وفاة جين هاكمان، في فبراير (شباط) الماضي، أحدث صدمة. وعند افتتاح فقرة "في الذاكرة" السنوية، تحدث مورغان فريمان، الذي شارك هاكمان بطولة فيملي "غير المغفور له" Unforgiven و"تحت الاشتباه" Under Suspicion، بكلمات مؤثرة عن صديقه، ذلك الممثل الذي تعامل مع فنه بصدق لا يتزعزع، واحتضن الجانب القاسي لشخصياته ليكشف عن روح متألقة بداخلها.

كادت الدموع تنهمر من عيني. كانت خسارة هاكمان صعبة جداً بلا شك، لكن هذه السنة شهدت أيضاً وفاة الفنان الأكثر تأثيراً في حياتي، وفي حياة عديد ممن أعرفهم: المخرج ديفيد لينش، الذي كان يحول الأحلام إلى واقع على الشاشة. لم يكن لينش مجرد مخرج، بل كشف لنا الإمكانيات اللامحدودة للسينما كوسيلة للتعبير، كما كشف لنا عن عوالم مخفية داخل أنفسنا، عن الضوء الذي ينبثق من الظلام الدامس، وعن الحب الذي يعيش في أعماق الشر وبين براثنه.

بين الحضور، جلست إيزابيلا روسيليني، نجمة فيلمي "مخمل أزرق" Blue Velvet و"قلب جامح" Wild at Heart، والشريكة السابقة لديفيد لينش. كانت حاضرة بسبب ترشيحها لجائزة أفضل ممثلة مساعدة عن فيلم "الملتقى" Conclave، وقد ارتدت فستاناً من المخمل الأزرق تكريماً لـ لينش، وأحضرت معها ضيفتها لورا ديرن، واحدة من أبرز المتعاونين مع لينش، التي شاركتها البطولة في فيلمي "مخمل أزرق" و"قلب جامح" وكذلك في فيلم "إمبراطورية الداخل" Inland Empire ومسلسل "توين بيكس: العودة" Twin Peaks: The Return.

قلت لنفسي: ها هي اللحظة، ستصعدان إلى المسرح وتتحدثان عن هذا الفنان العظيم، بأسلوب محب ورحيم، كما يفعل من يعرفونه. ربما تعود ليزا أو دوجا كات أو راي لتقديم أغنية "في الأحلام" التي غناها روي أوربيسون في فيلم "مخمل أزرق". ربما سيحولون المسرح إلى الغرفة الحمراء الشهيرة في سلسلة "توين بيكس". ألن يكون ذلك رائعاً؟ لكن بدلاً من ذلك، عرض مونتاج فقرة "في الذاكرة" على أنغام "قداس الموت" لـ موزار، ولم يحصل لينش إلا على... 10 ثوانٍ من وقت العرض. ألم يكن ما حدث ظلماً؟ لقد بدا كذلك بالفعل.

لم يحصل لينش طوال حياته على جائزة أوسكار في الفئات التنافسية. تم ترشيحه أربع مرات، وحصل على جائزة الأكاديمية الفخرية عام 2019. كان خطابه ملاحظة شكر قصيرة، أتبعها بهذه الكلمات التي وجهها إلى تمثال الأوسكار الجديد الذي كان يحمله بيده: "لديك وجه مثير للاهتمام، تصبحون على خير". هذه هي آلية عمل الصناعة. الجوائز هي أساساً لأولئك الذين يلتزمون بالقواعد ويلعبون ضمن حدودها، وليس لأولئك الذين يتجاهلونها ويبتكرون أشكالاً جديدة.

لكن لا يمكن إنكار تأثير لينش على الأفلام التي تم الاحتفاء بها في ليلة الأوسكار، سواء كان ذلك في التفاصيل الصغيرة أو الكبيرة. فطريقة تصويره للحياة العادية كحكاية خرافية (ماذا عن قصة فيلم "أنورا" Anora المنسوجة على غرار حكاية سندريلا؟)، وطريقة تجسيده للخطايا البدائية في قلب أميركا (هل تذكرتم اللمسات السريالية في فيلم "الوحشي" The Brutalist؟)، إضافة إلى الطريقة التي حول فيها رواية فرانك هربرت "كُثيب" Dune إلى السينما (هل قال أحدكم "كُثيب: الجزء الثاني"؟) كانت روح لينش حاضرة في تلك القاعة. ولذلك، كان من المؤلم أن يلقى إرثه مجرد تلميح بسيط من التقدير في حفل كان يركز في جوهره على كرامة الفن والحرفة.

أما شون بيكر، وأثناء استلامه جائزة أفضل مخرج عن فيلم "أنورا" الذي فاز بأربع جوائز أخرى، فقد أطلق دعوة حماسية للحفاظ على دور السينما، قائلاً إنها "تجربة جماعية لا يمكنك الحصول عليها في المنزل". وقد فعل مقدم الحفل كونان أوبراين الشيء نفسه، لكن بطريقة فكاهية، حيث قدم مشهداً تخيلياً في إطار كوميدي يدعي فيه ابتكار مفهوم جديد للبث المباشر، يُعرض في مكان واحد بحيث لا تحتاج إلى حمل الشاشة ("فالمبنى هو الذي يحملها!"). واحد من أفضل اختيارات تلك الليلة كان رؤية نجوم الأفلام المرشحة في الفئات التي عادة ما يتم تجاهلها مثل أفضل تصميم أزياء وأفضل تصوير سينمائي، وهم يصعدون إلى المسرح ليقدموا تكريماً مباشراً للحرفيين الذين يقفون وراء هذه الأعمال.

شهد الحفل عديداً من الانتصارات التي بدت وكأنها تدافع عن الإبداع الفردي على حساب القوة المؤسساتية - فلم يقتصر الأمر على كونها ليلة مميزة للأفلام المستقلة، حيث فاز فيلم "أنورا" بخمس جوائز، بل كان أيضاً ليلة مميزة لفيلم "تدفق" Flow من لاتفيا. هذا الفيلم، الذي أخرجه غينتس زيلبالوديس باستخدام برنامج "بليندر" Blender المجاني ومفتوح المصدر، والذي يركز على قصة قطة، فاز بجائزة أفضل فيلم رسوم متحركة متفوقاً بذلك على الجزء الثاني من فيلم "قلباً وقالباً" Inside Out 2 الذي أنتجته ديزني، و"الروبوت البري" The Wild Robot من إنتاج دريم ووركس. في حين أن أقوى انتصار في تلك الليلة كان لوثائقي "لا أرض أخرى" No Other Land، الذي يسلط الضوء على تدمير القرى الفلسطينية في الضفة الغربية على يد القوات الإسرائيلية المحتلة، والذي فاز بالجائزة على رغم أنه لم يجد بعد جهة تتولى توزيعه في الولايات المتحدة.

ومع ذلك، يجب أن نأخذ في الحسبان أن شبكة "أي بي سي" المملوكة لشركة ديزني هي التي تقوم بإنتاج حفل الأوسكار، وهو ما يفسر ظهور شخصية "ديدبول" الراقصة في الحفل، على رغم أن فيلم "ديدبول وولفرين" Deadpool & Wolverine لم يتلق أي ترشيح على الإطلاق. كذلك يمكن أن يسهم هذا في تفسير التكريم المطول الذي حظيت به أفلام بوند. بالطبع، ستفضل ديزني أن تضع القيمة المالية لشخصية بوند، التي تجذب الجماهير وتشهد على قوة العلامات التجارية، في المقام الأول على حساب الأشياء البسيطة مثل المعنى أو العاطفة.

صحيح أن لينش عمل ضمن التيار السائد، لكنه لم يتكيف معه بشكل مريح. ومن هنا، سيظل رمزاً لكل مخرج من أمثال شون بيكر، وبرادي كوربيت، وكورالي فارجا - على سبيل المثال لا الحصر - من بين المخرجين الذين رُشحوا هذا العام لجائزة أفضل فيلم، والذين يواصلون النضال من أجل خلق فن شخصي في منظومة أصبحت أكثر عدائية. ربما أخفقت الأكاديمية في تكريم لينش، لكن انتصاره النهائي يكمن في كل كلمة أو خطاب يطالب بالصدق في الفن، وبالفن في الصدق.

مراسلة ثقافية @clarisselou

© The Independent

 

الـ The Independent  في

14.03.2025

 
 
 
 
 

الوثائقي الحائز على جائزة الأوسكار ..

«فرونت رو» توزع فيلم «لا أرض أخرى»  في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

دبي ـ «سينماتوغراف»

حصلت شركة «فرونت رو فيلمد إنترتينمنت» ومقرها دبي، على حقوق توزيع الفيلم الوثائقي الحائز على جائزة الأوسكار "لا أرض أخرى" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تمّ إبرام الاتفاقية بعد مفاوضات بين إيلي توما من Front Row وستيفاني فوكس من شركة Autlook Filmsales النمساوية للمبيعات.

يروي فيلم "لا أرض أخرى"، من إخراج الناشط الفلسطيني باسل عدرا والصحفي الإسرائيلي يوفال أبراهام، رحلة عدرا وهو يستكشف الدمار الذي لحق بمسقط رأسه، المخصص للتدريب العسكري. وتكتسب جهوده في التوعية زخمًا كبيرًا بدعم من أبراهام.

عُرض الفيلم الوثائقي لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي الدولي 2023، وفاز بجائزة الجمهور في بانوراما، بالإضافة إلى جائزة برلين السينمائية المرموقة للأفلام الوثائقية.

منذ عرضه الأول، حصد فيلم "لا أرض أخرى" 68 جائزة مميزة في مهرجانات سينمائية مختلفة، كما نال تقدير جمعية نقاد السينما في بوسطن، وجوائز الفيلم الأوروبي، وجوائز جوثام، ليحصد في النهاية جائزة أفضل فيلم وثائقي في حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2025.

ويمثل هذا الإنجاز أول مرة يفوز فيها فيلم وثائقي بجائزة الأوسكار دون الاستعانة بشركة توزيع محلية.

ورغم التحديات التي واجهها الفيلم في تأمين التوزيع في الولايات المتحدة، اختار صناع الفيلم التوزيع الذاتي بالشراكة مع شركة سينتيك ميديا، التي سهّلت حجز دور العرض.

عُرض الفيلم لأول مرة في 2 فبراير على شاشة واحدة، محققًا إيرادات بلغت 26,000 دولار أمريكي، واستمر في تحقيق النجاح لمدة أربعة أسابيع إضافية، متجاوزًا حاجز 1.2 مليون دولار أمريكي، ومُعرضًا على 120 شاشة.

وفي وقت سابق من هذا العام، أصدرت شركة فرونت رو فيلمها الأصلي الثاني على نتفليكس، "قلعة الرمل"، الذي وصل إلى قائمة أفضل 10 أفلام لمدة أسبوعين في أكثر من 77 دولة على منصة البث.

أصدرت الشركة أيضًا أفلامًا حديثة حازت على جوائز مرموقة مثل "المادة" و"المتدرب" و"إميليا بيريز"، ومشاريع ذات طابع سياسي مثل "عشرون يومًا في ماريوبول" و"العنكبوت المقدس" لعلي عباسي و"إلى أين نذهب الآن" لنادين لبكي.

وصرح جيانلوكا شقرا، الرئيس التنفيذي لشركة "فرونت رو فيلمد إنترتينمنت": "في عالمٍ مليء بالسرديات السائدة، من الضروري مراعاة وجهات النظر المتنوعة. يقدم هذا الفيلم منظورًا فريدًا، يجمع بين صانعي الأفلام الذين تجمعهم رؤية عادلة. اللقطات المعروضة مذهلة ولا مثيل لها. من واجبنا ضمان وصولها إلى الجمهور. من خلال عدسة هؤلاء المخرجين، تتحول الكاميرا إلى أداة فعّالة للحقيقة والمقاومة، وتحمي تاريخ قريتهم."

تعتزم "فرونت رو" عرض الفيلم قريبًا في دور عرض مختارة، يليه عرض مميز عبر خدمة الفيديو حسب الطلب في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 

موقع "سينماتوغراف" في

15.03.2025

 
 
 
 
 

"ما زلت هنا" لوالتر سالس... طبقات الأذية

قصة من الماضي عن الاختفاء القسري تلقي بظلالها على الحاضر

سامر أبوهواش

تصعب مشاهدة فيلم والتر سالس الأخير "ما زلت هنا" I’m Still Here الفائز بأوسكار أفضل فيلم دولي، بوصفه وثيقة تاريخية فحسب، وإن كان مضى على الأحداث التي يصوّرها نصف قرن ونيف. عالم الليبيرالية المتوحشة في 2025 يبدو من نواح عدة مختلفا جذريا عن عالم الحرب الباردة في سبعينات القرن الماضي. إلا أننا ونحن نشاهد أحد أقوى النتاجات الفنية في السنوات الأخيرة التي تتناول حقبة حكم عسكري/ ديكتاتوري، وما رافقها من ممارسات الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري والقتل، ضد المعارضين أو المخالفين السياسيين وعائلاتهم، ولا سيما التي شهدتها أميركا اللاتينية بإشراف الاستخبارات الأميركية بذريعة محاربة الشيوعية، فإننا لا نفعل ذلك بحسّ استعادي بارد، فاليمين الشعبوي المتطرف، وصفة الديكتاتورية المثالية، يطل برأسه من جديد في العالم بأسره، مع ما يثيره ذلك من مخاوف جدية على الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان.

الماضي حاضرا

في المنطقة العربية، غير البعيدة عن التحولات العالمية الأخيرة، تبرز أمثلة عدة: الأول في مرحلة سوريا ما بعد الأسد، وانفتاح السؤال الكبير حول مصير آلاف المعتقلين والمختفين قسرا، خلال حكم الأسد الأب ثم الابن، دون إغفال ما تشهده الحقبة الراهنة من انتهاكات لا يُعرف بعد مداها الكامل، والثاني في غزة والضفة الغربية، حيث هناك منذ بدء الحرب على غزة، آلاف المعتقلين الفلسطينيين الذين لا يعرف مصيرهم، ومنهم من قتل خلال الاعتقال، والثالث في السودان الذي لا يزال يعاني من إرث العقود الماضي.

في لبنان انتشرت أخيرا، شائعة سرعان ما كذبتها السلطات، عن العثور على مقبرة جماعية في منطقة الكرنتينا في بيروت، حيث يُعتقد أنه دفن ما لا يقل عن ألف شخص قتلوا عام 1976، في ذروة الحرب الأهلية. الأمل بنهاية لهذا الفصل المؤلم في حياة عشرات العائلات اللبنانية والفلسطينية ممن لديهم أقارب اختفوا خلال تلك الفترة، يشبه أمل السوريين باكتشاف مصير الآلاف من المختفين بعد سقوط نظام بشار الأسد وتحرير المعتقلين من سجن صيدنايا السيئ الصيت وغيره. وفي الحالين لا يزال الجرح مفتوحا، إلا أن مثل هذه الأحداث هي بمثابة تذكار بقضية تميل الدول والمجتمعات أحيانا إلى إغفالها، إما عجزا عن حلها، وإما رغبة في عدم فتح الملفات القديمة، مع ما قد يعنيه ذلك من ارتدادات على المشهد السياسي والاجتماعي الراهن. فجأة (تلك الكلمة المخاتلة)، يتنبه الناس إلى أن هناك شركاء لهم في الوطن، يقبعون منذ سنوات أو حتى عقود، في منطقة الانتظار المضنية تلك. المختفي قسرا، بالتعريف القانوني، ليس حيا ولا ميتا، قبل العثور على دليل يؤكد أيا من الاحتمالين.

يبدو صادما المشهد الذي تتبادل فيه يوريسه مع أفراد عائلتها، ومع الموظفين الحكوميين، التهاني، بعد نجاحها في استصدار شهادة وفاة لزوجها المختفي

على صفحة "ويكيبيديا" الإنكليزية، قوائم مفصلة بالدول التي شهدت الإخفاء القسري، وأعداد المختفين المحتملة، وليس من بينها فلسطين أو إسرائيل. قبل حرب غزة الأخيرة، هناك قلة، باستثناء أصحاب العلاقة والمنظمات القليلة التي ما زالت تتابع هذه المسألة، تعرف مثلا، بوجود ما يسمى بـ"مقبرة الأرقام"، تلك التي دفن فيها الاحتلال الآلاف من الفلسطينيين والعرب الذين قتلوا على يده على فترات زمنية مختلفة. أولئك أيضا لهم أهل ينتظرون دفن أحبتهم بصورة لائقة والتحرر من ذلك القيد المضني الذي يزداد وزنه، ولا ينقص، بمرور السنوات.

عائلة بايفا والأصدقاء في "I'm Still Here"

في فيلم والتر سالس، يبدو صادما المشهد الذي تتبادل فيه يوريسه مع أفراد عائلتها، ومع الموظفين الحكوميين، التهاني، بعد نجاحها أخيرا، عام 1996، في استصدار شهادة وفاة لزوجها المختفي (والمقتول) منذ 1971. ما يستحق الاحتفال هنا، هو تحقيق نوع من العدالة للمختفي قسرا، وأيضا عتق أحبائه من أسر الانتظار والتمكن من مواصلة حياتهم دون حمل تلك الصخرة على ظهورهم. وحين تسأل صحافية يوريس عن سبب مواصلة الاهتمام بهذه القضية بدلا من الاهتمام بالحياة الراهنة ومشكلاتها، تجيب بأنه بغير هذه الطريقة لا يمكن أن تتعافى المجتمعات وتتحقق العدالة، وبالتالي فإن ما حصل يظل قابلا للتكرار. دروس كثيرة يمكن الاستفادة منها عربيا، حيث فرص فائتة لم تغتنمها بلدان عربية، لغلق الملف بطريقة صحيحة، ومنها لبنان وسوريا والعراق

صورة الحياة/ الحياة صورة

في مشهد مؤثر آخر في "ما زلت هنا"، تتمكن يوريس بعد استصدار شهادة وفاة زوجها عضو الكونغرس ورجل الأعمال روبنز بايفا، من تذكر مناسبة إحدى الصور الفوتوغرافية التي ربما كانت الأخيرة للأب المختفي قسرا مع جميع أفراد عائلته. تلك الصورة التقطت على شاطئ البحر خلال حفل وداع الابنة الكبرى الذاهبة للدراسة في لندن، لكن يبدو أن النسيان كان يلف المناسبة، حتى تتمكن الزوجة وقد امتد بها العمر وهي تناضل لكشف حقيقة ما جرى لزوجها، من أن تقلب الصورة وتكتب وصفا صائبا لتلك المناسبة. هذا الفعل الرمزي يعني عمليا أن تلك الصورة، وغيرها الكثير، بات من الممكن نقلها إلى مكانها الحقيقي: الذاكرة. لأن الذاكرة لا يمكن أن تصبح طيّ زمن سابق، إن كان فيها بقعة داكنة ما زالت تربط أصحابها بالحاضر. لا تصبح الصورة الفوتوغرافية سببا لتذكر زمن مضى بنوع من الحنين، بل تذكارا مضنيا باستحالة الحاضر، بما أن الماضي لم يصبح ماضيا بعد، بل ما زال امتدادا للحاضر، وجرحا لا يني يؤلم أهل هذا الحاضر.

لا تصبح الصورة الفوتوغرافية سببا لتذكر زمن مضى بنوع من الحنين، بل تذكارا مضنيا باستحالة الحاضر، بما أن الماضي لم يصبح ماضيا بعد

في السيناريو الذي كتبه موريو هاوزر وهيتور لوريغا، بناء على مذكرات مارسيلو روبنز بايفا، الابن الوحيد للعائلة، والتي تحمل العنوان نفسه، يعود صاحب "المحطة المركزية" و"يوميات دراجة نارية"، إلى ريو دي جانيرو خلال فترة يألفها شخصيا، إذ كان في ذلك الحين (بعمر 13 عاما) صديقا لأولاد آل بافيا الخمسة، وكان يتردد على منزلهم الواقع على بعد أمتار قليلة من الشاطئ، والذي بأجوائه الأليفة والثرية بالنقاشات الثقافية والفنية والسياسية، يبدو جزيرة معزولة وسط محيط يتجه بسرعة نحو الحكم العسكري. لعل هذا القرب هو ما يمنح الفيلم، خلال ثلثه الأول تقريبا، تلك الحميمية والدفء اللذين ينضحان من كل مشهد فيه. لكن الهدف الحقيقي لهذه الأجواء التي ساهمت كاميرا أدريان تيخيدو والشريط الصوتي لوارين إليس، في خلقها بمثل هذه الحيوية الشديدة، ليس إعادة تركيب الماضي فحسب، بقدر ما نقل المشاهد أقرب ما يمكن إلى العالم الداخلي الملون لعائلة بايفا، بالتضاد مع العالم السوداوي الفوضوي والحزين الذي ستغرق فيه العائلة منذ لحظة اعتقال الأب على خلفية مساعدة عائلات نشطاء سياسيين منفيين.

الفرد والجماعة

في خضم النقاشات السياسية، غالبا ما ينسى الناس، بمن فيهم المتعاطفون، أن الضحايا هم أناس يشبهونهم. يصبح أولئك الضحايا رموزا أو أيقونات، صورا مجردة، ملامحها الوحيدة هي ملامح الأذية والانتهاك. رأينا ذلك في حرب غزة، ورأينا تنبّه نشطاء وفنانين كثر لهذه المسألة، ومحاولتهم الدؤوبة التذكير بأن الضحايا هم بشر في نهاية المطاف، وليسوا أرقاما، بل ليسوا صورا وملصقات ورموزا تعبيرية عن الظلم ومقاومته. من خلال حفر سالس في طبقات الأذية التي تتعرض لها عائلة واحدة، ينجح في تجسيد حجم المأساة التي حلت وتحل بمجموعات بشرية كاملة، وكأنه يقول إن تصوير حجم المأساة التي تحل بفرد واحد، بفعل الاضطهاد، لا يقل أهمية عن تصوير مجموعة، بل إن تصوير دمار بيت واحد لا يقل دلالة عن تصوير دمار مدينة.

الجهد المحوري هنا يقع على كاهل فرناندا توريس التي أدت ببراعة قل نظيرها دور الزوجة التي تنقلب حياتها انقلابا كاملة، وفي حين تناضل لمعرفة مصير زوجها، فإن عليها حماية أسرتها من التفكك وعدم السماح للمأساة التي حلت بزوجها، بالقضاء على مستقبل أولادها. أداء توريس الذي استحق جائزة أفضل ممثلة في "غولدن غلوب" وحرم ظلما من الجائزة نفسها في الأوسكار، بني على هذا الفهم العميق للشخصية التي تؤديها، فهي ليست مناضلة على الطريقة الهوليوودية، والقصة ليست قصة "انتصار" كما نرى في الكثير من الأفلام الأميركية، بل هي قصة السير المستمر على حافة الكارثة. منذ المشهد الافتتاحي الذي نرى فيه يونيسه بايفا وهي تسبح في البحر وتلوح في السماء فوقها مروحية عسكرية، نشعر بالحدود الدقيقة التي بنيت عليها هذه المأساة. وحين يدخل رجال الأمن إلى منزل آل بايفا، ويعتقلون الأب، ثم يبقون بقية أفراد الأسرة معتقلين ساعات طويلة داخل المنزل بينما يجري التحقيق مع الأب في ثكنة عسكرية، ندرك أن تلك المروحية العسكرية، بما تمثله، أصبحت هنا في الداخل، وأن الفردوس الذي عاشت فيه العائلة قبل ذلك، انتهى إلى غير رجعة، وأنه بات على يونيسه بايفا الغوص في المياه الحقيقية للديكتاتورية، ومحاولة النجاة من الغرق وعائلتها فيها

من خلال حفر سالس في طبقات الأذية التي تتعرض لها عائلة واحدة، فإنه ينجح في تجسيد حجم المأساة التي حلت وتحل بمجموعات بشرية كاملة

كل من تعرض لتجربة اعتقال سياسي، ولو لساعات أو أيام قليلة، يدرك مدى براعة سالس مخرجا وتوريس ممثلة، في جعلنا نعيش هذه التجربة. مشاهدها معزولة لأيام داخل زنزانة ليس فيها إلا نافذة وحيدة، وجلبها بصورة روتينية أمام المحقق ليطرح عليها الأسئلة نفسها، متوقعا أجوبة (اعترافا) مغايرة، لا تتجلى فداحتها الحقيقية في  أمور مثل الصراخ أو التعذيب أو الأجواء الكابوسية، بل في العادية المسرفة. نتذكر أن كل هذه القسوة تمارس في مبنى عادي (ثكنة) فقط لأن أحدهم قرر أنه يستطيع الاستيلاء على حياة الناس وحرمانهم من حريتهم. أول ما تفعله يونيسه بايفا لدى عودتها إلى بيتها، وبعد الاطمئنان إلى أن أطفالهم نائمون، هو أنها تستحم، محاولة أن تزيل ما علق بجسدها من قذارة الحبس، وكأنها وهي تفرك جسدها العاري بقوة لتزيل الأوساخ، تحاول أن تمسح معها الأذية النفسية الهائلة التي تعرضت لها.

مقاومة الخوف

مثل هذه الانتهاكات لروح الفرد وجسده، تهدف في حال إبقائه على قيد الحياة، إلى زرع الخوف فيه بصورة دائمة. يغادر المعتقل الزنزانة ليحملها بعد ذلك ندبة داخلية لا تزول. بعد خروج يونيسه من الاعتقال، تظل قيد مراقبة عناصر الأمن، والهدف الوحيد لذلك هو تمديد الحبس ونقله من الفضاء الضيق إلى الحيز العام، حيث تصبح المدينة برمتها محل اعتقال. هناك سرديات كثيرة عن أفراد تحولت حياتهم إلى جحيم بفعل هذه المراقبة، سواء العلانية أو المستترة إنما المحسوسة، نذكر منها على سبيل المثل لا الحصر الصحافي اللبناني الراحل سمير قصير وزوجته الإعلامية الراحلة جيزيل خوري، اللذين تعرضا طويلا لمراقبة النظام الأمني اللبناني السوري. تقرر يونيسه ألا تخضع لمنظومة الخوف هذه، وفي أحد المشاهد تواجه عناصر الأمن المرابضين أمام منزلها، بصورة مباشرة، في فعل لا يراد منه أن يبدو بطوليا، بقدر ما ينم عن الحد الأقصى من الاحتمال الذي يمكن الفرد بلوغه.

الماضي لا يمكنه قتل الحاضر، وإن كان الحاضر يمكنه النجاة من لعنات الماضي. وهذا هو الانتصار الحقيقي على الظلم بأشكاله كافة

حين تقرر يونيسه مغادرة ريو دي جانيرو أخيرا، وتبيع الأرض التي كان زوجها يعتزم بناء منزل العائلة عليها، نشعر أن فصلا قد طوي، وأنها ربما تخلت عن زوجها بعد فقدان الأمل بعودته، إلا أن قصة يونيسه بعد ذلك معروفة، فقد أصبحت من أبرز النشطاء في قضايا حقوق الإنسان، وخصوصا سكان البرازيل الأصليين، وظلت تناضل لمعرفة مصير زوجها وسائر المختفين قسرا خلال فترة الحكم العسكري. إلا أن خطواتها هذه تمثل انحيازا واضحا إلى الحياة، إلى مستقبل أولادها أكثر مما هي استسلام لأعباء الماضي والحاضر. حين ننتقل بالزمن إلى 1996، تسأل الابنة شقيقها "متى دفنت أبانا؟"، تقصد متى اقتنعت بأنه لن يعود، يجيبها بأن ذلك كان في اليوم الذي قررت فيه أمهما ترك منزل العائلة والمدينة والانتقال إلى مكان آخر، فتعلق: "كان ذلك باكرا جدا".

إن كان هناك ما يمكن تعلمه من سيرة يونيسه بايفا، كما تتبدى في كتاب ابنها، ثم في هذا الفيلم، هو أن المسألة تعود في النهاية إلى كل فرد من الأفراد، والخيارات التي يتخذها للتعامل مع المأساة. يونيسه بايفا لا تبكي في خضم المأساة التي تعصف بها، وكانت تصر على الظهور وأفراد عائلتها مبتسمين في الصور الفوتوغرافية، وعن ذلك تقول فرناندا توريس: "خلال المأساة أنت لا تبكي، إذ يجب عليك المواجهة، عليك امتصاص ما يحدث ثم تتصرف". في المشهد الأخير من الفيلم نرى يونيسه بايفا في مراحل حياتها الأخيرة (تؤدي الدور والدة فرناندا توريس، فرناندا مونتنيغرو)، وقد مضى سنوات على مرضها بالزهايمر، جالسة على كرسي متحرك في منزل ابنها، تشاهد على التلفزيون تقريرا يظهر فيه زوجها الراحل، فيومض شيء في وجهها، وفي الحديقة في الخارج تجتمع العائلة مع الأولاد الجدد في لقاء حميم. الماضي لا يمكنه قتل الحاضر، وإن كان الحاضر يمكنه النجاة من لعنات الماضي. وهذا هو الانتصار الحقيقي على الظلم بأشكاله كافة.

 

مجلة المجلة السعودية في

15.03.2025

 
 
 
 
 

" لا أرض أخرى" فيلم إشكالي عن الأمل الفلسطيني

باسل عدرا ويوفال ابراهام يكسران الصورة السوداء بالكاميرا الحية

هوفيك حبشيان 

ملخص

"لا أرض أخرى" الفائز أخيراً بجائزة "أوسكار" أفضل فيلم وثائقي، نتاج تعاون بين الفلسطيني باسل عدرا المقيم في قرية مسافر يطا المحتلة، ويوفال أبراهام الصحافي الإسرائيلي من بئر السبع المتضامن مع القضية الفلسطينية.

أحدث فوز فيلم "لا أرض أخرى" بعض الضجة والبلبلة في بعض الأوساط الثقافية المسيسة، وأعاد إلى الضوء فيلماً كان "ضائعاً" مذ فاز قبل عام بجائزة أفضل وثائقي في مهرجان برلين السينمائي، مثيراً حينذاك جدالاً من نوع آخر، إذ لم يعجب الواقفين في صف إسرائيل في ألمانيا. ورغم أن الفيلم يتناول الصراع الطويل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مقدماً صورة من الداخل عن تلك المعاناة في مواجهة الظلم المستمر، فهو تمكن من الوصول إلى جائزة هوليوود الشهيرة التي يهيمن عليها اللوبي اليهودي، كما ادعى طويلاً بعض العرب. هذا الفوز لم يعفه من الاتهام الذي لا يستند إلى دليل، بأن الشراكة الإخراجية مع الإسرائيلي هي التي فتحت أمامه أبواب الاعتراف، ولولا هذه "الوصاية" لكان استحال عليه الفوز.

جميعنا قد يكون محقاً إلى درجة ما في تكهن افتراضات تبقى في نهاية الأمر بعيدة من الواقع أو تتقاطع معه بعض الشيء، ولكن يصعب الانكار بأن هذه الـ"أوسكار" ليست تكريماً لمهارات سينمائية، بل إشارة إلى الاعتراف بالجهود الكبيرة التي بذلت والتضحيات والشجاعة التي وضعت طوال الأعوام الخمسة التي استغرقها التصوير. هذا من دون أن ننسى أن النص يقدم رؤية لا تخلو من الأمل، يأتي غداة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 المشؤوم. فرغم الصورة القاتمة، يشجع الفيلم على الإيمان بحل للقضية، والحل يتطلب عدم الابتعاد تماماً من فكرة التلاقي والحوار. غالب الظن أن هذا الأمل هو ما وحد المصوتين، وأسهم في شرع الطريق أمامه إلى الجائزة. 

لم يتردد باسل عدرا في زج حياته في دائرة الخطر وهو يصور الانتهاكات، إذ استلقى أمام الجنود، غير عابئ بالأسلحة والقوة التي تهدده. وبذلك، أصبح الفيلم أكثر من مجرد عمل فني توثيقي، مما يؤكد مرة جديدة أن المصوتين على الجائزة يتوقعون من المرشحين الآتين من أرض النزاعات أن يدفعوا باللحم الحي، مقابل الاعتراف بهم.

الخاص والعام

ورغم أن الفيلم لا يضيف جديداً على مستوى المحتوى، مقارنةً مع أعمال أخرى تناولت الأوضاع في فلسطين، فإن تمحوره على الشاب الفلسطيني الطموح والعنيد باسل عدرا، يعطيه طابعاً مغايراً، إذ يتقاطع العام بالخاص لتوثيق تفاصيل معركة مستمرة لأبناء القرية الصغيرة (مسافر يطا في جبال الضفة الغربية) ضد محاولات تهجيرهم وهدم بيوتهم واستبدالها بثكنات عسكرية. هذه المعركة ليست من أجل قضايا لوجيستية، بل صراع على الهوية والوجود والحياة بكل ما تحمله الأخيرة من معانٍ تتضاعف تحت وطأة الأزمات وغريزة البقاء. 

الفيلم أكثر من سرد تاريخي للمنطقة، بل شهادة على التفاوت في مجال الحريات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. بينما الإسرائيليون يتنقلون بحرية بين مدنهم وقراهم، يضطر الفلسطينيون أصحاب الأرض للعيش في حال من الترقب والخوف المستمر، حياتهم تتحكم فيها قرارات خارج إرادتهم. القوة هي التي تحدد من يملك الحق في العيش أين ومتى.

باسل عدرا الذي ولد ونشأ في مسافر يطا، يروي لنا قصته الشخصية وصراع عائلته ضد الممارسات الإسرائيلية. بينما يوفال أبراهام، الآتي في بئر السبع، يقدم لنا رؤيته كإسرائيلي لا يتوانى عن استخدام منصته الإعلامية للحديث عن هذه القضية. يتقاطع الاثنان في الفيلم في لحظات كثيرة، في إشارة إلى الفرق الواضح بين موقع كل منهما حيال ما يحدث. يوفال، الذي يشعر بواجبه الأخلاقي لدعم الفلسطينيين في مسعى نادر للعدالة، يرى نفسه في موقف مختلف عن غالبية الإسرائيليين، ذاك أنه يختار الانحياز للحق من خلال رفضه الانضمام إلى الجيش والعمل في مجال الصحافة الاستقصائية. أما باسل، الذي نشأ على مبدأ مواجهة هذا الواقع، فلا يعرف إلا طريق المقاومة، مهما كان الثمن. الصداقة التي ستتبلور بينهما، ما هي إلا دليل على محاولة مشتركة لفهم الاختلافات وتجاوز الحواجز التي باتت، خصوصاً بعد السابع من أكتوبر، لا حل سواها.

صراع واتفاق

يكشف الفيلم اختلافات جوهرية في طريقة فهم كل منهما للصراع ولو أنهما متفقان على الأساسيات. يوفال قادر على الانسحاب من الميدان في كل مرة يشعر فيها بأنه فعل ما يكفي لكي يريح ضميره، بينما باسل لا يعرف سوى المواجهة المستمرة التي تضمن له البقاء. يوفال اختار أن يكون مناضلاً في ظل توافر خيارات أخرى أمامه، بينما باسل يعي تماماً أنه مسير لا مخير. يوفال يرى في عمله ناشطاً، وسيلة لحماية نفسه من تهديدات المستقبل، بينما باسل يراه ضرورة للنجاة اليوم. في هذا السياق، يتعامل الفيلم مع معركة مستمرة بين الظالم والمظلوم، مع تمسك بالفكرة الأساسية: إصرار على الحياة من جهة، وقرار متواصل لتدمير هذه الحياة من جهة أخرى.

نشعر بأهمية الصورة في عالمنا الحالي، لكون الفيلم يعتمد في شكل أساس على التصوير كأداة توثيقية تكشف الحقيقة. وعليه، تتنقل الكاميرا بين مشاهد الغضب والصراع، ناقلة اعتراضات أهل القرية الرافضين لإجراءات الهدم. لكن لا حياة لمن تنادي. الجرافة التي تسحق كل شيء، آلة البطش التي لا تترك أثراً سوى الخراب، هي التي تقرر!

من الناحية البصرية، يوازن الفيلم بين مشاهد عفوية استخدمت لما تحمله من دلائل على ارتكابات إسرائيل، وأخرى دخيلة ملتقطة بعناية كما في أي فيلم روائي. هذه الثنائية تثير الشكوك حول صدقية الفيلم، خصوصاً أن بعض المشاهد تبدو مصممة في شكل يتجاوز حدود الواقع، مما يمدنا بالإحساس أنها اصطناعية ومفبركة. في هذا الصدد، هناك سؤال يلح: إلى أي مدى من الممكن أن نصدق ما يقوله لنا الفيلم، وكيف يمكن الفصل بين ما يتجسد عفوياً وما هو مقحم على الأحداث من مشاهد "مدبرة" تحمل نفساً درامياً، خصوصاً أن المخرج لديه تلك النزعة الاستعراضية، مدفوعاً بالرغبة والحاجة إلى نقل معاناته ومعاناة ناسه إلى العالم.

أحد الانتقادات التي يمكن توجيهها إلى باسل عدرا هو حضوره الطاغي في الفيلم. فهو لا يترك مساحة لأي شخص آخر ليظهر بوضوح، بل ويهيمن على المشهد وكأن الآخرين مجرد كومبارس. الجميع في حياته يلتف حوله، بينما هو في مركز هذا العالم الذي يبدو مغلقاً على ذاته.

لا يتبع "لا أرض أخرى" الأسلوب التقليدي للوثائقيات الغاضبة التي تنطوي على المفردات النضالية والشعارات الثورية. هنا، لا نجد خطباً حماسية أو تعبيرات عاطفية مكررة حول القضية التي تشغل العرب، بل بحث في تجارب الأفراد وحيواتهم اليومية في سياق معاناتهم، بعيداً من التنظير والشعارات. نكتشف الواقع ببساطة وصدق، من دون تجميل أو محاولة لتفخيم الأمور.

 

الـ The Independent  في

16.03.2025

 
 
 
 
 

"أنورا" فيلم عن التفاوت الطبقي والحب والصراعات الاجتماعية

إلياس حموي

بين المهمشين والأثرياء صراع ممتد في التاريخ.

واصل المخرج شون بيكر العمل على ثيمته المفضلة التي طبعت أغلب أفلامه، وهي قصص المهمشين وصراعاتهم من أجل حياة أفضل، وهي الثيمة التي منحته أوسكارا عن فيلمه الحديث "أنورا"، الفيلم الذي يدخل عالم الدعارة والنفوذ والعائلات الروسية الثرية، ليصور حكاية حب تتحدى التفاوت الطبقي والقيود العائلية.

فاز الفيلم الأميركي أنورا تأليف وإخراج شون بيكر بأوسكار أفضل فيلم للعام 2025 في حفل جوائز الأوسكار الذي أقيم في ولاية كاليفورنيا الأميركية في الثالث من شهر مارس الجاري وقد حصل على أربع أوسكارات إضافية بالإضافة لجائزة أفضل فيلم في سابقة تاريخية لهذا المهرجان، حيث حصد أوسكار أفضل سيناريو أصلي وأفضل إخراج وأفضل مونتاج بالإضافة لجائزة أفضل ممثلة التي حصلت عليها بطلته ميكي ماديسون.

وقبل الأوسكار، حصد الفيلم جائزة السعفة الذهبية العام الماضي في مهرجان كان السينمائي في دورته السابعة والسبعين، ورغم أهمية الأفلام التي كانت تنافسه على جائزة أوسكار لأفضل فيلم إلا أن فيلم بيكر استطاع انتزاع هذه الجائزة المرموقة.

المخرج استخدم الألوان كعنصر رئيسي فكانت الصورة أقرب إلى صورة فيلم تسجيلي يصور بكاميرا ديجيتال محمولة

فتاة من القاع

يروي الفيلم قصة أنورا (ميكي ماديسون) الفتاة المنحدرة من أصول روسية والتي تعمل كراقصة تعري في أحد ملاهي بروكلين في نيويورك بالإضافة لعملها كبائعة هوى خارج أوقات دوامها كي تستطيع تأمين معيشتها وهي التي تتقاسم مع أختها شقة صغيرة في أحد الأحياء الفقيرة إلى أن يأتي اليوم الذي يزور الملهى الذي تعمل به الشاب الروسي العشريني إيفان زاخاروف أو فانيا كما ينادونه (مارك ايدلشتاين). يعجب إيفان بأنورا ويعرض عليها قضاء ليلة حمراء مقابل مبلغ كبير من المال فيصطحبها إلى فيلا أهله الفخمة فهو ينتمي لعائلة أوليغارشية ثرية روسية فتذهل أنورا من هذه الفخامة التي لم تكن تحلم يوما أن تدخل إليها فتحاول إسعاد فانيا بقدر ما تستطيع فهو بالنسبة إليها الدجاجة التي تبيض ذهبا لكن هذا الشاب اللاهي المبذر يزداد إعجابه بها ويطلب منها تمديد إقامتها عنده لأسبوع آخر فتقبل بذلك.

في هذا الأسبوع يبدأ بالانجذاب إليها وحبها، يعرض عليها الزواج فتوافق على الفور فكيف لها أن ترفض هذا الزواج الذي سينتشلها من الفقر والعار الذي يلحقها من مهنتها. يتزوجان ويهديها معطفا من الفرو الثمين تعود ملكيته لأمه وخاتما من الألماس ويسافران لقضاء أسبوع في لاس فيغاس.

يمضي الفيلم في سرد تصاعدي مع تطور هذه الأحداث حتى يصل إلى الذروة التي لم تكن متوقعة بالنسبة للزوجين المتهورين، حيث يصل أهل إيفان الأثرياء من روسيا في زيارة مفاجئة لنيويورك فيعرفان بأمر هذا الزواج، يجن جنون الوالدين فيحاولان إبطال الزواج بأي طريقة معتبرين أنه وصمة عار ارتكبها ابنهما الطائش ستلوث اسم هذه العائلة الارستقراطية وخصوصا أن الزوجة آتية من بيئة فقيرة وتعمل في الدعارة. يضغطان على فانيا كي يطلق زوجته لكنه يرفض ويهرب وتبقى أنورا في مواجهتهما مدافعة عن هذا الزواج بشراسة لوحدها.

بعد هروب الزوج تحاول عائلته تهديد الزوجة ويرسلان إليها عدة أشخاص من روسيا منهم قس كي يقنعها بترك الفتى ورجل عصابات اسمه إيغور (يوري بوريسون) يتعاطف معها مع مرور الوقت ويحبها رغم العراك الذي حدث بينهما في البداية، حيث قامت بضربه مدافعة عن نفسها فهما ينتميان إلى الطبقة الفقيرة نفسها، وينشأ حب بينهما في ظل غياب فانيا الهارب من الزواج ومن المسؤولية فهو ضعيف الشخصية أمام أهله الأثرياء ولا يستطيع إلا أن يمتثل لرغبتهم تاركا هذا الزواج وهذه الفتاة المسكينة في مهب الريح.

"أنورا" ليس أول فيلم لبيكر يتناول فيه شخصية مهمشة تعمل في الدعارة فهذه الثيمة تسيطر على معظم أفلامه

لغة تسجيلية

استخدم شون بيكر في تصوير فيلمه الكاميرا المحمولة خلال معظم الوقت لإضفاء واقعية على الأحداث، فكانت اللقطات مهتزة عندما كانت تصور حياة آني قبل الزواج دلالة على اختلال الواقع الذي تعيشه، بينما كانت ثابتة حين انتقلت إلى الفيلا دلالة على استقرار وضعها، وكانت اللقطات قريبة ومتوسطة تظهر انفعالات وأحاسيس الشخصيات. أما الإضاءة فلعبت دورا في نقل واقع الشخصية وكانت خافتة وقاتمة في تصوير حياة البطلة ما قبل الزواج ومشعة بعد الزواج من إيفان.

واستخدم المخرج الألوان كعنصر رئيسي في الفيلم فكانت صورة الفيلم أقرب إلى صورة فيلم تسجيلي يصور بكاميرا ديجيتال محمولة وهذا ليس جديدا على شون بيكر وهو الذي صور فيلمه “تانغرين” عام 2015 بكاميرا هاتف “أيفون 5”.

وفيلم “أنورا” ليس أول فيلم لبيكر يتناول فيه شخصية مهمشة تعمل في الدعارة فقد كانت هذه الثيمة تسيطر على معظم أفلامه منذ بدايته. في عام 2012 قدم فيلمه “الممثلة الناشئة” الذي يروي قصة علاقة إنسانية تجمع بين ممثلة إباحية وامرأة عجوز، أما في فيلمه “تانغرين” قدم قصة فتاتين متحولتين جنسيا تعانيان في مجتمعها الجديد أما في العام 2017 قدم فيلم “ذا فلوريدا بروجيكت” الذي يروي قصة طفلة فقيرة تعيش هي وأمها بالقرب من مدينة ديزني لاند الترفيهية مصورا معاناتهما في ظل الفقر والتهميش.

في العام 2021 قدم فيلمه “ريد روكيت” الذي يروي قصة ممثل أفلام إباحية شهير يقرر العودة إلى مدينته تكساس بعد أن أمضى حياته في تمثيل الأفلام الإباحية فيعاني من النبذ والعار والتهميش في مجتمعه القديم جراء المهنة التي كان يعمل فيها.

كل هذه الأفلام التي قدمها شون بيكر في مسيرته إلى حد الآن جعلت منه مخرج المهمشين والمنبوذين الأول في العقد الأخير من تاريخ السينما الأميركية.

كاتب سوري

 

العرب اللندنية في

17.03.2025

 
 
 
 
 

"فتاة الأوركسترا": فيلمٌ عادي يفوز بـ"أوسكار"

نديم جرجوره

هل يستحقّ "الفتاة الوحيدة في الأوركسترا" (2023، 35 دقيقة)، للأميركية مولي أوبراين، "أوسكار" أفضل وثائقي قصير، في الحفلة الـ97 لجوائز "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها" (2 مارس/آذار 2025)؟

تكشف مُشاهدته في المنصّة الأميركية "نتفليكس" (يُعرض منذ الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2024) أنّه عاديّ للغاية، رغم إضاءته جوانب من سيرة أورين أوبراين (1935)، عازفة الكونترباص، وابنة الممثلين الهوليووديين جورج أوبراين ومارغريت تشرشل، وعمّة المنتجة والمخرجة مولّي، التي (أورين) تُصبح، عام 1966، أول امرأة موسيقية في "الأوركسترا الفلهارمونية بنيويورك"، بفضل الأميركي ليونارد برنشتاين (1918 ـ 1990)، قائد الفرقة، والملحن وعازف البيانو والمُدرِّس والمؤلّف الموسيقي.

لا فذلكات بصرية، ولا تصنّع ثقافي، ولا ابتكارات سينمائية، بل حوار مع العازفة، ولقطات قديمة (صُور فوتوغرافية وتسجيلات بصرية)، وحكاية مروية بسلاسة، لكنّها تُقدِّم شخصية امرأة صلبة تريد تواضعاً في سيرتيها الحياتية والمهنية، فتنصرف إلى تدريس العزف على الكونترباص بعد تقاعدها من الفرقة عام 2021. اختيارها هذه الآلة استجابة لرغبةٍ لديها في العزف مع موسيقيين آخرين: "لم يكن لديّ طموح في أنْ أصبح عازفة منفردة، أو ما شابه. أحبّ أنْ أكون في الخلفية". تقول أيضاً: "أفضّل أنْ أكون فنانة سرّية، على أنْ أكون ذائعة الصيت". ثم: "أنا فنانة في ذهني، لا أريد دعاية".

غياب الفذلكات والتصنّع والابتكارات يُقابله اختيارٌ صائب لمقاطع من أفلامٍ قليلة لوالديها، والأبرز "المحاكمة الكبرى (The Big Trial)" (إنتاج 1930) لراوول والش. حوار مقتضب بين بْريك (جون واين) وروث (مارغريت تشرشل) لاحقٌ على حكاية ترويها العازفة عن بدايات انتسابها إلى فرقة، جميع أفرادها رجالٌ، تنقل مولي أوبراين من أقوالٍ لمعظمهم بأنّهم يهتمّون بها (يحملون حقيبتها، يحجزون مقعداً لها في الحافلة، إلخ)، فتضحك ساخرةً لأنّ الواقع مناقض لهذا تماماً. يقول بْريك: "يجدر بك ألّا تمتطي الحصان هنا وحدك، بعيداً عن القطار"، فتسأله روث عن السبب، ليجيبها: "لأنّها منطقة خطرة، وربما يحدث شيءٌ لك".

اختيار ملائم لبدايات مليئة بقسوة الذكورية، وحدّة اللحظة الاجتماعية والثقافية والحياتية في أميركا ستينيات القرن الـ20. وهذا رغم أنّ برنشتاين يرى فيها ما يُشبه المعجزة، فيُلحقها بفرقته الموسيقية.

لا مقارنة بالأفلام الأخرى، المرشَّحة للجائزة نفسها، لعدم مُشاهدتها. لكنّ الصنيع الفائز بها، المشغول بحرفية مهنية تقليدية بحتة، غير ممتلك مختلفاً أو تجديداً أو مغايراً للمألوف، سينمائياً أولاً وأساساً. فيلمٌ يُشاهَد، لكنّه يظلّ فيلماً عاديّاً، يُشاهد فقط، فيمنح غير العارف بعضاً من سيرة امرأة وعازفة ومُدرِّسة. أمّا الجائزة، فتبقى تفصيلاً غير مُهمّ، مع أنّ فيلماً كهذا غير مُستحقٍّ إياها.

 

العربي الجديد اللندنية في

17.03.2025

 
 
 
 
 

15 مارس 2026 موعد حفل توزيع جوائز الأوسكار

وكونان أوبراين يقدم للمرة الثانية الدورة الـ 98

لوس أنجلوس ـ «سينماتوغراف»

أعلنت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة عن موعد إقامة حفل توزيع جوائز الأوسكار الثامن والتسعين، والذي سيتم تنظيمه يوم الأحد، 15 مارس 2026، في مسرح دولبي بـ«هوليوود»، في لوس أنجلوس.

ومن المقرر أن يُبث الحفل مباشرةً على قناة ABC، بالإضافة إلى أكثر من 200 دولة حول العالم، مما يجعله واحدًا من أبرز الأحداث السينمائية المنتظرة.

وسيتم نقل حفل الأوسكار 2026 على شبكة ABC، بالإضافة إلى توفير بث مباشر عبر منصات رقمية مختلفة لضمان وصول الحدث إلى جمهور عالمي واسع. كما سيتم تنظيم تغطية شاملة للحفل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما يتيح للمشاهدين متابعة لحظات التتويج والتكريم فور حدوثها

وأكدت الأكاديمية أن كونان أوبراين، الإعلامي والكوميدي الشهير، سيعود لتقديم الحفل بعد نجاحه في استضافة النسخة السابقة من الأوسكار في 2 مارس 2025.

جاء هذا القرار بعد أن لقي أوبراين إشادة واسعة من المشاهدين والنقاد، وساهم في رفع نسبة المشاهدة لتصل إلى 19.7 مليون مشاهد، وهو أعلى معدل للحفل منذ خمس سنوات.

وفي تعليق له على عودته، قال أوبراين مازحًا: «أنا متحمس للعودة إلى مسرح دولبي! يبدو أن الأكاديمية لم تجد شخصًا أفضل مني، أو ربما لا يريد أحدٌ آخر هذه الوظيفة».

 

موقع "سينماتوغراف" في

18.03.2025

 
 
 
 
 

"لا أزال هنا" يستعيد أهوال الدكتاتورية العسكرية في البرازيل

علي المسعود

الفيلم يكشف الآثار المروعة للقمع مازجا الحقيقة التاريخية مع المأساة الشخصية.

لعدة سنوات، كانت دول أميركا الجنوبية تعيد النظر في تاريخها وتحاول خلق ذاكرة مشتركة بهدف تعزيز إعادة التوحيد الوطني ومنع تكرار الأحداث التي وقعت خلال الدكتاتوريات العسكرية بين الستينات والسبعينات من القرن العشرين. في البداية، كانت الأفلام تهدف إلى صدمة المشاهد، وهو ما نشاهده أيضا في فيلم "لا أزال هنا".

يحكي فيلم "لا أزال هنا" للمخرج البرازيلي والتر ساليس، قصة يونيس بايفا، امرأة قتل زوجها روبنز بايفا النائب السابق للحزب الاشتراكي البرازيلي على يد الدكتاتورية. وعلى الرغم من أن الدكتاتورية تنفي اختطاف زوجها وقتله، إلا أن المرأة، وهي أم لخمسة أطفال، لن تستسلم أبدا في البحث عن الحقيقة وجثة زوجها. وقد نال الفيلم جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.

الفيلم يسرد حكاية اعتقال النائب البرازيلي اليساري روبنز بايفا، والذي اختفى في معتقلات الجيش عام 1971 وظلوا ينكرون وجوده، ولا تعلم أسرته شيئًا عن حياته أو موته، لم يتسلموا جثته ولا يعرفون حتى قبره. وبعد 25 عامًا، تمكنت العائلة من استخراج شهادة وفاته.

تلك المأساة وثقها الابن “مارسيلو روبنز بايفا” ونشرها في كتاب عام 2015 بعنوان “لا أزال هنا”. تركز القصة على زوجة النائب “يونيس بايفا ” وكفاحها من أجل العدالة. الفيلم البرازيلي دراما عائلية وصورة مثيرة للذكريات مغلفة بطابع في سياسي، يركز بشكل أساسي على يونيس بايفا (فرناندا توريس) وأطفالها الخمسة بعد اختفاء زوجها روبنز (سيلتون ميلو)، عضو البرلمان السابق الذي اختفى عندما استولت الدكتاتورية العسكرية البرازيلية على السلطة. وستخوض زوجته يونيس معركة شرسة من أجل الحقيقة.

إحياء جراح الدكتاتورية

خلال فترة الدكتاتورية العسكرية في البرازيل يتحول بحث الأم اليائس عن زوجها المفقود إلى رحلة مؤثرة

في ريو دي جانيرو في عام 1971 وبعد نحو ستة أعوام من صعود الدكتاتورية العسكرية إلى السلطة في البلاد، كانت الأسرة تظن أنها ستعيش في أمان، حيث تمضي الزوجة إيونيس بايفا (فرناندا توريس في أداء متميز) يومها في السباحة، ثم لقاء أصدقاء العائلة، ويمضي زوجها المهندس وعضو البرلمان السابق قبل وصول النظام العسكري للسلطة روبنز بيافا (ستيلون ميلو) يومه في العمل واللعب مع الأبناء (خمسة أطفال، أربعة منهم فتيات) ودعوة الأصدقاء للعشاء.

الدكتاتورية في ذروتها ولكن الناس يحاولون ممارسة حياتهم بشكل طبيعي قدر الإمكان. الأبواب مفتوحة والأطفال يلعبون الكرة في الشارع أو على الشاطئ. يبدو أن المنزل هو المكان الذي يجتمع فيه الأصدقاء وأفراد الأسرة. يرقص الناس ويضحكون ويأكلون معا بينما يعزل الرجال أنفسهم للحديث عن خطورة الوضع السياسي للبلد. وأولا وقبل كل شيء من خلال التلفزيون يظهر واقع البلاد. اختطاف سفير مقابل إطلاق سراح السجناء السياسيين. ثم تعتقل الشرطة فيروكا، الابنة الأكبر في العائلة، خلال حاجز أقامته الشرطة العسكرية بحثا عن المشتبه بهم، وتتجلى وحشية الشرطة من خلال مناخ من الألم الذي يسيطر على طريقة التفتيش وقسوة الجيش.

طائرة هليكوبتر تحلق فوق الشاطئ، وتمر شاحنات مكتظة بالجنود على الطريق. أصبح التهديد أكثر حضورا، وأكثر مباشرة. عاش يونيس وروبنز أفضل فترات حياتهما في ريو دي جانيرو، لكن الدكتاتورية ستهدم حياتهما ولن تعود إلى ما كانت عليه مرة أخرى عندما يصل عساكر من سلطة الجيش إلى منزل العائلة ويقتادون الأب روبنز للاستجواب. في نفس الوقت تم اقتياد الأم يونيس وإحدى بناتها إليانا (لويزا كوسوفسكي) إلى الإيقاف، لكن أطلق سراحهن بعد فترة قصيرة. اختفاء الأب روبنز يقلب حياة الأسرة رأسا على عقب.

حكاية الفيلم تناولت التغيير في الواقع السياسي للبرازيل، البلد الذي استغرق سنوات عديدة للتحقيق بعمق في حالات الاختفاء التي حدثت خلال دكتاتوريته الطويلة. ينتهي الأمر بالفيلم إلى أن يصبح احتفاء بقوة الزوجة يونيس وصبرها، امرأة تغيرت حياتها الهادئة والسلمية فجأة ولكنها وجدت القوة للقتال وإعادة ترتيب بيتها على مر السنين.

يكرر المخرج الموهوب والتر ساليس كتاب الرحلة المركزية للبرازيل ويوثق شهادة تاريخية ودرامية لفترة من تاريخ بلده الذي شهد ويلات الدكتاتورية العسكرية. في الوقت نفسه، تستند القصة على المعركة التي خاضتها الأم (يونيس بايفا) في العثور على زوجها النائب اليساري الذي اختفى بين عشية وضحاها في معتقلات السلطة الدكتاتورية. وفي نفس الوقت، عليها أن تستمر في العيش على الرغم من الاختطاف المأساوي للأب والزوج، دون معرفة ما إذا كان قد مات تحت التعذيب أو إذا كان معفنا في سجن برازيلي.

إن الرعب من بطش الدكتاتورية لعائلة النائب الشيوعي (روبنز بيافا) يزداد حدة لأنه يسكن تفاصيل الحياة اليومية لامرأة وأطفالها الخمسة الذين يجب أن ينجوا على الرغم من المضايقات التي تقوم بها القوة العسكرية. الشخصيات تنضح بكرامة، وحماسة عظيمة مشوبة بالأمل في العثور على الرجل المفقود يوما ما.

يصور الفيلم رحلة الزوجة يونيس بايفا عبر ثلاث فترات انقضت بين عامي 1971 و2014 في ريو دي جانيرو. تكافح من أجل التغيير وكشف حقيقة النظام الدكتاتورية، كذلك الكشف عن مصير الآلاف من المغيبين في السجون والمعتقلات. من ناحية أخرى تعمل الأم يونيس من أجل تعليم أطفالها، ما يجعلنا أمام رواية عائلية في قلب النص السردي تقدم صورة رائعة لناشطة شجاعة تبذل نشاطاً دؤوبا من أجل العدالة وحماية أطفالها. تتحول القصة إلى نداء نسوي حقيقي يسمح لنا بفهم أن الديمقراطيات تتطور مع نضال الرجال، وكذلك بصوت الصامت والمثابر للمرأة. ها نحن أمام فيلم مكتوب كحصن لحرية الفكر والعمل في العالم وصرخة ضد الممارسات القمعية للأنظمة الدكتاتورية في كل بقعة من هذا العالم.

يتحرك الفيلم إلى الأمام في الوقت المناسب مرتين. بعد أن قررت يونيس الانتقال مع عائلتها من ريو دي جانيرو، المرة الأولى هو تغيير إيجابي وتؤكد الفترة التي كانت تخوض فيها يونيس نضالها من أجل العدالة نيابة عن زوجها منذ اختفائه في بداية السبعينات. خلال هذا الوقت، لا يزال الفيلم مشوبا بشعور بالحزن والفقدان، لكن الأمل والارتياح قويان لدرجة أننا لا يسعنا إلا أن نشعر بكل ذلك مع الأم يونيس وأطفالها ومعاناتهم وصعوبة حياتهم بعد اختفاء الأب، المرة الثانية حين كبر الأطفال وأصبحوا بالغين، وإظهار العواقب والخسائر العاطفية التي تسببت فيها الدكتاتورية على الأسرة وعلى البرازيل نفسها. يبدو الأمر كما لو كانت هناك نهايتان. الاثنتان مفعمتان بالأمل وتقدمان إحساسا طيبا.

خلال فترة الدكتاتورية العسكرية القمعية في البرازيل في السبعينات، يتحول بحث الأم اليائس عن زوجها المفقود إلى رحلة مؤثرة من النشاط والصمود. مع تلاشي الذكريات والكشف عن الأسرار، تواجه قصتها الآثار المروعة لنظام قمعي، وتمزج الحقيقة التاريخية مع المأساة الشخصية.

الذاكرة البرازيلية

الفيلم البرازيلي لوالتر ساليس يروي قصة اختفاء وتعذيب وموت النائب روبنز بايفا، لكنه يركز على حياة زوجته يونيس، التي بحثت عنه من عام 1970 حتى أصيبت بمرض الزهايمر. في هذه الأيام من الإجراءات القضائية ضد المسؤولين عن محاولة الانقلاب في 8 يناير 2023، يعد الفيلم محفزا للذاكرة في بلد لم يحاكم فيه المسؤولون عن القمع.

يصف العمل المرحلة بين هذا الانسجام الاجتماعي الواضح والمأساة التي ستليها بعد سيطرة الدكتاتورية البرازيلية على السلطة. تعطي حبكة الفيلم مركزية للشخصية التي يؤلفها الإبن فرناندا توريس، رحلة الأم (يونيس) في البحث عن أثر لزوجها في سراديب الموتى للنظام العسكري الأب (روبنز بايفا) النائب السابق لحزب العمال البرازيلي سابقا الذي أقيل من منصبه يوم الانقلاب. رحل إلى المنفى إلى يوغوسلافيا وفرنسا، وعاد بعد تسعة أشهر لوطنه لكسب لقمة العيش من مهنته كمهندس، لكنه اختطف من بيته. كما ألقي القبض على زوجته يونيس خلال العملية نفسها وظلت بمعزل عن العالم الخارجي لمدة اثني عشر يوما. كذلك احتجزت الإبنة إليانا البالغة من العمر 15 عاما، في نفس السجن لمدة 24 ساعة.

تم استجواب يونيس وإليانا، وكانتا شاهدتين على تعرض معتقلين شيوعيين للتعذيب. وذكرتا أيضا أنهما سمعتا صراخ السجناء الذين كانوا يتعرضون للتعذيب ‏أثناء الاستجواب. ظلت يونيس وأطفالها الخمسة تحت نظام المراقبة الذي حافظت عليه الدكتاتورية حتى انتقلوا إلى سانتوس في ساو باولو. على الرغم من عدم العثور على جثة الأب أبدا، إلا أن الروايات التي قدمها طبيب بالجيش وضباط عسكريون سابقون إلى ‏‏لجنة الحقيقة الوطنية‏‏ بعد عقود كشفت أن النائب بايفا توفي في اليوم الثاني بعد اعتقاله متأثرا بجروح تتعلق بالتعذيب في ثكنة الجيش حيث كان محتجزا.

يسلط المخرج الضوء على السنوات الأخيرة من حياة الزوجة المناضلة يونيس بايفا ولعبت هذا الدور الممثلة فرناندا مونتينيغرو والدة الممثلة فرناندا توريس، وهي ممثلة مرموقة تبلغ من العمر 95 عاما.  في تلك المتاهة، بدأت يونيس في البحث عن زوجها. بعد 24 عاما فقط، في عام 1995، حصلت على وثيقة رسمية تفيد بأن الدولة البرازيلية قتلت زوجها بايفا. تم إصدار شهادة الوفاة في عهد حكومة فرناندو هنريك كاردوسو.

تميز في الفيلم بالأداء الهائل لشخصية يونيس بايفا من قبل الممثلة فرناندا توريس. كمحامية عن عمر يناهز 48 عاما، وكرست نفسها للدفاع عن حق الشعوب الأصلية في أراضيهم وحافظت على أعصابها ووضوحها حتى أصابها مرض الزهايمر، توفيت في 13 ديسمبر 2018، لكنها أوصلت أطفالها فيرا وآنا لوسيا وإليانا وماريا بياتريس ومارسيلو الى بر الأمان. حتى أن ابنها أصبح كاتباً روائيا معروفا وأحد أكثر الكتاب قراءة على نطاق واسع في البرازيل. عندما تأثرت والدته بالمرض التنكسي العصبي، قرر تكريمها بكتابه “أنا ما زلت هنا” الذي تحول إلى فيلم من إخراج والتر ساليس.

الفيلم مكتوب كحصن لحرية الفكر والعمل في العالم وصرخة ضد الممارسات القمعية للأنظمة الدكتاتورية في كل بقعة

حازت الممثلة فرناندا توريس على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في حفل توزيع جوائز غولدن غلوب وقالت توريس “يسمح هذا الفيلم للبرازيليين بإعادة الاتصال بتاريخهم وإعادة اكتشاف فخرهم الثقافي.” يبدو أن مهنة الممثلة وراثية في عائلة توريس، عندما ولدت فرناندا توريس في عام 1965 في البرازيل، كانت والدتها فرناندا مونتينيغرو، ممثلة لامعة بالفعل. اشتهرت في أميركا الجنوبية. وفازت بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة في عام 1999. بعد سنوات من النضال تجتمع العائلة حول يونيس بايفا، وهي الآن مسنة ومتأثرة بمرض الزهايمر – ولعبت الدور فرناندا مونتينيغرو.”

يتوج المشهد الختامي عندما يقوم الأطفال بتنظيم أنفسهم لالتقاط صورة في الخارج، وتشاهد يونيس الطاعنة بالسن تقريرًا تلفزيونياً عن ضحايا النظام الذين أصبحوا رموزًا للمقاومة. عند رؤية اسم روبنز بايفا وصورته على الشاشة، يوحي تعبير حزين ممزوج بالفخر بانتصارها في الكشف عن الحقيقة، وهو إنجاز في مواجهة الصمت الذي يفرضه النظام، وهو درس لكل الأحرار في العالم بعدم السكوت ومواصلة النضال من أجل كشف جرائم الأنظمة القمعية ومحاكمة مرتكبيها. وينتهي السرد المرئي بمعلومات من الحالة الحقيقية، تفيد بوفاة يونيس بايفا عام 2018 بعد سنوات من العيش مع مرض الزهايمر.

اليوم هناك مشروع لليمين المتطرف يعتمد على محو الذاكرة البرازيلية. ولمواجهة هذا السعي والوقوف بوجه القوى اليمينية المتطرفة، تكتسب أشكال التعبير الفني أهمية كبرى، ومع ذلك، عندما بدأت محاسبة الحقبة الدكتاتورية، لم يتم احترام تقرير عام 2014، بسبب الدعوات للعودة إلى الحكم العسكري في احتجاجات الشوارع ضد الكشف عن الفساد. لهذا السبب، قرر مارسيلو روبنز بايفا، نجل المناضل اليساري روبنز، أن يروي في كتابه “ما أزال هنا” أهوال الماضي.

عند ملاحظة هذا الصعود لليمين المتطرف، لاحظ المخرج ساليس الهشاشة التي لا تزال تولدها ذكرى الدكتاتورية ورأى الفرصة لبلاده لمواجهة صدمتها من خلال السينما لمنع التاريخ من الحدوث مرة أخرى. بعد شهر من إصدار الفيلم، منحت الحكومة البرازيلية عائلات ضحايا الدكتاتورية الحق في الحصول على شهادات وفاة معاد طبعها تعترف بجرائم القتل التي قامت بها السلطة.

فعل آخر للمقاومة

"سأدفع بحياتي ثمن ولائي للشعب ويمكنني أن أؤكد لكم أنني متأكد من أن القمح الذي زرعناه لا يمكن أبدا منعه من الإنبات. لديهم القوة، ويمكنهم استعبادنا، ولكن ليس من خلال الجرائم ولا بالقوة، التاريخ لنا، والشعوب هي التي تصنعه". (من الخطاب الأخير لسالفادور أليندي، 11 سبتمبر 1973). “أنا لا أزال هنا” فيلم برازيلي يذكرنا بماض مظلم اضطهدت فيه الحركة التقدمية وبدعم من الولايات المتحدة التي عملت على الإطاحة بالأنظمة الوطنية في العديد من البلدان مثل، تشيلي، الأرجنتين والبرازيل وغيرها.

 كانت البرازيل تحكمها منذ عام 1964 دكتاتورية عسكرية، وتخضع النائب التقدمي الذي عاد إلى الحياة المدنية للمراقبة عن كثب من قبل الشرطة التي تشتبه في دعمه للمعارضة في المنفى. في صباح أحد الأيام، اختطفه رجال السلطة العسكرية من منزله. واعتقلت زوجته، التي قضت أيضا اثني عشر يوما في سجون الشرطة العسكرية وكذلك إحدى بناته. ليتم إطلاق سراح الابنة خلال يوم واحد؛ والأم، بعد تعرضها للتعذيب النفسي في السجن العسكري، تعود إلى منزلها بعد أيام.

 وعندما يعود، يجد أطفاله يائسين، ويضطرون إلى التعامل مع صعوبات مالية وفجيعة غير معلنة. ومما زاد الطين بلة، دهس كلب الابن الأصغر، وهو مشهد مؤثر يرمز إلى وفاة روبنز بايفا في نفس الفترة. تغير الأسرة حياتها بأكملها بغياب الأب، وتغادر ريو دي جانيرو إلى ساو باولو، بعد وقت قصير من عودة الابنة الكبرى من لندن حيث كانت أثناء اختفاء والدها وعلمت بالمأساة من الصحافة الدولية.

المخرج يتجنب العنف الصريح أو البكاء والنحيب ويختار بدلا من ذلك تصوير ‏‏الإرهاب من خلال الصمت والغياب‏‏

لا أزال هنا” فيلم رائع عن عائلة حطمتها الدكتاتورية العسكرية في البرازيل. الحقائق قديمة ولكن ذاكرتها لا تزال حية. قاتلت أرملته يونيس بايفا بلا كلل من أجل الحقيقة وذكرى زوجها، وهي قصتها الخاصة. سيتعين على الزوجة وأطفالها الخمسة إعادة النظر في وجودهم في ريو بعد غياب الأب، لم تعد الحياة مستدامة ماليا ومعرضة للمراقبة والخيانة. تعيد الأم ابنتها من لندن، وتبيع كل ما في وسعها، وتختار الانتقال إلى ساو باولو والتسجيل في كلية الحقوق. ولكنها لا تنسى أبدا أن تكون أما وأبا في نفس الوقت مع سعيها الحصول على شهادة وفاة زوجها.

أصبحت الأم محامية إنسانية تخدم الناس المظلومين. وتقاتل ضد المستولين على أراضي السكان الأصليين. وفي هذا السياق، شبح صعود اليمين المتطرف يلوح مجددا في الأفق، ومعه يأتي الخوف من أن تتعرض الذاكرة للتلف والنسيان. يمكن مواجهة صدمات الماضي، لكن علامات التحذير تنتمي إلى الحاضر، وأولئك الذين هم على استعداد للنسيان ينتهي بهم الأمر إلى تأييد جرائم الماضي. تصبح الذاكرة فعل آخر للمقاومة. إذا تم تحريفها أو تدميرها، فإن أخطاء الماضي محكوم عليها بالتكرار.

عمل الكاتب مارسيلو روبنز بايفا، ابن يونيس وروبنز في روايته “أنا لا أزال هنا” في تفعيل الذاكرة وقال “الأدب له دور يجب أن يؤديه، الأدب هو شهادة المهزومين. ونحن جيل المهزومين في السبعينات، من نقدم روايتنا للحقائق ومن خلالها، يحاول الشباب اكتشاف تاريخ البلاد.” في عام 2024 يستأنف المخرج البرازيلي والتر ساليس تقديم قصة عائلة بايفا بسيناريو رائع كتبه موريلو هاوزر وهيتور لوريجا، ويعري النظام العسكري الدكتاتوري الذي تسبب في مقتل أو اختفاء الآلاف من اليساريين والتقدميين.”

في الختام “يصنع والتر ساليس فيلما جميلا، لكن الجمال وحده لا يمكن أن يتحمل ثقل الذاكرة التاريخية. ‏‏لا يمكن أن يقتصر إرث الدكتاتورية على صدمة اليسار البرازيلي، إنه مكتوب كي يسجل صرخات المضطهدين الصامتة، طالما بقيت هذه الأصوات غير مسموعة، وطالما أن روايات المضطهدين تصبح هامشية. يتبع الفيلم يونيس بايفا (زوجة روبنز بايفا) السياسي الذي اختطفته الدكتاتورية. حزنها ليس فعلاً ثوريا ولكنه متجذر في استحالة الحداد دون جثة لدفنها. يتجنب ساليس العنف الصريح أو البكاء والنحيب، ويختار بدلا من ذلك تصوير ‏‏الإرهاب من خلال الصمت والغياب‏‏. ومعاناة الناس الذين تحطمت حياتهم ليدخل بنا لمنازل المفقودين والمغيبين وضحايا المقابر الجماعية.”

كاتب عراقي

 

العرب اللندنية في

23.03.2025

 
 
 
 
 

إسرائيل تعتقل المخرج الفلسطيني بلال حمدان الحائز على الأوسكار

دبي -الشرق

اعتقلت قوات الجيش الإسرائيلي، فجر الثلاثاء، المخرج الفلسطيني الحائز على الأوسكار حمدان بلال، وفقاً لما أفادت به مصادر محلية وشهود عيان، وذلك بعد تعرضه لاعتداء عنيف من قبل مستوطنين في قرية سوسيا جنوب الضفة الغربية.

ونشر المخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام، شريك حمدان في إخراج فيلم "لا أرض أخرى"، في منشور على منصة "إكس" أنّ "مجموعة من المستوطنين هاجمت منزل حمدان بلال، وفي حين كان مصاباً بجروح، وينزف دخل جنود سيارة الإسعاف التي كان قد طلبها واعتقلوه".

وأفادت منظمة "مركز اليهود لعدم العنف" بأن "عشرات المستوطنين اقتحموا سوسيا الواقعة ضمن منطقة مسافر يطا المهددة بالتهجير، حيث اعتدوا على ممتلكات السكان المحليين، قبل أن يهاجموا بلال بالضرب المبرح ما أسفر عن إصابته بجروح في الرأس ونزيف حاد".

وتابعت المنظمة في منشور على "فيسبوك": "وصلت مجموعة المهاجمين حوالي الساعة السادسة مساءً، مسلحين بالهراوات والسكاكين وبندقية واحدة على الأقل؛ وكان العديد منهم ملثمين، توجه خمسة ناشطين يهود أمريكيين إلى مكان الحادث لتوثيق الهجوم، فتعرضوا لاعتداء عنيف من المستوطنين، الذين استخدموا الحجارة لتحطيم سيارتهم التي كان الناشطون بداخلها".

وأعربت إدارة مهرجان برلين السينمائي الدولي، عن قلقها العميق إزاء التقارير التي أفادت بتعرض المخرج الفلسطيني حمدان بلال، المشارك في إخراج الفيلم الوثائقي الفائز بجائزة المهرجان No Other Land، لهجوم من قبل مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين في منطقة مسافر يطا جنوب الضفة الغربية.

وأكد المهرجان في بيانه أن حماية صُنّاع الأفلام الوثائقية والصحفيين من أعمال الانتقام والعنف، تُعد أمراً جوهرياً في المجتمعات الديمقراطية، مشدداً على أهمية الحفاظ على حرية التعبير والعمل الإبداعي.

كما طالبت الأكاديمية الأوروبية للأفلام بالإفراج الفوري وغير المشروط عن حمدان بلال، وذكرت في بيان نُشر عبر حسابها الرسمي، أن بلال تعرّض للضرب على يد مستوطنين إسرائيليين، قبل أن يتم اعتقاله من قبل قوات الاحتلال. ولا تزال ظروف اعتقاله ومكان احتجازه غير معروفة حتى الآن.

وأعربت الأكاديمية عن بالغ قلقها على سلامة بلال الجسدية والنفسية، ودعت المؤسسات السينمائية والثقافية حول العالم إلى الانضمام للمطالبة بإطلاق سراحه فورًا، تحت شعار: "أطلقوا سراح حمدان بلال واحموه الآن!"

وكان فيلم No Other Land (لا أرض أخرى) الفلسطيني، قد فاز بجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم وثائقي طويل، ويحكي الفيلم قصة تحالف يتطور بين ناشط فلسطيني وصحافي إسرائيلي وسط صراع شعبيهما في الضفة الغربية المحتلة.

وهو إنتاج مشترك بين فلسطين والنرويج، ومن إخراج الثنائي الفلسطيني باسل عدرا وحمدان بلال، والثنائي الإسرائيلي يوفال أبراهام وراحيل تسور.

 

####

 

بعد حملة تضامن دولية: إسرائيل تُفرج عن المخرج الفلسطيني حمدان بلال

دبي -الشرق

أفرجت إسرائيل عن المخرج الفلسطيني حمدان بلال، الشريك في إخراج الفيلم الوثائقي No Other Land الحائز على جائزة الأوسكار، وذلك بعد تعرضه للاعتقال والضرب من قبل الجيش الإسرائيلي، بحسب المخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام.

وكتب المخرج الإسرائيلي المشارك في الفيلم، يوڤال أبراهام، في منشور عبر منصة "إكس": "بعد أن قضى الليلة مكبل اليدين، وتعرض للضرب داخل قاعدة عسكرية، أصبح حمدان بلال الآن حرًا، وهو في طريقه إلى منزله وعائلته".

وكان اعتقال بلال قد أثار موجة غضب وتضامن في الأوساط السينمائية العالمية، حيث أُطلقت عريضة على موقع Change جمعت أكثر من 3700 توقيع، تطالب بالإفراج الفوري عنه وضمان سلامته الجسدية والنفسية، وتمكينه من الوصول إلى عائلته ومحاميه.

وجاء في نص العريضة الذي نشرته مجلة "فارايتي" الأميركية: "نحن، أعضاء من المجتمع السينمائي العالمي، نطالب بالإفراج الفوري عن المخرج حمدان بلال، وضمان سلامته، في ظل تقارير تفيد بأنه أُخرج قسراً من سيارة إسعاف بعد اعتداء عنيف من مستوطنين، وتم اعتقاله من قبل الجيش الإسرائيلي دون أي معلومات واضحة عن مكان احتجازه. هذا الانتهاك الصارخ يتعارض مع حرية التعبير والفن وحقوق الإنسان.”

وقع على العريضة عدد من أبرز صناع الأفلام العالميين، من بينهم روجر روس ويليامز، أليكس جيبني، ليز جاربوس، فيشر ستيفنز، يوروبا ريتشن، نانفو وانج، وجيرالين درايفوس وغيرهم.

فيلم No Other Land، الذي أُنجز بشراكة فلسطينية-إسرائيلية، يتتبع قصة عائلة فلسطينية تواجه التهجير وهدم منازلها على يد السلطات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ويظهر في الفيلم تعاوناً نادراً بين الناشط الفلسطيني باسل الأدرة والصحفي الإسرائيلي يوڤال أبراهام، في توثيق معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال.

 

الشرق نيوز السعودية في

25.03.2025

 
 
 
 
 

مستوطنون يعتدون على أحد مخرجي "لا أرض أخرى" والاحتلال يعتقله

لندن/ العربي الجديد

اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي المخرج الفلسطيني حمدان بلال، وهو أحد مخرجي الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى" (No Other Land)، بعد تعرّض منزله لهجوم عنيف من قبل مجموعة مستوطنين ملثمين أمس الاثنين.

الاعتقال جاء بعد لحظات من اقتحام نحو 15 مستوطناً مسلحاً قرية سوسيا في مسافر يطا، جنوبي الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، حيث يقطن بلال. والشهادات التي نقلها ناشطون أميركيون يهود من مركز "اللاعنف اليهودي"، الذين كانوا حاضرين خلال الاعتداء، أكدت أن المستوطنين بدأوا برشق الحجارة نحو منازل الفلسطينيين، قبل أن يحطموا خزان مياه قرب منزل بلال ويطاردوه حتى مدخل بيته.

في رواية أحد الشهود، ويُدعى يوسف، بدا واضحاً أنّ جنود الاحتلال لم يتدخلوا لحماية السكان، بل على العكس حضروا إلى المكان برفقة مستوطنين يرتدون أزياء عسكرية، وعمدوا لاحقاً لتسليم بلال إلى الجيش. وقال أحد الشهود إنّ المستوطنين حطّموا نوافذ سيارة بلال، وكسّروا زجاجها بالكامل، ومزّقوا أحد إطاراتها، بحسب ما نقلته صحيفة ذا غارديان البريطانية.

ولم يتوقف الاعتداء عند هذا الحد، فقد وجد الناشطون الأميركيون في المنزل عقب الاعتداء بقع دماء على الأرض، وأكّد أحد أفراد عائلة بلال أنها نتيجة إصابته في الرأس. ورغم إصابته، لم يتم استدعاء سيارة إسعاف، بل حضرت قوات الاحتلال واقتادته إلى جهة مجهولة، برفقة رجل آخر يُدعى ناصر، من دون توضيح أسباب الاعتقال.

من جهته، زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي، في بيان، وقوع "مواجهة عنيفة بين فلسطينيين وإسرائيليين"، بعد ما وصفه بـ"هجوم بالحجارة على مدنيين إسرائيليين"، مضيفاً أنّ جنوده أوقفوا ثلاثة فلسطينيين ومستوطناً واحداً لـ"التحقيق".

واللافت أنّ هذا الاعتداء يأتي بعد أيام فقط من فوز الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى" بجائزة أوسكار عن فئة أفضل فيلم وثائقي قصير. الفيلم الذي أخرجه أربعة شبان: فلسطينيان (حمدان بلال وباسل عدرا) وإسرائيليان (يوفال أبراهام وراحيل تسور)، وثّق على مدار سنوات عمليات التهجير القسري وهدم القرى الفلسطينية في الضفة الغربية، وسلّط الضوء على مقاومة السكان للاحتلال.

وقال باسل عدرا، وهو أحد مخرجي الفيلم، في حديث لـ"ذا غارديان"، إنّ "عنف المستوطنين يتصاعد يومياً، والفلسطينيون هنا يتعرضون لهجمات شبه يومية. ربما ما حدث مع حمدان هو انتقام بسبب الفيلم وجائزة أوسكار". ووصف عدرا الاعتداء بـ"المرعب"، قائلاً إن المستوطنين والجنود كانوا يهددونهم بالسلاح، بينما كانت الشرطة الإسرائيلية تراقب من دون أن تحرّك ساكناً. وأضاف: "حمدان حاول حماية عائلته، فهاجموه، وعندما طلب النجدة، منع الجنود أي أحد من مساعدته، ثم اختطفوه".

وقال وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي ميكي زوهار، في تعليق سابق، إن فوز فيلم "لا أرض أخرى"، هو "لحظة حزينة لعالم السينما"، في موقف اعتُبر مؤشراً واضحاً إلى موقف المؤسسة الرسمية الإسرائيلية من العمل، وما يحمله من رواية فلسطينية تُزعج الاحتلال. ليست هذه المرة الأولى التي يتعرّض فيها طاقم الفيلم لاعتداءات. ففي فبراير/ شباط الماضي، كان باسل عدرا نفسه ضحية لهجوم عنيف من مستوطنين ملثمين.

 

العربي الجديد اللندنية في

25.03.2025

 
 
 
 
 

عن السجال الذي أثاره فوز "لا أرض أخرى" بالأوسكار

السينما الوثائقية ورؤية العالم

أريج جمال

لم يمرّ فوز "لا أرض أخرى" بأوسكار أفضل فيلم وثائقي هذا العام، مرور الكرام، وهو من إنتاج فلسطيني نروجي مشترك، وإخراج فريق من الصناع أبرزهم إعلاميا الفلسطيني باسل عدرا والإسرائيلي يوفال أبراهام. عربيا نُظر إلى الفيلم بالكثير من التشكك، وأدين صاحبه الأول الفلسطيني باسل استباقيا واحتياطيا بالتطبيع مع إسرائيل. استباقيا، بمعنى أن هذا الحكم صدر قبل مشاهدة الفيلم، وربما كي تحظر بصورة ما الفرجة عليه. واحتياطيا، على خلفية المذابح التي ارتكبتها إسرائيل في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول العام 2023. وأدان الإسرائيليون المتشددون يوفال أبراهم، فأن ينقل معاناة الفلسطينيين ضد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، وأن يتحدث من منطقة حقوق الإنسان، فذلك يرتب عليه في طبيعة الحال لوما وتشكيكا من طرف مواطنيه.

السياق الذي شوهد فيه الفيلم، ولا يزال، هو سياق استقطابي ومغلق بشدة على عصبيته. بل إن العالم كله يعيش، مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وكل التغييرات السياسية العالمية التي تلت، وقتا عصيبا يعوزه بشدة الانضباط والاتزان. فهل كنا لنتلقى، عربيا على الأقل، فوز "لا أرض أخرى"، بتشنج أقل، لو لم نكن عشنا الفصل الدامي الأخير الذي يحدث في غزة؟

سؤال تصعب الإجابة عنه. أما السؤال الأهم، والأكثر منطقية في سياق كهذا، فهو، في طبيعة الحال، السؤال الفني، سؤال السينما. وبصياغة أشد مباشرة: هل يستحق "لا أرض أخرى"، هذا الفوز الأوسكاري؟ تاليا، هل يستحق أن يصل إلى أعداد أكبر من المتفرجين حول العالم، وهذه ميزة الجائزة الأهم؟ وهل يضيف شيئا إلى رؤيتنا للسينما كفن، أو حتى رؤيتها لنا، هي الفن المعترف به عالميا اليوم إلى درجة التمجيد؟

حياة مشروطة

صانع هذا الفيلم الأول هو في الحقيقة باسل عدرا. فهو الصوت الذي يصاحبنا على مدار زمن الفيلم. يمرر إلينا من تاريخه الشخصي تارة، ومن تاريخ منطقته "مسافر يطا" تارة أخرى. يقول في البداية إنه ولد لعائلة من "الناشطين"، وإنه كبر على إصرار والده على التصدي لمضايقات قوات الاحتلال الإسرائيلي بالتظاهرات، وبالتوثيق أيضا، توثيق أسرة باسل حتى لنزهاتهم المشروطة بعدم الخروج عن حيز الضفة الغربية، بسبب سياسة الفصل العنصري التي تطبقها إسرائيل. وتقرر هذه السياسة من يحق لهم التجول بحرية في البلاد، أصحاب السيارات الصفراء، ومن لا يحق لهم تجاوز الضفة الغربية، الفلسطينيون أصحاب السيارات الخضراء.

السياق الذي شوهد فيه الفيلم، ولا يزال، هو سياق استقطابي ومغلق بشدة على عصبيته. بل إن العالم كله يعيش مع عودة دونالد ترمب وقتا عصيبا يعوزه بشدة الاتزان

ثمة مشاهد لباسل صغيرا يرعى الغنم، ويتحدث إلى الكاميرا. وكان يمكنه أن يبقى بلا تعليم، مثل أبيه ناصر. لكن في التسعينات قرر أهالي مسافر يطا أن يبنوا مدرسة لتعليم الصغار. مشروع تصدت له إسرائيل بعنف كالعادة. غير أن زيارة رئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير لموقع المدرسة والمنطقة المحيطة بها، أجبرت إسرائيل على التراجع. وهكذا تعلم باسل، وبمعنى ما صار واعيا بما يكفي، لا فقط كي يناضل على طريقة أبيه وجده، أي بالتمسك بالبقاء على الأرض رغم كل المضايقات، لأن لا أرض أخرى يذهبون إليها، لكن أيضا بأهمية التقاط الصورة عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر ما يشهده من بطش إسرائيلي.

في 2019، تتخذ حياة باسل، المشروط وجودها تقريبا بهذا النضال، منحى جديدا. حين تقرر محكمة إسرائيلية مصادرة أرض مسافر يطا، وتحويلها إلى ساحة تدريبات للجيش الإسرائيلي. القرار الذي تناقلته وسائل الإعلام الدولية آنذاك، كان يعني التهجير القسري لأهالي عشرين قرية تتشكل منها مسافر يطا، تدمير بيوتهم وإجبارهم على النزوح إلى مدن متكدسة. يقرر أهل باسل وجيرانه، عدم المغادرة، مما يعرضهم إلى اعتداء متواصل من جانب القوات الإسرائيلية، ومن جبروت مسؤول إسرائيلي معين هو إيلان، الذي يظهر في الفيلم دائما بنظارات سوداء تبقيه محجوبا تماما على الرؤية. إيلان هذا، يوقع قرارات الطرد، ولا يأبه بصرخات الفلسطينيين وحيواتهم تنتزع نزعا بالجرافات.

في هذه اللحظة المحددة يظهر يوفال أبراهام. صحافي يهودي، كما يقدم نفسه. يتحدث مع أهالي القرية، وينقل شهاداتهم. يقول إنه يكتب ما يرى، وحين يسأله أحد الأهالي: هل يقرأ أحد هذه المقالات؟ يجيبه بكل صراحة: عدد قليل جدا. ومع ذلك، لا يهزم يوفال اليأس، بل يقف أحيانا أمام ضباط الجيش الإسرائيلي وهم يمارسون أعمال الترويع، ويرفع الكاميرا أمامهم وهو يسمع إهاناتهم. وهو إلى ذلك، يشارك أحيانا في أعمال البناء الليلي للبيوت التي هدمتها إسرائيل في الصباح. إننا نرى أهالي مسافر يطا جميعا من الناشطين - وليس أسرة باسل عدرا فقط – أي من المقاومين، ذلك أنهم يرسخون في وجه قوات الاحتلال، بعيدا من أي مباهاة إعلامية، ويسقط أحدهم هو هارون ضحية لهذا الوقوف الأعزل ضد السلاح، إذ يرديه أحد الجنود برصاصة تتسبب له بشلل لا شفاء منه.

الزمن الدائري

تتداخل في الفيلم مشاهد عنف القوات الإسرائيلية ضد المواطنين الفلسطينيين السلميين، وتتكرر كل مرة بعنف أكبر. بحيث تجعل المشاهَدة في ذاتها تجربة صعبة، وتنقل إلى المتفرج إحساسا مستمرا بالعجز والخشية من الآت. فلا سقف لتعديات الجنود. ولا حماية من الهجومات المستمرة إلا الالتجاء إلى الكهوف التي تحيط طبيعيا بالقرى. ولنتصور حياة الأهالي وسط الكهوف، في عز البرد القارص للشتاء.

نحس أن يوفال، يسعى إلى تحييد نفسه بصورة ما، يجعل باسل في المقدمة، ويقف هو وراء الكاميرا، وكأنه يمارس شيئا من التكفير عن الذنب

ربما تُدخِل على قلوبنا مسحة خفيفة من السرور، رؤية إلياس الصغير ابن شقيق باسل، وهو يتفاعل مع من حوله، بمن فيهم يوفال نفسه، ببراءة تبدو كذكرى بعيدة وسط الاستعراض المستمر للعضلات الإسرائيلية. صورة إلياس، تردنا كذلك إلى حياة باسل وهو طفل، وإلى الاعتقال الأول لأبيه في صغره، التجربة التي أثرت بشدة عليه، وعلى موقفه الحياتي ككل. كيف يسعنا أن ننظر إلى مستقبل إلياس اللطيف هذا، خارج حياة باسل الحالية؟ باسل المأخوذ في المقاومة، في التوثيق والتصوير والنشر، المهدد بناء على ذلك بالاعتقال في أي لحظة، مثله مثل أبيه. أو خارج مصير هارون، الذي راح ضحية صموده أمام فعل الاستلاب. إن الزمن في "لا أرض أخرى"، مثله مثل الزمن عند الفلسطيني في أرضه، لا يكف عن التكرر إلى ما لا نهاية.

ومع ذلك، قد تعزينا هذه الصداقة، بين باسل المقاوم ويوفال المتعاطف. والواقع أننا نرى يوفال يصغي إلى باسل في شكواه، حين يدخن النارجيلة، وحتى وهو يسأله متى يتزوج ويكوّن عائلة؟ ولا نراه تقريبا يتكلم عن حياته هو، ولا ما يتعرض من مضايقات إسرائيلية ثمنا لموقفه الإنساني إلا قليلا. في الفيلم نحس أن يوفال، يسعى إلى تحييد نفسه بصورة ما، يجعل باسل في المقدمة، ويقف هو وراء الكاميرا، وكأنه يمارس شيئا من التكفير عن الذنب. وفي مشهد يحدد إلى درجة كبيرة الرسالة السياسية والخطاب في "لا أرض أخرى"، يحلم الصديقان الشابان بحياة عادية، بدولة واحدة وديمقراطية وسلام. ويضيف يوفال أنه يتمنى أن يتمكن باسل ذات يوم من زيارته في مدينته، كما يأتي هو لزيارته، بعد أن تلغى سياسة الفصل العنصري الإسرائيلية.

دولة واحدة؟

والواقع أن هذا الطرح السياسي للفيلم ليس جديدا علينا في العالم العربي، الكلمات نفسها والأفكار عبّر عنها المفكر الكبير إدواردد سعيد في المقالات التي كتبها بالإنكليزية لصحيفتي "الحياة" و"الأهرام ويكلي"، في التسعينات بعد اتفاقية أوسلو. وهي الكتابات التي جمعتها وترجمتها دار نشر "لا فابريك" الفرنسية، وأعيد إصدارها في كتاب يحمل رأي سعيد وفكره في فبراير/ شباط من العام 2024: "إسرائيل فلسطين: المساواة أو لا شيء"  Israël, Palestine l'égalité ou rien. في المقالات يطالب سعيد بدولة علمانية واحدة للفلسطينيين والإسرائيليين، يتساوى مواطنوها أمام القانون، أيا كانت ديانتهم. وكما ردد يوفال في حواراته مع التلفزيونات الإسرائيلية، كان سعيد يرى أن البطش المستمر بالفلسطينيين، سيمنع الإسرائيليين من التمتع بأي شعور بالأمان.

صارت الهواتف المحمولة في كل يد، والكاميرات في المتناول، لكن الرهان على من يستطيع أن يصنع بها فيلما ينتمي فعلا إلى السينما

بعيدا من السياسة، يأتي فوز "لا أرض أخرى" لينبهنا إلى المسافة الواسعة التي قطعتها السينما الوثائقية في تقريب الواقع إلى الفن، من دون أن تساوم حول الواقع، أو أن تتخلى عن الفن. لقد رأينا أصحاب هذا الفيلم، يقفون على قدم المساواة مع أصحاب الفيلم الدعائي الفج، "الوحشي"، الذي اتسم بالإبهار السينمائي مع التلفيق الفكري لصالح التوجه الصهيوني. وإن كان "الوحشي" فاز بلا اكتساح في الأوسكار، فإن "لا أرض أخرى" يقول إن السينما ليست صورة فقط، وليست مغلقة على نفسها، مقطوعة الصلة بالواقع. كما يلعب المونتاج هنا دور البطولة تقريبا، ليس بصفته الترتيبية للوقائع والأزمنة، لكن كذلك والأهم، باعتباره رؤية للعالم وللناس في الأساس، وانحيازا إنسانيا، وتوقا إلى عدالة ما، لن تتحقق ربما بغير هذا النوع من المقاومة. نعم صارت الهواتف المحمولة في كل يد، والكاميرات في المتناول، لكن الرهان على من يستطيع أن يصنع بها فيلما ينتمي فعلا إلى السينما، وإلى الإنسان في آن واحد.    

 

مجلة المجلة السعودية في

26.03.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004