"لا
أزال هنا" يستعيد أهوال الدكتاتورية العسكرية في البرازيل
علي المسعود
الفيلم يكشف الآثار المروعة للقمع مازجا الحقيقة التاريخية
مع المأساة الشخصية.
لعدة سنوات، كانت دول أميركا الجنوبية تعيد النظر في
تاريخها وتحاول خلق ذاكرة مشتركة بهدف تعزيز إعادة التوحيد الوطني ومنع
تكرار الأحداث التي وقعت خلال الدكتاتوريات العسكرية بين الستينات
والسبعينات من القرن العشرين. في البداية، كانت الأفلام تهدف إلى صدمة
المشاهد، وهو ما نشاهده أيضا في فيلم "لا أزال هنا".
يحكي فيلم "لا أزال هنا" للمخرج البرازيلي والتر ساليس، قصة
يونيس بايفا، امرأة قتل زوجها روبنز بايفا النائب السابق للحزب الاشتراكي
البرازيلي على يد الدكتاتورية. وعلى الرغم من أن الدكتاتورية تنفي اختطاف
زوجها وقتله، إلا أن المرأة، وهي أم لخمسة أطفال، لن تستسلم أبدا في البحث
عن الحقيقة وجثة زوجها. وقد نال الفيلم جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.
الفيلم يسرد حكاية اعتقال النائب البرازيلي اليساري روبنز
بايفا، والذي اختفى في معتقلات الجيش عام 1971 وظلوا ينكرون وجوده، ولا
تعلم أسرته شيئًا عن حياته أو موته، لم يتسلموا جثته ولا يعرفون حتى قبره.
وبعد 25 عامًا، تمكنت العائلة من استخراج شهادة وفاته.
تلك المأساة وثقها الابن “مارسيلو روبنز بايفا” ونشرها في
كتاب عام 2015 بعنوان “لا أزال هنا”. تركز القصة على زوجة النائب “يونيس
بايفا ” وكفاحها من أجل العدالة. الفيلم البرازيلي دراما عائلية وصورة
مثيرة للذكريات مغلفة بطابع في سياسي، يركز بشكل أساسي على يونيس بايفا
(فرناندا توريس) وأطفالها الخمسة بعد اختفاء زوجها روبنز (سيلتون ميلو)،
عضو البرلمان السابق الذي اختفى عندما استولت الدكتاتورية العسكرية
البرازيلية على السلطة. وستخوض زوجته يونيس معركة شرسة من أجل الحقيقة.
إحياء جراح الدكتاتورية
خلال فترة الدكتاتورية العسكرية في البرازيل يتحول بحث الأم
اليائس عن زوجها المفقود إلى رحلة مؤثرة
في ريو دي جانيرو في عام 1971 وبعد نحو ستة أعوام من صعود
الدكتاتورية العسكرية إلى السلطة في البلاد، كانت الأسرة تظن أنها ستعيش في
أمان، حيث تمضي الزوجة إيونيس بايفا (فرناندا توريس في أداء متميز) يومها
في السباحة، ثم لقاء أصدقاء العائلة، ويمضي زوجها المهندس وعضو البرلمان
السابق قبل وصول النظام العسكري للسلطة روبنز بيافا (ستيلون ميلو) يومه في
العمل واللعب مع الأبناء (خمسة أطفال، أربعة منهم فتيات) ودعوة الأصدقاء
للعشاء.
الدكتاتورية في ذروتها ولكن الناس يحاولون ممارسة حياتهم
بشكل طبيعي قدر الإمكان. الأبواب مفتوحة والأطفال يلعبون الكرة في الشارع
أو على الشاطئ. يبدو أن المنزل هو المكان الذي يجتمع فيه الأصدقاء وأفراد
الأسرة. يرقص الناس ويضحكون ويأكلون معا بينما يعزل الرجال أنفسهم للحديث
عن خطورة الوضع السياسي للبلد. وأولا وقبل كل شيء من خلال التلفزيون يظهر
واقع البلاد. اختطاف سفير مقابل إطلاق سراح السجناء السياسيين. ثم تعتقل
الشرطة فيروكا، الابنة الأكبر في العائلة، خلال حاجز أقامته الشرطة
العسكرية بحثا عن المشتبه بهم، وتتجلى وحشية الشرطة من خلال مناخ من الألم
الذي يسيطر على طريقة التفتيش وقسوة الجيش.
طائرة هليكوبتر تحلق فوق الشاطئ، وتمر شاحنات مكتظة بالجنود
على الطريق. أصبح التهديد أكثر حضورا، وأكثر مباشرة. عاش يونيس وروبنز أفضل
فترات حياتهما في ريو دي جانيرو، لكن الدكتاتورية ستهدم حياتهما ولن تعود
إلى ما كانت عليه مرة أخرى عندما يصل عساكر من سلطة الجيش إلى منزل العائلة
ويقتادون الأب روبنز للاستجواب. في نفس الوقت تم اقتياد الأم يونيس وإحدى
بناتها إليانا (لويزا كوسوفسكي) إلى الإيقاف، لكن أطلق سراحهن بعد فترة
قصيرة. اختفاء الأب روبنز يقلب حياة الأسرة رأسا على عقب.
حكاية الفيلم تناولت التغيير في الواقع السياسي للبرازيل،
البلد الذي استغرق سنوات عديدة للتحقيق بعمق في حالات الاختفاء التي حدثت
خلال دكتاتوريته الطويلة. ينتهي الأمر بالفيلم إلى أن يصبح احتفاء بقوة
الزوجة يونيس وصبرها، امرأة تغيرت حياتها الهادئة والسلمية فجأة ولكنها
وجدت القوة للقتال وإعادة ترتيب بيتها على مر السنين.
يكرر المخرج الموهوب والتر ساليس كتاب الرحلة المركزية
للبرازيل ويوثق شهادة تاريخية ودرامية لفترة من تاريخ بلده الذي شهد ويلات
الدكتاتورية العسكرية. في الوقت نفسه، تستند القصة على المعركة التي خاضتها
الأم (يونيس بايفا) في العثور على زوجها النائب اليساري الذي اختفى بين
عشية وضحاها في معتقلات السلطة الدكتاتورية. وفي نفس الوقت، عليها أن تستمر
في العيش على الرغم من الاختطاف المأساوي للأب والزوج، دون معرفة ما إذا
كان قد مات تحت التعذيب أو إذا كان معفنا في سجن برازيلي.
إن الرعب من بطش الدكتاتورية لعائلة النائب الشيوعي (روبنز
بيافا) يزداد حدة لأنه يسكن تفاصيل الحياة اليومية لامرأة وأطفالها الخمسة
الذين يجب أن ينجوا على الرغم من المضايقات التي تقوم بها القوة العسكرية.
الشخصيات تنضح بكرامة، وحماسة عظيمة مشوبة بالأمل في العثور على الرجل
المفقود يوما ما.
يصور الفيلم رحلة الزوجة يونيس بايفا عبر ثلاث فترات انقضت
بين عامي 1971 و2014 في ريو دي جانيرو. تكافح من أجل التغيير وكشف حقيقة
النظام الدكتاتورية، كذلك الكشف عن مصير الآلاف من المغيبين في السجون
والمعتقلات. من ناحية أخرى تعمل الأم يونيس من أجل تعليم أطفالها، ما
يجعلنا أمام رواية عائلية في قلب النص السردي تقدم صورة رائعة لناشطة شجاعة
تبذل نشاطاً دؤوبا من أجل العدالة وحماية أطفالها. تتحول القصة إلى نداء
نسوي حقيقي يسمح لنا بفهم أن الديمقراطيات تتطور مع نضال الرجال، وكذلك
بصوت الصامت والمثابر للمرأة. ها نحن أمام فيلم مكتوب كحصن لحرية الفكر
والعمل في العالم وصرخة ضد الممارسات القمعية للأنظمة الدكتاتورية في كل
بقعة من هذا العالم.
يتحرك الفيلم إلى الأمام في الوقت المناسب مرتين. بعد أن
قررت يونيس الانتقال مع عائلتها من ريو دي جانيرو، المرة الأولى هو تغيير
إيجابي وتؤكد الفترة التي كانت تخوض فيها يونيس نضالها من أجل العدالة
نيابة عن زوجها منذ اختفائه في بداية السبعينات. خلال هذا الوقت، لا يزال
الفيلم مشوبا بشعور بالحزن والفقدان، لكن الأمل والارتياح قويان لدرجة أننا
لا يسعنا إلا أن نشعر بكل ذلك مع الأم يونيس وأطفالها ومعاناتهم وصعوبة
حياتهم بعد اختفاء الأب، المرة الثانية حين كبر الأطفال وأصبحوا بالغين،
وإظهار العواقب والخسائر العاطفية التي تسببت فيها الدكتاتورية على الأسرة
وعلى البرازيل نفسها. يبدو الأمر كما لو كانت هناك نهايتان. الاثنتان
مفعمتان بالأمل وتقدمان إحساسا طيبا.
خلال فترة الدكتاتورية العسكرية القمعية في البرازيل في
السبعينات، يتحول بحث الأم اليائس عن زوجها المفقود إلى رحلة مؤثرة من
النشاط والصمود. مع تلاشي الذكريات والكشف عن الأسرار، تواجه قصتها الآثار
المروعة لنظام قمعي، وتمزج الحقيقة التاريخية مع المأساة الشخصية.
الذاكرة البرازيلية
الفيلم البرازيلي لوالتر ساليس يروي قصة اختفاء وتعذيب وموت
النائب روبنز بايفا، لكنه يركز على حياة زوجته يونيس، التي بحثت عنه من عام
1970 حتى أصيبت بمرض الزهايمر. في هذه الأيام من الإجراءات القضائية ضد
المسؤولين عن محاولة الانقلاب في 8 يناير 2023، يعد الفيلم محفزا للذاكرة
في بلد لم يحاكم فيه المسؤولون عن القمع.
يصف العمل المرحلة بين هذا الانسجام الاجتماعي الواضح
والمأساة التي ستليها بعد سيطرة الدكتاتورية البرازيلية على السلطة. تعطي
حبكة الفيلم مركزية للشخصية التي يؤلفها الإبن فرناندا توريس، رحلة الأم
(يونيس) في البحث عن أثر لزوجها في سراديب الموتى للنظام العسكري الأب
(روبنز بايفا) النائب السابق لحزب العمال البرازيلي سابقا الذي أقيل من
منصبه يوم الانقلاب. رحل إلى المنفى إلى يوغوسلافيا وفرنسا، وعاد بعد تسعة
أشهر لوطنه لكسب لقمة العيش من مهنته كمهندس، لكنه اختطف من بيته. كما ألقي
القبض على زوجته يونيس خلال العملية نفسها وظلت بمعزل عن العالم الخارجي
لمدة اثني عشر يوما. كذلك احتجزت الإبنة إليانا البالغة من العمر 15 عاما،
في نفس السجن لمدة 24 ساعة.
تم استجواب يونيس وإليانا، وكانتا شاهدتين على تعرض معتقلين
شيوعيين للتعذيب. وذكرتا أيضا أنهما سمعتا صراخ السجناء الذين كانوا
يتعرضون للتعذيب أثناء الاستجواب. ظلت يونيس وأطفالها الخمسة تحت نظام
المراقبة الذي حافظت عليه الدكتاتورية حتى انتقلوا إلى سانتوس في ساو
باولو. على الرغم من عدم العثور على جثة الأب أبدا، إلا أن الروايات التي
قدمها طبيب بالجيش وضباط عسكريون سابقون إلى لجنة الحقيقة الوطنية بعد
عقود كشفت أن النائب بايفا توفي في اليوم الثاني بعد اعتقاله متأثرا بجروح
تتعلق بالتعذيب في ثكنة الجيش حيث كان محتجزا.
يسلط المخرج الضوء على السنوات الأخيرة من حياة الزوجة
المناضلة يونيس بايفا ولعبت هذا الدور الممثلة فرناندا مونتينيغرو والدة
الممثلة فرناندا توريس، وهي ممثلة مرموقة تبلغ من العمر 95 عاما. في تلك
المتاهة، بدأت يونيس في البحث عن زوجها. بعد 24 عاما فقط، في عام 1995،
حصلت على وثيقة رسمية تفيد بأن الدولة البرازيلية قتلت زوجها بايفا. تم
إصدار شهادة الوفاة في عهد حكومة فرناندو هنريك كاردوسو.
تميز في الفيلم بالأداء الهائل لشخصية يونيس بايفا من قبل
الممثلة فرناندا توريس. كمحامية عن عمر يناهز 48 عاما، وكرست نفسها للدفاع
عن حق الشعوب الأصلية في أراضيهم وحافظت على أعصابها ووضوحها حتى أصابها
مرض الزهايمر، توفيت في 13 ديسمبر 2018، لكنها أوصلت أطفالها فيرا وآنا
لوسيا وإليانا وماريا بياتريس ومارسيلو الى بر الأمان. حتى أن ابنها أصبح
كاتباً روائيا معروفا وأحد أكثر الكتاب قراءة على نطاق واسع في البرازيل.
عندما تأثرت والدته بالمرض التنكسي العصبي، قرر تكريمها بكتابه “أنا ما زلت
هنا” الذي تحول إلى فيلم من إخراج والتر ساليس.
الفيلم مكتوب كحصن لحرية الفكر والعمل في العالم وصرخة ضد
الممارسات القمعية للأنظمة الدكتاتورية في كل بقعة
حازت الممثلة فرناندا توريس على جائزة أفضل ممثلة عن دورها
في حفل توزيع جوائز غولدن غلوب وقالت توريس “يسمح هذا الفيلم للبرازيليين
بإعادة الاتصال بتاريخهم وإعادة اكتشاف فخرهم الثقافي.” يبدو أن مهنة
الممثلة وراثية في عائلة توريس، عندما ولدت فرناندا توريس في عام 1965 في
البرازيل، كانت والدتها فرناندا مونتينيغرو، ممثلة لامعة بالفعل. اشتهرت في
أميركا الجنوبية. وفازت بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة في عام 1999. بعد
سنوات من النضال تجتمع العائلة حول يونيس بايفا، وهي الآن مسنة ومتأثرة
بمرض الزهايمر – ولعبت الدور فرناندا مونتينيغرو.”
يتوج المشهد الختامي عندما يقوم الأطفال بتنظيم أنفسهم
لالتقاط صورة في الخارج، وتشاهد يونيس الطاعنة بالسن تقريرًا تلفزيونياً عن
ضحايا النظام الذين أصبحوا رموزًا للمقاومة. عند رؤية اسم روبنز بايفا
وصورته على الشاشة، يوحي تعبير حزين ممزوج بالفخر بانتصارها في الكشف عن
الحقيقة، وهو إنجاز في مواجهة الصمت الذي يفرضه النظام، وهو درس لكل
الأحرار في العالم بعدم السكوت ومواصلة النضال من أجل كشف جرائم الأنظمة
القمعية ومحاكمة مرتكبيها. وينتهي السرد المرئي بمعلومات من الحالة
الحقيقية، تفيد بوفاة يونيس بايفا عام 2018 بعد سنوات من العيش مع مرض
الزهايمر.
اليوم هناك مشروع لليمين المتطرف يعتمد على محو الذاكرة
البرازيلية. ولمواجهة هذا السعي والوقوف بوجه القوى اليمينية المتطرفة،
تكتسب أشكال التعبير الفني أهمية كبرى، ومع ذلك، عندما بدأت محاسبة الحقبة
الدكتاتورية، لم يتم احترام تقرير عام 2014، بسبب الدعوات للعودة إلى الحكم
العسكري في احتجاجات الشوارع ضد الكشف عن الفساد. لهذا السبب، قرر مارسيلو
روبنز بايفا، نجل المناضل اليساري روبنز، أن يروي في كتابه “ما أزال هنا”
أهوال الماضي.
عند ملاحظة هذا الصعود لليمين المتطرف، لاحظ المخرج ساليس
الهشاشة التي لا تزال تولدها ذكرى الدكتاتورية ورأى الفرصة لبلاده لمواجهة
صدمتها من خلال السينما لمنع التاريخ من الحدوث مرة أخرى. بعد شهر من إصدار
الفيلم، منحت الحكومة البرازيلية عائلات ضحايا الدكتاتورية الحق في الحصول
على شهادات وفاة معاد طبعها تعترف بجرائم القتل التي قامت بها السلطة.
فعل آخر للمقاومة
"سأدفع
بحياتي ثمن ولائي للشعب ويمكنني أن أؤكد لكم أنني متأكد من أن القمح الذي
زرعناه لا يمكن أبدا منعه من الإنبات. لديهم القوة، ويمكنهم استعبادنا،
ولكن ليس من خلال الجرائم ولا بالقوة، التاريخ لنا، والشعوب هي التي
تصنعه". (من الخطاب الأخير لسالفادور أليندي، 11 سبتمبر 1973). “أنا لا
أزال هنا” فيلم برازيلي يذكرنا بماض مظلم اضطهدت فيه الحركة التقدمية وبدعم
من الولايات المتحدة التي عملت على الإطاحة بالأنظمة الوطنية في العديد من
البلدان مثل، تشيلي، الأرجنتين والبرازيل وغيرها.
كانت
البرازيل تحكمها منذ عام 1964 دكتاتورية عسكرية، وتخضع النائب التقدمي الذي
عاد إلى الحياة المدنية للمراقبة عن كثب من قبل الشرطة التي تشتبه في دعمه
للمعارضة في المنفى. في صباح أحد الأيام، اختطفه رجال السلطة العسكرية من
منزله. واعتقلت زوجته، التي قضت أيضا اثني عشر يوما في سجون الشرطة
العسكرية وكذلك إحدى بناته. ليتم إطلاق سراح الابنة خلال يوم واحد؛ والأم،
بعد تعرضها للتعذيب النفسي في السجن العسكري، تعود إلى منزلها بعد أيام.
وعندما
يعود، يجد أطفاله يائسين، ويضطرون إلى التعامل مع صعوبات مالية وفجيعة غير
معلنة. ومما زاد الطين بلة، دهس كلب الابن الأصغر، وهو مشهد مؤثر يرمز إلى
وفاة روبنز بايفا في نفس الفترة. تغير الأسرة حياتها بأكملها بغياب الأب،
وتغادر ريو دي جانيرو إلى ساو باولو، بعد وقت قصير من عودة الابنة الكبرى
من لندن حيث كانت أثناء اختفاء والدها وعلمت بالمأساة من الصحافة الدولية.
المخرج يتجنب العنف الصريح أو البكاء والنحيب ويختار بدلا
من ذلك تصوير الإرهاب من خلال الصمت والغياب
“لا
أزال هنا” فيلم رائع عن عائلة حطمتها الدكتاتورية العسكرية في البرازيل.
الحقائق قديمة ولكن ذاكرتها لا تزال حية. قاتلت أرملته يونيس بايفا بلا كلل
من أجل الحقيقة وذكرى زوجها، وهي قصتها الخاصة. سيتعين على الزوجة وأطفالها
الخمسة إعادة النظر في وجودهم في ريو بعد غياب الأب، لم تعد الحياة مستدامة
ماليا ومعرضة للمراقبة والخيانة. تعيد الأم ابنتها من لندن، وتبيع كل ما في
وسعها، وتختار الانتقال إلى ساو باولو والتسجيل في كلية الحقوق. ولكنها لا
تنسى أبدا أن تكون أما وأبا في نفس الوقت مع سعيها الحصول على شهادة وفاة
زوجها.
أصبحت الأم محامية إنسانية تخدم الناس المظلومين. وتقاتل ضد
المستولين على أراضي السكان الأصليين. وفي هذا السياق، شبح صعود اليمين
المتطرف يلوح مجددا في الأفق، ومعه يأتي الخوف من أن تتعرض الذاكرة للتلف
والنسيان. يمكن مواجهة صدمات الماضي، لكن علامات التحذير تنتمي إلى الحاضر،
وأولئك الذين هم على استعداد للنسيان ينتهي بهم الأمر إلى تأييد جرائم
الماضي. تصبح الذاكرة فعل آخر للمقاومة. إذا تم تحريفها أو تدميرها، فإن
أخطاء الماضي محكوم عليها بالتكرار.
عمل الكاتب مارسيلو روبنز بايفا، ابن يونيس وروبنز في
روايته “أنا لا أزال هنا” في تفعيل الذاكرة وقال “الأدب له دور يجب أن
يؤديه، الأدب هو شهادة المهزومين. ونحن جيل المهزومين في السبعينات، من
نقدم روايتنا للحقائق ومن خلالها، يحاول الشباب اكتشاف تاريخ البلاد.” في
عام 2024 يستأنف المخرج البرازيلي والتر ساليس تقديم قصة عائلة بايفا
بسيناريو رائع كتبه موريلو هاوزر وهيتور لوريجا، ويعري النظام العسكري
الدكتاتوري الذي تسبب في مقتل أو اختفاء الآلاف من اليساريين والتقدميين.”
في الختام “يصنع والتر ساليس فيلما جميلا، لكن الجمال وحده
لا يمكن أن يتحمل ثقل الذاكرة التاريخية. لا يمكن أن يقتصر إرث
الدكتاتورية على صدمة اليسار البرازيلي، إنه مكتوب كي يسجل صرخات المضطهدين
الصامتة، طالما بقيت هذه الأصوات غير مسموعة، وطالما أن روايات المضطهدين
تصبح هامشية. يتبع الفيلم يونيس بايفا (زوجة روبنز بايفا) السياسي الذي
اختطفته الدكتاتورية. حزنها ليس فعلاً ثوريا ولكنه متجذر في استحالة الحداد
دون جثة لدفنها. يتجنب ساليس العنف الصريح أو البكاء والنحيب، ويختار بدلا
من ذلك تصوير الإرهاب من خلال الصمت والغياب. ومعاناة الناس الذين
تحطمت حياتهم ليدخل بنا لمنازل المفقودين والمغيبين وضحايا المقابر
الجماعية.”
كاتب عراقي |