ملفات خاصة

 
 
 

بعد بيان من 600 عضو...

الأكاديمية الأميركية تعتذر للمخرج الفلسطيني حمدان بلال

بسبب إغفالها اسمه في بيانها بعد الاعتداء الإسرائيلي عليه

لندنمحمد رُضا

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 97)

   
 
 
 
 
 
 

بعدما تجنَّبت «أكاديمية العلوم والفنون السينمائية» التدخل في قضية اعتداء إسرائيليين، مستوطنين وأفراد جيش، على المخرج الفلسطيني حمدان بلال، يوم الاثنين الماضي، حاولت إصلاح ذات البين، يوم (الخميس)، بإعلان أدانت فيه «إصابة فنانين بالأذى، والتوقيف بسبب أعمالهم أو آرائهم»، حسب ما ورد في تصريح موقَّع من قِبل رئيسة الأكاديمية جانيت يانغ، ورئيس مجلس إدارتها بيل كرامر.

ولكن ذلك التصريح أغفل ذكر اسم بلال، ما أثار غضب عدد كبير من أعضاء الأكاديمية. ويوم الجمعة، أصدر أكثر من 600 من أعضاء الأكاديمية، البالغ عددهم 11 ألف عضو، رسالةً مفتوحةً تقول إن بيان الأكاديمية «لم يرق إلى المشاعر التي تستحقها هذه اللحظة». وكان من بين المُوقِّعين على الرسالة جواكين فينيكس، وأوليفيا كولمان، وريز أحمد، وإيما طومسون، وخافيير بارديم، وبينيلوبي كروز، وريتشارد جير.

ورداً على البيان، أرسل الرئيس التنفيذي للأكاديمية بيل كرامر، ورئيستها جانيت يانغ رسالةً إلى أعضاء الأكاديمية، عبَّرا فيها عن أسفهما على عدم إصدار بيان مباشر عن بلال. وأضافا: «نعتذر بصدق للسيد بلال وجميع الفنانين الذين شعروا بعدم دعم بياننا السابق، ونريد أن نوضح أن الأكاديمية تدين هذا النوع من العنف في أي مكان في العالم... نحن نكره قمع حرية التعبير تحت أي ظرف من الظروف».

وكانت الأكاديمية التزمت الصمت حيال تعرُّض المخرج الفلسطيني بلال إلى الضرب والاعتقال، علماً بأنه أحد مخرجي الفيلم الذي منحته الأكاديمية «أوسكار - أفضل فيلم تسجيلي» (لا أرض أخرى) في مطلع هذا الشهر. تبعاً لذلك قام المخرج الإسرائيلي يوڤال إبراهام، الذي شارك بتحقيق الفيلم، بنشر رد حاد على موقع «X» هاجم فيه الأكاديمية على التزامها الصمت حيال اعتداء تعرَّض له مخرج منحته إحدى جوائزها.

البيان الجديد لم يحسن الدفاع عن وجهة نظر الأكاديمية؛ بسبب عموميّة خطابه، وعدم تسميتها ما حدث أو تسمية المخرج حمدان بلال، أو توفير أي دعم معنوي له. بدا، في حيثيات نص موجز، دفاعاً عن موقف الأكاديمية حيال الموضوع: «العالم الذي نعيش فيه يتعرَّض لمتغيرات عميقة (...) حتى في صناعة السينما». أضافت: «على نحو مفهوم كثيراً ما نُسأل أن نعلن نيابةً عن الأكاديمية موقفاً من أحداث اجتماعية أو سياسية. في هذه الحالات من الضروري أن نلحظ أن الأكاديمية تتضمن قرابة 11 ألف عضو، لكثير منهم وجهات نظر خاصّة».

هذا الموقف له ظاهر مفهوم لكن تداعياته تتجاوزه صوب انتقاد عدم القدرة على تحديد الحادث وإدانته بوضوح. وكان أعضاء فرع الأفلام التسجيلية في الأكاديمية طالبوا الإدارة باتخاذ موقف عبر بيان واضح. كذلك شهدت «السوشيال ميديا» استنكاراً لموقف الأكاديمية.

ويوم الخميس، أعلنت 4 مؤسسات نقدية أميركية وقوفها إلى جانب المخرج حمدان بلال، وإدانتها الشديدة لما وقع له: وهي «الجمعية الوطنية لنقاد السينما»، و«جمعية نقاد لوس أنجليس»، و«جمعية نقاد نيويورك»، و«جمعية نقاد بوسطن».

مزيد من ردّات الفعل الانتقادية ضد إدارة الأكاديمية وضد ما وقع للمخرج الفلسطيني وردت من داخل الأكاديمية ذاتها في بيان حمل توقيع 190 عضواً، من بينهم روفالو ورايان، وايت جولي كوهن، وماثيو هاينمان، ومدير التصوير إد لاشمان.

عالمياً شهدت أوروبا مواقف دفاع عن المخرج حمدان بلال أبرزها «الأكاديمية الأوروبية للفيلم»، ومهرجان «سينما الواقع» المنعقد حالياً في باريس.

ركام من الماضي

«لا أرض أخرى» من إخراج فلسطيني- إسرائيلي مشترك قام به حمدان بلال إلى جانب باسل عدرا وراشل شور ويوڤال إبراهام، وهو مؤلَف من 92 دقيقة وثائقية حول وضع عائلة في الضفة الغربية تشهد قيام الحكومة بتوجيه الجرافات الإسرائيلية لهدم منزلها ضمن خطّتها لإجلاء الفلسطينيين عن أراضيهم. ليس عن منزل واحد (ولو إنه يبدو مثالاً) بل عن القرية التي تم التصوير فيها، التي شهدت منذ سنوات تدمير الممتلكات من دون قدرة أبناء القرية فعل أي شيء للدفاع عنها.

الفيلم يتطرّق إلى ما هو أبعد من الحدث الماثل. في أحد المشاهد يعرض باسل عدرا أرشيف صور العائلة الذي يُظهر اعتداءات الجيش خلال تاريخ طويل. نرى في إحدى الصور والد المخرج وهو يواجه الجنود الإسرائيليين ما حدا بهم لاعتقاله.

ما استعان به عدرا من صور مؤرشفة وما صوّره كلما سنحت له الفرصة يوضح تسلسلاً زمنياً لا يتوقف يجد فيه أبناء القرى، المستهدفة بقرار من قيادة الجيش، أنفسهم مطرودين من أراضيهم وممتلكاتهم (إحدى العائلات تنتظر انتهاء هدم المنزل لكي تستخرج من بين ركامه أغراضاً تنقلها إلى كهف اتخذته مأوى لها).

إذ ينطلق الفيلم من مآسٍ تم توثيقها في عام 2019 (أي قبل الحرب الحالية بثلاث سنوات) يستعرض في خط موازٍ الماضي والحاضر وكليهما داكن. يصل الأمر إلى ما يوازي السوريالية المطلقة عندما يطلق الجنود النار على شاب حاول الدفاع عن بعض ممتلكاته. الإصابة، يعلمنا الفيلم، كانت من الفداحة بحيث أقعدت الفلسطيني الذي توفي بعد عامين.

جوائز ومهرجانات

يصور الفيلم عدرا وإبراهام في مشاهد تنم عن صداقة واضحة. المخرج الفلسطيني يبدو خبيراً في مضمار ما يقوم به من رصف مشاهد وحالات. إبراهام هو صحافي يريد تغطية الأحداث من زاوية ريبورتاجية حيّة ليعرضها في مقالاته الصحافية. في دلالة واضحة وبعد أن شكا الإسرائيلي من أن مقالاته لا تجد جمهوراً كافياً يخبره عدرا بأن عليه قبول حقيقة أنه يقف مع الجانب الخاسر.

إلى ذلك يعلّق حمدان بلال على اندفاع إبراهام لنقل ما يدور بتذكيره بأن المعتدي قد يكون شقيقه أو أحد معارفه. يشترك بلال مع عدرا بأنهما من الطرف الأضعف. كلاهما ناشط في مجال الدفاع عن حقوق يشهدان الاعتداء عليها من دون رادع. إبراهام هو الصحافي الذي يعارض «الجرائم» حسب قوله ويسعى للتعريف بها. راشل شور الوحيدة التي لديها تجربة محترفة في صناعة الفيلم.

بعض ما يعرضه الفيلم (خاصة على مستوى الحوارات بين عدرا وإبراهام) يبدو متفقاً عليه، لكن هذا القليل يتوارى في عداد ما يتم تصويره من مشاهد مذهلة في عنفها النفسي والبدني. العنوان ذاته مشتق من امرأة يسألها الفيلم لماذا لا تلتحق بآخرين اعتمروا منازل أو كهوفاً. تُجيب: «ما من أرض أخرى».

الرسالة التي يحملها وصلت ناصعةً لا على منصّة الأوسكار فقط بل عبر نقاد السينما حول العالم، وفي إجماع واضح على أهمية الفيلم وقيمته. هو نوع من الأفلام التي تحكمها المضامين وتحاول جهدها رفع الإمكانات والقدرات الفنية لمستواها. تخفق هنا وتنجح هناك لكنها تستند إلى قوّة مضمونها دوماً.

عرضته مهرجانات عدة أهمها برلين، حيث خطف «الدب الذهبي» لأفضل فيلم وثائقي، وجائزة الجمهور كذلك. خرج أيضاً بجوائز أولى من مهرجانات بوسان (كوريا الجنوبية)، وباستيا (إيطاليا)، وبالم سبرينغز (الولايات المتحدة) من بين أخرى.

 

الشرق الأوسط في

29.03.2025

 
 
 
 
 

المخرج الفلسطينى حمدان بلال يروى التفاصيل الكاملة لاعتقاله.. اعرف القصة

لميس محمد

اعتلى المخرج الفلسطيني حمدان بلال خشبة المسرح في لوس أنجلوس ليتسلّم جائزة أوسكار عن فيلم "لا أرض أخرى" قبل أسابيع قليلة فقط، وهو فيلم وثائقي يصوّر نضال قريته في الضفة الغربية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

ومن ثم تم اعتقال بلال منذ يومان من قبل الجنود الاسرائيليين، وتم إطلاق سراحه من بعدها، وروى بلال - بوجهه الملطخ بالكدمات وملابسه الملطخة بالدماء - لوكالة أسوشيتد برس كيف تعرّض لضرب مبرح على يد مستوطن وجنود إسرائيليين، حيث قال إن المستوطن ركل رأسه "ككرة قدم" خلال هجوم للمستوطنين على قريته.

ثم احتجزه الجنود مع فلسطينيين آخرين، وقال بلال إنه ظل معصوب العينين لأكثر من 20 ساعة، جالسًا على الأرض تحت مكيف هواء قوي، وأضاف أن الجنود كانوا يركلونه أو يلكمونه أو يضربونه بعصا كلما رافقوه في نوبات حراسته، لا يتحدث بلال العبرية، لكنه قال إنه سمعهم ينطقون باسمه وكلمة "أوسكار".

وقال في مقابلة أجريت معه في مستشفى بالضفة الغربية بعد خروجه: "أدركت أنهم كانوا يهاجمونني تحديدًا، لأنهم عندما يقولون "أوسكار"، تفهم، وعندما ينطقون باسمك، تفهم".

وقع الهجوم ليلة الاثنين في قرية سوسيا جنوب الضفة الغربية، وهي جزء من منطقة مسافر يطا التي ظهرت في فيلم "لا أرض أخرى"، الذي يُصوّر محاولات السكان الفلسطينيين صد هجمات المستوطنين وخطط الجيش لهدم منازلهم.

مع غروب الشمس تقريبًا، وبينما كان السكان يُنهيون صيامهم في رمضان، دخل نحو عشرين مستوطنًا يهوديًا برفقة الشرطة القرية، وألقوا الحجارة على المنازل وحطموا الممتلكات، وفقًا لشهود عيان.

وبعد ذلك بوقت قصير، وصل نحو 30 جنديًا، قال بلال إنه صوّر بعض الأضرار التي سببها المستوطنون، ثم توجه إلى منزله، وبداخله زوجته وأطفاله الثلاثة الصغار.

وتابع بلال قائلا: "قلت لنفسي: إذا هاجموني، إذا قتلوني، فسأحمي عائلتي".

قال بلال أن أحدهم اقترب منه ومعه جنديان، وضربه على رأسه، وأسقطه أرضًا، وواصل ركله ولكمه في رأسه، وفي الوقت نفسه، ضربه أحد الجنود على ساقيه بعقب بندقيته، بينما صوّب الآخر سلاحه نحوه.

 

اليوم السابع المصرية في

26.03.2025

 
 
 
 
 

أكاديمية الأوسكار تعتذر بعد صمتها تجاه الاعتداء على المخرج الفلسطيني حمدان بلال

إيمان كمال

اعتذرت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة رسميا بعد تعرضها لانتقادات حادة بسبب تجاهلها دعم المخرج الفلسطيني حمدان بلال الفائز بجائزة الأوسكار عن فيلم "لا أرض أخرى"، والذي احتُجز مؤخرا من قبل القوات الإسرائيلية.

وقد أعربت الأكاديمية عن أسفها، مؤكدة إدانتها العنف ضد الفنانين، والتزامها بالدفاع عن حرية التعبير.

وجاء في البيان الذي أرسله كل من الرئيس التنفيذي للأكاديمية بيل كرامر والرئيسة جانيت يانغ اعتذار عن البيان الذي صدر الأربعاء الماضي ولم تتم الإشارة فيه إلى المخرج حمدان بلال مخرج "لا أرض أخرى".

وجاء في البيان "نقدم اعتذارنا الصادق للسيد بلال ولكل الفنانين الذين شعروا بعدم الدعم جراء بياننا السابق، ونؤكد بوضوح أن الأكاديمية تدين العنف من هذا النوع في أي مكان في العالم، كما نستنكر قمع حرية التعبير تحت أي ظرف".

رسالة احتجاج من نجوم هوليود

رسالة الاحتجاج التي وقّع عليها نحو 700 عضو من الأكاديمية -بمن فيهم نجوم بارزون مثل خواكين فينيكس ورز أحمد وبينيلوبي كروز وإيما تومسون ومارك روفالو وأوليفيا كولمان وريتشارد جير- جاءت للتنديد بصمت الأكاديمية وعدم الإشارة بشكل مباشر إلى المخرج بلال وفيلمه الوثائقي.

وتضمنت الرسالة أيضا توقيعات من صناع أفلام وثائقية بارزين مثل أليكس غيبني وإرول موريس، إلى جانب أسماء لامعة في الإخراج مثل آفا دوفيرناي وآدم مكاي.

وقد انتقد الموقعون البيان الأول الصادر عن الأكاديمية بعنوان "مجتمعنا السينمائي العالمي" في 26 مارس/آذار الجاري، معتبرين أنه كان ناقصا وغير ملائم لحجم القضية، حيث بدا وكأنه مجرد رد شكلي على احتجاز بلال.

هذا الموقف دفع النجوم وصناع الأفلام إلى إصدار بيان خاص يعبر عن اعتراضهم، مؤكدين أهمية المحاسبة والشفافية في مثل هذه المواقف.

وجاء في الرسالة تأكيد شديد الإدانة للاعتداء على بلال واحتجازه بشكل غير قانوني من قبل المستوطنين والقوات الإسرائيلية في الضفة الغربية، مشيرة إلى أن صناع الأفلام الوثائقية كثيرا ما يواجهون مخاطر جسيمة من أجل كشف الحقائق وإيصالها إلى العالم.

وأعربت الرسالة عن استغرابها من أن تحتفي الأكاديمية بفيلم بجائزة مرموقة، ثم تتقاعس عن الدفاع عن مخرجه بعد أسابيع قليلة فقط.

وأشار الموقعون إلى أن فوز الفيلم بجائزة الأوسكار رغم غياب التوزيع الواسع أو الحملات التسويقية الضخمة يعكس بوضوح مدى قوة الفيلم وتأثيره في أعضاء الأكاديمية المصوتين، ولفتوا إلى أن استهداف بلال يتجاوز شخصه، إذ يعد هجوما على كل من يسعى إلى كشف الحقائق غير المريحة.

وفي ختام الرسالة شدد الموقعون على التزامهم بمواصلة متابعة أوضاع فريق العمل، مؤكدين أن فوزهم بالأوسكار لم يجلب لهم فقط التقدير، بل وضعهم أيضا في دائرة الخطر، وأنهم لن يتوانوا عن اتخاذ موقف حازم حين تكون سلامة الفنانين مهددة.

وذكرت الصحف العالمية أن الرسالة لقيت دعما واسعا من منظمات سينمائية دولية وأعضاء بارزين في الأكاديمية من مختلف الأقسام، مما زاد زخمها وأهميتها.

وفي هذا السياق، وجّه يوفقال أبراهام المخرج المشارك في فيلم "لا أرض أخرى" انتقادا لاذعا للأكاديمية عبر منشور على منصة "إكس"، معبرا عن خيبة أمله لعدم إعلانها موقفا داعما لزميله بلال بعد تعرضه للاعتداء والاحتجاز من قبل إسرائيليين.

وأوضح أبراهام أن بعض أعضاء الأكاديمية -خصوصا في فرع الأفلام الوثائقية- حاولوا الدفع نحو إصدار بيان تضامني، لكن محاولاتهم قوبلت بالرفض.

وذكر أن الأكاديمية بررت موقفها بأن الاعتداء لم يكن موجها بشكل حصري ضد بلال، بل شمل فلسطينيين آخرين خلال الهجوم الاستيطاني، مما يجعل الحادثة -بحسب تفسيرها- غير مرتبطة مباشرة بالفيلم، وبالتالي لا تستدعي إصدار موقف رسمي.

وأضاف أبراهام أن استهداف بلال جاء بشكل واضح نتيجة مشاركته في الفيلم، بالإضافة إلى كونه فلسطينيا، وهو ما يعكس معاناة يومية يتعرض لها الكثير من الفلسطينيين دون أن تلقى اهتماما دوليا كافيا.

واعتبر أن الأكاديمية استخدمت هذا التبرير ذريعة للصمت، في وقت كان يتطلب منها اتخاذ موقف واضح لدعم فنان كرمته، ويعيش في ظروف قمعية تحت الاحتلال.

وتعرّض المخرج الفلسطيني حمدان بلال لاعتداء عنيف من قبل مستوطنين إسرائيليين أعقبه احتجازه من قبل الجيش الإسرائيلي، قبل أن يتم الإفراج عنه بعد مرور 24 ساعة على اعتقاله.

وفي تصريح أدلى به من سريره في المستشفى لشبكة "إيه بي سي نيوز" روى حمدان بلال تفاصيل الهجوم، موضحا أنه استمر قرابة 20 دقيقة، وقال "كنت أنزف من كل أنحاء جسدي، والألم كان لا يُحتمل".

كما نفى بلال الاتهامات التي وُجّهت إليه برشق الحجارة، مشيرا إلى أن الجنود سخروا منه أثناء احتجازه، متهكمين على فوزه بجائزة الأوسكار.

وكان فيلم "لا أرض أخرى" -الذي أخرجه حمدان بلال بالشراكة مع يوفقال أبراهام وآخرين- قد فاز بجائزة الأوسكار لعام 2025.

ويوثق الفيلم نضال مجتمع فلسطيني في الضفة الغربية في مواجهة التهجير القسري، وقد نال إشادة واسعة منذ عرضه الأول في مهرجان برلين السينمائي عام 2023، حيث فاز بجائزتي لجنة التحكيم والجمهور.

ورغم النجاح النقدي الكبير للفيلم فإنه واجه تحديات كبيرة في التوزيع، مما دفع صنّاعه إلى إطلاقه ذاتيا داخل الولايات المتحدة.

المصدر الجزيرة

 

الجزيرة نت القطرية في

31.03.2025

 
 
 
 
 

"أنا ما زلتُ هنا"...الوحوش تقيم بيننا

محمد صبحي

فاز الفيلم البرازيلي "أنا ما زلتُ هنا"، بجائزة أوسكار لأفضل فيلم دولي بفضل تناوله مصير عائلة مزقتها الديكتاتورية العسكرية في البرازيلتذكيرٌ قوي بأن الوحوش المدافعة عن مذبحة غزة تُقيم بيننا.

شاهدتُ "ما زلتُ هنا" للمرة الأولى في مهرجان نيويورك السينمائي، الخريف الماضي. هو الفيلم الجديد لوالتر ساليس، الفائز أخيراً بأوسكار أفضل فيلم دولي، والدائر حول اختفاء ناشط معارض أثناء الديكتاتورية العسكرية التي حكمت البرازيل من 1964 إلى 1985. كنت أجلس بجوار امرأة برازيلية شابّة، وبينما كنّا نتجاذب أطراف الحديث سألتها عما قد تطرحه على المخرج إذا سنحت لها الفرصة. فأجابتني بأنها تودّ معرفة ما إذا كان يعتقد أن الفيلم قادر على نشر الوعي بما حدث خلال تلك الفترة وحثّ الناس على مواجهة إرثها. ولم يكن سؤالي مجرّداً؛ فقد كنت أنوي إجراء مقابلة مع ساليس في اليوم التالي، ووجّهت سؤال المرأة إلى ساليس على النحو اللائق، فأعرب عن أمله في أن يخدم الفيلم هذه الوظيفة في البرازيل ـ التي لم تستوعب حقيقة ماضيها قطّ، على النقيض مثلاً من جارتيها الأرجنتين وأوروغواي.

تحقّقت آمال ساليس على نحوٍ واف. فقد شاهد أكثر من ثلاثة ملايين برازيلي فيلمه في دور العرض، وأثار الفيلم مناقشات مهمّة حول تاريخ الأمّة. مثل هذه المناقشة ضرورية خصوصاً الآن، حيث كانت هذه اللحظة الرهيبة على وشك التكرار مؤخراً: في يناير/كانون الثاني 2023، رفض أنصار الرئيس المنتهية ولايته خايير بولسونارو قبول خسارته أمام لولا دا سيلفا واقتحموا مجمّع العاصمة في برازيليا في محاولة لتنظيم انقلاب.

نادراً ما يأتي فيلم سياسي في مثل هذه اللحظة المواتية وبمثل هذا التأثير المشهود. يروي الفيلم اختفاء عضو الكونغرس البرازيلي السابق روبنز بايفا، الذي ساعد معارضي الحكومة العسكرية حتى أخذه من منزله من قبل الجيش في العام 1971 ولم يُر مرة أخرى. أمضت زوجته يونيس سنوات في محاولة الوصول إلى حقيقة مصير زوجها، سعيٌ قادها إلى كلية الحقوق والتزامها طيلة حياتها كمحامية في مجال حقوق الإنسان. (نجمة الفيلم هي فرناندا توريس، التي تلعب دور يونيس، وتصوّرها كشخصية قوية لا تلين وبطلة هادئة، ملتزمة بكشف الحقيقة والحفاظ على تماسك أسرتها.) بعد عقود، تم التأكيد بأن بايفا تعرّض للتعذيب والقتل في اليوم التالي لاختطافه/اختفائه.

كان ساليس، الذي فرّت عائلته من البرازيل لفترة من الوقت بعد الانقلاب، صديقاً لإحدى بنات بايفا؛ وبالتالي فالفيلم ليس مجرد عمل تكريمي وتذكير سياسي، بل أيضاً عودة إلى مراهقته وحساب لماضيه. إنه عملٌ مصنوع بشكلٍ جميل. النصف ساعة الأولى (بينما كانت الأسرة لا تزال معاً وتعيش الحياة على أكمل وجه)، مصوَّرة بكاميرا حيوية دائمة الحركة، على خلفية موسيقى البوب ​​البرازيلية في ذلك الوقت؛ بينما بعد اختفاء روبنز، اختفى أيضاً الضوء الساطع والموسيقى والحركة. تعمل جميع عناصر هذه التحفة الفنية على التعبير عن المأساة العميقة لما حدث لروبنز وعائلته والبرازيل.

بعيداً من مشابهات الوحشية والصلف المعهودة في كل نظامٍ قمعي – كما نعرفها ونألفها في منطقتنا - ما يلفت الانتباه كثيراً في الفيلم هو العدد اللامتناهي لمسؤولي النظام المتعاونين الذين ارتكبوا انتهاكات ضد الرجال والنساء والأطفال بلا مبالاة وبضمير حيّ. كأنهم بمثابة تذكير بأن الكثير منهم ومَن على شاكلتهم يعيشون بيننا، أولئك الذين لم يفعلوا سوى القليل لإخفاء هويّتهم على مدى الأشهر الـ16 الأخرة منذ بدء المذبحة الإسرائيلية-الأميركية بحق الفلسطينيين.

إنهم الساسة الذين يحرّفون اللغة والقانون الدولي عبر وصفهم العقاب الجماعي لشعب غزة من خلال القصف الشامل والتجويع - وهي جرائم ضد الإنسانية - بأنها "دفاع عن النفس". إنهم ضبّاط الشرطة الأوروبيون الذين يداهمون منازل الناس، ويحتجزون ويعتقلون الصحافيين المستقلين ونشطاء حقوق الإنسان، بما في ذلك اليهود، بسبب احتجاجهم على المذبحة في غزة. إنهم الصحافيون المؤسّسون الذين يتظاهرون بأن المذبحة التي لحقت بشعب غزة ليست سوى قصة إخبارية روتينية أخرى، أقل أهمية من وفاة ممثل مسنّ، أو نتيجة مباراة مهمة في لعبة جماهيرية.

وأكثر من أي شيء آخر، هم جيش من الناس العاديين على وسائل التواصل الاجتماعي، يسخرون من عائلات وذوي أطفال فلسطينيين مزّقتهم قنابل قصف إسرائيلي زودتّها بها الولايات المتحدة؛ يردّدون مزاعم لا نهاية لها عن "غزة وود"، وكأن تدمير المنطقة الصغيرة، الممكن رؤيتها من الفضاء الخارجي، خيالٌ محض وأن الضحايا الوحيدين هم مقاتلو حماس؛ يدافعون عن اختطاف مئات الأطباء والممرضات من مستشفيات غزة ونقلهم إلى "معسكرات اعتقال" حيث يعدّ التعذيب والانتهاك الجنسي والاغتصاب إجراءً قانونياً مشروعاً؛ يبرّرون تدمير مستشفيات غزة وترك الأطفال الخدّج والنساء الحوامل والمرضى وكبار السنّ ليموتوا، على أساس مزاعم إسرائيلية لا أساس لها من الصحة تخدم فقط أكاذيبها بأن كل مستشفى "مركز قيادة وسيطرة" لحماس؛ يشجّعون محو الفيلم الوثائقي الوحيد عن غزة الذي يضفي طابعاً إنسانياً على أطفالها لأن والد الراوي البالغ من العمر 13 عاماً عالمٌ معيّن من قبل حكومة حماس للإشراف على ما كان قطاعها الزراعي قبل أن تدمّر إسرائيل كل نباتات القطاع.

هؤلاء الناس يعيشون بيننا. ويزدادون ثقة يوما بعد يوم. وفي يوم من الأيام، إذا لم نقاومهم الآن، فسيضعون غطاءً على رؤوسنا ليأخذونا إلى مكان سرّي. سيجلسون أمامنا، ويطرحون علينا الأسئلة نفسها مراراً وتكراراً، ويجعلوننا نتصفّح ألبومات الصور للعثور على وجوهٍ نعرفها، وأشخاص يمكننا الإبلاغ عنهم. سيقودوننا إلى زنازين قذرة، حيث يوجد رفّ صلب للنوم، ولا بطانية لتدفئتنا، ولا فرصة للاستحمام، وحفرة في الأرض للمرحاض، ووجبة واحدة لتغذيتنا طوال اليوم. سيرافقوننا بصمتٍ عبر ممرّات مظلمة طويلة إلى غرفة حيث ينتظروننا. سيكون هناك كرسي في وسط غرفة فارغة. سيومئون لنا بالجلوس. وبعد ذلك سيبدأ الأمر.

 

المدن الإلكترونية في

09.04.2025

 
 
 
 
 

Mickey 17.. بعد الأوسكار..ما يقع إلا الشاطر!

القاهرة -عصام زكريا*

إذا كانت هوية الإنسان عبارة عن ذاكرة، وكان من الممكن تخزينها على شريحة إلكترونية، وإذا كان الجسد يمكن استنساخه بالمواصفات نفسها، لعمل نسخة مطابقة للمرء، فما الذي يمنع الإنسان من أن يتكرر، بالجسد نفسه والذاكرة نفسها، عقب موته؟

هذه هي الفرضية التي ينبني عليها فيلم Mickey 17، تأليف وإخراج بونج جون هو، الكوري الذي أقام الدنيا منذ 6 سنوات بفيلمه Parasite الذي حصد الأوسكار وعشرات الجوائز الدولية الكبرى.

في Mickey 17، يعود بونج جون هو إلى نوعه الفني المفضل، وهو قصص الخيال العلمي التي تدور في عالم مستقبلي خيالي، لكنه صورة مضخمة ومبالغ فيها للواقع الاقتصادي والسياسي، ولعلاقات السلطة والخضوع على مستوى الأفراد والطبقات، كما فعل من قبل في فيلم ومسلسل Snowpiercer وفيلم Okja.

يستقي Mickey 17 فرضياته من العملين السابقين، من Snowpiercer فكرة اتحاد العلماء والأثرياء للنجاة في حالة دمار كوكب الأرض، باختراع قطار لا يتوقف أبدا يستقله الناجون، وهي الفكرة التي عالجها أيضا في Parasite، ولكن بشكل أكثر واقعية، من خلال الأنفاق المضادة للقنابل النووية التي يبنيها الأثرياء تحسبا لأي حرب محتملة. في "ميكي 17" تتمثل النجاة في الهرب إلى كوكب جليدي اسمه "نيفهايم" تقوم باحتلاله بعثة شركة عملاقة يرأسها رجل أعمال وسياسي يشبه ويتحدث مثل دونالد ترمب

الفكرة الثانية هي الاستنساخ والكائنات المخلقة بالهندسة الوراثية التي سبق أن عالجها جون هو في فيلم Okja، والتداعيات الأخلاقية والبيئية التي يمكن أن تنتج عن هذه التجارب.

الخيال العلمي في أعمال جون هو، إذن، لا يتعلق بالآلات أو الذكاء الاصطناعي أو حروب الكواكب الأخرى، ولكنه يرتبط ارتباطا وثيقا بالإنسان والأنظمة الاجتماعية والأخلاقية التي تحكمه، وتحوله إما إلى مستغلٍ أو مستغلَ، إلى وحش أو كائن طفيلي.

سادة وعبيد في الفضاء البعيد

تدور أحداث Mickey 17 في 2050، حيث يستطيع العلماء تحقيق حلم السفر إلى الكواكب، ولكن هذا السفر يقتصر بالطبع على الأثرياء وأصحاب السلطة، والإشكالية دوما، كما في Snowpiercer وParasite، أن هؤلاء السادة يحتاجون إلى عبيد أو أناس يخدمونهم، ما يعني أن الصراع الطبقي لا يمكن حله أو القضاء عليه.

يبدأ Mickey 17 بشركة سفريات الكوكب الجديد تطلب موظفين وعمالاً في مهن مختلفة، ومن بين المتقدمين شابان هاربان من ديون رجال العصابات، يتقدم أحدهما لمهنة قائد سفينة، بينما الثاني، عديم الإمكانيات، بطلنا، ميكي بارنز (بأداء روبرت باتنسون)، يتقدم لمهنة لا يرغب فيها، ولم يتقدم إليها، أحد، وهي مهنة Expandable أي "مُستهلَك"، أو "قابل للتخلص منه"! وإذا كنت تعتقد أنها مهنة "خيالية" لا وجود لها في الواقع، فانتظر قليلا لتتأكد أنها حقيقية وموجودة في العالم بالفعل!

يعمل "ميكي"، حرفيا، كفأر تجارب معملية، يتم إرساله في مهمات على الكوكب الجديد يمكن أن يموت فيها، ثم يعاد طباعته، أي إعادة إحياءه، بالذاكرة نفسها، والجسد نفسه.

يبدأ الفيلم، على لسان ميكي، في نسخته السابعة عشر، يروي قصته منذ البداية، ولكن عندما يتم إرسال النسخة الـ17 منه لتموت بواسطة حيوانات غريبة "زاحفة"، يعتقد خطأ أنه مات، فيتم عمل النسخة 18 منه، وعندما ينجو من الموت على أيدي سكان الكوكب "الزواحف"، يعود ليكتشف وجود نسخة أخرى منه، الثامنة عشر، لتبدأ الفوضى.

لقد أصدر رئيس البعثة والشركة كينيث مارشال (مارك روفالو) قرارا بأنه في حال وجود مستنسخين يتم قتلهم كلهم.. وهكذا يجد ميكي وميكي نفسيهما مهددين بالموت، قبل أن تدق طبول الحرب بين البشر والزواحف بسبب قيام علماء البعثة بخطف "زحلوف" صغير لإجراء التجارب عليه.

مرة أخرى، وكما في معظم أعماله، يلقي جون هو تلك النظرة الحادة لعالمنا الرأسمالي المعاصر، القائم على العبودية تحت مسميات مختلفة، والذي يتغذى على، ويتسلى بالقتل، مثلما كان يفعل الرومان بالعبيد.

عبر الفيلم نسمع عن سفاح يقتل المشردين، ومرابي يحصل مستحقاته بقتل المديونين بالبطئ بنزع أعضائهم، بجانب العلماء الذين يرسلون ميكي إلى الموت مرة تلو الأخرى.

إن مهنة "المُستهلَك" التي يعمل بها ميكي ليست خيالاً محضا. كان الرومان يخطفون العبيد، ويجعلونهم يتقاتلون ضد بعضهم البعض حتى الموت، لمجرد التسلية. وفي العصر الحديث كان يتم إرسال المجرمين المحكومين في مهمات مميتة خلال الحروب، ولعل آخر استخدام لهذه الفكرة تم في حرائق أميركا الأخيرة.

الأمثلة كثيرة حولنا، ولعل وجودها الغامض هو أحد أسباب نجاح سلسلة أفلام The Expandable التي تجمع أبطال الأكشن السابقين ليشاركوا في بعض المهمات الانتحارية على طريقة المصارعين الرومانيين القدامى.

تعليقات سياسية

كما في أعماله السابقة أيضا يفحص جون هو العلاقة بين الرأسمالية والفاشية، كيف تؤدي الأولى إلى الثانية بالضرورة، وتعززها، كيف يتم التعامل مع المهاجرين والفقراء؟ وكيف يتم قمع الرأي المختلف، ومن خلال أداء مارك روفالو الساخر الذي يقلد فيه الرئيس ترمب، يحمل الفيلم إحالات لا تخفى على أحد عن عالم اليوم.

ولكن الحقيقة أن الفيلم ليس مجرد تعليق على السياسات الحالية لترمب، بقدر ما هو تعليق على النظام بشكل عام، بدليل أن الرواية التي اقتبس منها الفيلم  للكاتب إدوارد أشتون صدرت قبل أكثر من 10 سنوات، كما أن الفيلم نفسه تأخر تنفيذه، وكان يفترض أن يعرض العام الماضي قبل الانتخابات الأميركية.

يغلف جون هو فيلمه بحسه الساخر المميز، الذي استخدمه بنجاح فائق في Parasite، ولكنه هنا أغرب مذاقاً، وصادم أو مقزز في بعض الأحيان.. ما يؤدي إلى عكس الهدف منه.

بناء غير متماسك

يبلغ زمن Mickey 17 حوالي ساعتين وربع الساعة، وهو زمن ليس طويلاً نسبياً، ولكن يبدو أطول على الشاشة بسبب بعض البناء غير المتماسك والخلل الإيقاعي في منتصف الفيلم

هناك خطوط درامية كثيرة كان يمكن الاستغناء عن بعضها مثل أسباب هرب البطل من كوكب الأرض الذي كان يمكن الاستغناء عنها، والخط الجنسي المرتبك بين ميكي ونسخته وصديقته وضابطة الأمن التي تحاول إغواءه، بينما كانت بعض الخطوط تحتاج إلى مزيد من الإشباع، مثل الرسم السيكولوجي للبطل الذي يذهب ويعود من الموت، ومثل حبيبة البطل ناشا (ناوومي آكي) التي كان يمكن رسمها واستغلال شخصيتها بشكل إنساني أعمق مما ظهر على الشاشة، ومثل خط السكان الأصليين للكوكب، وصراعهم ضد الغزاة البشريين المستعمرين.

لقد تكلف الفيلم 180 مليون دولاراً، حسب المعلومات المنشورة، وهو رقم فلكي مقارنة بأعمال المخرج السابقة، قليلة التكلفة، ولكن الفيلم دليل آخر على أن المال وحده لا يكفي لصنع فيلم عظيم، بل أحياناً ما يربك العملية الإبداعية ويشتتها، كما في Mickey 17.. إذ يبدو أن بعض الشخصيات والخطوط والمشاهد وضعت لمغازلة جيوب الجمهور.

وللأسف مني الفيلم الذي بدأ عرضه الشهر الماضي بفشل في شباك التذاكر، وقد ذكرني الفيلم، لأسباب كثيرة، منها موضوعه، وطموحه الفني، وحسه الكوميدي الغريب، وميزانيته الضخمة، وفشله الذريع بأحدث أفلام العملاق فرانسيس فورد كوبولا Megalopolis. 

هذان فيلمان يحزن المرء على سقوطهما، ولكن، كما يقول المثل المصري المعروف: ما يقع إلا الشاطر!

* ناقد فني

 

الشرق نيوز السعودية في

10.04.2025

 
 
 
 
 

أفلام كبيرة لم تحقق شيئ

جوائز الأوسكار.. تقليد سينمائي عريق لكنه مثير للجدل

البلاد/ طارق البحار

تُعد جوائز الأوسكار من أبرز الأحداث السينمائية في العالم، حيث يقوم أعضاء أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة سنويًا بترشيح وتكريم الأفلام الروائية الطويلة في عدد من الفئات. ومع ذلك، لا تخلو هذه الجوائز من الجدل والانتقادات. فرغم مكانتها الرفيعة، تُظهر جوائز الأوسكار في كثير من الأحيان نوعًا من الانحياز وتمنح شعورًا زائفًا بالموضوعية، وكأن الأفلام الفائزة هي الأفضل بلا منازع. إلا أن الواقع يشير إلى أن هذه الجوائز ما هي إلا انعكاس لآراء مجموعة محدودة ومتحيزة من نخبة هوليوود.

وبينما تبقى الأوسكار لحظة ممتعة ومهمة لعشاق السينما، إلا أنها لا تستطيع، بطبيعتها، تكريم جميع الأعمال التي تستحق التقدير.

Groundhog Day

ليس هناك من ينكر أن فيلم "Groundhog Day" لعام 1993 هو أحد أعظم الأفلام الكوميدية التي تم إنتاجها على الإطلاق، وشهادة على قوة الشراكة الإبداعية بين بيل موراي وهارولد راميس. تم التخطيط لكل لحظة من القصة المتكررة إلى ما لا نهاية بشق الأنفس، حيث كان على موراي أن يعاني حقا من أجل فنه في موقع التصوير من أجل إحياء بعض أكثر مشاهدها التي لا تنسى.

على الرغم من كل هذا، تم تجاهل "Groundhog Day" تماما من قبل الأكاديمية لحفل توزيع جوائز الأوسكار ال 66 في عام 1994. بالتأكيد ، ربما كان أفضل فيلم صعبا بالنظر إلى أن "قائمة شندلر" صدرت في نفس العام وسادت في سبع فئات من أصل 12 تم ترشيحها لها - لكن أداء موراي بصفته رجل الطقس الساخر كونورز لا يقل قوة عن الدور الدرامي الحائز على جائزة أفضل ممثل لتوم هانكس في فيلم "فيلادلفيا".

في هذا الصدد، ليس هناك أيضا من ينكر عبقرية سيناريو داني روبن وراميس، الذي يفتخر بواحد من أكثر المفاهيم الأصلية التي تم ابتكارها للشاشة (حتى لو تكررت نفسها إلى ما لا نهاية منذ ذلك الحين) وتستحق نفس القدر من الثناء مثل سيناريو جين كامبيون الفائز عن فيلم "البيانو". يمكن القول إن "Groundhog Day" هو مجرد مثال واحد من العديد من الأمثلة على عدم أخذ الأكاديمية الكوميديا على محمل الجد على حساب الجوائز نفسها.

A Clockwork Orange

من إخراج المخرج الأسطوري ستانلي كوبريك، هو عمل فني مزعج مع شيء من الإرث المثير للجدل. يروي قصة مجرم مختل (مالكولم ماكدويل) حيث يتم إجباره على القيام بإجراءات نفسية تجريبية تهدف إلى إعادة تأهيله.

تم ترشيح فيلم "A Clockwork Orange" في أربع فئات فقط في حفل توزيع جوائز الأوسكار الرابع والأربعين في عام 1972 ، وتجاوزته العديد من الأفلام ، بما في ذلك "Fiddler on the Roof" و "The Last Picture Show" و "The French Connection". الفيلم الأخير (من إخراج ويليام فريدكين وكتبه إرنست تيديمان) قضى بمفرده على فرص "Clockwork" في الفوز بجائزة أفضل فيلم أو أفضل مخرج أو أفضل سيناريو مقتبس أو أفضل تحرير فيلم.

ماكدويل، الذي كان يجب أن يتم ترشيحه على الأقل لأدائه الذي يحدد مسيرته المهنية باعتباره السيكوباتي أليكس ديلارج، تم تجاهله تماما من قبل ناخبي الأكاديمية.

لو كان في نزاع، فمن المحتمل جدا أن ماكدويل كان لا يزال قد تم تجاوزه لأفضل ممثل في دور قيادي لصالح جين هاكمان، الذي فاز في ذلك العام عن لعب دور المحقق جيمي "بوباي" دويل في The French Connection

Taxi Driver

بحلول عام 1977، لم تكن الأكاديمية لا تزال ”مركزة“ جدا على الأبطال القتلة المضطربين بعنف، على ما يبدو. في العام السابق لحفل توزيع جوائز الأوسكار التاسع والأربعين، صنع مارتن سكورسيزي فيلم "سائق الأجرة"، وهي مأساة جديدة عن أحد قدامى المحاربين في حرب فيتنام (روبرت دي نيرو) الذي يؤدي اغترابه عن المجتمع إلى مرض عقلي حاد ونوبات عنيفة صادمة.

في حفل توزيع جوائز الأوسكار التاسعة والأربعين ، حصل فيلم "Taxi Driver" على أربعة ترشيحات فقط، متعادلا مع الكوميديا الإيطالية "Seven Beauties" وطبعة جديدة من فيلم "A Star Is Born" عام 1976، متخلفة كثيرا عن الترشيحات العشرة التي تلقاها المرشحان الأوفر حظا "Rocky" و "Network".

تم ترشيح دي نيرو وشريكته في البطولة، جودي فوستر البالغة من العمر 12 عاما، لأفضل ممثل في بطولة رائدة وأفضل ممثلة مساعدة على التوالي عن أدائهما المشهود به مثل ترافيس بيكل وإيريس، وكلاهما خسر أمام (بيتر فينش وبياتريس مستقيم من فريق "Network" .

كما خسر فيلم "Taxi Driver" السباق على جائزة أفضل فيلم أمام فيلم "Rocky" لسيلفستر ستالون، بالإضافة إلى أفضل نتيجة أصلية لـ "The Omen". والجدير بالذكر أن سكورسيزي لم يتم ترشيحه في فئة أفضل مخرج، والتي فاز بها جون جي أفيلدسن عن فيلم ”روكي".

The Elephant Man

كان روبرت دي نيرو لا يزال المفضل لدى جوائز الأوسكار بفضل "The Godfather Part II" ، وكان تمثاله الثاني وشيكا - في النهاية على حساب فيلم آخر لا يصدق أغفلته الأكاديمية. يعد فيلم "The Elephant Man" لديفيد لينش أحد أفضل أعمال المخرج الراحل والأسطوري، حيث يروي قصة مؤثرة للغاية عن الوحدة والإنسانية بطريقة لا يستطيع سوى لينش القيام بها.

في حفل توزيع جوائز الأوسكار الثالث والخمسين في عام 1981، كان فيلم "The Elephant Man" في الواقع أحد المرشحين الأوفر حظا الذين توجهوا إلى الاحتفالات بثمانية ترشيحات - تعادل فقط مع فيلم "Raging Bull" لمارتن سكورسيزي، والذي قام ببطولته دي نيرو في دور الملاكم جيك لاموتا.

للأسف، حصل الفيلم الأخير على جائزة دي نيرو الثانية لأفضل ممثل (على جون هيرت من "The Elephant Man's") بالإضافة إلى جائزة أفضل تحرير فيلم.

ومع ذلك، كان الفائز الحقيقي في الليلة هو الدراما العائلية لروبرت ريدفورد "Ordinary People"، والذي تغلب على "The Elephant Man" في فئات أفضل مخرج وأفضل سيناريو مقتبس وأفضل فيلم.

كما خسر في فئتي أفضل إخراج فني وأفضل تصميم أزياء، بالإضافة إلى أفضل نتيجة أصلية إلى Fame.

The Thing

عدد قليل من الأفلام في أنواع الرعب أو الخيال العلمي مبدعة أو مؤثرة مثل ميزة المخلوق الأساسي لجون كاربنتر "The Thing". تم إصداره في عام 1982، وقام ببطولته كورت راسل كطيار طائرة هليكوبتر تقطعت به السبل في منشأة أبحاث في القطب الشمالي يتم ترهيبها من قبل أجنبي متغير الشكل.

على الرغم من أنه أصبح معترفا به منذ ذلك الحين على أنه أعجوبة سينمائية، إلا أن الفيلم كان في البداية إعلانا تجاريا لم يكن له تأثير يذكر، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى المنافسة مع فيلم "E.T. the Extraterrestrial" لستيفن سبيلبرغ.

ربما كما هو متوقع نظرا لأدائه المخيب للآمال في شباك التذاكر، لم يحظ فيلم "The Thing" بأي اهتمام تقريبا خلال موسم جوائز عام 1983. لم تحصل إلا على إيماءتين من أكاديمية الخيال العلمي والخيال وأفلام الرعب بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي يشار إليها عادة باسم جوائز Jupiter.

كان من الممكن أن يتنافس في حفل توزيع جوائز الأوسكار الخامس والخمسين، لكنه لم يتم ترشيحه في أي فئة، بما في ذلك تلك الخاصة بالماكياج والمؤثرات البصرية. من المحتمل أن يكون هذا الازدراء أيضا نتيجة لشعبية "ET"، والتي تم ترشيحها، بالمناسبة في تسع فئات بما في ذلك أفضل فيلم.

A Few Good Men

عندما بدأ آرون سوكين في كتابة مسرحية "A Few Good Men"، ربما لم يتخيل أنه سيتم تكييفها في النهاية في واحدة من أفضل أفلام الإثارة القانونية في تاريخ السينما. بطولة توم كروز وجاك نيكلسون كامل الإمالة كجنود أميركيين على جانبي قضية قضائية، يذكر الفيلم بمؤامرة رائعة وشخصياته الخارقة وحواره الحاد. حصل على إشادة واسعة النطاق، ويعتبر حاليا نقطة عالية في مهن كل من كروز ونيكلسون.

ومع ذلك، لم يحظ فيلم "A Few Good Men" إلا بالقليل من الاهتمام من الأكاديمية. تم تجاوز كل من سوركين وكروز والمخرج روب راينر بالكامل في عملية الترشيح. سيطر على الحفل نفسه إلى حد كبير فيلم كلينت إيستوود الغربي الانتقامي "Unforgiven"، والذي تم ترشيحه لتسع جوائز وحصل على أربع جوائز. من بينها أفضل فيلم ، وأفضل تحرير فيلم، وأفضل ممثل مساعد، وفازت جميعها بجائزة "A Few Good Men".

تم ترشيح فيلم "A Few Good Men" أيضا لأفضل صوت، لكنه خسر هذه الجائزة أيضا أمام "The Last of the Mohicans" لمايكل مان.

Chaplin

مثل A Few Good Men، تم تجاهل فيلم "Chaplin" عام 1992 إلى حد كبير من قبل الأكاديمية في حفل توزيع جوائز الأوسكار الخامس والستين - ربما بشكل صارخ في حالة نجمها روبرت داوني جونيور.

في ذلك الوقت، كان داوني بعيدا عن المزيج النادر من النجم الرائج والموهبة المرموقة التي كان عليها عندما فاز بأول تمثال له للعب دور لويس شتراوس في ملحمة كريستوفر نولان التاريخية لعام 2023 "أوبنهايمر". في الواقع كانت مشاركته في الفيلم كافية لسحب عشرات الملايين من الدولارات من التمويل، مما أدى تقريبا إلى إلغاء فيلم "شابلن" تماما.

بمجرد أن وجد المنتجون المال، سحبوا داوني كل المحطات وقدم أداء يستحق ترشيحه الأول - وحتى كتابة هذا التقرير فقط - لأفضل ممثل.

لسوء الحظ، لم يكن لدى نجم "الرجل الحديدي" المستقبلي كلينت إيستوود للتنافس معه فحسب، بل كان لدى آل باتشينو، الذي حصل في النهاية على الجائزة المذكورة أعلاه عن أدائه في فيلم "Scent of a Woman".

خسر "شابلن" أيضا في أفضل إخراج فني إلى "هواردز إند" وأفضل نتيجة أصلية لفيلم الرسوم المتحركة الموسيقي "علاء الدين" لديزني الموسيقية.

 

البلاد البحرينية في

13.04.2025

 
 
 
 
 

فيلم «لا أرض أخرى»: حكاية الجرح الفلسطيني في مرآة العالم

مروة صلاح متولي

كان خبراً ساراً أن يفوز فيلم «لا أرض أخرى» بجائزة الأوسكار كأفضل فيلم وثائقي عام 2025، بعد أن حاز من قبل عدة جوائز أخرى في مهرجانات سينمائية أوروبية وعالمية مهمة، ألقت هذه الجوائز، وعلى رأسها جائزة الأوسكار المزيد من الضوء على الفيلم، ودفعت الكثيرين إلى مشاهدته، وتجدد عرضه في بعض دور السينما حول العالم، والقنوات التلفزيونية في أوروبا ومنصات المشاهدة الدولية.

المعروف أن الفيلم إنتاج فلسطيني نرويجي مشترك، وأنه من صنع الفلسطينيين باسل عدرا وحمدان بلال، والإسرائيليين يوفال أبراهام وراشيل تسور، لكن مع البدء في المشاهدة قد يفاجأ البعض بحضور يوفال أبراهام داخل الفيلم، وبأن هذا الحضور ليس مؤقتاً، بل هو أساسي ومستمر حتى النهاية، وهكذا نكون أمام الثنائي باسل ويوفال، الفلسطيني والإسرائيلي. قد ينزعج المرء ويصيبه التوتر أو على الأقل يحتاج إلى بعض الوقت حتى يتفهم وجود شخص إسرائيلي في فيلم مهمته أن يضع في وجه العالم لمحات من المأساة الهائلة، مأساة فلسطين التي صنعتها أيادي الغدر والاستقواء والمخططات الشيطانية طويلة الأمد، ويغذيها التواطؤ المستمر مع الاحتلال الصهيوني.

أمام حضور يوفال أبراهام يتوقف المرء ويراقب بتحفظ، من الفيلم نعرف أنه صحافي إسرائيلي يشارك الفلسطيني باسل عدرا في تسجيل وتوثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي، يوثق باسل بالكاميرا، وبالقلم يكتب يوفال عما يراه ويعاينه بنفسه من جرائم ترتكب في حق أهل منطقة «مسافر يطا» في الضفة الغربية، ويحاول أن يوصل صوتهم إلى العالم.

باسل ويوفال.. الكاميرا والقلم

قد يبدو الأمر بالنسبة للبعض غريباً وغير منطقي، أو متناقضاً على أقل تقدير، ولا شك في أنه قد تراود بعض المشاهدين أفكار التجسس أو ما شابه. في مسافر يطا وبصحبة باسل يذهب يوفال إلى عائلة باسل وأهالي قريته، وينتمي باسل عدرا إلى عائلة من الناشطين، اعتقل والده عدة مرات، ونرى إحدى هذه المرات خلال الفيلم، يقدم يوفال نفسه إلى أحدهم بأنه صحافي من بئر سبع يريد تغطية الأحداث، فيظن الرجل الفلسطيني أنه من عرب 48، لكن يوفال يخبره باسمه ويقول له إنه يهودي. نمضي في متابعة أحداث الفيلم ونحن نتوقع صداماً أو تطوراً دراماتيكياً قد يقع عند اجتماع الإسرائيلي مع الفلسطينيين، يقدم الإسرائيلي نفسه إلى الفلسطينيين بحذر كصحافي يهودي متعاطف مع قضيتهم، ويريد أن يكتب عنها، يستمع إليه الفلسطينيون بحذر أيضاً ولا يرفضون أي وسيلة، أو أي محاولة لإيصال صوتهم ونقل صورتهم، لعل وعسى أن يتوقف ما يتعرضون له من ظلم وعدوان، حتى إن كان ذلك على يد من ينتمي إلى الظالمين والمعتدين. يدخل يوفال إلى بيوت الفلسطينيين ويقدمون إليه القهوة بالزنجبيل، ويجرون معه حديثاً يختلف بكل تأكيد عن أي حديث آخر طبيعي، فإن تحفظ اللسان وركزت الكلمات على ما يهم آنياً، وما يسعون لإيقافه بأي طريقة، نرى العيون تردد في صمت آلاف الكلمات، وتروي تاريخاً طويلاً من العداء، وتسرد فصولاً من مأساة لا تزال تستعر ويزداد جحيمها.

يقول أحدهم إلى يوفال: «إنتوا اليهود، إحنا بنعمر وإنتوا بتهدموا»، ويسأله آخر عن أهم شيء في نظره هل هناك قراء لما يكتبه؟ فيجيبه يوفال بأنهم ليسوا كثيرين، ورغم ذلك يوافق الفلسطيني أن ينضم يوفال إلى باسل في تسجيل وتوثيق مأساة مسافر يطا.

لا تخفى المتعة الجمالية للمكان التي يمدنا بها الفيلم، رغم المأساة والدمار والهدم، يأخذنا هذا العمل إلى قلب فلسطين، ويرينا جزءاً من أرضها الجميلة وطبيعتها الرائعة ذات الطابع المميز الفريد، يأخذنا إلى مسافر يطا وما تشكله من مجموعة قرى يسكنها شعبها القديم الذي هو أصل تلك الأرض، يعرفها جيداً ويتناغم مع هضابها وسهولها وكهوفها التاريخية الأثرية ويتشبث بجذوره فيها حتى النهاية. يرعى أهل مسافر يطا الأغنام في منطقتهم منذ قديم الزمان، ولا يزالون يحافظون على هذا التقليد، حتى باسل عدرا نرى مشهداً مسجلاً له في طفولته، يتحدث إلى الكاميرا ويقول إنه معتاد على أن يرعى الأغنام في كل يوم. في أحضان الطبيعة البكر تمتد تلك الأرض المدهشة كصفحة من سفر الزمان، تتعانق هضابها المهيبة مع السماء كأنها تحرس الزمن القديم، تتناثر الكهوف بين جنباتها شاهدة على قصص الأجداد وتاريخهم المحفور في الصخر كوشم أبدي لا يزول. تنساب المراعي الخضراء على سفوحها كبساط من حرير، ترعى فيها قطعان الأغنام في سكينة تصوغ من صمتها أنشودة سلام ووئام بين الإنسان والطبيعة، تلك الأرض بسكونها الجليل وجمالها الأخاذ ليست مجرد مكان يستبدل، إنها الأرض التي لا أرض سواها.

يصف باسل عدرا علاقته بالكاميرا ويحكي عن أول كاميرا اقتناها أبوه، وكيف غيرت حياته، وصار يستخدمها في توثيق كل ما يجري من حوله، باسل عدرا ذلك الشاب الفلسطيني ابن مسافر يطا المنتمي إلى المكان أصلاً وجذوراً ووجداناً، الحاصل على إجازة في الحقوق، لكنه لا يمارس المحاماة، أو أيا من المهن القانونية الأخرى، لأنه كما يروي ليوفال في حديث ثنائي بينهما، لا يمكنه العمل في إسرائيل إلا كعامل أو بنّاء، لهذا نرى باسل في الفيلم يعمل على توثيق مأساة بلدته، التي هي جزء من القضية الفلسطينية بشكل عام، ويعمل في محطة البنزين الصغيرة للغاية التي أنشأها والده جوار بيتهم. يخوض المتفرج مع باسل عدرا رحلة التوثيق ويراه يضرب بعنف شديد على أيدي جنود الاحتلال الصهيوني.

بالإضافة إلى الجانب التسجيلي في فيلم هو وثائقي بالأساس، يوجد جانب آخر يختلف عن المشاهد الحية، وما تلتقطه الكاميرا من أحداث لحظية، ذلك الجانب أو الخط الآخر يمثله بطلا الفيلم باسل ويوفال، وما يدور بينهما من أحاديث ثنائية هادئة. تأتي تلك الأحاديث الثنائية كفواصل أو كاستراحات مهمة بين الأحداث المضطرمة، هي وقفات تأملية تجري في سكون الليل عادة، يدور فيها حديث بين اثنين كان من المفترض أن يكونا أعداء بطبيعة الحال، لكنهما ونظراً لموقف يوفال أبراهام الأخلاقي والإنساني نراهما معاً كزميلين يتعاونان معاً من أجل هدف واحد وإنتاج عمل مشترك. لا تذهب تلك الأحاديث إلى لب المشكلة وأصل المأساة وهو احتلال فلسطين منذ بدايته، وإنما تبحث في إمكانية إقامة شيء من العدل تحت ظل الاحتلال القائم كأمر واقع، وتوفير بعض الحقوق للفلسطينيين، وإيقاف عمليات التهجير والاقتلاع من الجذور الدائبة والمستمرة منذ عقود، حيث لا يتوقف النهم الإسرائيلي لابتلاع الأراضي الفلسطينية والتهامها قطعة تلو الأخرى، وإن كانت منطقة هادئة وادعة مسالمة كمنطقة مسافر يطا، لها طبيعتها الخاصة وسكانها وأهلها القدامى التي تناغمت طبيعتهم مع طبيعة تلك الأرض، وانطبعت تفاصيلها في تكوين شخصياتهم ووجدانهم.

من الأخضر إلى النار

تلك المنطقة التي يسودها الهدوء والتأمل، وتمثل بيئة خصبة لرعي الأغنام، بما في ذلك من صفاء وسكينة وامتزاج بالطبيعة، تأبى قوة الاحتلال الصهيوني إلا أن تحولها إلى منطقة تدريبات عسكرية، وأن تحول مسافر يطا إلى النقيض تماماً لما هي عليه، فتصير بؤرة من بؤر الشر، وتصبح بيئة جهنمية للتمرن على القتل وسفك الدماء والإبادة الجماعية، واغتصاب الأرض بوحشية لا مثيل لها، ونفي مظاهر الحياة وتحويل ما يتبقى منها إلى جحيم.

يبرز الفيلم هذا التناقض الكبير بين ما هي عليه مسافر يطا كنموذج للأرض الفلسطينية، وما يريد جيش الاحتلال الإسرائيلي أن يحولها إليه، بين ما يصنعه الفلسطينيون على الأرض وطريقة تعاملهم معها، وما يصنعه الإسرائيليون على الأرض وطريقة تعاملهم معها، وهو بكل بساطة الفرق بين خير فلسطين وشر إسرائيل، بين حق فلسطين وباطل إسرائيل.

في حوار من الحوارات الثنائية بين بطلي الفيلم، يوجه يوفال سؤالاً إلى باسل حول الزواج، هل يفكر فيه ومتى يتزوج؟ يجيب باسل بأن الأمر على درجة كبيرة من التعقيد، وأن المشكلة تتجاوز الوضع الاقتصادي، إلى الشعور العام بالأمان والاستقرار. وفي حوار آخر يتمنى يوفال أن يحظى باسل بحقوق تتساوى مع حقوقه وامتيازاته كإسرائيلي، أن تتساوى السيارات ذات اللوحات الصفراء والخضراء في حرية الحركة والتنقل، يتمنى يوفال أن يتمكن باسل من الذهاب لزيارته في بئر سبع، كما يستطيع يوفال أن يذهب بحرية كاملة إلى مسافر يطا. يقول يوفال في الفيلم إنه رفض الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال، وإنه قام بتعلم اللغة العربية، وأن اللغة العربية غيرت حياته. وفق المعلومات المتاحة حول يوفال أبراهام فإنه ينحدر من أصول يمنية، أي أن أجداده ينتمون إلى يهود اليمن، ما يعني أنهم كانوا يعيشون في وطن ولم يكونوا في حاجة إلى وطن آخر.

نرى من خلال الفيلم كيف ينخر الاحتلال الصهيوني في جسد مسافر يطا بدأب قاتل وبإيقاع بطيء مميت، ينتقل من منطقة إلى أخرى ومن منزل إلى آخر، يهدم ويقتلع كل عائلة بالتدريج، ويعيش الجميع في انتظار دوره، يُهدم البيت وتحاول الأسرة الفلسطينية إعادة البناء ليلاً في السر والخفاء، يجلب الرجال مواد البناء في جنح الظلام ويغطونها، يبنون وهم على يقين من الهدم المقبل لا محالة على يد أعداء الحياة والإنسانية، يشاركهم يوفال في البناء ويظهر في الفيلم بأيدي مغطاة بمواد البناء ويبدو الأمر غريباً.

من اللجوء إلى القضاء والمحاكم الإسرائيلية، إلى المظاهرات السلمية والاحتجاجات والنداءات عبر الصحافة والإعلام الدولي، والصدامات المباشرة مع الجيش الصهيوني، لم يترك أهالي مسافر يطا وسيلة للدفاع عن أرضهم، وفيلم «لا أرض أخرى» مثال على ذلك. يصور الفيلم عملية هدم المنازل واقتلاع الأسر بشيوخها ونسائها وأطفالها، وتركهم في العراء ليشاهدوا بأعينهم هدم بيوتهم وتدمير حياتهم ومحو ذكرياتهم. تقول سيدة فلسطينية إن من يذهب إلى منطقة بديلة ويوافق على التهجير يفقد حقه في أرض مسافر يطا إلى الأبد، لذا يكون القرار بالبقاء على أرض مسافر يطا، والتشبث بالجذور والرجوع إلى الأصل القديم، فيتخذون من كهوف مسافر يطا التاريخية بيوتاً يسكنونها كما سكنها أجدادهم القدامى من قبل في قديم الزمان، تدخل الكاميرا إلى الكهوف لنرى ويرى العالم بشراً يعيشون داخل كهوف في القرن الحادي والعشرين، لنرى ويرى العالم ما يدفعه الفلسطيني من ثمن في سبيل الحفاظ على الأرض والحق المقدس، لنرى ويرى العالم الحقيقة والواقع، وينظر كل منا إلى نفسه في مرآة الضمير والإنسانية ومسار حضارة البشر. نرى هارون الذي أطلق عليه الجنود الصهاينة الرصاص بوحشية عندما تصدى لهم بجسده الأعزل، فأصابوه بشلل تام في كامل الجسد، نراه رغم إصابته البالغة ينام على الأرض داخل كهف لا يوفر له أدنى شروط الرعاية الطبية، ونستمع إلى كلمات أمه، أم هارون، المشحونة بألم يفوق كل احتمال، يرحل هارون إلى عالم الشهداء في جنة الرحمن، وتبقى الأم وأهالي مسافر يطا يواجهون لعنة الاحتلال الإسرائيلي. قد يقول المشاهد عند نهاية الفيلم، كم هي قديمة وكبيرة ومعقدة مأساة فلسطين، فكل تفصيلة صغيرة من تفاصيل هذه المأساة هي في حد ذاتها مأساة كبرى.

كاتبة مصرية

 

القدس العربي اللندنية في

14.04.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004