منى درويش** |
الأمر يستدعي هنا وقفة للدفاع عن سينما الطفل العربية! فرغم مظاهر التكريم التي ضمت رموزًا عربية، مثل: الفنان سمير غانم الذي قدم أشهر شخصيات الأطفال (فطوطة)، والمخرجة الدكتورة زينب زمزم، والأديب محمود سالم، والكاتبة الكويتية كافية رمضان.. فالمشهد النهائي لمهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال كاد يغيب عنه العرب بما يشير إلى أزمة تتمثل في تضاؤل فرصة الطفل العربي في التمتع بسينما عربية تعكس العادات والتقاليد والتراث والقيم العربية، وكاد أن يقع فريسة التجارة بسينما الطفل. غياب عربي وحضور دولي أول ملاحظة على المهرجان في دورته الخامسة عشرة التي عقدت بين 4 و10 مارس الجاري غياب المشاركة العربية الفعالة ليغيب معها الدور الحقيقي للمهرجان كوسيلة للاحتكاك والمنافسة والتعرف على ما وصلت إليه البلاد العربية في فنون وسينما الأطفال. فقد شاركت مصر بعشرة أفلام، والكويت بفيلم واحد (ابن الرزاز)، وذلك في المسابقة الرسمية للمهرجان، وأيضا فلسطين بفيلم واحد (أنا ملاك) بالإضافة إلى مشاركة كل من سوريا ولبنان. وبينما ظل عدد الدول المشاركة في مهرجان هذا العام كما كان في العام الماضي؛ حيث بلغ 46 دولة.. فقد تراجع عدد أفلام الرسوم المتحركة لهذا العام مقارنة بالعام الماضي؛ حيث بلغت في العام الماضي 62 فيلما، بينما هذا العام يشارك 46 فيلما في مسابقتي المهرجان الرسمية. إلا أنه على الصعيد الدولي نجد أن إيران شاركت بأربعة أفلام سواء في مسابقة الرسوم المتحركة أو الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة بالمقارنة بالعام الماضي؛ حيث شاركت بفيلم واحد وهو فيلم روائي طويل، كما كانت المشاركة المتميزة للهند والصين وبولندا والمجر وفرنسا، وغابت مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في أفلام المسابقة، واقتصرت المشاركة الأمريكية في المهرجان على فيلم الافتتاح "مغامرات بو"، وهو من إنتاج شركة "والت ديزني" 2005، وتميز بالبساطة والفكاهة والدعوة إلى قبول الآخر والشجاعة والبعد عن الخوف. تراجع السينما العربية للأطفال المخرج زكريا عبد العال المخرج بالمركز القومي للسينما والذي حصل على عدة جوائز في الأعوام السابقة عن أعماله (شبر ونص، وصباح الخير يا جدو) بدا مستاء من دورة هذا العام، وقال: بالرغم من أن المهرجان يحتفل بمرور 15 عاما على بدايته فإننا في مصر والدول العربية لم نرقَ لمستوى المنافسة الحقيقية مع الإنتاج العالمي؛ بل نشهد تراجعا واضحا من حيث الكم والكيف في مجال سينما الأطفال. ويرى عبد العال أن أهم ما غلب على فعاليات المهرجانات السابقة سوء التنظيم وقلة عدد الأفلام التي تعرض للجمهور، بالإضافة إلى إلغاء بعض الندوات العامة، وانصراف الجمهور عن بعضها، والذي أرجعه البعض إلى عدم وجود جهات وأفكار جديدة من شأنها أن تجذب اهتمام جمهور المهرجان. كما كانت السمة الغالبة على هذه الندوات هي غياب القائمين على إنتاج أفلام الأطفال سواء من المنتجين أو فناني الرسوم المتحركة أو المخرجين، بالإضافة إلى كُتاب الطفل سواء من مصر أو الدول العربية. ورغم غياب العروض العربية أشاد زكريا بوجود أعمال من سوريا والإمارات وتونس والتي تعد خطوة جديدة في هذا المجال. خاصة أن المهرجان لم يخصص على غير المعتاد قسما لعرض الإنتاج الغربي في مجال سينما الأطفال. المخرجة المجرية "إيفا فيزار" اختلفت مع رأي المخرجين العرب الذي يُرجع سبب تراجع سينما الطفل العربية إلى عدم وجد تمويل، وقالت: الإنتاج والتمويل ليسا هما السبب الحقيقي وراء عدم قدرة الدول العربية ومصر تحديدا على المنافسة العالمية في مجال إنتاج سينما الأطفال، وإنما يرجع السبب في ذلك إلى عدم وجود سيناريوهات وكتاب يستطيعون تأليف أفلام للأطفال. وتساءلت المخرجة المجرية عن إغفالنا لاستخدام التراث العربي القديم الذي يضم العديد من القصص والأساطير والحكايات التي تصلح مصدرا لنجاح أي فيلم إذا ما اتسم بالمعالجة التي تتماشى مع خيال الطفل، وترى أن في الاستخدام الجيد لهذا التراث مخرجا لأزمة سينما الأطفال في عالمنا العربي. تجارة سينما الأطفال المخرجة المصرية فايزة حسين رأت أن من أسباب قلة عدد الأفلام المشاركة في المسابقة عدم توفير الدعاية اللازمة للمهرجان، وانخفاض القيمة المالية للجوائز التي يقدمها المهرجان للأفلام الفائزة بالمقارنة مع المهرجانات الدولية الأخرى. ففي هذه المهرجانات الدولية تقوم العديد من الشركات بعملية التسويق والدعاية للمهرجان في الخارج، بالإضافة إلى وجود رعاة للمهرجان؛ مما يكسبه الأهمية الدولية، وأيضا ارتفاع قيمة جوائزه المالية. وقالت: أفلام الأطفال هي في المقام الأول أفلام تجارية تهتم بالعائد المادي وراء إنتاج الفيلم، وهذا هو محور اهتمام المنتجين في العالم؛ لذلك فهم يسعون إلى عرض أفلامهم الجيدة في المهرجانات الدولية المميزة حتى يتسنى لهم تسويق هذه الأفلام؛ بل واستغلال أبطال الأفلام، وخاصة في مجال الرسوم المتحركة في مجال لعب الأطفال والهدايا، ووضع صور هذه الشخصيات على كل ما يستخدمه الطفل من حقائب وأقلام وغيرها... ويفسر ذلك حرص المنتجين على إنتاج أفلام للأسرة تناسب المرحلة العمرية من 8 سنوات إلى 14 عاما؛ لضمان الربح السريع، وهي تلك الأفلام التي يشاهدها الآباء والأبناء؛ أي الموجهة للكبار بنفس درجة توجهها للصغار، ومن أمثلة هذه الأفلام التي عرضت في مسابقة المهرجان: الفيلم الإيراني "وردة مريم"، والهندي "الجمل الأعمى"، والهولندي "إنجيل وبزوير". الصراع بطل الأفلام المشاركة "الصراع بين الخير والشر"، و"الصراع بين وجهات النظر المختلفة"، و"التأكيد على أهمية الحفاظ على البيئة من التلوث" أفكار قدمتها الأفلام المشاركة في المسابقات الرسمية لمهرجان القاهرة الخامس عشرة لسينما الأطفال، بالإضافة إلى أفلام التحريك التي تميزت بالحيوية وسرعة الإبداع واستخدام أساليب مبتكرة في التحريك ترقى إلى ما يعرف بالبعد الثالث. وبشكل عام يمكننا أن نميز بين نوعين أساسين من الأفلام التي عرضت بالمهرجان: النوع الأول فيه صراع بين أساليب التربية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين الكبار والأطفال وضرورة الحوار والمشاركة بين الآباء والأبناء، وهو ما رأيناه في فيلم "زهور مريم" الإيراني؛ حيث تتهم مريم بالسرقة في المدرسة، وتحاول جاهدة حتى تثبت براءتها، وكذلك الفيلم الهندي "تورا"، وكيف يدير الطفل "تورا" الصراع بين أسرتين على قطعة أرض، والفيلم الألماني "إنجيل وبروور"، وفيه يحاول الطفلان إنجيل وبروور إزالة الخلاف بين والديهما المطلقين والعودة إلى الحياة الأسرية الهادئة. أما القسم الثاني فهي أفلام يدور فيها الصراع بين الخير والشر بما فيها من مغامرات ومطاردات، مثل الفيلم الهندي "الجمل الأعمى" الذي يقوم فيه الابن سونو برعي الجمال في إحدى قرى الهند، وذلك بعد مرض والده، وتبتعد الجمال ليجد نفسه داخل الحدود الباكستانية، ويتعرض لمجموعة من المغامرات حتى يعود لبلده. وأيضا الفيلم الروائي الإيراني "طائر الكناري"، وفيه يحاول الطفل الفلسطيني فارس أن يوفر بيئة هادئة وآمنة لصديقه الوحيد طائر الكناري، حتى دفع حياته ثمنا لذلك عندما قام الجيش الإسرائيلي بقتله. وتتميز غالبية أفلام الرسوم المتحركة المشاركة في المسابقة بأن أحداثها تدور حول فكرة الصراع بين الخير والشر، وينتصر الخير في النهاية، وهذا النوع من الأفلام كثيرا ما ينال إعجاب الأطفال بينما يفضل الكبار أفلام صراع الأفكار والأساليب التربوية التي يدور فيها الصراع الداخلي وليس الخارجي. القضايا المختلفة لسينما الأطفال تميزت أفلام الرسوم المتحركة المشاركة في مسابقة المهرجان بالإنتاج الضخم، وتراوح مدة عرض الأفلام بين 70 إلى 100 دقيقة، بالإضافة إلى ما بها من عنصر الإبهار والتقنيات العالمية، مثل أفلام الكوري "الولد المطرقة"، والبولندي "سر زهرة الفيرن"، و"حبوبي والخيال المسروق" من لوكسمبرج، وتتنوع موضوعاتها بين المغامرات وعالم السحر والخيال والاهتمام بالبيئة وعدم تلوث المياه. أما أفلام الرسوم المتحركة القصيرة فقد تنوعت موضوعاتها بين علاقة الإنسان بالحيوان، مثل الفيلم الإيراني "هدهد" أو علاقته بالطبيعة كما في الفيلم البولندي "الشجرة الساحرة"، وظهرت أيضا فكرة التعرف على الآخر كما في الفيلم الفرنسي "هيا نلعب"، حيث يحكي الفيلم عن رحلة عبر شوارع العديد من المدن حول العالم للتعرف على أهم الألعاب التي يلعبها الأطفال في شوارع فرنسا وإيطاليا والجزائر والمغرب والبرازيل وتركيا وسوريا وأسبانيا وغيرها للتعرف على الثقافات المختلفة. ومما يلفت النظر أن معظم أفلام الدول المتقدمة في سينما الطفل تدور حول قضايا تربوية مثل ضرورة الحوار مع الآخر، والكبار والأطفال، وعدم فهم الكبار للأساليب السليمة للتعامل مع الأطفال، مثل الفيلم الألماني "فرقة بلايند فلاير"، والهولندي "إنجيل وبرويز"، والإيراني "زهور مريم"، بينما معظم موضوعات أفلام الدول النامية تدور حول قضايا اجتماعية، مثل الحفاظ على البيئة مثل الفيلم المصري "السفينة"، وحب الطبيعة مثل الفيلم الإيراني "طريق الحب". وقد تميزت الأفلام الروائية الطويلة بقوة الموضوع والحس الإنساني المرتفع، وتفوق الأداء التمثيلي وروعة الإخراج؛ وذلك بالمقارنة مع الأفلام القصيرة التي تميل أحيانا إلى أن تكون أفلامًا شبه تسجيلية. كما أقام المهرجان مجموعة من الاحتفاليات الخاصة بالسينما البولندية والروسية، وقدم عروضا لأفلام شركة جيوجرافيك الأمريكية ومجموعة حلقات مدبلجة عن حياة الحيوانات المتوحشة من إنتاج الشركة، هذا بالإضافة إلى ورش عمل للأطفال لتعليم الرسم والصلصال وسوق خيرية لمتحدي الإعاقة ومرضى السرطان والأيتام. ** صحفية مصرية. موقع "إسلام أنلاين" في 15 مارس 2005 |
المرأة في السينما الفقيرة معاناة وهموم ابداعية ناجح حسن تعد السينما العربية والافريقية رئة ثقافية لعشاق السينما يقبل عليها النقاد واجيال جديدة من المهتمين والدارسين الى جانب كل حريص على متابعة تطور الفن السابع وتقنياته وملامحه الفكرية التي ظلت المرأة محورا رئيسيا في اغلب اعمالها نتيجة لتركيزها على معاناتها وقضاياها وهمومها وارتباطها بالاوضاع الاجتماعية والتفرقة الطبقية والعنصرية، اضافة الى النظرة السائدة لها من جانب الرجل في مجتمع فقير وبائس او متخلف لا زال تحت وطأة الانفعالات من قيود اجتماعية وسياسية واقتصادية ربطه فيها ارث طويل من حقبة المستعمر. وكان من الواضح ان الجمهور المقبل بكثافة على متابعة تلك النتاجات يمثل شريحة لا بأس بها من الذين يمتلكون ذائقة سينمائية متمرسة على احتمال التنوع وتقبل التجارب السينمائية الخاصة بعيدا عن التيار التجاري السائد المهيمن على افلام السوق السينمائية في البلدان العربية. فكان من البدء واضحا الاهتمام الشديد بأفلام حققتها اكثر من امرأة مثل: المخرجة اللبنانية رندة الشهال الصباغ وفيلمها الذي حمل عنوان (طيارة ورقية) الذي تدور احداثه حول الصراع العربي الاسرائيلي في منطقة حدودية تعيش فيها عائلة عربية انقسم افرادها ما بين الاسلاك الشائكة وكفاحهم من أجل الحياة معا مهما عمل الاحتلال على التفريق بينهم، وهو عمل شديد التركيب كان قد حصل على شهرة مدوية قبل عام ويزيد عندما قطف جائزة لجنة تحكيم مهرجان فنسيا الدولي وجال في مهرجانات عربية ودولية كبرى ونال الكثير من الاعجاب والجدل. كما كشفت الفترة القريبة عن ميلاد جيل من السينمائيات العرب والافارقة وافلامهن الروائية والتسجيلية المتفاوتة الطول هي الاولى في رصيد مخرجاتها وقد عكسن بدرجات متفاوتة اختيارات ورؤى بتجاربهن المبتكرة نذكر منهن على سبيل المثال لا الحصر: المخرجة الانجولية ماريا جو واو وغاني في اول افلامها الروائية الطويلة في المدينة الفارغة وهي المولودة عام 1964م ونالت تعليمها السينمائي في فرنسا وفيه تحكي جوانب من الحرب التي تخيم بظلالها على احداثه ابان فترة الحرب الاهلية التي عصفت بانغولا في العام 1991م ولئن كان العمل لا ينتمي الى فئة أفلام الحرب فالمخرجة تقود المشاهد الى العاصمة لواندا تلك المدينة الواقعة تحت حظر التجول والتي تبدو هادئة وجنود في ملابسهم العسكرية يراقبون تنفيذ تعليمات حظر التجول مما يشير الى ان البلاد واقعة في حالة من عدم الاستقرار، ومن خلال عيني طفل يتيم قادم من بلدة اخرى كان والداه قد قتلا واحرق بيتهم مثلما حصل لبيوت افراد اخرين نقل الطفل وعدد من اخوانه اليتامى برفقة راهبة الى العاصمة على متن طائرة عسكرية محمل بجثث وتوابيت وجنود، احد هؤلاء الفتية هرب لمجرد ان حطت الطائرة بالمطار في رغبة منه للعودة الى بيته ليشاهد والديه وهما في السماء. تسير اغلبية احداث الفيلم لاحقا حول الطفل الذي انخرط في مدينة واسعة الارجاء ومختلفة عن بيئته التي عاش فيها، ويتميز سلوكه بالبساطة والبراءة والعفوية والدهشة في التعامل مع الاخرين وفيه تطرح المخرجة مأساة هؤلاء الاطفال المشردين دون توسل من المشاهد للشفقة بل كاشفة باحساس مرهف خالي من الادعاء عن قضية اساسية ملحة مؤلمة في نتائجها لفئة من الناس طحنتهم آلة الحرب ومزقت نسيجهم العائلي ومستقبلهم، ولئن كان العمل لا يخلو من نشدان التعاطف التلقائي مع شخصياته وفيه تشد المشاهد الى درجة الاستغراق التام في متابعة التحولات السياسية في منهج سمعي بصري متين باستخدام حركة الكاميرا والعلاقة بين الشخصية والمكان والتناقض بينهما. وقدمت المخرجة فاتتا ريجينا ناكرو من بوركينا فاسو فيلمها الروائي الطويل الاول «ليلة الحقيقة» الذي يطرح موضوعه اشكالية سياسية معقدة لثلاث نسوة سيطبعن بصمتهن على الاحداث وعلى تاريخ بلد وهمي في افريقيا السوداء تهزه نتائج حرب عرقية فظيعة مزقت اوصاله. هناك الزوجة سوماري الباحثة عن سلام مفقود، وزوجة رئيس البلد المصدومة من نتائج الحرب خصوصا بعملية الاغتيال التي تعرض لها ابناها. وامرأة هي ثمرة زواج مختلط وظهرن جميعا كممثلات ذات طاقات الداعية مؤمنات ومدافعات عن حرية المرأة وجاء العمل بمثابة اثراء للسينما الافريقية التي تبحث عن التنوع والمزيد من التفرد بخصوصيات فنية. تنجح فيه المخرجة في منح المشاهد الاحساس بالمشاعر المتبدلة في لحظة اندماج بطلاتها مع واقعهن المأساوي ومحاولاتهن الانطلاق به من جديد. وتستمد المخرجة اللبنانية الشابة دانيال عربيد حكاية باكورة اعمالها الروائية الطويلة من حكايات الصداقة التي تجمع ما بين فتاة مراهقة من عائلة ثرية وفتاة اخرى تعمل خادمة في منزلها تتطلعان الى علاقات عابرة مع اصدقاء في محيطهم الاجتماعي المثقل بألوان من الاحداث السياسية مما يدفع احداهن الى التستر على قصص الغرام السرية لصديقتها وفي الوقت نفسه تشهد تدهور حال والدها العنيف المغامر والمدمن على المغامرة، لا احد يولي اهتمامه بفتاة على عتبة المراهقة التي تجد نفسها في عالم الكبار دون ان تعي تلك الفواصل ما بين خيوط الخير والشر. ترسم عربيد بفلمها صورة جريئة عن حالات الضياع لفتيات بتعابير جمالية جالت فيها الكاميرا بشوارع وبيوت مما يطرح امام الفيلم اللبناني تحديات جديدة في الخروج من القوالب التقليدية. فيلم «رؤى حالمة» لمخرجته السورية واحة الراهب التي عرفها المتفرج العربي كممثلة في اكثر من عمل درامي قبل ان تطلق اول فيلم من اخراجها التي ارادت فيه ان تمارس تمردها كانساته وتطرح المزيد من الاسئلة حول المرأة المـظلومة والمهمشة التي تسعى بكل قوتها الى اثبات نفسها في ظل واقع صعب مثقل بارثه الاجتماعي والفكري، وفيه تجمع المخرجة بين قدراتها كمخرجة خلف الكاميرا وممثلة بالعمل ذاته في دور تتماوج فيه الاحاسيس بين الضحك والمأساة الى جانب حالات مختلفة تجمع ما بين البراءة والسذاجة والضعف والانكسار، ففكرة الفيلم ناشئة من شعور بالظلم تعيشه المرأة في مرحلة الحرب وتصوير حالة الانفصام التي يعيش فيها المجتمع ومدى ما تتخبط فيه افكار التحرر، والتخلف بين الادعاء بشعارات واهمة افرزتها ممارسات اجيال سابقة وجيل ضائع يسعى في طريق تحرير نفسه من الكوابيس والضياع، اضافة الى ضرورة تحرير المرأة من القمع الاجتماعي والسياسي. «الملجأ» لنادية تويجر واحد من الافلام التونسية القصيرة مدته (25) دقيقة كان قد عرض في عدد من المهرجانات ويمتاز باصالة التجربة وجمالية التناول خاصة ان الشريط هو العمل الاول لمخرجته وفيه تقدم مقاربة سوسيو ثقافية لحياة المقابر وتحديدا مقبرة تسمى «الجلاز» ابرزت فيه مسحة شعرية عالية وبساطة في المفردة السينمائية يصور الوجه الاخر للمقبرة التي تتوسط مدينة تونس من خلال يوميات شاب فشل في دراسته في مرحلة مبكرة فالتجأ الى المقبرة كملاذ للاطمئنان الروحي وكمورد للرزق اذ يبيع للزوار بضاعته البسيطة وينظف القبور ويتلو القرآن، ولفرط السكينة والهدوء الذي وجده في المقبرة صار لا يرغب بالعيش خارجها اذ بدت له مجاورة الموتى اجمل بكثير من العيش مع الاحياء الذين لا يرى فيهم سوى النفاق، والكذب والادعاء والانتهازية. فيلم «الملجأ» او الملاذ يبشر بميلاد مخرجة سيكون لها شأن لا يستهان به في قادم الايام لالتصاقها باحلام اولئك البسطاء وتفاصيل حياتهم البسيطة. وتجيء المخرجة السينمائية رحماتو كاتيا من النيجر بفيلمها التسجيلي القصير «آل ليسي» الذي يعيد الى الاذهان مسيرة واحدة من ابرز المبدعات السينمائيات بالنيجر «آل ليسي» التي لا زالت تعيش باحدى ضواحي نامي عاصمة النيجر في بيت مكون من غرفتين برفقة اطفالها الاربعة بلا ماء ولا كهرباء وكانت قد عملت مع كبار المخرجين مثل المخرج مصطفى السان وعمار وغاندا بالاضافة الى مخرجين من جنسيات اخرى مثل ادانوا هاليلو من نيجيريا او سارج حوالتي من فرنسا وتتساءل المخرجة بحرقة وألم عن مصير مثل هذه المبدعة التي بدا يطويها النسيان وهي التي عملت من اجل انطلاقة السينما في بلد افريقي مثل النيجر وبامكانيات بسيطة وتصميم وتحدي لامرأة يندر ان نعثر عليه في بلد اخر، عملت المخرجة كاتيا كل طاقتها في رد شيء من الاعتبار الى مشوار زميلتها في النهوض بالسينما داخل النيجر منذ زمن طويل. في فيلم «لليل» الذي يحمل توقيع المخرجة ايزابيل بوني كلافري القادمة من الكوت ديفوار نحن ازاء سؤال قاس عن الموت الذي يدع فرصة للحياة وعن المدى الذي تمتزج فيه الحياة بالموت بالولادة بالجنس في هذا العالم الممتد من الشمال الغني والجنوب الفقير وكيف تشعر الحياة فجأة من الموت كشعاع النور وهو يخترق السحب، «انه طريق امرأة تمر عبر الموت حتى تصل الى الحياة» بهذه الكلمات قدمت المخرجة كلافري فيلمها للجمهور الذي اتى لاكتشاف هذه السينما الافريقية، وبدورنا اكتشفنا رؤية المخرجة الشابة التي جعلت من الموت طريقا وان كان مليئا بالعوائق الى الحياة. وتحكي قصة الفيلم عن سفر امرأة شابة الى مدينة مرسيليا لحضور مراسم دفن والدتها التي لم تشاهدها منذ زمن طويل لكنها لم تتحمل طقوس عائلتها فهربت ليلا الى المدينة واصطحبت صديقا لها لتمضية الليل برفقته قبل ان يأتي ميلاد يوم جديد مليء بالحيوية والامل عوضا عن الالم والحزن وكآبة الفقد والوحدة والضياع في دروب المدينة. ابداعات المرأة العربية والافريقية في مجال الفن السابع من شأنه ان يكون جسرا تعبر فيه المرأة عن شخصيتها العربية والافريقية لما تكتنزه من موروث شعبي دفين مليء بالاسرار والحكايات المحملة بالثقافة ومشاعر وعواطف ومواقف متباينة على الرغم بما يحيط واقع تلك البلدان من تعقيدات وتحولات. الرأي الأردنية في 16 مارس 2005
|