«وحيد حامد» في حديث خاص لـ «البيان»: تمنيت أن يخرج عاطف الطيب «عمارة يعقوبيان» حوار: أسامة عسل |
وحيد حامد من المؤلفين السينمائيين الذين يتمتعون بقدرة هائلة على الالتصاق بقضايا المجتمع وهموم الانسان، إبداعاته تحقق الهدف وتصيبه على الدوام، فلا تغريه اساليب الاثارة أو ثقافة الابتذال، أول أعماله بدأت مع فيلم (طائر الليل الحزين) سنة 1977، وتواصلت أعماله في البحث عن العدالة ومواجهة السلطة والنفوذ، فشاهدنا له (الغول) سنة 1983، و(رجل لهذا الزمان) سنة 1986. وفي إطار محاولته لكشف انحرافات بعض كبار المسؤولين لا ننسى أعماله (اللعب مع الكبار) سنة 1991، و(الارهاب والكباب) سنة 1992، كما نبه الى خطورة الفساد والتطرف في (طيور الظلام) سنة 1995، وعبر عن القهر العام في (النوم في العسل) سنة 1996، ولم يتوان عن كشف عورات السلطة المتورطة في الفساد من خلال فيلم (معالي الوزير) سنة 2002. في رحلته مع حقوق الانسان وحريته، شكل ثنائياً مع المخرج عاطف الطيب، وقدما خطوات جريئة بداية من (سواق الاتوبيس) سنة 1983، ومروراً بـ (التخشيبه) سنة 1984، و(البريء) سنة 1985، و(ملف في الآداب) سنة 1986، و(الدنيا على جناح يمامة) سنة 1989 و(كشف المستور) سنة 1994، ومن المؤكد أنه لولا الرحيل المبكر لـ «عاطف الطيب» عن دنيانا، لكان هناك تواصل مستمر بينهما. خص السيناريست وحيد حامد «البيان» بهذا الحوار.. قبل أن يلتقى مساء اليوم مع جمهور الإمارات في لقاء مفتوح تقيمه ندوة الثقافة والعلوم في دبي. · لماذا تنصلت من وضع اسمك على فيلم «قصاقيص العشاق»؟ ـ لم يكن سيناريو فيلم «قصاقيص العشاق» سيئاً، ولكن المخرج تعامل مع الفيلم بطريقة جعلتني أسأل في النهاية أين السيناريو الذي كتبته، وكيف يمكن أن يكون هناك تعديلات في فيلم دون الرجوع إلى المؤلف، صحيح أنا أعرف واجباتي، وأعرف أيضاً حدود تدخلات المخرج، ولكن أن تكون مدة الفيلم 110 دقائق ثم تنتهي إلى 75 دقيقة فقط، يشكل هذا إخلالاً بالسياق الدرامي، وهو ما انعكس على أحداث الفيلم، وبالتالي أنا غير مسؤول عما فعله المخرج. · نقلت الصحافة عنك وضعك شروطاً جزائية في تعاملاتك المقبلة بعد هذا الفيلم؟ ـ يجيب وحيد حامد بهدوء: ما كتبته الصحافة من ردود أفعال، عن شروط جزائية أضعها للعمل مع آخرين غير صحيح بالمرة، فعلاقة العمل لابد وأن تبنى على تعاون وتبادل آراء ومشورة، حتى يخرج الفيلم برؤيه سليمة مرضيا عنه من جميع الاطراف. · لسنوات طويلة ابتعد كتاب السيناريو عن النصوص الأدبية، على عكس ما قدمته في عملك الجديد «عمارة يعقوبيان» هل هذه خطوة في العودة إلى هذا الاتجاه؟! ـ من المرات القليلة جداً التي أقرأ فيها نصا أدبيا وأقع في حبه، فأنا معجب بدرجة شديدة جداً بقصة «عمارة يعقوبيان»، ولاقت هوى في نفسي، وشعرت أن كل شيء فيها متطابق معي ومع أفكاري، وقررت تقديمها للمشاهدين ولقطاع السينما، والتزمت في كتابتها بالنص الأصلي، لأنها تصلح للسينما، وليس كل نص أدبي يمكن أن يصلح للسينما، فالتعريف العلمي لكتابة السيناريو يعني الحكي بالصورة، والوضع في الرواية مختلف وبالتالي تجد من النادر اعمالاً روائية يمكن ان تؤخذ كما هي للسينما، والحالة الاستثنائية التي أراها لذلك هي أعمال (نجيب محفوظ). · كيف تنظر الى تطور السينما في العالم العربي بالمقارنة مع مصر؟ ـ إن تجربة مصر في مجال صناعة السينما لابد أن تقدر وتحترم، وبصراحة انا ضد الانتاج الحكومي السينمائي، وأرى ان نجاح الافلام التي انتجتها مؤسسة السينما قديماً قائم على السينمائيين أنفسهم، الذين قدموا هذه الأعمال دون أي تنازلات، وبحب واخلاص وتفان، لكن الظروف تغيرت وتغير معها ذوق الجمهور. · هل ترى أزمة سينمائية في مصر مرتبطة بحرية المبدع وحمايته؟ ـ أزمة السينما المصرية هي جزء من التدهور العام الذي يسود المجتمع، ولن تكون هناك سينما حقيقية وفعالة، إلا من خلال إطلاق الحرية للمبدع وحمايته، وتجربتي الشخصية على مدار أكثر من 15 سنة، تؤكد انه لا حجر من قبل الدولة على الإبداع، المشكلة في قطاعات معينة داخل المجتمع لا تملك حق المصادرة، وتلعب هذا الدور الذي يتعدى أحياناً إصدار الاحكام، هذا بخلاف الجماعة المتأسلمه التي أدخلت السينما تحت فتوى الحلال والحرام، وأذكر واقعة شخصية لي عندما رفعت ضدي قضية في فيلم «النوم في العسل» ان القاضي حكم برفض الدعوى، وطالب ممن رفعها بعدم الذهاب إلى السينما طالما لايعجبه الفيلم. · هل تؤيد نظرية «المؤامرة» الخارجية ضد الثقافة المصرية؟ ـ إطلاقاً، هذه المقولة مرفوضة تماماً، وطالما أعطيت لنفسي حق الابداع، فلابد للآخرين أن يكون لديهم نفس الحق، وأنا ككاتب سيناريو استفيد من مناخ التنافس وينعكس هذا على أعمالي، وأتمنى أن تكون هناك سينما متطورة في المغرب، وان توجد صناعة سينما في الإمارات، حالة الانتعاش هذه تنعكس على الجميع وتكون في مصلحتهم ومصلحة الفن السينمائي. · هل تعجبك سياسة وتكتيك عرض الأفلام في دور العرض والتي تمثل كارثة فنية؟ ـ كارثة دور العرض وسياسة عرضها للأفلام شكل موجود لأن أصحاب دور العرض هم المنتجون لهذه الأفلام، وبالتالي يبقى الوضع على ما هو عليه، يعرض فيلمهم في (90) قاعة وتحرم أفلام أخرى من العرض في عدد يوازى أو أقل من هذا الرقم وهكذا يتحكمون في العرض والطلب، وتدخل المسألة في حسابات أخرى بعيداً عن جودة المصنف الفني الذي يراه الجمهور في الـ (90) قاعة مثلاً، وتخيل بعد سنوات يكون الافراز ما نحن عليه الآن، لا فن لا فكر لا رؤية، وتصبح الحكاية تسلية في تسلية. · هل تعتقد أن التنسيق مطلوب لتفعيل دور التنافس؟ ـ على المستوى السينمائي مثلاً «إقامة المهرجانات مطلوبة وضرورية وأتمنى أن أراها في دولنا العربية كلها.. لكن يفترض التنسيق في مواعيدها وأعتقد أن تنظيم دبي لمهرجانها السينمائي الدولي، جعل الآخرين يفكرون جيداً في إعادة حساباتهم لأن بعض المهرجانات أصابها الترهل وشاخت ولم يعد بينها وبين الجمهور أي تواصل». · لماذا اعتذرت عن كتابة سيناريو المسلسل التلفزيوني «حليم» رغم أن جهة الإنتاج سابقاً كانت متمسكة بك؟ ـ مازالت جهة الانتاج متمسكة بي، ولا أخفيك سراً أنني قطعت شوطاً في كتابة هذا المسلسل، لكني قررت ترك هذا العمل، إرضاء لأحمد زكي فعلاقتي به أهم من المسلسل ومن العمل، وأتمنى أن تمر أزمته الصحية بسلام. · كيف تقيم ظاهرة أبناء الفنانين، الذين يرثون مهنة الآباء والأمهات؟ ـ أعتبرها ظاهرة صحية، فمنذ قديم الأزل هناك طوائف وحرف كانت تتوارث أبناؤها مهنتهم جيلاً بعد جيل، فالمسألة ببساطة أن الأولاد يتواجدون في مناخ يؤثر فيهم، بعضهم تظهر فيه الموهبة ويواصل المسيرة والبعض الآخر يتأثر، ومروان ابني تواجد في مثل هذه البيئة، ووالدته مذيعة أخبار وإعلامية، ووالده كاتب، فتح عينيه على مكتبة وشرائط فيديو، وعلاقته بالوسط الفني لم تكن موجودة بالمرة، حدث أثناء دخوله الجامعة الأميركية، أن احتاج الأمر تفرغ سنة كاملة لاعادة الامتحان في مادة. ولأنني قلقت عليه، وهو في فترة المراهقة عرض (شريف عرفة) أن يكون معه أثناء تصوير الأفلام، وبالفعل قلبت هذه السنة حياته، وبدلاً من أن يكمل مشواره في الجامعة الأميركية، دخل معهد السينما دون استثناء مني لأنني كنت أستاذ مادة السيناريو به في ذلك الوقت، ثم بمجهوده رشحته أعماله وخصوصاً فيلمه الأخير «لي لي»، الحصول على العديد من الجوائز الدولية في مهرجانات عالمية.. أن يقوم عماد الدين أديب باختياره لاخراج فيلم (عمارة يعقوبيان)، ثم هناك نظرية الغربال والتي مع الوقت سيبقى من يثبت جدارته، وتسقط من ليس له أي موهبة. · كان لوحيد حامد فترات إبداع خصبة ومتعددة، ارتبط فيها بأسماء لسنوات فماذا تقول عنها وعنهم؟ ـ عاطف الطيب مدرسة وشريف عرفة مدرسة أخرى ورؤية مختلفة، ولو امتد العمر بعاطف الطيب، لعمل معي أفلاماً كثيرة من التي عملتها بعد وفاته، ولا داعي لذكرها حتى لا يغضب مخرجوها، ولكن يكفي أن تعلم إذا كان عاطف الطيب على قيد الحياة لرشحته وطالبته بإخراج فيلم «عمارة يعقوبيان»، أما حكاية عادل إمام وأحمد زكي أو نور الشريف، فصداقتي معهم شيء، وعلاقتي معهم بالعمل شيء آخر، والموضوع الذي أكتبه هو الذي يحدد الممثل الذي يصلح للقيام به. · خلال رحلتك الطويلة مع السينما، ما الذي أردت أن تقوله؟ ـ ان الحماية الحقيقية في الناس، دائماً أؤكد هذا المعنى وأكرره في أفلامي ليس فقط الإرهاب والكباب، أو المنسي، ففي فيلم النوم في العسل، هناك أيضاً مشهد تجمع الناس حول مجلس الشعب والتعبير بلفظ (آه) عن حجم الكارثة .. ثم في أفلامي كلها أكرر وأؤكد المعنى، فأعزف على آلتين الأولى الحرية والثانية العدالة مهما كان العمل الذي أتناوله حتى لو قصة حب، ولو ضربنا مثلاً بالذي يحدث في لبنان الآن بغض النظر عن نوعية أو موقف الأطراف فيه، لكنه مطلب الناس.. فالفرد لا يغير وإنما يحدث انقلاباً، أما التغيير هو الذي يدوم ويكون صناعه الشعوب. · هل ترى أملاً في قيام انتاجات عربية مشتركة؟ ـ للأسف العالم العربي عالم واحد في المناسبات الرسمية فقط، متحد في برقيات الأعياد يجيد التقبيل على الخدود، كما يجيد اللطم أيضاً، مصالح حكامه متباعدة، يتعاملون مع المشاكل ليس بأسلوب سياسي أو حضاري بل من منظور «قبلي» لا نهدأ حتى نختلف، وإن اختلفنا لا نهدأ، لا تفصلنا حدود جغرافية، بل حواجز وخوف العرب من العرب ويا للأسف.. فأحلامنا بعيدة المنال تماماً مثل حلم الإنتاج العربي المشترك. البيان الإماراتية في 14 مارس 2005 |
|