شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

"باب الشمس"

لوطن لن يموت وسينما قادرة على المقاومة

هبة عبد المجيد

 

 

 

 

 

ليست صدفة أن تختار مجلة "التايم" الأمريكية فيلم "باب الشمس" للمخرج يسرى نصر الله بجزءيه "الرحيل" و"العودة" من أفضل 10 افلام على مستوى العالم والثامن بين الأفلام التى قدمت عام 2004، فالفيلم دراما ملحمية شديدة الشاعرية والإنسانية عن بشر نعرفهم ونتعاطف مع قضيتهم ولكننا لم نقترب منهم والأهم لم نكتشفهم.

الفيلم مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للروائى اللبنانى إلياس خورى الذى شارك فى كتابة السيناريو أيضا مع المخرج والناقد اللبنانى محمد سويد، وهى رواية ــ على حد تعبير مؤلفها ــ صعبة جدا فى كتابتها، وصعبة فى قراءتها، وأكثر صعوبة فى تحويلها إلى فيلم سينمائى بسبب احتشادها بالشخصيات وبنائها الذى يعتمد على الحكى الشفاهى والقصص المتناثرة، وهو ــ على ما يبدو ــ قد استفز يسرى لقبول التحدى وتحويل الرواية التى أسرته قصتا الحب فيها إلى فيلم سينمائي.

الفيلم يتعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية أفراد أكثر من كونها قضية وطن، بحيث طغى البعد الإنسانى على ما عداه فى القضية بعكس الأفلام الأخرى التى صنفت تحت مسمى السينما الفلسطينية.

الفيلم يبدأ بعودة الفدائى يونس الأسدى إلى مخيم شاتيلا من إحدى زياراته الخفية إلى الجليل فى شمال فلسطين، ومن خلال جدلية العلاقة بين الفرد والتاريخ يحكى لنا نصر الله على لسان الراوى مأساة الوجود الفلسطينى فى ظل المواجهات المسلحة التى أسفرت عن حرب 47 وتأسيس دولة إسرائيل، إلى ظروف الجلوس الى مائدة المفاوضات وتوقيع اتفاق أوسلو فى العام 4991، يحكى عن بشر لهم أحلامهم ونزواتهم وأخطاؤهم، وهو ما ندركه من اللقطات الأولى للفيلم، فالحب حاضر بقوة من خلال علاقة خليل "باسل خياط" وشمس "حلا عمران" ومشاهد الغرام والطعام التى نفهم منها أنهما عاشقان لم يتزوجا لأن شمس ترفض الزواج خوفا من تجربة زواج سابقة حيث كان زوجها "فواز" ساديا يضربها، كما نفهم أنها خانته بتلذذ واستمتاع.

وفى المشهد التالى نراها تقتل عشيقها الآخر سامح أبو دياب وتختفي، وقبل أن نفهم ما حدث ينقلنا الفيلم وبأسلوب "الفلاش باك" لبداية القصة وعبر "راو" يحاول تنشيط ذاكرتنا بحكاياته، وقصص كثيرة عن الشيخ إبراهيم والد يونس، وعدنان أبو عواد الفدائى الذى فقد عقله فى سجون اسرائيل، وسليم الذى يعيش حالة من الهذيان بعد نجاته من مجزرة شاتيلا ومشاهدته لمقتل أمه، و"أم حسن" القابلة التى تعرف كل مولود فى "عين الزيتون" بحيث أصبحت أما أسطورية للجميع، بالإضافة إلى قضيتين رئيسيتين يستخدمهما الفيلم كإطار تتوزع داخله القصص المتناثرة وهى قصة "يونس ونهيلة" والتى أفرد لها الفيلم جزأه الأول المعنون بـ "الرحيل"، وقصة "خليل وشمس" التى شكلت محور الجزء الثانى المسمي"العودة".

الراوى لا يحكى التاريخ هنا، فهو وكما أشرنا ينشط ذاكرتنا برواية الحكايات، لأنه هو ذاته لا يقتنع بفكرة التاريخ، فهو يقول له: أنا لست مثقفا، لكن أعرف أن التاريخ خدعة، كى يتوهم الإنسان أنه عاش منذ البداية، وأنه وريث الموتي!! حكايته إذن ليست محاولة لاستعادة التاريخ.

وإذا كان الجزء الأول من الفيلم قد مضى فى كلاسيكية صارمة عبر خلالها عن مشاهد الترحيل والتهجير الإجبارى للفلسطينيين بشكل رائع مختزلا حرب 1947 فى بضعة أفراد وضابط شاب ينتحر يأسا عندما يرى بوادر الهزيمة المحتومة، فإنه فى الجزء الثانى يقدم صورة ملتبسة حيث لا الذات ولا المكان ولا الزمان، فقط يؤكد ثانية عدم اكتراثه بالتاريخ معتمدا على الذاكرة الخصبة لشعب يحمى جغرافيته عن طريق الحكى الشفاهى لتاريخه، وفى هذا الحكى تختلط الروايات حتى لا نكاد نعرف الحقيقة الناصعة، فكل شيء مموه وملتبس ويستعصى على التحديد، بشكل عام حاول الفيلم الاقتراب من بشر لم نعرفهم بما يكفى سواء راحوا ضحية الموت الكثير الذى احتشد به الجزء الأول من الفيلم، أو عاشوا على الهامش فى طوابير الهجرة المذعورة أو داخل مخيم شاتيلا الذى جسد كابوس اللجوء والشتات الفلسطيني.

المثير للدهشة أن هذا الحضور الطاغى لفلسطين واستعراض تاريخهم على مدى نصف القرن من ارهاصات حرب 1948 الى أفق السلام المسدود فى أعقاب توقيع اتفاقية أوسلو، هذا الحضور لم يستمد وجوده من أية أحداث تاريخية كبري، وتخيلوا مثلا فيلما فلسطينيا يعالج القضية فيما يقرب من خمس ساعات مستعرضا الفترة الحاسمة فيها ولا يتضمن مشهدا واحدا للانتفاضة بل ولا نكاد نرى حضورا للأطفال الا لضرورات بصرية فى المشاهد، ولا نسمع كلمة واحدة عن نكسة 27 وانتصار 73، ولا ينطق أحد باسم حاكم عربى واحد باستثناء عبد الناصر الذى جاء ذكره على لسان البطلة بعد رحيله بسنوات مقرونا باسم صلاح الدين.

جاء الفيلم ليكشف عن خارطة الروح الفلسطينية، عن فلسفة الاستمرار فى الحياة على الرغم من مأساويتها، وهى الفلسفة التى تمنح الفلسطينيين قوة البقاء، باختصار انه شعب لن يموت، وسيظل رغم كل شيء قادرا على المقاومة والكفاح المسلح.

فى ظل سينما باهتة تعج بها شاشاتنا، يمنحنا "باب الشمس" الأمل فى قدرة هذا الفن على الصمود رغم كل شيء.

موقع "العرب أنلاين" في 16 مارس 2005

كان يفترض بالعاصمة الأردنية ان تكون حاضنته الأولى:

لماذا فشلت عروض «باب الشمس» في عمّان؟

عمان – غسان حزين 

لم يكمل فيلم «باب الشمس» ليسري نصر الله دورته المفترضة في قاعات سينما «غراند» الفخمة في عمّان، وانسحب من السباق على مكانه الذي خصص له على شاشات العرض.

فلم يكن الإعلان عند البدء بعرضه حصرياً في السينما الأحدث في العاصمة بدأ أو صار يلقى الرواج، حتى أعلن عن إلغاء عروضه التي كانت تقلصت أصلاً إلى عرض واحد في اليوم.

لم يكن الفشل الذي قوبل به الفيلم الضخم متوقعاً بتاتاً. فقد لاقى الفيلم لدى عرضه للمرة الأولى في مهرجان «كان» في العام الماضي قبولاً واستحساناً. وتكرر نجاح الفيلم في البلدان العربية التي عرض فيها، كما لاقى استحسان النقاد. لكن الفيلم خسر في «اختباره الأردني»، ولم يستطع جذب الجمهور، مكبداً ادارة السينما التي حصلت على حق عرضه حصرياً في المملكة خسائر غير متوقعة.

وفشل الفيلم في الأردن يأتي عكس التوقعات، ومخالفاً لأبسط قواعد المنطق الذي يفترض حضوراً كثيفاً لعروض الفيلم الملحمي المقتبس عن رواية الياس خوري التي تحمل الاسم نفسه.

ففي الأردن نسبة كبيرة من الفلسطينيين الذين لجأوا إليها عقب نكبة 1948، من أولئك الذين تحكي قصة الفيلم والرواية عنهم حتى ولو «صوّر» فلسطيني لبنان. فهو يعيد شيئاً من الذاكرة إلى أشخاص عانوا من النكبة وويلاتها ولا يزالون يعانون من آثارها التي نقشت في ذاكرتهم لا لتمحى، بل لتظل أبداً.

ممثلون صاروا جمهوراً

فيلم يحكي عن أشخاص لا يزالون على قيد الحياة، أو يحكي عن آباء وأمهات كثيرين ممن عاشوا عقب النكبة – وهو يحكيهم لما يسير في خطه الزمني نحو العيش الذي لاقاه الفلسطينيون في المخيمات، ويصور ذلك الحلم الممكن بالعودة.

الفيلم يحكي حكايات جمهور لم يأتِ، أو أنه ظل خارجاً، أو دخل فيلم هوليوودي في قاعة إلى جواره. جمهور – يظهر في الفيلم على شكل لاجئين هاربين من بطش قوة فتاكة، يحتمون بجيش هش - لكنه ليس هنا الآن في الصالة أمام الشاشة. إنه بعيد تماماً عن الصورة.

مفارقة صارخة لا تستدعي وجود مبررات «معرفية». فوسائل الإعلام المحلية رحبت بالفيلم ترحيباً حاراً، كيف لا وهو الذي قدم فـنـــانـــيـــن أردنيين مميزين هما حسيب عارف ونادرة عمران، وقدما فيه دورين رئيسين.

كما أن طول مدة الفيلم لم يكن عائقاً أمام حضور الجمهور. فالفيلم الذي تزيد مدته على أربع ساعات قسم عند عرضه إلى جزءين. وكان من المفترض عرض الجزء الأول في البداية، وهذا ما حصل بادئ الأمر، ليتلوه الجزء الثاني. لكن هذا الأخير لم يجد طريقه إلى الشاشة، بعد فشل الجزء الأول في جذب انتباه الجمهور، وفشله في استكمال مدة عرضه.

السقوط بلا منافسة

الأمر أيضاً لا يتعلق بالمنافسة. فالفيلم لا يدخل في منافـــسة مـــع أفــلام آكشن – على رغم أن الفــيلم صنـــف في أيـــامه الأولى على أنه فــــيلم آكـــشن لأنه أبرز في ملصقـــه أحد أبـــطال الفيلم حاملاً سلاحاً!. كما أنه لا يـــنـــافس الأفلام العربية الكوميديـــة، فهو بعيد من هذا الإطار تماماً، ولا يستطيــع المنافــسة أو المزايــدة في هذه الناحية.

الفيلم من قماشة خاصة لا تتكرر بسهولة، ولا يمكــن إغــفـالها. ربما يصنف على أنه فيلم نخبة، لكنه، من جديد، فيلم يحكي حكاية شعب، هو الآن في حكم الجمهور الذي يفتــرض أنه ينتظر فرصة مشاهــدة نفــسه من جـــديـد، وهذه المرة على الشـــاشة الكبيرة. فهو كان شاهد نفسه على شــاشات التلفزيون في مسلسل «التغريبة الفلسطينية» الذي عرض في رمضان الفائت.

وما كان يفترض أن يعزز إمكان نجاح الفيلم في صالات عمّان السينمائية الهادئة غالباً في تحركات أفلامها، هو النجاح الكاسح الذي حققه مسلسل «التغريبة» عند عرضه، واستحواذه نسبة عالية من المشاهدة.

سقوط غريب لفيلم لا يستحق فشلاً ربما لم يذقه في مكان آخر. فهو كان عند التحضير لعرضه فيلماً يمتلك كل مقومات النجاح: سمعة طيبة، وجمهور متحمس للحضور.

سقوط الفيلم في عمّان يضمه إلى قائمة أفلام نادرة أسقطتها جداول صالات السينما الأردنية. فهذه الصالات نادراً جداً ما تغيّر أفلامها قبل الموعد المقرر، ونادراً ما تبقي شيئاً منها بعد ذلك.

وكأنه القدر يلعب لعبته هنا؟ فقد أسقطت صـالات السينما قبل نحو عـامين فيلماً حصد النجاحات من دون هوادة، وفي مهرجان «كان» أيضاً، عندما حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

«باب الشمس» ينضم إلى «يد إلهية» للفلسطيني إليا سليمان في السقوط في عمّان. ولكن لو أعاد القدر نفسه، فإن الفشل هنا لن يستمر. فقد خصص للفيلم الفلسطيني عرض خاص في «منتدى شومان» في عمّان بعد خروجه حزيناً من جداول العرض في صالات السينما، ولاقى إقبالاً جماهيرياً كبيراً، كان... غير متوقع!.

الحياة اللبنانية في 11 مارس 2005