شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

فيلم الأوسكار «حبيبة المليون دولار»

انتصار للكفاح الإنساني

كتب - محمود الزواوي

 

 

 

 

 

رائعة سينمائية. تحفة فنية. أفضل أفلام العام 2004. هذه هي بعض الأوصاف التي تكرر ذكرها في عروض النقاد الأميركيين لفيلم «حبيبة المليون دولار»، الذين أجمعوا في كيل المديح والثناء لأحدث أفلام المخرج والنجم السينمائي كلينت إيستوود. ومثل هذا الإجماع في آراء النقاد حول فيلم سينمائي معين أمر نادر الحدوث، ولكن له ما يبرره في هذه الحالة.

ومما يعزز آراء النقاد في فيلم «حبيبة المليون دولار» أن الفيلم حصل على 31 جائزة سينمائية، بينها أربع من جوائز الأوسكار الرئيسة الست واثنتان من جوائز الكرات الذهبية. وشملت هذه الجوائز إحدى عشرة جائزة لبطلة الفيلم الممثلة الشابة هيلاري سوانك، وثماني جوائز لمخرج الفيلم كلينت إيستوود، وست جوائز لأفضل فيلم هي جائزتا الأوسكار والكرات الذهبية إضافة إلى جوائز الجمعية القومية الأميركية لنقاد السينما وروابط النقاد في مدن كانزاس سيتي وسياتل ودالاس ـ فورت ويرث. كما منحت ثلاث من هذه الجوائز للممثل الأسمر المخضرم مورجان فريمان، بينها جائزة  الأوسكار لأفضل ممثل في دور مساعد.

يستند سيناريو فيلم «حبيبة المليون دولار» للكاتب السينمائي بول هيجنز إلى مجموعة من القصص القصيرة بعنوان «حروق الحبل: قصص من زاوية الحلبة» صدرت في العام 2000 للكاتب جيري بيرد الذي كان يستخدم الاسم المستعار إف. إكس. تول. وقد استوحى الكاتب هذه القصص من تجاربه الشخصية كمدرب للملاكمة وألفها وهو في سن السبعين، أي قبل وفاته بعامين.

وتدور قصة فيلم «حبيبة المليون دولار» حول ثلاثة شخصيات رئيسة، أولهم هي بطلة القصة ماجي (الممثلة هيلاري سوانك)، وهي شابة بيضاء من خلفية فقيرة في الحادية والثلاثين  سنة من العمر ولدت ونشأت في منطقة ريفية بولاية ميزوري ورحلت إلى مدينة لوس أنجيليس حيث تعمل كنادلة في المطاعم منذ سن الثالثة عشرة وتسعى لأن تصبح ملاكمة محترفة كوسيلة للخروج من عالمها الضيق، وتمضي جل وقتها في التدرب وتبحث عن مدير ومدرب ملاكمة ليساعدها على تحقيق حلمها.

وهناك فرانكي الرجل العجوز (الممثل كلينت إيستوود) وهو مدرب ملاكمة ومالك صالة رياضية قديمة يذهب إلى الكنيسة كل صباح ويقرأ الشعر ويتعلم اللغة السلتية في أوقات الفراغ. ويعاني هذا الرجل من العزلة والإحباط والشعور بالذنب، خاصة بعد قطيعة ابنته له منذ عدة سنوات. وقد ترك كل ذلك جرحا عميقا في شخصيته، مما جعله يتردد في إقامة أي علاقة حميمة جديدة مع أي طرف آخر.

ثم هناك سكراب الملاكم الأسمر المتقاعد (الممثل مورجان فريمان) والصديق الحميم والوفي لمدربه السابق فرانكي والذي يعيش في غرفة داخل الصالة الرياضية، ويقوم بدور الراوي في الفيلم. وقد فقد هذا الملاكم المتقاعد النظر في إحدى عينيه في مباراة حاسمة للبطولة في الملاكمة قبل سنين عديدة. ونعلم أن صديقه ومدربه السابق فرانكي يشعر بالذنب لأنه لم يوقف تلك المباراة في الوقت المناسب قبل إصابة عين صديقه بالأذى.

وحين تطلب الشابة الطموحة من الرجل العجوز أن يصبح مدربها ومديرها يقابل طلبها بالرفض القاطع. إذ إن آخر شيء يريد فرانكي أن يفعله هو أن يتحمل مثل هذه المسؤولية، ناهيك عن أن ماجي بلغت سن الحادية والثلاثين، وهو سن متقدم لاحتراف الملاكمة، كما أنه لم يسبق له أن قام بتدريب امرأة على الملاكمة. ولكن، وبعد إلحاح من صديقه سكراب، يوافق فرانكي على تبني واحتضان تلميذته الجديدة بالتعاون مع صديقه، ويشرع الاثنان في تعليمها فنون الملاكمة التي تتقنها بسرعة وتبدأ في شق طريقها بسرعة في عالم الملاكمة النسائية.

ويشكل هؤلاء الثلاثة معا وحدة أسرية حميمة وصغيرة. وتتطور العلاقة بين المدرب العجوز والفتاة من علاقة يسودها الاحتكاك والتوتر إلى علاقة دافئة تتجاوز آلام الماضي لكليهما، ويجد كل منهما في الآخر الحنان الأسري الذي افتقده منذ زمن طويل.

إلا أن فيلم «حبيبة المليون دولار» يأخذ منعطفا مأساويا غير متوقع حين تتعرض الملاكمة الشابة لحادث يؤدي إلى إصابتها بشلل كلي. ويطرح الفيلم عندئذ مسألة أخلاقية خلافية وجدلية قديمة، وهي: هل يجب الاستجابة لرغبة شخص عزيز يقع ضحية الشلل الكلي في الموت بكرامة بالقتل الرحيم، أم ينبغي مد الضحية بالدعم لتخفيف آلامه وتركه يعيش حياة لا قيمة لها. ويؤكد الفيلم على صعوبة اتخاذ مثل هذا القرار الأخلاقي.

وقد يبدو للمشاهد لأول وهلة أن قصة فيلم «حبيبة المليون دولار» تتعلق بالملاكمة، إلا أنه سيدرك عند مشاهدة الفيلم أن حلبة الملاكمة ليست سوى صورة تشبيهية للحياة نفسها. وتتحول الحلبة إلى ساحة تفرض على أبطال القصة الثلاثة مواجهة مشاكل الماضي والكفاح لتحقيق النصر والخلاص الشخصي من شبح الماضي.

وتتعلق رسالة الفيلم بالوفاء والتصميم والشجاعة وبآلام الحياة وأفراحها. كما تؤكد على القيم والمباديء والصدق  مع النفس التي تتجاوز عالم الرياضة والأفلام السينمائية. وتتعلق القصة أساسا بامرأة مصممة على إيجاد مكانها تحت الشمس وبرجل لا يريد أن يفعل شيئا من أجلها ثم يقوم في نهاية المطاف بتقديم كل شيء لتحقيق حلمها. ولا يمثل الفوز بالنسبة للفتاة الريفية البسيطة الشهرة والثراء، ولكنه يعبر عن مشاعر الوفاء للغير وعن تقدير الذات. فعندما يعرض عليها مدرب ملاكمة ومدير شهير وناجح آخر أن يتبناها ويساعدها على بلوغ النجومية في الملاكمة ترفض ذلك بلطف وكياسة، إخلاصا لأستاذها ومدربها فرانكي.

وقد اكتسب فيلم «حبيبة المليون دولار» لقب أفضل فيلم أميركي للعام 2004 عن جدارة واستحقاق. فهو فيلم متميز يجمع بين براعة الإخراج والتمثيل والنص السينمائي والتصوير والموسيقى التصويرية.

ويؤدي كلينت إيستوود وهيلاري سوانك ومورجان فريمان في هذا الفيلم أدوار العمر التي تتميز بواقعية وحساسية نادرتين. وكوفيء اثنان منهم، هما هيلاري سوانك ومورجان فريمان، بجائزة الأوسكار، وهي المرة الثانية التي تفوز فيها هيلاري سوانك بهذه الجائزة، فيما رشح كلينت إيستوود عن دوره لتلك الجائزة دون أن يفوز بها.

ويعد تقمص هيلاري سوانك لشخصية الملاكمة الشابة في فيلم «حبيبة المليون دولار» واحدا من أفضل الأدوار السينمائية النسائية في هوليوود منذ عدة سنوات. وقد ذهب أحد النقاد إلى حد القول بأنها خلقت لكي تقوم بهذا الدور، وبإنها لا تمثل في هذا الفيلم بل تعيش دورها فيه. وقد تأهبت هذه الممثلة الموهوبة لدورها في الفيلم بالتدرب على الملاكمة وتقوية عضلاتها، وازداد وزنها خلال ذلك بحوالي تسعة كيلوغرامات.

وقامت هيلاري سوانك منذ فوزها بجائزة الأوسكار الأولى في فيلم «الأولاد لا يبكون» (1999) بعدد من الأدوار السينمائية التي لم تترك أثرا يذكر. وإن دل أداؤها المتميز في فيلم «حبيبة المليون دولار» على شيء فهو يدل على مقدرة مخرج الفيلم كلينت إيستوود على تفجير مواهبها وعلى أن هذه المواهب الكامنة تحتاج إلى المخرج القادر على إطلاقها. كما لا يغغل المخرج كلينت إيستوود أداء الممثلين المساعدين الذين يضفون واقعية على المشاهد التي يظهرون فيها.

وينطبق لقب «الأوتير» أو المخرج المؤلف الحقيقي لفيلم "حبيبة المليون دولار» على الفنان كلينت إيستوود الذي يعزى إليه الفضل في توفير وتطوير جميع العناصر المميزة لهذا الفيلم الذي قام بإخراجه وبطولته وتأليف موسيقاه التصويرية، وفاز بثماني جوائز عن إخراج الفيلم بينها جائزتا الأوسكار والكرات الذهبية، كما فاز بجائزة ورشح لأخرى عن كل من دوره في الفيلم وعن تأليف موسيقاه التصويرية. وهذه هي المرة الثانية التي يفوز فيها كلينت إيستوود بجائزة الأوسكار لأفضل مخرج بعد فوزه بها لأول مرة في فيلم رعاة البقر «غير المسامح» (1992).

ويقترن النجاح الفني لفيلم «حبيبة المليون دولار» بنجاحه الجماهيري على شباك التذكر. وقد بلغت الإيرادات العالمية الإجمالية للفيلم حتى الآن 114 مليون دولار، علما بأن تكاليف إنتاج الفيلم بلغت 30 مليون دولار، أي نحو نصف معدل تكاليف إنتاج الفيلم السينمائي في هوليوود في هذه الأيام. ويعرض الفيلم حاليا في 2350 من صالات العرض الأميركية.

الرأي الأردنية في 14 مارس 2005