«فستان» للجائزة الأولى و«ملائكة الدار البيضاء» للافتتاح أبو ظبي - محمد رضا |
ماذا تفعل لو كنت تريد تحقيق فيلم تاريخي على غرار «طروادة» او «غلادياتور» او «سقوط الإمبراطورية الرومانية» ولم يكن لديك التمويل الكافي لتحقيق هذا المشروع؟ ليس هناك حلول كثيرة، لكن المخرجين محمد محمد سليمان ومروة محمد سليمان حققا المشروع بكلفة «البقشيش» الذي يتركه مخرج أميركي ما بعد يوم تصوير متعب. «وحش الإمارات» (او «فارس الإمارات» كما عنوانه الإنكليزي- وهو العنوان الأكثر صواباً) يتحدث عن فارس إماراتي أسطوري يواجه جيشاً جراراً من الأعداء دفاعاً عن وطنه. لتحقيق الفيلم عمد المخرجان ومعهما مساعدون محدودو العدد الى الكومبيوتر- غرافيكس وليخطّوا نحو 300 مشهد من الرسومات الإلكترونية. لا يوجد تمهيد درامي، ولا نهاية ذات مفاد أكثر من المفاد الذي يثيره العنوان من بطولة وحماسة، بل يدلف الفيلم مباشرة الى قلب المعركة بين الفارس وأبطاله والعدو الشرس. في نحو ربع ساعة ليس هناك سوى أصوات معركة ومشاهد، بعضها متكرر لتوفير الجهد مثل لقطة أربعة سهام قاصدة صدور الأعداء على طريقة «ران» لأكيرا كوروساوا باستثناء أن كوروساوا حشد مئات السهام لمشهد واحد لا يتكرر. طبعاً، ليس من باب التعجيز الحديث عن فيلم غير مكتمل المواصفات والشروط الأساسية ومقارنة مشهد منه بمشهد من تحفة خالدة، بل هو مجرد تمهيد لسؤال من نوع آخر يداهم المرء بعد مواكبته أربع دورات نشطة من مهرجان «أفلام من الإمارات»، وهو: ماذا كان يستطيع المخرجون الإماراتيون وسواهم من مخرجي أقطار الخليج العربي لولا «الكومبيوتر غرافيكس» (في هذه الحالة) وكاميرات «سوني» و»باناسونيك» و»كانون» المدمّجة؟ مباشرة على إثر هذا السؤال تستطيع أن تفكّر أيضاً بسؤال آخر: هل تساعد التقنيات المتاحة حالياً المخرج الطموح او تقوّض المعالم الحقيقية للسينما أمامه؟ ساعات النهار والليل انطلقت الدورة الرابعة من مهرجان «أفلام من الإمارات» في موعدها المحدد في الثاني من آذار (مارس) وانتهت مساء السابع من الشهر نفسه. إنه المهرجان الخليجي الأكثر استمراراً بعدما انطلقت في ربوع الأعوام الخمسة الأخيرة أكثر من محاولة لأكثر من مهرجان. كان هناك مهرجان البحرين للسينما العربية، صاحبه مهرجان مسقط للسينما العالمية وقبلهما مهرجان «شاشات عربية مستقلة» الذي أقيم لدورة واحدة فقط في الدوحة. «أفلام من الإمارات» تجاوزها عدداً كما تجاوزها تنظيماً وقدرة على الاستمرار. أكثر من ذلك، هو المهرجان الذي أثار حماسة الطامحين من شبّان الإمارات وحسم الأمر أمام المترددين من هواة السينما وحثّهم على العمل وتحقيق الأفلام ثم العودة في الدورة اللاحقة وتحقيق المزيد من الأفلام. تحت إشراف لا يقل حماسة من قبل المجمّع الثقافي في أبو ظبي، الذي يترأسه محمد أحمد السويدي، وبإدارة السينمائي مسعود أمر الله، انتقل المهرجان من حلم الى واقع ومن رغبة الى إنجاز. من حفل يبحث عن مدعوّين الى حفل يستقبل سنوياً أكثر من مئة فيلم مختلف. تقرأ الأرقام فتصيبك الدهشة: في العام الماضي أنجز المهرجان رقماً قياسياً بالنسبة الى عدد الأفلام الإماراتية المنتجة اذ حشد ٤٧ فيلماً إماراتياً في مسابقتي قسم الطلاب والقسم العام. هذا العام وصل العدد الى ١7١ فيلماً كان على مدير المهرجان مسعود أمر الله أن يجد العدد الكافي من ساعات النهار والليل لعرضها مواجهاً للمرة الأولى مشكلة فترة زمنية كادت ألا تستوعب هذا العدد المختلف من الأعمال. رئيس لجنة التحكيم كان المخرج المغربي محمد العسلي. والأهمية هنا هي أن العسلي، الذي لا يزال فيلمه الممتاز «فوق الدار البيضاء، الملائكة لا تطير» يجول المهرجانات ويحصد الجوائز (مهرجانه المقبل سان فرانسيسكو) سينمائي منفرد بتجربته عن أي مخرج عربي آخر. إنه مستقل وصاحب استديو من «ورش العمل» والدراسة السينمائية الجادة في المغرب. يتعامل مع الطلاب يومياً ويصرف وقته وماله الخاص لأجل خلق جيل من السينمائيين الجيدين في بلاده. بخبرته تلك قاد فريق المحكّمين. وهو أدرك منذ البداية ما يواجهه من نتائج. فبعد ثلاثة أيام من المشاهدة المتوالية (١١ ساعة كل يوم) توصّل الى قناعة مفادها أن معظم الأفلام التي شاهدها ليست بالأفلام التي تستحق العرض والاقتداء ناهيك بالجوائز. ليس إنه لم يجد أفلاماً يمنحها جوائز، لكنه وجد أمامه طموحات عالية وأماني عريضة وقلة خبرة كلها مُدمّجة على إسطوانة واحدة. أحلام «حلم» افتتحت الدورة بفيلم محمد العسلي الذي أثار إعجاب العديدين. وهذا أمر طبيعي مصدره التفوّق الفني الناتج عن الفارق بين المحترف والهاوي. تلك الدراما الاجتماعية الآسرة حول مصائر ثلاث شخصيات تعيش كلها في الدار البيضاء وعلاقاتها بالتراث والثقافة والهوية المتراجعة تحت سماء المدينة، وبين الأحلام غير المحققة معبّر عنها في مواقع كثيرة. في حين أن فيلم العسلي نال الكثير من فرص العروض العربية والعالمية وحصد العديد من المقالات عنه، فإن فيلم الاختتام قد ينتقل بصعوبة بين صالة وأخرى. إنه فيلم يحمل مهمّين ومتناقضتين. أولهما الرغبة في مجرد إنجاز فيلم روائي طويل هو أمر لا يمكن تجاهل قيمته خصوصاً في ظل الظروف والإمكانات المحدودة التي يواجهها أي سينمائي عامل. مجرّد أن ينجح السينمائي في توليف فيلمه وضم «البكرة» إليه يكون أنجز أيضاً على صعيده الشخصي ما لا يمكن أن ينساه أبداً. مهما كانت النتيجة الفنية فإن إنجاز الفيلم الروائي الإماراتي الأول منذ أكثر من ثلاثة عقود خطوة مشجعة وتستحق التشجيع. لكن الوجه الآخر إذ يعترف بهذه القيمة الخاصة، ل ابد أن يتوقف عند التفاصيل. إنه الوجه النقدي الذي لا غنى عنه. «حلم» هو قصة مخرج طموح يعمد الى صديقه الكاتب ويقنعه بأن ينتقلا من صنع «الفيديو كليب» الى صنع الأفلام. يدركان المتاعب والمصاعب لكن المخرج يندفع برغبته الفنية العارمة. والإثنان يبدآن العمل ثم التصوير وننتقل بين ما يتبادلانه من مناجاة أحداث الفيلم الذي يصوّرانه. تلك الأحداث تدور حول رجلين يتصاحبان في رحلة الى الصحراء حيث يلتقيان فتاة حاول رجلان آخران اغتصابها قبل أن يتركاها وحيدة هائمة. يقرران مساعدتها في اللحظة التي يقرر فيها الرجلان العودة لقتلها كي لا تعرّضهما الى القضاء فيما لو نجت. تقع مطاردة وتنقلب السيارة ببطلي الفيلم والفتاة، لكنهم ينجون من الأذى ويقطعون الصحراء تائهين. بعد أيام ينفصل أحد الرجلين عن المجموعة آملاً في أن يصل الى حيث النجدة. ثم يعود بها وينتهي الفيلم نهاية سعيدة. ليس من لقاءات بين طرفي الفيلم. ليس من مشاهد جدلية بين العاملين وراء الكاميرا والعاملين أمامها. وليس هناك أي شيء يذكر. ويبدو المخرج هاني الشيباني وكأنه يصنع الفيلم لنفسه وليس لأجل خاطر أبطاله او حتى قضيّته المطروحة. ما يستحق الإعجاب والذكر بين الأفلام التي عرضت في المسابقة فيلم «الفستان» لعبدالله حسن أحمد وهو استحق الجائزة الأولى التي حصدها كأفضل فيلم روائي، كذلك حال فيلمه الآخر «سمو الفعل» الذي نال كاتبه محمد حسن أحمد جائزة أفضل سيناريو. هناك أيضاً «الغيث» لفاضل سعيد المهيري وفي سيناريو إبراهيم الملا «يوم عادي» (إخراج عمر إبراهيم) نفحة شعرية ووجدانية رائعة. كذلك مقبول «سقطري ذلك المجهول» و»الحجاب الإماراتي بعيون إماراتية» و»سوق السمك»/ وأكثر من جيد «عناوين الموتى» لوليد الشحّي ولو أنه ليس بأفضل من فيلمه الفائز العام الماضي وهو «طوي عشبة». الى العروض المتسابقة أفلام من أقطار عربية أخرى وإيرلندا وفرنسا وروسيا في تظاهرات شتّى أكثرها إثارة للاهتمام والجدل تظاهرة «السينما الشعرية». في نهاية المطاف، يتذكر المرء بعض المواهب التي إما انعزلت بنفسها او تزوّجت وانتهت أحلامها في هذا الميدان او التي لا تزال تبحث عن نقطة بداية جديدة. أحد هؤلاء اسمه عروة حلاق. سوري درس في الإمارات وحقق فيلمين عرضا في الدورتين السابقتين. له عين نافذة وأسلوب تأملي رائع. بعد تخرّجه لم يجد لنفسه مكاناً فعاد الى سورية. هل يستمر؟ بل ما الذي سيحدث لكل هؤلاء الذين طرقوا باب العمل السينمائي بحماسة؟ ما هو الإطار الذي سيستوعب من يستمر منهم؟ السؤال مر، لكنه ينم عن الأمل في أن تواصل الخطوات الناجحة التي شقّتها الإمارات الى اليوم في عالم تأسيس حقل سينمائي للمواهب. المؤكد أن المستمرّين بعناد هم اؤلئك الذين يستحقّون الاستمرار. الحياة اللبنانية في 11 مارس 2005 |
مفكرة محمد رضا بعد فيلم الافتتاح “فوق الدار البيضاء لا تحلق الملائكة”، الفيلم الروائي الأول للمغربي محمد العسلي، فإن أول ثلاثة أفلام قصيرة شاهدناها في مهرجان “أفلام من الامارات”، المقام في أبوظبي حالياً، جالت بين ثلاث قضايا مطروحة كل منها يشكل جزءا من الألم الكبير الذي يعصف بحياتنا اليوم. هذه الأفلام بدأت بفيلم “أين العراق، أين العراق” لمخرجه باز شمعون البازي، والثاني هو “عن الآخر” لعبد المنعم عدوان، والثالث “أيام أفغانية” لمحمد العتيبة. والقضايا المثارة هي العراق ثم فلسطين ثم أفغانستان كما تشي بعض العناوين. كنا في فلسطين، ثم في لبنان وفلسطين، ثم الآن -وبالنظر الى مجمل القضايا السياسية المطروحة- في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان. الدائرة تتسع والقضايا هي المزيد من الموضوع نفسه. دائما هناك الوضع غير المنصف الناتج عن وضع غير منصف سبقه الذي هو بالتالي نتيجة وضع مماثل لهذا سبقهما معاً. دكتاتورية وتعسّف واحتلال واغتصاب والانسان العربي العادي الذي لا سلطة له ولا حتى ملكية قرار يدفع الثمن باهظاً سواء أكان -وحسب الأفلام الثلاثة المذكورة- عراقياً أو فلسطينياً أو أفغانياً. تقويمياً، فإن “أين العراق؟ أين العراق” (وتكرار السؤال لا يؤدي الى تمييزه أو تأكيده) يقوم على كاميرا منصبّة على وجوه عدد من العراقيين جالسين في مقهى يتداولون الوضع. هذا يهاجم صدّام والآخر يهاجم أمريكا. ويتدخل آخرون بآراء هي مع هذا أو ذاك. لا جديد أسلوبياً في هذا النوع من استطلاع المواقف ولا أدري الى متى يعتقد المخرجون أن هناك حاجة لمجرد الكبس على زر التصوير واعتبار أن ما ينقلونه من صور لأناس يتكلمون هو صنع فيلم. “عن الآخر” يتحدث عن مصوّر فوتوغرافي يهودي مناهض لكل ما هو صهيوني أدّى الى قيام دولة “اسرائيل”. هذا الموقف يتبدى من البداية حين يتحدث المصوّر عن وضع بلفور الذي أتاح “ركوب شعب لآخر” ويتبلور في اتجاه سياسي واضح بعد ذلك. الفيلم هو أفضل هذه الأفلام لناحية ضبط التصوير والتوقيت. بعد 13 دقيقة يقول الفيلم فيها أشياء كثيرة عن ذلك المصوّر وموقفه وما يشعر به تجاه القضية الفلسطينية وكيف يحاول التعبير عنها بالكاميرا، وكيف يحاول في ذات الوقت البحث عن هويته المفقودة بين الكاميرا وما تلتقطه من صور. الفيلم الثالث “أيام أفغانية” هو جهد مبذول بأمانة لتقديم موضوع زراعة الحشيشة في أفغانستان ولم يتمسّك بها الفلاحون وكيف أن دخل البلاد منها بلغ قبل عامين بليونا و200 الف دولار. لكن هذا الجهد لا ينجلي عن مستوى فني جيّد بل مجرد عرض لموضوع جيّد. وفي هذا الشق بين مستوى فني جيد وعرض لموضوع جيّد ستقع العديد من الأفلام التي سنراها وذلك لأسباب عدّة أهمها غياب النموذج الغربي الذي يمكن اللجوء اليه والاستيحاء منه ثم تجاوزه. فتأليف ما هو خاص، ينطلق أولاً من المعرفة الشاملة بالمدارس والأساليب واعتمادها كتحد ذاتي لصنع ما يوازي أفضلها أو يتجاوزه. الخليج الإماراتية 6 مارس 2005
|