جديد حداد

 
 
 
 

تلفزيون رمضان 2009

( 10 )

هدوء نسبي.. المسلسل الحدث

 
 
 
 

مجلة

هنا البحرين

 
 
 
 
 
 

بالفعل يمكن وصف عرض مسلسل (هدوء نسبي)، بالحدث الفني التلفزيوني.. فهذه الدراما بالرغم من تميزها في الكثير من الأمور، إلا أنها ظلمت بعرضها وسط هذا الكم الرهيب من الأعمال التقليدية الأخرى. وليس من المنطق أن يقارن أي شخص بينه وبين تلك، باعتباره متجاوزاً إياها، في الشكل والمضمون والهدف والرسالة، وحتى في القيمة الفنية، على المستوى الفني للصورة والديكور والماكياج والأداء، ومجمل عناصر العمل الإبداعي.

وإن ما تركه هذا العمل من تأثير غير محدود في المتفرج، له دليل على التزام فني وفكري واضح لدى صناع هذا العمل، لتقديم واقع ما حدث ويحدث في العراق منذ عام 2003، ويصف له حقيقة ما حدث لمدينة بغداد من تدمير، وانعكاس ذلك على علاقات أهلها بعضهم ببعض.. مما أدى ذلك إلى خلق حالة من الغضب والتأثر لدى المتفرج بما جرى في هذا البلد العربي، باعتباره قدم جوانب إنسانية حساسة لامست الوجدان لدى المتفرج العربي، وحتى العالمي.

يتناول (هدوء نسبي)، ما واجهه العديد من الصحافيين والمراسلين العرب والأجانب، أثناء تواجدهم في مدينة بغداد إثر الغزو الأمريكي للعراق.. ويتابع عدد من الحكايات عن ناجي (عابد فهد)، وناهد (نيللي كريم)، وشريف (بيار داغر)، ورشا (نادين سلامة)، ويحكي عن معاناتهم ومواجهتهم للكثير من صعاب وأهوال الحرب ومخاوف الاختطاف والاعتقال، نتيجة إصرارهم على توصيل الحقيقة وتقديمها للناس في طبق من ذهب.. كما يرصد صراعهم الطبيعي ضد ثنائية الحياة/ الموت.. بالرغم من تمسكهم بالأمل في الحب والحياة المطمئنة.. هذا إضافة إلى حكايات عشرات المراسلين العرب والأجانب الذين تابعوا وغطوا الحرب والدمار في بغداد المحتلة.. فلكل واحد منهم حياة عاشها أثناء الحرب، ويستعيد بعض من تفاصيلها قبل الحرب..!!

كما ناقش العمل مختلف القضايا المطروحة على الساحة العراقية بشكل واضح وجريء.. وجسد تأثير هذه الظروف الصعبة على الكثير من العائلات العراقية التي عاشت تحت الحصار وعانت ويلات الحرب والدمار، ويحاول رصد سلوكياتهم وأخلاقياتهم.. وهو هنا يقدم مثالاً قريباً على ذلك، من خلال عائلة الكاتب العراقي المثقف كاظم (جواد الشكرجي)، الذي استمر بحلمه في تأسيس صحيفة مستقلة، تقول ما لا يقال وتقدم الحقيقة مهما كانت قسوتها، ويحكي عن متناقضات هذا المجتمع من خلال شخصيات أبنائه وأقاربه، وعلاقاتهم بمحيطهم العراقي المتعدد الاتجاهات والطوائف.

وكما يعرف الجميع، بأن تعبير (هدوء نسبي)، هو الذي يتردد كثيراً في نشرات الأخبار في متابعتها لأحداث واقعية عاشها العراق وشعبه، إلا أن العمل يذهب بعيداً ليقدم قيمة فكرية أهم وأعمق، عندما يمنحنا انطلاقة تتجاوز بكثير حدود السياسة.

المخرج التونسي المتميز شوقي الماجري، يعود بعمل إبداعي مهم، تتنازع فيه الكثير من الأحاسيس المتداخلة فيما بين الحرب والحب، ويغوص في عمق المأساة العراقية ليتناول متناقضاتها.. بين الحياة والموت، الخوف والقلق، التشرد والانتماء.. يشاركه في الإبداع كاتب العمل السوري خالد خليفة، الذي نجح في رصد كل هذه المعاناة والتحولات السياسية والفكرية المشحونة بمشاعر الحب والأمل.. إضافة إلى تلك النخبة من الفنانين العرب والأجانب، من فنانين وفنيين، والذي بلغ عددهم الـ 273 فناناً.. كما لا ننسى الإشارة إلى تلك الميزانية الضخمة التي قاربت الأربعة ملايين دولار أمريكي، ساهمت فيها أربع جهات إنتاجية عربية.. ليخرج لنا هذا العمل كملحمة درامية عربية جريئة، مليئة بالتفاصيل البصرية والسمعية، ومرتكزة على مستويات إبداعية استثنائية، إن كان من خلال تنفيذ الديكور الواقعي، أو استخدام موفق لتقنية الكومبيوتر في مزج التسجيلي بالدرامي، لإظهار التفجيرات والمشاهد الحربية بشكل شديد الواقعية.. وتوفيق واضح من المخرج في ضبط حركة كاميراته ومواقعها لتصوير مشاهد للحرب والدمار، مشابهة تماماً لما شاهدناه في نشرات الأخبار والتحقيقات التلفزيونية الحقيقية.

 

هنا البحرين في

02.12.2009

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)