جديد حداد

 
 
 
 

رؤية..

اللامبالاة بوصفها طريق

بين الحلم والواقع والذهاب إلى الجحيم

 
 
 

مجلة

هنا البحرين

 
 
 
 
 
 

في باكورة أعماله السينمائية الطويلة، يقدم المخرج خيري بشارة في (العوامة 40 ـ 1982)، شخصية أحمد الشاذلي، مخرج أفلام تسجيلية، يحلم بتقديم فيلم روائي طويل، إلا أن ظروفه المحيطة لا تساعده لتنفيذ حلمه هذا.. ونراه يعيش حلماً دائماً بالتغيير، فهو ينتمي لجيل ممزق فقد الكثير من حماسه والتزامه الثوري، وفقد كذلك القدرة على مواجهة الواقع بشجاعة، ففضل الاستسلام.. مدعماً بإحساس آخر أصعب هو اللامبالاة التي يحملها معه ويصبغها على كل تصرفاته.

ومن خلال موضوع الإختلاس وقضية العامل عبدالعاطي، تزداد حدة الصراع داخل أحمد الشاذلي، ويصبح رغماً عنه طرفاً فيه، بل مجبراً على اتخاذ موقف.. ولم يكن بالأمر السهل عليه، خصوصاً أن الفيلم يلقي الضوء على تاريخه وأحلامه وعلى علاقاته بمن حوله.. فأحمد الذي ترك الريف ليتلقى تعليمه في القاهرة يراوده شعور دائم بأن براءته قد سرقت، عندما ترك مكان نشأته.. فهو يرفض السكن في قلب القاهرة ويرفض أن ينصهر فيها.. نراه يسكن في عوامة على النيل، تجسيداً لتلك الهامشية التي فرضت على جيل كامل ودفعته إلى الاستغراق في اللامبالاة.

في مقابل شخصية أحمد اللامبالية، هناك شخصية وداد خطيبته، التي تعمل بالصحافة وتبدو أكثر إيجابية منه.. فهي المرأة الجديدة المثقفة المتحررة والملتزمة في نفس الوقت، والتي ترفض أن تكون تابعاً للرجل بل نداً له. وهي أيضاً نقيض النموذج النسائي الآخر الذي يقدمه خيري بشارة.. نموذج المرأة الضائعة في شخصية سعاد (ماجدة الخطيب)، الوجه النسائي لأحمد الشاذلي، فهما ينتميان إلى الوسط الريفي الذي يعيش تمزقاً بين قيم القرية وقيم المدينة.

من خلال علاقات أحمد الشاذلي بمن حوله، تتجسد الأزمة في داخله.. بالرغم من وجود بقية شجاعة قديمة يمتلكها، إضافة إلى الوعي الفكري الذي يتحلى به.. يتوضح هذا في المشهد الأخير، عندما يعلن أحمد موقفه الرافض لما يدور وإيمانه بأن الحل لن يكون بعمل أفلام عن قضية مقتل عبدالعاطي، وإنما عن دودة البلهارسيا التي تعيش في نخاع الفلاح المصري.

يناقش الفيلم في مجمل أحداثه.. أزمة جيل بأكمله.. بل ويدينه بشدة من خلال جميع تلك النماذج البشرية السلبية التي قدمها بجرأة.. مصراً على عدم خلق أي تعاطف مع شخصياته لدى المتفرج.. باعتبار أن المتفرج لا يجب أن يكون سلبياً، بل عليه أن يحكم على هذه الشخصيات ويرفض سلوكها.

 

هنا البحرين في

14.03.2007

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)