جديد حداد

 
 
 
 

رؤية..

السينما المصرية الجديدة

طريق مفتون بالواقع..!!

 
 
 
 

مجلة

هنا البحرين

 
 
 
 
 
 

في تعريف واسع وفضفاض لمفهوم (سينما الطريق).. يمكننا الحديث عن أفلام تتناول "الطريق" من خلال معاني كثيرة، منها النفسي والمعنوي، الروحي والفلسفي، الميتافيزيقي والعلمي.. كما يمكن الحديث عن البحث عن الذات، عن الآخر، عن عالم خيالي، افتراضي...

وقد اخترنا مناقشة هذا المفهوم في أفلام الثمانينات المصرية.. التي أسست لتيار سينمائي هام في تاريخ هذه السينما.. وهو "تيار السينما المصرية الجديدة".. هذا التيار الذي قدم فرساناً أنجزوا تجارباً وأفلاماً مغايرة لم تعهدها السينما المصرية من قبل.. تجارب متمردة على ما هو سائد، استطاع صانعوها التصدي لذلك التيار التقليدي المسيطر والثورة عليه. أبرز هؤلاء الفرسان.. محمد خان، خيري بشارة، عاطف الطيب، داود عبدالسيد.. مع قلة قليلة آثروا الثورة على التقليد وصنع السينما التي يعشقونها..!!

في أفلام السينما المصرية الجديدة، وجدنا إشارات لسينما ذاتية وحميمية، تعكس قضايا مجتمعية حساسة.. قضايا تهم المواطن الفرد، لكنها نابعة من تفاصيل مجتمعية لصيقة بالواقع المعاش.. أفلام نراها تنتمي لمفهوم (سينما الطريق) الواسع، باعتبارها تدعو للثورة والتحرر من قيود مجتمعية.. وتدعو للتغيير، للهجرة والتحول من وضع معيشي إلى آخر.. وتدعو لنقد الكائن والبحث عن أسلوب آخر للحياة.. أسلوب يتناسب والظروف الاجتماعية والنفسية الجديدة التي طرأت على المجتمع..!! 

 

المتاهة بوصفها طريق:

اللامنتمي تحت عجلة سيارة 

(طائر على الطريق ـ 1981) فيلم للمخرج محمد خان، تناول من خلاله عالم سائقي التاكسي، لينتقي منه شخصية فارس (أحمد زكي).. شخصية تجسدت فيها صفات النقاء والتردد والخجل والجرأة والتواضع والاندفاع.. شخصية غير قادرة على الانتماء الشكلي، ورافضة لأية تشكيلات أو تكوينات جاهزة.. شخصية يعتمل في داخلها تكتل رهيب من القلق والألم والاكتئاب، رغم إنها لا تعاني من أية ضغوطات مادية في حياتها اليومية.

بهذه الصفات والتصرفات، يبرز الفيلم شخصية فارس.. كشاب منطلق غير متصل بالواقع، بل ويعيش عالمه الخاص والمنفصل لممارسة حريته الشخصية.. جاعلاً من إنفصاله بديلاً للواقع، ومن هنا تأتي أزمة فارس والشخصيات التي تتصل به في واقع الفيلم.. وبرغم التناقضات التي يحدثها الواقع ولاإنتمائية فارس له، إلا أن الجميع في النهاية يسقط في طريق المتاهة.

ففارس غير متزوج، ويحاول أن لا يربط نفسه بأحد.. لذا نراه يتهرب من الارتباط بسيدة متزوجة.. لكنه يرتبط بعلاقة وجدانية عميقة بالفتاة البسيطة الذكية، التي يلتقي معها في أشياء كثيرة. وبالرغم من أنه لا يجد نفسه إلا معها، إلا أنه يتردد كثيراً عندما تفاتحه في الزواج، ويتابع إحساسه بأنه مجرد طائر محلق ومنطلق، ورافض لأي شكل من أشكال القيود. ولأن فارس يعيش هذا الواقع، فكان لابد له أن يخضع لهذا الواقع مهما كانت درجة تمرده عليه.. حيث نراه في حالة أخرى، حين يدفعه إحساس غريب، ويتحرك في داخله انجذاب خفي نحو تلك المرأة المتزوجة.. يتحول فيما بعد إلى عشق مجنون. ليجد فارس نفسه في موقف جديد عليه، يشده إلى أرض الواقع، خصوصاً بعد أن تثمر هذه العلاقة جنيناً في أحشاء حبيبته.. يجد نفسه سلبياً وعاجزاً عن القيام بأي تصرف إزاء طبيعة وضعه الجديد هذا.

يعيش فارس حالة من التردد والقلق والتحفز، ويحاول مقاومة تلك القوى الخفية التي تشده للواقع. وعندما يتخلى عن سلبيته وتهربه من مواجهة الواقع، يكون كل شيء قد انتهى.. تكون نهاية فوزية بانتحارها، ونهاية فارس اللامنتمي تحت عجلة سيارة.

 

هنا البحرين في

28.02.2007

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)