الجوع

إنتاج عام 1986

 
 
 

نشر هذا المقال في جريدة الأيام في 22 أكتوبر 1989

 
 
 
 

بطاقة الفيلم

 

سعاد حسني + محمود عبدالعزيز + يسرا + عبدالعزيز مخيون + سناء يونس

سيناريو وحوار: علي بدرخان, مصطفى محرم, طارق الميرغني ـ قصة: نجيب محفوظ ـ تصوير: محمود عبد السميع ـ مناظر: صلاح مرعي ـ موسيقى: جورج كازازيان ـ مونتاج: عادل منير

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 

الجوع

 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

تدور أحداث فيلم (الجوع ـ 1986) في عصر الفتوات، أي في نهايات القرن الماضي وبالتحديد في عام 1887. إلا أن المخرج علي بدرخان، قد اختار هذا العصر بالذات لطرح ومناقشة قضية صناعة الأبطال القياديين في كل زمان ومكان. حيث يحكي الفيلم عن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي إلى سقوط هؤلاء الأبطال.

وقد أنتجت في سنوات الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، مجموعة من الأفلام أطلق عليها اسم أفلام الفتوات شهد الملكة، التوت والنبوت، المطارد، الحرافيش.. وبالرغم من التشابه الكبير لهذه الأفلام، والمأخوذة عن رواية الحرافيش للكاتب نجيب محفوظ، ومشابهتها (شكلاً) بفيلم (الجوع)، وإدعاء البعض أنه مأخوذ عن نفس الرواية، إلا أن بدرخان يصر على أنه هو الذي كتب القصة، وصاغها على شكل سيناريو مصطفى محرم.

ويقول بدر خان في هذا الصدد: (...هذه الرواية من تأليفي، كتبتها عبر شهور طويلة. حقيقة لقد أفادني نجيب محفوظ من الحرافيش وأولاد حارتنا، كما استفدت من زوربا وكازانتزاكيس وعشرات آخرين، هضمتهم وتمثلتهم وكتبت الجوع...).(7)

عموماً ما يهمنا هو الفكر والمضمون الذي يطرحه بدرخان في فيلمه هذا. حيث أن السيناريو الذي اشترك بدرخان في كتابته كان دقيقاً وحذراً لكل تطورات الشخصية، وهذا ما يميز الفيلم عن تلك الأفلام السابقة الذكر. فالمخرج في فيلم (الجوع) يتابع مراحل صعود البطل (الفتوة) حتى سقوطه، ويحددها في عدة مراحل. الأولى هي مرحلة توفير بعض الخدمات للفتوة، والالتزام بتطبيق العدالة حتى على نفسه، وذلك لضمان استمرار وفرض حكمه الجديد. ثم مرحلة تحسين وضعه الاقتصادي الاجتماعي والوقوع في شرك الأثرياء الملتفين من حوله. أما المرحلة التالية فهي انخراطه في ميدان التجارة مستفيداً بمشروعية الكسب المادي. لكنه ينجرف إلى عالم التجار وألاعيبهم، ومن ثم يزداد بطشه وظلمه للناس، مما يؤدي ذلك إلى سقوطه.

هكذا يناقش بدرخان قضية هامة ومعاصرة، قضية الظلم والعدل وما بينهما. وهذا بحد ذاته هدف سام ونبيل، يضيف الكثير لرصيد المخرج الفني والفكري. وبالرغم من أن فيلم (الجوع) يدور في نفس الأجواء التي دارت فيها الأفلام السابقة، إلا أنه يظل أنضجها فكرياً وفنياً.

لنكون أكثر مصداقية في تقييمنا لفيلم (الجوع ـ 1986) لعلي بدرخان، سنناقش السيناريو الذي لم يخلو من بعض الإخفاقات. أهمها ذلك المرور السريع على مشكلة الجوع (فالفيلم يحمل عنوانها) فهو لم يحاول الاقتراب أكثر من الفقراء وتجسيد معاناتهم الجوع، باعتبارهم أكثر المتضررين من هذا القحط والمجاعة. فقد اكتفى بدر خان لتجسيد ذلك بالحوار المختصر وبعض المشاهد القصيرة نسبياً.

كذلك هناك قصور واضح في تقديم صورة واقعية صادقة للحرافيش. فبالرغم من تواجدهم في مشاهد كثيرة (للتعليق على الأحداث) إلا أننا لا نعرف لهم أية مهن محددة، وبالتالي أظهرهم الفيلم في شكل أقرب إلى المتطفلين، الأمر الذي لم يترك في نفس المتفرج أي احترام أو تعاطف معهم. فكيف يريد بدرخان إقناعنا بأنهم مؤهلون لقيادة أنفسهم والإنفراد بالحكم.

هذا إضافة إلى أن بدرخان لم يقدم للمتفرج مبررات وافية ومقنعة لذلك التحول السريع والمفاجئ لعلاقة سعاد حسني بعبد العزيز مخيون. كذلك المهمة التي قامت بها سعاد حسني، وهي تحريض الحرافيش على الثورة، فهي لا تكفي لإشعال روح المقاومة فيهم.

وبالرغم من وجود هذه السلبيات في السيناريو، إلا أن عناصر الفيلم الأخرى (تمثيل و موسيقى و تصوير) تضافرت جميعها للارتفاع بمستوى الفيلم الفني والتقني، فقد استطاع بدر خان بمساعدة مدير التصوير (محمود عبد السميع) إبداع كادرات وزوايا تصوير متقنة ومعبرة، وذلك للاستخدام الموفق للإضاءة، التي أدت دوراً كبيراً في التعبير الدرامي والإيحاء بعصر ما قبل الكهرباء والإضاءة الصناعية.

أما ذلك الديكور العبقري، فهو دليل على إصرار بدر خان على تقديم فن نظيف وسينما جيدة. فقد رفض تصوير أحداث فيلمه في حارة قديمة ومهلهلة انتهى عمرها الإفترضي موجودة في أستوديو نحاس، وأصر على بناء حارة جديدة تحمل كل المواصفات التي يريدها. لذا أنشأت حارة جديدة قام بتصميمها وبنائها الفنان صلاح مرعي (صاحب ديكورات فيلمي المومياء وأخناتون) بمساعدة طلاب معهد السينما. حارة كاملة بكل تفاصيلها الدقيقة وواقعيتها الموحية بالزمان والمكان، تكلفت أكثر من مائة ألف جنيه مصري. وبذلك يكون علي بدرخان قد أهدى للسينما المصرية حارة تاريخية، يمكن أن تبقى صالحة للتصوير أكثر من ثلاثون عاماً، تستثمرها وتستفيد منها الأجيال السينمائية القادمة.

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004