أهل القمة

إنتاج عام 1981

 
 
 

نشر هذا المقال في جريدة الأيام في 22 أكتوبر 1989

 
 
 
 

بطاقة الفيلم

 

سعاد حسني + نور الشريف + عزت العلايلي + عمر الحريري

سيناريو وحوار: علي بدرخان, مصطفى محرم ـ قصة: نجيب محفوظ ـ تصوير: محسن نصر ـ مناظر: ماهر عبد النور ـ موسيقى: جمال سلامة ـ مونتاج: سعيد الشيخ ـ إنتاج: عبد العظيم الزغبي

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 

أهل القمة

 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

يأتي فيلم (أهل القمة ـ 1981) ليكون إضافة كبيرة وهامة لرصيد بدرخان الفني. حيث قفز به إلى الصفوف الأولى في دنيا الإخراج في مصر. كما يعتبر (أهل القمة) من أهم الأفلام المصرية التي تناولت مرحلة الانفتاح الاقتصادي، بل وأنضجها، حيث يشكل إدانة مباشرة لهذا الانفتاح المشوه.

والفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة لنجيب محفوظ، حولها بدرخان، مع السيناريست مصطفى محرم، إلى فيلم جريء ومثير حقاً، يمس قطاع كبير من المجتمع المصري، ويتعرض بالنقد والتحليل لقطاع اجتماعي أوجدته الظروف الاقتصادية الجديدة في الشارع المصري المعاصر، ألا وهو قطاع التجار المهربين.

يتناول الفيلم ثلاث شرائح أو أنماط من المجتمع المصري، وذلك من خلال ثلاث شخصيات رئيسية.. الأولى: زعتر النوري (نور الشريف) ويمثل نمط النشالين. والثانية: زغلول بيك (عمر الحريري) ويمثل نمط الحرامية الكبار المتسترين برداء البر والتقوى الذين تحميهم السلطة. أما النمط الثالث فهو الضابط الشريف المخلص لوظيفته، ويمثله محمد فوزي (عزت العلايلي). والفيلم يركز على التحول الذي يحدث للنمط الأول، وذلك لأن النمطين الآخرين واضحان، أما الأول فهو الذي يتشكل بالتدريج ليتحول إلى طبقة اجتماعية جديدة، أكثر خطورة في مجتمع الانفتاح.. طبقة تجمع بين النمطين. لذلك نرى بأن الفيلم قد أوحى بذلك، عندما استبدل اسم «زعتر النوري» بـ «محمد زغلول». ومحمد زغلول هذا ـ المنبثق من الجهل والانتهازية والذي يطمح لإثبات وجوده على الساحة ـ يشكل أساساً لطبقة جديدة هجينة، ليست لها أية مبررات أو مقومات للظهور سوى أسلوبها في الكسب المادي الغير مشروع، والذي حصلت عليه في عصر الانفتاح. صحيح بأن الفيلم يكاد لا يدين هذه الطبقة الجديدة، وصحيح بأنه يسعى لكسب تعاطف المتفرج نحوها، بل وينجح في ذلك.. إلا أنه، ومن خلال أحداثه مجتمعة، يكشف مدى خطورة هذه الطبقة وتأثيراتها المستقبلية على المجتمع. ويعلن صراحة، بأن الوضع الاجتماعي إذا بقى على ما هو عليه، سيصبح مجتمعاً تسوده الفوضى والانتهازية ويتحكم فيه هؤلاء الحرامية والمهربين، من هذه الطبقة الاجتماعية الجديدة.

يتحدث بدرخان عن فيلمه هذا، ويقول: (...بالنسبة لأهل القمة، فأنا أناقش فترة التحول الإقتصادي والمفاهيم الاشتراكية ، وظهور مفاهيم جديدة. أصبح هناك قيم جديدة تحارب القيم الأصلية الموجودة. الناس بدأت تعتقد بأن الشاطر هو الذي "يهبر"...).(6)

إن فيلم (أهل القمة) لا يحوي أحداثاً شديدة الإثارة، وإنما الأفكار التي يناقشها مثيرة حقاً وواقعية جداً، بحيث لا يتخللها الملل، هذا بالرغم من بعض الرتابة التقليدية في الإخراج.. رتابة تقليدية لكنها حافظت على هدوء المشاهد وتسلسلها، وأتاحت للحوار ـ الذي اعتمد عليه الفيلم كثيراً ـ أن يأخذ حقه في الظهور.. حوار ساخن متدفق وغير مفاجئ، ساهم في توصيل الصورة المرسومة بهدوء دون إثارة أو افتعال. إن بدرخان في فيلمه هذا قدم أسلوب السهل الممتنع، وذلك باعتماده على الأسلوب الواقعي البسيط، والمعتمد أساساً على إبراز التفاصيل الصغيرة والشخصيات الثانوية، وذلك لإغناء الخط الدرامي الرئيسي وتعميقه. فمن المشاهد الجيدة التي تألق فيها بدرخان كمخرج، تلك المشاهد التسجيلية لسوق ليبيا، سوق البضائع المهربة، والتي نفذت بتقنية عالية، أثبت فيها قدرته على تحريك الكاميرا بخفة وسلاسة ملحوظة بين الجموع المحتشدة في السوق، وإطلاقها وسط الزحام انتقل لنا عشرات الوجوه المتعبة. كما أن هناك مشاهد أخرى تدل على تمكن بدرخان في إدارة أدواته الفنية والتقنية، كمشهد وداع »سهام«لحبيبها في المطار، والذي بدا أقرب لمشاهد وداع الموتى. كذلك مشهد حديث »سهام« عن حياتها لزعتر النوري، والذي نفذه بدرخان في لقطات قصيرة وسريعة معبرة، أخذها من عدة زوايا موفقة وجميلة لمدينة القاهرة. هناك أيضاً مشهد النهاية المؤثر لذلك الزفاف المأساوي، وسط جو مليء بالحرامية والنشالين والمهربين في قلب سوق البضائع المهربة، والحيرة والقلق تبدوان على وجه الضابط الذي أجبر بالطبع على قبول هذا الوضع الشاذ، حيث نراه ـ في لقطة قوية ومعبرة ـ يغوص وينغمس في زحام سوق الانفتاح، معلناً هزيمته أمام هؤلاء الحرامية.

ولكن بالرغم من كل ما حمله الفيلم من أفكار إيجابية، إلا أنه قد احتوى على سلبيات، أهمها تلك العجلة في تنفيذ بعض المشاهد، والذي يبدو واضحاً في تنفيذ ديكور مقهى النشالين، الذي تم بناءه على عجل ودون دراسة متأنية، مما أعطى الإحساس بزيفه وعدم واقعيته. وإلا ما تفسير أن نجد ديكور وإكسسوارات شقة الضابط تعبر تماماً ـ ببساطتها ـ عن الوضع المعيشي لموظف متوسط الدخل. كذلك نلاحظ ذلك الأداء المبالغ فيه لعايدة رياض في مشهد زيارة الضابط لبوتيك زعتر، وفي مشاهد أخرى عديدة. أما الموسيقى التصويرية، فنجد بأن بدرخان لم يستطع توظيفها للتعبير والتعليق على بعض أحداث الفيلم.

إن لجوء بدرخان ـ أحياناً ـ لمغريات السوق التجارية، قد أوقعه في أخطاء ألحقت الضرر بالفيلم، أكثر من الإضافة إليه. وقد دفعنا لقول ذلك، هو حشر شخصية »سمعان« الذي لا يسمع أثناء مطاردة المهربين. صحيح بأنه قد أضحك المتفرج، إلا أنه لم يضف شيئاً لموضوع الفيلم. بعكس المشهد الذي ينتفض فيه »محمد زغلول« ـ وبشكل لا إرادي ـ لمجرد أنه سمع الناس يرددون كلمة حرامي، إثناء مطاردتهم لأحد الحرامية.. إنه حقاً موقف كوميدي، ولكنه في نفس الوقت، ذا دلالة قوية تدخل في صلب الموضوع وتغنيه.. فنحن نقبل هذا الموقف، ولا نقبل ذاك. 

وبالرغم من هذه الملاحظات، إلا أن (أهل القمة) يبقى فيلماً هاماً وناجحاً، على صعيد النقاد والجماهير على حد سواء. وقد ساهم في نجاحه هذا، تركيزه على سلبية واحدة من سلبيات الانفتاح (التهريب)، بدل الضياع والتشتت في مواضيع كثيرة.

يتحدث بدرخان عن هذا النجاح الذي حققه في أهل القمة، ومن قبله في الكرنك، فيقول: (...إنهما قد عبرا عن حقيقة داخل الناس فأقبلوا عليهما، وكان فيهما صدق للواقع وتحليل للناس لما يرونه في أنفسهم. فما معنى أن تخرج فيلماً تعرض للفراخ الفاسدة والبيض الفاسد، دون تحليل يعرف أكثر مما يعرضه الفيلم، ولكنه لا يحلل للجمهور أي شيء.. فالجمهور يرى أنه تعرض عليه حوادث الفراخ الفاسدة وغيرها في السوق دون تحليل، فإنه يتهم الفنان بأنه يتاجر عليه بالفراخ الفاسدة لترويج فيلمه، وبالتالي يقول له أنت تخرج له أفلاماً فاسدة. وبالتالي هناك فرق بين مجرد عرض القضية وبين تحليلها للجمهور).(6)

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004