كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

سينما منزلية

عدنان مدانات *

ثمة فيلم صيني حديث بعنوان ''صيد الثعلب الأحمر'' يفتتح مشهده الأول بعارض أفلام في صالة سينما يعلن للحضور أن هذا سيكون العرض الأخير في الصالة التي ستغلق أبوابها نهائيا بعد العرض. وفي ما يلي من أحداث الفيلم يقرر العارض في اليوم التالي الذهاب في رحلة صيد إلى غابة بعيدة بهدف تحقيق فعل بطولة شبيه بأفعال البطولة التي طالما شاهدها في الأفلام التي كان يعرضها على الجمهور خلال السنوات المنصرمة. ومشهد البداية بطبيعة الحال هو مرثية لسينما على وشك الانقراض.

ويتضمن الفيلم الإيطالي الشهير ''سينما براديسو'' الذي تجري جل أحداثه في صالة سينما ريفية، مرثاة مؤثرة لصالة سينما كانت لسنوات مديدة جزءا أساسيا من حياة سكان البلدة وتحولت بعد احتراقها إلى مرآب للسيارات شاهده المشاهدون في نهاية الفيلم وأثار دموع العديد منهم. والقصة تروى من خلال ذكريات مخرج سينمائي عشق السينما منذ كان طفلا بشاهد الأفلام في تلك الصالة بمعية العارض العجوز ويتعلم منه كيف يعرض الأفلام.

عُرض ضمن الأفلام القصيرة في الدورة الحادية عشر لمهرجان الإسماعيلية الدولي للفيلم التسجيلي والقصير، فيلم مغربي عنوانه ''بالحب'' بطول ست دقائق قدمته مخرجة شابة اسمها غزلان آصيف، وهي تنتمي زمنيا إلى جيل مخرجي أفلام الفيديو، هو بمثابة مرثية حب تتحدث فيه عن صالات السينما في مدينة طنجة التي كان الناس يحبون مشاهدة الأفلام فيها والتي أصبحت مهجورة نتيجة الغزو التلفزيوني وأشرطة الفيديو. ومن ضمن الصور التي يعرضها الفيلم لقطة لصالة سينما فارغة وفيها مقاعد تالفة يغطيها الغبار. ولكن الفيلم المغربي، وبعكس الفيلمين سالفي، الذكر لا يكتفي بنعي صالات السينما، بل يقارنها مع البديل الحالي من خلال عرض لقطات تصور الهوائيات اللاقطة للبث التلفزيوني المزروعة فوق أسطح الأبنية والتي تشوه منظر المدينة كما تغير عادات المشاهدة.

في الماضي كانت مشاهدة الأفلام تتم في صالات ضخمة وبمعية أعداد من الناس فيما يشبه الاحتفال الجماعي غير المعلن بالسينما، وفي الوقت الحالي صار بالإمكان أن يشاهد المرء الأفلام وحيدا معزولا داخل حجرة صغيرة. وهذا التطور يعتبر في عرف الكثيرين من محبي السينما أمرا سلبيا لأنه يفقد مشاهدة الأفلام حجما كبيرا من متعتها كما انه يقدم خبرة ومعرفة ناقصتين بجماليات ومضمون الفيلم.

غير أن واقع الحال لا يقتصر على ذلك، فنتيجة للتطور الذي فرضه انتشار التقنيات الرقمية، ليس فقط في مجال عادات مشاهدة الأفلام، بل أيضا في مجال صنعها، صار يمكن استخدام مصطلحين متداخلين هما ''سينما الصالة'' و''سينما الحجرة''. سينما الصالة هي السينما التي نعرفها وما نزال نعيش معها حتى اليوم وإلى أمد غير منظور صناعة وفرجة، أما سينما الحجرة فهي نوعان، الأول منهما هو المتعلق بمشاهدة الأفلام السينمائية من خلال شاشة صغيرة الحجم تقبع في الحجرة وتفتقر إلى معظم ميزات مشاهدة الأفلام في صالات السينما الجماعية، والثاني يتعلق بالأفلام التي صار يصنعها هواة يستفيدون من سهولة استخدام التقنيات الرقمية والتي شاع إطلاق اسم ''السينما المستقلة'' عليها والتي تعرض ضمن حلقات معارف ضيقة، وفي أحسن الأحوال، تجد لها مكانا ضمن البث التلفزيوني أو ضمن مهرجانات خاصة تحتفي بها.

هذا النوع الثاني من سينما الحجرة يقدم نماذج متمردة على تقاليد صناعة الأفلام التي تبحث عن الجماهيرية والربح، نماذج لا علاقة لها بشباك التذاكر، يمارس صانعوها حريتهم في التعبير والتجريب الشكلي، يرضون من خلالها طموحاتهم الإبداعية الشخصية، ولقاء ذلك يكتفون بتلقي عبارات المديح من الأصدقاء وبما قد يحصلون عليه من جوائز من المهرجانات.

تضفي سينما الحجرة التي يتزايد يوما إثر يوم حجم المنتمين إليها والمنخرطين في إنتاجها صفةَ الشرعية على أفلام الحجرة الرقمية المستقلة، رغم ما يعتور العديد منها من ضعف فني أو خلل أسلوبي أو غموض دلالي بما يتسبب في جعل العديد من النقاد وصانعي الأفلام السينمائية المحترفين يستخفون بها، وتهيئ بذلك الأرضية للتعود على نمط أفلامها ولتقبل مسبق لما يمكن توقعه من تطورات المستقبل التي ستتحرر من خلالها الأفلام من سطوة الصناعة وستتحول ممارسة إنتاج الأفلام إلى وسيلة رئيسية للتعبير الذاتي الإبداعي تمتلك خبراتها الخاصة وتطور وسائلها التعبيرية المناسبة والناضجة، أفلام يجسد انتشارها الحر حالة من الديمقراطية والعدالة الإبداعية الفنية حيث لا تعود صناعتها تقتصر على قلة محظوظة.

مع ذلك، ففي المفاضلة بين ظروف مشاهدة الأفلام في الحجرة وظروف مشاهدتها في صالة السينما ستنحاز لصالح صالات السينما. وفي الواقع، ففي مقابل إغلاق العديد من صالات السينما أبوابها في أرجاء مختلفة من العالم، يجري افتتاح صالات جديدة ضمن مجمعات تجارية ضخمة. وفي حين أن العروض في صالات السينما الحالية ما تزال تعتمد على التقنيات القديمة المبنية وفق شرائط السليلويد من مقاس 35 ملم، فإن التطور التقني سيقود حتما إلى استبدال هذه التقنيات بوسائل عرض تلفزيونية رقمية.

* ناقد سينمائي أردني

الرأي الأردنية في 11 يناير 2008