بعد مرحلة قدّم خلالها أفلاماً وثائقية درامية عكست رؤيته،
يعود المخرج اللبناني برهان علوية إلى السينما الروائية في فيلم «خلص» وهو
شريط غامض وملتبس من بطولة فادي أبو خليل وريمون حصني وناتاشا الأشقر، حيث
يلقي الضوء على مجموعة شخصيات استغلتها الحرب الأهلية اللبنانية ومن ثم
همّشتها.
مهما حاول هؤلاء نسيان تجربة الماضي، حيثما رحلوا وكيفما
تأقلموا مع الواقع الجديد المطروح أمامهم، فمأساة الحرب لا تزال مغروسة في
أعماق شخصيات علوية التي تبحث عن خلاص لا تجده إلاّ في الضياع والبحث
المضني عن الذات. يحمل «خلص» قدراً من الأسئلة الآنية عمّا يحوطه ويحوطنا
من إشكاليات. أمّا التصوير ومراحل التحضير له، فكان أشبه بملحمة، يتقبله
علوية كهدية من القدر يجب التعامل معها بحكمة، مؤكداً أن أفلامه مغامرة لا
تعرف كيف تنتهي. وإذا رغبت في أن تلفت نظر علوية إلى أن هذا البيت الذي
يرينا إياه في الفيلم لم يعد له الموقع الذي كان له سابقاً، يعترض قائلاً:
«ولكن المثقفين بقوا.
البيت انتهى، أصبح في العالم. فإذا أردت أن أنجز فيلماً عليَّ
أن اذهب إلى بلدان عدة. أنجزت «خلص» في أربعة بلدان: فرنسا وبلجيكا ولبنان
وبلغاريا». مرّة أخرى يؤكد علوية، وهذه المرّة عبر «خلص»، انه ليس «مخرجاً»
بل «مخرج أفلامه»، ذلك أن نتاجه الجديد يشبهه ونشعر أن هناك شخصاً نعرفه
وأن هذه أفكاره. لكن بالنسبة لعلوية فإن حياة المخرج أهم من أفلامه. لأنها
تتضمّن أفلامه التي أنجزت والتي لم تنجز، لكن المشكلة أنها (أفلامه) تبقى
أطول منه.
ولعل جزءاً ممّا يساهم في منحنا هذا الشعور هو هذه المساحة
الشاسعة التي تحتلها بيروت في الفيلم، وهي أشبه بشخصية، بحيث نشعر أنها لم
تعد تستوعب المواطنين الذين يعيشون فيها، لذا، هناك هذه الأزمات كلها وهذا
العجز عن التواصل، وهناك مبان تشيَّد ولكن ليس ثمة بشر. وهو شعار قديم لكنه
يتبيّن لنا الآن أنه مهم».
أمّا عن شخصياته الثلاث التي أنجرّت خلف الوهم، معتقدين أنهم
من شوارع بيروت يمكنهم تغيير الدنيا كلها، يقول علويّة إن تعاطفه معهم ليس
تعاطفاً مع تصرفاتهم بل مع حالتهم ومع الهزيمة والانسحاق. فهي هزيمة جيل،
وكلٌّ عبّر عنها على طريقته.
خلافاً لأفلامه الأخرى الأكثر وضوحاً وشفافية، ثمة تجرّد هنا
في المعالجة يطفو على السطح، وثمة أمور لن يفصح عنها أبداً. ولعل هذا يشير
إلى فشل التواصل في المجتمع اللبناني، لاسيّما في مرحلة ما بعد الحرب. بحسب
علوية، فإن جميع أفلامه تعيش عدم التواصل هذا. ولا تفهم ماذا يقول الممثلون
إلا لاحقاً. فهم يقولون جنونهم.
في هذا الفيلم خلل في التواصل بينهم وبين المدينة، بينهم وبين
نسائهم، بينهم وبين ابنهم والجميع. لكن في المحصّلة، أكثر ما يزال متمسكاً
فيه برهان علوية هو حاجة العرب إلى تشكيل صورتهم بأنفسهم ليس في ريبورتاج
تلفزيوني بل في السينما، حيث التجربة والمغامرة، وحيث إبداع الصورة والعمل.
جائزتان
في دبي
حاز علوية على جائزتي أفضل سيناريو ومونتاج عن فيلمه الروائي
الثالث «خلص» في الدورة الرابعة لمهرجان دبي السينمائي الدولي التي عقدت
الشهر الماضي في دبي. وهذا الفيلم الذي أتم تصويره المخرج اللبناني قبل نحو
ثلاث سنوات، رافقته صعوبات إنتاجية لا تحصى ومعاناة لتحويل الخيال حقيقة.
خوف على
الثقافة
عبر علوية عن خوفه على مستقبل الثقافة في البلدان العربية،
قائلاً إن الشعب الذي يتخلّف ثقافياً سيتخلف من كل النواحي. ويضيف:
«الثقافة ليست للتجارة، وفي هذا المجال نحن رواد. لطالما كان لبنان بيتاً
للدول العربية الأخرى. الآن، بتنا ننظر إلى ثقافتنا وكأنها نوع من
التسلية».
البيان الإماراتية في 11
يناير 2008
|