اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

رحيل العملاق يوسف شاهين

 

وداعاً شاهين

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

 

حدث

رحـيل فارس التناقضات على ساحة السينما العربية

 
     
  

وداعا شاهين

* عمــاد النويــري

رحل يوسف شاهين وقبلها رحلت ذاكرته وغاب عن الوعي في مشهد سينمائي مؤثر لايختلف كثيرا عن المشاهد التي حفلت بها أفلامه. ومكث لمدة شهر غائبا عن الوعي وكأن وعيه يرفض ان يغيب. انتهى صراع شاهين مع نفسه بعد صراع طويل مع الأحباب والأصحاب والأصدقاء والأعداء والبسطاء والحكام. غاب أخيرا عن الوعي بشكل رسمي أعلنته الحكومة واحدا من أهم المخرجين العرب الذين أقاموا الدنيا وشغلوا الناس. وسواء شئنا أم أبينا، وافقنا او ترددنا في اعلان ذلك فان يوسف شاهين هو الأب الروحي للسينما العربية الحديثة، وهو المؤسس لهذه السينما على مستوى المضمون والشكل. شاهين هو المتمرد ضد جميع أشكال القهر وهو المؤسس لسينما الأنا التي تطرح مشاكلها الذاتية الفردية وتحاول ان تتواصل مع الآخر من خلال هذه المكاشفة، وتعانق حين تنطلق متحررة من أسرها، الوجود كله. السينما التي قدمها لنا شاهين عبر افلامه عالجت جميع الأنواع وتمثل لنا عالما يلتهم مظاهر الحياة كافة. قدم لنا الكوميديا؟ في «بابا أمين» والدراما الاجتماعية في «ابن النيل» والميلودراما في «نداء العشاق» والكوميديا الموسيقية في «بياع الخواتم» والدراما الملحمية في «صلاح الدين» و«المهاجر» و«وداعا بونابرت» والسينما الحديثة في «الاختيار» والفيلم الوطني في «جميلة بوحريد» كما قدم لنا فانتازيا السيرة الذاتية في «حدوتة مصرية» و«إسكندرية ليه؟» و«إسكندرية كمان وكمان» و«الاخر» وفي كل افلامه كان الموضوع الرئيسي هو الهوية.

إذا حاولنا الاقتراب من سينما شاهين فان المفردة السينمائية وهي اللقطة تعتبر أداة رئيسية وضرورية في البناء التقني، فاللقطة ليست مجرد جزء صغير من المشهد أو كادر فارغ من اي تشكيل، عند دراسة فيلم كعودة الابن الضال أو «إسكندرية ليه؟» أو «حدوتة مصرية» او حتى لو عدنا إلى الوراء وتناولنا «باب الحديد» فسنجد أن اللغة التي يرسم بها شاهين مضامين افلامه لغة سينمائية متقدمة تدل على استيعاب كامل لتقنية السينما، وقدرة على استخدام هذه اللغة لتقديم شكل فني متميز للتعبير عن مضامين فكرية مختلفة. ان هناك اختلافا شاسعا بين الصورة الجمالية لذاتها التي تبدو حسنة الصنعة والصورة الحية ذات الانفعال والتوتر الحقيقي التي وظفت لها المؤثرات كافة من إضاءة وظلال وحركة وإحساس. في فيلم «إسكندرية ليه؟» وفي المشهد الذي يقوم فيه يحيى بأداء دور هاملت في الفصل نجد أن الصورة السينمائية هنا تحتوي المنظور من جميع الجوانب والأبعاد وإذا كان للصور من بعدين رئيسيين هما الطول والعرض فان البعد الثالث وهو العمق ونادرا ما تعرفه السينما العربية يبرز هنا بشكل واضح. فعندما يبدأ يحيى بأداء المشهد يكون توتره عاليا منذ البداية وبالتالي فان الصورة السينمائية تكاد تكون كاملة مادام خلق الانفعال لدى البطل منذ البداية باستخدام التكنيك كحركة الزوم العنيفة ذات الاهتزاز الداخلي بالإضافة إلى القطع السريع المكثف والمتوتر على وجه يحيى ثم القطع السريع على وجه الأستاذ ثم العملية نفسها متكررة على وجوه يحيى والمدرس والطلبة. هذا التقطيع السريع الإيقاع مع إضاءة تبدو شديدة الحدة حينما تقطع الكاميرا على وجه يحيى وشاحبة تقطع على وجه المدرس والطلبة. هذا التلوين يخلق حالة التصعيد في الموقف الدرامي وبالتالي يزيد شحنة الانفعال والتوتر.

وفي «عودة الابن الضال» تمكن يوسف شاهين عبر اللقطات القصيرة ذات النفس القصير والتي تعتمد على التقطيع السريع الناعم حينا أخر من ان يقدم الأفكار في كوادر متميزة كما ولكانت لوحات تنبض بالحياة. وعبر مساحة الفيلم الزمنية كلها أتت حركة إيقاع اللقطات جذابة ومثيرة بفنيتها فالمشهد الذي يتواجه فيه إبراهيم وجده بخشبة طويلة يضعانها على انفهما ويدوران بها في هذا المشهد على سبيل المثال يبدو شاهين كما لو كان فنانا تشكيليا.

ونجد في «حدوتة مصرية» من الناحية الفنية لغة متقنة وهي صعبة للغاية، ففي مشاهد المحاكمة وفي المكان الذي وقف فيه الطفل يحيى «ضميره البدائي» كانت الخطوط الضوئية وحواجز وأبعاد الكادرات مرسومة بعناية فائقة.

ويمكن التوقف عند اكثر من محطة تميز في العديد من أفلام شاهين التي قدمها خلال رحلة عامرة وحافلة بالحياة.

ان أي مراجعة بسيطة لأفلام يوسف شاهين ولسينما يوسف شاهين إنما هي مراجعة عكسية في واقع الأمر للتاريخ العربي المعاصر منذ الخمسينات ولغاية يومنا هذا.

ويمكن إرجاء التناقض الملحوظ في سيرته السينمائية طيلة السنوات الأخيرة إلى السير المتعرج للعمل السياسي في الوطن العربي الذي خرج إلى العالم بمبدأ تطبيق الوحدة بمثل الطريقة التي أدت إلى نشوء عصر الانفصال وأخيرا التفتت الموجود في الوطن العربي الذي يعيش ازهى فترات انحطاطه.

ان أفلام شاهين  تحتاج إلى أكثر من مشاهدة لأنها أفلام تحرض - بعد استمتاعنا بقيمتها الفنية العالية وجماليتها الحديثة - على التفكير، وتحثنا على التغيير بجرأة مذهلة، وتعلمنا منظومة من القيم، لعل أهمها قيمتا التأمل والتسامح اذا كان هناك ما يدعو إلى التسامح.

يعود الابن الضال ليستريح

 ونقول وداعا ايها المخرج الكبير  


تاريخ حافل

القاهرة – خالد بطراوي

برحيل عبقري السينما المخرج يوسف شاهين، فقدت الساحة الفنية احد اهم المخرجين في تاريخ السينما المصرية والعالمية، فهو صاحب اعمال رسمت ملامحها الفنية بخصوصية شديدة التوهج، فهو «ابن النيل» وصديق شخصي «للابن الضال»، تربطه بـ«جميلة بوحريد» علاقة حميمة.. عشق «الارض» واحب «بياع الخواتم».. تعلق بـ«العصفور».. وعندما زادت همومه ذهب ليلقي بها بين احضان شاطئ الاسكندرية الرحيب.. وعندما سألوه «اسكندرية ليه»!! اجاب: اسكندرية «كمان وكمان»، تلك هي «حدوتة» يوسف شاهين مع السينما المصرية.. وبالطبع هي «حدوتة مصرية» خالصة!!

ولد يوسف شاهين أو «جو» كما يحلو لاصدقائه ان ينادوه في الخامس والعشرين من شهر يناير (كانون الثاني) عام ١٩٢٦ في مدينة الاسكندرية لام يونانية واب من اصل لبناني يعمل محاميا امام المحاكم المختلطة، تلقى تعليمه الابتدائي في مدارس الفرير ثم انتقل الى المدرسة الانكليزية «فيكتوريا كولدج» حتى حصل على شهادة الـ«هاي سكول».. واخيرا قضى عاما في جامعة الاسكندرية.

وفي «باسادينا بلاي هاوس» بكاليفورنيا القريبة من لوس انجلوس في الولايات المتحدة الاميركية، تلقى يوسف يوسف شاهين دراسات السينما والفنون الدرامية لمدة عامين، وبعد عودته الى القاهرة عمل كمساعد للمخرج الايطالي الفيزي اورفانللي في فيلم «اصحاب العقول» بطولة بشارة واكيم وفوزي مينا عام ١٩٤١.

في سن الثالثة والعشرين كتب يوسف شاهين لنفسه اول سيناريو لفيلم سينمائي اصر ان يخرجه بنفسه وهو «بابا امين» مما اثار دهشة واشفاق السينمائيين المحترفين.. وانتظر الجميع النتيجة في فضول وكانت هذه النتيجة جيدة ورائعة.. قلب يوسف شاهين كل المعطيات التقليدية، فاقتحم ميدان اللاشعور.. ومنذ اول فيلم استطاع ان يكون له اسلوبه المميز وهو اسلوب مخرج رقيق.. مفرط في الحساسية.. فيه شاعرية العذراء عندما تحب وتتألم وتخجل. وقد اخرج يوسف شاهين، منذ بدأ مشواره السينمائي وحتى الآن، ٣٥ فيلما حاول من خلالها الخروج بالفيلم المصري الى مستوى عالمي.

اما ثاني افلامه «ابن النيل» (عام ١٩٥١) فيدل على مدى اهتمام يوسف شاهين باختيار اماكن التصوير الجميلة المريحة للعين.. ويعتبر فيلم «حب الى الابد (١٩٥٩) من اهم الافلام التي عالجت الجريمة.. وقد اهتم يوسف شاهين ايضا في افلامه بالصراع والرغبة، فقدم افلام «صراع في الوادي» و«صراع في المينا» و«شيطان الصحراء».

واقعية جديدة

ويعتبر فيلم «باب الحديد» (عام ١٩٥٨) نموذجا للواقعية الجديدة التي ترسمت خطى الموهبة الجديدة في السينما الايطالية، واستطاع ان يصور يوما كاملا في محطة باب الحديد حيث تتابع سلسلة من الاحداث: قصة حب، وجريمة قتل، وحالة جنون.. كما اهتم يوسف شاهين في افلامه بالكثير من القضايا، فقدم فيلم «نداء العشاق» (عام ١٩٦٠) استعرض فيه حياة الغجر من خلال مغامرة درامية طويلة ومعقدة، واهتم بالعلاقات الاسرية والانسانية، كما اهتم ايضا بالقضايا الوطنية فقدم فيلم «جميلة بوحريد» عام ١٩٥٨.. وتصدى فيه للصراع الجزائري الفرنسي.

وفي عام ١٩٦٤ هاجر يوسف شاهين لفترة عمل خلالها في لبنان حيث اخرج اول افلام فيروز «بياع الخواتم» ثم فيلم «رمال من ذهب» كانتاج مشترك بين لبنان واسبانيا، ثم عاد الى مصر ليبدأ رحلة النضج في افلام رسخت اقدامه كاول سينمائي عربي يدخل السينما العالمية.. افلام حكى فيها قصة مصر عبر مراحل تاريخها المعاصر من مصر الاحتلال الانكليزي الى مصر الناصرية الى مرحلة التمزق العربي!

اعتراف عالمي

وكان فيلم «الارض» بداية الاعتراف العالمي بالمخرج يوسف شاهين.. فعندما عرض الفيلم لاول مرة في مهرجان «كان» عام ١٩٧٠، وقف مدير القسم الفني في اليونسكو وقال: ايها الاصدقاء، لقد شاهدنا الليلة عملا سينمائيا عالميا رائعا سيدخل تاريخ الفن السينمائي!

لقد تحولت رواية عبدالرحمن الشرقاوي «الارض» الى رائعة هي قمة الواقعية بالسينما المصرية.. بعدما رسخت اقدام يوسف شاهين الفنية وبدأ طريقه الى السينما العالمية!

وخلال هذه الفترة، قدم يوسف شاهين افلاما مأخوذة من اعمال ادبية لكبار الكتاب مثل: نجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي وعبدالرحمن الشرقاوي وصلاح جاهين وحسن فؤاد ولطفي الخولي وغيرهم.. وهي افلام تتناول نقدا اجتماعيا سياسيا للنظام الذي افرز شخصية محمد ابوسويلم في فيلم «الارض» الذي يعتبر احدى العلامات البارزة في تاريخ السينما المصرية، ومنها فيلم «العصفور» (عام ١٩٧٤) الذي يعتبر ايضا من الاعمال القليلة التي وجهت نقدا حادا إلى السلطة السياسية.

اما المفاجأة في «اسكندرية – نيويورك» عام ٢٠٠٤ والذي تناول احداث ١١ سبتمبر التي وقعت باميركا، فهي ان هذا الفيلم هو الجزء الرابع من رباعية يوسف شاهين التي تقدم سيرته الذاتية وسبق ان قدم ثلاثة اجزاء منها هي افلام: «اسكندرية ليه، وحدوتة مصرية، واسكندرية كمان وكمان».

تجديد واختلاف

كان يوسف شاهين يسعى منذ اول افلامه «بابا امين» وحتى «هي فوضى» الى التجديد والاختلاف وتقديم اعمال استثنائية، ولهذا اصبح صاحب الاعمال الرائعة المتميزة التي اسهمت في اثراء الحركة السينمائية والتي من بينها افلام تعتبر من كلاسيكيات السينما المصرية المبهرة.

ومما يذكر انه في استفتاء احسن مائة فيلم مصري الذي اجراه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لعام ١٩٩٦، بمناسبة مئوية السينما المصرية، حصل المخرج يوسف شاهين على المركز الاول برصيد ١٢ فيلما اختيرت ضمن المائة فيلم، هي: «الارض، باب الحديد، الناصر صلاح الدين، صراع في الوادي، اسكندرية ليه، العصفور، عودة الابن الضال، المهاجر، الاختيار، جميلة بوحريد، ابن النيل، حدوته مصرية».

كان يوسف شاهين يحيط اعماله بسرية تامة، ويتكتم تفاصيلها، ويمنع ابطاله من اجراء حوارات صحفية يتناولون فيها ادوارهم.. وكان يقول ان احب اعمال السينمائية اليه فيلم «باب الحديد» الذي اختير ليكون واحدا من اهم ٢٠ فيلما في تاريخ السينما في العالم، وفيلم «اسكندرية ليه» لان فيه جزءا مهما من حياته، وايضا فيلم «المصير» لان فيه خلاصة تجاربه.

اهم ما يميز المخرج يوسف شاهين انه على الرغم من المتاعب الصحية التي كان يواجهها فإنه ما ان يبدأ التصوير حتى ينسى جميع آلامه ويتحول الى شاب في العشرين من عمره ويؤدي حركات استعراضية وتمثيلية تتطلب مجهودا كبيرا.

حوار وتحريض

تاريخ المخرج يوسف شاهين الذي اكتشف النجم عمر الشريف، والذي اكتشف ايضا العديد من الممثلين والممثلات، حافل بالعديد من الجوائز والمشاركات الفنية حيث كان رابع مخرج سينمائي عالمي يكرمه مهرجان «لوكارنو» السينمائي الدولي التاسع والاربعون الذي اقيم في سويسرا عام ١٩٩٦، وقد تم اعداد موسوعة لجميع اعماله (٣٥ فيلما طويلا و٥ افلام قصيرة) عرضت خلال فترة المهرجان.

كما نال يوسف شاهين درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة «بروفانس» الفرنسية في مرسيليا عام ٢٠٠٢، وهي الدكتوراه الفخرية الثالثة في حياة «جو» الذي وضع اسمه بحروف من ذهب في قائمة من اهم مخرجي السينما في العالم.

رحل يوسف شاهين عن عالمنا بعد ان اثرى حياتنا العربية ومجتمعها بالصخب والتمرد والحوار والتحريض من خلال مجموعة من افلامه في مرحلة نضوجه الفكري وامتلاكه للغة السينمائية الخاصة به وبعالمه «المجنون» ولعل اشهر ما قاله في حياته قوله انه لم يدرك اهمية المجتمع والسياسة في حياته السينمائية الا متأخرا.. ولهذا نجد هذا التفاوت الفكري الكبير بين افلامه الاولى وافلامه التالية لها في مرحلة النضج، وتأكيده في هذه المرحلة على انه ليس مخرجا للتسلية.

فارس وتاريخ

يذكر انه – رحمه الله – اتخذ موقفين مختلفين ولكن متسقين مع طريقة تفكيره جاء ذكرهما في حلقات برنامج «ساعة صفا» مع صفاء ابوالسعود سجلتها معهه في مهرجان فينسيا اثناء مشاركة بفيلم «هي فوضى» عندما قال انه لا يحب فريد الاطرش ومع ذلك فقد قبل ان يخرج له فيلمي «انت حبيبي» و«ودعت حبك» لانه كان بحاجة الى المال.. والموقف الآخر انه رفض مبلغ مليون جنيه عرضه عليه النجم الراحل احمد زكي لاخراج فيلم «ايام السادات» لانه لا يحب السادات فكيف يخرج فيلما عن حياته.

واذا كان يوسف شاهين قد دخل التاريخ السينمائي العالمي والى الابد، كاول مخرج في العالم يحصل على الجائزة الخاصة بالذكرى الخمسين لمهرجان «كان» السينمائي، ذلك عن مجمل اعماله، فانه سيظل امام ساحتنا السينمائية العربية ذلك الفنان الذي تخلده افلامه بتمرده وجنونه ونرجسيته وافكاره المتوترة ورؤيته المتضاربة للواقع الذي عاش فيه مشتتا بين شرقيته المتزمتة وبين ثقافته المنفتحة على العالم وسعيه الدائم لان يكون فارسا على ساحته السينمائية. 

 

الفنانون يطالبـون بمتـــــحف وجوائز ومهرجان باسمه

القاهرة – علاء طه:

يؤكد المقربون من يوسف شاهين ان اعلان الوفاة تأخر لاكثر من اسبوع كامل، فكل الشواهد الطبية، عقب عودته من باريس الى مستشفى القوات المسلحة بالمعادي كانت تشير الى وفاته.. وان الامر ارجئ لاسباب غير واضحة.. ويستدلون على ذلك بتقرير الفريق الفرنسي الذي كان يعالجه في باريس.. لكن خالد يوسف وهو من اقرب الناس اليه في السنوات الاخيرة نفى ان تكون هناك تعليمات سياسية وراء تأجيل نبأ الوفاة.. وأشار إلى انه رغم اجرائه لجراحة في الركبة في الايام الاخيرة، ووجوده في المستشفى حتى اول امس، فإنه كان يتابع حالة يوسف شاهين لحظة بلحظة.. قال: «كانت هناك بارقة امل ولو واحد في الالف في ان يتعافى شاهين.. لكننا سعينا وراء الامل.. وفي النهاية هذه ارادة الله».

بدا خالد يوسف على الهاتف متأثرا وحزينا للغاية، وتلقى الخبر الصادم صباح امس كما اخبرنا كأن سيارة صدمته.. قال: «كنت اجهز نفسي طيلة الايام الماضية لهذه اللحظة.. واستجمع قواي.. واسترجع شريط الذكريات بيني وبين يوسف.. لكنني عندما عرفت الخبر لم يخرج صوتي لدقائق.. وصدمتي كبيرة جدا.. بالنسبة لي فقدت ابا واخا وصديقا ومعلما واستاذا غيَّر حياتي بالكامل، وكل النجاح الذي اعيشه الآن وراءه الاستاذ الراحل يوسف شاهين».

لم يتمالك خالد نفسه على الهاتف كان يبكي، والى جواره كانت تبكي زوجة يوسف شاهين مدام كوليت التي ذهب اليها خالد يوسف في الزمالك لينبئها بالخبر.. اما في شركة افلام مصر العالمية بشارع شامبليون في وسط القاهرة، فقد وصل كل العاملين بمكتب شاهين فور معرفتهم بالخبر، وبدأوا يتلقون الاتصالات الهاتفية من محبي المخرج الراحل ومن الاعلاميين، لابلاغهم بتفاصيل الجنازة.. حيث من المقرر اقامة القداس له اليوم في الساعة الثانية عشرة ظهرا، بكنيسة القيامة اكليريكية الروم الكاثوليك في الظاهر بالفجالة، وبعدها يتم تلقي العزاء فيه، ثم سيتحرك موكب من الفنانين والمعزين بجثمانه لدفنه في الاسكندرية مسقط رأسه.. وهو الامر الذي سيحتاج الى تعزيزات امنية حيث من المتوقع ان تشهد الاسكندرية جنازة شعبية ورسمية ضخمة لاستقبال جثمان الراحل.

من ناحية اخرى سادت الاحزان في الوسط الفني لتلقي نبأ وفاة المخرج يوسف شاهين، واجهش على الهاتف الفنان خالد النبوي.. الذي فشل في الايام الفائتة في زيارة يوسف شاهين في المستشفى.. قال: «كنت اشعر انه في اللحظات الاخيرة من حياته.. وكنت اريد ان اودعه لكنني فشلت.. منعوني من رؤيته.. ويوسف شاهين كل شيء في حياتي، هو العين التي جعلتني ارى الفن والحياة بشكل صحيح.. وانا ادين له بحياتي».. ولم تتمالك حنان ترك ايضا نفسها واخذت تردد «البقاء لله».

 اما يسرا فاشارت وسط دموعها الى ان مصر اليوم فقدت روحها، وعقلها، وحلاوتها.. قالت: «يوسف شاهين لم يكن مجرد مخرج كان مفكرا، وانسانا مصريا بمعنى الكلمة.. لم يكن يعنيه الفيلم بمقدار ما تعنيه الافكار والمعاني.. وهذا اليوم يجب ان يعلن فيه الحداد الرسمي العام في مصر».

نقيب الممثلين الاسبق الفنان يوسف شعبان لم تسعفه الكلمات، وبعد صمت طويل قال: «نطلب له الرحمة والمغفرة، وهذا ما نرجوه من الله في موت انسان عزيز وقيمة عظيمة في تاريخ مصر السينمائي وأحد الاعمدة الرئيسية في نهضتنا السينمائية لاكثر من ٦٠ عاما، وافلامه علامات في تاريخنا وهو صاحب مدرسة كبيرة وتلاميذه يملأون الساحة السينمائية. وضعنا يوسف شاهين على الخريطة السينمائية في العالم، واذكر عندما كان يجهز لاخراج «وداعا بونابرت» طلبني للعمل لكن ظرفي الصحي حال دون ذلك ومثل الفرنسي ميشيل بيكولي الدور بدلا مني، لكن ما عوضني عن عدم التعاون معه، انه كان يدرس ادائي في «حمام الملا طيلي» لطلبة معهد السينما».

 الفنان محمود حميدة وصف يوسف شاهين بانه اهم واعظم مخرج انجبته مصر، وقال: « ان عظمته في ما تركه لنا من افلام دخلت الى ذاكرة السينما واخذت ما تستحقه من مكانة، ورغم خسارتنا الفادحة برحيله فإن عزاءنا انه ترك مدرسة فنية ذات قوام وقيمة واضحتين محددتين وتلاميذه هم الاهم على الساحة السينمائية. وبالنيابة عن كل من استمتعوا بما قدمه من فن راق طالب ان يتم الاحتفاء به رسميا واقامة متحف لمقتنياته واعماله، اضافة الى مهرجان وجوائز باسم يوسف شاهين».

واكد الممثل خالد صالح ان بطولته لفيلم يوسف شاهين الاخير بمنزلة التاج الذي يضعه بفخر على رأسه، وقال: «كان الاستاذ متعبا لكن المشاهد التي حضر تصويرها أظهرت بصماته بصورة اكبر من تلك التي كان يتابعها من دون النزول الى البلاتوه، لكن العمل كله كان يحمل بصمة شاهين من دون جدال، لم تسعدني ايامي وايامه ان استفيد اكثر من خبراته التي ينقلها الى كل من يعمل معه».

ساركوزي يشيد بـ «المدافع عن الحريات»

باريس – أ.ف.ب – وجه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تحية تقدير الى المخرج السينمائي المصري الكبير يوسف شاهين، واصفا اياه بانه «مدافع كبير عن حرية التعبير وبشكل اوسع عن الحريات الفردية والجماعية».

وكتب الرئيس الفرنسي في بيان «فقد الفن السابع لتوه احد اشهر المساهمين فيه، يوسف شاهين المتعلق جدا بمصر لكنه منفتح على العالم، هو مخرج ملتزم ومدافع كبير عن حرية التعبير وبشكل اوسع عن الحريات الفردية والجماعية».

واضاف: «ان يوسف شاهين سعى طوال حياته من خلال الصورة الى التنديد بالرقابة والتعصب والتشدد».

واضاف ساركوزي: «ان موهبته سمحت له بتطوير اشكال مختلفة للتعبير الفني وولوج كل انواع الافلام، الافلام التي تتناول السير الذاتية واستعادة التاريخ وايضا الاستعراضية. يوسف شاهين مفكر صاحب استقلالية كبيرة وهو مدافع كبير عن تزاوج الثقافات».

القداس اليوم.. العزاء غدا

القاهرة – د.ب.أ – اعلن مستشفى المعادي للقوات المسلحة بالعاصمة المصرية القاهرة صباح امس وفاة المخرج المصري الكبير يوسف شاهين عن عمر جاوز الثانية والثمانين قدم خلالها عشرات الاعمال الفنية المتميزة.

ونعت شركة «مصر العالمية» التي يملكها شاهين المخرج العربي الاشهر الذي قدم لمصر والعالم ابداعات سينمائية مهمة واسهم في وضع السينما المصرية على خريطة المهرجانات العالمية.

كما نعت وزارة الثقافة والنقابات الفنية المصرية الثلاث المخرج الراحل مؤكدين انه علامة مهمة في تاريخ الفن المصري قلما يجود الزمان بمثلها.

وجاءت وفاة شاهين بعد ما يقرب الشهرين من دخوله في غيبوبة عميقة عقب سقوطه يوم ٩ يونيو الماضي وارتطام رأسه بالارض بقوة ليصاب برضوض اكتشف بعدها انها نزيف بالمخ.

وعاد شاهين الى القاهرة يوم ١٧ يوليو الجاري من باريس التي نقل اليها للعلاج على نفقة الدولة ليعقد في اليوم التالي مؤتمر صحفي بمستشفى المعادي قال فيه مدير المستشفى اللواء احمد عبدالحليم ان المخرج يعاني غيبوبة عميقة يصعب الافاقة منها وان حالة مخه تسمح بتدهور حالته الصحية.

وقالت وكالة انباء الشرق الاوسط ان القداس على روح شاهين سيقام ظهر اليوم الاثنين في كاتدرائية القيامة وسيقام العزاء غدا الثلاثاء.

جوائز وتكريمات

حصدت أفلام شاهين العديد من الجوائز العربية والعالمية ومنها شهادة تقدير لفيلم «ابن النيل» عام ١٩٥٢ من مهرجان نيودلهي الدولي، وجائزة مهرجان بوسطن في التمثيل والإخراج عن فيلم «باب الحديد» عام ١٩٥٨، وجائزة مهرجان قرطاج «التانيت الذهبي» عن فيلم «الاختيار» عام ١٩٧١ وجائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان برلين الدولي لفيلم «إسكندرية ليه؟» عام ١٩٧٩، وجائزة النقاد من مهرجان بيروت لأفلام الدول الناطقة بالفرنسية من لبنان عام ١٩٧٣ عن فيلم «العصفور»، وجائزة الدولة التقديرية عام ١٩٩٤، وجائزة جوهانسبرج للأفلام الإفريقية عام ١٩٩٥ عن فيلم «المهاجر»، ثم الجائزة الكبرى عن مجمل أعمالة من مهرجان كان عام ١٩٩٧. هذا غير العديد من الجوائز والشهادات التقديرية من خارج وداخل مصر من مختلف الجمعيات السينمائية. وعن حياته واعماله صدر عدد خاص من مجلة كراسات السينما التي تصدر في باريس، وتعتبر أشهر مجلة شهرية سينمائية نقدية في العالم، وقد كتب عنه العديد من نقاد ومخرجي السينما في العالم مثل باتريس شيرو واندريه تشينيه وجان لوي بارو وفريد بوغدير وغيرهم.

القبس الكيوتية في 28 يوليو 2008

 
     
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)