اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

ملفات خاصة

رحيل العملاق يوسف شاهين

وداعاً شاهين

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

 

يوسف شاهين..... والآن الرحيل

محمد رضا

 
     
  

بعيداً عما ينتشر عادة من كلام طنّان في مثل هذه المواقف، فإن سينما يوسف شاهين التي عرفت مؤيدين ومنتقدين، كانت العنوان الكبير للسينما العربية في أكثر من مناسبة دولية٠ أفلامه من »باب الحديد« في نهاية الخمسينات هي إما تعاملت مع رقع إنتاجية عالمية، او هدفت الى التواجد عالمياً على الساحة بإمكانياتها الذاتية او، كما الحال منذ السبعينات، عرفت كيف تشق طريقها كنتاجات مشتركة وعلى الساحة العالمية كأفلام مصرية (او عربية إذا أردت- تحديد ذلك ليس هنا)٠

كناقد وكهاو للسينما تابعت أعمال هذا المخرج، وما فاتني منها باكراً شاهدته لاحقاً حين عروضه التكريمية او في مناسبات خاصّة أخرى. وكانت علاقتي مع سينماه تختلف عن علاقتي مع سينما مبدعين آخرين سواء في العالم العربي او حول العالم بأسره. سينما يوسف شاهين عرفت مراحل بالطبع، إذ بدأت كأعمال كوميدية وعاطفية خفيفة ، ثم انتقلت الى صنف الإنتاجات الكبيرة ، ثم الى سينما ذاتية مؤلّفة من الذكريات والملاحظات الشخصية حول نفسه وحول مجتمعه، وصولاً الى الحفاظ على تلك الذاتية بمقدار عال من التوتّر مع الإنتقال بها الى مراحل ومواقع زمنية وجغرافية مختلفة من »وداعاً نابليون بونابرت« الى »المصير« ومن »المهاجر« الى »الإسكندرية....نيويورك«٠

أميل الى إعتبار أن شاهين كان مخرجاً ذاتياً منذ البداية. إذ تأخذ بعض أفلامه الأولى مثالاً ستجد أن فيها ما يؤلف عناصر أساسية في سلسته الذاتية: الميول الجنسية، تأثير المرأة عليه، إغتراب واختلاف أبطاله. حتى أفلامه التي تعاملت مع الواقع السياسي مثل »العصفور« و»حدّوتة مصرية« كانت ذاتية جدّاً ما يجعل قراءة التاريخ فيها منفصلة ومختلفة. هي ليست مدعاة للثقة المطلقة بأنها وقعت كذلك، لكن ليس فيها ما يخرج عن الواقع وقراءة المثقّف للتاريخ مع اختلاف وجهات النظر فيها٠

ما أثّر في السنوات العشر الأخيرة او نحوها على نصاعة تلك السينما، ليس ذاتيّة النظرة والتعامل، بل قدر كبير من الإعتقاد أن كل شيء يجب أن ينطلق من ذاتية القراءة ما أدّى الي سجال مفرط في تقدير المخرج لنفسه. شاهين، في »الإسكندرية- نيويورك« (فيلمه ما قبل الأخير) لم يعد ذاتياً فقط، بل مؤلّفاً في السيرة الذاتية على النحو الذي يروق لرغبته في وضع صرحه بنفسه٠ حقيقة أن فيلميه القصيرين الواردين في »11/9« و»لكل سينماه«، تحدّثا عن نفسه أكثر عما تحدّثا عن موضوعهما كانت برهاناً إضافياً لوجهته في تتويج نفسه بنفسه وعدم الإكتفاء بتتويج المشاهدين المثقّفين والنقاد له. والنتيجة، للأسف، كانت عكس ما تمنّى٠

رحيل شاهين، مثل رحيل أبو سيف، رضوان الكاشف، صلاح أبو سيف، كمال الشيخ، عاطف الطيب، عاطف سالم وكل مخرج نيّر رحل عن عالمنا في أي مكان من هذا العالم، لن يُعوّض. لقد فتح ثغرة على الشاشة العريضة ستبقى ماثلة في هذا العالم المليء حزناً. والحزن هو ما تعامل يوسف شاهين وكل مبدع آخر معه كدافع داخلي. هو وعدم القدرة على التجاوب مع محيطه بالشكل الذي يعيشه ذلك المحيط. والحزن هو ما يلفّنا جميعاً الآن٠

يوسف شاهين المختلف من بداياته

إنه من دواعي التأمّل اليوم كيف أنه في الوقت الذي كان فيه النقّاد في الستّينات يطالبون السينما العربية بنهضة تلغي نمطها المعتاد ومواضيعها المتكررة ومشاغلها الترفيهية الدائمة، كان يوسف شاهين أحد مخرجين قلّة عكسوا الأمل في إمكانية هذا التغبيير، وهو سريعاً ما أثبت ذلك عبر سلسلة أعماله آنذاك التي بدأت تتغيّر عن السائد ثم تعود إليه في الخمسينات ثم أخذت تتغيّر أكثر قليلاً في الستينات، قبل أن ينتهج سبيلاً مختلفاً غالباً الى مختلف دائماً من السبعينات والى مرحلته الأخيرة٠

أعتقد أن السبب الرئيسي في أن يوسف شاهين استطاع خلال عقوده التميّز عن أقرانه يعود الى أنه كان مؤهلاً للتفكير خارج النمط. ليس لأنه درس في الغرب وأجاد اللغتين الفرنسية والإنكليزية بل أساساً لأنه شعر بأنه مختلف في قرارة نفسه - وهو كان كذلك٠

مختلف عن كونه مسيحياً في مهنة معظم من فيها مسلمين، مختلف من حيث ميوله الجنسية ومختلف من حيث ثقافته وتردّده -أكثر من سواه- على الثقافة السينمائية ينهل من عالمها لا الأفلام والمواضيع، فهو لم يفعل ذلك، بل الحالة الفنية والثقافية التي تطرحها والتي سريعاً ما أصبح واحداً من معالمها٠

تأثير ذلك عليه كان متعدداَ. إذا ما تمعّن المرء بعناصر الصورة التي تألّف منها »باب الحديد« لوجد أن لغته كانت مختلفة عن لغة أترابه المصريين. واقعيّته في ذلك الفيلم كانت بدورها مختلفة عن المنحى الواقعي للمخرجين الجيّدين الآخرين (صلاح أبو سيف) او لنفس للمنحى الواقعي للمخرجين العاديين (نيازي مصطفى بين عديدين). هذا الإختلاف بذرة ما عُرف لاحقاً عن سينما شاهين بأنها غربية المواصفات٠

بعض النقاد نظر الى هذا الإختلاف معجباً والآخر مهاجماً، لكن إذا ما كان الحكم على النتائج فإن تفكير شاهين المختلف والمنفصل الى حد بعيد عن تفكير سواه أثمر عن كل ما نعرفه عن سينماه من حيث عناصرها الفنية أولاً ومن حيث كيفيته في التعبير عن حاجاته الخاصّة ضمن مساحاتها الدرامية والميلودرامية المترامية ثانياً ومن حيث ملكيّته استحداث طريقته في السرد التي اختلفت كثيراً عن طريقة سواه ثالثاً ٠

يوسف شاهين كان قادراً على أن يتحدّث عن نفسه طوال الوقت بينما كان نقّاد الجيل السابق يعاملون أفلامه الأولى في الخمسينات والستّينات على أساس أنها قصصاً منفصلة كشأن القصص التي تقع بين أيدي المخرجين الآخرين في تلك الفترة٠ كان بعضهم يلاحظ أن بعض أفلامه يختلف عن تلك التي يوفّرها أترابه (من فطين عبد الوهاب الى حلمي حليم وعز الدين ذو الفقار وصولاً حينها الى صلاح أبو سيف) لكنه لم يكن قادراً على تحليلها في أبعاد تتجاوز الإختلاف الماثل بسهولة. اليوم نرى أن حتى »صراع في الوادي«، الذي كان أحد أعماله الأولى تماماً كان يعكس يوسف شاهين الذي في »باب الحديد« وأن »باب الحديد« إنما هو جزء من الصورة التي كوّنها شاهين عن نفسه في أفلامه الذاتية »الإسكندرية ليه« و»الإسكندرية كمان وكمان« و»حدوتة مصرية«،٠

شاهين كان علامة إيجابية في تاريخ هذه السينما، وككل علامة أخرى في كل حقل آخر هي علامة لا تتكرر بالشكل نفسه وبالمعطيات ذاتها. كانت سينماه أعمالاً ذاتية وأنت لا تستطيع أن تكون هو في أي وقت تختاره لمجرّد أن استنساخ أسلوبه٠

مدونة "ظلال وأشباح" في 27 يوليو 2008

 
     
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)