ملفات خاصة

 
 
 

أحمد شوقي يحكي:

أحسن 20 فيلمًا عربيًا في 2023

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 96)

   
 
 
 
 
 
 

"وداعاً جوليا"... النوايا الحسنة لا تكفي

محمد صبحي

ذات مرة كان هناك بلد مقسّم إلى نصفين، حيث يعيش الناس في الشمال في رخاء، مسلمون، متدينون وصارمون أخلاقياً، ويتمنّون الإنجاب بلا أملٍ؛ بينما الناس في الجنوب يعيشون في فقرٍ، مسيحيون، دنيويون ولديهم العديد من الأطفال. عاشت الجماعتان لفترة طويلة في حرب، ومع ذلك صودف لقاء امرأة من الشمال وامرأة من الجنوب تتشاركان سقفاً.

وما يبدو وكأنه حكاية خيالية للأطفال هو في الواقع منطلق "وداعاً جوليا"(*)، أول فيلم روائي طويل للمخرج محمد كردفاني. حقيقة كونه أول إنتاج سينمائي من السودان يُعرض في مدينة "كانّ" ربما لم تحدث رغماً عن هذا المعطى، بل على الأغلب بسببه تحديداً. فقصته الرمزية التبسيطية تختزل الصراع السياسي في البلد (الممزّق حالياً بسبب صراع آخر مستجد)، والذي كان وقت الأحداث على وشك الانقسام، إلى أمثولة تخطيطية جداً أبطالها شخصيات سهلة الفهم ومآلاتها ميسورة التوقّع.

في باكورته الإخراجية، يتعمّق فيلم محمد كردفاني في الواقع الاجتماعي والسياسي لبلده من خلال امرأتين تجسّدان بعلاقتهما "سودانَين" منفصلين. يتناول الفيلم مجموعة من القضايا (اللامساواة، الصراعات الطبقية، التعصّب الديني، العنصرية، التعاضد النسائي)، وتدور الأحداث في العاصمة السودانية الخرطوم قبل فترة وجيزة من انفصال جنوب السودان عام 2011، عبر تتبّع العلاقة الهشّة وغير المتكافئة بين فنانة ثرية من الشمال وأمّ فقيرة من الجنوب يربطهما سرّ مأساوي يلقي بظلاله على ما بينهما. جوليا (سيران رياك) شابّة من الجنوب، كاثوليكية وفقيرة، تعيش مع زوجها وابنها في الشوارع التاريخية للعاصمة السودانية. لكن بعدما أسفر حادث ملتبس عن مقتل زوجها على يد نجّار عربي مسلم، قرّرت زوجة الجاني، مُنى (إيمان يوسف)، توظيف جوليا كخادمة في منزلها لتعويضها ولمعالجة شعورها بالذنب إثر تسبّبها في وفاة رجلها (هناك جانب إشكالي في بلع تصرّف كهذا كوسيلة لتخفيف تأنيب الضمير. لكن المخرج لا يهتم كثيراً بآخر بقايا الازدواجية في عمله الرمزي البسيط في السيناريو الذي كتبه بنفسه). لا تخبر مُنى جوليا بالحقيقة، بل تتطوّر صداقة بين المرأتين تتجاوز ما يفصل بين عالميهما وما ينتميان إليه، طبقياً ودينياً وعرقياً. في المقابل، يجسّد زوج مُنى وحبيب جوليا الجديد (جير داوني) تضاداً سياسياً: المُسلم الميسور من الطبقة الوسطى الذي لا يخفي عنصريته تجاه السود (الأشدّ سواداً منه!)، مقابل المتشدّد الجنوبي المؤيد للاستقلال الذي يحاضر حبيبته الجاهلة بحقوقها كجنوبية مسيحية.

في ذلك يعمل "وداعا جوليا" كاقتراح في خدمة التعريف بواقع دولتين أفريقيتين بالكاد تنتجان أي أفلام. اختار محمد كردفاني توظيف وتقديم "الميزانسين" بقدر مساعدته في ما يريد قوله (وهو يفعل ذلك بشكل مفرط  وحسابي أغلب الأحيان)، لكن من دون إهمال العناية بتظهير القوة الرمزية لشخصياته، مع تفضيل واضح للشخصيات الأنثوية باعتبارها تجسيداً للمصالحة السودانية المرجوة بدلاً من دائرة الصراع والقتال التي يخوضها الذكور. الفصل الأخير من الفيلم يجلب تعقيداً إلى الشخصيات بحيث لا تُختزَل في مجرد نماذج كاريكاتورية أحادية البُعد. مع رهانات مثل هذه، يبدو مفهوماً لماذا اختير هذا الفيلم للعرض في قسم "نظرة ما" بمهرجان كانّ السينمائي، كأول فيلم سوداني يفعلها في تاريخ الحدث العريق: أراد المهرجان في العمل كنافذة على عالم التصوير السينمائي للأقليات بمقترحات جمالية أكثر بساطة/تواضعاً ولكن مع قيمة اجتماعية وسياسية معيّنة.

البساطة العاطفية المستند إليها تقديم القصة والشخصيات تعكس شيئاً من السذاجة الاجتماعية والسياسية لقصة تميل أكثر فأكثر (للمفارقة) إلى تعزيز الأحكام المسبقة. تكافح القصة الرمزية الطموحة لتحقيق التوازن بين حبكة مكافئة وخطاب درامي واقعي. كذلك التمثيل الجيد والمتزن للممثلات المقنعات، مقارنة بالأحداث المبالغ في هندستها، لا يفعل الكثير لتغيير التوصيف النمطي في قصةٍ يفتقر منظورها الذكوري بشكل ملحوظ إلى مفهوم الصداقات الأنثوية.

تصاحب الرسالة السياسية للفيلم صور لنساء قويات مثل منى وجوليا. من خلال حياتهما اليومية، يستكشف الفيلم بانوراما من الموضوعات: الذنب، الإلهام، الظلم، المصالحة، ثقل النظام الأبوي والمحافظة، وأكثر من ذلك. اهتمامات لا يتردّد صداها في السودان فحسب وإنما أيضاً في بقية العالم.  في بعض جوانبها، كان يمكن لهذه الباكورة السينمائية أن تمثّل مفاجأة أو إلهاماً، لكن هذه القصة حول الاختلافات الطبقية العميقة في سياق عنيف للغاية تنتهي بخيبة أمل. وهكذا، يظلّ "وداعاً جوليا"، على طموحه ونيّاته الحسنة والخالصة، فيلم رسائل ميلودرامية متجذر في الهياكل التي يريد انتقادها ويسعى لكسرها.

(*) يُعرض حالياً في القاهرة.

 

المدن الإلكترونية في

05.01.2024

 
 
 
 
 

من أوبنهايمر إلى غزة: تغييب الضحايا وتكريس القتلة

شادي خدام

لم يحقق فيلم المخرج البريطاني كريستوفر نولان «أوبنهايمر» نجاحاً مقارنةً بأفلامهِ السابقة، فيلمهُ الجديد هو فيلمُ سيرةٍ ذاتيةٍ لأسوأ ما عرفتهُ البشرية من أسلحة «القنبلة الذرية» وصانعها.

لا يطرح نولان في فيلمه مبرراً واضحاً لدوافع العالم جوليوس روبرت أوبنهايمر لصناعته القنبلة الذرية، سوى شخصيته المضطربة، ورغبته في القضاء على النازية ولم يكلف نفسه عناء طرح السؤال الأخلاقي أساساً عما فعلته هذه القنبلة بالأبرياء، إلا أن ما نستطيع قراءته من فيلمه، وبشكل عام أن تلك الحقبة المنصرمة من التاريخ، التي خلفت أكثر من 70 مليون قتيل، كان من الطبيعي أن يصل العنف فيها عبر أحد مساراته، إلى ما وصل إليه أوبنهايمر من خلال مشروع مانهاتن، في الولايات المتحدة الأمريكية. اليوم وبعد مرور أكثر من سبعين عاماً على إلقاء القنبلة الذرية، لسنا ببعيدين عن ذلك المشهد العدمي العنيف، ولا أكثر إنسانية أو تحضراً على ما يبدو، في الشهر الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة فقط ألقت قوات الدفاع الإسرائيلية ثمانية عشر ألف طن من المتفجرات، أي ما يعادل قنبلة ونصف القنبلة الذرية من التي رميت على هيروشيما، حسب وكالة الأناضول للأنباء.

في إحدى مقابلاته التلفزيونية وخلال الحديث عن عمله يقول العالم أوبنهايمر «لقد علمنا أن العالم لن يعود كما كان عليه سابقاً، البعض كان يضحك، وآخرون كان يبكون، والأغلبية كانت صامتة». وفي معرض حديثه يقتبس نصاً من كتاب الديانة الهندوسية البهاغافاد غيتا عن الإله فيشنو مشبها نفسه به قائلاً: «الآن لقد أضحيت الموت بنفسه، مدمر جميع العوالم». يستغرب الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك خلال تعليقه على فيلم «أوبنهايمر» في أحد لقاءاته كيف لمخرج وصانع أفلام، مشيراً إلى نولان «أن يطرح شخصية كانت مولعة بكتاب البهاغافاد غيتا الذي كان من أكثر الكتب إلهاماً للضابط النازي هاينريش هيملر المعروف بمهندس الهولوكوست» طارحاً في حديثه إشارات استفهامٍ عديدة تجاه الفيلم، وأهمها غياب سردية الضحايا.

غياب الرواية الأخرى للضحايا اليابانيين عن فيلم «أوبنهايمر» وعدم الإشارة لهم في سياق الفيلم فاجأ بعض النقاد، وكأنما المؤسسات الإعلامية والسينمائية الغربية عودتنا على توزيع مثل وقيم العدالة في إنتاجاتها بشكل يومي! ليحجم بعضهم عن متابعة الفيلم ووصفه آخرون بالفيلم العنصري والمتحيز، كما امتنعت بعض الدول عن عرضه وعلى رأسها اليابان، إلا أن الرد غير الرسمي الذي تم نشره بخصوص هذه المسألة هو أن «فيلم أوبنهايمر فيلم سيرة ذاتية» أي ليس للضحايا مكان فيه.

يرى البعض أن غياب وجهة نظر الضحايا ليست بالمسألة المعقدة ويمكننا أن نشير إليها بمصطلح «الانتقائية المبطنة» ونستطيع أن نرى مثالاً أكثر وضوحاً وفداحةً عنها في تغطية العدوان الإسرائيلي على غزة عبر قناة الـ CNN، فهذه المؤسسة الإعلامية الكبيرة التي تدعي الموضوعية والحياد المزعوم ترى في قصة «جروٍ ضائع لعائلة إسرائيلية» أكثر أهمية من الحديث عن مئات وآلاف الضحايا الفلسطينيين الذين قضوا بالقصف الإسرائيلي الانتقامي الوحشي. يشير بعض النقاد إلى أن المسألة الأخلاقية اليوم في مأزق حقيقي، فغيابها عن الطروحات الغربية المهيمنة على العالم في المشهد السينمائي خاصة، والثقافي عامة والحقول الأخرى، ستؤدي بنا الى عالم أكثر وحشية مما نحن عليه اليوم.

يبدأ المخرج كريستوفر نولان فيلمه بالجملة المقتبسة من الميثولوجيا اليونانية «سرق بروميثيوس النار من الآلهة ووهبها الى البشر، وجراء هذا تم تقييده بالصخرة وتعذيبه إلى الأبد» مسقطاً على هذه الجملة حكاية العالم أوبنهايمر بعد صناعته السلاح الأعنف والأكثر دموية في التاريخ، كما أن لهذه الجملة إشارة ضمنية إلى أصل العنف الدائر بين البشر منذ بداية التاريخ، حسب بعض الأدباء والمختصين، إلا أن الباحث الفلسطيني وائل حلاق ينطلق لتفسير هذا العنف الدموي من زاوية تاريخية مختلفة تماماً وأكثر واقعية قائلاً «إن هذا العنف يعود في جذوره إلى اللحظة التي اكتشف فيها القراصنة الأوروبيون البارود الصيني وحولوه إلى مدافع حربية في سفنهم، وسيطروا على البحار واليابسة عبر النهب والقتل والإرهاب، وتحولت هذه السيطرة إلى أشكال أكثر تنظيماً في ما بعد» مشيراً إلى بداية عصر الاستعمار الأوروبي الذي احتل واستعمر ونهب شعوب العالم وثرواته، واستعبد الملايين منهم وغير سيرورة التاريخ الطبيعية.

هذا النظام العالمي الذي رسمت معالمه في القرن الأخير عبر جانب واحد من العالم، وأخذت صراعاته منحى وحشيا غير مسبوق في التاريخ، وما زالت تحكمه ذهنية استعمارية برداء حداثي، بحاجة إلى التفكيك وإعادة التوازن إليه، ليس عبر النخب السياسية والاقتصادية الحالية فهؤلاء فشلوا وتآمروا على الشعوب.

ولعل الحديث عن الدموية النازية والأوروبية والامريكية في تلك الحقبة قد يفسح لنا مجالا صغيراً لتوضيح وتصحيح بعض المغالطات التاريخية التي لم يوضحها كريستفور نولان في معرض فيلمه، فالقنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة بشكل وحشي وبمساعدة أوبنهايمر شخصياً عبر انتقائه الأهداف المدنية الأكثر اكتظاظاً، أتت أساساً بعد استسلام النازية بأربع شهور والتي أنهتها القوات السوفييتية وليست الأمريكية فعلياً، وهذا يضعنا أمام حقيقة بشعة وهي أن القنابل التي تم إلقاؤها على مدينتي هيروشيما وناغازاغي عام 1945 كانت بمعزل عن سياقات الحرب، وبعد انتهائها تقريباً، أي أن قرار إلقائها كان واعياً تماماً وكان انتقاماً عنيفاً دموياً من الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر عام 1941.

ولكي نستطيع تفكيك مشهد العنف الغربي هذا سواء الأوروبي – الأمريكي السابق أو الإسرائيلي – الأمريكي الحالي يمكن للمفكر الفرنسي روجيه غارودي أن يضيف لنا تحليلاً آخر حيث يقول في كتابه «الأصوليات المعاصرة» (إن الحضارة الغربية اللاواعية هي من أخطر الأصوليات في التاريخ، فإن هيمنة الغرب منذ 5 قرون تكللت بإدارة مدمرة للكرة الأرضية». هذه الأصولية الغربية التي لا تتسق مع معاييرها الحداثية، التي تتشدق بها ليل نهار كالحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وغيرها، تعود دائماً إلى منطلقها الأساسي القائم على المصلحة أولاً، فتجدها تحارب وتصرف المليارات من الدولارات من أجل حقوق الشعب الأوكراني في الحياة والحرية والديمقراطية، وعلى الطرف الآخر ترفع الفيتو في وجه قرار أممي لتضمن استمرار القصف الإسرائيلي وقتل الشعب الفلسطيني بحجة دفاع دولة الاحتلال عن نفسها، ولنفهم هذه الازدواجية في المعايير علينا إعادتها إلى مربعها الأول (البراغماتية) في ورقة بحثية منشورة في جامعة أكسفورد بعنوان البراغماتية الأمريكية في السياسة الخارجية يقول الباحثان: «إن السياسة الأمريكية متأثرة ببراغماتية المجتمع الأمريكي القائمة على النفعية والمصالح، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية دأبت على اتباع البراغماتية في سياستها الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية» أي أن مصلحتها في هذا الموقع تتطلب قراراً ليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً مع قرارٍ آخر في موقع آخر، أو متماشياً مع قيمها في حال كانت لديها قيم أساساً، ولعل ثقافتنا كشعوب مشرقية مبادئية ذات مرجعيات أخلاقية، تعيقنا دائماً عن فهم هذه السياسة البراغماتية الغربية لذلك ندعوها بالنفاق الغربي.

ارتكز نولان في عمله على حادثة مهمة في مسيرة أوبنهايمر، حين بدأت لجنة من الكونغرس الأمريكي باستجواب الأدميرال لويس ستراوس عن علاقته بالعالم أوبنهايمر، بعد رفض الأخير الانخراط في مشروع إنتاج السلاح الجديد «السوبر – القنبلة الهيدروجينية، التي تعتبر أكثر قوة من القنبلة الذرية بـ700 مرة» يروي لنا نولان من خلال الفيلم عن الفساد وتلاعب الأدميرال لويس ستراوس بالساسة وتأجيج الرأي العام ضد أوبنهايمر مدفوعا بأحقاد شخصية، كما دفع السلطات الأمريكية لمعادة أوبنهايمر، الذي كان في السابق يعتبر البطل الذي أنقذ أمريكا، لكنهم دمروا صورته وحولوه إلى جاسوس شيوعي وعملوا على إذلاله علنياً. هذه الإضاءة على التلاعب السياسي في أهم دولة ديمقراطية في التاريخ، ليست إلا مثلاً بسيطاً عن الآليات التي تستعملها الدولة الحديثة في سيطرتها على الإنسان، وتجريده من إنسانيته، وفي السياق نفسه يخرج لنا وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت متحدثاً إلى جنوده، واصفاً الفلسطينيين بالحيوانات البشرية مجرداً إياهم من إنسانيتهم فاتحاً الطريق أمام جنوده لإخراج وحشيتهم بأعتى الأشكال وأكثرها دموية.

  هذا النظام العالمي الذي رسمت معالمه في القرن الأخير عبر جانب واحد من العالم، وأخذت صراعاته منحى وحشيا غير مسبوق في التاريخ، وما زالت تحكمه ذهنية استعمارية برداء حداثي، بحاجة إلى التفكيك وإعادة التوازن إليه، ليس عبر النخب السياسية والاقتصادية الحالية فهؤلاء فشلوا وتآمروا على الشعوب. يقول الكاتب الأمريكي شون كينغ، «العالم اليوم يعاني من أزمة حقيقية فهناك فجوة كبيرة بين الشعوب وقادتهم الذين انتخبوهم، أو تم تعيينهم» ويضيف الصحافي البريطاني آدم كرتس في أحدى لقاءاته «إن الأزمة الأخطر اليوم، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أن قادة العالم لم يبق لديهم أي رؤى واعدة عن المستقبل ليقدموها إلى الشعوب» وكان الفيلسوف الأمريكي فرانسيس فوكوياما قد طرح هذا الأفق المسدود معتبراً إياه «نهاية التاريخ» ويرى آخرون أننا بحاجة إلى بداية جديدة بعد تلك النهاية.

في الختام ينهي كريستفر نولان فيلمه الجديد الرديء السرد والمونتاج والمربك بالأسماء والمعلومات، بالحديث الذي دار بين العالمين الشهيرين أينشتاين وأوبنهايمر حيث يقول الأخير «هل تتذكر سلسلة التفاعلات التي تحدثنا عنها ومن شأنها أن تدمر العالم بأسره، أعتقد أننا دمرنا العالم بالفعل» ولعلهم قد فعلوا.

صحافي سوري

 

القدس العربي اللندنية في

05.01.2024

 
 
 
 
 

ليلة النجوم في «بالم سبرينغز السينمائي» للاحتفال بأفضل أفلام العام ومسيرة إيما ستون

بالم سبرينغز (كاليفورنيا) ـ «سينماتوغراف»

تحدثت إيما ستون عن أبرز إنجازاتها المهنية وأشادت ميريل ستريب ببيلي إيليش و “باربي” لإنقاذ صناعة السينما ليلة يوم الخميس الماضي خلال إحدى المحطات الأولى لموسم جوائز هوليوود.

وحضرت ستون وستريب وليوناردو دي كابريو وسيليان ميرفي وعدد من المشاهير حفل الافتتاح السنوي لمهرجان بالم سبرينغز السينمائي الدولي.

وكان النجوم في حالة مزاجية متفائلة في الحفل بعد عام مضطرب في صناعتهم والذي تضمن إضرابين وتغييرات سريعة في المشهد السينمائي والبث المباشر.

وتسلمت ستون، التي رشحت لجائزة أفضل ممثلة لجائزة غولدن غلوب عن دورها في فيلم "أشياء مسكينة"، جائزة الإنجاز المهني التي قدمها لها النجمان المشاركان مارك روفالو وويليم دافو.

وكان كل من كولمان دومينغو وبول جياماتي ودافين جوي راندولف من بين المكرمين الذين قاوموا دموعهم وأشادوا بقدرة الفيلم المميزة على التعبير عما يعنيه أن تكون إنسانًا.

وقال جياماتي لدى تسلمه جائزته: "كلما قمت بذلك أكثر، كلما اعتقدت أن التمثيل قد يكون نوعًا من التدريس". "إنها الطريقة التي نتعلم بها كيف نكون بشرًا. إنها الطريقة التي نتعلم بها عن إنسانيتنا المشتركة."

قدمت ساندرا أوه شريكتها في بطولة Sideways، لكن جياماتي عاد إلى المسرح في وقت لاحق من المساء لتقديم جائزة الليلة الرائعة لراندولف، التى تلعب دور البطولة إلى جانب جياماتي في The Holdovers - .

رددت راندولف مشاعر شريكها في الفيلم، قائلة إن السينما هي وسيلة فريدة من نوعها "لإلقاء الضوء على الحالة الإنسانية".

وأصبح دومينغو، الذي تم تكريمه لأدائه في فيلم "Rustin"، عاطفيًا أيضًا عندما شارك مع الآخرين فهمه لعمله، وقال: "الإيمان هو ما أتى بي إلى هنا". "عندما نؤمن ببعضنا البعض، يا له من عالم استثنائي يمكننا أن نبنيه. إن توجيه تلك الإنسانية والسماح لها بالتحدث عن التجربة المعقدة هو ما أعتبره خدمتي كفنان.

يأتي موسم الجوائز هذا العام في أعقاب الإضرابات التاريخية التي شهدها الصيف والأخبار التي تفيد بأن عام 2023 قد حقق أفضل شباك التذاكر في نهاية العام منذ الوباء.

وقالت ستريب للفنانة بيلي إيليش وشقيقها ومعاونها فينياس أوكونيل: "لقد أنقذت أفلام الصيف الماضي وجميع وظائفنا"، في إشارة إلى أغنيتهما في فيلم "باربي" الذي حطم الأرقام القياسية في شباك التذاكر.

وقبل الثنائي جائزتهما الخاصة عن أغنية "What Was I Made For"، وهي الأغنية الأخيرة والموضوع غير الرسمي في الفيلم الذي أخرجته غريتا جيرويغ.

وقالت ستريب قبل أن تقدم تكريم كاري موليجان: "يجب أن تركبوا هذه الموجة يا أطفال".

اختتمت الأمسية بحصول مارتن سكورسيزي، ودي كابريو، وليلي جلادستون، ومجموعة من النجوم الآخرين من فيلم Killers of the Flower Moon، على واحدة من أفضل الجوائز في تلك الليلة.

بينما اعترف سكورسيزي بأنه صنع الكثير من الأفلام، وقال المخرج المشهور إن هذا الفيلم كان مميزًا. "لقد كانت تجربة سأعتز بها دائمًا، إنها واحدة من أعظم الأوقات في حياتي".

 

موقع "سينماتوغراف" في

06.01.2024

 
 
 
 
 

أحمد شوقي يحكي:

أحسن 20 فيلمًا عربيًا في 2023

أكثر من 60 فيلمًا عربيًا طويلًا شاهدتها على مدار عام 2023. أفلام روائية ووثائقية وأخرى هجينة تختبر الوسيط السينمائي، أعمال من مختلف الدول العربية، تُعبر في مجموعها عن طيف التنوع الذي صار ملحوظًا في السينما الآتية من المنطقة. بين أصوات كلاسيكية تُفضل مخاطبة الجمهور العريض وأخرى حداثية تنحاز للتجريب وإن أفقدها بعض الجماهيرية، بين أفلام سافرت لأكبر مهرجانات العالم وتوجت فيها بجوائز، وأفلام خافتة لم تتمكن من تحقيق انتشار مماثل. بين كل هذه الأفلام اخترت أحسن 20 فيلمًا عربيًا شاهدتها خلال هذا العام الحافل، تُمثل في مجموعها روافد اللحظة الراهنة في السينما العربية.

فلنتعرف على هذه الأفلام مرتبة نحو الأحسن:

20 – أنيماليا (المغرب)

امرأة تعيش فترة حملها تزامنا مع وصول فضائيين واحتلالهم للمغرب. الملخص وحده سبب كاف لجذب الاهتمام للفيلم الطويل الأول للمخرجة صوفيا علوي، والذي توّج بجائزة جائزة لجنة التحكيم من مهرجان صندانس. لكن الاعتماد على الملخص فقط قد يكون مضللًا، لاسيما لمن يعتقد كونه فيلم خيال علمي، وهو في الحقيقة أكثر من ذلك، بالرغم من وجود عنصر الخيال العلمي بطبيعة الحال.

أنيماليا” حكاية ناقدة، مُحللة، تأملية بشكل ما، تضع القضية الدائمة في سينما المرأة العربية (وضع المرأة داخل هيراريكية المجتمع) داخل سياق أعقد هو صراع الطبقات/الثقافات داخل المجتمع المغربي المعاصر. لا يهديك الفيلم أبدًا شعور الإشباع المعتاد في أفلام النوع، لكنه يطرح أسئلة تستحق التفكير، سواء حول الأفكار الحاكمة في عالم الشخصيات وعالمنا، أو حول اختيارات المخرجة لشكل فيلمها وطبيعة الدراما فيه.

19 – حكاية شادية وأختها (مصر)

لم ينل هذا الفيلم ما يستحقه من اهتمام نقدي وإعلامي، ربما لأنه اكتفى بالعرض في مهرجان الإسماعيلية، أو لأن مخرجه أحمد فوزي صالح انشغل بعمله الأكبر في العام مسلسل “بطن الحوت”، لكن الحقيقة أن “حكاية شادية وأختها” واحد من الأفلام التي يمكنها البقاء طويلًا في الذاكرة، بالرغم من خلوه الكامل من أي أحداث ضخمة أو شخصيات استثنائية، فقط حياة امرأتين بسيطتين، شقيقتين مطلقتين تعُلن بناتهن وتواجهن هموم الحياة.

أفضل ما في الفيلم هو العين المحايدة التي يحاول المخرج الاحتفاظ بها، رغم تعاطفه الواضح مع الشخصيات. الفيلم يفهم جيدًا أن هناك مسافة بين معاناة البشر في الحياة وبين كونهم أبرياءً أطهارًا بالفطرة، بل إن الظروف العسيرة وما تدفع الإنسان إليه من التصرف أحيانًا بشكل قاسٍ أو متلاعبٍ أو غير أخلاقي، هي المذبح الرئيسي الذي يُعمّد عليه البشر بشرًا.

18- الخلاط + (السعودية)

استنادًا على سلسلة أفلام قصيرة صُنعت للعرض على الإنترنت يقدم المخرج فهد العماري وفريق تلفاز 11 عملًا أنطولوجيًا مكوّنا من أربع قصص متتالية، وهي نوعية نادرة الوجود في السينما العربية رغم ما تتيحه من ثراء في المحتوى الدرامي، وقدرة على تقديم كل حكاية في الزمن الملائم لها، الذي لا يشترط أن يكون زمنًا قياسيًا لفيلم طويل أو قصير.

القاسم المشترك في حكايات “الخلاط +” الأربع هو خفة الظل بطبيعة الحال، بالإضافة للتعامل مع تيمة التمرد على القواعد الحاكمة للمجتمع، سواء كانت تلك القواعد قانونية أو طبقية أو ثقافية. في كل حكاية نجد صورة للخروج عن تلك القواعد، بل والتلاعب بها، تأتي دائمًا داخل موقف يتصاعد مخالفًا لتوقعات الشخصيات، مع الكثير من الانعطافات العبثية التي تُكرّس لقدرة البشر على التحايل في المواقف العسيرة مهما كانت قسوتها.

17 – واصلة Hyphen (لبنان)

فيلم آخر كان يستحق اهتمامًا أكبر مما ناله، فبالرغم من تحقيقه جائزة أحسن فيلم غير روائي من مهرجان مالمو للسينما العربية، لم يُعرض فيلم المخرجة رين رزّوق بعد بشكل لائق في العالم العربي. ربما للأمر علاقة بصعوبة تجربة المشاهدة التي تلج المخرجة فيها عالمًا لطالما قدمته السينما بشكل نمطي، ونادرًا ما دخلته بهذا القدر من الصدق والتجرد والمصارحة.

العالم هو إدمان المخدرات التي اندفعت إليها قريبة المخرجة التي تقاربها عمرًا، لترتبط حياتها بها، صعودًا وهبوطًا، داخل سياق اجتماعي وسياسي معقد للحياة في لبنان. بالرغم من حميمية العلاقة التي سمحت للمخرجة بهذا الرصد القريب الذي ربما لم يكن ليتحقق لولا القرابة وصداقة العمر، إلا أن رزّوق تحافظ على مسافة تأملية من بطلتها، فلا تُسارع في الدفاع عنها، ولا تحكم عليها بالطبع، وإنما تضع نفسها -أي المخرجة- في مقارنة جائزة مع شخصية كان من الوارد في نسخة أخرى من الحياة أن تتبادل معها الأدوار. هذا التناقض بين الحميمية والرصد، الشاعرية والتحليل، هو ما يمنح “واصلة” قدرته على التأثير والبقاء في الأذهان.

16 – تحت سماء دمشق (سوريا)

تفاجئ الحياة الفنان أحيانًا بما يستحيل توقعه أو البناء عليه، تمامًا كما يحدث في هذا الوثائقي الذي أخرجه ثلاثي مكوّن من هبة خالد وعلي وجيه وطلال ديركي. الفكرة تبدأ من جمع عدة فنانات شابات للحديث عما تعرضن له من تحرشات ومضايقات جنسية في صناعة السينما والدراما السورية. لكن المفاجأة تأتي عندما يكتشف المخرجون أن مدير الإنتاج القائم على مشروعهم هو أيضًا متحرش يحاول استغلال ممثلات الفيلم!

تفرض المفاجأة قوانينها على مسار الفيلم فينحرف عمّا يمكن أن تتخيله في البداية، عندما يصدم الجميع حقيقتين مأسويتين: أن صناعة فيلم يناصر المرأة ليس دائمًا بيئة آمنة للمرأة، وأن حتى المدافعات عن القضية قد تتعثرن في الطريق وتستجبن لما تفرضه آليات الصناعة. صحيح أن هذا الانعطاف لا يسفر عن بناء متماسك بالمعايير التقليدية، لكنه يقدم دراسة حالة ذكية لعلاقة الفنان بالشخصيات والواقع في الفيلم الوثائقي.

15 – جحر الفئران (مصر)

اكتشاف سار سيكون من نصيب كل من يشاهد هذا الفيلم الصغير، المستقل، الذي أنجزه المخرج المصري محمد السمّان بجهود ذاتية، في موقع تصوير وحيد، وباستخدام ممثلين غير محترفين وتقنية غير معتادة، تسمح للممثلة الرئيسية بمعايشة الشخصية، وتمنحها مساحة زمنية كافية في كل لقطة كي تضعنا معها في المأزق الذي تعيشه الشخصية الرئيسية، الاستثنائي جدًا في حياتها الخاصة، والاعتيادي جدًا في الحياة اليومية لملايين البشر.

فتاة خدمة هاتفية تجمع التبرعات لصالح مؤسسات خيرية لا تعرف عنها شيئًا، تحتاج هي نفسها لمبلغ بسيط سيحل أزمة في حياتها، فيضعها مديرها في تحدٍ تكتشف من خلاله حقيقة العالم الذي تعيش فيه، وتتأكد من مكانها داخل هذا العالم: مجرد فأر محتجز داخل متاهة ضيقة لا يعرف مهربًا منها. فيلم مؤثر وعميق وخال من التذاكي، يمكن اعتباره امتدادًا لتيار السينما الجديدة أو المستقلة الذي ظهر مع بداية التصوير الرقمي ثم تفرقت السبل بصنّاعه في اتجاهات عديدة.

14 – باي باي طبريا (فلسطين)

للمرة الثانية، وبعد فيلمها الأول “جزائرهم”، تأخذنا لينا سوالم في رحلة شخصية جدًا لكنها عامة جدًا، تخص أصحابها وتخصنا جميعًا بالقدر نفسه، وترتبط هذه المرة بفكرة شديدة الأولية: علاقتنا كمشاهدين بمن نراهم على الشاشة. فعندما نشاهد ممثلة عربية ذات نجاح عالمي مثل هيام عباس، يصعب علينا دائمًا نزعها من سياق صورتها السينمائية، أو إعادتها لجذورها التي كانت فيها امرأة عادية تشبهنا. من يمكنه أن يقوم بتلك المهمة عنّا أفضل من ابنة هيام نفسها؟

تقوم سوالم بإعادة بناء ذاكرتها الخاصة، كطفلة كونية وُلدت بعيدًا عن موطن أهلها (الأم فلسطينية والأب جزائري)، علاقتها بالجذور احتفالية مرتبطة بزيارات سنوية تُخبئ فيها مشكلات الماضي عمدًا. وفي خضم إعادة بناء الذاكرة تُقدم لنا أمها الحقيقية، الفتاة الفلسطينية المتمردة على عالمها، الحالمة بالحب والحياة، والتي يسهل تقييم تجربتها اليوم بأثر رجعي فنقول إنها انتزعت بنفسها حريتها ونجاحها، لك في مئات السيناريوهات الأخرى المتخيّلة لم يكن التقييم ليغدو بتلك السهولة.

13 – عمر لافراز (الجزائر)

عالم مختلف تمامًا يأخذنا إليه المخرج إلياس بلقادر في فيلمه الطويل الأول، والذي اختاره مهرجان كان ضمن عروض منتصف الليل، البرنامج المخصص للأفلام المنتمية لعالم فيلم النوع. “عمر لافراز” فيلم عصابات، يحمل اسم شخصيته الرئيسية، رجل العصابات الذي يُطرد من فرنسا ليعيد تكوين امبراطوريته في الجزائر. لافراز هي الفراولة بالدراجة الجزائرية، فلماذا يُمكن أن يسمى رجل عصابات بالفراولة؟

في حس الكوميديا العبثية الذي يطرحه عنوان الفيلم يكمن جانب كبير من جاذبية الفيلم، ومعها قدر بلقادر على خلق تفاصيل جديدة وغير معتادة في أفلام العصابات، واستثماره في العلاقات الدرامية بين الشخصيات، وعلى رأسها العلاقة الطريفة والمدهشة بين عمر وشريكه الفرنسي، التي يجسدها الممثلان رضا كاتب وبينوا ماجيمل في ثنائية من أفضل ثنائيات العام على الشاشة.

12 – وراء الجبال (تونس)

استكمال لمسيرة بدأها المخرج محمد بن عطية في فيلمه السابقين، اللذين نجد فيهما أثر العلاقة المعقدة بين الأب والابن، سواء بغياب الأب في “نحبك هادي” أو غياب الابن في “ولدي”، ليأتي الفيلم الثالث مكملًا الحكاية بفصل حالم، يلامس أجواء الواقعية السحرية، ليطرح مأزقًا لا تكاد حياة رجل عربي تخلو منه: أزمة التوقعات المتبادلة بين الابن وأبيه.

هل أنا شخص مؤثر في حياة ابني؟ هل يراني كبيرًا كما ينبغي؟ أسئلة جوهرية في علاقة البطل المهووس بفكرة تكاد تقوّض علاقته بكل من حوله، لكنه يُصمم على إثباتها لابنه الوحيد. يحمل “وراء الجبل” أيضًا مستوى تأويل بالغ الذكاء عن فكرة الإيمان/ النبوّة، وكيف يمكن لديناميات المجتمع أن تُفرز بين أفراده قابلية خاصة لتصديق من يأتيهم ليبشرهم بما هو خارج عن المألوف. فيلم قد لا يكون ببساطة أفلام بن عطية السابقة، لكنه يأتي بصوت مغاير ملفت للانتباه.

11 – المرهقون (اليمن)

من النادر أن نشاهد فيلمًا روائيًا طويلًا آتيًا من اليمن، البلد العريق الذي عانى سنوات من الحروب والصدامات المخيفة، لكنه يفاجئنا من حين لآخر بموهبة كبيرة، مثل المخرج عمرو جمال الذي يُقدم في “المرهقون” واحدًا من أكثر أفلام العام إيجاعًا، عن أسرة بسيطة تضطرها الظروف الاقتصادية إلى محاولة إجهاض طفل جديد تحمل به الزوجة، ليواجه الزوج والزوجة سلسلة من التحديات المجتمعية والصدامات الثقافية النابعة من مفاهيم مناهضة لقرار الإجهاض.

الموضوع القوي الذي يلامس حدود المأساة ليس هو الاختيار الوحيد الجيد في الفيلم، بل يُضاف إليه قرارات إخراجية جريئة، كقرار المخرج بتصور أغلب مشاهد الفيلم في لقطة واحدة طويلة، والتركيز على البعد المعماري لمدينة عدن، محاولًا أرشفة صورة أماكن مهددة في كل لحظة بالدمار والاختفاء. فيلم متميز بصورة مجردة، تزداد قيمته عندما يوضع داخل السياق التاريخي والثقافي والفني لصنعه.

10 – بوابة هوليوود (مصر)

إذا كانت أغلب الأفلام الوثائقية العربية الموجودة في هذه القائمة تعتمد على المراقبة الحميمة، بالدخول لمناطق خاصة من حياة صانع الأفلام أو من يهتم بهم من البشر، فإن فيلم المخرج إبراهيم نشأت يستمد قوته من فعل مغاير كليًا، وهو قدرته على إدخالنا مناطق محظورة، أماكن لا نراها عادة إلا بشكل عابر وتقرير في نشرات الأخبار، وإذا بها تتحوّل بشرًا من لحم ودم وتجارب تتابعها الكاميرا في “بوابة هوليوود”.

العنوان يحتاج لمشاهدة الفيلم كي تربطه بالمادة الشيقة التي تمكن المخرج من تصويرها داخل أفغانستان، وتحديدًا بعد انسحاب القوات الأمريكية وتركها أسلحة ومعدات بالمليارات لتكون تحت سيطرة جماعة طالبان، التي عادت للسلطة في واحدة من أكثر قصص القرن الجديد عبثية، قصة يصعب استيعابها أو ابتلاعها مهما حاول المحللون. عالم طازج يدخله نشأت بكثير من الجرأة والمكر، مما يذكرنا بما فعله منتج الفيلم المخرج السوري طلال ديركي عندما نجح في دخول عالم داعش قبل سنوات في فيلمه الشهير “عن الآباء والأبناء”. كلا الفيلمين نموذج لسينما وثائقية معاصرة وذكية، نادرًا ما نراها في السينما العربية.

9 – إن شاء الله ولد (الأردن)

ملخص هذا الفيلم يظلمه كثيرًا، فعندما تسمع عن حكاية امرأة يتوفى زوجها فتزعم حملها كي لا يستولي شقيقه على منزل الزوجية، تبدو القصة من النوع الملائم لتصميم فيلم يُعجب المهرجانات والمشاهدين في الغرب عبر التأكيد على الأزمات المعتادة في المجتمعات العربية: قهر المرأة، التمييز بين الجنسين، تعقيدات الميراث الشرعية، وغيرها من القضايا التي قُتل أغلبها بحثًا.

غير أن مشاهدة الفيلم تجعل من اليسير أن نتفهم سر تعلق المخرج أمجد الرشيد بالحكاية لتكون موضوع فيلمه الأول، فالأمر لا يقتصر على الإطار الحقوقي التي ترسمه القصة، ولكن بالقدرة على خلق شخصية فريدة داخل هذا الإطار، تحمل كثير من التناقضات التي تجعلها نموذجًا مصغرًا للمرأة العربية، نوال التي تجسدها منى حوا برهافة تجمع الضعف والقوة، البؤس والسخرية، ضعف الحيلة وسعتها، بما يجعلها تستحق النهاية المفاجئة التي يُقرر الرشيد أن يفاجئها ويفاجئنا بها.

8 – فوي! فوي! فوي! (مصر)

بعد سنوات من فقدان الأمل التدريجي في صناعة السينما التجارية في مصر، يأتي فيلم المخرج عمر هلال الأول ليعيد الثقة في قدرة الأفلام المصرية بصياغاتها الكلاسيكية أن تصنع فيلمًا كبيرًا. الاعتماد على النجوم، القصة القادرة على إمتاع الجمهور العريض بنفس قدر ما تحمله من أفكار تستحق التوقف، الخصوصية الثقافية المحلية في الموضوع وحس الدعابة، بل وتفاصيل الصورة، كلها أمور جعلت وجود هذا الفيلم مهمًا لمسار السينما المصرية بشكل عام.

لا يمكن أن تجد قصة مماثلة تقوم على أحداث حقيقية إلا في بلد يجمع بين الطرافة والذكاء الخبيث والأوضاع الاقتصادية الخانقة مثل مصر، لتُسفر عن هذه خطة تظاهر بعض الشباب بالعمى كي يتمكنوا من دخول أوروبا بطريقة شرعية. المدهش هو أن تفاصيل الخطة تبدو بدائية جدًا وصالحةً في كل لحظة للانكشاف، لكنها في الوقت نفسه منطقية يمكن قبولها وتوقع مرورها ممن يعرف طبيعة الحياة في مصر، وهو تعبير ذكي يحمل من النقد الاجتماعي والثقافي ما يوازي مخزونه من خفة الظل.

7 – عصابات (المغرب)

كل من شاهد “مول لكلب” الفيلم القصير للمخرج كمال لزرق كان يتوقع أن لدى المخرج ما هو أكثر ليقدمه في ذلك العالم الغريب: ليل مدينة كازابلانكا الحافل بالصخب والعنف والشخصيات الغريبة التي تعيش على هامش الهامش، والتي يجيد لزرق تقديمها بكثير من الأصالة البصرية، والكوميديا السوداء النابعة من مسارات عبثية غير متوقعة تُسفر عنها اختيارات الشخصيات للتعامل مع واقعها.

في “عصابات” المتوج بجائزة لجنة التحكيم في مسابقة نظرة ما بمهرجان كان، نتابع منعطفات عجائبية لليلة صاخبة يقودها ثنائي إجرامي غير معتاد، أب وابنه يوافقان على القيام بمهمة صغيرة لجني المال، لكنهما لم يتوقعا أبدًا ما يُمكن أن تفضي إليه تطورات الليلة. يدهشنا كمال لزرق باختيار ممثلين ذوي وجوه لا تخرج من الذاكرة، وبحس كوميديا سوداوي ناضج وعميق، يراقب مأساة البشر فيرثى لها ويسخر منها في نفس اللحظة.

6 – هجّان (السعودية/ مصر)

بعد فيلم أول شديد الخصوصية هو “يوم الدين” الذي اختاره مهرجان كان لمسابقته الرسمية، يعود المخرج أبو بكر شوقي في فيلمه الثاني بصورة مختلفة تمامًا، يقدم فيها فيلمًا من نوعية صارت نادرة في السينما العربية. فيلم جماهيري كبير يُقدم حكاية سهلة التلقي والتفاعل من جميع المشاهدين، يطرح أفكار جيدة وأحيانًا شائكة، في سياق ممتع لفيلم رياضي يدور في عالم سباقات الهجن، المنافسة ذات الطبيعة الخاصة التي يحملنا “هجّان” داخلها.

هجّان” هو بالأساس حكاية نضح لطفل يتحول رجلًا من خلال رحلة انتقام، وهو قالب كلاسيكي يمكن القول بأن الفيلم يلتزم به تمامًا، فلا يشغل شوقي نفسه بالبحث عن أسلوب سردي جديد، بل يُركز قواه على الإبداع داخل القالب التقليدي ليشحن كل موقف وكل لحظة بالمشاعر والدراما الجذابة، ليتمكن من صنع فيلم محكم ومؤثر، قد لا يكون هو الفيلم الذي يقوده مجددًا إلى مسابقة كان، لكنه بالتأكيد سيقوده لقلوب كل من يشاهده.

5 – ناقة (السعودية)

فيلم سعودي آخر يُضاف لهذه القائمة، بما يوضح قدر التطوّر الذي تشهده المملكة عبر أصوات شابة، متعددة، ومغامرة في حالة المخرج الشاب مشعل الجاسر، الذي يُقدم في “ناقة” على عدد من الاختيارات الراديكالية التي جعلته أحد أكثر أفلام العام إثارة للجدل والانقسام، بين عاشق للفيلم وكاره له. “ناقة” لا ينتهج أي مسار كلاسيكي لسرد الحكاية بشكل عام، أو لسرد كل مشهد بشكل خاص، بل يحاول مخرجه في كل لقطة أن يُجرّب، مفتشًا عن صوته الخاص.

فتاة مراهقة متمردة، تخرج في رحلة سرية مع حبيبها إلى معسكر بقلب الصحراء، فتتعرض لسلسلة من الأحداث والمواجهات العسيرة والمخيفة التي تحاول النجاة منها، والأهم النجاة مما ينتظرها في المنزل لو انكشفت حقيقة ما دار في يومها. في المفارقة بين هول ما تمر به الفتاة سارة وبين ما يثير خوفها حقًا، يكمن جوهر الفيلم الناقد للثقافة الذكورية العربية، لكنه نقد ذكي، حداثي، لا يُلقي مرافعات ولا يتضمن مشاهد بكاء ميلودرامية، فقط فتاة خائفة تحاول النجاة من ناقة غاضبة!

4 – كذب أبيض (المغرب)

أحد أكثر أفلام العام خصوصية، ليس على المستوى العربي فقط وإنما على مستوى كل أفلام العالم. وثائقي إبداعي نال لمخرجته أسماء المدير جائزة أحسن مخرجة في مسابقة نظرة ما من مهرجان كان، لتمكنها المذهل أن تنطلق من فكرة بسيطة وشخصية وإنسانية، يُمكن أن يترجمها عشرات المخرجين لفيلم وثائقي تقليدي يمر مرور الكرام، إلى عمل لا يشبه إلا نفسه، وإن كان محملًا بالكثير من الإهداءات لسينما كونية، للكمبودي ريثي بان على سبيل المثال.

أسماء تلاحظ غياب الصور عن طفولتها، وترصد المسكوت عنه في تاريخ عائلتها وقريتها ووطنها، فتقرر إعادة خلق عالم كامل، تختلط فيه الذكرى بالمحاكاة، وتذوب فيه الحدود الفاصلة بين الشخصي والعام، ليصير تاريخ عائلة أسماء هو تاريخ المغرب، بل هو تاريخ المستضعفين في كل مكان حول العالم. فيلم فريد لا يمكن للكلمات أن تُلّخصه، لكن يُمكنها أن تلفت الانتباه لضرورة مشاهدته.

3 – مندوب الليل (السعودية)

آخر الأفلام السعودية في هذه القائمة، وأكثرها اكتمالًا بامتلاكه كل ما يجعل الفيلم السينمائي رائعًا: قصة جذابة، معاصرة ابنة زمانها ومكانها، لكنها تهضم تراث السينما وتتأثر به، تتصدرها شخصية مبنية ومؤداة بعناية فائقة، لشاب من الهامش يواجه مدينة كاملة، فهد المندوب الوحيد الذي تطحنه الرياض صباحًا ومساءً، حتى تتسبب صدفة في أن يكتشف وجهًا آخر للمدينة يدخله مغامرة لا يدرك مداها.

المدينة هنا شخصية رئيسية لها حضور ضاغط، تُظهر لفهد وجوهها المتعددة، فقط لتزيد من حنقه وشعوره بالغبن. براءته وبساطة تفكيره ورغبته في أن يعيش حياة بسيطة، مع شخصيته الحدّية، كلها أمور تجعله قنبلة موقوتة من المحتم أن تنفجر، لكن هذا الانفجار يأتي في صورة مغامرة مثيرة، يرسمها المخرج على الكلثمي معتمدًا على نص محكم، أداء تمثيلي متطور، وصورة سينمائية مدهشة أفضل ما فيها هو ارتباطها العضوي بموضوع الفيلم.

2 – بنات ألفة (تونس)

أعلى أفلام السينما العربية طموحًا على المستوى السردي، تُقدم فيه المخرجة كوثر بن هنية على تجربة أدائية ضخمة، لا تكتفي فيها بتقديم حكاية ألفة، المرأة التونسية ذات الحياة الغريبة، والتي انضمت ابنتاها إلى تنظيم داعش، بل تقوم باختبار الوسيط السينمائي نفسه، باستدعاء الممثلة هند صبري لتتبادل تجسيد دور ألفة مع المرأة نفسها، وتوظيف ممثلتين شابتين للعب دور الفتاتين الغائبتين والانضمام لابنتين صغيرتين ظلتا مع الأم.

يتحول منزل ألفة مسرحًا لتجربة أدائية غير معتادة في السينما العربية، تتلاقح فيها الذاكرة مع التجسيد، الحكي مع التقمص، وتحاول بن هنية السير على الخط الرفيع الفاصل بين رؤية الإنسان الذاتية وتفسيره لما دار في حياته من وقائع، وبين رغبة فنان في تحليل تلك الوقائع للخروج بصورة درامية مُقنعة. لعبة تبادل للوجوه والحيوات، ومشاركة للحظات الحميمية والمؤثرة، لتخلق بن هنية عالمًا سينمائيًا خاصة، لا يمكن فيه فصل شكل الفيلم عن مضمونه، وهو أقصى نجاح قد يصل إليه أي عمل فني مُجدد.

1- وداعًا جوليا (السودان)

قد لا يحمل فيلم المخرج محمد كُردفاني الحس التجريبي الذي تمتلكه أفلام أخرى في هذه القائمة، لكنه يحمل الأهم: اكتمال الأدوات، والرغبة الواضحة في تقديم عمل قادر على الدخول لقلب وعقل كل من يشاهده. عمل مُصمم بعناية فائقة لا تترك مجالًا للسهو أو المصادفة، لكنه تصميم ممتزج بالعاطفة تجاه كافة الشخصيات، حتى من يُقدم منهم على فعل سلبي.

لا ينشغل “وداعًا جوليا” بتوجيه أصابع الاتهام لأحد، بل ينظر بعين حانية، مُحللة، تستوعب حقيقة ما دار ويدور في السودان، وكيف أن تراكم عقود من الظلم والقهر والعنصرية لابد وأن يأتي بثمن باهظ يدفعه البشر، ليس فقط بأن يصيروا ضحايا عالمهم وعصرهم، بل وبأن يصبحوا أيضًا ظالمين لغيرهم، هذه الدائرة الشيطانية لانتقال الخطيئة تكاد تكون الموضوع الرئيسي للفيلم.

لدينا هنا دراما شكسبيرية بامتياز، تتصادم فيها طموحات وقرارات شخصيات كل منها رُسمت بعناية فائقة، ليُسفر هذا الصراع الإنساني عن فهم أعمق للوضع في السودان وفي أي مجتمع مماثل منكوب بكل هذا القدر من الظلم والتفرقة والأصولية. ليمنحنا كُردفاني عملًا كبيرًا أراه الأكثر اكتمالًا في السينما العربية خلال 2023.

 

موقع "شهرزاد" المصري في

06.12.2023

 
 
 
 
 

"مايسترو": عن بروباغندا غربية غريبة لا تنتهي

محمد جميل خضر

يتحضّر المشهد السينمائي الغربي (الأميركي على وجه الخصوص)، لِتحويل فيلم "مايسترو" Maestro (2023) ، إلى أيقونةِ أفلام العام 2024، بعد أن أقْحموه في سباقاتِ نهاية العام 2023، وجعلوه، عنوَةً، يتصدّر المشهد.
أما لماذا كل هذا، فلأن الفيلم يروي، من تأليف وإخراج الممثل الأميركي برادلي كوبر، الذي اشتهر كممثلٍ من خلال فيلم "صداع الكحول/The Hangover" بأجزائه الثلاثة، سيرة حياة الموسيقي اليهوديِّ الأميركيِّ من أصل أوكرانيٍّ ليونارد (أو ليرند) برنستاين (أو برنشتاين، 1918 ـ 1990)، وقصة غرامه الممتدة مع رفيقة دربه الممثلة فيليسيا ماريا كوهن مونتيليغري (1922 ـ 1978) اليهودية الأميركية
.

تخيلوا، يا رعاكم الله، أن الفيلم مرشح منذ إطلاقه نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2023، لأكثر من 69 جائزة، معظمها، بل كلّها، على ما يبدو، تنتظره مع دخولنا عام 2024، وبدء انطلاق مهرجاناته ومسابقاته السينمائية، مهرجانًا وراء آخر، ومسابقة وراء أخرى، وتخيّلوا أنه نال، فعليًّا، حتى اللحظة عشر جوائز!

ربما ثمة سبب آخر لهذه البروباغندا التي سبقت الفيلم، وفي أحسن الأحوال، انطلقت فور صدوره، ألا وهي المتعلقة بالتّلميح مرّة، والتّصريح في أُخرى، داخل دقائق الفيلم البالغة (131 دقيقة)، للعلاقة التي سبقت ارتباط برنستاين بِمونتيليغري، بينه وبين عازف الكلارينيت في الفرقة الفيلهارمونيّة التي أصبح الموسيقي اليهودي قائدها!

في التلميح، يكفي أن نشير إلى ردّة فعل عازف الكلارينيت عندما عرّفه ليني على صديقته فيليسيا التي ستصبح لاحقًا زوجته. وعلى صعيد التصريح، فحين يلتقي مصادفة بعد سنوات من زواجه من فيليسيا وإنجابهما ولديْن، بصديقه القديم زيوس وزوجته وابنته، يقبّله من شفتيه، ويقبّل زوجة صديقه بالطريقة نفسه، ثم ينحني نحو الرضيعةِ ابنتهما، ويقول لها سوف أخبرك بسرٍّ: "هل تعلمين أنني نمتُ مع والديْكِ كليهما، ماذا أفعل فلديّ كثير من الحب، ولكنني أحاول أن ألْجمه"، ثم بعد أن يتمشّوا جميعهم قليلًا في جادّات نيويورك، يتوادع (العاشقان) السابقان بطريقة دراماتيكية مبالغ فيها كثيرًا!

لا يكتفي ليني بعلاقته مع رفيق الصبا، فبعد أن أصبح ملحنًا موهوبًا وقائدًا موسيقيًا شهيرًا، وبعد أن انتقل الفيلم إلى الألوان (أول 50 دقيقة منه بالأبيض والأسود، تضيء بدايات المايسترو وإرهاصات شهرته الأولى)، وخلال حفل يقيمه في بيته وقد ابيضّ شعره، يلتقي بِأحد المدعوين، ويُدعى تومي، فيفجّر إعجابه به منذ اللحظة الأولى، ثم يصطحبه إلى مكتبه في الطابق العلوي، ويبدأ تقبيله قبل أن تُباغتَهما زوجته ورفيقة دربه التي يفترض أن الفيلم يروي مدى فرادةِ علاقتهما، وصمودِها، ونقائِها! اللافت أن زوجته أظهرت في كل الحالات تفهمًا لسلوكياته تلك، كما لو أنها، تلك السلوكيات، مضافًا إليها تدخينه الشّره غير المنقطع، جزءٌ أصيلٌ من إبداعِ أيِّ مبدع!!

لا يقطع ليني، رغم إحراجات اللقاء الأول، علاقتَهُ بالشاب الذي فَتَنَه! ويدْرجه داخل أعضاء فرقته، وَيواصلانِ العمل معًا، ويواصلان، كذلك، لقاءات ما بعد العمل، أو بينَه، أو خلالَه!!!

أما أسوأ ما في الأمر حول هذا الموضوع، لعلنا بعدها ننتهي منه، فهو قبيح حتى في تناوله، وقبيح في خصوصيته، واضطرارنا (لاقتحام) هذه الخصوصية، لنحاول فهم لماذا كل هذه الاندفاعة (المنافقة) انتصارًا للشريط العادي في مختلف الأحوال، أقول إن أسوأ تفصيلة حول (مِثْلية) مايسترو الفيلم هو أنه، وبعد أن ينكر لابنته جايمي علاقته بِتومي، بناء على توجيه من زوجته التي تحذره وتؤكد عليه أن لا يخبر البنت بالحقيقة، يساعد ابنته في التقرّب من (حبيبه)، بعد أن يلاحظ ميلَ الصبية للشاب الذي سمعت في بلدةِ والدها أنه على علاقة بأبيها، فكم علامة تعجُّب ينبغي عليّ أن أضع بعد هذه التعريجةِ داخل ثنايا الفيلم المحتشدِ بالفراغاتِ والإِطالة.

لأسبابٍ غير سينمائية

يريدون بالقوة، ولأسباب غير سينمائية، أن يغزو الفيلم العالم، بسيناريو ضعيف (لم يُعرف عن برادلي كوبر أنه كاتب سيناريو)، مُفتعل في كثير من مفاصل الفيلم وحواراته، ومُصِر، في غيرِ جملة وموقف، على جلب التعاطف مع اليهود (على سبيل المثال حين يقول والد ليني (ليونارد) في لقاء التعارف الذي أحضر ابنه محبوبته إليه، إنه كان يواصل العزف في القطار الذاهب إلى موسكو، من دون أن يدخل المدينة، لأن اليهود كان ممنوعًا عليهم أيامها دخولها، حيث يعود في القطار نفسه، مُتَبَنْدِلًا بين ذهابٍ وإيابٍ لعيون عاصمة محرومٍ من دخولها)، وَسأسْمح لِنفسي، لحظتها، تخيّل الدموع المُزْدَوجة التي سوف تُذرف على هكذا مقطع من حوارات الفيلم!

"فيلم "مايسترو" في الأساس يروي قصة موسيقي، إلا أن موسيقى الفيلم نفسه، لم ترقَ ولو درجة، فوق الموسيقى الكلاسيكية التي أخذت قسطًا وافرًا من الفيلم"

يريدونه أن يقتحم الشاشات جميعها بحبكةٍ مهزوزةٍ، اعتمدت، أساسًا، سيرة حياة عازف البيانو قبل أن تمنحه مصادفتان (مصادفة مرض مايسترو الفرقة الأساسي، ومصادفة تعثر وصول من ينوبه بسبب الازدحام) فرصة أن يصبح المايسترو الأول لِفرقة فيلهارمونيّة نيويوركيّة برودويّة، وداورتْ حول قصة الحب التي لم يكن اليهودي الأوكراني، في البداية، متحمسًا لها (ربما بسبب علاقته مع رفيق سكنِه).

عن موسيقى الفيلم

للمفارقة، ورغم أن الفيلم يروي، في الأساس، قصة موسيقي، إلا أن موسيقى الفيلم نفسه، لم ترقَ ولو درجة، فوق الموسيقى الكلاسيكية التي أخذت قسطًا وافرًا من الفيلم عبْر إدْماجها بالقصة نفسها، وعبْر متابعة بعض أمسيات أوركسترا يقودها ليني بطل الفيلم. باستثناء هذه المساحة التي منحها المخرج إياها، فإن موسيقى الفيلم لم تلمع، ولم تحدِث فارقًا، ولم تفرِض عليك الانتباه إليها ونسيان باقي تفاصيل المشهد المعروض. لم تجعلْك، ولوْ لدقائق قليلة، تتابع الفيلم بأذنيكَ، وليس بِعينيك.

وحتى عندما جعلها الشريط بطلة (أقصد الموسيقى) فقد فعل ذلك من خلال أمسية ناجحة قادها ليني، وشكّلت سببًا وجيهًا لعودة زوجته إلى البيت، بعد أن كانت غادرته لزمن ليس قصيرًا، بسبب مواصلة زوجها سلوكياته (المرفوضة على ما يبدو) من طرفها، قائلة له في موجة غضب جارفة، بعد أن أصبح (حبيبه) يقيم معهم تقريبًا: "إن بقيتَ على ما أنت عليه، فسوف تموت مثليًّا وحيدًا متعجرفًا". غضبها قاده إلى مزيد من العناد، وأضاف إلى سلوكياته مصيبة أخرى هي مصيبة إدمانه على المخدرات والكحول. كما جعله يقدم مداخلة قبل أمسية لفرقته يخبر الناس فيها وهو يرتدي زيًّا غير رسميٍّ أنّه قرر أن يظل كما هو، وأن يواجهَ الموت متى جاء وهو مصرٌّ على خياراته، متمسكٌ بكلِّ انحرافاته.

كما هو متوقع، ختم الفيلم دقائقه بمقطوعة موسيقية يبدو أن ليني ألّفها للزوجة التي سبقته إلى الموت بدزينةٍ من الأعوام.

وبين موسيقى البداية، وموسيقى النهاية، نسمع، غير مرّة، ليني يعزف على البيانو، نلْتقِط بعض لَمَحاتٍ من موسيقاتٍ عالمية، على أن موسيقى الفيلم هي، في الأساس، جميعها من تأليف ليونارد برنشتاين، إذ يبدو أن برادلي كوبر اختار منها ما هو متوفّر بجودةٍ مناسبة.

عادت الزوجة التي كانت ذات يوم نجمة، ومعها خبر إصابتها بسرطان الثدي.

ترحل رفيقة دربه، فلا يضيّع المايسترو وقته؛ يقيم علاقة مع فتى أسود البشرة، ويبدأ تحضيره ليكون مايسترو الفرقة بعده!

لا تغيّر السنون سلوكيات ليني، علمًا أن الفيلم لا يبحر كثيرًا في الفترة التي عاشها بعد رحيل فيليسيا، وكما لو أن سرديّته الأساسية هي العلاقة الغريبة العجيبة التي جمعتهما معًا، وقررا في لحظة تاريخية منها (تلك العلاقة) أن يتزوجا من دون أن يقرر هو بدوره، في الوقت نفسه، تكريس حياته لهذا (الحب) وهذا الارتباط المفروض أنه مقدّس.

المُنْعطَف

لولا الطوفان (المنعطفُ التاريخيّ الحقيقيّ الذي نحياه اليوم)، لكنتُ، ربما، مررتُ على الفيلم مرور الكرام، وكنت لم أتوقّف، لعلّني، عند كل هذا النفاق حوله، لتفرد أهم التظاهرات السينمائية لأجل عينيه صفحاتها، وتفتح له أبوابها، مهلّلة أن تعال وادخل معنا عام الـ 2024، غازيًا رابحًا من دون منافسة حقيقية، وامْتح من كنوز جوائزنا، خذ أفضلها، واغنم بأعرقِها، فنحن السينما، ونحن الموسيقى، ومن ذا الذي يجرؤ أن يغمز من قناتنا، أو يدّعي قدرته على قراءة المشهد بعينٍ ثالثة، ناقِدة، متبصّرة.

ها أنا قد فعلت، متحرّرًا من الانقياديةِ لكم، والتبعيّة الدونيّة لفنونِكم المغموسة بسمومٍ لا نقوى نحن أبناء الشرق اللعين على تجرّعها من دون أن تهتزّ قيمنا، وتضطرب مجسّات وجودنا، أو تختلّ موازين أخلاقِنا. فنحن وإن كنّا لا نستخدم ميزانًا واحدًا، إلا أنَّ كلَّ موازينِنا، تجري في قنواتٍ غير قنواتِكم، وتصبُّ في بحارٍ لا تُشبه محيطاتِكم.
وبصراحةٍ مُتناهية، لسنا نحن من نحتاج لمراجعة دقّة موازيننا، وصوابيّة موروثِنا ومعتقداتِنا، بل أنتم من تحتاجون لإحداثَ ثورةٍ في معاييرِكم المزدوجة، ومكاييلِكم الموجّهة، وتخليصِ العالم من سرطانِكم الدّامي
.

يضع المخرج، الذي أدّى، إلى ذلك، دور البطولة في الفيلم (شخصية المايسترو ليونارد برنشتاين Leonard Bernstein، وُلِدَ برنشتاين باسم لويس برنشتاين من عائلة ذات أصول أوكرانية يهودية، وعند بلوغه سن السادسة عشرة غير اسمه إلى ليونارد، وهي الكُنية التي بقي عليْها منذ ذلك الحين)، في شارةِ بدايةِ الفيلم، عبارة لِليونارد يقول فيها: "العمل الفني لا يجيب عن الأسئلة، بل يطرحها، ويكْمن مغزاه الأساسي في التوتّر الذي يخلقه بين الأجوبة المتناقضة". وعلى هذا الاقتباس أردّ قائلًا، ومقتبسًا، بدوْري، من عنوان كتاب الشهيد الفلسطينيّ باسل الأعرج (1984 ـ 2017) "وجدتُ أَجْوبتي"، إننا عرفْنا أجْوِبَتِنا، وَوجدناها بعد حيرتيْن: حيرتُنا من وضوحِها، وحيرتُها من عمائِنا الذي كان.

 

ضفة ثالثة اللندنية في

06.01.2024

 
 
 
 
 

قبل انطلاق حفل جولدن جلوب 2024 ..

أرقام وتفاصيل ترشيحات جوائز الدورة الـ81 (تقارير)

BARBIE يتصدر ترشيحات جولدن جلوب 2024

كتب: ريهام جودة

24 ساعة وينطلق حفل توزيع جوائز اتحاد الصحفيين الأجانب في هوليوود المعروفة بـ جولدن جلوب GOLDEN GLOPE، والتي يعلن عن الفائزين بها في مجالي الدراما والسينما في ساعة متأخرة من مساء غد الأحد 7 يناير حتى الساعات الأولى من صباح الإثنين، وسط توقعات كبيرة بتصدر فيلمي Barbie ، وOppenhimer لجوائز جولدن جلوب.

-يقام حفل جولدن جلوب في 7 يناير 2024، في فندق بيفرلي هيلتون في مدينة بيفرلي هيلز، كاليفورنيا، من إنتاج ديك كلارك للإنتاج، وريكي كيرشنر، وجلين فايس.

كيفية مشاهدة حفل جولدن جلوب 2024 غدا

-يبث حفل جولدن جلوب على قناة cbs، ويقدمه المذيع وممثل الاستاند آب كوميدي جو كوي، على الهواء مباشرة، ومنصة Paramount+، و«جو كوي» من أصل أمريكي أسيوي، ليكون المقدم الرئيسي للحفل بجانب عدد من مشاهير هوليوود.

Barbie يتصدر ترشيحات جولدن جلوب 2024

-يتصدر فيلم Barbie الترشيحات للأفلام المتنافسة الكوميدية والموسيقية لجوائز جولدن جلوب ، والتي عرضت في 2023، ونال Barbie بطولة مارجو روبي وإخراج جريتا جروينج ترشيحات جولدن جلوب في فئات مهمة ورئيسية وصلت إلى 9 ترشيحات جولدن جلوب أبرزها في فئات أفضل موسيقي / كوميدي، أفضل سيناريو أصلي، أفضل إخراج، أفضل ممثلة لبطلته مارجو روبي، أفضل ممثل مساعد لبطله ريان جوسلينج، أفضل أغنية أصلية، ويتنافس Barbie على جولدن جلوب أفضل فيلم موسيقى / كوميدي مع أفلام:

-Poor Things

-American Fiction

-The Holdovers

-May December

-Air

-يحتل فيلم Oppenhimer المركز الثاني في عدد الترشيحات التي تلقاها هذا العام، في جولدن جلوب إذ نال 8 ترشيحات، وتلاه فيلم Poor Things، بـ7 ترشيحات، وفيلم Killers of the Flower Moon، للمخرج مارتن سكورسيزي حصد 3 ترشيحات جولدن جلوب .

ويتنافس فيلم Oppenhimer على جولدن جلوب أفضل فيلم درامي لعام 2023، مع أفلام:

-Killers of the Flower Moon

-Maestro

-Past Lives

-The Zone of Interest

-Anatomy of a Fall

Succession يتصدر ترشيحات جوائز الدراما في جولدن جلوب

-9 ترشيحات نالها مسلسل Succession، ليتصدر ترشيحات جولدن جلوب لعام 2024، وتلاه في عدد الترشيحات الموسم الثالث من مسلسل The Bear، وحصد 5 ترشيحات، ومثله مسلسل Only Murders in the Building،نال عدد الترشيحات نفسه، لجوائز جولدن جلوب كما تتنافس على الجوائز مسلسلات :

-The Last of Us.

-The Diplomat.

-The Morning Show.

-The Crown.

-1923.

-مثل كل عام تحظى ترشيحات جوائز جولدن جلوب ببعض الجدل والانتقادات التي تتعلق بعدم ترشيح ممثل أو عمل ما، أو ترشيح آخر ربما لايستحق الترشح بوجهة نظر النقاد، ومنها هذا العام غياب الترشيحات لفيلم The Color Purple في فئة أفضل فيلم موسيقي / كوميدي، رغم إشادة النقاد به، وترشح بطلاه في فئات التمثيل وهما فانتازيا بارينو ودانييل بروكس، وأيضا الممثل زاك إيفرون عن فيلم The Iron Claw.

-تخوض المغنية سيلينا جوميز المنافسة على جائزة جولدن جلوب كأفضل ممثلة لعمل تليفزيوني كوميدي أو موسيقي عن Only Murders in the Building.

-يتنافس كل من صناع الأفلام على جائزة الإخراج وهم:

برادلي كوبر عن فيلم Maestro، جريتا جروينج عن Barbie، ويورجوس لانثيموس عن Poor Things، وكريستوفر نولان عن Oppenheimer، وماترن سكورسيزي عن Killers of the Flower Moon، وسيلين سونج عن Past Lives .

 

المصري اليوم في

06.01.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004