كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

جميل الشرق والغرب

إيهاب التركى

عن رحيل العميد

جميل

راتب

   
 
 
 
 

كيف ظهر بدور العربى فى الأفلام الأجنبية ودور الخواجة فى الأفلام العربية؟ هل أثَّرت بداياته فى فرنسا فى مسيرته الفنية فى السينما المصرية؟ كيف نجح فى تقديم الشرير بعيدًا عن شخصية الفتوة مفتول العضلات؟

نفتقد رؤية أعمال جميل راتب، الذى وُلد عام 1926، كممثل شاب فى بداياته السينمائية. ويعود هذا إلى أن أغلبها أعمال قدمها خارج مصر، فى فرنسا تحديدًا، والمتتبع لمسيرته الفنية سيكتشف أن الجمهور المصرى لم يعرفه بصورة حقيقية إلا فى منتصف السبعينيات، أما قبل ذلك فأغلب أعماله فى المسرح والسينما والتليفزيون أصبحت جزءًا من تراث فن الدراما الفرنسى، وهى أعمال مجهولة تمامًا للمشاهد العربى.

أغلب المواقع والصحف الفرنسية التى قامت بتأبينه وسرد ملخص لمسيرته الفنية وصفته بالممثل الكوميدى، ومَن يراجع أعماله المبكرة فى التليفزيون والسينما الفرنسية سيجدها من نوعية المغامرات الكوميدية، وكانت ملامحه مزيجًا من الشكل العربى الأصيل والأجنبى المنتمى إلى دول البحر الأبيض المتوسط الأوروبى، ولا يعود هذا إلى أن أمه فرنسية ووالده مصرى كما يُشاع، فهو ابن لوالدَين من جذور مصرية، وأمه تحديدًا صعيدية، وعمة والدته هى الناشطة هدى شعراوى.

ملامحه كانت تؤهله لدور الأجنبى أو العربى على حد سواء، فالطريف أنه يمثل فى «لورانس العرب» دور ماجد، الشاب العربى، أحد أشهر أدواره العالمية، ويمثل دور الخواجة الإيطالى فى مسلسل «زيزينيا»، وهو أحد أشهر أعماله المصرية، وقد حرمته لَكنته الفرنسية فى السنوات الأولى بعد عودته إلى مصر فى منتصف السبعينيات من تجسيد شخصية الضابط خالد صفوان فى فيلم «الكرنك»، وذهب الدور إلى كمال الشناوى، لكنه تمكن من التخلص من هذه اللكنة وترسيخ وجوده فى الأعمال اللاحقة.

فى بداياته الأولى بالسينما قام ببطولة فيلم «أنا الشرق»، ويمكننا أن نرى فيه جميل راتب شابًّا وسيمًا وفارسًا من فرسان التمثيل، ولا يُعرض هذا الفيلم كثيرًا، وهو من الأفلام التى تحمل كثيرًا من الطرائف فى تفاصيل إنتاجها. مخرج الفيلم هو عبد الحميد زكى، وهو الفيلم الوحيد الذى أخرجه، وهو ممثل من الصف الثالث ومعروف بأداء الأدوار الصغيرة، ربما نتذكره فى دور صاحب محل الفطاطرى فى فيلم «إسماعيل يس فى مستشفى المجانين».

فيلم «أنا الشرق» يضم بجوار أسمائه المشهورة، مثل حسين رياض وتوفيق الدقن، أسماء نجوم شباب مثل جميل راتب وسعد أردش، كما يشارك فيه جورج أبيض كممثل فى ظهور نادر للغاية، وتقوم بالبطولة النسائية الممثلة الفرنسية كلود جودار.

جسد جميل راتب، وكان وقتها شابًّا فى الثلاثين، دور فارس من قبيلة عربية معاصرة، زعيمها الشيخ فاضل «حسين رياض»، ويتصدَّى الشيخ والفارس الشاب لمجموعة من المغامرين الأجانب الذين يدّعون أنهم علماء آثار، لكنهم فى الحقيقة عصابة تسعى للتنقيب عن الذهب فى صحراء القبيلة وسرقته، ويحتوى الفيلم على كثير من التفاصيل النمطية، وخلاصة العمل تقول بمباشرة وسطحية إن الغرب شرير وانتهازى، والشرق طيب وخيِّر.

أغلب المصادر تذكر أن الفيلم من إنتاج عام 1946، وقلة تؤكد أنه من إنتاج عام 1956، وفى رواية ثالثة عام 1958، وظنى أن التاريخ الأخير هو الأدق، ففى منتصف الأربعينيات كان جميل راتب شابًّا فى العشرين، التحق لتَوّه بمدرسة الحقوق الفرنسية، وذهب بعد عامه الأول بها إلى باريس لاستكمال دراسته، وهناك هوى التمثيل ومارسه، ودرسه لاحقًا بعد أن ترك دراسة الحقوق، بالإضافة إلى أن بدايات توفيق الدقن وسعد أردش السينمائية تعود إلى السنوات الأولى من الخمسينيات.

فى هذا الوقت لم يكن جميل راتب، الذى درس التمثيل ومارسه فى فرنسا، معروفًا فى الوسط السينمائى المصرى، وكانت شهرته أكثر كممثل مسرحى كلاسيكى فى الكوميدى فرانسيز، وربما لهذا السبب تم اختياره فى منتصف الخمسينيات، بعد العدوان الثلاثى على مصر، لبطولة فيلم يتناول علاقة الشرق والغرب، فهو وجه معروف إلى حد ما فى فرنسا، والفيلم يحمل ملامح العمل الملحمى العالمى، وكان مخططًا لعرضه فى جميع أنحاء العالم كجزء من القوة الناعمة وقتها.

لم ينجح الفيلم فى ترسيخ نجومية جميل راتب فى السينما المصرية، وترك بعده الشرق، وبدأت مرحلة فنية جديدة مع الغرب كممثل للأدوار الصغيرة فى السينما والتليفزيون الفرنسيين، كما شارك بدور صغير كلاعب سيرك فى الفيلم الهوليوودى «Trapeze»، وكان الفيلم بطولة بيرت لانكستر وجينا لولو بريجيدا، وجاءته الفرصة الكبرى للعالمية حينما شارك فى فيلم Lawrence of Arabia «لورانس العرب»، لكن حظوظ عمر الشريف كانت أفضل عالميًّا، وظل جميل راتب طوال حقبتَى الستينيات والسبعينيات يمثل فى مسلسلات التليفزيون الفرنسى، وبعض الأفلام التجارية الفرنسية الخفيفة، وهذه الأعمال رغم كثرتها، فإنها مجهولة ونادرة، ويصعب الحصول عليها.

أحب جميل راتب الفن، وشغف به، وقَبِلَ ابن العائلة الأرستقراطية تحدى حرمان أسرته من الدعم المالى حينما سافر إلى فرنسا لدراسة الحقوق، ودرس التمثيل بدلًا منها، وعمل فى مهن متواضعة لإكمال دراسته والإنفاق على نفسه، وعاد إلى السينما المصرية وعمره يقترب من الخمسين، وكان وقتها يجسد شخصيات الرجل الناضج فى منتصف العمر، التى تلائم سنه، ومن أعماله فى تلك المرحلة فيلما «الكداب» و«على مَن نطلق الرصاص»، ثم بدأ يتوجه إلى التليفزيون الذى صنع نجوميته وجماهيريته الكبرى لاحقًا.

تنوعت أدواره فى مرحلة أواخر السبعينيات وبدايات الثمانينيات، وغلب عليها لون الشر، ولكنه شر الدهاء والمكر، بعيدًا عن شكل الشرير الفتوة صاحب العضلات، وهى الصورة النمطية التى أخلصت إليها السينما المصرية، فهو ضابط الموساد «آدمون» فى «الصعود إلى الهاوية»، وطارق مظهر رئيس التحرير فى «لا عزاء للسيدات»، والثرى البخيل عبد الجواد الغطريفى فى فيلم «شعبان تحت الصفر»، ورجل الأعمال الفاسد فى «الحب فى الزنزانة»، وأفندينا فى «شفيقة ومتولى»، وجسد فى فيلم «الكيف» دور سليم البهظ، تاجر المخدرات الذى يُفلسف أفكاره فى تجارة المخدرات فى حواراته الغريبة مع دكتور الكيمياء «يحيى الفخرانى»، وهو واحد من أفضل أدواره، وتوالت أعماله التى مثلت محطات مهمة فى مسيرته الفنية، مثل دور رجل الأعمال «نبيه بيه» فى فيلم «البداية»، نموذج الديكتاتور الرأسمالى، ولم يقدم بعدها فى السينما أدوارًا لافتة بنفس قيمة تلك الأدوار.

كان جميل راتب، فى حقبة الثمانينيات وما بعدها، اكتشافًا تليفزيونيًّا، وقدم تليفزيونيًّا نحو 45 مسلسلًا، من أبرزها دور السفير مفيد أبو الغار فى مسلسل «الراية البيضا»، فى عمل من إبداع الراحل أسامة أنور عكاشة، ويصور الصراع بين سطوة المال والجهل وبين القيم الأصيلة من خلال رغبة «مَعلمة» ثرية فى شراء فيلا أثرية فى الإسكندرية لهدمها وبناء برج سكنى مكانها، ودور جيوفانى ديلورينزى فى مسلسل «زيزينيا»، وأيضًا أدواره فى الأعمال الكوميدية، مثل دور الجد «أبو الفضل» فى مسلسل «يوميات ونيس»، و«لطفى بيه» فى «رحلة المليون»، وكان آخر أدواره فى رمضان الماضى دور صديق السفير نادر التركى «يحيى الفخرانى» فى مسلسل «بالحجم العائلى»، وظلت مشاركته فى السينما الفرنسية والعربية مستمرة حتى آخر أيامه، فقبل أسابيع من وفاته عُرض آخر فيلم أجنبى شارك فيه، وهو الفيلم المجرى «Hier»، وله مشاركات عديدة فى السينما التونسية، منها «صيف حلق الوادى» للمخرج فريد بوغدير، وفيلم «شيشخان» لمحمود بن محمود، و«كش ملك» لرشيد فرشيو، وهو فيلم شارك بطولته مع شريهان، وهو فيلم تم إنتاجه عام 1994، وتناول حكاية ديكتاتور عربى يلجأ إلى حصن فى بلد بعيد بعد انقلاب ضده، وهناك يرى أنه بلا قيمة حقيقية دون سلطة أو نفوذ.

المقال المصرية في

25.09.2018

 
 

فى وداع قيمة فنية وإنسانية «جميل راتب».. الفنان والسياسى العاشق لوطنه..

سيد عبد العال: الأجيال الجديدة تعلمت منه الالتزام الفنى

منى السيد

مارس الفن بحس المناضل والمثقف.. وتصدر القضايا القومية بقوة الوطني.. لم يفصل بين الفن والسياسة والعمل الوطني، واعتبر الفن سلاح مقاومة وترقية للوعي والذوق العام”، بهذه الكلمات رثا السياسيون والفنانون رحيل الفنان جميل راتب الذي رحل عن عمر ناهز 92 عاماً، قضاها فى رحلة عطاء جمعت بين المشوار الفني الحافل بالأعمال العالمية، والتواجد السياسي البارز والقوي بصفته واحداً من اشهر المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد، وأحد مؤسسي حزب التجمع رفقة الراحل العظيم خالد محيي الدين، لتطوي صفحة من مشوار كبير فى تاريخ واحد من عمالقة الفن المصري والعالمي جمع بين السياسة والفن.

الرحلة إلى عالم الفن

الفنان الراحل جميل أبو بكر محمد راتب، والمعروف فنياً بـ”جميل راتب”، المولود بمحافظة القاهرة، فى 18 أغسطس عام 1926م، لواحدة من العائلات الأرستقراطية فى مصر، لأم هي ابنة شقيق هدي شعراوي، ليترك حياة الثراء من أجل تحقيق هوايته، ودراسته فى فرنسا وتحقيق ذاته الاشتراكية، حصل على المستوى الأول فى التمثيل على مستوى المدارس المصرية والأجنبية فى بداية الأربعينيات، وشارك بدور صغير فى فيلم من إنتاج توجو مزراحى، ولكن أصرت عائلته على حذفه.

بعد حصوله على التوجيهية، التحق “راتب” بمدرسة الحقوق وحصل على منحة للدراسة فى فرنسا، ولكنه انشغل عنها بدراسة المسرح دون علم عائلته، وعندما علمت الأسرة قاطعته، ما جعله يضطر للعمل كشيال ومترجم والعديد من المهن الأخرى. تعرف الراحل الكبير أثناء دراسته فى فرنسا على ممثلة فرنسية وتزوجها وعملت فيما بعد كرئيسة لمسرح الشانزلزيه، ويقال: “إن راتب حرص على زيارتها من وقت لآخر، وأثناء وجوده فى باريس عمل مساعد مخرج فى فيلم “زيارة السيدة العجوز” لأنتونى كوين، وربطتهما صداقة قوية، وبدأ ظهوره من هناك فى فرنسا”.

بدأ حياته الفنية عام 1946 بمشاركته فى بطولة الفيلم المصري “أنا الشرق” الذي قامت ببطولته الممثلة الفرنسية كلود جودار مع نخبة من نجوم السينما المصرية فى ذلك الوقت منهم: جورج أبيض، حسين رياض، توفيق الدقن، سعد أردش، بعد هذا الفيلم سافر إلى فرنسا ليبدأ من هناك رحلته الحقيقية مع الفن.
ملامحه الحادة أهلته لأداء أدوار الشر

شارك أيضاً فى العديد من المسرحيات الفرنسية فى هذا التوقيت، وعاد إلى القاهرة فى بداية الخمسينيات مع فرقته الفرنسية “فرانسيز” وقدم العديد من المسرحيات عن الأدب الفرنسى ونال استحسان النقاد الفرنسيين، ومع منتصف السبعينيات قرر “راتب” البقاء والاستقرار فى مصر، وبدأ مشواره مع سينما السبعينيات وكانت من أشهر أفلامه فيلم “الكداب” من إخراج صلاح أبو سيف، وساهم فى كثير من الأفلام منها: “الصعود إلى الهاوية” وأدائه لدور أدمون، رجل الموساد الإسرائيلي الذي جند الطالبة المصرية “عبلة”، فقد أثر هذا الفيلم فى وجدان المصريين نظرا لحقيقة قصته وارتباطها بقصة الفتاة المصرية “هبة سليم”، التي جندها الموساد أثناء دراستها فى فرنسا، لصالحه وكانت نهايتها مأساوية.

منحه الرئيس الراحل محمد أنور السادات جائزة عن أفضل دور ثان، وكانت تلك الجائزة بداية جديدة وبدأت العروض الفنية تنهال عليه مرة أخرى، ويعد فيلم “الكيف” نقلة حقيقية فى حياته وشخصيته، ما جعله قبلة للمنتجين والمخرجين، وفى التسعينيات شارك فى مسلسل “ونيس” بأجزائه العديدة مع الممثل المسرحي محمد صبحى، وقدم دور “أبو الفضل جاد الله” والد ونيس.

مؤسس بارز فى التجمع

بثقافته العريقة وحبه للعمل السياسي، انتمى راتب للفكر الاشتراكي بفرنسا، ثم فى مصر، لتبدأ رحلته اليسارية بالمشاركة فى تأسيس حزب التجمع مع الزعيم الراحل خالد محيي الدين، ليصبح عضواً بارزاً فى الحزب، شارك فى تأسيس لجنة الدفاع عن الثقافة القومية مع كوكبة من عمالقة الفن كالراحل العظيم يوسف شاهين، والفنانة نادية لطفي، والسيناريست فتحية العسال، والفنانة محسنة توفيق، وبرز خلال تلك الفترة كأحد المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد المسماة بـ”العار”، والتي وقعها الرئيس الراحل محمد أنور السادات مع اسرائيل، ما تسبب فى عزوف المنتجين عنه فترة من الزمن. حاصرت “راتب” 3 شائعات، كان أبرزها ما يتعلق باعتناقه الديانة المسيحية، لكنه حرص على نفى تلك الشائعة، موضحاً أنه تزوج من فرنسية مسيحية دون أن يترك الديانة الإسلامية، ودون أن تعتنق زوجته الإسلام، حيث ظل كل منهما على ديانته، ومع رحيله خرج مدير أعماله لينفى ما تم نشره على صفحات التواصل الاجتماعي “فيسبوك” من شائعات تتعلق بديانته، ليؤكد أنه مسلم، واسمه جميل أبوبكر محمد راتب، وتمت إقامة صلاة الجنازة عليه بالجامع الأزهر، مطالبا من يتساءلون عن ديانته مسلم أم مسيحى بالكف عن تلك التساؤلات؛ لأن الفنان القدير كان يستاء من ذلك السؤال، ويردد عبارة: أنا مصرى وكلنا إخوات. بينما كانت الشائعة الثانية تتعلق بجنسية والدته، حيث انتشر بأنها ترجع لأصول فرنسية، لكن حقيقة الأمر تعود بوالدته إلى صعيد مصر، ولكن إتقانه اللغة الفرنسية وإقامته بفرنسا لسنوات طويلة تسبب فى انتشار هذه الشائعة، فى حين كانت الشائعة الثالثة تتعلق فى عمره الحقيقي خاصة أن هناك من يروج لولادته فى عام 1920 م، ليصبح عمره لحظة الوفاة 98 عاماً، فى حين أن راتب ولد فى عام 1926م وتوفى عن عمر ناهز 92 عاماً.

خسارة كبيرة

فى الوقت نفسه أعرب سيد عبد العال، رئيس حزب التجمع، عن حزنه لرحيل الفنان والسياسي الكبير جميل راتب قائلاً:” رحل عن عالمنا الفنان الكبير جميل راتب احد مؤسسي حزب التجمع، ليلحق بِنَا خسارة كبيره بفقدان هذا الفنان العظيم فى توقيت يحتاجه الحزب والوطن هو وكوكبة من الفنانين الراحلين الذين أسهموا فى تأسيس حزب التجمع مثل الأساتذة صلاح أبو سيف ويوسف شاهين والفريد فرج وقد خاضوا معارك شعبنا ضد الفقر والفساد والصهيونية العالمية دون أي حسابات شخصيه سوى مصالح الوطن والشعب وعزائي وزملائي فى التجمع أن جميل راتب وهؤلاء الفنانين العظام قد اشرفوا على التربية الفنية والفكرية لجيل من شباب الفنانين أبناء حزبنا يلتزمون فى أعمالهم بالفن الذي يرفع من وعى الجمهور ويعالج بشجاعة قضايا الوطن السياسية والاجتماعية”.

الفن والسياسة

بينما أكد أحمد بهاء شعبان الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، أن الراحل جميل راتب أحد الرموز الفنية المتميزة التي ظهرت فى مقدمة صفوف المثقفين ذوي الخبرة العالمية، فضل العودة لوطنه وممارسة دوره فى مواجهة التحديات التي تمر بها البلاد على صعوبتها، مشيراً إلى انه لعب دوراً كبيراً فى مقاومة اتفاقية” كامب ديفيد” مع الكيان الصهيوني “اتفاقية التطبيع”، كما كان له دور كعضو فى لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، فكان موجوداً بقوة فى القضايا القومية لا يفصل بين العمل الفني والسياسي والوطني، ويعتبر الفن سلاح مقاومة، وترقية الوعي والذوق العام.

وتابع شعبان فى تصريحات خاصة لـ”الأهالي”، إن راتب مارس الفن بحس المناضل والمثقف والوطني المتميز، وبرحيله خسارة كبيرة نتمني أن يعوضنا الله عمن رحلوا فى الفترة الاخيرة من الأدباء والشعراء والفنانين والسياسيين سواء أحمد فؤاد نجم، أو جميل راتب، موجهاً نصيحته للأجيال الحاضرة قائلاً:” أتمني أن تستفاد مما تركه هؤلاء الرموز”.

فنان مبدع

بينما قالت الفنانة نادية لطفي، إن الفنان الراحل كان صديقاً وزميلاً غالياً، معروف بأنه إنسان وفنان مبدع ذو شخصية فريدة والقدوة الراقية لما يجب أن يكون عليه الفنان أدبا وخلقا جميل راتب، مضيفة: “اتصلت به قبل رحيله بيوم واحد، ليرد على المرافق له الوفى السيد هاني، وكلي أمل أن يبلغك رغبتي وشوقي لرؤيتك ودعوتي للحضور لتكملة حوارنا الشيق فنياً.. وذكريات ولقاءات.. وأخبرني هاني انك بخير ونائم ووعدني انك ستعاود الاتصال فور استيقاظك”.. وتابعت: “صحوت لليوم الثاني على خبر تملؤه الغيوم والظلام والإمطار بأنك رحلت الي خالقك الكريم الرحمن الرحيم الغفور.. اسكنك الله فسيح جناته ولك الفاتحة على روحك الطاهرة، صديقتك فى الحداد على الأغلى ما صادقتهم فى حياتي.. والي اللقاء.. نادية”.. وصفت الفنانة ليلي علوي، الفنان الراحل بأنه كان متقمصاً متقناً حيث كان يتقمص كل الشخصيات المطلوبة منه بحرفية، وبشكل منفرد وصادق وطبيعي يمكن تصديقه بمجرد رؤيته سواء فى الدراما أو السينما أو المسرح، هذا بجانب الحنان الذى كان يتميز به، وكان بذلك أب لكل الفنانين كبيرا وصغيرا.. وكشفت علوى، عن زيارتها التى قامت بها إلى الفنان الراحل داخل المستشفى التى كان يرقد به منذ ثلاثة أيام، موضحة أنه كان يحمل ابتسامة عريضة، وتابعت قائلة: “قلبه طيب يا رب يدخله جنته ويصبر كل اللى بيحبوه”.

الأهالي المصرية في

25.09.2018

 
 

جميل راتب..

عمق الإحساس وبساطة الأداء

د. مصطفى فهمى

امتلك إحساسا قويا جعله يؤدى أدواره المختلفة بإتقان شديد، كأنه انسلخ من شخصيته الحقيقية كإنسان ليرتدى قميص الشخصية المطلوب منه أداؤها، ليقنعنا كمشاهدين بما قدمه على الشاشة.

أمنا أبرز بصماته فى عقل المصريين فهى أداؤه لشخصية سليم البهظ فى فيلم «الكيف» الذى بدأ حياته كتاجر شاى مغشوش ،ثم انتقل لتجارة المخدرات.

تمكن الفنان الراحل جميل راتب من إظهار أبعاد الشخصية الدقيقة بتكنيك أظهر العمق النفسى والفكرى والفلسفى والمبدئى لبهظ بيه، فى حواره بمقر إقامته مع يحيى الفخرانى حول التركيبة التى تشبه مخدر الحشيش؛ لم تكن لغة الحوار الكاشف الوحيد لهذا العمق، بل دعمها تمكنه المتميز بتعبيرات الوجه، وحركات الجسد،وتلون الأداء الصوتى لتتماشى كل هذه العناصر مع طبيعة شخصية تاجر المخدرات. عندما أدى دور السياسى المضطرب فى فيلم «طيور الظلام» بأدائه لشخصية رشدى الخيال استطاع راتب إقناعنا بمدى اهتزاز شخصية الوزير فى شتى جوانب الحياة، باعتماده طوال الوقت على فتحى نوفل ليساعده فى تسيير أموره، حتى الخاص بحياته عندما نصحه بالزواج من العاهرة التى أصبحت صاحبة محل ملابس شهير، لنرى الفنان الراحل وهو يبرز أدق تفاصيل رجل السياسة من نظرة العين، وحركة اليد، ومحاولات الثبات الانفعالى ليدارى اضطرابه وخوفه. اختلف أداؤه تماما بتجسيده لدور السياسى صاحب روح الأبوة فى فيلم «تيمور وشفيقة» عندما ظهر رئيسا للوزراء يتحدث مع الوزيرة شفيقة التى فى عمر ابنته، لنرى رجل سياسة يتمتع بالثقة والحكمة، وقوة القرار فى حواره مع الوزيرة الشابة، رغم مساحة المشهد القصيرة. هكذا كانت أمانة أستاذنا الراحل جميل راتب فى الاستعداد لأدواره، وحبه لمهنته دافعا لمذاكرة كل جوانب شخصياته بتفاصيلها التى أمتعنا،وأفادنا بها، بعد إحساسه الداخلى بكل أبعادها ليتمكن من إبراز تلك الأحاسيس فى أداء سمته: الهدوء، والعمق.

الأهرام اليومي في

26.09.2018

 
 

عصا جميل راتب

سما حسن

كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.

لأنه قد خبر الوسط الفني جيداً، ولأنه لم يترك وريثاً يعمل في الوسط الفني؛ لكي يتلقى المجاملات، قبل العزاء، فقد أوصى بأن لا يُقام له بيت عزاء، وأن يتمَّ دفنُه فقط، وينصرف كلُّ واحد من المُشيِّعين إلى شأنه، فالفنان الراحل أخيرا، جميل راتب، لم يُنجِب أولاداً، وعاش حياته وحيداً وسعيداً، متَّبِعاً فلسفة خاصة، وهو يمسك عصا الحياة والموت من المنتصف. 

لا أحد يجهل جميل راتب، فهو فنان بحقّ، من الجيل الملتزم، ويمكن أن يطلق عليه بأنه من الرعيل الأخير من الفنانين المحترمين، قبل أن يصبح الفن مهنة مَن لا مهنة له. كان موته بالنسبة لي كشفاً لخطأ كبير يخصُّ حياته، بقيِتُ على اعتقاد فيه، وهو أنه من أصول فرنسية؛ بسبب شكله وطريقة كلامه، وهذا ما نفاه المؤرِّخون عنه، ومن كشفوا عن تصريحاته، بهذا الشأن فعمَّتُه هي هدى شعراوي، وأمُّه مصرية أصيلة، ولكنه عاش فترة من حياته في فرنسا، حيث درس الفن، وعمل فيه. 

أحببتُ جميل راتب، في شخصية مفيد أبو الغار، في مسلسل "الراية البيضاء". وعلى الرغم من النجاح الجماهيري لهذه الشخصية، فهو لم يحبّ دوره فيها، والسبب أنه يراها شخصية سهلة؛ لأنها قريبة من شخصيته الحقيقية، وهذا يكشف كم هو رائع هذا الفنان الذي كان يغرق في الشخصية، ويذوب فيها، مثلما كان في فيلمي "البداية" و"الصعود إلى الهاوية" الذي احتلَّ الترتيب الخامس والسبعين ضمن أفضل مائة فيلم في ذاكرة السينما المصرية، في استفتاء النقَّاد في العام 1996، وقد لعب فيه دور رجل مخابرات إسرائيلي، استطاع الإيقاع بفتاةٍ مصريةٍ في حبال الجاسوسية. 

أحببتُ دور جميل راتب في مسلسل "يوميَّات ونيس"، وهو يتزوج من سيدة نزقة، لكنه يحتمل كلَّ عيوبها، حتى حين يستطيل أنفها بطريقة مضحكة، فهو يتقبَّل كلَّ ذلك بكل حب، وبذلك يكون قد نجح في الأدوار الكوميدية، كما نجح في أدوار الشرّ التي طبع بعضها بطابع كوميدي، كما ظهر في مسلسل "رحلة المليون"، فقام بدوره الخالد، لطفي رجل الأعمال الشَّرِه للمال، فأصبحت كلمتُه التي تشي بحذاقته في السوق، تتردّد على ألسنة العامة، وهي كلمة "بيع". 

قد تشعر بالضيق لأن ذكره لم يجرِ كثيراً في وسائل الإعلام، على الرغم من أنه قد تجاوز التسعين من عمره بعامين، لكنك تكتشف سنّة الحياة، وهي أننا نتذكّر الأحياء، ونتحدّث عن مثالبهم، بعد رحيلهم، وتتبارى الأقلام والألسنة في ذلك، وكأننا نعبِّر عن تقصيرنا نحوهم. لذلك تتجلى فلسفة جميل راتب هنا في عدم رغبته في إقامة بيت عزاء له، وبأنه لم يكن يخشى الموت الذي سيريحه من أمراض الشيخوخة؛ فانتظره بشغف، والموت في مخيّلته، كما في مخيّلتي، هو لقاء الأحبَّة، ممَّن رحلوا قبلنا، ولكنك لا تدري بأيّ وسيلةٍ سوف تلتقي بهم، والشوق غالبُك، والحنين قاتلُك، ولكن من المؤكَّد أن القدر يرتِّب لك لقاء خاصًّا، بعدما عانيتَ في هذه الحياة من الوحدة والخذلان. 

ولكي لا ننسى جميل راتب؛ بمواقفه الجميلة في الحياة، مثلما أثَّرت فيه عاملةُ نظافة في المطار، أصرَّتْ على أن تدعوه؛ ليشرب زجاجة مياه غازيَّة معها، فلم يخذلها. وهذا يدلُّ على بساطته وتواضعه اللذيْن يفتقدهما أبطالُ السينما، هذه الأيام. وربما كانت مقابلة رئيس الدولة أسهل من مقابلة أحدهم شخصياً، ويكون الواحد فيهم محاطاً بالحراسة المُشدَّدة، على سبيل التفاخر، لا أكثر فهو في الحقيقة، لو سار في الشارع، لما تعرَّف عليه أحد. ولكن جميل راتب عرفه سائقُ تاكسي، وأخبره بأنه يشعر بأنه ابنُه، وكان هذا الموقف مِن أجمل مواقف حياة جميل راتب التي امتدَّتْ نحو قرن، وجاب فيها العالم، واشتُهر في فرنسا، بلاد الفن، أكثر من شهرته في بلاده، وهذا ما يميِّزه عن غيره من الفنانين، حيث قدَّم هناك فنًّا بحقِّ، بعيدا عن العصبية المتكلَّفة، والإشاحة باليدين للتعبير عن الحنَق والغضب.

العربي الجديد اللندنية في

26.09.2018

 
 

هانى التهامى: "فيلم جميل راتب" من تأليفه.. ولا حقيقة لتجسيد سيرته الذاتية

كتب باسم فؤاد

أوضح هانى التهامى، مدير أعمال الفنان الراحل جميل راتب، ما جاء على لسانه خلال برنامج  "the insider بالعربى" المذاع على قناة دبى، مؤكد أنه بصدد كتابة فيلم سينمائى – إنتاج مصرى فرنسى - عن حياة الفنان الراحل، من بطولة الفنان محمود قابيل، مؤكدا أن تصريحاته بالبرنامج  تم تفسيرها بطريقة خاطئة من قبل البعض.

ونشر التهامى فيديو على صفحته الشخصية بموقع "فيس بوك" أوضح فيه أن الفنان الراحل أوصى فقط بتنفيذ عمل سينمائى من تأليفه قبل وفاته، على أن يكون الإنتاج مشترك بين كل من مصر وفرنسا، مضيفا أن راتب اتفق – قبل وفاته - مع الفنان محمود قابيل على بطولة الفيلم ومع المخرج أسامة فوزى لإخراج العمل.

كان برنامج "the insider بالعربى" أذاع فيديو مصورا، لمدير أعمال الفنان الراحل جميل راتب، وعلق مذيعا البرنامج بأنه التهامى بصدد كتابة فيلم سيرة ذاتية عن حياة الفنان الراحل، مستعينا بالمقالات والتقارير التى كتبت عنه فى المجلات والصحف.

اليوم السابع المصرية في

26.09.2018

 
 

جميل راتب.. العالمي الذي عاد الي مصر

نرمين يسر

دخل الشتا وقفل البيبان ععلى البيوت

وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت

وحاجات كتير بتموت ف ليل الشتا

لكن حاجات اكتر بترفض تموت

عجبي

لم يخشى جميل ابو بكر راتب الموت اوكان يهاب لحظة لقاءه، حتي بعد ان فقد وضوح صوته ولم تعد كلماته مفهومة، تمني الا يعاني الام النهايات قائلا " الموت هو راحة من معاناتي مع المرض، مستعد للموت ولا اخافه ولكن بدون عذاب والم.

بعد حياة صاخبة ومثيرة للاهتمام، حيث بدأ سلم المحد من اعلاه ولم يهبط درجة واحد، فعلي غكس جميع الفنانيين الذين بدأوا حياتهمم الفنية في مصر حتي وصلوا الى العالمية فقد فعلها جميل راتب وجاء الي مصر وظهرت اعماله المصرية بعد تحقيق نجاح باهر في السينما العالمية.

 لم يكن ابنا لام فرنسية كما يشاع عنه ولكنها سيدة صعيدية من عائلة ثرية ومحافظة، مما يفسر رفضها لتعلق ابنها بالمسرح والتمثيل والحياة الفنية عامة، اذ اعتاد جميل ان يشترك في في العروض المسرحية في المدرسة وبالفعل حصل على جائزة الممثل الاول وافضل ممثل على مستوي المدارس المصرية والاجنبية في مصر وذلك في اربعينيات القرن الماضي، ومن بعدها اشترك في بطولة اول اعماله عام السينمائية امام الممثلة الفرنسية ونجمة المسرح والتلفزيون الفرنسي وملكة جمال فرنسا"كلود جودارفي الفيلم اللمصري العالمي "انا الشرقمن اخراج عبد الحميد زكي حيث وقعت الاختلافات في تحديد سنة الانتاج فبعض المصادر تشير الي انه تم انتاج الفيلم في 1946 واخري تؤكد انه عام 1956، ل مايهم الان ان انطلاقة جميل راتي الفنية لم تبدأ من فرنسا ولكنها بدأت من مصر وذلك قبيل اختياره الحياة في فرنسا ليصبح بذلك احد نجوم مصر الذين وصلوا الى العالمية.

جميل راتب لا يقل شهرة عالمية عن عمرالشريف

يقول الجميل راتب ليس من المفترض ان يتطلع الفنان للوصول الى العالمية ولكن يهب حياته لخدمة الفن ذاته ووقتها تاتي اليه العالمية المنتظرة.

بات من الواضح ان عنف وشدة المقارنة بين صديقين ورفيقي الكفاح الى العالمية من الاشياء التي يصععب الخوض في تفاصيلها لكن يكفي القول انه قد اشترك كل منهما في فيلم لورانس العرب عام 1962 اخراج البريطاني النابغة ديفيد لين والحاصل على جائزة اوسكار افضل مخرج عن الفيلم كما حصل الفيلم علي جائزة افضل فيلم، بالاضافة الى تقديمه سبعة افلام فرنسية،  قضى فترة من حياته فى أوروبا متقلباً بين الشخصيات فى السينما الفرنسية والإيطالية حتى الأمريكية، كانت البداية مجموعة من الأدوار المحدودة والثانوية، حتى جاءت الفرصة أمامه فى المشاركة فى فيلم "Trapeze" امام النجمة جينا لولو برجيدا للمخرج كارول ريد عام 1956، والذى تدور أحداثه فى عالم السيرك، وأدى جميل في الفيلم شخصية "ستيفانأحد اللاعبين فى السيرك، وفى تلك الفترة قدم عدداً من الأعمال فى السينما الفرنسية مثل مغامرة في الشانزليزية للمخرج روجر بلان، كما شارك في بطولة فيلم To Commit a Murder عام 1967امام الممثل العالمي برنارد بلاير واخراج ادوارد مولينارو، وكان (فرط الرمان) في فيلم وداعا بونابارت للمخرج يوسف شاهين عام 1985 وهو انتاج مصري فرنسي مشترك وحصل عل اول بطولة مطلقة في فيلم فرنسي بعنوان Shadow of Evil او ظل الشيطان في 1982 إخراج أندرى هونبال، ثم توالت بطولانه المطلقة في افلامYoung Wolves إخراج مارسيل كارنى، وPeau d›espion إخراج إدوار مولينارو.

لم تكن جميعها اوروبية..

لم تقتصر اعمال جميل على ادواره المتعدد في السينما الفرنسية والايطالية والامريكية بل حان الوقت ان يشترك في الاعمال العربية  وخاصة في السينما التونسية المحببة الى قلبه والتي اشار مرارا الي مكانتها في قلبه فقد شارك في عدة افلام تونسية اهمها فيلم صيف حلق الوادي للمخرج فريد بو غدير عام 1996

يعد فيلم الصعود الى الهاوية 1978 اخراج كمال الشيخ من اكثر اعمال جميل راتب تميزا في دورالضابط الاسرائيلي ادمون امام مديحة كامل  التي استطاع ادمون ابهارها بالحياة في عاصمة النور حتي جندها لصالح المخابرات الاسرائيلية اذ يذكر الجكهور اشهر جملة في الفيلم على لسان محمود ياسين "هي دي مصر يا عبلةبالاضافة الي شخصية طارق مظهر رئيس تحرير الجريدة التي تعمل بها فاتن حمامة  في فيلم لا عزاء للسيدات 1979،  ومن اشهر ادواره ايضا تجسيد شخصية نبيه بك الاربوطلي اذ نطق باشهر جملة تميز فيلم البداية 1986 لصلاح ابو سيف، "دا مالوش ملة، دا ديموقراطي، يعني عمره ماهايورد على جنة ليجيب الفنان احمد حمدي متعجبا..دا طلع لامؤاخذة ديموقراطي"

لهجة خوجاتي سببت الضحك والمتاعب..بيع يا لطفي

قضي جميل حوالى 30 عاما في اوروبا، متنقلا بين فرنسا وايطاليا وسائر الدول المجاورة عشقا في فن التمثيل، اكتسب عدة لغات من برزها الفرنسية التي هي لغة تععليمه المدرسي والجامعي بالاضافة الى اكتسابه لهجات اخري سببت له بعض متاعب الفهم والاستيعاب واحيانا النطق، ففي مسلسل سنبل الشهير 1997 كان ينطقها سِنبل بكسر السين وليس بضمها، كما صرح من قبل انه لا يعلم سبب نجاحه في دورالمعلم بهظ في فيلم الكيف 1985 وحينما عرضوا عليه الشخصية تردد لأنه لم يفهم كثيرا من ألفاظ حوار الفيلم او حتى الجمل الحوارية التي ينطقها.

رغم تكريمات عدة قدمت الي جميل من مهرجانات سينمائية مرموقة وحكومات اوروبية مثل فرنسا، الا انه وصل الي اخر ايامه وشعر بالاحباط وقام باستعادة شخصية الدكتور مفيد ابو الغار ورفع الراية البيضاء مستسلما لعدم حصوله على تكريما لائقا من وطنه الاصلي مصر.

الدستور المصرية في

28.09.2018

 
 

في وداع "الجميل" راتب

كتبت ـ أماني صالح

عندما يموت الفنان تبقي أعماله شهادة علي موهبته وعطائه واختياراته.. تتلقي الخبر كمتابع فتشعر بعمق الخسارة كلما ازدادت الرابطة ولا تقيسها فقط بعدد الأعمال التي شاهدتها له إنما بالقيمة والرسالة التي بقيت وتتجدد بتكرار المشاهدة.. في أذهاننا صورته الجميلة من عمله المفضل لنا لا نتخيل أنه يكبر أو يمرض أو يموت.. يقترب منا لا تفصله سوي خطوات المسافة بينما وبين الشاشة أو الوقت الذي نستغرقه في السعي للمشاهدة.. 

لهذا الحد يكون الفنان قريبا وحبيبا بشرط أصالة الموهبة وصدق الإحساس.. أحيانا تؤثر الشهرة فيفوتنا حتي خبر وفاة فنان يمتلك الموهبة وتعوزه العلاقات العامة.. ولكن تبقي العلاقة بينه وبين الجمهور أثناء مشاهدة العمل الفني حقيقية وحميمية.. كم من مرة تتردد كلمات الإعجاب تلقائية "فلان ده جميل" "الممثل ده عظيم" "ربنا يديه الصحة" "ربنا يرحمه وغيرها من الدعوات الصادقة من قلوب المشاهدين. 

في حالة جميل راتب الذي ودعناه عن 92 سنة. كان الحزن جميلا كصاحب الاسم.. ندرك أن طول العمر لا يخلو من مرض وضعف لكن شعورنا أن حياة المبدعين قصيرة وإن طالت لا يخففه سوي عزائنا أنها تطول بعد موتهم وإن قصرت حياتهم.. قدم جميل راتب العديد من الأعمال ما بين المسرح والتليفزيون والسينما.. وخدم الفن - كما كان يحب أن يقول - في مصر وفرنسا وتونس .. بدأ رحلته من بوابة المسرح في فرنسا عام 1946 وهو في العشرين.. جرب .. تعلم.. اختلط بالناس في مسرح الحياة الكبير.. واستوعب هذه الشخصيات كما ظهر في أداءاته المدهشة.. 

نجح جميل راتب في فرنسا ممثلا أصيلا يقدم الأدوار المتنوعة من البطولات حتي الأدوار المساعدة ورغم أنه كان علي طريق العالمية بالمشاركة في لورانس العرب عام 1962 وخاض تجارب أخري كممثل أو مساعد مخرج في أفلام أخري لكن لم تكن العالمية هاجسه بل دافعه الفن بمختلف ألوانه لذلك لم يسم تجربته في فرنسا أو تونس بالعالمية وهو الذي حظي بتكريمات الرؤساء ميتران و السبسي .. كانت بالنسبة له محطات فنية مهمة وحتي بعد استقراره في مصر في السبعينيات لم يترك مشوار التمثيل في الخارج ولم يندم في الوقت نفسه علي العودة التي جاءت متأخرة وهو في أواخر الأربعينات من عمره ليبدأ من جديد في مصر بينما أقرانه يسبقونه لكنه قطع مسافة كبيرة أهلته لها ملامحه الحادة وقدم ما قد يرفضونه خصوصا أدوار الشر وكان انحيازه لقيمة العمل لا مساحة الدور لذلك وحتي الدور الذي تردد في قبوله "البهظ " في الكيف عام 1985 نجح فيه ونال عنه الجوائز رغم استغرابه الشخصية لكنه اختار الرسالة واللافت أن نفس الرجل الذي يفسد الذوق ويتاجر في المخدرات أقنعنا بل وأوجعنا وهو يحارب مافيا العشوائية والقبح والجهل في الراية البيضا 1988. 

هذا التنوع وربما التناقض بين الأدوار عكس فنانا حقيقيا. يخرج من أدوار الشر "شفيقة ومتولي" إلي الرومانسية "ولا عزاء للسيدات" في العام نفسه 1979 ويتحرك من الجدية إلي الكوميديا بشخصيات كاريكاتورية مخلوطة بالسياسة والفانتازيا مثل "البداية" أو القيم الأسرية والاجتماعية كأعماله مع محمد صبحي. 

جميل راتب في ذاكرة مشاهدي التليفزيون هو الجد الطيب "أبوالفضل جاد الحق" لكنه أيضا جنتلمان وحتي فارس للأحلام يأتينا من الماضي وإن تلوث الحاضر مثل "ضمير أبلة حكمت". 

في سنواته الأخيرة قلت قدرته علي الحركة واعتذر عن الأدوار الفنية مكتفيا بأدوار الشرف أو اللقاءات التليفزيونية ونراه فيها نفس الرجل الصريح والأنيق والثري انسانيا وفنيا. 

كان يعكس صورة مصر الارستقراطية التي تسكن وجدان البعض وتملأهم بنوستالجيا لمصر قبل الثورة لكن الارستقراطي القادم من عائلة ذات تاريخ وطني شعر دوما أن انتماءه ليس لطبقة ولكن لعموم الناس لذلك أحب ناصر واختار اليسار عندما تكون وعيه السياسي.. وكانت انحيازات جميل واضحة للعدل والحرية .. انحيازات إنسانية بقيت معه حتي النهاية. 

الحزن علي جميل راتب هو رثاء لكل جميل يرحل مع أحد المثقفين الذين امتلكوا الوعي وشعروا بالمسئولية ومارسوا دورهم في التأثير واختاروا الفن قبل النجومية.. وكلما قل رصيد مصر منهم ازداد الشعور أن المياه راكدة لا تتجدد ـ ملأنا الخوف علي القادم والندم علي ما فات.. نرثي فيه كل جميل مثله ونندم لأنه لم ينل المزيد من الفرص والأدوار.. نتساءل كم من موهوب غير محظوظ؟ كم من فنان حقيقي لكن أقل شهرة من أصحاب الألقاب؟كم من جميل مستتر يخفيه قبيح ظاهر؟ وهل دورنا فقط أن نتفرج وبعد الموت نرثي؟ أم من حقهم علينا أن يظهروا في حياتهم وإن رحلوا أن نوثق أعمالهم؟ نال جميل راتب عددا من التكريمات في حياته وكان أجدر بالأكثر ولكن الأهم الآن بعد وفاته أن نجمع تاريخه وأعماله -هنا وهناك - خصوصا في المسرح الأحب إلي قلبه لعلنا نعرفه ونراه من جديد. 

الجمهورية المصرية في

03.10.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)