كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

شادية «معبودة الجماهير»... دلوعة السينما المصرية وداعاً

تألّقت مع الثورة ورحلت في زمن الهزائم

محمد شعير

عن رحيل معبودة الجماهير

شادية

   
 
 
 
 

القاهرة | «لا أحب الأغنيات الوطنية. أراها دائماً أغنيات متهافتة، ضعيفة، يغنيها أصحابها بلا إحساس بغرض الحشد، وفي مناسبات. بالتأكيد هناك استثناءات، على رأسها صلاح جاهين، لأنه فقط صلاح جاهين، والاستثناء الآخر شادية في أغنيتها «يا حبيبتي يا مصر»»! كنا مجموعة من الأصدقاء يوم جمعة الغضب (28 يناير 2011) نحاول دخول ميدان التحرير، قنابل الغاز تتساقط حولنا، ونحاول تجنب تأثيرها بطرق مختلفة.

وسط الزحام تفرقنا، أصبح كل منا بمفرده، لكن الوجوه المحيطة والأجساد تشكل جسداً واحداً صلباً وإن لم يعرف أصحابه بعضهم بعضاً. فجأة، انبعث صوت شادية «يا حبيبتي يا مصر». صوت يشدو «ونقول أحرار... ولازم ننتصر». شخص ما لم يفقد عقله بالقطع، تحرك بسيارته مقترباً من الميدان مصطحباً معه «الكاسيت والسماعات»، أشعل حماسة الجماهير بالأغنية. كثيرون منّا دمعت أعينهم من الكلمات. كنا نستمع إلى الأغنية دائماً بعد انتصارات مباريات الكرة، باعتبارها النصر الوحيد في مصر الحديثة.

لكن ها نحن نستعيد الأغنية في سياق آخر، مختلف، سياق ثوري يعبّر عن حب الوطن بالجسد لا بالأغنيات، ولكن هذه الأغنية تحديداً مسّت قلوبنا في تلك اللحظة. وكلما استمعت إلى هذه الأغنية، تقفز الى ذهني مشاهد الميدان، تلك اللحظة التي لم تتكرر بعد ذلك!

فاطمة أحمد شاكر كما تقول شهادة ميلادها (8 فبراير 1931 ــ 28 نوفمبر 2017)، أو «فتوش» كما يناديها المقرّبون منها في الوسط الفني، و«شوشو» كما يناديها أفراد عائلتها، ابنة الثامنة قادها عشق شقيقتها الكبرى عفاف للفن إلى أن تقلدها، وتقلد أيضاً ليلى مراد التي كانت مثلها الأعلى. لكن شقيقتها اعتزلت مبكراً، واستمر تشجيع والدها الذي اتخذ موقفاً نقيضاً من شقيقتها عندما عبّرت له عن رغبتها في دخول عالم الفن. انتقلت «فتوش» من مرحلة الطفولة الى النجومية، لتحمل اسماً جديداً «شادية». تعدّدت الروايات حول صاحب الاسم. قيل إنه يوسف وهبي عندما كان يعمل في فيلم «شادية الوادي»، وقيل إنّه عبد الوارث عسر الذي لقّبها بـ«شادية الكلمات» لطريقتها المتميزة في نطق الجمل الحوارية، وقيل أيضاً إنه المخرج حلمي رفلة الذي اكتشفها كممثلة واختارها لتمثل فيلم «العقل في إجازة». وقد شاركت في فيلمين قبل هذا الفيلم للمخرج محمد عبد الجواد؛ الأول «أزهار وأشواك» حيث ظهرت بشكل عابر من دون أي حوار، ثم قامت بالغناء في فيلم «المتشردة» (1947). أعجب رفلة بصوتها ليدعوها إلى المشاركة في «العقل في إجازة». لم تكن قد تجاوزت السابعة عشرة. وكان والدها يرافقها في كل خطواتها. كان أحد مشاهد الفيلم أن يقوم الفنان محمد فوزي بتقبيلها. وعندما علم والدها، أوقف التصوير، وانصرف بها. لجأ محمد فوزي ــ منتج الفيلم يومها ـ إلى اتحاد النقابات الفنية شاكياً، ليأتي والد شادية ويشرح أسباب انسحاب ابنته من التصوير: «لن أسمح لأحد مهما كان أن يقبّل ابنتي». المفارقة أن أم كلثوم كانت أحد أعضاء اتحاد النقابات الفنية، وأيّدت وجهة نظر والد شادية، فوافق فوزي مجبراً على حذف المشهد.
شهدت الفترة من بداية شادية السينمائية (1947) حتى قيام ثورة يوليو (1952) مشاركتها في حوالى 42 فيلماً من مجموع 115 أدّت بطولتها، وكان آخر أفلامها «لا تسألني من أنا؟» (1984). في مرحلة ما قبل يوليو، أجادت أدوار الفتاة الدلوعة، ابنة الطبقة المتوسطة المغلوبة على أمرها، التي تبحث عن الحب. لكنها مع بداية الثورة تنتقل نقلة أخرى، متمرّدة على أدوار الدلع لتقدم شخصية الفتاة المقهورة. تشهد سنوات الثورة، تحديداً الستينيات، نضجها الفني، لتشارك في عشرات الأفلام التي تعبّر عن سنوات صعود الثورة، وانكساراتها وقضاياها الرئيسية. في «زقاق المدق» (عن رواية نجيب محفوظ) جسّدت دور حميدة التي حاول النقاد ربطها بمصر لحظة الاحتلال الإنكليزي. ثم لعبت دور «نور» في «اللص والكلاب» (محفوظ) حيث جسّدت شخصية المومس، إلا أنها كانت نقطة النور الوحيدة في حياة سعيد مهران، الذي خانه الجميع. كانت هي النور وسط غابة لا مكان فيها إلا للصوص والكلاب. وفي «شيء من الخوف»، أدّت دور فؤادة التي تتحدى الطاغية، وقوانينه وقراراته. يتزوجها غصباً، لكنها تقاوم طغيانه، وتفتح باب الأسئلة حول الأوضاع، ليثور عليه الجميع.

ظلّ صوتها صوت الشجن، بقدر ما هو أيضاً صوت الدلع وخفة الروح وفي «ميرامار»، جسّدت شخصية «زهرة»، الفتاة الريفية التي تحضر إلى الإسكندرية لتعمل في البانسيون، وتحتك بشخصيات من كافة أطياف اللحظة السياسة. كانت هي أيضاً، أو بدت رمزاً لمصر، التي تتعرض لأزمة لكنها غير قابلة للانكسار، وهو ما نجحت ملامح شادية وصوتها في تجسيده ببراعة.

هكذا كانت ترصد الجانب المظلم من تلك المرحلة السياسية، لكنها أيضاً لم تهمل جوانب أخرى في أفلامها التي بدت ساخرة مثل «مراتي مدير عام»، «نصف ساعة زواج»، «عفريت مراتي»...

كانت «ثورة يوليو» زمن صعود شادية. وعندما انتهت الثورة وبدأت إنجازاتها تتبدّد، اختفت شادية. وقفت للمرة الأخيرة على المسرح، غنّت الأغنية الدينية: «جه حبيبي وخد بإيدي» (1986) وقررت بعدها الاعتزال. قالت تبرّر قرارها: «آن الأوان لتلك المرحلة، وليكتفِ جمهوري ممّا قدمته له، لا أريد أن انتظر حتى تهجرني الأضواء. أريد أن أظل في ذاكرة الجمهور بأجمل صورة لي عنده». لم تخجل شادية من ماضيها الفني، كما فعلت كثيرات ممن اعتزلن الفن. لم تتاجر بقرارها. حافظت على صورتها. ظلّ صوتها صوت الشجن، بقدر ما هو أيضاً صوت الدلع وخفة الروح!

####

مع بليغ حمدي... تنوّع ومغامرة

شيرين عبده

كان والدها مهندساً زراعياً، هاوياً للغناء يجيد عزف العود والبيانو. لذا تعلقت الطفلة فاطمة بالغناء، وكان الأب من الوعي والتفتح بحيث أسند إلى الفنان فريد غصن تعليم ابنته الغناء، وإلى الفنان عبد الوارث عسر تلقينها أصول مخارج الألفاظ وتدريبها على الإلقاء والتعبير الصوتي، ولم تخيِّب فاطمة ظنه في حسن التعلم، وأكملت مشوار شقيقتها عفاف إلى احتراف الغناء، بل فاقتها موهبة.

لم يقف الأمر عند هذا الحد. تقدمت فاطمة إلى لجنة الاختبار في «استوديو مصر» عندما كان المخرج أحمد بدرخان يبحث عن وجه جديد. وحازت إعجاب اللجنة بعدما قامت بالغناء والتمثيل، لتصبح هذه الشابة شادية، وتقدم للسينما ما يقرب من ١١٨ فيلماً إلى جانب مشوار غنائي احترافي على التوازي. ولعل شادية المثل الحيّ على عدم صحة عبارة «صاحب بالين كداب»، فقد برعت في كلا المجالين على حد سواء، وإن لم تكن الجودة واحدة في ذات الوقت.

على الرغم من أن خبرتها في التمثيل تراكمت وازدادت طردياً مع عمرها، وبالتالي زادت جودة ما تقدمه في السينما، إلا أن هذا لم يحدث بالمثل لقدراتها الغنائية والأدائية التي فاتها التطور مع الوقت. برغم ذلك، ميَّز شادية ذكاؤها في الاختيار وقدرتها على المغامرة والتجربة بما لم تماثلها فيه زميلاتها في الحقبة الزمنية التي امتهنت فيها الغناء، سواء من حيث موضوعات الغناء أو القوالب الغنائية. شادية اختارت شخصيات عديدة لتغني من خلالها، بحيث أصبح لها وجود في كل مناسبة داخل كل بيت على مستوى مصر وأغلب الوطن العربي. الشابة العروس في «يا دبلة الخطوبة»، الأم في «سيد الحبايب»، الابنة في «ماما يا حلوة»، والحبيبة الجريئة في «بحبك يا اسمراني»، الحبيبة الخجولة في «مكسوفة منك»، السيدة الوطنية في «يا حبيبتي يا مصر»، الغانية في «ايرما لادوس»، العدادة الحزينة في «والله يا زمن».

وإذا تناولنا قطاعاً معيناً مميزاً من أعمالها الموسيقية، فسيكون تعاونها مع بليغ حمدي الذي لحن لها الكثير.

وعلى غير عادته في الأغاني القصيرة، ابتعدت ألحانه عن التأرجح الدرامي بين التراجيدية الحزينة واليوفوريا السعيدة جنباً إلى جنب عبر المقطع الواحد، وتميزت بالوحدة المزاجية والإيقاع السريع على طول الأغنية مثل «العين العسلية»، والتجريب في قوالب موسيقية خفيفة أو غريبة مثل «أحبك قوي». وداخل الجملة اللحنية الواحدة، تميزت بكثرة الحروف الموسيقية وسرعة الانتقال بينها، ما ناسب الطبيعة المرحة لأداء شادية ومساحة وخامة صوتها. بينما ظهرت خصائصه اللحنية المميزة لشخصيته الموسيقية بوضوح في الأغاني الطويلة التي لحنها لها مثل «آخر ليلة»، متجاهلاً قدرات وخصائص ومساحة صوت شادية المقيدة التي تميزت بالأداء التعبيري والخامة التي عوضت المساحة أو الحرفية اللذين ينقصانها في كثير مما قدمت مع بليغ، خصوصاً الأغاني الطويلة التي قدمت بشكل حي. واللافت عجزها عن إصابة النوتات الصحيحة في تأديتها لكثير من ألحانه بشكل حي أو تسجيلاً، وهذا هو الأمر الذي تغاضى عنه الأغلبية من الجمهور في اتفاق ضمني متجاوزاً إياه للتركيز على أدائها وروحه وقدراتها التمثيلية.

خلد بليغ صوتها بروح الفولكلور حينما خلق له «الحنة يا قطر الندى» و«آه يا اسمراني اللون» و«سلامة سلامة» وغيرها مما استقاه من روح التراث المصري الصعيدي، وهو المنطقة المفضلة لديه التي يشتبك معها بشكل متكرر في مختلف ألحانه للمغنين المصريين.

في 1986، قررت شادية الاعتزال والانسحاب من الساحة الفنية. تزامن هذا مع أدائها لأغنية «خد بايدي» في الاحتفال بالليلة المحمدية. وعلى الرغم من اختلاف تفسيرات أسباب الاعتزال وتطرقها المؤذي لتفاصيل شخصية حياتية، إلا أن شادية موجودة بإنتاجها الموسيقي والسينمائي الغزير المثير للخلاف.

* مطربة مصرية

####

نجمة شباك وأسطورة زمنها!

 محمد خير

القاهرةخلال الأيام الأولى ـــ الأكثر صعوبة ودموية في «ثورة يناير» 2011 ـــ خطر لأحد البرامج التلفزيونية أن يجري اتصالاً بالفنانة شادية المعتزلة منذ عقود. جاء صوتها عبر الهاتف مذعوراً مرتبكاً كأنما من عالم آخر: «ليه كده يا مصريين؟». كانت تتساءل عن السبب الذي جعل المصريين «يعملوا كده ببعض».

ربما لم تكن تعي - في غيابها - آنذاك أنّ الصوت المهيمن على الميادين الآخذة في الانتصار آنذاك، كان صوت أغنيتها «يا حبيبتي يا مصر».

«يا بلادي يا أحلى البلاد يا بلادي». كلمات محمد حمزة التي لحنها بليغ حمدي، كانت تشدو في سماء الميادين يشغلها المصريون من أجهزة كاسيت السيارات، صوتها العميق القوي الشادي في الأغنية، كان أحد الأوجه العديدة لصوتها «الدلوع» في «يا دبلة الخطوبة»، فائق الحزن في «يا عيني ع الولد»، عارم الجاذبية والعاطفة في «وحياة عينيك وفداها عينيا».

في عبارة مكتوبة بخط اليد، تقول شادية رداً على قراء إحدى المجلات الفنية في الخمسينيات إن «أمنيتها في الحياة» أن «يكون لديها دستة أطفال حين تصل إلى عمر الخمسين». ليس مؤكداً نسبة العبارة إلى شادية، لكن الأكيد أنها لم ترزق الأطفال رغم ثلاث زيجات أشهرها اقترانها بصلاح ذو الفقار. لا تعطي الحياة كل شيء على ما يبدو، لكن شادية أعطتها الكثير. لم يعرف عن فنانة غيرها تساوي الموهبة في الغناء والتمثيل بهذا القدر. كانت نجمات السينما إما مغنيات يمثلن أحياناً، كأم كلثوم وفايزة أحمد ووردة، أو ممثلات يغنين أحياناً كهدى سلطان. وباستثناء الموهبة الفذة لسعاد حسني، لم يكن سوى شادية تجمع بالقدر نفسه بين حنجرة ذهبية وطاقة تمثيلية خلاقة ومتنوعة. عبّرت عن نفسها في فرصة نموذجية في فيلم «عفريت مراتي» (فطين عبد الوهاب ـ 1968)، في دور الزوجة المهووسة بتجسيد شخصيات سينمائية متنوعة.

كانت شادية «إيرما لادوس» المصرية خفيفة الظل قبل شهور من تقديمها دور «فؤادة» أمام عتريس في الملحمة السينمائية الغنائية «شيء من الخوف» (حسين كمال ـ 1969). لم يكن هذا الانتقال المذهل والمقنع بين الأدوار والشخصيات والكوميديا والغناء والتراجيديا غريباً ولا صعباً على «حميدة» المغوية في «زقاق المدق» (حسن الإمام ـ 1963)، التي تحولت إلى المديرة الصارمة المحبة في «مراتي مدير عام» (فطين 1966)، ثم إلى عاملة الفندق البسيطة زهرة في «ميرامار» (كمال الشيخ ـ 1969).

كانت تنقلاتها/ قفزاتها من هذا الدور، واللون، إلى ذاك، قفزات نجاح مطلق، حوّلها إلى نجمة شباك ورمز أسطوري لفتيات الخمسينيات والستينيات اللواتي كنّ يتنافسن في تقليد «قُصة شادية» أي تصفيفة شعرها المميزة. كأن ذلك التنقل من السينما إلى ميكروفون الغناء لم يكفها، فتقرر قبل اعتزالها بسنوات قلائل أن تحقق قفزة كبرى إلى لون فني لم تجربه قبلاً.

الوحيدة التي جمعت بالقدر نفسه بين حنجرة ذهبية وطاقة تمثيلية خلاقة

كانت مسرحية «ريا وسكينة» (حسين كمال ـ 1980) تجربتها المسرحية الوحيدة، لكنها ــ كالعادة مع شادية ــ حققت نجاحاً ساحقاً، الجمهور الذي لم يتوقف عن التدفق إلى مسرح «ليسيه الحرية» في وسط القاهرة لم يأتِ بالأساس للاستمتاع بعملاقي المسرح عبد المنعم مدبولي وسهير البابلي، بل لمشاهدة شادية على المسرح للمرة الأولى تؤدي دور «ريا» الذي أجادت فيه وتألقت كأنها ولدت على المسرح. العرض الذي يحكي قصة أختين قتلتا عشرات النساء في الإسكندرية قبل أكثر من قرن، تحول إلى كوميديا غنائية استعراضية بفضل وجود شادية أولاً وتألقها. غنت «حبك جننا يا اسمك ايه» لأربع سنوات استمر خلالها العرض الساحق للمسرحية. أغنيات كتبها عبد الوهاب محمد ولحنها بليغ حمدي، وغنتها شادية بمصاحبة النجمين مدبولي والبابلي، جعلت من المسرحية عملاً أيقونياً دائم العرض والمتعة. بعد ختام المسرحية، وعلى طريقة نجمات الماضي القديم، قررت شادية الاعتزال وهي في القمة حيث لا تزال تحتفظ بالوجه الجميل. كانت قد وصلت الخمسين ولم تحصل على «دستة الأطفال» التي أرادتها، لكنها حصلت على ملايين المحبين الذين لم ينسوها رغم الغياب.

####

هكذا جسّدت خطاب يوليو النسوي

 ناصر كامل

قد ينطبق هذا على أي إنسان. أما بالنسبة إلى الفنان، فهو ضرورة لازمة: فمكانته تتحدد بالأساس حين يكون تعبيراً دالاً على زمانه وواقعه، وحين يوضع بإزاء أقرانه ومجايليه، ويتضح مدى تأثيره فيهم، ومن ثم تأثيره في محيطه الاجتماعي، وفي دوائر أبعد مدى في ثقافته، وصولاً إلى الدائرة الأوسع التي تشمل المكان والزمان المعيش والمستقبلي.

في ما يتعلق بالتراتبية، تخطت شادية حواجز رمزية ذات وقع سحري، فتجاوز عدد أفلامها بوابة المئة الثانية، وعاشت طويلاً نجمة في مجال الغناء والتمثيل. عمّرت فنياً، وصعدت إلى النجومية بلا تعجل ولا ضغينة، وانصرفت من على خشبة المسرح بأداء لافت للغاية، ثم احتجبت عن الأضواء بقليل من الصخب، واستعاد كثيرون أطيافها وهي ما زالت حاضرة الوعي، قادرة على التلمس والتمييز بين التقدير والحب الصادق والمبالغات المناسباتية.

منحتها الصحافة الفنية لقب «الدلوعة»، وكانت طريقة تصفيفها لشعرها واختياراتها لأزيائها موضةً تقلد بقبول اجتماعي واسع، فلطالما سُمع بين مختلف الطبقات الاجتماعية تعبير «قُصة شادية»، اللقب والنموذج الذي تموضعت فيهما شادية لسنوات تتضح معانيه إذ يوضع بإزاء: سيدة الشاشة، وسمراء السينما العربية، وعذراء الشاشة، وسندريلا، وهي ألقاب: فاتن حمامة، ومديحة يسري، وماجدة، وسعاد حسني على التوالي.

مع فيلم «زقاق المدق» (1963) ثبّتت وجودها المتميز هذا: لون من الغناء خاص، وأداء تمثيلي باهر في بعض المشاهد، ومقدرة على فهم واستيعاب الشخصية ــ حميدة ــ والتعبير عنها. في تلك الأيام، كانت شادية قد نالت بجهد متواصل ــ البداية في عام 1947 ــ مكانتها تلك، وتبلورت شخصيتها الفنية نهائياً.

مرحلة البداية طالت قليلاً، وتميزت بتذبذب لافت بين الصعود والتراجع، ليس فقط في أفيشات الأفلام وحجم الدور وتأثيره، بل في نوعية الأفلام ومستواها، فراوحت الاختيارات بين الميلودراما ــ النوع البارز والسائد؛ وربما في فترات، الطاغي في السينما المصرية ــ وبين الكوميديا والرومانسية والاستعراض والغناء، ثم بدأت تتروى وتدقق، وربما تطلب نوعيات وصياغات محددة.

حين نضع شادية إزاء ممثلات السينما النجمات من جيلها ــ هناك ممثلات رائعات، لكنهن لم يصلن إلى النجومية ــ سناء جميل وسميحة أيوب أبرز الأمثلة ــ ونقيم مكانتها بينهن، سيكون علينا أن ننحي خصوصيتها باعتبارها مغنية، ولأنه يصعب تتبع كل مراحلهن الفنية، فسنكتفي هنا بموضوعة واحدة، وفيلم واحد، وسيكون كافياً لمقاربة يمتزج فيها الفن بالواقع الاجتماعي والسياسي.

سنختار أفلام: «الأفوكاتو مديحة» (1950)، «الأستاذة فاطمة» (1952)، «أنا حرة» (1959)، «للرجال فقط» (1964). أفلام موضوعها الرئيسي عمل المرأة وشروطه الاجتماعية، ولعبت الدور الرئيسي فيها: مديحة يسري، فاتن حمامة، لبنى عبد العزيز، سعاد حسني ونادية لطفي. وسنضع تلك الأفلام والممثلات، إزاء فيلم «مراتي مدير عام» (1966) الذي لعبت بطولته شادية.

«الأفوكاتو مديحة» و«الأستاذة فاطمة» على تقاربهما الزمني، لكنهما تعبيران متعارضان نسبياً. ينزع الأول إلى التلون باللون الفني لصانعه ــ يوسف وهبي ــ ويمتح من الميلودارما والوعظية الذكورية والطبقية الزاعقة، يخلص إلى أن شروط عمل المرأة هي قبولها بأنها «مهيضة الجناح» تحتاج أن يرشدها ويرعاها، وربما أن يؤدبها، الذكر، سواء أكان أخاً أم زوجاً.

أما «الأستاذة فاطمة»، فهي النسخة الأكثر احترافية ـــ ونكاد لجودتها أن نقول أصالة ـــ من «روميو وجوليت»، ونجرؤ على استخدام «أصالة» لأن صناع الفيلم قلبوا التراجيديا إلى كوميديا أولاً، وجعلوا الحب في الخلفية ثانياً، وأوجدوا موضوعة عمل المرأة ثالثاً، لكن شكسبير كان حاضراً في البناء الدرامي وفي أبعاد وصراعات شخصيات الفيلم وخطوطه الدارمية الرئيسية. هنا تختفي الوعظية، وتتنحى الذكورية عن الصدارة خطوات، لكن التصالحية تظل حاضرة، فلا يتخلى صناع الفيلم عن مقولة «الوظيفة الأهم للمرأة هي البيت وراحة الزوج». في «أنا حرة»، يتقدم الوعظ ليكون مزيجاً من الزعيق السياسي واللامعقولية الدرامية، وفي «للرجال فقط» تبهت المسألة النسوية وتقترب الكوميديا من «الفارص» Farce.

«مراتي مدير عام» هو الصياغة الأكثر تعبيراً عن «خطاب يوليو النسوي» بتوازناته القلقة. فنحن أمام حسم لعمل المرأة ودورها. هي عاملة أولاً، ثم زوجة، لكننا نتابع البحث عن المدى الذي يمكن أن تذهب إليه المرأة في عملها أولاً، وعن كيفية تأقلم الزوج والمجتمع مع اتساع هذا المدى، ثانياً.

الفيلم جاء بعد سنتين من تعيين أول وزيرة في الحكومة المصرية ـــ الدكتورة حكمت أبو زيد ـــ وهي ثاني عربية تتولى الوزارة. يصعب على الكثير من المصريين أن يصدقوا أن العراقية الدكتورة نزيهة الدليمي هي أول امرأة عربية تتولى الوزارة (1959)، كذلك يصعب عليهم أن يصدقوا أن التلفزيون العراقي أسبق من المصري. وربما كانت التساؤلات الاجتماعية المتعلقة ببعد المدى الذي وصلته المرأة في عملها، حاضراً في أذهان صناع الفيلم: كاتب القصة ـــ عبد الحميد جودة السحار ـــ معروف بأنه كاتب إسلامي محافظ، وله في تاريخ السينما فيلمان بارزان: «أم العروسة» و«الحفيد»، خطابهما المُخفى، بصورة جيدة، دعوة لمعارضة سياسات الدولة المعلنة الداعية إلى تحديد النسل، وتمجيد في الأسرة الكبيرة العدد التي تفلح في تحدي الصعاب بتماسكها.

«مراتي مدير عام» محاولة توفيقية بين توجهات الدولة وقيم ذكورية سائدة لكنه يقدم في «مراتي مدير عام» محاولة توفيقية بين توجهات الدولة التي عينت وزيرة في الحكومة، وبين قيم ذكورية تعاني من صعوبة التأقلم مع تلك التوجهات، وأحكام فقهية تضع شروطاً صارمة في تفاصيل صغيرة، فلم يكن متصوراً أبداً أن يصرح أحد بأسئلة من نوعية: «هل صوت المرأة عورة؟» في زمن «تحالف قوى الشعب العامل». لكن سؤال «هل ينقض مصافحة المرأة الوضوء أم لا؟» ظل خيطاً درامياً طوال الفيلم حسم في النهاية بموقف يرى أن الدين والفقه فيهما فسحة تتسع لآراء فقيه متمايزة ترى أن المصافحة لا تنقض الوضوء. وهكذا تمت الصياغة: عمل المرأة أصبح واقعاً اجتماعياً، لكن المدى الذي ستصل إليه متوقف على مزيد من الرحابة الذكورية وتوفيق بين خيارات الدولة وتوجهاتها والمجتمع وميراثه الثقافي والديني.

* مخرج وناقد مسرحي مصري

####

ومضات من حياة «الدلوعة»

وليد أبو السعود

القاهرةرقيقة وصادقة مع نفسها وحبها لفنها، فتوِّجت «دلوعة الشاشة العربية»، لتكون من الأساطير الخالدة، رغم اعتزالها الحياة الفنية والعامة منذ عام 1986، عندما قدمت آخر أغنياتها «خد بأيدي»، لتغادر المسرح، وتعلن قرارها بالاعتزال. جاء ذلك بعد 39 عاماً من العمل قدمت خلالها 112 فيلماً و170 أغنية و10 مسلسلات إذاعية ومسرحية واحدة.

اسمها الحقيقي، فاطمة أحمد كمال، ولدت في 8 شباط (فبراير) عام 1931، في حيّ الحلمية الجديدة في القاهرة، وترجع أصولها إلى محافظة الشرقية.

المرحلة الأولى

أول مشاهد شادية التي أحبها من خلالها الجمهور مشهد البنت ثم الشابة الجميلة صاحبة الصوت الملائكي الجميل المندفعة التي تحب بكل ما تملك من قوة، وهي المرحلة التي استمرت فيها شادية منذ بدايتها الفنية عام 1947 بفيلم «أزهار وأشواك»، وظلت تقدم هذه الشخصية على مدار 14 عاماً حتى عام 1961. قدمت خلال هذه المرحلة نحو 86 فيلماً أحبها الجمهور منها «نادية» و«معلهش يا زهر» و«الزوجة السابعة» و«ساعة لقلبك» و«حماتي قنبلة ذرية» و«في الهوا سوا» و«أنا وحبيبي» و«لسانك حصانك»، و«الستات ما يعرفوش يكدبوا»، و«بنات حوا»، و«لحن الوفا» و«دليلة»، و«عيون سهرانة»، و«أنت حبيبي» وهو تعاونها الأول مع يوسف شاهين و«المرأة المجهولة».

امرأة مرغوبة ومرهوبة

كبرت شادية البنت الصغيرة وأصبح عمرها فعلياً 28 عاماً ونضجت خبرتها. قضت 14 عاماً تعمل في الوسط الفني، وظهر هذا على اختياراتها، خصوصاً أنّها الفترة التي تعرفت فيها إلى مصطفى أمين وقادها إلى عالم المثقفين والصحافيين الكبار، ليزداد وعي الفتاة الصغيرة وتبدأ في ترتيب أولوليات ظهورها وطبيعته. بدأت مرحلة شادية الممثلة الحقيقية بفيلمها «اللص والكلاب» ودور نور الفتاة المومس التي أحبت بطل الفيلم. دور غير وجهة نظر نجيب محفوظ لشادية واعتبرها ممثلة حقيقية وقوية.

استمرت هذه المرحلة على مدار ثمانية سنوات انتهت عام 1971 قدمت خلالها 21 فيلماً انتهت بفيلم «نحن لا نزرع الشوك». فترة حققت لها الخلود السينمائي بأهمّ أدوارها ومنها «ميرامار» و«الزوجة رقم 13»، و«الطريق»، و«زقاق المدق» و«مراتي مدير عام»، و«كرامة زوجتي»، و«أغلى من حياتي»، و«معبودة الجماهير»، و«عفريت مراتي»، و«شيء من الخوف» و«نصف ساعة جواز»، و«معبودة الجماهير».

«معبودة الجماهير» كبرت وصارت أماً

كبرت شادية سناً ووعياً وانتقلت لتلعب أدوار الزوجة الكبيرة السنّ. استمرت هذه المرحلة على مدار 14 عاماً أخرى منذ عام 1970 وحتى عام 1984 آخر أعمالها. في هذه المرحلة، قدمت أفلاماً مهمة أيضاً، منها «أضواء المدينة» و«رغبات ممنوعة»، و«الشك يا حبيبي»، ومسرحية «ريا وسكينة» و«لا تسألني من أنا» الذي كان آخر أفلام شادية التي شاهدها الجمهور.

«دلوعة الشاشة» تمرّ بمحنة المرض وتخرج منتصرة

مرت شادية بمحنة سرطان الثدي وخرجت منها أقوى وأكثر التزاماً. في هذه المرحلة، قدمت مجموعة من الأغنيات الدينية آخرها الأغنية الشهيرة «خد بايدي» التي غنتها عام 1986. بكت وهي تقدمها، منهية غناءها بإعلان اعتزالها. يومها قالت إنّها قررت الاعتزال «لأنني في عزّ مجدي أفكر في الاعتزال، ولا أريد أن أنتظر حتى تهجرني الأضواء، ولا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز في الأفلام في المستقبل بعد أن تعوّد الناس رؤيتي في دور البطلة الشابة، ولا أحب أن يرى الناس التجاعيد في وجهي، ويقارنوا بين صورة الشابة، التي عرفوها والعجوز التي سيشاهدونها. أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لي عندهم».

مرحلة الاعتزال

كرست شادية حياتها بعد الاعتزال لرعاية الأطفال اليتامى، خاصة أنها كانت شغوفة لأن تكون أماً، إلا أنها لم تُرزَق أطفالاً.

الحاجة شادية

أصبح لقب شادية الرسمي الحاجة شادية، وارتدت الحجاب وظلت فخورة بتاريخها الفني، رافضة أي محاولة لتشويهه، مؤكدة دوماً أنها فخورة بكل لحظة فيه.

ثلاث زيجات

«أحمد» و«منى» قصة حب حقيقية خلف الكاميرا بين الفنان صلاح ذو الفقار، والفنانة شادية، تُعَدّ من حكايات الحب الأشهر في الوسط الفني. كان أول لقاء في فيلم «عيون سهرانة» (1957)، وكانت «شادية» آنذاك زوجة للفنان عماد حمدي الذي كان أول أزواجها. وكان شديد الغيرة عليها، خاصة في الأيام الأخيرة من حياتهما الزوجية التي انتهت في أيار (مايو) من العام ذاته.

ووفقاً لما نشره الكاتب المصري محمد سعيد، الذي أرخ لشادية، سينمائياً عبر كتابه «أشهر مئة في الغناء العربى»، فإن علاقة الحب بين شادية وصلاح ذو الفقار، لم تشتهر ولم تعرف للناس إلا عندما قدما معاً فيلم «أغلى من حياتى» عام 1965، وقد صُوِّر في مدينة مرسى مطروح. الفيلم شهد اللقاء الثاني بينهما، وأخذت قصته عن فيلم «الشارع الخلفي» لجون جافن، وسوزان هيوارد، وهو فيلم رومانسي، يروي قصة شاب وفتاة تحول الظروف دون زواجهما، وبعد سنين طويلة يلتقيان ويتزوجها سراً حتى وفاته.

تزوجت شادية صلاح ذو الفقار مرتين: في تشرين الثاني (نوفمبر) 1967، بعد قصة حب دامت شهوراً. تزوجا وعاشا حياة سعيدة جداً، لكن شادية شعرت مرة أخرى بالحنين إلى الإنجاب، وحملت بالفعل للمرة الثالثة، ومكثت في البيت قرابة خمسة أشهر حتى يثبت حملها، لكنها فقدت الجنين، وأثر هذا بنحو سيئ في نفسيتها ووقع الطلاق بينهما في آب (أغسطس) 1969.

وسعى بعض المقربين من شادية وصلاح ذوالفقار إلى إعادة الحياة بينهما، ونجحت محاولات الوساطة في إعادة الزوجين مرة أخرى في أيلول (سبتمبر) من عام 1969، ليقع الطلاق النهائي في منتصف عام 1973.

حلم الإنجاب هو أحد الأسباب التي أرّقت حياة شادية، وحرمتها أن تهنأ بالسعادة. كانت دائماً نقطة خلاف بينها وبين أزواجها، فحين تزوجت عماد حمدي، كان الاتفاق بينهما على تأخير الإنجاب أعواماً عدة. لكن رغبتها الجارفة في تحقيق هذا الحلم دفعتها إلى مخالفة الاتفاق، وحملت بالفعل، ولكن هذا الحمل لم يكتمل، وأكد لها الأطباء خطورة الحمل على صحتها، وأن جسمها الضعيف النحيل لا يقوى على احتمال الإنجاب. لكنها تمسكت بالإنجاب، وكان ذلك سبباً آخر للخلاف مع عماد حمدي، والطلاق في ما بعد.

وفى زيجتها الثانية بالمهندس عزيز فتحي، لم يكتمل حملها، ما دفعهما إلى تكذيب نبأ الحمل الذي كانت الصحف قد نشرته يوم 16 تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1958، ثم كان الحمل الثالث من صلاح ذو الفقار، وفقدت الجنين أيضاً في شهره الرابع. بعد الطلاق الثاني بين شادية وصلاح ذو الفقار، قررت ألّا تكرر تجربة الزواج مرة أخرى، وأن تعيش لتربية أبناء أخوتها.  

####

«الدلوعة» بالصوَر

http://www.al-akhbar.com/sites/default/files/imagecache/465img/p25_20171129_pic15.jpg

انقر هنا لتصفح الصوّر

الأخبار اللبنانية في

29.11.2017

 
 

شادية تودع الأضواء إلى الأبد

الفنانة الراحلة قدمت للسينما 117 فيلماً ومسرحية «ريا وسكينة»

القاهرة: سها الشرقاوي

رغم ابتعادها عن الأضواء منذ ما يقرب من 3 عقود كاملة بكامل اختيارها، فإن الأضواء لم تبتعد عنها، وظلت تلاحقها خلال تلك المدة، من خلال أغانيها الوطنية الشهيرة، وأفلامها المهمة، التي يتم عرضها حتى الآن على شاشات القنوات الفضائية العربية، حتى رحلت عن عالمنا تاركة إرثا هائلا من الأعمال الفنية المتميزة، التي دخلت بها قلوب المشاهدين على مستوى العالم العربي.

عانت الفنانة المصرية الكبيرة شادية صراعا مع المرض، عشية وفاتها، وهو الصراع الذي دخلت على إثره أحد المستشفيات العسكرية بمدينة القاهرة، وهي في غيبوبة كاملة، نتيجة الجلطة المفاجئة التي أصابتها، وتم منع الزيارة نهائيا عنها حرصا على سلامتها، ولم يستثن من الزيارة إلا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والسيدة قرينته، اللذان قاما بزيارتها في المستشفى، في «لفتة» ثمّنها الوسط الفني في مصر.

«لأنني في عز مجدي أفكر في الاعتزال لا أريد أن أنتظر حتى تهجرني الأضواء بعد أن تنحسر عنى رويدا رويدا... لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز في الأفلام في المستقبل بعد أن تعود الناس أن يروني في دور البطلة الشابة، لا أحب أن يرى الناس التجاعيد في وجهي ويقارنوا بين صورة الشابة التي عرفوها والعجوز التي سوف يشاهدونها». بهذه المبررات فجرت الفنانة الراحلة في منتصف الثمانينات من القرن الماضي مفاجأة من العيار الثقيل لجمهورها الكبير الممتد بطول أقطار الوطن العربي باتخاذها قرار اعتزالها الفن والغناء بشكل نهائي بمحض إرادتها.

قررت الفنانة الراحلة التي تعتبر من أهم الفنانات في تاريخ السينما المصرية، أن تعتزل وهي في قمة مجدها في هدوء، وتبتعد عن الأضواء والشهرة، وأن تتحجب وتنطوي على نفسها، ولم تستسلم للعودة أبدا رغم كل الإغراءات والتكريم والتنصيب.

ورغم طول سنوات الاختفاء والتواري عن الأضواء، قبل رحيلها، فإنها ما زالت على الساحة الفنية بأعمالها، وتسكن في قلوب جماهيرها، الذين يرددون منذ ذلك التاريخ أنها «دلوعة الشاشة العربية»، و«قطعة السكر»، فهي «الحالة الفريدة الاستثنائية التي تدخل القلوب دون استئذان»، لتصبح «معبودة الجماهير».

117 فيلما هو رصيد الفنانة الراحلة شادية، من الأعمال الفنية، بدأت بفيلم «العقل في إجازة» عام 1947، واختتمت بفيلم «لا تسألني من أنا» عام 1984. وبينهما تألقت في عشرات الأفلام، فهي «فؤادة» القوية العنيدة، التي تتحدى الظلم وتقف أمام عتريس بكل جبروته في «شيء من الخوف»، وهي «عيشه» التي تبيع ابنتها الكبرى لتطعم صغارها في «لا تسألني من أنا»، وهي «سعاد شلبي» المطربة المغمورة التي تأتي من طنطا وتحلم بـ«أضواء المدينة»، وهي «حميدة» التي تتمرد في «زقاق المدق»، وهي «نور» فتاة الليل في «اللص والكلاب»، وهي أيضا المهندسة «عصمت» أشهر نموذج للمرأة العاملة في «مراتي مدير عام»، ومثلث أيضا شخصيات كثيرة مختلفة ولا ننسى دورها في «الزوجة الـ13» ولقبت بمعبودة الجماهير بعد مشاركتها في فيلم بالاسم نفسه أمام العندليب عبد الحليم حافظ.

إلى ذلك، تبقى بعض أعمال الفنانة شادية السينمائية، علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية، منها أفلام «حماتي قنبلة ذرية»، و«أولادي»، و«أشكي لمين»، و«الدنيا حلوة»، و«الصبر جميل»، و«قطر الندى»، و«بنات حواء»، و«شرف البنت»، و«الظلم حرام»، و«اوعى تفكر»، و«الحقوني بالمأذون»، و«الستات مايعرفوش يكدبوا»، «وليلة من عمري»، و«لحن الوفاء»، و«شاطئ الذكريات»، و«شباب امرأة».

كما تمتلك شادية رصيدا فنيا قوامه 10 مسلسلات إذاعية، ومسرحية واحدة شهيرة قدمتها عام 1982 هي «ريا وسكينة»، وما يتعدى 1500 أغنية، فيما كان آخر ظهور لها على الشاشة عام 1986 من خلال اشتراكها في حفل «الليلة المحمدية»، حيث غنت أغنيتها الشهيرة «خد بإيدي» لتقرر الاعتزال عقب هذه الحفلة.

تميزت «الدلوعة» بأداء الأغاني الخفيفة بل احتكرت أداءها، ولم تستطيع أي مطربة منافستها حتى وقتنا هذا، وفقا للخبراء، كما أنها قدمت أغاني وطنية يرددها المصريون في كل مناسبة وطنية، يعتبرها معظم المصريين نشيدا وطنيا، مثل أغنية «يا حبيبتي يا مصر».

وخلال أيام عرض «ريا وسكينة» تلقت خبر إصابتها بمرض سرطان الثدي، الذي كان بمثابة صدمة لها، ومع ذلك استكملت عملها باحترافية، وقررت أن تسافر للخارج من أجل تلقي العلاج، وخضعت الفنانة الراحلة لعملية استئصال لأحد ثدييها في فرنسا، وقررت بعد ذلك الاعتزال وأداء فريضة الحج مع التبرع ببيتها الخاص ليكون مركزا لأبحاث السرطان حتى يفيد المرضى. وبعد الاعتزال، ظلت سنوات لا تغادر منزلها، وتفرغت للعبادة والأعمال الخيرية. ورفضت إجراء أي مقابلات صحافية.

قال عنها أديب نوبل نجيب محفوظ: «شادية ممثلة عالية القدرة، استطاعت أن تعطي سطور رواياتي لحما ودما وشكلا مميزا، ولا أجد ما يفوقه في نقل الصورة من البنيان الأدبي إلى الشكل السينمائي». ووصفتها السيدة «أم كلثوم»، بأنها «صاحبة صوت جميل، وسليم متسق النسب والأبعاد، مشرق ولطيف الأداء، ويتميز بشحنة عالية من الإحساس وفيض سخي من الحنان».

كما اختارها النقاد والمحللون والجمهور، لتتوج سيدة الرومانسية الأولى، دون منازع على كل نجمات السينما، بعد أن وقف أمامها جيل من كبار الفنانين، أمثال أنور وجدي، وعماد حمدي الذي شاركته نحو 20 فيلما، وصلاح ذو الفقار، وفريد شوقي، ويحيى شاهين، وشكري سرحان، وعمر الشريف، ورشدي أباظة، وأحمد رمزي، ومن المطربين فريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ، وكارم محمود، ومنير مراد.

وقال خالد شاكر، ابن شقيقة الفنانة شادية، لـ«الشرق الأوسط»: «الأطباء بذلوا أقصى جهدهم للاهتمام بحالتها التي تخطت أزمة الجلطة، حيث كانت تعاني من الالتهاب الرئوي، ومع الوقت تدهورت حالتها تدريجيا حتى صعدت روحها إلى بارئها».

####

قالوا عن شادية: تتميز بوفاء إنساني وقلب طيب

«الشرق الأوسط» ترصد ذكريات الفنانين مع «دلوعة الشاشة»

القاهرة: {الشرق الأوسط}

زاملت الفنانة الكبيرة الراحلة شادية، عدداً كبيراً من الفنانين المصريين خلال مشوارها الفني الطويل، ويحتفظ الكثير منهم بعدد من المواقف الطريفة والإنسانية التي لا تنسى معها؛ إذ وصفوها بالراقية والطيبة.

ويقول الفنان المخضرم حسن يوسف، الذي شارك «الدلوعة» بطولة فيلمها الشهير «التلميذة» عام 1961: «الفنانة الراحلة كانت إنسانة راقية فناً وخلقاً، وكل جمهورها يحبها، وهي كانت تحب كل زملائها، وقد كانت أيضاً في الاستوديو، تحب كل العاملين معها، ابتداءً من أصغر عامل حتى أكبر شخص في الاستوديو، فكنا نطلق عليها (الدلوعة) نظراً لخفة دمها، فقد كانت فنانة جميلة فعلاً».

وعن ذكرياته الفنية معها قال يوسف: «تركت أثراً طيباً في نفوس كل من عمل معها، ورغم اعتزالها الفن منذ سنوات طويلة، فإنها كانت تتواصل مع أسرتي، وتقوم بالاتصال بزوجتي شمس البارودي، للاطمئنان علينا، وكانت زوجتي تبادلها الاتصالات كذلك».

وأضاف الفنان الكبير قائلاً: «لقد قمت بالعمل معها في ثلاثة أفلام، وكانت تجمعني بها صداقة قوية؛ فقد كان المخرج حلمي رفلة، متبني أعمال الفنانة شادية، مثلي أنا وزوجتي شمس البارودي، ومن هنا جاءت صداقتي القوية بشادية من خلال هذه اللقاءات، وقد كانت أول بطولة لي في السينما معها في فيلم (التلميذة)، وكذلك فيلم (زقاق المدق)».

وتابع: «تشاركنا أيضاً في فيلم مصري - ياباني مشترك بعنوان (جريمة على ضفاف النيل)، كنت أنا وهي من الجانب المصري، وبعض الممثلين اليابانيين». ولفت إلى أن «لقب (خفيفة الظل) و(الدلوعة)، أحسن لقبين أٌطلقا عليها؛ لأنها كانت تعمل أدواراً قوية جداً وصعبة، بجانب أنها كانت تغني أغاني جميلة وخفيفة وممتعة، وبخاصة أغاني (الطقطوقة)».

وأيّد الفنان الكبير حسن يوسف قرار اعتزال الفنانة الراحلة في منتصف ثمانينات القرن الماضي، بقوله: «أعتقد أنها اعتزلت في الوقت المناسب، واعتزلت لسبب قوي جداً، وهو الالتزام الديني، حيث أحبت أن تعوض ما فاتها من حياتها، وأن تترك كل شيء في الفن، وتبتعد تماماً عن المجال، لتستكمل باقي عمرها بالقرب من الله، حتى رحلت عن دنيانا».

بدوره، قال الفنان أحمد بدير، الذي شارك شادية في عملها المسرحي الوحيد «ريا وسكينة»: «كان من أحلامي الوقوف أمام الفنانة الكبيرة شادية الذي يعشقها كل الناس؛ لأنها إنسانة عظيمة، ولديها صفات جميلة فهي أكثرهم تواضعاً وحباً لمن يعمل معها، فقد كانت تساعد جميع العاملين لدرجة أنها تبرعت بنصف أجرها لهم، فهي نموذج لا يتكرر كثيراً؛ لأنها كانت ملتزمة في المواعيد فقد كانت تحضر قبل الكومبارس، وتساعد الكثير من العمال مادياً».

وعن ذكرياته معها أثناء عرض مسرحية «ريا وسكينة» قال: «كانت أوقاتاً رائعة؛ فقد كنت لا أقوم بالتمثيل، بقدر ما كنت أقوم بمشاهدة هذه الفنانة الرائعة، وهي تبدع على المسرح، من خلال إحساسها وحركاتها، فهذه الفنانة معجونة بالفن والصدق والإخلاص في العمل، قد كانت فنانة هادئة ولا تتحدث كثيراً، وإنسانة جداً ومحبة لكل من حولها وكل الناس كانت تحبه».

وتابع: «أرفض تجسيد حياتها في عمل فني، فهي سيرة ذاتية جميلة، لا يستحب أن نفسدها بعمل مسلسل لن يوفيها حقها، وأتمنى لها الرحمة».

من جانبها، قالت الفنانة إلهام شاهين التي شاركت شادية آخر أعمالها الفنية فيلم «لا تسألني من أنا»، إنتاج عام 1984، لـ«الشرق الأوسط»: كنت وجهاً جديداً في ذلك الوقت، وأدرس في العام الثاني بمعهد السينما، ومن المواقف التي لا تنسى، أثناء تصوير الفيلم أنه جاء موعد الامتحانات، وكنت في بداية مشواري الفني، ولا أستطيع أن أقول للمخرج أشرف فهمي، إنني لم أتمكن من التواجد في موعد التصوير في الصباح الباكر، ولاحظت القديرة شادية أن وجهي عابس فسألتني (ما بكِ؟)، وحكيت لها الموضوع، فوجدتها تقول لي متى مواعيد الامتحانات؟... ثم أبلغت المخرج أن لديها ظروفاً، ولن تستطيع حضور التصوير إلا بعد الساعة الرابعة مساءً، عقب انتهائي من أداء الامتحانات، وهذا موقف يدل على أنها إنسانة عظيمة، وطلبت مني عدم إخبار أحد بما فعلته».

وتابعت شاهين قائلة: «شادية تربعت في قلوب جماهيرها، وكذلك تلاميذها، وأنا أعتبر نفسي واحدة من تلاميذها، بجانب أنها على المستوى الإنساني، كانت من أرقى وأنقى الشخصيات، التي قابلتها في حياتي، فهي كانت إنسانة طيبة جداً، وملتزمة في عملها إلى أقصى درجة، وكانت أول من يحضر إلى موقع التصوير، وكانت هادئة الطباع وراقية الأسلوب، فقد كنا بين مشهد وآخر، نتبادل أطراف الحديث عن زمانها وذكرياتها حول أعمالها الفنية».

إلى ذلك، يحكي نادر، ابن الفنان الراحل عماد حمدي، الذي تزوج والده من الفنان شادية، وأكثر من وقف معها أمام كاميرات السينما، قائلاً: «أنادي الفنانة الكبيرة بـ(ماما شادية)، فأنا أحمل لها كل الحب والتقدير، وبدأت معرفتي بها عندما سافرت مع والدي إلى أسوان لتصوير فيلم (الناس والنيل)، عام 1972، وكانت بصحبته زوجته شادية، وقدمني لها والدي، وكنت وقتها طالباً في معهد السينما، وأخذتني بالحضن، ومنذ هذه اللحظة بدأت صداقتنا والتواصل بيننا، وكنت أزورها دائماً».

وتابع: «لا أنسي مواقفها الإنسانية معي، عندما أجريت عملية جراحية في القلب عام 1990 خارج مصر، فقد كانت دائمة التواصل معنا، أنا وزوجتي، التي توفيت بمرض السرطان منذ سنوات، فهي كانت تملك قلباً طيباً وحنوناً لا مثيل له، ربنا يرحمها، ويصبرنا على فراقها».

####

شادية ترحل... وتبقى في الذاكرة

اعتزلت قبل 30 عاماً... وحافظت على الوهج

القاهرة: «الشرق الأوسط»

غيب الموت أمس الفنانة المصرية الكبيرة شادية، الملقبة «دَلّوعة السينما»، عن عمر ناهز الـ86 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض، لكنها ستبقى في ذاكرة السينما المصرية والعربية.

وكانت الفنانة، التي صنعت تاريخاً براقاً في مجالي التمثيل والغناء، عانت من أزمة صحية أخيراً، دخلت على أثرها المستشفى، غير أنها فرضت تكتماً على ملابسات مرضها.

ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تغيب فيها شادية عن الأضواء؛ إذ كانت فاجأت الوسط الفني بقرار الاعتزال قبل أكثر من 30 عاماً، لكنها حافظة على الوهج رغم الاعتزال.

تعد شادية من أبرز نجمات السينما المصرية والعربية، فعلى مدار مشوارها الفني قدمت نحو 120 فيلماً سينمائياً، خلال مسيرتها الفنية التي قاربت 40 عاماً؛ من أبرزها: «شيء من الخوف»، و«نحن لا نزرع الشوك»، و«ميرامار»، و«المرأة المجهولة»، و«لحن الوفاء»، و«معبودة الجماهير»، إضافة إلى 10 مسلسلات إذاعية، ومسرحية «ريا وسكينة».

الشرق الأوسط في

29.11.2017

 
 

شادية... مصر تودع صوتها

لبنى الراوي

ودعت مصر الفنانة شادية عن 86 عاما. ونعاها وزير الثقافة حلمي النمنم الذي نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط قوله إن الفنانة الراحلة "كانت صوتا لمصر والعالم العربي" من خلال فنها

ولدت شادية، واسمها الحقيقي فاطمة أحمد كمال شاكر، لأب يهوى العزف على العود ويحب الغناء مما شجعها على الاشتغال بالفن. أطلت على الجمهور لأول مرة في دور ثانوي في فيلم "أزهار وأشواك" عام 1947 قبل أن تشارك في نفس العام في فيلم "العقل في اجازة" أمام المطرب محمد فوزي من إخراج حلمي رفلة. وقدمت شادية أفلاما متنوعة في بداية اشتغالها بالفن حملت الطابع الكوميدي واشتهرت في دور الفتاة المدللة حتى أطلق عليها لقب "دلوعة السينما المصرية" إلا أنها تخلت عن الغناء في عدد من أفلامها لتثبت أنها ممثلة متمكنة وليست مجرد فنانة خفيفة الظل أو نجمة غنائية. تجاوز رصيدها 112 فيلماً من أبرزها "شيء من الخوف" و"المرأة المجهولة" و"معبودة الجماهيرط و"دليلة" و"نحن لا نزرع الشوك" و"أضواء المدينة" و"مراتي مدير عام" و"الزوجة 13".

ومن بين أفلامها عدد مأخوذ عن روايات نجيب محفوظ منها "اللص والكلاب" و"ميرامار" و"زقاق المدق" و"الطريق". قال عنها محفوظ عندما جسدت شخصية "حميد" في فيلم "زقاق المدق" لحسن الأمام عام 1963: "لقد كنت أشعر بكل خلجة من خلجات حميدة متجسدة أمامي، على الرغم من تخوفي الشديد من قدرتها على تجسيد الدور عند ترشيحها له". وهي في هذا الفيلم دلوعة تتمايل في مشيتها ثائرة متمردة على حياة الفقر التي تعيشها، تريد أن تخرج من زقاق المدق بأي صورة كانت مما جعلها تهرب من الزقاق مع فرج حيث كانت تظن أنه يحبها فتفاجأت بغير ذلك، مما يضطرها للعمل معه في البار وكانت نهايتها أن تعود لزقاق المدق وتنتهي حياتها فيه. ومثلت دور نور في "اللص والكلاب" وهي  فتاة ليل نعم، ولكنها تضيء شيئًا من عتمة أيام سعيد مهران، ارتدت شادية الملابس البسيطة وزينّت وجهها بالمكياج الفج، لتبدو امرأة فقيرة. في فيلم "الطريق" أدت دور "كريمة"، حيث تظهر في هذا الفيلم كامرأة مثيرة جميلة ناضجة، تتزوج من صاحب فندق مسن، يرمقها نزيل الفندق، صابر الرحيمي، بأداء رشدي أباظة، وبدورها ترسل له، بعيونها، رسائل مبهمة، وفي العديد من المشاهد تحافظ شادية، بمهارة، على ذلك الغموض الأخلاقي، ما بين رفضها الحاسم لإقامة علاقة مع النزيل، أو الاستجابة له. وفي "ميرامار" تؤدي دور "زهرة"، التي يتصارع عليها نزلاء "البنسيون" الخمسة، كل منهم يريدها لنفسه، على طريقته ولكنها قوية، صعبة المنال، أذكى من أن تحول نفسها إلى مطفئة شهوات، أو ألعوبة فى يد الآخرين.

ولشادية نحو 650 أغنية متنوعة بعضها وطني والكثير منها عاطفي تضمنته معظم أفلامها. نالت في الستينيات لقب "صوت مصر" حين قدمت عدداً من الأغاني الوطنية التي لحن معظمها الراحل بليغ حمدي ومنها "يا حبيبتي يا مصر" و"قولوا لعين الشمس". وبعد الهزيمة في حرب عام 1967، غنت أغنية "الدرس انتهى" التي أبرزت قصف إسرائيل لمدرسة "بحر البقر" في محافظة الشرقية بدلتا مصر، والذي أودى بحياة العديد من الأطفال. وكذلك غنّت "عبرنا الهزيمة" بعد حرب 1973 التي عبر فيها الجيش المصري إلى الضفة الشرقية من قناة السويس. في الخمسين من عمرها، غنّت شادية أغنيتها الأخيرة "خد بإيدي" والتي كانت من الأغنيات الدينية.

قدمت آخر أفلامها "لا تسألني من أنا" عام 1984 بعد مشاركتها في المسرحية الوحيدة التي ظهرت فيها على خشبة المسرح "ريا وسكينة" مع الممثلة سهير البابلي. وأعلنت شادية اعتزالها الفن عام 1986 وقيل انها قررت الاعتزال بعد لقاء جمعها بالشيخ محمد متولي الشعراوي، وذكر نجل شقيقتها السيد خالد شاكر في برنامج تلفزيوني سابق، حيث أكد أن شادية في تلك الفترة دخلت في حالة كانت تقربها من الاعتزال. حتى جاءت أغنية "وآدي حالي وحال جميع المؤمنين" لتكون الأغنية الأخيرة في مشوارها، حيث قررت بعدها الاعتزال بعدما تأثرت بالأغنية بشكل كبير. وأوضح شاكر أن الراحلة كانت تمر بمرحلة ابتلاءات شديدة في تلك الفترة، وصارت تنظر للأمور بمنظور آخر، لتقرر بعد أداء الأغنية أن تبتعد عن الوسط الفني...

وشادية التي اعتزلت، كانت حياتها تضج بالحكايات والقصص، لا سيّما أن الصحافة المصرية التي كشفت في أكثر من مناسبة عن قصص الحب التي عاشتها، توّجت ثلاث منها بالزواج. أحبت الضابط أحمد، ابن الجيران، الذي كان له الفضل في اندفاعها نحو السينما بعدما تلقّت خبر رحيله في العرض الأول لأحد أفلامها خلال مشاركته في حرب فلسطين في في اواخر الاربعينات. وبعد سنوات، تزوجت من تزوجت عماد حمدي أثناء تصوير فيلم "أقوى من الحب" وكان يكبرها بأكثر من 20 عاماً، لتعقد قرانها في العام 1953 رغم رفض عائلتها. هذا الزواج عمّر ثلاث سنوات. أما قصة الحب التي لم تنسها شادية فهي تلك التي عاشتها مع فريد الأطرش، إذ تحولت مشاهد الحب بين الثنائي إلى حقيقة في فيلم "ودّعت حبك" الذي كان الشرارة الأولى بينهما، وفق مذكرات الأطرش التي دوّنها الكاتب المصري فوميل لبيب

زواج شادية للمرة الثانية من المهندس عزيز فتحي لم يدم طويلاً، بعدما اكتشفت أنه أخفى عنها زواجاً سابقاً، فانفصلت عنه. في العام 1972، تزوّجت للمرة الثالثة من صلاح ذو الفقار بعدما تحولت قصّة فيلم "أحمد ومنى" حقيقة، لتُتوّج بعد أشهر بزواج دام سنتين ووقع بعدها الانفصال.

المدن الإلكترونية في

29.11.2017

 
 

محمد حمدي سلطان يكتب:

مين اللي ما يحبش شادية

لطالما كانت شادية متفردة بين كل نجمات جيلها، فرغم أنها عاصرت نخبة من أهم نجمات السينما المصرية، واللاتي من النادر أن يجتمع مثلهن في عصر واحد، إلا إنها احتفظت لنفسها بمكانة خاصة جدًا في قلوب محبيها، لصدقها وبساطتها وإطلالتها الرقيقة وحضورها الخفيف على الروح، وقبل كل ذلك لموهبتها الكبيرة.

هذا التفرد نستطيع أن نجد له شواهد عديدة، فإذا كان الجمهور قد انقسم ما بين الكبيرتين فاتن حمامة وسعاد حسني، وكان هناك دائمًا السؤال الشهير عن أيهما أجمل فاتن أم سعاد؟ فكان هناك من أحب سيدة الشاشة، ولكنه يرى سعاد حسني أجمل بكثير. وعلى الجانب الآخر يوجد عاشقون للسندريلا، ولكنهم يرون جمال وحضور فاتن لا يقارن. وسط هذا الاختلاف الجميل لم يكن يأتي أبدًا أي ذكر للفنانة العظيمة شادية، ليس تقليلاً من شأنها، أو لأنها أقل مكانة أو جمالاً من فاتن وسعاد، إنما لأنها كانت قريبة من القلوب بما يكفى ليجعلها أكبر من كل هذه المقارنات. والدليل على أن خروجها من هذه المقارنة التاريخية لم يكن تجاهلاً، بل تكريمًا ومحبة خالصة، هو أنها لُقبت بـ”الدلوعة” واشتهر بين فتيات زمانها تعبير “قَصة شادية” أي أن الاعتراف بجمالها وتأثيره كان حاضرًا بقوة، وفي وجود فاتن حمامة وسعاد حسني.

تفرُد آخر لشادية يأتي في كونها الوحيدة التي أجادت في الغناء والتمثيل بنفس الدرجة. نستطيع مثلاً أن نصف سعاد حسنى بأنها ممثلة بالأساس، ولكنها تجيد الغناء، وتمتلك صوتًا جميلاً مميزًا. وهناك ليلى مراد مثلت وأجادت وحققت نجاحًا عظيمًا لدرجة أنها الوحيدة التي تمتلك سلسلة أفلام باسمها، ولكنها بالأصل مطربة. فهذه ممثلة تغني، والأخرى مطربة تمثل، أما شادية فستجد صعوبة كبيرة في تحديد أيهما يسبق الآخر لديها؟ لهذا السبب وجدنا أمس بعض المواقع تكتب خبر وفاتها بعنوان “وفاة المطربة شادية” وأخرون وصفوها بالممثلة، والأصدق والأدق هم من وصفوها بالفنانة شادية فهي كانت بالفعل فنانة شاملة، متفردة، استثنائية، ومتعددة المواهب.

سنجد أيضًا تفردًا لشادية في الثنائيات، فلا أحد ينافسها في عدد الثنائيات السينمائية التي قدمتها على مدار مشوارها الفني. فأي ممثلة أخرى سنجد لها ثنائيًا شهيرًا ناجحًا، أو اثنان على الأكثر، أما شادية فكأن ربنا كان صارفلها القبول، وهو ما جعل “الكيميا بتاعتها تبقى راكبة مع أغلب من شاركوها بطولة أعمالها الفنية”، لتحقق تناغمًا وتجانسًا مع الكثير منهم، والبداية كانت مع كمال الشناوي وهي ما زالت تتلمس خطواتها الأولى في عالم التمثيل، قدما سويًا مجموعة من الأفلام ذات الطابع الرومانسي الخفيف في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات، أفلام حققت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا وإيرادات قياسية بمقاييس زمنها، إيرادات قال عنها كمال الشناوي نفسه “إيرادات بنت عمارات وجابت أراضي”. بعد ذلك شكلت شادية ثنائيًا ناجحًا آخر مع عماد حمدي، وارتبط الجمهور وجدانيًا بالكثير من الأفلام التي قدماها سويًا، لدرجة أنه كان يُقال بشكل تلقائي “فيلم لشادية وعماد حمدي”.

ثم يأتي العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، ومع أن شادية لم تشاركه سوى في بطولة 3 أفلام فقط من أفلامه الـ 16 إلا أن ظهورها فى فيلمه الأول “لحن الوفاء” ومشاركته بطولة “معبودة الجماهير” بنجاحه الساحق وأغنياته الجميلة، جعل منهم أحد أهم الثنائيات الغنائية التي ظهرت على شاشة السينما. وهناك ثنائي ساحر لا يُنسى جمعها برشدي أباظة، ويكفي ما قدماه سويًا في فيلمهما الأمتع “الزوجة رقم 13”.

أما الثنائي الأجمل فكان مع صلاح ذو الفقار، قدما سويًا “أغلى من حياتي” الفيلم الرومانسي الأشهر، وستبقى أيقونة “أحمد ومنى” حاضرة في الأذهان ولا تغيب، وقدما أيضا “مراتي مدير عام” و”عفريت مراتي” و”كرامة زوجتي” سلسلة أفلام “لايت كوميدى” من أمتع ما يكون، وما زالت تعيش حتى اليوم في ذاكرة المشاهد بمواقفها الكوميدية و”إفيهاتها” الشهيرة.

ولأن الكلام عن شادية وتفردها لن ينتهي، فسأكتفي في النهاية بذكر ما قدمته قبل اعتزالها في تجربتها الأولى والأخيرة مع المسرح في مسرحية “ريا وسكينة” التي لا أحتاج أن أُذكر أحدًا بها، فالجميع يحفظها مشهدًا مشهدًا. كان نجاحًا يليق بشادية وتاريخها الحافل، ويكفى ما قاله زملاؤها بالمسرحية، عبد المنعم مدبولي وسهير البابلي، وهم من عمالقة المسرح، لهم صولات وجولات على خشبته، وحققا نجاحات كبيرة قبل “ريا وسكينة” لكنهما أكدا أنهما لم يريا في حياتهما جمهورًا مثل جمهور “ريا وسكينة” واعترفا أنهم جمهور شادية الذى يحبها، فجاء لأجل خاطر عيونها. وشادية بالطبع تستحق، تستحق ذلك الحب وأكثر. فمن الذى لا يحب فاطمة ؟ فاطمة أحمد كمال شاكر الشهيرة بـ”بشادية” والتي ملأت حياتنا فنًا وبهجةً وسعادة، وتركت رصيدًا من الفن لا يُمحى ولا يسقط بالتقادم. هي حبيبة قلوب المصريين، وصوتهم الخالد، من هم مثلها لا يرحلون أبدًا، حتى ولو غيبهم الموت. فلنسأل الله أن يرحمها بقدر ما أسعدتنا.

####

مصطفى حمدي يكتب :

شادية تحييكم من ستاد القاهرة

مئة ألف متفرج يملأون جنبات ستاد القاهرة منذ الصباح الباكر، لا موضع لقدم في المدرجات التي تشتعل بالحماس أملًا في التأهل لكأس العالم ، في 17 نوفمبر 1989 قرر الجنرال محمود الجوهري إعادة اكتشاف الكثير من الأشياء، بدأت بالأمل في الولاد السمر الشداد، وانتهت بصوت شادية .

يحكي سمير عدلي المدير الإداري للمنتخب وقتها أن الجوهري اتفق مع ادارة الاستاد على تشغيل الأغاني الوطنية عبر الإذاعة الداخلية قبل المباراة بساعات ، كان الجوهري يكتب سيناريو المباراة بداية من طعام اللاعبين مرورا بخطة اللعب وصولًا إلى ضبط الحالة المزاجية والحماسية للجمهور، توقف الجنرال أمام أغنية واحدة طلب تكرارها مرارا ، “ياحبيبتي يامصر” هذه الأغنية ستشعل حماس الجمهور وستثير غيرة اللاعبين، وقد كان، فلا ينسى من حضر المباراة هذه الرجفة التي تسللت تحت الجلود لحظة الهتاف مع شادية بصوت عالي وهي تشدو “ياحبيبتي يامصر ياااااامصر” والدموع تهرب من الجفون وسط إيادي ترتفع وحناجر تهتف “يارب يامسهل المنتخب يتأهل “.

صعدنا كأس العالم وبقيت الأغنية كنقش أصيل في الذاكرة ننثر عنه غبار الأيام مع كل مناسبة وطنية ، ومباراة هامة ، أو ذكرى تدعوا للفخر ، عاشت الأغنية رغم اختيار صاحبتها الإنسحاب والابتعاد عن الأضواء ، اختيار لم تعرف معه شادية أن فنها الخالد سيجعل أضواء الشهرة ومحبة الملايين ترافقها حتى مشهد النهاية .

تحكي شادية في لقاء تليفزيوني نادر قصة الأغنية الأشهر فتقول : قبل هذه الأغنية لم نكن نردد إسم مصر ، كنا نقول الجمهورية العربية المتحدة ، تصادف أنني كنت قد ابتعدت عن الغناء على خشبة المسرح منذ أربع سنوات واتفقت على العودة بأغنية تحمل اسم “عالي” ،كان بليغ حمدي يحفظني لحنها استعدادا للحفل ، وتطرقنا لسؤال لماذا لا نقول مصر ونصر على اسم الجمهورية المتحدة ، مصر أقرب للقلب من أي شيء ، فكتب محمد حمزة “ياحبيبتي يامصر” ، ولحنها بليغ فورا وسجلناها في الإذاعة قبل أغنية عالي وغنيتها في الحفل وأصبحت واحدة من أشهر الأغنيات الوطنية .

تحكي شادية متأثرة : كلما غنيت جملة “ولا شاف النيل في أحضان الشجر” تدمع عيني ، أتخيل المشهد الذي أصبح صورة مرتبطة بكلمة مصر في وجداني ، بعد سنوات تلقيت العديد من القصائد والكلمات المناسبة لأغنيات وطنية ولكنني ظللت متعلقة بـ”ياحبيبتي يامصر” ، هذا الإحساس قد يفسر تصريحها لكمال الملاخ في حوار اذاعي بأنها تحب اللون الأخضر لأنه يذكرها بالزرع ، هل كانت شادية تزرع نبته جديدة في قلب جمهورهامع كل أغنية تغنيها ؟ ربما .

في ستاد القاهرة أيضا وفي نوفمبر 2009 ، نفس الأغنية تصدح في مكبرات صوت الاذاعة الداخلية ، والالاف يحتشدون في مباراة الجزائر الشهيرة ، فزنا بهدفين وذهبنا لفاصلة في أم درمان لم يحالفنا الحظ فيها ، بعد 8 سنوات أخرى تكرر المشهد في ستاد برج العرب ، ظلت شادية حاضرة بصوتها وكأن خيطا متينا ربط بين الأغنية وصاحبتها وكأس العالم والكورة ومزاج المصريين والوطنية والأيام الحلوة وأشياء كثيرة ستبقى شادية شريكًا فيها .

إعلام.أورغ في

29.11.2017

 
 

شادية تتسبب في مشادة عنيفة بين حسن يوسف ومدحت العدل

محمود إبراهيم - المصدر: "النهار" -

هاجم السيناريست والكاتب مدحت العدل الفنان حسن يوسف بعدما أطلق الأخير تصريحات خلال الساعات الماضية مفادها أن الفنانة الراحلة #شاديةكانت نادمة على مشوارها الفني بعد إعلان اعتزالها، وشدد أن شادية كانت ضد الفن في السنوات الأخيرة ورفضت مشاهدة الأعمال التلفزيونية

وردّ العدل على يوسف، مشيراً إلى أنه يكذب على المشاهدين، وأن ما يقوله افتراء على الفنانة الراحلة، مشدداً على أنه تلقى رسالة خاصة من الفنانة منذ ثلاث سنوات حين عُرض له مسلسل "الداعية" الذي قام ببطولته الفنان هاني سلامة، للإشادة بالعمل.

وطلب العدل من يوسف عدم المزايدة على الفنانة التي فارقت الحياة، لأنه يرى أن الفن شيء مقدس ومحترم، وأن الراحلة في كل تصريحاتها والمقربين منها لم تُبد أي ندم على التمثيل، بل كانت تتشرف بكل الأعمال التي قدمتها خلال مشوارها الفني المٌمتد لأكثر من 50 عاماً.

يُذكر أن شادية كانت قد رحلت عن عالمنا، ومن المُقرر أن تُقام صلاة الجنازة من مسجد السيدة نفسية، على أن يُقام العزاء بمسجد المشير طنطاوي.

النهار اللبنانية في

29.11.2017

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)