تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

«عيد ميلاد ليلى» لرشيد مشهراوي:

التطبّل الدرامي في يوم واحد

وهران (الجزائر) ـ فجر يعقوب

حظي المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي بدرع المهرجان الدولي للفيلم العربي في وهران ـ 23 ـ 30 تموز 2009 بمناسبة تكريمه، وهو حل على المهرجان رئيسا للجنة تحكيم الأفلام الطويلة فيه. في سياق التكريم أيضا عرض فيلمه الجديد «عيد ميلاد ليلى» الذي حصل بحسب مشهراوي على عشر جوائز في مهرجانات مختلفة في العالم، وهو أيضا «يعرض في أربعين صالة في فرنسا وحدها، وفي خمسة عشر بلدا حول العالم «. يجيء الكلام المسبق عن الجوائز في مثل هذه الحالة ليقطع الطرق على مسوغات النقد. هنا يحاول مشهراوي أن يقطع الطريق على أي محاولات لقراءة فيلمه جماليا وفكريا واخضاعه للشرط الفني، وفي هذا تعمية مبكرة على أي قراءة مختلفة تحاول أن تقوم بذلك من زاوية مغايرة. وهو بالرغم من ذلك ينتمي إلى السينما الفلسطينية الجديدة التي يعتبر مشهراوي أحد أقطابها بالرغم من اعتماده السرد التقليدي لقصة يجري «النفخ» الدرامي في أحداثها من دون أن تأخذ منحى تطوريا تصاعديا يحميها من شر التطبّل الذي وقعت فيه.

يستيقظ القاضي السابق جلال يعقوب (محمد البكري) بتأثير كابوس غير مؤثر في مجرى الأحداث، فيما مدينة رام الله الفلسطينية المحتلة نائمة كما يتضح لنا من المشاهد الأولى. لايبحث البكري عن شيء في فناء البيت. إنه يمشي في فنائه حذرا ومتيقظا كأنه مطلوب منه أن يقوم بذلك، ويلقي بنظرة متفحصة قوامها الشك على سرير ابنته الوحيدة ليلى ابنة الأعوام السبعة التي لايهددها شيء في هذه اللحظات «الكابوسية» الخاصة به. هي تنام في مكانها آمنة مطمئنة، فيما يعود البكري إلى مكانه الذي أشهر فيه كابوسه الليلي المعتاد.

في الصباح وقبل ذهابه إلى عمله سوف نفهم من زوجته (عرين العمري) أن اليوم هو عيد ميلاد ابنتهما الوحيدة، وعليه أن يعود مبكرا إلى المنزل للاحتفال به، وعليه أن ينسى عمله كسائق سيارة أجرة ولو ليوم واحد، لأنه من الواضح قد أشقى عائلته بمواقفه «النظيفة» التي لا يحسد عليها من الآن فصاعدا. السيارة الصفراء ليست له. إنها لشقيق زوجته وقد منّ عليه بها مؤقتا ريثما تنفرج الأحوال ويحظى بوظيفة القاضي التي استجلب من أجلها من المنافي، وهو ما فتئ يذكر الجميع بذلك، خاصة وأنه عمل قاضيا في دولة عربية شقيقة غير متعيّنة، وذلك قبل أن يستدعيه «الأخ أبو عمار» للعمل في أراضي الدولة الموعودة. وهو مالبث أن اصطدم ببيروقراطيي السلطة الفلسطينية وموظفيها الغلاظ والأجلاف. (الطريف هو ظهور نفس الموظف البيروقراطي وليد عبد السلام في فيلم «ملح هذا البحر» للفلسطينية آن ماري جاسرفي موقف مماثل أيضاً).

بعد اللقاء سوف يبدأ أبو ليلى مشواره الصباحي بنقل الركاب في مدينة رام الله الفلسطينية المحتلة من السلطة والأعداء معا، فيرفض نقل هذا وينقل ذاك، في محاولة للتأكيد على مواقفه المسبقة من كل الأشياء التي تنغص عليه في أراضي الدولة الفلسطينية وقد تحولت في يوم واحد إلى مصح كبير للمجانين والفاسدين و«شبيحة» السلطة المسلحين. بالطبع لمشهراوي رؤيته الخاصة به، فإذا ماتحولت المدينة في الفيلم إلى مشفى كبير للمجانين بنتيجة فساد السلطة وأعوانها المتيقنين من خبل الجمهور العمومي، وبقاء الاحتلال جاثما على صدور الناس فيها، فإن هذا يمكن قبوله ومحاولات تفسيره بما يخدم فكرة الفيلم عموما. فنحن أمام قاض محبط نزيه يعرف كبف يوجه سهام النقد اللاذع لأشباح السلطة وطائرات الأعداء المحومة في الجو.

هذا شأن أبو ليلى في تعاطيه مع الساعات التي تسبق عيد ميلاد ابنته، وهو لايعرف كيف يصرف دقائقها. وقد أغلق مشهراوي على بطله تماما، فبدا متحجرا ومتخشبا أكثر من اللازم، وهو يراوح في مكانه من دون جدوى بالرغم من استئثاره بسيارة صفراء مكدودة، لأن تنقله في السيارة غير المؤمن عليها في اشارة إلى أنه ليس مؤمنا على أحد في أراضي السلطة، يجيء خاليا من اللمسات العاطفية المبهرة التي ستخفف من جحيمية أراضي السلطة والابقاء على دفق المشاعر الانسانية متوهجا، وهو مالم يهتد إليه مشهراوي في فيلمه. فما أن يصل إلى حالة متوردة حتى يبترها بالقطع غير الدقيق وغير المستحب بدل الولوج فيها، كما هو حال مشهد دخول سيارته سوق الدجاج وهو يوصل ابنته إلى مدرستها، اذ بدا البكري في هذا المشهد مستعدا لتقديم أروع ماعنده في الفيلم، إلا أن المخرج أجهز عليه منذ ثوانيه الأولى وترك ممثله في حومة المشاهد الأخرى، اذ سرعان ما قطع عليه، وكان بوسعه أن يصوغ منه مشهدا مؤثرا يمكنه أن يغني عن الكثير من المواقف الهزيلة التي وجد نفسه فيها رغما عنه. فهاهو يقبل بنقل عجوز طاعن في السن من أجل اجراء حوار مفكك وعقيم معه عن وزارة العدل الفلسطينية، وقد بدا العجوز ممسوسا ومتطيرا، مثله مثل العاشقين المراهقين اللذين وجدا في هذا اليوم ملجأ لهما للحديث في شؤونهما العاطفية أرخص بكثير من مقاهي الأنترنت فيما لو قررا الانصراف إليها. وبالطبع هناك نماذج فقيرة أخرى مثل تلك المرأة التي تأمره بالوقوف ماإن تشاهد طابورا بشريا يقف في الفراغ بانتظار توزيع مواد تموينية كما تفترض المرأة في خيالها المريض والمشوش. هذا النفخ في المواقف التي يتم توليفها خطأ في يوم واحد يضع الفيلم أمام خطأ كبير، فهو لايسمح بتطور الشخصيات التي يمر عليها، لأنها تضع أبو ليلى في مهب الملامسة الجوفاء لعالمه الداخلي من دون الاحساس بغنى شخصيته هو. لم نشعر بعمق شخصية القاضي التي يحملها بداخله، بالرغم من اضطراره للعمل سائقا، هذا اذا افترضنا أنه يجيء من دولة عربية «فاضلة» تتم فيها ممارسة القضاء بنزاهة مطلقة وليس هناك فيها فساد وافساد وفسوق من أي نوع.

يخفق أبو ليلى كما بدا لنا من الفيلم في اقناع المشاهد بأنه ينام على شخصية قاض نزيه. يخفق تماما لأن توليف الحياة في يوم واحد خطأ سينمائي كبير فيما لو اقترن بالنفخ الأعمي في جزئيات ومسميات درامية لايراد لها أن تنتهي. فهو يجرد الشخصية الرئيسة من نعمة العاطفة، وبدلا من ترديد كلمات مفرغة من معانيها عن ماض سابق كان يمكن له أنسنة وضعه الحالي في بحثه عن صورة معادلة لبؤسه وشقائه الحاليين. بالطبع سوف ينتهي يوم أبو ليلى مبكرا بعد أن يجمع مستلزمات عيد ميلاد ابنته من خلال حصوله عليها بطريقة «التبهير» الأميركية بشكلها البدائي. فسيارته الصفراء غير الودودة سوف تزين بالخطأ من أجل حفل زفاف لادخل له فيه، والشموع سوف يشتريها للميكانيكي الذي يصلح له سيارته ويستخدمها هو بدلا منه، وأما قالب التورتة المنتظر، فإنه يحصل عليه بالخفة نفسها. إلا أن محاولة تصوير الفيلم بأسلوب يقتفي آثار أفلام أخرى سيخفق، لأن أحداث يوم واحد تتراكم مثل الشحوم في الجسم البشري قد تعيق من أسلوب «رود موفي» وتبطل مفعوله السحري، وتقتله في المكان الذي شعر فيه القاضي أبو ليلى بوطأة كابوسه الليلي الذي صنع منه نهاره بيده من دون أن يكون لأحد ذنب فيه. فيومه، بالرغم من كل المراكمات (مواطن زهق عيشته ويطلب إليه أن يدهسه، مسلح يريد أن يذهب إلى الحواجز على غير هدى، راكب يرفض وضع حزام الأمان ويجلس في الخلف، سجين مدخن» الخ...) كان عاديا جدا كما يخبر زوجته حين يصل الى بيته.

المستقبل اللبنانية في

02/08/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)