تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

«الطريق الثوري».. قابل للكسر!

طارق مصباح

فيلم "الطريق الثوري" الذى رشح لثلاث جوائز أوسكار، وعشرين جائزة أخرى فى مهرجانات متعددة حصد منها ست جوائز، هو التجربة السينمائية الرابعة للمخرج والمنتج البريطانى المتميز "سام منديس" (سامويل الكسندر منديس المولود بانجلترا فى عام 1965) سبق وان قدم قبيل هذه التجربة افلام "الجمال الأمريكي" 1998 والذى حصد جائزة الاوسكار كأفضل مخرج، و"الطريق إلى الهلاك 2002 و"جارهيد" 2005، وفيلمه الجديد "الطريق الثوري" بطولة ليوناردو دى كابريو وكيت وينسليت، مايكل شانون، سيناريو جستين هيث، عن رواية بنفس العنوان لريتشارد ييتس، يقدم ميندس فى "الطريق الثوري" دراما انسانية واجتماعية هادئة ولكن صادمة لشخصيات تمثل نماذج للرجل والمرأة فى المجتمع الامريكى فى الخمسينيات والستينيات كاشفا زيف الصورة المثالية النموذجية لمجتمع الاحلام الأمريكى خلال رصده للعلاقات الزوجية التى تتأرجح بين الحقيقة والوهم ومايمكن ان يشوبها من توتر وضغط انفعالى نتاج دوافع محيطة ومتراكمة قد يكون حصادها هو العجز الكامل عن حل اشكاليتها.  

وعنوان الفيلم "الطريق الثوري" يشير إلى اكثر من دلالة فهو اسم الطريق الذى يقبع فيه منزل الزوجين " فرانك" و"ايبريل" وهو مكان اقرب إلى الكمبوند لايقطنه سوى الأثرياء وكذلك قد يشير إلى منحى آخر رمزى لبزوغ ثورة بهدف تغيير رتابة وإخفاقات و نمط الحياة الزوجية للشخصيتين الرئيسيتين فى الفيلم "فرانك" الذى أدى دوره ليوناردو دى كابريو بإحساس انفعالى عال و"ايبريل" وهى الشخصية التى نجحت فى ادائها برصانة وصدق الممثلة ذات الحضور الطاغى "كيت وينسلت "واستحقت على هذا الدور العديد من جوائز المهرجانات وقد حصلت على جائزة افضل ممثلة فى جوائز الجولدن جلوب، الإخراج لسام ميندس يبدو تقليدياً ولم يقدم جديداً يمكن الوقوف عنده لكنه بد متناسباً مع طرحه الاجتماعى للحياة الزوجية لفرانك وايبريل وكيف تحولت حياتهما الهادئة المستقرة الراكدة إلى حلبة صراع مستمر واختلاف فى الرؤية والأفكار المتصارعة والمشاجرات والمشاحنات التى لاتنتهى ومحاولة كل طرف فرض إرادته وتعرية كل طرف للآخر ليتضح جليا درجة الإحباط، وتوتر الأنا وعدم النضج النفسى والتواصل السلبى ليتطور هذا التباين فى المواقف إلى درجة الاضطراب والاختلال ما يؤدى إلى زلزلة العلاقة بينهم، من بداية المشهد الافتتاحى الاحتفالى البهيج يتعرف الشاب "فرانك" على الفتاة "ايبريل" ويدعوها للرقص معه وسط حالة من الانسجام المثالية والانفصال التام عن الوسط المحيط ليبدو المشهد أمامنا مغايرا تماما لما سوف تسفر عنه تطور احداث الفيلم لننتقل بعد ذلك نقلة زمنية حيث اثمر هذا التعارف وهذه الرقصة البهيجة عن حياة زوجية وطفلين صغيرين ثم ينحو الفيلم إلى مسار آخر فنتابع فى مشهد تال "فرانك" التى درست الدراما وتعمل بالتمثيل كهاوية وهى تخفق فى ادائها المسرحى امام الجمهور وتتلقى الاستهجان بدل التشجيع ليتبخر امام عينيها حلم السنين فى ان تصبح ممثلة تنال الاعجاب من الجماهير، بينما نجد زوجها فرانك ( والذى يعمل فى تسويق الاجهزة الالكترونية) متوترا بشدة فى كواليس المسرح يبحث عن ايبريل المحبطة من ردة فعل الجمهور وبدلا من مواساة الزوج تلقت كلمات رصاص تؤجج الجرح وتؤكد الفشل فى لحظة كان الصمت هو اقصى امانيها ليكشف الموقف عن توتر وخواء فى العلاقة الزوجية بينهما سرعان ما يتصاعد مع احداث الفيلم البطيئة بطء نمط حياتهما الرتيبة وحيث ينتقل فرانك وايبريل إلى مسكن زوجية جديد وفاخر يقع على الطريق الثوري. 

فرانك موظف مجتهد جدا فى عمله ويتمتع بجاذبية تحقق له النجاح فى عمله الذى لايحبه ودائما يجلس خلف مكتبه يمارس عمله بروتينية وضجر ولكن بحرفية يخون ايبريل مع موظفة زميلة، فى نفس الوقت تنتظره زوجته ايبريل مع طفليه للاحتفال بيوم ميلاده فى اثناء ذلك الانتظار تجد الزوجة ضالتها المنشودة فى طرح فكرة السفر إلى فرنسا التى لطالما حلم وتغنى بها فرانك ليبدأ من جديد هناك مع عمل يحبه بدلا من عمل لا يحبه. 

لبدء الحياة من جديد وفرصة للبحث عن الذات وتحقيق لوجود فاعل ومؤثر فى الحياة، بعد جدال يتقبل "فرانك" للفكرة الحلم التى تبدو كبداية زوجية جديدة لحياة زوجية راكدة رتيبة تتصاعد ادخنة ازماتها فى الافق ومن ثم يبدأون فى تجهيزات الرحيل ويتم اعلان ذلك القرار السار على المحيطين بهم من الاهالى والاصدقاء والجيران ولكن تأتى ردة الفعل مغايرة تماما لمستوى طموح الزوجين حيث الاستهجان والرفض والسخرية هى النتيجة المنطقية لطبيعة المجتمع المستكين الراكد فى هذه الفترة (من وجهة نظر صناعه ) تجاه رغبتهما فى ترك حياتهما الامنة المستقرة فى مدينتهما فى مقابل الرحيل إلى دروب ومتاهات مدن غريبة وبعيدة و فى اثناء ذلك الفعل وردته يسيل لعاب الزوج فرانك امام ترقية وظيفية كبيرة وعائد مادى اكبر ليعاود ادراجه من جديد فيتراجع عن فكرة السفر إلى فرنسا متحججا بأسباب واهية وخاصة بعد اكتشاف ايبريل انها حامل فى الطفل الثالث وحيث تبرز مقدرة المخرج سام ميندس فى الظهور مع التصاعد الدرامى بين الثنائى الزوجى فرانك وايبريل، تتوتر العلاقة بينهما بشدة وتتصاعد وتيرتها سريعا ليبدو الطرفان كخصمين متصارعين بضراوة وتتباعد الخيوط الزوجية والاجتماعية والانسانية بينهما وتبدى ايبريل استعدادا للتخلى عن حياتها الاجتماعية والاقتصادية المستقرة والامنة فى مقابل فرصة اخيرة لحياة مأمولة ولكن دون جدوى، لتكتشف ايبريل ان فرانك يخالف كثيرا تلك الصورة التى تأصلت كثيرا امامها فى سنوات حياتهما السابقة ليبدو شخصا مغايرا كثيرا لما كانت تعتقد انها تعرفه، تصاب بحالة من الياس والاحباط والتمرد فتندفع فى علاقة غير شرعية مع رجل أخر من الجيران، وتتمادى فى الاصرار على تحقيق هذا الحلم، حلم تحقيق الوجود والبعث من جديد و حتى الرمق الاخير و لو كلفها ذلك كل حياتها وتقرر ايبريل ان تجهض نفسها للتخلص من الجنين الذى بدا انه العائق امام تحقيق ما عزمت عليه وتقدم على ذلك فعليا وتنزف دما وهى تنظر من النافذة على الطريق الثورى ليبدو انها تدفع حياتها ثمنا لثورتها على واقع حياتها الراكد، وقد نجح السينارست فى الامساك بتلابيب شخصياته المتناقضة والمرسومة بدقة ومقدرة على تمزيق اقنعة شخصياته، خاصة ايبريل التى بدت اكثر حيوية وايجابية من فرانك وساعد على ذلك الاهتمام الشديد من جانب المخرج سام ميندس بالاداء التمثيلى لممثليه باعتباره الركيزة الأساسية لإدراك الحالات النفسية لشخصياته الفيلمية ومن ثم تحقيق رؤيته الصادمة لطبيعة العلاقات الإنسانية فى المجتمع الأمريكى، وقد اغفل شريط الفيلم جانبا هاما من تأثير تلك الحقبة التاريخية فى منتصف الخمسينيات، فالعلاقة الزوجية بين فرانك وايبريل كنسق اجتماعى تتأثر بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبالسياق العام الذى يحيط بها. 

العربي المصرية في

24/03/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)