تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

المنتج المؤلف.. مقلب فيديو جيم

محمود قاسم

هذا هو منطق بعض صناع الأفلام في السينما المصرية، وهو أيضا حال الكثير من المشاهدين كل من الطرفين يوجد لديه مبرراته، الطرف الأول يقرأ جيدا هوية الجانب الآخر، فيقدم له ما يريده هي أفلام صغيرة لا تعتمد علي نجوم وميزانياتها قليلة، وديكوراتها لا تتعدي حدود الاستوديو مع بعض الخروج العابر إلي الشوارع.لا مانع أن يستفيد الكاتب والمنتج وائل عبدالله، من نجاح فيلم سابق له، بأن يعود للكتابة وإنتاج فيلم ثان، يدور في الأجواء نفسها، وأن يأتي بمخرج يعمل لأول مرة، ثم يقدم شريطا سينمائيا، ولا نقول فيلما.. ليس فيه جديد، ولا حتي قديم.الخبرة الحياتيةوالأدهي من هذا هو أن هذا الفيلم يعكس الخبرة الحياتية لمؤلفه، فيبدو من بعض تفاصيله مدي عدم معرفة الكاتب بالحياة ولا أيضا بالأفلام، فنحن الذين تعلمنا من السينما أن هناك شيئا يسمي المراقبة أي أن المسجون الذي خرج لتوه من السجن، يجب أن يظل تحت المراقبة بعض الوقت للتأكد من حسن سيره وسلوكه، وأنه سوف يندمج في المجتمع، إلا أن المسجون الذي أنهي مدته يخرج من السجن وبعدها بدقائق تعترضه سيارة، ويطلب منه سائقها أن يأتي معه، ويذهب الاثنان لمقابلة اللواء السابق جابر، الذي يخطط لسرقة أوراق بنكنوت في المطابع الأميرية الخاصة بوزارة المالية، التي لا يحرسها سوي أربعة جنود أمن مركزي.أما توفيق الذي يموت قتيلا برصاصة أطلقها جابر عليه فإنه يدفن بشكل عادي، ويقام له العزاء في الليلة نفسها، دون أي إجراءات أمنية لتشريح الجثة، والبحث عن القاتل لقد تم كل شيء كأنما توفيق قد مات بأزمة قلبية.بل إن شقيق توفيق الصبي، يظل جالسا في غرفة أمه والعزاء شغال في السرادق كأنه ليس أخوه أو كأن الأمر لا يخصه، بالإضافة إلي أن الأم نفسها موجودة وحدها مع ابنها الصغير في غرفتها دون معزيات معها.. وفي الوقت نفسه يأتي اثنان من زملاء الابن الراحل، لاعطائها نصيبه من السرقة الكبري التي سرقوها.. كله في نفس الليلة.إذن، فنحن أمام أفلام بلاستيكية، أقرب إلي ألعاب الفيديو، وأعتقد أن الذي كتب الفيلم كان ينوي أن يصنع إحدي ألعاب الفيديو، فإذا تمكن من عملها فيلما فلا بأس، وإذا صارت لعبة أيضا فلا حرج فكله كما يقول التعبير «بينفد علي بعضه».إذا شاء لنا أن نتعامل مع فيلم «مقلب حرامية» باعتباره لعبة فيديو لا منطق فيها ولا مغامرة ولا حياة فهذا لمصلحة الفيلم في المقام الأول.خلطة إليكترونيةالفيلم بمثابة خلطة إليكترونية معدة سلفا، مجهزة الموضوع والشخصيات ابتداء من اللحظة التي يتم فيها استدعاء الشخصيات الأربع التي ستقوم بعملية سرقة شفرة مطبعة وزارة المالية وذلك علي طريقة المفتش كورمبو، الذي يطلق علي الخيارات لديه أسماء غريبة فكاهية، فلكل من هؤلاء الأربعة أسماء خاصة غير اسمائهم الحقيقية مثل فلان كود، وهكذا.المطلوب إذن هو تدبير أربعة رجال بالإضافة إلي ابنة الأخ شيرين، وهناك دائما رجلان يعملان مع جابر مهمة كل منهما أن يقف إلي جوار «البوس» الخاص به لا يتكلم، ويبدو دائما كشرا بدون أي تعبير للوجه أما الثاني فهو يتكلم أحيانا، وهو الذي يوكل إليه إحضار الرجال الأربعة.حسب المعلومات فإن كل هؤلاء الأشخاص مثل أبطال ألعاب الفيديو، بلا أي جذور اجتماعية لا نعرف عنهم سوي اسمائهم، هذا ذكي، وذلك سيد، وهناك توفيق أو توتو، ثم هكر بالإضافة إلي الفتاة شيرين يتم تجميعهم في فيلا اللواء السابق جابر الذي أحس بالغبن الشديد، وعدم التقدير بعد إحالته إلي المعاش فقرر أن يعد خطة محكمة، لسرقة كليشهات وزارة المالية لطبع الورقة ذات المائتي جنيه.. ويتم إعداد الخطة ثم تنفيذها.وحسب السيناريو فإن كل شيء واضح للمتفرج هو يعرف كل شيء مسبقا، أن هؤلاء الأربعة سوف يتمكنون من تنفيذ الخطة بسهولة مثل شرب كوب من الماء وأن رئيس العصابة السيد اللواء السابق، سوف يتخلص من منفذي العملية وأن قصة حب لابد أن تنمو بين شيرين أحد هؤلاء الأربعة، وليكن سيد «محمود عبدالمغني» والتي ستقوم من أجل حبها، باعتبار أنها سوف تكون أم بوبوس بخيانة عمها، وإبلاغ العصابة بنوايا العم جابر.مكافأة اللصوصالشيء الوحيد الذي لن يتوقعه المتفرج أن كاتب السيناريو سوف يكافيء هؤلاء اللصوص بأن يهنأوا بما فعلوا، كلهم دون استثناء، حتي بمن فيهم توفيق الذي مات برصاص اللواء السابق، فقد أخذت امه النصيب الخاص به، راضية مرضية، أما الأربعة الباقون بمن فيهم شيرين، فقد استطاعوا السفر بالجنيهات المصرية التي لا قيمة لها خارج الوطن، واسألوني أنا وذلك أي نية التوبة اعتدنا مثيلا لها في الأفلام الأخري.أذكر أن أول فيلم شاهدته هرب فيه اللصوص بأموال حكومية مسروقة، عبر حدود الولايات المتحدة مع المكسيك كان «الهروب» إخراج سام بكنباه، فبعد مواجهات شرسة بين أطراف السرقة استطاع واحد منهم، جسده ستيف ماكوين، أن يهرب بالمال المسروق عبر الحدود ومعه حبيبته دون أن تتمكن الشرطة من القبض عليه.وقتها قلنا إن هذه هي أفلام سام بكنباه، وإن الجمهور قد لا يتقبل أن يتم القبض علي ستيف ماكوين وآني ماكجراد بطلة فيلم «قصة حب» وكانت آنذاك زوجته بالفعل، بعد قصة حب.. يعني المتفرج مزج بين الواقع والخيال وتقبل النهاية باعتبار أن الثنائي سوف يهنأ بالمال.. وهو ثنائي يمثل النجمين أكثر من اللصين في الفيلم.الغريب إنه عندما تمت إعادة إنتاج الفيلم نفسه في التسعينات جسد الدورين نجم وزوجته يحبهما المتفرج بالقدر نفسه هما الك بولدوين، وزوجته كيم باسنجر.. وكانت النهاية مشابهة تقريبا.إذا عدنا إلي الفيلم الذي أخرجه سميح النقاش، فيمكن مشاهدته من منظور أنه حكاية من حكايات الشطار فأبطال الفيلم شباب يتمتعون بخفة ظل ملحوظة، خاصة توفيق وذكي ولكل منهم مهاراته كما أن كل منهم عاش ظروفا هي التي دفعته لاحتراف الجريمة ، مثلا عندما تخبر شيرين الشاب اللص أن ملامحه تؤكد أنه ابن ناس باعتبار أن الممثل الذي يجسد الشخصية نراه يوميا في النشرة الفنية التي تقدمها قناة روتانا أفلام فإنه يحكي لها عن ماضيه، وسط ثلاثة عشر شقيقا، لا يكادوا يعرفون بعضهم، ويرد عليها أنه ليس أبدا ابن ناس بل هو من أدني الطبقات وإن كان شكله لا يمكن أن يدل علي ذلك.مازلت مصرا أننا أمام شخصيات لألعاب الفيديو، تسقط بسرعة، وتهرب بسرعة، وتقود السيارات وتقع في الحب، وتنفذ العمليات ثم تهرب وبعضها يموت بالسرعة نفسها، مثل سقوط الحراس نوما عندما يأتيها أحد أتباع اللواء السابق بعلبة حلويات يأكلونها، ويغطون في النوم عدا واحد ، لا يحب الحلويات قدر حبه للحوادق.الترقب والصدمةباستثناء مفاجأة النهاية فنحن أمام سيناريو يخلو من الترقب ويخلو أيضا من الصدمة، ولعل هذا ينعكس علي أسلوب أداء بعض الممثلين الذين وجدوا أنفسهم يقومون بأدوار بطولة مشاركة، وأتمني أن يشاهد كل الممثلين الجدد الذين يطمحون في أن يصيروا نجوما مشهد البكاء الاصطناعي علي توفيق حين وفاته إنه بكاء يشجع كل من لا موهبة له أن يشترك في عمل فني كممثل ولم لا؟..تم كل شيء بسهولة في الفيلم ابتداء بكتابة السيناريو ثم الإخراج والتمثيل بما في ذلك عمليات السرقة التي تمت كما هو مدبر لها، دون أي عوائق كل الذي حدث أن اللصوص عملوا مقلبا في اللواء السابق الذي أراد الانتقام من الحكومة.لا شك أن التصوير من أهم عناصر الفيلم وقد استخدم المصور مسألة تقسيم الكادر أكثر من مرة من أجل مشاهدة ما يحدث في نفس الآن، في مكان آخر أو مع شخص مواز وقد بدأت هذه الظاهرة عام 1963، من خلال فيلم «اللغز» لستانلي دونن، وهي ظاهرة مناسبة تماما في عصر تطور تقنيات التصوير وقد تم عمل الكادرات المقسمة بشكل محترف وبسرعة ظاهرة وذلك بدون أن تصيب الأحداث بالملل وقد ساعدت هذه الطريقة من كسر حدة الملل في بعض المشاهد، مثل المشاهد المتتالية لليلة الأولي التي قضاها اللصوص الأربعة في قصر اللواء الأسبق، وخصص لكل منهم غرفة فتوفيق الذي لا يحب أن ينام وحده يدخل في حوار مع كل من رفاقه الذين تعرف عليهم لتوه. كي يجد من ينام إلي جواره وهناك خمسة مشاهد متتالية مملة وأن كان ماجد الكدواني الذي أدي دور توفيق قد نجح بإيفهاته التي يجيدها أن يكسر حدتها.دراما إذاعيةإنها مشاهد أقرب إلي الدراما الإذاعيةليست هذه كتابة ضد الفيلم فلا شك أن الناقد صار يكرر ما يكتبه من فيلم لآخر حول الأجيال الجديدة التي صار عليها أن تجرب الإخراج لأول مرة. فلا شك إننا أمام مخرج تخرج من عائلته العريقة التي تنضح بالثقافة العميقة، وهو الذي تربي في جو ثقافي يحسده عليه كل زملائه الذين عملوا أفلامهم الأولي، سواء أبوه رجاء النقاش، وعمته فريدة والنقاش وأسماء أخري تنتهي بهذا الاسم وأيضا أزواج هذه الأسماء مثل صلاح عيسي وحسين عبدالرازق وآخرين.سميح النقاش لم يتردد أن يقدم فيلمه الأول بهذه الصورة التي رأيناه عليها وسط أزمة حقيقية لإنتاج أفلام حقيقية ولا شك إنه ابن لهذه المرحلة، ولو كان قد ظهر في منتصف الستينات لكان ميلاده اشبه بحسين كمال لكنه أخرج فيلما خفيفاً يبدو ذلك من عنوانه، وموضوعه، وفي رأيي إنه لم يختبر بهذا الفيلم رغم الإيقاع السريع الذي يعكس رؤيته ويا أيها العزيز سميح.. كم أتوق إلي فيلمك القادم.

جريدة القاهرة في

24/03/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)