تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

متقشفة صادقة منبوذة كثيرة العدد والثرثرة... لكنها حية...

السينما التسجيلية في عيون صانعيها

دمشق - ابراهيم حاج عبدي

في الحديث عن السينما التسجيلية يتشعب الكلام ليأخذ مسارات حادة، ومعقدة نابعة من طبيعة هذا النوع السينمائي الإشكالي بامتياز. وصفة «الإشكالي» مبررة في هذا المقام، ذلك ان السينما التسجيلية تسعى الى رصد الواقع بكل همومه ومآزقه وإرهاصاته ونزاعاته وحروبه... بلا رتوش وبلا تزيين وبلا خيال كما الحال في السينما الروائية. السينما التسجيلية، وهذا دأبها، تسلط الكاميرا على أكثر الزوايا عتمة، وقسوة، ولا يعينها في هذا البحث المضني عن مواطن الوجع والقلق سوى صدق صانع هذه السينما مع نفسه،  وصدقه في مقاربة الواقع، فكلما كان حراً وجريئاً ومشاكساً كلما جاء النتاج أكثر إتقاناً ونجاحاً. لا مجال في هذا النوع السينمائي لأي مجاملة أو تزييف، أو تضليل وقد يخضع المخرج التسجيلي لأهوائه ومنظومته الفكرية ومرجعياته، لكن، دوماً، ثمة من يحاكم هذا النوع السينمائي، ويتساءل: هل أثار هذا الفيلم أو ذاك معضلة من نوع خاص، أم إنه مجرد تلفيق، وترويج لتلك الأفكار والطروحات التي يؤمن بها مخرج الفيلم؟

في مجمل الأحوال، فإن مفردات الفيلم التسجيلي، وطبيعته، وأهدافه تتناقض، غالباً، مع ايديولوجية الأنظمة الرسمية، ومع الأفكار المكرسة، والمسلمات المطمئنة. إنه نوع سينمائي «منبوذ»، لكنه مشاغب. مهمش لكنه مؤلم، وراديكالي، ولا يأبه لأنصاف الحلول. من هنا، ربما، يصعب العثور على ممول له، وعلى عرض يليق بدوره، وهو كذلك لا يمنح التسلية المشتهاة لجمهور يبحث عنها في عتمة الصالة، بل انه يحاول إيقاظ الجمهور من كسله، وجعله أكثر وعياً وتبصراً بواقعه المرير. اسئلة كثيرة تدور في الذهن لدى محاولة الدخول في عوالم السينما التسجيلية، وهذه الأسئلة آثرنا ان نضعها امام المعنيين والمخرجين السينمائيين الذين شاركوا في تظاهرة أيام سينما الواقع، الخاصة بالسينما التسجيلية، التي شهدتها دمشق ومدينتا طرطوس وحمص في النصف الأول من الشهر الجاري.

أكثر تأثيراً من الروائي

المخرجة الأميركية الشابة إيما بايبر بوركيت لا تتفق كثيراً مع الرأي القائل بأن السينما التسجيلية مبعدة، وهامشية، فهي تعتقد ان هذه السينما «تتمتع بمكانة هامة ضمن المشهد السينمائي العالمي»، وترى ان اهمية هذه السينما «تنبع من قدرتها على توثيق الواقع بكل انكساراته ونقله الى الشاشة»، وهي تعترف بأن سبب الحضور النسبي لهذه السينما يكمن في انها «تخلق، دائماً، صدمة لدى الجمهور، وتؤثر عليه أضعاف ما تفعله السينما الروائية، فالجمهور حين يرى فيلماً روائياً من الخيال العلمي، فإنه يتأثر لفترة وجيزة، ذلك انه حين يعود الى منزله فإنه يستعرض في ذهنه الكوارث والمحن التي شاهدها، ثم سرعان ما يطمئن نفسه بأن ما رآه هو مجرد خيال علمي، أما في السينما التسجيلية فلا مجال لمثل هذا الهروب، أو الترف، فالمشاهد يجد الواقع القاسي، ويبحث عن مبررات ليقنع نفسه بأن ما يراه لا يمت الى الحقيقة بصلة، بيد انه يخفق في ذلك لأنه يعلم بأن ما رآه هو تفصيل توثيقي من واقع معاش، وهذا ما يسبب له قلقاً معيناً، فتراه لا يكرر تجربة مشاهدة فيلم تسجيلي ينطوي على كل هذا القدر من التساؤلات والمشكلات».

وتقترح بوركيت ان يتم الإعلان عن الفيلم التسجيلي بصورة أقل حدة، لدرجة انها تفضل عدم إخبار المشاهد بأن ما سيعرض له هو فيلم تسجيلي، بل الاكتفاء بما يطرحه الفيلم باختصار، من أفكار ومضامين، وهي تنفي ان يكون هذا الإجراء تضليلاً بل ترى بأن هذه السلاسة في الدعاية للفيلم التسجيلي تجعله قريباً من المشاهد.

المخرج التسجيلي السوري ميّار الرومي يرى بأن «الحدود تكاد ان تزول بين السينما التسجيلية والسينما الروائية»، وهو يعتقد أن التسجيلية بدأت «تحتل مكانة لائقة في مهرجانات دولية، ولعل فوز مايكل مور قبل سنوات على الجائزة الكبرى في مهرجان كان العريق من خلاله فيلمه التسجيلي فهرنهايت 11/9 ما يشير الى تغيير تلك الرؤية النمطية المجحفة بحق السينما التسجيلية».

اين حياة دمشق وحلب؟

وفي العودة الى الوراء، وتحديداً في سورية، يرى صاحب فيلم «السينما الصامتة»، بأن السينما السورية «تفتقر الى أفلام تسجيلية، فليس هناك افلام، مثلاً، توثق طبيعة الحياة في دمشق وحلب في الستينات والسبعينات، وما نراه من افلام قليلة ليست سوى ريبورتاجات تلفزيونية، فحتى بائع الشاورما حين يتحدث امام كاميرا احد المخرجين، نراه وقد لبس هنداماً أنيقاً وجميلاً، ويبدو مرتباً ونظيفاً على خلاف ما يكون عليه بائع الشاورما في الواقع. والحال ان السينما التسجيلية هي نقيض لهذه الترتيبات المسبقة، فهي تنقل الواقع بحذافيره كما يقال»، اما المنحى السياحي، فإنه يشوه هذا الواقع الزاخر بقصص وتفاصيل غنية، ويخفق في عكسه بصدق، وشفافية. وحين يقول لك صديق بأن «سوريا تطورت كثيراً منذ الخمسينات وحتى اللحظة»، فإن السؤال الذي يطرح نفسه عندئذ، هو: «اين هي المادة البصرية التي تدعم مثل هذا الكلام»؟

وينتقد الرومي تلك الأفلام التسجيلية «المؤدلجة»، التي خضعت لرؤية مخرج الفيلم، ولقناعاته السياسية، واصفاً، هنا، المخرج بـ «الديكتاتور»، معتبراً ان السينما التسجيلية السورية، على ندرتها، «طوّعت لأغراض سياسية»، وابتعدت عن وظيفتها. ويرى الرومي، المقيم في باريس، بأن المهرجانات العالمية بدأت تعي أهمية السينما التسجيلية والوثائقية، ومثال ذلك مهرجان (افلام) في مدينة مرسيليا الفرنسية، الذي لا يفرق مطلقاً بين روائي وتسجيلي، بل يتعامل مع النوعين بنفس القدر من الاهتمام والاحترام. ويضيف الرومي بأن المخرج، ذاته، بدأ يتحايل، فالمخرج الكبير بونويل، مثلاً، حين حصل على تمويل لفيلمه «كلب أندلسي»، أخبر اصدقاءه بأنه حصل اخيراً على تمويل لفيلم سيضع فيه كل أفكاره وهمومه السينمائية، هنا نحن إزاء لعبة ذكية من مخرج سيجسد رؤيته بمعزل عن التصنيف: تسجيلي وروائي».
ما يقوله الرومي تؤكده مديرة مهرجان (افلام) في مرسيليا سولانج بوليه التي ترى بأن «الفيلم التسجيلي أخذ، شيئاً فشيئاً، دوره ومكانته، فمن ناحية الكم يفوق عدد الأفلام المنتجة في إطار السينما التسجيلية مثيلتها الروائية، والحدود بين النوعين في طريقها الى التلاشي، فضلاً عن وجود عدد كبير من المهرجانات السينمائية الخاصة بالفيلم التسجيلي. وتضيف بوليه: نحن في مهرجان (أفلام) ننظر الى الأمر من هذه الزاوية، فلا فضل، مطلقاً، للروائي على التسجيلي. نحن نقوم بدعاية عادلة للنوعين، وننظر الى المخرج التسجيلي والروائي بالتقدير نفسه، ونعرض النوعين كليهما في وقت الذروة»، ورداً على سؤال حول أن فيلموغرافيا أشهر المخرجين تشير الى ان السينما التسجيلية كانت بالنسبة إليهم بمثابة بداية للوصول الى السينما الروائية؟ ترد بوليه أن هذا «الكلام صحيح»، لكنها توضح أن «السبب لا يكمن في التفضيل بين هذه السينما أو تلك، وإنما يكمن ببساطة في ان الفيلم التسجيلي غير مكلف غالباً، قياساً الى الروائي، ومن البديهي ان السينمائي المتخرج حديثاً سيصنع عدداً من الأفلام التسجيلية غير المكلفة حتى يحظى باعتراف شركات الإنتاج كي تغامر بأن تمول أفلامه الروائية الطويلة، ولا يعني ذلك ان ثمة فرقاً كبيراً، من ناحية الأفكار والمعالجة بين هذا النوع أو ذاك». وتشير بوليه الى نقطة هامة تتمثل في ان عدداً من المخرجين «راح يجمع بين النوعين في فيلم واحد، بمعنى انهم يضمنون افلامهم الروائية الطويلة بعداً تسجيلياً، وثائقياً ما يشير الى ان الحدود بدأت تختفي بين النوعين».

سينما بلا نجوم

المخرجة التسجيلية الأميركية سالي هايكل تقر بأن «السينما التسجيلية لا تحظى بالتقدير المطلوب، ذلك انها سينما تفتقر الى النجوم اولاً، وثانياً لأن الجمهور يعشق سماع القصص التي توفرها السينما الروائية، في حين ان التسجيلية لا تشبع لديه غريزة الرواية هذه، بل ان قصصها غالباً ما تكون «محبطة وحزينة وواقعية»، وعلى رغم ذلك تقول صاحبة فيلم «ما لا يقال» بأن السينما التسجيلية «ليست كلها مغيبة، فهناك مخرجون تسجيليون  أضحوا نجوماً مثل مايكل مور، لأنه يصوغ عمله السينمائي في شكل يجذب الجمهور الذي يرغب، الى جانب عشقه لسماع القصص المتخيلة، في سماع الحقيقة المرة كذلك، ومع ذلك يصعب جعل القصص القاسية شائعة ورائجة»، وترى هايكل أن جانباً من المشكلة تكمن في «مسألة إدارة هذه الأفلام، وطرق الدعاية لها، فالتسويق التجاري الصحيح، والدعاية المدروسة هامان بالنسبة الى السينما التسجيلية أكثر من الروائية التي تسوق بسهولة على أساس شهرة النجم مثلاً. وتعرب هايكل عن اعتقادها أن التلفزيون وانتشاره الواسع يمكن ان يخدم السينما التسجيلية عبر تمويلها، وعرض نتاجها والترويج لها.

الحياة اللندنية في

20/03/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)