تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

من «حب في الدار البيضاء» إلى «حجاب الحب»...

زمن السينما في المغرب: حين يصنع الفيلم الحدث الثقافي

الدار البيضاء - نور الدين محقق

يلاحظ المتتبع للمجال الثقافي المغربي من دون كبير عناء أن الحدث الثقافي في المغرب، لم تعد تصنعه الكتب الإبداعية أو النقدية بالقوة ذاتها، كما كان الأمر في السابق والى عهد قريب، بل أصبحت تصنعه الأفلام السينمائية المغربية التي تزايدت وتيرة إنتاجها في الآونة الأخيرة سنة وراء أخرى. فهذه الأفلام السينمائية المغربية التي أصبحت تحظى بدعم من المركز السينمائي المغربي كما تحظى باهتمام الجمهور المغربي، بدأت تشكل حدثاً ثقافياً لدى عرضها، خصوصاً من حيث المواضيع التي تطرحها، وهي مواضيع تتناول في الغالب ما كان مسكوتاً عنه في السابق، كما هي الحال مثلاً مع «تيمة» العنف الممارس ضد المرأة ومع التحرش الجنسي بالأطفال ومع الخيانة الزوجية ومع اهتمامات الشباب وتطلعاتهم ومع الهجرة السرية، ومع الحديث عن سنوات الرصاص في السبعينات، ومع ممارسة الجنس خارج منظومة الزواج، وغيرها من المواضيع الأخرى، التي لاقت لدى عرضها تجاوباً كبيراً من الجمهور المغربي وحضوراً لافتاً في الإعلام المغربي المكتوب أو المسموع أو المرئي، سواء باللغة العربية أو اللغة الفرنسية بين مساند لهذه الأطروحات وبين منتقد لها، كل من زاوية نظره.

هكذا بدأنا نجد أن بعض الأفلام السينمائية المغربية التي عالجت من زاوية نظر مخرجيها طبعاً بعض القضايا الاجتماعية وأثارت بمعالجتها لها اختلاف الآراء حولها قد استطاعت أن تخلق نقاشاً ثقافياً وأن تخلف وراءها أصداء. فقد استطاع، منذ مدة طويلة نسبياً، فيلم عبد القادر لقطع «حب في الدار البيضاء» أن يشكل حدثاً ثقافياً لحظة عرضه، خصوصاً وهو يتناول سيرة شابة في مقتبل العمر مع محيطها، وهو فيلم تألقت فيه آنذاك الفنانة منى فتو وهي بعد في أولى انطلاقاتها السينمائية الناجحة. كما وجدنا بعد ذلك أفلاماً سينمائية أخرى أثارت حولها نقاشاً ثقافياً مهماً. هكذا وجدنا أن فيلم «علي زاوا» للمخرج نبيل عيوش مثلاً استطاع أن يحظى بمتابعة كبيرة نظراً إلى معالجته الجريئة لحياة «أطفال الشوارع» وما قد يتعرضون له من حالات اغتصاب، من الذين يكبرونهم سناً. لقد استطاع هذا الفيلم أن يتحول أيضاً إلى حدث ثقافي للمتابعة النقدية والصحافية له سواء على مستوى التيمات التي طرحها أو نوعية المعالجة السينمائية التي قدمها لها.

كما أن فيلم ليلى المراكشي «ماروك» الذي قدمت فيه سيرة لبعض شباب اليوم من الميسورين، وكيف ينظرون إلى واقعهم من زواياهم الخاصة، والى العلاقات التي تربطهم بعضاً ببعض، استطاع هو الآخر أن يصنع الحدث الثقافي خصوصاً بعد الضجة التي أثيرت حوله، بين مؤيد له ومناهض، وأن يحظى بمتابعة كبيرة، وبمتابعة نقدية مهمة أيضاً. وإذا كان هذان الفيلمان مع اختلاف طبعاً بينهما، سواء من حيث الرؤية السينمائية أو من حيث المواضيع المطروحة في كل واحد منهما، استطاعا جعل السينما المغربية تعيش في قلب الحدث الثقافي، فإن الأمر نفسه حدث مع فيلم « سميرة في الضيعة» الذي أخرجه المخرج السينمائي لطيف لحلو، والذي يتناول قضية اجتماعية مسكوتاً عنها وهي مسألة العجز الجنسي الذي قد يصيب بعض الرجال. لكنهم وتحت ضغط التقاليد الاجتماعية يتزوجون، فيظلمون نساءهم معهم. وقد جسد الدور الرئيسي في هذا الفيلم الممثل محمد خويي، الى جانب الفنانة سناء موزيان التي لعبت هنا دور الزوجة. بكثير من البراعة. وقد حظي الفيلم بمجموعة من الجوائز السينمائية كما حظي بمتابعة النقد السينمائي والصحافي، بين متناول له من حيث الكتابة السينمائية والعملية الإخراجية المتميزة لها وبين من اكتفى بالتناول الموضوعاتي له، والذي انصب خصوصاً على قضية العجز الجنسي التي تناولها الفيلم بكثير من الجرأة الفنية.

وقد يمتد الحدث الثقافي في بعده السجالي القوي في بعض الأحيان ليتجاوز حدود البلد، كما حدث بالنسبة الى فيلم نبيل عيوش «كل ما تريده لولا» حين تم استبعاده من مهرجان الإسكندرية السينمائي بعد أن كان مبرمجاً ليعرض في يوم الافتتاح. وقد شهد الفيلم إقبالاً كبيراً لدى عرضه في القاعات السينمائية المغربية، كما استطاع أن يحصل على الجائزة الكبرى في الدورة العاشرة للمهرجان الوطني للفيلم الذي عقد في مدينة طنجة، والفيلم يحكي، كما جاء في الملخص المقدم له، ما يلي: «لولا تقطن نيويورك، شابة مفعمة بالحيوية، تقضي وقتها بين دروس الرقص وتنقلها من عمل إلى آخر من دون فائدة، لجعلها تعيش في حلم حقيقي يحكي لها صديقها قصة اسمهان المصرية، نجمة الرقص الشرقي، فاتخذتها لولا رمزاً لها وقررت بذلك الرحيل إلى القاهرة. أما الطريقة التي عالج بها المخرج نبيل عيوش قصة الفيلم هاته فقد تميزت بالاحترافية وحسن إدارة الممثلين، ما جعل فيلمه يمتلك ناصية الفن السينمائي في قوته وتعبيريته.

وإذا كانت هذه الأفلام في غالبيتها قد استطاعت أن تحقق حضوراً قوياً على مستوى التلقي سواء من حيث عدد المشاهدين أو من حيث عدد المقالات التي كتبت حولها، خصوصاً بعد الاهتمام الموضوعاتي الذي صاحبها والذي غالباً ما يكون سبباً يدفع الجمهور لمشاهدتها ولو لمجرد إرضاء فضوله، ومعرفة القضايا التي تناولتها، فإن الأمر نفسه أيضاً قد حدث مع بعض الأفلام السينمائية المغربية الجديدة التي أنتجت هذه السنة، كما هو الشأن مع كل من فيلم المخرج نور الدين لخماري «كازا نيغرا» وفيلم المخرج عزيز السالمي «حجاب الحب». وقد تناول الأول منهما سيرة شابين في مقتبل العمر يعيشان في بطالة، كل واحد منهما يسعى جاهداً للخروج منها بطريقته الخاصة وإن كانا يشتركان معاً في العيش في فضاء واحد هو فضاء مدينة «الدار البيضاء» بكل تناقضاته.

لكن ما أثير حول الفيلم تمثل خصوصاً في النظرة التي قدمها مخرج الفيلم لهذا الفضاء وفي اللغة التي يتحدث بها شخوصه، وهي لغة رأى البعض أنها جريئة من حيث كثرة توافرها على العبارات النابية على رغم اعترافهم باستعمالها في الواقع المعيش، في حين دافع البعض عنها باعتبارها تنتمي إلى الواقع، وأن عملية استعمالها من شخوص الفيلم والتحدث بها كانت في محلها. وهو ما جعل الفيلم محط اهتمام نقدي وصحافي كبيرين، وجعله يخلق الحدث الثقافي ويكون محوراً له إذ تم تناوله من مختلف الصحف المغربية سواء المكتوبة باللغة العربية أو الأخرى المكتوبة باللغة الفرنسية، كما حظي بمشاهدة كبيرة من الجمهور المغربي وهو يعرض في القاعات السينمائية. على هذا النحو أيضاً أثار الفيلم الآخر «حجاب الحب» ضجة إذ يحكي سيرة امرأة اسمها البتول «تبدو ناجحة في حياتها، فهي تعيش حياة أسرية سعيدة وتتابع كطبيبة مساراً مهنياً واعداً إلى غاية اليوم الذي سيكون لها لقاء بحمزة في أحد المطاعم بمناسبة سهرة نسائية» كما يقول ملخص الفيلم. وقد تناول الفيلم من خلال هذه القصة مسألة العلاقة الغرامية خارج إطار الزواج الرسمي، ومسألة الحجاب، في إطار اجتماعي حاول من خلاله أن يقدم قصة تسير في إطار يعتمد على التنامي المرتبط بظروف الشخصيات الحاضرة فيها، خصوصاً بالنسبة إلى البطلة البتول والتحولات الاجتماعية والنفسية المرتبطة بها.

هكذا يبدو أن السينما المغربية أصبحت تشكل الحدث الثقافي، وتصبح محوراً له، على رغم أن الحدث هنا يظل مرتبطاً أساساً بنوعية المواضيع التي يتناولها وبالجرأة الفنية في طرحها، ولا ينصّب في الغالب، إلا من بعض النقاد السينمائيين، على الطريقة الفنية التي تعالج بها هذه المواضيع ومدى حضور المعالجة السينمائية الناجحة فيها.

الحياة اللندنية

13/02/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)