تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

مهرجان «الفن الآن» الدولي الأول للفيديو آرت في دمشق...

فنانون عرب وعالميون في «منحنيات الأرض العذراء»

دمشق - فجر يعقوب

هو فن تكاد تلتبس فيه الأشياء بمجملها كما يعرّفه القائمون عليه في العاصمة السورية، لأنه يقصد المنحنيات غير الطبيعية في اللغة، وفي الضوء، وفي الصورة نفسها التي تنشأ عن معالجتها بحساسية جديدة وغير معهودة من قبل. فن «الفيديو آرت» كما يعرفه متعاونون آخرون مع المبادرة السورية (مثل مارك مرسييه أحد منظمي مهرجان اللحظات للفنون الرقمية والشعرية الذي عقد في كانون الثاني (يناير) 2008 في فرنسا) فن هجين، فهو التلفزيون، الرسم، السينما، الكهرباء، النحت، الحركة، الإلكترون، الشعر. وبهذا المعنى، فإن الفيديو يحق له من الآن فصاعداً أن يغزو الأرض، وكأنه يقدّم للتو من كوكب آخر على «أيدي بشريين مثلنا» يعيشون بيننا ببداهة، لا ليكون مجرد أداة لصنع الفن، بل ليكون طريقة تفكير جديدة في عيش العالم من حولنا وكأن ذلك يحدث للمرة الأولى. بعناوين شعرية لافتة في رموزها، ومنحنيات في اللغة منفرجة، وإن بدت ضيقة ومقتصرة على «مفردات رقمية» كما يحب أصحابها أن يسموها انطلق في دمشق مهرجان الفن الآن الدولي الأول للفيديو آرت (3 - 14 شباط (فبراير) 2009) ليشكل المحاولة الأولى والنوعية في هذا الاتجاه «بغية تطويرها في بعض دول حوض البحر الأبيض المتوسط مثل سورية ولبنان وفلسطين ومصر والمغرب». وسواء تقبلنا هذا الشعر الإلكتروني الذي ينتج من أعمال هؤلاء «الشعراء الجدد» أولاً، فإن ثمة ما يثير الإعجاب في طريقة التحدي التي يفرضها هؤلاء في تنفيذ الفروض الفنية والتعبير عن منحنيات في النظرة غير مألوفة بعد «لأناس مشغولين بالعيش على هذا الكوكب، أناس مشغولين بذكاء جمعي» على ما تذهب الفنانة أ.ستريد في مقطع نثري لها بعنوان «المتوسط على وشك نثر نظراتنا».

هذا الذكاء الجمعي بالطبع لا يقوم على شرح تاريخ الفن المعاصر، فهذه ليست من سماته التي يقوم عليها كما يوضح ذلك فريق عمل الفن الآن المؤلف من عبير البخاري، ونسرين البخاري ومحمد علي وطارق الحاج يعقوب، فالآن هناك مجموعة فنية نشأت في سورية حديثاً وقد أخذت على عاتقها مهمة دعم الفنانين الشباب الراغبين في الدخول إلى عالم التجربة الإنسانية الحقيقية حيث «سيتم تقديم كل الإمكانات المتاحة من أجل حرية التعبير الفني المعاصر الذي يطلق مفاهيم التعاون الاجتماعي كوسيلة في كسر القيود والحواجز التي قد تنشأ بسبب العزلة».

يقدر فريق العمل السوري أن الممارسة الفنية والوسائط المتطورة التي ستكون بين أيدي الشباب لن تتعدى اللغة الجديدة التي يسعون إليها مع احترام قواعد اللباقة الأدبية التي تمتع بها جيل «من سبقنا من الفنانين الأوائل في سورية».

ولادة

ولد فن الفيديو آرت في مطلع ستينات القرن الماضي، وقد أسسه الكوري نام جون بايك، والألماني فولف فوستيك، وكلاهما عضو في حركة الرواد (الفلوكسس والطليعة)، وقد كان الأول يردد على الدوام انه يتعين على نشطاء الفلوكسس المضي بثقة إلى الأرض العذراء، ومن دون خوف أو وجل، لذا يقرر القائمون على هذه «الحركات» أن الفن هنا إنما يسعى إلى تحطيم الحدود التي تفصله عن الحياة بغية التقدم في هذه الأرض التي يرون أنها لم تكتشف من قبل.

كانت هذه الحركات حكراً على الدول المتطورة اقتصادياً واجتماعياً باعتبار أنها هي من يملك المتاحف وصالات العرض الضخمة، ومهرجانات للفنون الرقمية من كل نوع، ولكن الآن، ومع «الغزو الفيديوي» للأرض، فقد تغير الوضع كثيراً، ففي كل الأماكن، في العالم الممتد من أميركا الجنوبية، مروراً بالعالم العربي، وشمالي أفريقيا، وجنوب آسيا، وحتى أوروبا الشرقية سابقاً، يقوم فنانون مجهولون بالتنعم بإمكانات هذا «الوحش الجميل» في سبيل ابتكار لغات جديدة في التعبير تتناسب مع قيم العصر وقيم الثورات الاجتماعية والرقمية الضخمة التي تتشكل منها حالياً الكرة الأرضية التي نقيم عليها بوفرة ذكاء لم نعهده من قبل.

عبير ونسرين البخاري شقيقتان سوريتان، الأولى تبرع بعملها الإداري كما تقدم نفسها، والثانية فنانة أنهت دراستها في كلية الفنون الجميلة - قسم النحت، أدركتا منذ ثلاث سنوات صعوبة التقدم نحو «هذه الأرض العذراء، والفلاحة فيها باعتبار أننا في قرية كونية تستوجب مثل هذه المفردات من الشباب السوريين» وكان أن فكرتا بعمل مسير جماعي نحو هذه الأرض الصعبة بعد مشاركة في معرض فني تشكيلي في اسطنبول في أواخر عام 2005، وهذه المشاركة كما تقول عبير شكلت «المحاولة الأولى للخروج نحو العوالم الأخرى المهيبة، خصوصاً أن دولاً عربية أخرى مثل لبنان والمغرب وفلسطين بدأت العمل من خلال وسائط الفيديو آرت، والتجهيز في الفراغ». فيما بدت سورية للوهلة الأولى وكأنها بعيدة من هذه التجمعات التعبيرية الجديدة. هل كانت بعيدة من الأرض العذراء «الموعودة» ؟ لا... ليس الأمر كذلك، تجيب عبير «ولكن ثمة تأخراً»، لأن الالتحاق بالركب «الفيديوي» كان سيأتي لا محالة، فنحن لسنا معزولين عن بقية العالم، ولهذا فإن التعريف السوري المحض للفيديو آرت كما تقول البخاري هو «الاستخدام الذكي لوسائط الميديا المختلفة للتعبير عن العالم من دون غش أو اختراع لباقات بصرية مزيفة».

وليس الأمر تبسيطاً لمجموعة فنون متداخلة، بل تقديم حر لمشاعر إنسانية قد يبدو عليها الانقسام والتشظي للوهلة الأولى، وهي قصيدة متناغمة في اللون واللغة والمنحنيات التي تتشكل منها، وما على من يريد التنعم بها سوى تسلق ذراها ليكتشف أن هناك ما هو أبعد من هذا التفكك الذي يميز عالمنا المعاصر. وتقول عبير إن عمل كاتالوغ عن هذه الذرى الفيديوية شكّل مادة أخرى بحد ذاتها، ليقوم كل فنان بالحديث عن نفسه وعن عالمه من دون تزويق ومجاملة. أما التمويل الذي يبدو ضرورياً هنا لدراسة هذه الأرض البكر «المستحيلة»، فـ «ليس مسألة سهلة في سورية، شأنها شأن الكثير من البلدان، ولكن الفيديو آرت لا يتطلب نفقات كبيرة، فالفنان يمكنه أن ينفذ فكرته بكاميرا رقمية صغيرة وجهاز كومبيوتر، ولهذا فالموضوع قائم برمته على الموازنات المنخفضة، خصوصاً أن المراكز الثقافية الموجودة في سورية قدمت الأمكنة التي تحتاجها عروضنا، فيما قدمت محافظة دمشق والمركز الثقافي البريطاني التغطيات الأخرى لانطلاقة المهرجان. أما عن المعيار الذي يتم فيه اختيار الأعمال المشاركة، فتقول عبير البخاري: «عندما بدأنا بالمراسلات مع المهرجانات منذ عامين تفاجأنا بأنهم ينتظرون بلهفة أن يشاهدوا أعمالاً من سورية، ونحن لا يمكننا أن نحكم إلا على جودة وطزاجة الفكرة المقدمة الينا، وأن نظل في مجرى العمل لنتعرف أكثر على مجاهل هذه الأرض التي نطأها بأقدامنا ورؤانا للمرة الأولى، فليس معقولاً مثلاً أن يقوموا في غزة وبيت لحم بتقديم أعمال فنية وهم تحت القصف والحصار والدمار، ونحن لا نستطيع أن نقدم شيئاً، وليس مهماً بعد الآن - تضيف عبير - أن نتحدث عن مستقبل ينتظر هذه الأعمال، فهذه حركات أخذت تتجذر من حولنا، وهناك مهرجانات كثيرة لها في بقاع كثيرة من العالم، وطالما الثورة التقنية تتقدم، فإن هذه الأعمال ستتقدم معها من دون شك، والمعايير تظل تفرضها سرعة هذه الثورة الإلكترونية الرقمية المذهلة».

وتضيف منظمة المهرجان البخاري انها في يوم الافتتاح في صالة الكندي في دمشق آثرت مع زملائها أن تقدم أعمالاً لفنانين فلسطينيين تمكنوا من صنع أعمالهم في ظروف قاهرة «ليكونوا بمثابة درس للجميع». ولا تخشى البخاري من فكرة استخدام الكاميرا الرقمية من «الجميع، فالفيديو آرت فكرة راقية ونبيلة وتحتاج إلى خلفيات ثقافية ودراية، والشيء الوحيد الذي يقلق هو استسهال الفكرة فقط»، ولكن المهرجان الأول الذي شارك فيه 125 فناناً من 41 بلداً، يؤكد أن الدخول في منحنيات اللغة والضوء والفكرة يحتاج إلى الكثير من المؤهلات والمعرفة بوسائط الميديا الحديثة.

الحياة اللندنية

13/02/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)