تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

'ورشة سيناريو' لغابرييل غارسيا ماركيز إلى العربية بترجمة صالح علماني

ناظم السيد/ بيروت

كتاب آخر يضيفه صالح علماني إلى رصيد ترجماته لغابرييل غارسيا ماركيز هو 'ورشة سيناريو' (دار المدى). الكتاب الذي يبلغ 584 صفحة من الحجم الوسط، يتألف من ثلاثة أقسام كبرى: 'كيف تُحكى حكاية'، 'نزوة القص المباركة' و'بائعة الأحلام'. وهو- أي الكتاب- عبارة عن ورشة عمل لكتّاب سيناريو ومخرجين وممثلين وأكاديميين وعاملي مونتاج وروائيين وقاصين ونقّاد وسوى ذلك من المهن والأعمال التي يستلزمها التلفزيون والسينما. أما مناسبة هذه الورشة فهي الطلب إلى ماركيز كتابة 13 قصة للتلفزيون تدور أحداثها في أميركا اللاتينية، وقد كان الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب يدير ورشة للسيناريو في مكسيكو، فقرر أن ينجز هذه القصص بعد تأسيس مؤسسة إنتاجية لهذا العمل، والتبرع بعائداته إلى مدرسة سان أنطونيو دي لوس بانيوس الدولية للسينما والتلفزيون حيث يدير ورشة سيناريو كل سنة.

هذا هو كتاب 'ورشة سيناريو' من الخارج. لكن القراءة تقدّم صورة مختلفة عن هذا الخارج. الفرق بين تقديم الكتاب من الخارج وقراءته تماماً كالفرق بين اقتراح قصة وتحويلها إلى سيناريو. اقتراح قصة عمل سهل لكن كتابة هذه القصة بلغة الصورة مسألة تحتاج إلى خبرة ودربة وموهبة. في هذا الكتاب نرى- إذاً- كيف تتحول فكرة القصة إلى قصة، وكيف تصير القصة سيناريو. نستطيع التمييز ما بين القصة القابلة للتطوير والقصة التي يمكن الذهاب بها أبعد مما تبديه لحظتها الأولى. يمكننا أن نرى تحولات القصة نفسها، تقدّمها إلى الأمام وتقهقرها إلى الوراء، انحرافها عن مسارها وتشعبها ثم لملمة أجزائها، تحديد زمانها ومكانها، رسم شخصياتها وشبك علاقات طبيعية بين هذه الشخصيات، اختراع أصوات لهذه الشخصيات. يكشف هذا الكتاب عن ورشة فعلية، عن مهنة تحتاج إلى شروط كأي مهنة أخرى. إنه كتاب/ ورشة حول الإبداع. سؤال في الإبداع. والإبداع هنا يعني العمل المتواصل والجهد وعدم الاستسلام والمشاركة. جهد يمكن تلخيصه بهذه العبارة التي ترد على لسان ماركيز نفسه: 'إذا ما داهمني الإلهام فسيجدني غارقاً في الكتابة'.

يكشف 'ورشة سيناريو' عن الفرق ما بين القصة والسيناريو. 'القصة تُولد ولا تُصنع' بحسب ماركيز. أما السيناريو فيمكن أن يكون صناعة تحتاج إلى الموهبة بقدر احتياجها إلى التعلم والتمرّس. القصة عمل فردي، لكن السيناريو المشغول في ورشة عمل جماعي. صحيح أن هناك شخصاً واحداً يطرح فكرة، وأن فرداً واحداً يقوم بكتابة السيناريو، لكن النقاش الحقيقي يجري بين أفراد الورشة مجتمعين قبل كتابة النص. ثم إن القصة عمل حر أكثر من السيناريو. في القصة يمكن أن يكتب القاص ما يريد دون أن يجاري أحداً في هذه الكتابة. السيناريو يتطلب التفكير في مصطلحات الصورة والبنى الدرامية والمشاهد والمناظر. القاص يمكنه أن يكتب في عزلة البيت أو أي عزلة كانت من غير أن يضطر إلى تقبل آراء من حوله، في حين أن السيناريست 'منذ أن يبدأ بالكتابة، يعرف أن القصة، عندما تنتهي، وخصوصاً بعد أن تُصوّر، لا تعود له'. السيناريو عمل إبداعي لكنه عمل تابع.

إنه محكوم منذ البداية بشروط صناعة الدراما التلفزيونية أو السينما أو المسرح. لهذا يقدّم 'ورشة سيناريو' صورة مفصّلة عن مراحل تطور السيناريو من خلال توثيق النقاشات التي شهدها كل سيناريو قصة، لدرجة أن القارئ يشعر أنه جزء من هذه الورشة وأنه يمكن أن يساهم في تقديم الاقتراحات والحلول حين تنغلق المخارج أمام أعضاء الورشة.

'ورشة سيناريو' ليس درساً في الديمقراطية بين أعضاء ورشة للسيناريو فحسب، وإنما هو درس في الديمقراطية ما بين أعضاء الورشة ومخيلة القارئ الذي يمكنه من طرفه أن يساهم في صوغ كل قصة يراها تولد أمامه من عشرات الاقتراحات في تقدّم وتراجع وانحراف والتواء ومراوحة ونفاذ.

يكشف 'ورشة سيناريو' ما هو أهم من كيفية كتابة السيناريو في رأيي. إنه يكشف جانباً آخر عن ماركيز، جانباً لا يمكن أن نلحظه في قراءاتنا رواياته. هنا ماركيز رجل يفكر بصوت عالٍ، يتردد، يقترح، يجزم، يبدي رأياً، يتراجع عن رأي آخر، يخطئ، يصيب، يتلفظ بجمل سحرية، يظهر ثقافة أدبية عالية. نحن أمام ماركيز الحقيقي الذي يضيء ماركيز الأدبي، ماركيز المتخيل. في 'ورشة سيناريو' يظهر التكوين الشخصي لماركيز: كيف يتكلم؟ كيف يفكر؟ كيف يبني جملته؟ كيف يتفاعل مع الآخرين؟ ما هي نظرته إلى الحب والجنس والسياسة؟ ما الروايات التي كتبها آخرون وتثير إعجابه؟ ما الأفلام التي شاهدها؟ ماذا أخذ عن أمه من فن القص رغم أنها امرأة عادية جداً؟ من هم أصدقاؤه؟ أي المدن التي عاش فيها وأيها ترك الأثر الأبلغ فيه؟ كيف ينظر إلى المدن التي عاش فيها والثقافات التي خالطها؟ يكشف الكتاب ميل صاحب 'مئة عام من العزلة' للدعابة وسرعة صوغ العبارة لديه في رده على سؤال أو فكرة ما، مثلما يظهر عدم ميله إلى لعب دور الأستاذ هو الذي يملك ما يملك من الخبرة والشهرة والمجد. يقدّم الكتاب مثل هذه الصورة الجانبية لماركيز بوصفه البطل الأول لهذه الورشة المكوّنة من أبطال آخرين واقعيين لكنهم ينتجون أعمالاً متخيلة.

القدس العربي

12/02/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)