تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

ناقد: السينما المغربية تعاني من هجرة الخيال

حسن الأشرف

"جل صناع السينما بالمغرب يطمحون إلى استجداء صناديق الدعم الفرنسية"، هذا ما قاله محمد أشويكة، الناقد والسيناريست  السينمائي المغربي، مضيفا أن كل سينمائي مقيم بالخارج أصبح يعود إلى المغرب في هجرة معكوسة بهدف إنجاز فيلم.

وحدد أشويكة في حوار خص به شبكة إسلام أون لاين حول السينما المغربية وواقعها  المفاتيح الأولى التي تمكنها من ولوج مجال الاحتراف السليم، مبرزا أن الجمهور المغربي  لا يذهب إلى السينما كحاجة،  نظرا لعدم تجذر عادة الاستهلاك السينمائي في الأُسَرِ والعائلات، وضعف القدرة الشرائية واستشراء القرصنة.

وأوضح الناقد السينمائي بأن السينما بالمغرب تعاني من مشكلتين: مواجهة الهيمنة اللغوية الغربية، ومواجهة اللهجات العربية أيضا، منتقدا الدول العربية التي ترى في المغرب مجرد سوق استهلاكية ولا تريد أن تقوم ولو بمجهود بسيط لاستهلاك منتوجه منتجه السينمائي.

وتحدث أشويكة عن موجة أفلام تحاول مقاربة ما سمي بسنوات "الرصاص" في المغرب التي تعني فترة هيمنت فيها الاعتقالات السياسية خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كما عرج الحوار على التفصيل في مواضيع من قبيل سينما "الجرأة" والنقد السينمائي بالمغرب وتقدمه مقارنة مع واقع السينما المغربية.

·     صدر لك أخيرًا كتاب "السينما المغربية: أطروحات وتجارب"، تناولت فيه الكثير من القضايا والإشكالات المتعلقة بالسينما المغربية.. هل يمكنك رسم صورة للقارئ العربي عن واقع السينما المغربية حاليا؟

- من الصعب الإلمام بكل تفاصيل السينما المغربية في المرحلة الراهنة؛ وذلك لأسباب متعددة، أشير إلى جزء منها من خلال الرهانات التالية باعتبارها تشكل تحديا للخروج من بعض المشاكل الحالية:

ـ الرهان الأول: العمل على خلق سينما مغربية وطنية عوض ممارسة السينما في المغرب عن طريق تقنين كل الطرق التي تصلها بما هو خارجي: إنتاج كلي أو مشترك، مشاكل الجنسية المزدوجة؛ فهناك من المخرجين "المغاربة" المقيمين بالخارج الذين لا يعودون إلى المغرب إلا من أجل الدعم.

ـ والرهان الثاني: إيجاد صيغة للتوفيق بين مشكلة الكم والكيف، والانتصار للجودة على حساب الكم.

ـ والرهان الثالث: إنشاء علاقة شفافة من طرف المؤسسة الوصية على القطاع وبين مختلف الفاعلين فيه، مع ضمان حرية الرأي والنقد والإبداع، وضمان التعددية الفكرية والإيديولوجية، وحماية الاختلاف.

ـ والرهان الرابع: مواجهة التراجع الحاصل في عدد القاعات السينمائية عن طريق العمل على بلورة خطة تجعل كل الأمكنة الثقافية فضاءات للفرجة السينمائية من قبيل دور الثقافة، ودور الشباب...، والرهان على التقرب من الأماكن الشعبية بدلا من إبعاد القاعات عن المدن فيما يشبه المركبات؛ لأن ذلك يراهن على فرجة انتقائية في حين أن القاعات السينمائية يجب أن تكون مغروسة في عمق الأحياء المأهولة بالسكان.. والتفكير في إعادة إحياء شبكة الأندية السينمائية ودعمها.

ـ والرهان الخامس: الحد من التطفل على المجال، فلا يعقل أن نجد أميين في صفوف "المهنيين" و"الفنانين" و"التقنيين"؛ لأن أساس الإبداع معرفي والسينما خطاب مُوَجَّهٌ ومُوَجِّهٌ!

ـ الرهان السادس: جعل التكوين المدخل الأساسي للممارسة السينمائية، وجعل التربية السمعية البصرية في عمق إستراتيجيات الوعي اليوم؛ لأن ذلك من شأنه الحد من القرصنة.. وذلك عن طريق تدريس مادة السمعي البصري في مستويات الإعدادي والثانوي وإحياء شبكة الأندية السينمائية العامة وداخل المؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها.

وأعتبر أن هذه الرهانات هي بمثابة المفاتيح الأولى التي يمكن للسينما المغربية أن تلج عبرها مجال الاحتراف السليم؛ وذلك عن طريق إشراك كل الفاعلين دون انتقاء يتأسس على التوجيه والتحكم في اللعبة السينمائية بطريقة قبلية "عن بُعْد"، لاسيما وأن ديناميكية السينما التي نتحدث عنها اليوم لا يمكن أن يخلقها إلا جسد سليم تتناغم كل أعضائه من أجل خلق الحركة.

·         هل يمكن الحديث عن صناعة للسينما في المغرب؟ أم  ليس بعد؟ وما الذي يحتاجه المغرب لبلوغ هذه الغاية؟

- أعتبر أن السينما المغربية جديدة من الناحية الفنية باعتبارها تعكس في غالبيتها الرؤية الذاتية لكتابها ومخرجيها مما يجعلها تجريبية أكثر مما هي تؤسس لمدرسة فنية أو تيارات سينمائية مستقلة وجديدة من الناحية التاريخية؛ لأن عمرها لا يتجاوز ستة عقود على أبعد تقدير، هذا لا يمثل إلا عمر فرد حسب معدل الحياة في المغرب! فسواء بدأت السينما المغربية بفيلم المخرج محمد عصفور "الابن العاق"، أو بفيلم "الحياة كفاح" للمخرجين محمد التازي بن عبد الواحد وأحمد المسناوي.. المهم: ماذا حققت؟ وإلى أين تسير؟ وما موقع الوطن فيها؟ وما هي عائداتها؟ وما هو إشعاعها في محيطها القريب والبعيد؟

أعتقد أن المنتج إذا لم يستهلك يفسد.. والسينما كمنتج يجب أن تخرج عن طور الاستهلاك النخبوي والمُنَاسَبَاتِي؛ وأقصد استهلاك النقاد والمهتمين الذين يجد الكثير منهم صعوبات جمة في الحصول عليها، خاصة ممن لم يستطع متابعتها عبر المهرجانات والملتقيات!.

فما دامت السينما مدعومة، واستهلاكها محدودا، وإشعاعها بين المغاربة ضئيلا، والتلفزيون لا يبثها إلا لماما، والمهنيون المحترفون يمرون من فترات ركود وأزمات.. فنحن لم نصل بعد إلى مستوى الصناعة بمعناها المتكامل.. الذي يتأسس على دورة متكاملة من توفير بعض المواد الأولية محليا، وتحقيق البنيات التحتية اللازمة، هذا مع الإشارة إلى التطور الذي شهده مختبر المركز السينمائي المغربي، وتوفير الموارد البشرية المؤهلة تقنيا وإداريا، وتحديد قانون للرواتب بالنسبة للمهنيين، ووضع قانون إطار لذلك؛ كي لا يبقى الأمر متروكا للتخمين والفوضى، وخلق وتنمية السوق المحلية، ثم خلق منظومة للترويج والاستهلاك محليا وإقليميا ودوليا...

وواقع الحال يشير إلى أن السينما المغربية لا تستطيع أن تكون دون دعم الدولة، كما أن كل الجهود تسير في اتجاه تنمية ذلك الدعم دون البحث عن آفاق أخرى لانخراط القطاع الخاص والمشهورين إلى المساهمة في الاستثمار في السينما ما دام أن مكسب الدعم قد تحقق ولا بد أن يستمر!

السائد

·         هل توافق على الطرح الذي يتحدث عن "تصالح" بين السينما المغربية وجمهورها؟

- لم يكن الجمهور في خصام مع السينما المغربية، وإنما الأمر يتعلق بحالة عزوف وموقف تلقائي صريح من قيمة وجودة المنتوج الذي يقدم له؛ فلا نعرف بالضبط ماذا يريد الجمهور، وذلك في ظل عدم إجراء بحوث سوسيولوجية ميدانية واستطلاعات وإحصاءات تختبر رغباته وميولاته، وبالتالي يَرْسُمُ على ضوئها المخططون للشأن السينمائي في البلاد مستقبل الفرجة السينمائية، فتكون اجتهاداتهم مقنعة وذات مصداقية.

وأرى من خلال تتبعي للفرجة السينمائية بالمغرب عبر ارتياد مختلف القاعات السينمائية والمظاهرات والمهرجانات التي تقام بالبلاد أن المتفرج المغربي العادي لا يذهب إلى السينما كحاجة، وإنما يذهب إليها مدفوعا من طرف جهة ما (صديق أو صدفة أو...)؛ نظرا لعدم تجذر عادة الاستهلاك السينمائي في الأُسَرِ والعائلات، وضعف القدرة الشرائية، واستشراء القرصنة.. الأمر الذي يجعل هذه الفرجة قطيعية (يقصد أشويكة نسبة إلى القطيع)؛ أي  فرجة يتحكم فيها السائد عوض الحاجة.

وعموما، نجد أنفسنا أمام خطابين حول الجمهور:

ـ خطاب نخبوي: يريد توجيه الجمهور نحو سينما معينة: سينما يقظة، سينما المؤلف، سينما الرؤية الخاصة، سينما "مثقفة"...

ـ وخطاب شعبوي: يريد أن يقدم للغالبية الشعبية ما تريد ولو كان وراء تلك "الخلطة الفيلمية" أميون! وبالتالي فهو مستعد لإقصاء المهنية واللجوء إلى "البريكولاج السينمائي".. للأسف نلاحظ أن هذه السينما هي التي تنجح ماديا في المغرب، والسبب يعود إلى ما هو تربوي، حيث أخفقنا في تكوين مواطن يعرف قيمة الحسن والجميل والممتع، وهذه مصيبة أخرى تضاف إلى إخفاق المنظومة التربوية ككل!.. مع العلم أن ديمقراطية الفرجة لازمة شريطة أن يقوم بها المهنيون كاختيار وعن وعي.

التابوهات

·         كيف تفسر موجة الأفلام التي تقترب مما يعرف بالتابوهات؟ وهل تجد لها سياقا اجتماعيا (سوسيولوجيا) معينا في المغرب؟

- بخصوص السينما التي تناولت سنوات الرصاص في المغرب، أشرت في كتابي الأخير "السينما المغربية: أطروحات وتجارب" إلى أن الأمر لم يصل إلى العمق، بل قارب المسألة من خلال الظاهر؛ وهذا ما جعلها تؤرخ لتلك المرحلة بقلم الرصاص: يكمن إحدى أهم مشاكل الإبداع في السينما المغربية في الرقابة الذاتية المنغرسة في عقول صناعها.. وأظن أن اعتقال الأجساد أرحم من اعتقال العقول!

ونلاحظ أن ملامسة ذلك لم يستمر، وكأن الأمر مجرد موضة! فهل انتهينا بالفعل من تلك الحقبة أم أن هناك أياديَ خفية تتحكم في الأفق الإبداعي للسينما المغربية، ولا تريد أن يكون دعمها غير مشروط؟! أم أن الأمر مجرد "اجتهاد" تفتقت به ذهنية قراصنة الدعم كي تجتهد في توسيع دائرة السينما الإيديولوجية التي تناقش قضايا لا نستطيع حتى أن نموقعها ضمن مقولتي "الفن من أجل الفن"، ولا "الفن من أجل المجتمع"، وإنما نعتبرها سينما الدعم بكل بساطة: سينما يجتهد أصحابها في الدفاع عنها ولو بلغ بهم الأمر حد القطيعة مع الناس..

أما بالنسبة للجنس والشذوذ.. فلا أتفق مع المجانية الفجة، وأقبل ما يمكن أن يكون ضروريا وتربويا وفنيا.. وأتذكر هنا بأن القُبل الحارة والعناقات والآهات في الأفلام المصرية بالأبيض والأسود وفي الأفلام الأجنبية تمر مرورا عاديا داخل الأسرة؛ لأن الإطار الذي توضع فيه يهيئ نفسيا وفنيا.

أفلام أخرى تجاوزت حسب بعض النقاد والمتابعين حدود الجرأة المعقولة، وزادت من "الجرعة" قليلا لتسيء إلى الإسلام، أو كما قال ناقد سينمائي مغربي عن أحد الأفلام، وهو فليم "ماروك" إنه "يخدم أهدافا صهيونية، ويجعل من الشخصية اليهودية القوة المتميزة القادرة على الوصول إلى أي مكان تريد، فهو يظهر شخصيات إسلامية جامدة ومنافقة، ويظهر البطل اليهودي بشكل إيجابي".

·     برأيك كناقد وفاعل سينمائي، هل بهذه النوعية من الأفلام يمكن الوصول إلى "عالمية" السينما المغربية؟ أم أن الأمر لا يعدو أنها أفلام ممولة من جهات غربية؛ وبالتالي يجب تقديم تنازلات ما على مستوى الشكل والمضمون؟

- شخصيا، لست مع الفن أو الفكر أو الإبداع .. الذي يتأسس على وجهة نظر واحدة ووحيدة.. مهما كان أساسه، وعليه، أجدني أقرب إلى السينما ذات الرؤية المنفتحة والمتعددة وغير الدوغمائية.. وبالتالي ضد أي سينما هدفها العنصرية أو التطرف أو الإقصاء كيفما كان نوعه أو شكله، فأنا أميل إلى السينما التي تخدم الإنسان وتبرز خصوصيته دون اعتبارها الأفضل؛ ولذلك أجدني في صف المدافعين عن دعم السينما التي تحاول إظهار خصوصية الشخصية المغربية، والتي تبتعد عن الرؤية الإيديولوجية التي تشوه الهوية المغربية وتقدمها ككل متجانس منغلق؛ فهناك ثقافة مغربية تتأسس على مكونات تاريخية ودينية وفكرية وسياسية وفنية ولغوية.. أساسها الغنى والتعدد والتفاعل الخلاق.

إن أنجع طريقة لمواجهة كل ما يعتبره البعض "إساءة" هو الانخراط في اللعبة السينمائية، والمرور عبر القنوات المهنية والقانونية لمواجهة "الإساءة المفترضة" عن طريق العمل الفني والسينمائي، وتصحيح الرؤية من الداخل وعبر السينما والفن لا عبر الاحتجاج المُبَخِسِِِ والذي قد يصل إلى درجة العنف الذي يعطل العقل والتفكير.. ومن الصعب جدا أن نحاسب "الفيلم" بمنطق الواقع؛ لأن جوهره يتأسس على الخيال: الحل هو صناعة خيال مضاد لمن أراد أن يواجه الأمر بالفعل.

أما العالمية فلا يمكن وُلُوجُها إلا انطلاقا من الاشتغال على الخصوصية الثقافية المحلية ما دامت المضامين تكاد تكون واحدة والأشكال هي التي تختلف من الناحية الأنثروبولوجية؛  ويمكن أن نستدل بتجارب بعض الأقطار كإيران باعتبارها تجربة سينمائية وطنية تقدم نموذجا فنيا متكاملا في ظل ولاية الفقيه، وتجارب بعض دول أمريكا اللاتينية كالسينما الجديدة في البرازيل.. أو بتجارب بعض الأشخاص كتجربة يوسف شاهين مهما اختلفنا معها... إن التأصيل لتجارب مماثلة من شأنه أن يقودنا إلى العالمية: أي جعل المنتوج السينمائي المحلي  يحظى باهتمام العالم.

ساعة واحدة!!

·     كثيرون يعتبرون أن اللهجة المغربية المحلية تعتبر عائقا حاسما في عدم رواج الأفلام المغربية السينمائية في بلاد المشرق العربي بسبب صعوبتها، وعدم استيعاب المشاهد العربي لها.. هل تؤيد هذه الطرح؟ ولماذا؟

- واجهني غضب عارم خلال إلقاء مداخلتي أثناء ندوة حول السينما العربية، انعقدت بمهرجان السينما العربية في الصيف الماضي بمدينة وهران بالجزائر، وذلك من طرف بعض الأشقاء في مصر وخصوصا الممثل القدير محمود ياسين.. والسبب يعود إلى أنني قلت بأننا في المغرب نعاني من مشكلتين:

ـ مشكلة مواجهة الهيمنة اللغوية الغربية.

ـ مشكلة مواجهة اللهجات العربية.

فالكل يرى في المغرب مجرد سوق استهلاكية، ولا يريد أن يقوم ولو بمجهود بسيط لاستهلاك منتوجه: ماذا لو تنازل أشقاؤنا في المشرق والخليج العربيين واستهلكوا ولو لساعة واحدة في اليوم؛ ولو في وقت متأخر من الليل حتى لا نقول في لحظات ذروة المشاهدة!؛ واكتشفوا من خلال تلفزيوناتهم صورتنا المحلية، واستمعوا إلى لهجاتنا.. إن المشكل اقتصادي وأيديولوجي في نظري.. وما يزيد غصة في النفس، استمرار التلفزيون المغربي بقناتيه في اقتناء وتمرير الإنتاجات الأجنبية بل يفرضها فرضا على المشاهد.

إن اقتصادا غير متوازن كهذا يفرض على المسئولين في المغرب الدخول في نظام "الحصة"، لكنهم لم يستطيعوا القيام بذلك؛ لأنهم لا يملكون إستراتيجية حقيقية للنهوض بالقطاع، وهذا ما يجعل التلفزيون بالفعل غير وطني؛ لأن من واجباته الأولى تكوين الشخصية المغربية وإشاعة الثقافة المغربية، ولكن استمراره في هذا النهج سواء في قطاع السينما أو التلفزيون يرمي بنا في دوامة الاغتراب والاستهجان بكل مآزقه.

وبرغم هذا الحس الوطني، أرى أن السينما أساسها الصورة وليس الحوار المنطوق، والدليل من تاريخها: لقد بدأت صامتة.

·     متابعون أيضا يلقون اللوم على السينما المغربية كونها لم تتحرر بعد من "الاستعمار الثقافي" الفرنسي، حيث إن كثيرا من الأفلام لغة "سيناريوهتها" مكتوبة بالفرنسية، فضلا عن الخطاب الذي يتداوله السينمائيون المغاربة هو خطاب فرنسي بامتياز عكس السينمائيين المصريين مثلا أو السوريين الذين لا يتحدثون في حواراتهم ولقاءاتهم أو ندواتهم إلا باللغة العربية.. هل هذه نقطة ضعف؟ أم عامل انتشار للسينما المغربية برأيك؟

- أعتبر أن هذا السؤال مرتبط بالسؤال السابق بحكم أنه يقع في إطار إشكالية الحقل اللساني، فالسينما المغربية لا تعكس حقيقة اللهجات المغربية (الدارجة بمختلف أطيافها، الأمازيغية بكل ألوانها، الحسانية...)، ولا تعكس حقيقة التعدد اللساني في البلاد (إسبانية، عربية فصحى، إنجليزية...). إن جل صناعها يطمحون إلى استجداء صناديق الدعم الفرنسية (الفرنكوفونية في العمق)، بل أصبح كل مقيم بالخارج يعود إلى المغرب في هجرة معكوسة قصد إنجاز فيلم ـ والحقيقة أن أساس العودة هو الدعم، ولو كان بمنتج أجنبي ـ على مزاجه، وهذا من حقه، ويجتهد المغاربة في إيجاد "تخريجة" تجعله مغربيا بالقوة: هل تصدقون أن فيلم "قنديشة" مغربي! إذا كان الأمر كذلك فإن أفلام فرنسية مثل فيلم "Fortunes" الذي يطرق مشكل المهاجر المغربي وما شاكله مغربي بامتياز.. إذا كان الموضوع هو المحدد! أظن أن اللغة هي الكائن وهي حاملة لنمط عيش وأسلوب في التفكير والوجود والقيم.

لا أعرف السبب الذي يجعل المنتجين والمخرجين المغاربة لا يبذلون مجهودات للبحث عن الدعم الأنجلوساكسوني والاسباني والألماني والإيطالي..؟ لماذا ما زلنا نتوهم أن الفرنسية هي اللغة التي تسعفنا في فهم العالم اليوم؟ هل ذلك يعود إلى التربية ومخلفات الاستعمار والتبعية أم إلى عدم الكفاءة التي لم تستطع تغيير طرق الاشتغال، ويجعل "المقاولة الإنتاجية السينمائية" بالمغرب تقليدية؟ أعتقد أن على السينمائيين المغاربة تغيير وعيهم اللغوي، وهذا طبعا مع احترامي الشديد للغة الفرنسية وإعجابي بالكثير من مبدعيها في الكثير من المجالات.

إن الدعم الفرنسي يبحث عن المصالح الفرنكوفونية وعن ترويج الثقافة الفرنسية عبر اللغة، ويبحث عن نشر النموذج الفرنسي الذي يتأزم يوما بعد يوم بفضل ما تحققه اللغة الصينية والإسبانية والإنجليزية من اكتساح للحقل الثقافي العالمي فضلا عن حقل الاقتصاد.

ومن مخاطر ذلك أيضا، تهجير الخيال، فنحن اليوم لا نعاني فقط من الهجرة السرية والعلنية ومشاكل التجنيس وازدواجية الثقافة.. بل نعاني من هجرة الخيال، وهذا أشد فتكا خاصة أن الكثير من المشرفين على قطاعات الثقافة والتوعية عامة ليست لديهم استراتيجيات يقع الوطن في عمقها.. لذلك لا بد أيضا من التفكير في كتابة السيناريوهات بالعربية، ولو كان الأمر صعبا في البداية، فلنبدأ بالحوارات حتى تكون أصلية سواء كانت باللهجة أو الفصحى.

فن الحياة

·     "عندما نحب الحياة، نذهب إلى السينما".. مقولة فرنسية شهيرة.. لكن هل تنطبق هذه المقولة فعلا على السينما بالمغرب لاسيما في وجود تناقض غريب مفاده ازدياد إنتاج عدد الأفلام المغربية مع تناقص فظيع في دور السينما بالمغرب، حيث تناقصت من 280 قاعة للسينما عام 1980 إلى حوالي 72 قاعة سينمائية حاليا..؟

- إن مشكلة تزايد واستمرار إغلاق القاعات مؤرقة بالفعل، وهذا راجع بالأساس إلى الظروف السوسيوثقافية والظروف التربوية والصناعية التي يتم فيها إنتاج الفيلم المغربي وترويجه واستهلاكه، فلا أظن أن الأمر راجع إلى القرصنة فقط، أو إلى تغير أساليب الفرجة المنزلية وتطورها.. وإنما الأمر في العمق إلى وعي الفرد المغربي بقيمة المنتوج الفني الوطني عامة والسينمائي خاصة، وتقديره لحقوق التأليف؛ فكل ما حولنا ينفرنا من المنتوج الوطني، سواء كان ماديا أم رمزيا، فنحن لا نثق فيه؛ لأن تجربتنا معه عودتنا على الخيبة.. وكلما عاودنا الكَرَّة غار الجرح.. ماذا ننتظر من مجتمع يقدم له المنتوج "الخارجي" على أنه الأحسن والأجود؟! ماذا ننتظر من متعلم يدرس كل ما ينتجه الأجنبي ووفق منهجية أجنبية دون مساءلة وعلى حساب تهميش المنتوج الوطني، مع أنني لست ضد الانفتاح أبدا؟! ماذا ننتظر من مواطن "تلفزيونه المغربي" لا يقدم له صورة تعكس همومه، ولا تشجعه على استهلاك المنتوج المحلي بشكل مستمر؟! إنها عادة الاستهلاك التي تتأسس على الارتياح والطمأنينة النفسية الكسولة واليائسة التي دأبت بفعل العادة على نمط استهلاكي مكرس! أظن أن التغيير يتطلب مجهودا شموليا.. لذلك أعتبر أن رهان الدولة على السينما وحدها غير كافٍ ما دامت لا تمتلك خطة ثقافية شاملة.

إن المقولة التي أشرت إليها في سؤالك تحيل على بنية ذهنية متجذرة في المجتمع الفرنسي أساسها التربية والثقافة والاستثمار في الفرد باعتباره أساس التنمية، فإذا طلبنا من الناس أن يذهبوا إلى السينما، علينا أن نزرع فيهم الحياة ونعلمهم كيف يحيون.. وما السينما والأدب والفن إلا مداخل لممارسة فن الحياة.

الناقد المنحاز

·         كيف تقيم برأيك وضعية النقد السينمائي في المغرب.. ألا ترى أنه يتقدم على وضعية السينما.. ما مرد ذلك؟

- أظن أن أهم ما يمكن أن يؤشر على تقدم النقد أو تأخره في بلد من البلدان، وفي مجال من المجالات، استقلاليته وحريته.. فلا نقد بدون استقلال للذات أو المؤسسة الناقدة عن الفرد أو المؤسسة المعنية بالنقد، ولا قيمة للنقد أو الناقد إذا تحول إلى مجرد صوت تابع أو بوق دعائي رخيص لشخص أو مؤسسة ما.. لذلك فالنقد يجب أن يكون متحررا من كل الإكراهات بغية بلورة خطاب موضوعي يقوم ويدعم ما وجب دعمه، ويشير إلى مكامن الضعف دون انحياز.. فالناقد المنحاز، ومن يحاول شراء ذمته، وجهان لعملة واحدة هي الإفلاس الفكري.

ولحسن حظ الخطاب النقدي السينمائي المغربي أنه انتعش في أحضان شبكة الأندية السينمائية التي كانت تعكس رؤية نضالية مجتمعية يسارية مغربية.. كان الناقد السينمائي في عمقها.. إذ من الصعب التنكر لهذه المرجعية التي نلاحظ أن تلاشيها أدخل السينما المغربية في قمقم المارد.

لكن اليوم يظهر أن من أسهم في ذلك لا يفكر نهائيا في "الخَلَف"، وكأنه يريد أن يحصد وحده ما زرع! وهذه مشكلة في حد ذاتها.. فالناقد يجب أن يتمتع بحس النقد الذاتي.

صحفي مغربي مهتم بالشأن الثقافي.

إسلام أنلاين

08/02/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)