يحكي
مسلسل «التغريبة الفلسطينية» الذي يذاع علي قناة النيل للدراما وهو انتاج
سوري، عن قرية فلسطينية، تدور في ساقية الفقر والجهل والمرض وتحمل ذات
الملامح التي تحملها كل القري العربية، أناس بسطاء فقراء لا يملكون قوت
يومهم0
لم تكن
التغريبة الفلسطينية في حاجة إلي تزويق ورتوش ، فقد كانت الحقيقة كاشفة لأي
محاولة تزييف00فهم قادرون علي كشف لغز الأرض وطلاسم الكلمات00لم تكن
الكاميرا تتنقل ما بين الديكورات لتقص علينا المشاهد، بل كانت تغوص في
الماضي لتجتر مشاهده الحقيقية، وتستدعي الأبطال ليقوموا بأداء أدوارهم مرة
أخري0 فهذا «أحمد» الذي آمن بالثورة وناضل من أجلها، يتجرع كل يوم ويلات
الذكري، ويعاني الأمرين من النكران والألم اللذين خلفتهما تلك الرصاصة التي
اخترقت صدره رافضة الخروج، ثم «مسعود» الذي ظل يتوقع الأسوأ، ويكتشف أن
النزوح للغربة أمر محتوم عليه، حتي وإن كلفه ذلك الموت في تلك الأرض
الشاسعة التي اجتازها للوصول، ثم «حسن» الذي فرضت عليه الظروف القاسية
اختياراتها الصعبة، فيضحي بالتعليم والحبيبة والأهل ويموت غريبا، في محاولة
أخيرة للبحث عن الذات؛ وهذا «علي» الذي يرقب الأحداث ويكون الشاهد علي ما
يجري ليوثقه للأجيال، وأخيرا «خضرة» حيث الابتعاد القسري عن عائلتها وولدها
وقطع سبل التلاقي، لتعيش وحيدة ، لكنها ضرورات الحياة التي فرضت علي كل
الشخوص، ولم تكن متاحة لهم فرصة الاختيار.
إن
التغريبة الفلسطينية لم تحاول إصلاح التواءات الزمن التي لم تستقم يوما، بل
كانت مخلصة في تصدير تلك الآه التي لم تسترع انتباه الغافلين، إلي كل مكان
في الدنيا لتنذر بأن هناك من يتحملون فوق طاقتهم دون ذنب أو جرم، كانت تذكر
من جديد بطريق الآلام الطويل الذي يقطعه الفلسطينيون كل صباح، وكأن الزمن
لم يمض ووقف عند عتبات سحقهم وعذاباتهم، لقد كان جليا في عيون الشخوص كم
الحسرة والحزن والأسف لما وصلوا إليه0
عزفت
التغريبة لحنا حزينا دغدغ ما تبقي من عظام، حتي لم يعد في الإمكان احتمال
سماعه، لكن في العصور الظالمة، لا مجال للاختيار في حضرة الإكراه والاجبار0
يبدأ الشتات الذي لم ينته ليكمل تلك الحكايات التائهة، فتفترق أصابع اليد،
وتبدأ محاولة البحث هي الهم الأكبر، وتضيع الأرض ويضيع الحق، تتلقفهم
الموانئ الحزينة والمطارات المغلقة0
كانت هناك
خطوط حمراء وحدود سوداء تفصل ما بين الواقع والخيال، الموت والحياة، حاولوا
أن يتجاوزوا تلك الحدود بشتي الطرق، لكن محاولات اختراقها كانت تعني في
أبسط المعاني فقدان الحياة، فمات من مات وعاش من عاش، وظلت الحكاية القاسية
تنتقل من جيل إلي جيل يتجرعون الصبر ويجترون المر في حلوقهم لأيام أشد
بؤسا0
إن مسلسل
«التغريبة الفلسطينية» عمل يستحق الاحترام، رصد -بحق- مأساة شعب ظل طوال
تاريخه يناضل، فاستحق هذا التكريم من هؤلاء المخلصين : وليد سيف، حاتم علي،
جمال سليمان، خالد تاجا، جولييت عواد، نادين سلامة، رامي حنا، باسل خياط،
تيم الحسن، حسن عويتي، يارا صبري، وتحية خاصة للموسيقي والديكور اللذين
لولاهما لنقص العمل الكثير، فقد كانا داعمين لهذه الملحمة الجميلة الحزينة0
الأهالي المصرية في
28
يناير 2009 |