تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

من عروض مهرجان روتردام الدولي

سجناء لبنانيون يروون تجربتهم في معتقل الخيام ، هدم السجن وضاعت الذكرى!

محمد موسى من روتردام

بعد ثمان سنوات على تقديمهم فيلم "خيام" ، يعود المخرجان اللبنانيان جوانا حاج توما و خليل جريح الى شخصيات فيلمها السابق ، السجناء اللبنانين السابقين الستة ، ليبدئوا معهم حوارات جديدة ، وليضعوها مع الحوارات القديمة ، في فيلم طوله 104 دقيقة ، يعرض الآن في برنامج "الطيف" في مهرجان روتردام الدولي للأفلام.

ورغم ان العودة ، تبدو كانها استكمالا ، لحديث سابق عمره 8 سنوات ، عن حياة السجن في مخيم "الخيام" الاسرائيلي ، والذي كانت تشرف عليه اسرائيل من عام 1985 الى عام 2000 ، الا انها تاخذ منذ البداية منعطفا آخر ، يتناغم مع الجو السياسي الاختلافي المشحون في لبنان. 

في الجزء الثاني من الفيلم ، ينشغل السجناء السابقون ، بالدفاع عن سجنهم وزمنه وذكراه ، هم يبدون امام أزمة شديدة الصعوبة والالم ،أزمة تكاد تصل الى تشويه الذكرى وكما وصفها بعضهم في احاديثه، فالاسباب التي قادتهم الى السجن ، وحياتهم التي انقضت فيه ، لم تعد تملك القوة ذاتها عند كل اللبنانين ، والحزب الذي يسيطر على الجنوب اللبناني ، صار يحتفل بسجنائه فقط ، وينزعج من سجناء سابقين ، ينتمون الى احزاب اخرى. مثلا ، عندما ترغب احدى شخصيات الفيلم الستة ، العودة الى السجن بعد سنوات من تحريره ، يمنع من الدخول ، لانه كان يحمل راية حزب آخر ، وليقرر بعدها عدم العودة مرة اخرى ابدا! 

البعض من سجناء الفيلم ، كان يملك افكار واضحة تماما ، للسجن بعد تحريره ، احدى السجينات السابقات ،كانت تريد للسجن ان يبقى كما هو ، اي بعد ان غادرته القوات الاسرائيلية والمليشيات اللبنانية التي كانت متحالفة معها ، يترك كما هو ، برائحة وعرق سجنائه ودمهم على الجدران ، باسمائهم التي كتبت ، في ليالي ارق طويلة ، تتحدث هذه السجينة بمرارة ، عن السجن الذي تم طلائه جدرانه بالابيض ، عن تزيينه واضائته ، وكانه مدرسة سابقة!  

قصة السجن والنزاع عليه ، انتهت عام 2006 ، في الحرب الاسرائيلية في ذلك الصيف ، عندما دمرت الصورايخ الاسرائيلية السجن بالكامل. في الجزء الثاني من الفيلم ، يتحدث السجناء السابقين بجزن كبير عن تدمير "الماضي" ، عن فقدان ذلك المكان وما عناه لهم طوال سنوات سجنهم. ولم يبدي اي من السجناء اي حماس ، عن نية حزب حزب الله اعادة بناء السجن من جديدة وتحويله الى متحف ، فلن يكون سجنهم نفسه ابدا. 

رغم ان السياسية تهمين على المقابلات ، القديمة والجديدة ، الا ان الفيلم يترك انطباعا انسانيا ذاتيا مهما ، الشخصيات الستة ، تتخلص سريعا ، من الاطار التقديسي النضالي لتجربة السجن ، وتدخل الى تفاصيل خاصة مؤثرة وملهمة ، في الجزء الاول من الفيلم والذي صور على الارجح في عام 2001 ، يتحدث السجناء ، عن ذواتهم ، التي كانت محصورة في مكان صغير ومغلق ، عن علاقات السجن وقوانينه ، عن افكارهم وخيالاتهم وقتها عن الناس خارج السجن ، قصص حبهم التي تركوها ، عوائلهم واصدقائهم.

في الجزء الثاني ، تحضر السياسية والخيبة من الحياة خارج السجن ، اكثر من الجزء الاول ، البعض ممن ترك الفيلم ، مازال مشغولا بايجاد مكانه في العالم. الحديث عن المحاقظة على تراث سجن "الخيام" يستغرق الكثير من وقت الجزء الثاني. سجن الخيام هنا يبدو ، كاحد الفرص العربية الضائعة العديدة ، لحفظ التاريخ ، يعتقد من قام بتزيين السجن ، بانه قدم خدمة كبيرة للسياح الاجانب الذين سيحضرون بكاميراتهم الى السجن ، ومن المعيب ان يكون مظلما وقذرا وبروائح بشرية متجمعة! 

تتوجه كاميرا المخرجيين اللبنانين جوانا حاج توما و خليل جريح بثبات وسكون الى وجوه الشخصيات الستة ، وعلى معظم وقت الفيلم ، لا تكاد تخرج الى خارج هذا الاطار ، الا مع الدقائق الاخيرة ، عندما تصور اطلال السجن المدمرة في حرب تموز. هذه الوضعية الثابتة للكاميرا كان يمكن ان يتسلل لها الملل ، لولا الشخصيات الحية الرائعة للسجناء الست ، بتنوعهم وثقافتهم الواضحة ، وبالتاكيد الى اسئلة المخرجين والمناخ المطمئن الذي حرصوا عليه خلال التصوير. 

من شخصيات الفيلم ، السجينة اللبنانية الشهيرة سهى بشارة ، وهي التي نفذت عملية اغتيال بزعيم جيش لبنان الجنوبي انطون لحد عام 1987. بشارة التي كتبت عن تجربتها في سجن الخيام في كتاب صدر قبل اعوام ، تقدم في الفيلم وجهة نظر تقترب من الفلسفية عن السجن وحياتها فيه. تبدو بشارة ، بوجها المعبر ، وشعرها الاسود المتناثر ، كشيء غير حقيقي ولا ينتمي تماما الى السنوات الاخيرة. 

لا تتحدث سهى  بشارة كثيرا عن حياتها الخاصة ، لكنها عندما افتتحت الجزء الثاني من الفيلم ، كان لا بد ان تذكر شيئا ما عن السنوات الثمان المنقضية منذ الجزء الاول ، هي توصف قليلا شقتها في باريس ، المدينة التي تعيش فيها بعد تركها لبنان ، "صغيرة جدا الشقة ، بالكاد تكفي لسرير ومكتب" ، تقول ثم تبتسم ابتسامة غامضة ، ربما كانت تتذكر الزنزانة التي تركتها في الخيام ، قبل ان تنطلق الى سجن العالم!  

موقع "إيلاف" في 25 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)